أبو يعرب المرزوقي re nils frahm \"شيء من حتى\" أبعاد اللسان وعلمه لفهم القرآن ونظمه الأسماء والبيان
المحتويات 1 -الفصل الأول 1 - -الفصل الثاني 9 - -الفصل الثالث 15 - -الفصل الرابع 24 - -الفصل الخامس 33 -
-- سبق أن كتبت في أبعاد اللسان خلال البحث في معنى الشعر المطلق سعيا مني للإيفاء بوعد ابن سينا خلال شرحه كتاب الشعر لأرسطو وعده بكتابة مصنف في الشعر المطلق .طبعا لم أكن أدري ما الحل الذي كان ابن سينا ينوي تقديمه لهذا المشكل العويص .لكني فهمت أن قصده هو طلب الشعرية في ذاتها بصرف النظر عن اللغة التي يكتب بها الشعر وعن الثقافة التي يمثلها الشاعر إذ كان تعليقه بمناسبة المقابلة بين الشعر العربي والشعر اليوناني. وقد نزلت التساؤل السينوي في إطار رؤية أرسطو لمنزلة الشعر الفلسفية .ومن ثم في إطار مقارنة الشعرية بالعلمية من حيث العلاقة بالكلية التي هي موضوع الفلسفي عامة .فكلنا يدرك أن العلم لا يبدأ إلا إذا وجد عبارة متحررة من تعين اللغة التي يقال بها تعينا يحول دونه والكونية لارتباطه بذلك اللسان وبتلك الثقافة. ولهذه العلة كان مطلب ابن سينا شديد الغرابة لأني أفهم أن يطبق شرطه على العلم. لكني كنت أشك في قابلية انطباقه على الشعر .واعتقد أن الشارح الأول -الفارابي -لكتاب الشعر والشارح الأخير له ابن رشد -كلاهما لم يعبر عن مثل هذا المطلب بل إنهما يبدوان ميالين إلى أن الشعر اليوناني يمثل الكلي مثله مثل العلم اليوناني بخلاف ابن سينا الذي لم يكن بهذا المعنى يعتبر الشعر اليوناني ممثلا للشعر المطلق الذي يطلبه بل هو عنده خاص بثقافة معينة مثله مثل الشعر العربي. وما يؤيد أن ابن رشد يرى في الشعر اليوناني الكلية رؤيته في العلم اليوناني عين الكلية بل والغاية من العلم تماما كان فعل الفارابي الذي قال قولته الشهيرة في علم أرسطو-العلم اكتمل ولم يبق إلى أن يعلم ويتعلم-هو تصوره القصص الديني -ولم يقل القرآني تجنبا لرد فعل الفقهاء-أشبه ما يكون بالشعر اليوناني بخلاف الشعر العربي. فيكون ابن رشد مثله مثل الفارابي يعتبر آليات الانتقال من اللسان الطبيعي إلى اللسان الشعري قابلا للرد إلى المنطق الذي يحقق نفس الانتقال من المعرفة العادية إلى المعرفة العلمية .وهو في الشعر معنى الممكن الذي هو أقرب إلى معنى الضروري في الفلسفة .ومن ابو يعرب المرزوقي 1 الأسماء والبيان
-- ثم فالشعر أقرب إلى الفلسفة من التاريخ لأن الممكن يتضمن الضروري بخلاف التاريخ الذي يتكلم في العيني الذي يغلب عليه الجزئي والفردي والعرضي وكلها تصورات فاقدة للضرورة. وفهمت كذلك أن ما تفطن إليه ابن سينا لم يدر بخلد الفارابي وابن رشد وإلا لفكرا مثله في ضرورة البحث عن حقيقة الشعر التي لا ترتهن للغة ولثقافة بعينيهما .فما يطلبه لا يرد إلى الحل الأرسطي الذي يرجع ما في الشعر من أدوات الانتقال من اللغة العادية إلى اللغة الشعرية إلى عمليات منطقية من جنس ما تتأسس عليه الاستعارة من التناسب الرباعي في تناظر الصفات المؤسس لتبادل الأسماء والكناية في علاقات العلة بالمعلول وصلا يجعل هذا رمزا لتلك أو تلك رمزا لهذا. وقد حاولت تقديم حل في كتاب الشعر المطلق بالنظر في ما يمكن اللسان أي لسان من تجاوز اللغة الطبيعية في الشعرية كما يتجاوزها في العلمية بمعنى أن الشعر هو بدوره بحاجة مثل العلم إلى ما سماه ابن تيمية لاحقا بالمقدرات الذهنية حتى وإن كنت حينها لم أصل إلى هذه النتيجة الصريحة قبل أن أعود إلى ابن تيمية وأرى ما يميز لغة المقدرات الذهنية الرياضية عن المعرفة العلمية التي يكون موضوعها موجودا خارجيا. لكن قبل ذلك ودون أن أكون قد وضعت فرضية المقدرات الذهنية العملية التي تنظر في القيميات نظير نظر المقدرات الذهنية النظرية في الرياضيات التي تكلم عليها ابن تيمية وحصره العلمية البرهانية والكلية المعنوية فيها دون سواها من العلوم لأنها تنظر في الأوليات التي يعتبرها محضة أي مطلقة التجريد من المضمون الخارجي .ولم يكن بوسع أرسطو أن يصل إلى ما وصل إليه ابن تيمية لعلتين أطلت في شرهما عند كلامي على ابن تيمية في ضميمة المثالية الألمانية: .1فأرسطو أولا يقول بالمطابقة المعرفية بين ما في الإدراك وما في الوجود الخارجي لقوله بمبدإ بارمينيدس الموحد بين الوجود والعقل والنافي من ثم لما يتجاوز العقل أو ما صار يرمز إليه دينيا بالغيب. ابو يعرب المرزوقي 2 الأسماء والبيان
-- .2وأرسطو ثانيا يعتبر الرياضي تجريدا من الطبيعي بمعنى أنه لا يتصوره إبداعا للمقدرات الذهنية بل استخراجا من بنى الموجود الخارجي بفعل التجريد لخصائص المكان والزمان الصورية. لكن ابن تيمية ينفي المطابقة نفيا قاطعا .وينفي أن يكون الرياضي تجريدا من الطبيعي بل هو يعكس العلاقة بينهما فيعتبر الطبيعي تطبيقا جزئيا للرياضي .فهو يعتبره أحد التعينات الممكنة للمجرد الرياضي .والنفي الأول يعني أن العلم لا يطابق الموجود .والنفي الثاني ينفي أن تكون المقدرات الذهنية مجردة من الموجود الخارجي الطبيعي بل هي مبدعات ذهنية لا تطابق شيئا سابق الوجود عليها بل هي التي توجده بتحديد شروط إمكانه. وكان علي أن أجد حلا يؤسس لمقدرات ذهنية في العمل تكون مثل المقدرات الذهنية في النظر غير مستمدة من الوجود الخارجي التاريخي ومحددة لشروط إمكانه مثلما أن المقدرات الذهنية الرياضية غير مستمدة من الوجود الخارجي الطبيعي بل هي مبدعات ذهنية لا تطابق شيئا فيه .ولما كانت المقدرات الذهنية الرياضية \"كائنات\" من طبيعة غير طبيعية فإن المقدرات الذهنية العملية ينبغي أن تكون \"كائنات\" من طبيعة غير تاريخية. وهذا يعني أن القيميات مقدرات ذهنية عملية-وأهمها الشعر-مثل الرياضيات التي هي مقدرات ذهنية نظرية .فتكون نسبة المقدرات الذهنية العملية إلى العمل والتاريخ عين نسبة المقدرات الذهنية النظرية إلى النظر والطبيعة .وإذن فهذه المقدرات الذهنية تتعلق بمجال القيمة والأفعال الحرة أي بالحرية الشرطية تعلق المقدرات الذهنية الرياضية بمجال المعرفة والأفعال المضطرة أي بالضرورة الشرطية. ومن ثم فالأمر في المقدرات الذهنية العملية يتعلق بشروط الحرية الشرطية تعلق الأمر في المقدرات الذهنية النظرية بشروط الضرورة الشرطية وهما شرطا التعامل مع التاريخ ومع الطبيعة انطلاقا من نموذجين لا يستمدان منهما بل بالعكس هما ما به تقاس معارفنا ابو يعرب المرزوقي 3 الأسماء والبيان
-- وقيمنا للموجود لكأن المقدرات الذهنية متعلقة بالمنشود الكوني الذي قد يكون مرسوما في جهاز الإنساني المعرفي والقيمي. وعندئذ تكون المقدرات الذهنية الجسر الواصل بين الحرية اللاشرطية في التاريخ والضرورة اللاشرطية في الطبيعة لكأنهما ما وراء التاريخ وما وراء الطبيعة ماوراءان يحددان شروط الإمكان قبل التعين الوجودي .فالحرية الشرطية والضرورة الشرطية تتعلقان بالطبيعة وبالتاريخ كما يدركهما الإنسان وهما شرطا إمكان إدراكهما. ولذلك فالمقدرات الذهنية تستمد من الحرية الشرطية في العمل والتاريخ ومن الضرورة الشرطية في النظر والطبيعة .وهي إذن ليست قيما أو علوما بشيء متقدم عليها بل هي شروط القيمة وشروط العلم شروط إمكانهما من حيث هما موضوعات ممكنة تتعين جزئيا في موضوعات فعلية هي الطبيعة والتاريخ ولكن ليس حصرا فيهما بل يمكن تصور عوالم بعدد الممكن من التقديرات الذهنية النظرية والعملية. وشرط شروط القيمة هو الحرية التي هي شرطية دائما .وشرط شروط المعرفة هو الضرورة التي هي شرطية دائما .وإذن فالرياضيات هي علم الضرورة الشرطية التي من دونها يمتنع أن نعلم أعيانها الطبيعية التي هي بعض تعيناتها الوجودية .والقيميات هي علم الحرية الشرطية التي من دونها يمتنع أن نعلم أعيانها التاريخية التي هي بعض تعيناتها الوجودية. لكن ذلك كله كان يقتضي أن أعيد النظر في نظرية الترميز عامة وفي نظرية اللسان خاصة منطلقا من العربية انطلاقا من التثليث التقليدي (الاسم والفعل والحرف) وفي نظرية أصناف علوم اللسان منطلقا من التثليث التقليدي (السنتاكس والدلالة والتداول) لكي أضيف ما يؤسس لنظرية الترميز التي ينبني عليها التقدير الذهني النظري الذي ينبغي أن يكون كليا ومتجاوزا للفروق بين الألسن والتقدير الذهني العملي الذي ينبغي أن يتصف بنفس صفات المقدرات الذهنية النظرية من حيث تجاوز الفروق بين الألسن ابو يعرب المرزوقي 4 الأسماء والبيان
-- اعتمادا على ما في كيان الإنسان من قدرات مؤهلة له على الترميز الكوني الذي لا يبدع الرموز فحسب بل يبدع المرموزات كذلك: فالرياضيات تبدع الرمز والمرموز بالتقدير الذهني النظري الذي لنا منه تعين جزئي هو الطبيعة .وإذن فعالم التقدير الذهني النظري أوسع من الطبيعة التي هي بعض التعينات الممكنة بمقتضى التقدير الذهني النظري. والقيميات تبدع الرمز والمرموز بالتقدير الذهني العملي الذي لنا منه تعين جزئي هو التاريخ .وإذن فعالم التقدير الذهني العملي أوسع من التاريخ الذي هو بعض التعينات الممكنة بمقتضى التقدير الذهني العملي. فتكون النسبة بين الطبيعة والتاريخ من جهة والتقدير الذهني النظري والعملي من جهة ثانية عين النسبة بين ما ندركه من الموجود وما ننشده مما يمكن أن ندركه منه في المستقبل دون نهاية لهذا المستقبل .ومعنى ذلك أن خاصية التقدير الذهني سواء كان متعلقا بالنظري الطبيعي أو بالعملي التاريخي هو أنه ليس مثل العلم أو مثل العمل الذي يمثل علاقة بموجود حاصل يحاول صوغه رمزيا بل هو يبدع الموجود المنشود وصوغه الرمزي في آن لانهما مرتسمان في كيان العضوي والروحي أو لعلهما هما عين هذا الكيان إذ يتجلى لنفسه أو هما شكلا الوعي أو الإدراك المصاحب لكيان الإنسان العضوي وما ورائه. فيكون الإنسان بمقتضى كيانه متجاوزا لما يدركه من الموجود بفضل لما لديه من إدراك للمنشود منه لا يتوقف وليس لنا علم بحد له رغم أنه مشدود إلى المطلق الذي يعلم أنه ليس في متناوله .وهو إذن متجاوز لما افترضه كنط بخصوص العقل النظري المحض ومستغنيا عن استعماله في العمل بتأسيسه على مسلمات العقل بل له كذلك ما يجانسه في عقل عملي محض هو مصدر أصل القيم مثلما أن الأول هو مصدر اصل المعرفة .ولا يمكن أن يكون النظري المحض قابلا للاستعمال في العملي المحض لأن هذا شرطه الحرية الشرطية وذاك شرطه الضرورة الشرطية .فإما سحب المسلمات على النظر مثل العمل أو الاستغناء عنهما واعتبار الأمرين متلازمين في كيان الإنسان الناظر والعامل. ابو يعرب المرزوقي 5 الأسماء والبيان
-- وعندما نكتشف أن الفكر العملي مثله مثل الفكر النظري له مقدرات ذهنية فإننا نستغني عن المسلمات الكنطية في تأسيس العمل وطلب المنشود استغناءنا عنها في تأسيس النظر وطلب الموجود .ففي الحالتين للأمر علاقة بما بين المنشود والموجود منهما في عين كيان الإنسان الذي لا يمكن أن يكون في علاقة بالموجود من دون علاقة بالمنشود والعكس بالعكس. فالمنشود في الطبائع هو المقدر الذهني المعرفي المتجاوز للموجود إلى المنشود .إنما الموجود الطبيعي أحد أعيانه والمنشود في الشرائع هو المقدر الذهني القيمي والموجود التاريخي أحد أعيانه. والمسافة بين المنشود والموجود هي بين الممكن عامة والحاصل منه خاصة .فيكون التقدير الذهني متعلقا بالمنشود الذي هو في نسبة المتغير المعرفي والمتغير القيمي للتعين الطبيعي والتعين التاريخي الموجودين في الأعيان .وهذا يجعلنا أمام معضلة :فما في الموجود الطبيعي وما في الموجود التاريخي من تعين مؤقت وما علاقته بالمنشود الذي هو سعي دائم لتجاوز هذا المؤقت نحو ما نفترضه وكأنه معرفة وتقييم صادران عن علم وعمل محيطان لكأن الإنسان يبحث عن المطابقة مع الإله الخالق والآمر. وهذا المؤقت متناسب مع ما نعلم من عالم الشهادة ويبقى ما في الموجود مجهولا بمعنيين: المجهول النسبي أو الغائب أو المعلوم الممكن لانتسابه إلى المنشود إنسانيا من علم الموجود وقيمته. المجهول المطلق أو الغيب أي اللامعلوم لانتسابه إلى المعقود ربويبا من علم الموجود وقيمته. فالمجهول المطلق يحيل إلى الغيب الذي نشرئب إلى ما يختلف عن المنشود المطلق لكونه المنشود النشبي الذي يوحي لنا بالتطابق بين المعرفي والوجودي الطبيعي المطلق والقيمي والتاريخي المطلق في مفهوم الرب الذي لا يخلو منه وعي إنساني لكأن معنى الاستخلاف هو هذا الحضور الدائم لما يفترضه الإنسان في الذات المطلقة التي لها إرادة وعلم وقدرة وحياة ووجود كلها مطلقة ليس بين منشودها وموجودها مسافة بخلاف ما عليه الأمر بالنسبة إلى الإنسان حيث تكون إرادته وعلمه وقدرته وحياته ووجودها كلها فانية ومتناهية. ابو يعرب المرزوقي 6 الأسماء والبيان
-- كل ما أوردته إلى حد الآن في هذا الفصل الأول يبدو أشبه بالألغاز .لكنه سيتضح عندما ندرس ما تؤدي إليه إعادة النظر في عناصر اللسان تمثيلا لها بعناصر العربية التي هي ليست ثلاثة كما اعتدنا على تعريفها أي الاسم والفعل والحرف .فقد أضفت إليها عنصرين آخرين شارطين للتسمية وللتفعيل. كما أضفت إلى عناصر علوم اللسان تمثيلا لها بالنظرية الحالية التي تردها إلى ثلاثة هي علم السنتاكس وعلم الدلالة وعلم التداولية في المجال الدلالي .فقد أضفت إليها علم المعنى الذي هو أوسع من علم الدلالة وعلم التداولية في المجال المعنوي الذي هو أعقد من التداولية في المجال الدلالي .وهما عنصران شارطان للدلالة وللتداولية الدلالية شارطية العنصرين اللذين أضفتهما لعناصر اللغة حتى تكون التسمية والتفعيل ممكنين. أضفت إلى عناصر اللغة العربية -مثالا لكل لسان-عنصر اسم الفعل وفعل الاسم أو ما يبدو أثر الاسم في الفعل وأثر الفعل في الاسم .وقدمتهما على الاسم والفعل .وجعلت الحرف أصلها جميعا بمعنى أن عناصر اللسان مخمسة وليست مثلثة وهي :الحرف أصلا وفروعه الأربعة هي اسم الفعل وفعل الاسم ثم الفعل ثم الاسم. وهذه الإضافة تبدو غريبة لأني سميتهما بما اعتبره لا يحصل إلا بعدهما لكأن تقديم ما احتاج إليه لكلام عليهما يعبر عن حاجتهما إليه في حين أن العكس هو الصحيح بمعنى أن اسم الفعل وفعل الاسم هما المتقدمان في الوجود على الاسم والفعل حتى وإن كانا متأخرين في العلم. وقد أضفت إلى عناصر علم اللغة عنصر المعنى وعنصر التداول المعنوي إلى السنتاكس والدلالة والتداول .واعتبرت السنتاكس أصلا والأربعة الباقية فروعا عنه .ذلك أن السنتاكس هو شرط التحيز في الحيزين الخارجيين عن الخطاب أعني المكان وا لزمان وفي الحيزين الداخليين للخطاب أعني البنية السنتاكس التي هي فضاء تجاوز العناصر ونظام العناصر في البنية أو ترتيبها .وهما مناظران للمكان والزمان اللذين هما حيزان خارج الخطاب بنفس الوظيفة المحددة لفضاء تجاور العناصر وترتيبها فيه. ابو يعرب المرزوقي 7 الأسماء والبيان
-- فيكون السنتاكس بالنسبة إلى علوم اللسان مثل الحرف بالنسبة إلى عناصر اللسان .كلاهما محدد للعلاقة بالأحياز الاثنين الخارجيين والاثنين الداخليين أي لفضاء تجاور العناصر في البنية وترتيبها فيها داخل الخطاب وخارجه أي في العالمين الرامز والمرموز. قد يبدو شرحي للألغاز التي قدمتها أكثر إلغازا منها .لكن ذلك سيتضح عندما اشرح نظرية الترامز بين الفضاءين الذي داخل النظام الرمزي والذي خارج النظام الرمزي بوصفه النظام المرموزي .سأشرح هذه المسائل في الفصول الموالية .وقد سبق ان عرضتها في كلامي على التخميس البديل من التثليث وكذلك في كلامي على المعاني الكلية في رؤية ابن تيمية للمقدرات الذهنية. فهذه الرؤية أنهت نظرية أفلاطون وأرسطو في المعاني الكلية لأنها نقلتها من كونها مقومات الأشياء إلى كونها مجرد رموز مشيرة إليها بنفس المعنى الذي نعنيه بالرموز اللسانية والكتابية في إشارتها إلى ما تتكلم عليه دون ان تكون مقومة له تقويما محايثا كالصورة الأرسطية أو مفارقا كالمثال الأفلاطوني .ومعنى ذلك أن الأشياء لا نعلم منها إلى ما نبدعه مرموزا منها في رموزنا التي تشير إليها في حدود ما يصل إليه علمنا المتطور دائما في محاولة الجمع بين الموجود والمنشود معرفيا وقيميا. ابو يعرب المرزوقي 8 الأسماء والبيان
-- سأبدأ بنظرية الترميز ومفارقاتها التي لا تكاد تفصح عن حقيقتها وآليات عملها .لكنها مع ذلك هي أساس العلاج كله في بحثنا .والفلسفة والدين على الأقل الإسلامي كلاهما يعرفان الإنسان بالقدرة على الترميز أو على التسمية التي هي جوهر الترميز الذي يجعل الأسماء تؤدي وظيفة المسميات في التواصل والتبادل بين البشر بل وبينهم وبين كل الموجودات الأخرى. فإذا كنا قد انتقلنا في التبادل من المقايضة إلى رمز الفعل أو العملة التي هي الحامل الكلي للقيم المادية بضمانة المؤسسة السياسية ومن الإشارة إلى فعل الرمز أو الكلمة التي هي العبارة التي هي الحامل الكلي للقيم المعنوية بضمانة الجماعة ذات اللسان الواحد فإن البشرية تكاد تقتصر بشريتها في كونها كائنات تعيش في عالمين عالم الروامز وعالم المرموزات العالم الثقافي والعالم الطبيعي المتولجين والمتشاجنين بصورة لا يمكن الفصل بينهما وهما في آن حيزي كيان الإنسان الخارجيين وحيزي كيانه الباطنيين أو وجوديه في الأعيان وفي الأذهان. فإذا تخلينا عن خرافة العلاقة المباشرة بين الدال والمدلول بوصفها علاقة هذين العالمين والوجودين واعتبرنا الدال لا يدل بذاته من حيث هي عنصر منفرد بل هو يدل بمنزلته في نظام الدوال وأن المدلول لا يدل عليه بذاته من حيث هو عنصر منفرد بل بمنزلته في نظام المدلولات أمكن لنا أن ننتقل من العلاقة الثنائية ليس لنتجاوزها هي فحسب بل وكذلك إضافة بيرس لدور المؤول أو العامل الثالث في علاقة الترميز بين الرامز والمرموز. فحتى هذه الإضافة لجعل العلاقة ثلاثية لا تكفي .لا بد من تجاوزها حتى نصل إلى علاقة أكثر تعقيدا .ذلك أن تحديد العامل الذي يحدد انتخاب الدلالة التي ننسبها إلى الدال -وهو هو دور المؤول-لا يقع بالصدفة بل هو رهن ظرف الاستعمال وطبيعة التواصل الحاصل فيها .فنتوء العنصر الرامز على أرضية نظام الرموز ليكون هو المنتخب بوصفه العنصر الدال منه ونتوء العنصر المرموز ليكون هو ا لمنتخب بوصفه العنصر المدلول منه ابو يعرب المرزوقي 9 الأسماء والبيان
-- على أرضية نظام المرموزات لا يحدثان إلا بفضل علاقة الناتئين في هذين النظامين ولقائهما للتوسط بين الناتئين بما يشبه التناظر بين النظامين تناظرا يحدده ظرف الاستعمال وطبيعة التواصل الحاصل فيها. مثال ذلك أن أي لفظة في المعجم العربي لا تدل بذاتها بل بمنزلتها في المعجم كله وبما ينتؤها من بين الألفاظ الممكنة فيتحدد الاختيار بعلة النتوء وطبيعة التواصل في الظرفية. ولا مدلول في ما تفيده ألفاظ المعجم بذاته بل بمنزلته في ما يحيل عليه المعجم كله أو على الأقل الحاضر منهما في ذهن المتكلم أو الكاتب خلال التناظر الذي يحدث في ذهنه .ويكون ذلك إما في حالة الكتابة أو الكلام الشفوي أو في حالة البحث عن اللفظ المناسب لما يريد الإحالة إليه أو لما يقرأ نصا ويريد الوصول إلى قصد صاحب النص بتخيل الظرفية التي دعت إلى ذلك التلاقي بينه وبين المناسبة أو المقام. وهذه الظرفيات يعيشها المترجمون خاصة عندما يبحثون عن قصد كاتب النص الذي يريدون ترجمته من لغته إلى لغتهم .والمشكل هو عندما يكون الفكر بصدد اختيار اللفظ الرامز في منظومة الروامز والمرجع الذي يحيل عليه اللفظ في منظومة المرموزات ليصل بين منزلة الأول في منظومته والثاني في منظومته أين يكون هو في تلك اللحظة؟ ألا يكون هو محل هذا التلاقي بين النظامين الرامز والمرموز وفيه يحصل الخط الواصل بين المنظومتين لتحقيق التناظر ببينهما بصورة تجعل التقاء الرامز والمرموز الناتئين هما آصرة التناظر بين المنظومتين؟ لما كواين اعتبر ان كل عنصر من عناصر المنظومة العلمية مثلا يفيد بمنظومة الرموز العلمية كلها ولا يفيد بذاته منفصلا عن بقية عناصر النظام كلها وخاصة على نظامها الذي يحدد دلالات كل واحد منها ألا يقصد أن ما تفيده هو بدوره أمر يتعين بكامل منظومته المدلولة وليس بذاته .فيلتقي العنصر المفيد والعنصر المفاد في محل ما هو محل التناظر بين النظامين المحل المحدد للدلالة المقصودة. ابو يعرب المرزوقي 10 الأسماء والبيان
-- فإذا أجرينا أي تغيير على أحد النظامين يتغير الثاني وإذا أجرينا تغييرا على أحد العناصر في أي منهما يجري التغيير في كل العناصر الأخرى لأي منهما؟ ألسنا نرى الأمر حتى في جهاز النطق إذ ما أن يتغير موقع نطق أحد حروف منظومة الحروف في اللغة حتى يتغير كل نظام النطق في الحروف الأخرى وبه مثلا نفهم الفروق في نطق الحروف عندما ننتقل من بلد عربي إلى بلد آخر؟ وهو ما يقتضي وضع الأسئلة التالية: .1ما الذي يجمع عناصر النظام الرامز؟ .2هل هو العادة اللسانية أي عادة التواصل بتلك الروامز؟ .3وما الذي يجمع عناصر النظام المرموز؟ هل هو عادة الإحالة على المدلولات أي عادة العيش في تلك المرموزات خلال التواصل بتلك الروامز؟ .4وأين تجتمع هذه الروامز؟ هل هي تجتمع في الذاكرة اللغوية للفرد أم في نظام الترابط المعجمي بصورة عامة وهو الذي يمكن العودة إليه لقراءة النصوص مثلا إذا استعصى علينا فهم القصد أم يكون المعجم الذي ينتأ عليه العنصر الرامز هو ما تعلمه الإنسان من لغته القومية وليس كل المعجم الذي هو تراث تاريخي قد يكون حاضرا في الدلالات المتوالية؟ .5وأين تجتمع المرموزات؟ هل هي أعيان الأشياء التي تفيدها تلك الروامز التي حفظها المتعلم في لغته الوطنية فتكون وجودا خارج الرموز متناظر مع كل ثقافة الجماعة وتراثها المتراكمين؟ فيصبح الجهاز التي يحقق اللقاء بين النظامين وينتخب ما ينتأ خلال التواصل من العناصر الرامزة على أرضية نظامها وما ينتأ من العناصر المرموزة خلاله على أرضية نظامها ليحصل الاختيار المناسب بين العنصرين في النظامين هو عين ما نسميه فكر الإنسان المحدد لقصوده في التواصل إرسالا وتلقيا .لكن السؤال هو بأيهما يبدأ الفكر في فعل الإنتاء؟ هل يبدأ بانتخاب العنصر الرامز في نظام الرموز أم بانتخاب العنصر المرموز في تزلن المرموزات أم ابو يعرب المرزوقي 11 الأسماء والبيان
-- إن الانتخابين يقعان معا وكيف تكون هذه المعية؟ هل الوجود في مكانين أمر ممكن للفكر الإنساني Ubiquité؟ من المفروض أن يكون الانطلاق من النظام المرموز في الإرسال لانتخاب العنصر الرامز المناسب له فيحقق التناظر بين الانتخابين في النظامين المرموز والرامز .ويكون المرسل هو المحدد للعامل المؤول بالنظر إلى المقام والقصد من الرسالة. ومن المفروض أن يكون الانطلاق من النظام الرامز في التلقي لانتخاب العنصر المرموز المناسب للعنصر الرامز بنفس الشرطين أعني أن المتلقي يكون حينها هو المحدد للعامل المؤول بالنظر إلى المقام والقصد من الرسالة بقيس مرسلها على نفسه لو كان هو المرسل وليس المتلقي. لكن التناظر في الحالتين لا يمكن أن يحصل إذا لم يكن الأمران ماثلين أمام الذهن أعني أن نظام الروامز ونظام المرموزات يوجدان في نفس الوقت في ذهن المرسل أو المتلقي حتى يتم الإرسال أو التقلي في التواصل .ومعنى ذلك أن المتواصل يكون في آن غارقا في ذاته بما فيها من ذكر لما لديه في ذهنه من النظام الرامز ومن النظام المرموز وغارقا كذلك في مثولهما خارج ذاته بوصفهما وسطين: أحدهما هو النظام الرمزي وكل الثقافة التي هي عالم رمزي شامل لكل أوجه الحياة التي توحد في النظام الرمزي وفي ما يحيل عليه في تلك الثقافة. والثاني هو الرمز المرموزي وكل المراجع المحال عليها في النظام الرمزي بحاضره وبماضيه وبمستقبله عالم فعلي ندركه قائما خارج النظام الرمزي. وهذا الانتساب إلى عالمين متناظرين ومتعاكسين لكأن كلا منهما مرآة تعكس الثاني وفكر الإنسان بينهما مثل جانوس له التفاتان أحدهما ذهني غارق في عالم الرموز والثاني فعلي غارق في عالم المرموزات وكلاهما في حركية دائبة ما أن يحدث تغير في أحدهما حتى يتبعها تغير في الثاني وكلا التغيرين يجريان في الأذهان وفي الأعيان. ابو يعرب المرزوقي 12 الأسماء والبيان
-- ولما كان النظام الرامز هو بدوره قائما في الأعيان قيامه في الأذهان وكان النظام المرموز قائما في الأذهان قيامه في الأعيان صارت الأعيان والأذهان متوالجة كل منهما ذو وجودين. فما تتقدم فيه الأعيان هو الذي نسميه العالم الموضوعي وما تتقدم فيه الأذهان هو الذي نسميه العالم الذاتي. لكن العالم الذاتي لو كان ذاتيا فحسب لاستحال التواصل لأنه لا احد يدخل في ذهن غيره بل هو يراه في ما يتجلى فيه أعني في النظام الرمزي .ولو كان العالم الموضوعي موضوعيا فحسب لاستحال أن تتواصل الأذهان حوله بل هو أيضا ذو وجود فيها .ولهذه العلة فإن الوجهين الذاتي والموضوعي كلاهما لا ينفك عن الثاني. والمؤول الذي يصل بين العالمين أولا ثم بين الوجهين من كل عالم ثانيا هو حالة الفهم التي تجري في الأذهان خلال انتخاب العنصر الذي يراد استعماله في الإرسال لتبليغ المقصود أو في التلقي لفهم المقصود في ظرفية معينة أو في مقام معين هو المحدد للمقال وهو معنى لكل مقام مقال .والظرفية يمكن أن تكون مما ينتسب إلى ما في النفوس أو ما في الأحداث أو ما في الأشياء من عوامل محددة لمنظور الفهم في التلقي أو لمنظور الإفهام في الإرسال. وبهذا المعنى فإن ما سميته الأحياز الداخلية للخطاب والأحياز الخارجية هي التي تحدد المقام أو الظرفيات المحددة للفهم والإفهام في عملية الترميز أو التواصل بين المنتسبين إلى نفس النظامين الرامز والمرموز أعني إلى ثقافة معينة .لكن الثقافات متواصلة في ما بينها وتلك هي الوظيفة الأساسية للترجمة. وما كانت الترجمة تكون ممكنة لولا هذين التوالجين بين الذاتي والموضوعي في كل منهما وبينهما .ومعنى ذلك أن الذاتي لو لكان جاريا في الأذهان وحدها لاستحال التواصل حتى في نفس الجماعة و\"نفس\" الجماعة تعني في الحقيقة الانتساب إلى \"نفس\" شروط الفهم والإفهام أي الغرق في نفس العالم الرامز ونفس العالم المرموز بحدود الوحدة الممكنة بين المعاني خلال انتقالها من زيد إلى عمرو .فما نسميه \"نفس\" الشيء معنى تقريبي لأن كون الشيء واحدا مفهوم شديد النسبية. ابو يعرب المرزوقي 13 الأسماء والبيان
-- فلو فحصنا بدقة تامة أي شيء في لحظتين متواليتين مهما كانتا قريبتين إحداهما من الأخرى لاكتشفنا ألا شيء يستحق أن يقال عنه إنه واحد بل كل شيء متعدد ومتنوع بمجرد أن يتغير تحيزه في المكان أو في الزمان أو فيهما معا ما يعني أن \"الأشياء\" نفسها ليست ثابتة إلا نسبيا وبفعل التثبيت الذي يأتي من ثبات الاسم الذي يثبت المسمى. لكن لما كانت الرموز هي بدورها أشياء صائرة فنحن في بحرين متلاطمين بل في أقيانوسين لا حد لهما ولا حد لأمواجهما ومع ذلك فنحن \"نؤمن\" بأننا شيء واحد وأن ما حولنا شيء واحد على الأقل في حدود معينة .وهذه الصيرورة الدائمة ما كانت لتكون قابلة للإدراك لولا المعاني الكلية التي جعلها ابن تيمية رموزا تشير إلى الأشياء التي تبقى دائما مجهولة مهما أدركنا من اعراضها وانتخبناها لنعرفها بها وليست مقومات لها بخلاف ما كان يتصوره أفلاطون حتى وإن اعتبرها مفارقة لها حتى يتغلب على ظاهرة الصيرورة في الاعيان المحسوسة والثبات الذي كان يتصوره موجودا في مثلها أو ما كان يتصوره أرسطو الذي يعتبرها صورا محايثة لما هو في صيرورة دائمة عندما يتعلق الامر بعالم ما دون القمر أو عالم الكون والفساد متصورا أن ما فوق القمر مطلق الثبات من حيث الهويات والمقومات. ابو يعرب المرزوقي 14 الأسماء والبيان
-- نمر الآن إلى مسالة علوم اللسان الذي هو أعم أنظمة الترميز والتواصل بين البشر وأكثرها تعقيدا لأن كل ما عداه منه إن لم يكن بعضا منها فهي تحاكي وظائفه أو هي تقاس عليه في كل اللغات الصناعية .والرأي السائد حاليا هو أنها ثلاثة علوم هي: .1علم السنتاكس أو علم قوانين التوليف بين عناصر اللغة أيا كانت طبيعية أو صناعية .2علم الدلالة أو علم الإحالة إلى مرجعيات الرموز أو ما ترمز إليه الرموز. .3وعلم التداول أو علم التواصل بين مستعملي الرموز في ضوء ما تحيل عليه من مرجعيات بقوانين الدلالة والسنتاكس. وإذا وصلتها باللسان العربي بشيء من التصرف وتسلمت ما عرفت به الحرف في اللغة بكونه هو الأصل في المكونين الثانيين للسان أعني الاسم والفعل تبين أن الحرف يناظر السنتاكس لأنه هو الذي يصل الاسم بالاسم أو الفعل بالفعل أو الاسم بالفعل في الاتجاهين من الأول إلى الثاني أو من الثاني إلى الأول .فيكون في الحقيقة هو قوانين عمل الآخرين اللذين يشيران إلى العناصر التي يحدد علاقاتها وكيفية الوصل بينها. ويكون الاسم متعلقا بعلم الدلالة سواء تعلق بالإحالة إلى المسميات أو إلى المعاني التي تعرف بها والتي هي في الحقيقة تفصيل مكونات الاسم وكأنها مكونات المسمى سواء كان موجودا بحق أو متخيلا والفعل متعلقا بالتداول سواء تعلق بالأفعال عامة الجاري منها في الأعيان أو الجاري منها في الأذهان وخاصة بفعل التواصل بين المتداولين كلاما عليها أو إشارة إليها. سأقبل فرضيا أو سأسلم جدليا أن الإحالة للأعيان ممكنة بغير الإشارة إليها عيانا بين المتواصلين إذ يتواصلون بالإشارة إلى شيء ماثل أمامهم مثولا فعليا بكيانه المتعين في المكان والزمان خلال تواصلهم حوله .وهذا يعني أن الإشارة تفترض حضور الشيء وحضور ابو يعرب المرزوقي 15 الأسماء والبيان
-- المعنى الذي يعتبر دالا عليه وخاصة اسمه في اللغة الإنسانية العادية لو تصورنا المتواصلين يتجاوزون الإشارة إلى العبارة. وعندما يصبح الكلام على الأشياء في غيابها فإن المعاني تؤدي الدورين إذ هي تشير إلى الشيء وتعبر عما تشير إليه بمعنى أو بمعاني عادة ما يكون إما الاسم لا غير أو جملة المعاني التي صار يعرف بها .وهذه الوظيفة المضاعفة هي التي يمكن اعتبارها الإحالة إلى المدلول ومن ثم فهي موضوع علم الدلالة .لكن عندئذ لا بد من وضع في سؤالين: • ألا توجد رموز عديمة الإحالة إلى دلالة معينة ذات وجود فعلي خارج الخطاب ولها مع ذلك معنى بمقتضى قوانين السنتاكس في تلك اللغة؟ فتكون معاني قد تعتبر خرافية أو مستحيلة وجوديا لكنها سليمة لسانيا؟ • وفي هده الحالة التي تتعلق بإحالة إلى معنى ليس له عين وجودية فعلية وهي طبعا مختلفة عن الإحالة الى شيء أو إلى معنى له علاقة بشيء فعلي فتكون النسبة بين الإحالتين من جنس النسبة بين المعنى الذي لا يحيل على شيء موجود إما لأنه من الخيال أو لأنه من ممتنع الوجود والمعنى الذي يحيل على شيء إما موجود فعليا أو مسلم بأنه موجود فعليا؟ وهذا هو المجال الثاني الذي نريد البحث فيه. والمشكل الأول طرحه فراجه ورفضه كواين .وقد تكلمت في هذه الإشكالية وبينت أن كواين ينفي المعنى ويكتفي بالدلالة لكنه لم يعد يعتبرها محيلة إلى شيء بل إلى قيمة متغير هو المعنى الذي يتعين في شيء يعتبر قيمة من قيم ذلك المتغير بحسب نظام المعاني في العلم في العلم الذي هو نظام المعاني المنظم للقيم التي تتعين فيها ويسمي ذلك الالتزام الوجودي للمعاني في النسق العلمي في زمن معين. لكن المشكل الثاني يبدو لي أميل إلى تأييد فراجه والتشكيك في كفاية الحل الذي قدمه كواين .ذلك أن حل كواين على أهميته قد يخلصنا من ازدواج الإحالة ليس بنفيها بل باعتبارها إحالة إلى متغير الذي يحيل إلى مضمون هو معين قيم المتغير .لكن ماذا إذا تعلق ابو يعرب المرزوقي 16 الأسماء والبيان
-- هذا المضمون بالممتنع أو بالمبدعات التي يبدعها فعل الترميز نفسه والتي من دونها يستحيل أن نتعامل مع العالمين اللذين نعتبرهما واقعيين أي الطبيعة والتاريخ؟ إنها إذن إحالة إلى مضمون نسلم من البداية أنه لا يتعلق بموجود بل بمعدوم ككل الكائنات التي تتكلم عليها الرياضيات والآداب العليا والأديان من الكائنات التي يبدعها النظام الرمزي نفسه أو هي تبدع في نفس الحين الذي تبدع فيه الأنظمة الرمزية التي تخلق عالما لا علاقة له بكائنات العالم الطبيعي أو العالم التاريخي لكن الأول لا يمكن أن يعلم من دونها والثاني لا يمكن أن يقيم بدونها؟ فإذا أثبتنا هذين الأمرين نكون قد أضفنا مجالين جديدين يحتاجان إلى علمين جديدين نضيفهما إلى علوم اللسان الثلاثة التقليدية فتصبح خمسة أصناف .وإذا تم لنا ذلك وجدنا الأساس الذي يجعل نظرية المعاني الكلية التي جعلتها الفلسفة القديمة والوسيطة وحتى الحديثة إذا ما استثنينا كنط مقومة للأشياء وليست مجرد رموز مشيرة إلى ما ندركه من عراضها دون أن نزعم أنها مقومة لحقيقتها في ذاتها. وفي هذه الحالة تصبح المعاني الكلية هي بدورها رموزا من جنس الألفاظ والكتابة كما تصور ابن تيمية ذلك نفيا للرؤية الأفلاطونية والأرسطية للمعاني الكلية التي اعتبرها كلها مقدرات ذهنية وهي مختلفة عن المعاني الجزئية التي نستمدها من التجربة الطبيعية أو التاريخية والتي هي دائما تقديرات فعلية لا تعطينا حقائق الأشياء بل ما ندركه من اعراضها التي نختارها للإشارة بها إليها. ولنأخذ أبسط مثال .بدأ أرسطو بوضع متغيرات في التحليلات الأوائل محل أسماء أشياء معينة حددت متيافيزيقاه المعاني التي يتقوم بها كيانها المتعينة في الوجود الخارجي وحددت التحليلات الأواخر شروط تطبيق تلك القواعد القياسية عليها .ففي قياسه وضع المتغيرات \"أ ,ب ,ج\" وقال كل \"أ\" هو \"ب\" وكل \"ب\" هو \"ج\" بدلا من كل البشر مائتون وكل اليونانيين بشر وإذن فكل اليونانيين مائتون (بربرا :كلية موجبة) استعمل متغيرات جعلها حدود قياسه. ابو يعرب المرزوقي 17 الأسماء والبيان
-- ثم أعطى للحدود قيما هي البشر والمائتون واليونان فانتقل من متغير إلى قيمة في الحالات الثلاث أي في المقدمتين والنتيجة وحينها فهو ينتقل من حدود هي من وضعه إلى قيم هي خارج فعل الوضع لأنها تفترض موجودة في الأعيان وليست في الأذهان .ففي الحالة الأولى يكون القياس متعلقا بمقدرات ذهنية هي المتغيرات وهي مفروضة مطابقة لمضمون مجرد هو تلك المتغيرات التي هي مطلقة التحديد رغم كونها خانات خالية .وفي الحالة الثانية يكون القياس متعلقا بقيم المتغيرات التي تملأ تلك الخانات فتضعنا أمام نوعين من الإكراهات \"الواقعية\" إن صح التعبير: .1الإكراه الأول هو أنه لا يستطيع أن يسور الحدود العينية مثلما يسور الحدود في شكل المتغيرات فينتقل منها إلى \"كل البشر مائتون\" \"كل اليونانيين بشر\" لينتج \"كل اليونانيين مائتون\" دون أن يراجع الموضوعات التي عوضت الحدود في شكل المتغيرات .وإذا راجعها فسيجد أن النتيجة التي وصل إليها معتمدة على مصادرة على المطلوب في الحدين الأولين لأن النتيجة مفترضة فيهما. .2والاكراه الثاني أن ذلك ليس دائما متوفر لأن السور \"كل\" الذي هو ضروري في احدى المقدمتين أي على الأقل مرة إذ القياس لا ينتج إلى إذا كانت فيه على الأقل مقدمة كلية ومن ثم فالقياس كله مبني على مصادرة على المطلوب. ومن ثم فلا يمكن للقياس ان ينتج ما لم نسلم بالمطابقة ولا نسلم بها ما لم نسلم بان بالاستقراء التام إلذي انتقلنا من شكل المتغيرات إلى تعيينها في قيم محددة .وتعميم الاستقراء وادعاء تمامه لا شيء يثبت صحته .والتسليم الذي من هذا النوع فيه بنحو ما الغاء للركن الثاني في معرفة الموجود الخارجي أعني التجربة االتي هي شرط ضروري للانتقال من التقدير الذهني الغني عن المرجعية الخارجية إلى العلم الفعلي الذي لا بد له من مراجعة المرجعية الخارجية بالتجربة. ولما كان ما نرجع إليه من المرجعية ليس بالضرورة عين حقيقتها بل هو بعض أعراضها التي اعتبرناها ممثلة لها في حدود علمنا في لحظة من لحظات تاريخ تطوره فإن العلم المتعلق ابو يعرب المرزوقي 18 الأسماء والبيان
-- بالأشياء الخارجية التي ليست مقدرات ذهنية في هذه الحالة لا يمكن أن يكون أوليا ولا ذاتيا ولا كليا ولا محضا .وهذا هو كلام ابن تيمية في كلامه على المنطق أعني على هذه النقلة من المتغيرات في التحليلات الأوائل إلى القيم المعينة في التحليلات الثواني .والنتيجة هي أن القول بنظرية المعرفة المطابقة تنتفي في الحالتين: .1فهي غير ممكنة في معرفة الوجود الخارجي إلا إذا وضعنا الاستقراء تاما وحتى في هذه الحالة فقد يكون تمامه لحين لأن وجوده مستقل دائما عن إدراكنا له .ولا يمكن أن نزعم أن إدراكنا محيط بحيث نرد الموضوع إلى ما ندركه منه. .2وهي عديمة المعنى في معرفة التقدير الذهني لأن التقدير الذهني يضعه بالحد والتعريف ولا يستقريه وهو لا يعينه بل يعتبره متغيرا وعندما يعنيه فهو يعينه بحده المتقدم على وجوده بل إن حده هو الذي يوجده ولا يستمد من إدراك لأمر خارج عن فعل الوضع نفسه. لكن هذه الحالات البسيطة من المعاني الرامزة التي تنتج ما تحيل عليه ولا تحيل على شيء خارج عنها إلا عندما يحدد شيء ما بوصفه إحدى تعيناتها كما في حالة المتغيرات تبدو وكأنها قابلة للرد إلى الحالات العادية ذات الإحالة إلى مرجعيات خارجية عادية لأن تعيين القيم التي تتعين بها المتغيرات تفقدها ما يبدو مختلفا عن الإحالة المرجعية فتبدو الإحالة المعنوية وكأنها تابعة للإحالة المعنوية. ومثلها المعاني الخيالية التي تبدو مؤلفة من معان \"ذات وجود خارجي فعلي\" مثل عبارة جبل من ذهب أو إنسان سرمدي أو أي كيان خيالي ليس له وجود فعلي فهو معنى متناسق من حيث العبارة عنه في اللسان العادي .لكنه لا وجود له خارج العبارة فيكون المعنى محيلا على معنى وليس على شيء أو حتى إشارة غير مباشرة بتوسط معنى يحيل عليه. فيكون الحكم الوحيد في المعنى ليس دلالة خارجية بل مجرد السلامة اللغوية أيا كان اللغة .فيكون الأدب الخيالي والرياضيات كلها من هذا الجنس .لكن المشكل هو أن الرؤية الآرسطية لطبيعة الرياضي في الميتافيزيقا جعلته يكون تجريدا من الطبيعي مكانا أو زمانا. ابو يعرب المرزوقي 19 الأسماء والبيان
-- فتكون الإحالة في المعاني الرياضية وكأنها من جنس ما وصفنا في عبارة جبل من ذهب أو إنسان سرمدي أو أي كيان خيالي :أي إنها مؤلفات من معان دالة على أشياء ذات وجود فعلي ألفت بصورة تجعلها ممتنعة الوجود لما في ماهياتها من تناقض مع الشروط الميتافيزيقية للتعين الوجودي. لكن الأمر لا يتعلق بهذه التبعية للتأليف من عناصر ذات وجود فعلي أو من عناصر مجرد من كيان ذي وجود فعلي كأن نتصور الهندسة من المكان والعدد من الزمان لكأن المكان والزمان شيء فعلي وليس هو بدوره معنى لعله من جنس طبيعة الشيء الذي نبحث عنه في التمييز بين الإحالتين الإحالة الدلالية والإحالة المعنوية. فلننطلق من رؤية ارسطو الذي يعتبر المستقيم معنى مجردا بالاستثناء (الطرح) من السطح والسطح الذي هو معنى مجرد من الجرم .لكن من أين يستمد المستقيم الاستقامة وفقدان السمك فيكون امتدادا في المكان عديم السمك من حيث العرض ويكون متصلا فيه بلا حد؟ وكيف يمكن للذهن تصوره وهو ممتنع الوجود الفعلي الذي نريد رده إلى كونه أحد عناصر موجود فعلي .فهبنا عكسنا واردنا أن نكون السطح بتنضيد المستقيمات كما نفعل عندما ننسج نسيجا من الصوف بخيوطه تتشاجن .لكن في هذه الحالة عندنا خيوط ذات سمك وليس مستقيمات لا سمك لها .كيف مما هو عديم السمك نكون شيئا ذا سمك في العرض فيصبح سطحا؟ وبالمقابل كيف مما له سمك أن نجرد شيئا لا سمك له حتى لو سلمنا بفرضية ارسطو بأن المستقيم هو الحد الذي يلتقي فيه سطحان والسطح الحد الذي يلتقي فيه جرمان أي أن نحصل على غاية التجريد المستقيم من السطح والسطح الذي لا عمق له من الجرم (في العرض)؟ وكيف يمكن أن نفهم معنى كائن اسمه الدائرة يتحدد بحركة الشعاع دون تحديد لطوله فيتحدد دائرة يمكنها مع أن سطحها ليس له أدنى سمك أن يتحرك حول أحد أقطاره فتتكون كرة وتكون هذه الكرة قابلة لأن تنتفخ بانتظام في كل الاتجاهات إلى أن تصبح محيطة بأي ابو يعرب المرزوقي 20 الأسماء والبيان
-- عالم شئنا مهما كان عظيما ومثلها الدائرة أن تتمدد في كل اتجاه فتكون أوسع من أي سطح مستو مهما كان شاسعا؟ ثم كيف يمكن أن أنشئ هندسات مختلفة عن هندست إقليدس ويمكن أن تعطيني عالم مختلفا عن العالم الطبيعي الذي اعتبره محالا عليه بوصفه نظام المراجع في الإحالة المرجعية للعالم الطبيعي العادي الذي ندركه بحواسنا والعالم الذي وراء ما ندركه بحواسنا والذي هو بدوره يكاد يكون لا متناهيا .وكيف يمكن أن يكون هذا العالم هو بدروه قابلا للإدراك بهذه الهندسات المختلفة؟ عندنا إذن مشكل العلاقة بين العالمين عالم المقدرات الذهنية وعالم الموجودات الخارجية .والأول مثاله الرياضيات .والثاني مثاله الطبيعيات .لكن الرياضيات يمكن الا تكون مقصورة على ما له تناسب مع الطبيعيات فتتعدد بتعدد العوالم الممكنة التي تبدعها الرياضيات موضوعا لها خلال ابداعها للرموز الرامزة لها بمعنى أن الإبداع الرياضي الذي يكون في آن إبداعا للرامز وللمرموز بخلاف العلوم التي تدرس ما تكون الإحالة فيه لموجودات خارجية سابقة الوجود على محاولة ترجمتها بالرموز. وإذا كان ذلك كذلك في المقدرات الذهنية التي من هذا الجنس ولنسمها مقدرات ذهنية نظرية بمعنى أنها موضوعات لمعرفة علمية ما فإنه يمكن تصور ما يجانسها من حيث طبيعة الإحالة المعنوية وليس المرجعية وتكون من جنس يمكن أن نسميه بالمقدرات الذهنية العملية بمعنى أنها موضوعات لمعرفة قيمية وهي التي تعمل بها الآداب التي تكون في نسبتها إلى التاريخيات مناظرة لنسبة الرياضيات إلى الطبيعيات. وهذا هو النوع الثاني الذي حاولت وضعه قياسا على المقدرات الذهنية النظرية التي تكلم عليها ابن تيمية والتي سميتها بالمقدرات الذهنية العلمية تتعلق بمعرفة القيم وليس بمعرفة الأشياء .وفي الحقيقة فتسميتي لهما فيها الكثير من التجوز لأنه لا يمكن أن نسمي هذه المقدرات الذهنية النظرية والعملية علوما أو قيما لأنها من جنس آخر هو بالأحرى بحث في شرط علم الأشياء وشرط قيم الأفعال. ابو يعرب المرزوقي 21 الأسماء والبيان
-- وسأصطلح على تسمية النوع الأول من المقدرات الذهنية بـ\"فن الضرورة الشرطية\" والنوع الثاني منها بـ\"فن الحرية الشرطية\" .والقصد أن الفن الأول يبدع الرمز والمرموز المشروطين في المعرفة العلمية قبل الشروع فيها لأنه يبدع معاني يعبر بها عما يدركه من حقائق العالم الموجود سواء كان طبيعيا أو تاريخيا دون أن يكون من خلقنا والثاني يبدع الرموز والمرموزات المشروطين في المعرفة العملية وقيم المنشود الذي هو من خلقنا سواء كان تاريخيا أو طبيعيا. والسؤال هو :كيف يمكننا أن نبدع هذين الفنين اللذين لا يمكن من دونها أن نعلم ما ندركه من الحقيقة وأن نعمل ما نقيمه من الأفعال وأن يكون الثاني ليس لمعرفة حقائق العالم الذي لا دخل لنا في خلقه بل لخلق قيم لعالم نحن الذين نبدعه. ثم ألا يكون الفنان هما بدورهما من جنس خلق عالمين لا وجود لهما نستطيع بأولهما معرفة العالم الموجود وبالثاني خلق العالم المنشود؟ ا يكون الفنان في هذه الحالة من جنس العالم المنشود الذي نخلقه نحن فتصبح كل المقدرات الذهنية في حقيقتها من خلقنا وهي من ثم نوع من التقدير الذهني العملي الأرقى والذي هو عين ما فينا من تجهيز كياني بالمعنى الفني إذا تصورنا كياننا العضوي والروحي شبه آلة مبدعة للترميز رموزا ومرموزات أو بلغة قرآنية من فطرة يكفي إيقاظها في التعليم وهو ما يسميه القرآن تذكيرا بمعنى قريب من المعنى السقراطي بحيث إن المقدرات الذهنية النظرية هي بدورها من جنس المقدرات الذهنية العملية فلا تكون حقائق الموجود التي نعلمها مختلفة عن قيم المنشود الذي نعمله؟ وبذلك يتبين أن فن الضرورة الشرطية أو فن التقدير الذهني الذي يمكن من علمها يعود إلى فن الحرية الشرطية أو فن التقدير الذهني الذي يمكن من عملها .وتصبح القيم متقدمة على العلوم تقدم الإرادة على العقل بمعنى أنه لو لم يكن الإنسان حرا وقادرا على إبداع الأنظمة الرمزية لاستحال عليه أن يدرك الأنظمة الوجودية التي هي في الحقيقة ليست مقومات الوجود الفعلي في حقيقته الذاتية بل هي حقيقة الوجود الإضافي إلى مداركنا وإلى ما ننتخبه من أعراضها لكي نشير إليها أو لكي نسميها. ابو يعرب المرزوقي 22 الأسماء والبيان
-- فإذا كان ذلك كذلك صار عندنا خمس مستويات من علوم اللسان لأن الإحالة المرجعية تحيط بها إحالة معنوية أوسع منها وشارطة لها فلا يبقى علم الدلالة كافيا ولا بد من علم المعنى الذي يحيط به ويتجاوزه تجاوز المنشود لما ندركه من أعراض الموجود .وإذا اضفنا هذا النوع الثاني من الإحالة صار من الواجب أن يوجد نوع ثان من التداولية .وإذن فلنا: .1علم السنتاكس وهو سنتاكس يحدد التناسق الرمزي إما بمقتضى الإفادة المرجعية التي تحيل إلى موجود سابق عليها أو بدونها وذلك هو الفرق بين الدلالة والمعنى. .2علم الدلالة التي هي الإحالة إلى موجود سابق الوجود على العبارة الرامزة إليه. .3علم التداولية حول الدلالات. .4علم المعنى التي هي عدم الإحالة إلى موجود سابق على المعنى بل المعنى لا يرمز إلى المفهوم منه دون أن يكون للمفهوم منه ما يناظره في الوجود الخارجي الذي من جنس الدلالة. .5أخيرا علم التداولية حول المعاني .وله مستويان :قبل تعيين قيم المتغيرات أو تعيين المعاني بالتأويل .ثم بعد تعيين قيم المتغيرات فنعود إلى الكلام في الدلالة التي هي ما تحيل إليه تلك القيم إذا كانت مأخوذة من الموجود الخارج. وتلك هي العلوم الحقيقية التي تدرس الوجود الخارجي سواء كان طبيعيا أو تاريخيا. لكن إذا الإحالات الدلالية بمعناها الأول والمباشر فهي إحالات لم تصبح بعد علمية لأنها تخضع نظام الرموز مباشرة إلى ما ندركه مما نتصوره واقعا متوهمين أن الواقع شفاف وأن عقولنا تنفذ إليه وتتطابق معه. لكن العلم الذي يمكن أن يكتشف قوانين ما ندركه من الوجود الخارجي طبيعيا كان أو تاريخية هو من جنس النوع الثاني أعني أن ما يذكره منهما هو قيم مؤقتة للمعاني .فتكون المعاني أعم من الدلالات التي هي قيم مؤقتة لها وهي متغيرة مع تطور الإدراك وأدوات النفاذ إلى ما في الأشياء من أنظمة وراء أعراضها. ابو يعرب المرزوقي 23 الأسماء والبيان
-- خلال كلامي على عناصر اللغة اعتبرت دور للحرف بينها في نسبة دور السنتاكس بين علوم اللسان عامة وهو رأـي لا يمكن ألا يستفز علماء اللغة العربية الذين وضعوا ثلاثي العناصر اللغوية بالنسبة الى العربية .ويزعم الكثير ان النحاة العرب اعتمدوا في ذلك على النظرية اليونانية .ولم اهتم كثيرا بالنظر في المسالة لعلمي أنه يوجد من يكتفي باثنين مثل أفلاطون رغم كونه أفضل المنظرين الحريصين على تخليص اللغة مما قد يحول دونها وقابلية الاستعمال المنطقي فلم يقل إلا بثنائي الاسم والفعل .كما أنه يمكن أن نذهب إلى أكثر من ثلاثة إذ توجد عناصر أخرى كثيرة لا هي أسماء ولا هي أفعال ولا هي حروف مثل الأفعال الناقصة ومثل إن وأخواتها وهي تشبه وظيفة فعل الوجود في اللغات الأوروبية .فعندما تضاف إلى جملة خبرية فيها انتقال من الحمل العادي إلى الحمل الذي يخبر عن حقيقة المخبر به أو على الأقل عن توكيدها .كما أن الضمائر يصعب اعتبارها أسماء دون تكلف وكذلك الاسم الموصول إلخ ...من العناصر ذات الطبيعة غير القابلة للرد إلى أي من الثلاثة المعترف بها أو هي ترد إليها بتكلف كبير يغر مقنع .وكل ذلك سببه أن معيار التصنيف غير دقيق وغير محدد الطبيعة. فقد عرف الحرف بكونه لا يتمتع بالخاصية الوظيفية التي تنسب إلى الاسم ولا الى الفعل .وعرف الاسم بخاصيات تنفى عنه خاصية الفعل (-الزمن) .وعرف الفعل بخاصيات تنفى عنه خاصية الاسم (+الزمن) .والمعلوم أن بعض الحروف مكمل للأفعال لأنها من دونه لا يمكن أن تفعل مباشرة بل تحتاج إليه .ولولا خيارات الكتابة (كل ا لأفعال التي تتعدى بالحرف) لكان يمكن أن يكون بعضها منحوتا مع الفعل وبعضها منفصلا عنه وبعضها ينحت معه أحيانا ويفصل عنه ـأحيانا أخرى كما في الألمانية. كما يوجد بعض الحروف التي تكمل وظيفة الأسماء المشتقة من الأفعال القاصرة لأنها من دونه لا تسمي مباشرة كما في أسماء الفاعل وأسماء المفعول منها :.مثل القول المسكوت ابو يعرب المرزوقي 24 الأسماء والبيان
-- عنه أو المقدور عليه .وبعض الحروف للوصل بين الجمل وبعضها للوصل بين الألفاظ في الجمل كحروف العطف وبعضها لتحديد الظرف الزماني او المكاني. لكل ذلك أريد أن انظر في تصنيف أكثر دقة وبمعايير ذاتية لوظيفة اللسان .ويمكن أن ـأحدد ما أسعى فأصوغه في السؤالين الواجبين: .1هل هذا التصنيف يمكن من تعريف جامع مانع لعناصر اللغة فيحدها في هذه العناصر الثلاثة لا اكثر ولا أقل دون الدليل على كفايتها لوصف عناصر اللغة؟ .2وما طبيعة العلاقة بين هذه العناصر الثلاثة ولم هي كذلك وليس على نحو آخر خاصة والكثير من العناصر تبدو غير منتسبة إليها ما فرض وضع عناصر هجينة معها؟ لا يمكن لعلم أن ينطلق من أمر واقع لتأسيس البحث عن أمر واجب إلا إذا سلم بأن ذلك فرضية عمل وليس حقيقة نهائية .فإذا كان الهدف الجواب عن أسئلة تتعلق ببيان علل كون الأشاء على ما هي عليه فلا بد أن نبدأ بالمنطلق فنسأل عن علة كونه على ما هو عليه ونضع فرضيات فنختار منها ما نعتبره أقدر على تفسير ما نريد تفسيره .والمنطلق هو اعتبار العربية مؤلفة من اسم وفعل وحرف بل وأكثر من ذلك لا بد من الجواب عن سؤال العناصر المقومة للسان أي لسان وليس العربية وحدها. والمحير في ما تقدم في الفصول السابقة من المحاولة هو افتراضي أن نسبة الحرف إلى العنصرين الآخرين هي عين نسبة السنتاكس إلى العلمين الآخرين في نظرية التثليث لعلوم اللسان هو ما فيه من استفزاز لعلماء العربية ولعلماء اللسان عامة .وذلك ما أنوي تخصيص هذا الفصل الرابع لمحاولة تعليله وبيان أهميته .ويمكن أن اعتبر الفصلين الثاني والثالث بداية جيدة للقيام بهذه المهمة .فهما يمهدان للإشكالية التي أحاول علاجها الآن. كلنا يعلم أن مسألة الحروف في العربية لم تكن قضية مهملة إذ يكفي أن يقرأ الواحد أكبر لغوي عربي -بشهادة ابن خلدون-في نفس الحقبة التي اعتبرها ذروة الفكر الفلسفي في المدرسة النقدية ممثلة برمزها في نهايات القرن السابع (ابن هشام) قبيل بدايات الثامن (ابن تيمية) وبغاياته (ابن خلدون) .فابن هشام الأنصاري قد ألف كتاب مغني اللبيب ابو يعرب المرزوقي 25 الأسماء والبيان
-- عن كتب الأعاريب وهو مصنف اعتبر محاولتي وثيقة الصلة به .ولا يعنيني هنا أن العلاقة ليست مباشرة مع هذا الكتاب رغم أهميته وعمقه وكونه من أفضل ما كتب في مسألة الحروف بكل اصنافها. فللكتاب علاقة غير مباشرة بتوسط الغاية منه .ولعل الكلمة الأخيرة من العنوان \"\"الأعاريب\" حاسمة في الاتجاه الذي اذهب فيه .فالأعاريب تتعلق بضروب الاعراب وما لها من صلة بالحروف .والكتاب هدفه في مشروع ابن هاشم الانصاري ليس اعراب المفردات بل اعراب الجمل أو ما نسميه بالتحليل المنطقي للجمل وترابطها وكأنها مفردات .وهو ذو صلة ببحثي .فإعراب الجمل يتعلق بالروابط المنطقية السنتاكسية بينها .ومن ثم فهو يصل الحرف بالسنتاكس بمعنى القوانين التي تصل الجمل بمقتضى قوانين نحوها مطبقة ليس على ألفاظها بل على جملها .وطبعا فلما كان بناء الجملة النحوي يؤثر في علاقات الجمل فإعرابها يتضمن قوانين نحوها المطبق على ألفاظها لأن بنية الجمل مؤثرة في قوانين الوصل المنطقي بينها. فتكون الحروف أهم تعين للسنتاكس الذي يقبل الرد اليها وهي تؤثر في المستويين من الاعراب تأثير السنتاكس في تأليف الحدود البسيطة في أي نسق وتأثيره في قوانين الوصل بين الجمل المؤلفة منها .فتكون كل لغة سواء كانت طبيعية أو اصطناعية -لغة أي فن وأي علم-مؤلفة من نوعي التقطيع التقطيع الذي يؤلف بين الحدود البسيطة لتكوين الحدود الأولية التي هي أشبه بالألفاظ في اللغة الطبعية وذلك بحسب قوانين محددة والتقطيع الذي يؤلف بين هذه الحدود الأولية والتي هي أشبه بتكوين الجمل المفيدة فما فوق في اللغة الطبيعة. وسأقبل الانطلاق من الثالوث معتبرا الحرف أصلا والاسم والفعل عنصرين يؤلف بينهما الحرف حتى يمكن استعمالها للانتقال من الإشارة إلى العبارة .وخاصية الحرف في هذه الحالة هي تنزيلهما في الحيزين الخارجيين بالنسبة إلى العبارة أي المكان والزمان اللذين ابو يعرب المرزوقي 26 الأسماء والبيان
-- يشار إليهما في التواصل وفي الحيزين الداخليين في العبارة أي في العلاقة بالأسماء (تثبيت في المكان) وفي العلاقة بالأفعال (تحريك في الزمان). والتثبيت في المكان فيه إحالة إلى مسميات هي التي يقع تثبيتها ومن ثم فنحن أمام علاقة إحالة إلى مسمى سواء كان في المكان الخارجي الطبيعي أو في مكان الخطاب باعتباره موضوع الخطاب .فلو نظرنا الآن إلى الفعل فإننا نستعمل كلمة فعل بإحالتين اولاهما تشبه الإحالة إلى الاسم وإحالة تشبه الإحالة إلى المسمى .لذلك فينبغي ان نتخلص من ازدواج الإحالة فنميز بين المعنيين. وحتى نتمكن من ذلك وجدت طريقة بسيطة للتمييز بين الاسم والمسمى :فأسمي الاسم أسما وأسمي التسمية التي تحيل إلى المسمى فعل الاسم .وقياسا على ذلك أسمي الفعل فعلا وأمسي التفعيل الذي يحيل إليه الفعل اسم الفعل. فيصبح عندنا أربعة عناصر: فعل الاسم ليس مجرد كلمة بل هو ما به ينتأ موضوع التسمية فيسمى به :ما يجعل الأسماء تشير إلى المسميات .والقصد هو الاستعارة التي تعتمد على ما بين أعراض الأشياء المسماة من وجوه شبه اسم الفعل ليس مجرد كلمة بل هو ما به تنتأ ذات الفاعلية فتسمى باسمه :هو ما يجعل الأفعال تشير إلى التفعيلات .والقصد الكناية التي تعتمد على ما بين الأشياء من علاقات علية في الاتجاهين من العلة إلى المعلول ومن المعلول إلى العلة. الاسم كلمة :حركة اسم ومركزه نظام العبارة الصوتية :موسيقى والبداية هي الصوت الذي يسمي نفسه. الفعل كلمة :اسم حركة ومركزه نظام العبارة البدنية :رسم والبداية هي الحركة التي تسمي نفسها. والحرف هو الأصل الذي له دوران هما نوعا التحييز الإشاري: التحييز في الحيزين الخارجيين أي في المكان والزمان. ابو يعرب المرزوقي 27 الأسماء والبيان
-- والتحييز في الحيزين الداخليين أي في نظام التسمية والاستعارة (وهو ما يناسب الاختيار المعجمي) وفي نظام التفعيل والكناية (وما يناسب الاختيار النحوي) .وذلك هو دور السنتاكس .وقد ينفصل التحييزان وقد يتطابقان .وكل تحييز داخلي سليم يكون إما ذا نظير خارجي فيكون من عالم الدلالة أو عديم النظير الخارجي فيكون من عالم المعنى. سأحاول التمثيل لأسماء الفعل وسأحاول التمثيل لأفعال الاسم أما الفعل وأما الاسم فهما غنيان عن التمثيل لكني سأركز على دور الحرف وعلاقته بالأولين أي بأسماء الأفعال وبأفعال الأسماء لأبين أمرين: • علة اعتباره أصل كل وظائف اللغة • لاعتباره في عناصر اللغة في نسبة علم السنتاكس في علوم اللغة. لكن قبل ذلك كله لا بد من الخروج من المفارقة التي جعلتني استعمل الزوجين اسم وفعل في تسمية ما اعتبره متقدما عليهما أعني فعل الاسم في الفعل وفعل الفعل في الاسم لكأني اجعل المشروط شارطا .لكن هذه المسالة من أيسر الأمور علاجا لأنه من نتائج العلاقة بين الوجودي والمعرفي .فنحن نذهب دائما من المعلول إلى العلة ومن ثم فنحن نعود من المتقدم معرفيا إلى المتقدم وجوديا .نحن نعرف الاسم قبل المسمى ونعرف الفعل قبل التفعيل .ومن ثم في فالمسمى هو فعل الاسم والتفعيل هو اسم الفعل .وبذلك ففعل الاسم الذي هو الإحالة على المسمى واسم الفعل الذي هو ا لإحالة على التفعيل متقدمان على الاسم والفعل. ولما كان فعل الاسم استعاريا دائما وفعل الاسم كنائيا دائما فإن الاستعارة والكناية متقدمتان على اللسان وهما سر قيامه بوظائفه .وبين ان البلاغة هي التي تحدد قوانين النحو بخلاف ما يتصور الجرجاني وليس العكس .ولذلك فالمعنى ليس مرموزا بل هو رامز ابو يعرب المرزوقي 28 الأسماء والبيان
-- ومعنى المعنى هو المرموز .وفي المعنى لا يكون اللسان إلا أداة رسم للدال مدلوله هو معنى المعنى وهو المقصود من الكلام .وهذا يحررنا نهائيا من خرافة المقابلة السطيحة بين ما يسميه المتكلمون الحقيقة والمجاز .فالمعنى ليس حقيقة معنى المعنى ليس مجازا بل المعنى رسم بالألفاظ أو موسيقى بالألفاظ لدال مدلوله هو ما يسمى معنى المعنى. الآن أبدا بفعل الاسم :بدايته استعارة موسيقية في الغالب تحاكي بإيقاعها المسمى نفسه فتكون نواته ما يسمى في النحو العربي اسم الصوت.. وأثني باسم الفعل :بدايته رسم حركة في الغالب تحاكي بشكلها الفعل نفسه فتكون نواته ما يسمى باسم الفعل من جنس صه المصحوب بوضع الإصبع على الشفتين والقصد الأمر بالسكوت. فإذا عممنا الأمرين حصل لنا التسمية بالاستعارة والتفعيل بالكناية. .1وسآخذ أبرز مثال في ما سميته اسم الفعل يجمع بين العبارة والإشارة في المعنى الذي هو دال على معنى المعنى الذي هو مدلول في اسم الفعل .فلو أخذت عبارة \"يقدم رجلا ويؤخر أخرى\" لكان ذلك رسما لحركة متردة في المشي .لكن هذا الرسم دال على معنى مجرد هو التردد .والمعنى المجرد هذا فعل نختار له رسما في المكان يفيد بالعبارة البدنية للإنسان المتردد فعل التردد .بحيث يمكنني أن الكتب\" :يقدم رجلا ويؤخر أخرى\" = معنى أول= دال على معنى ثان= مدلول هو فعل التردد. .2وسأخذ أبرز مثال على ما سميته فعل الاسم يجمع بين العبارة والإشارة في المعنى الذي هو دال على معنى المعنى الذي هو مدلول فعل الاسم .فول أخذت كل الأسماء التي تسمى \"الانوماتوبـبي\" في أي لغة -وهي مختلفة من لغة إلى لغة -لوجدت أن الصوت يسمي نفسه مثل زقزقة ورفرفة ودندنة إلخ ..وغالب الأسماء مشتقة من إحدى الصفات الأبرز في المسمى ليشتق منها اسمه .فيكون الاسم مشتقا من صفات المسمى .فيكون الاسم وكأنه موجودا له وجه شبه مع الموجود الثاني الذي هو المسمى .ولذلك تجد عند العرب الكثير ابو يعرب المرزوقي 29 الأسماء والبيان
-- من الأسماء لنفس الشيء بحسب القبائل العربية اعتمادا على ما نتأ من صفات المسمى عندهم لتكون أسماء له. وهنا لا بد من الكلام على الاعلام .فهذه الأسماء تعتمد على نفس الآلية في الأصل وهي نوع من التعبير عن المنشود من آباء الأطفال عند اختيار الاسم العلم والهدف هو نوع من التمني وشبه برمجة للطفل حتى يحقق ما يأمه أهله .ثم يتحول الأمر إلى عادات في استعمال الأسماء العلم التي صار لأصحابها صيت في الجماعة في مجالات مختلفة من الأنشطة الإنسانية. الحصيلة هي إذن كالتالي: لو كانت الأسماء مقصورة على المسميات الموجودة لا ستحال أن نتكلم على المنشود من الموجودات ولاستحال أن نبدع عوالم ليس لها وجود متقدم على التسمية. لو كانت الأفعال مقصورة على التفعيلات الموجودة لاستحال أن نتكلم على المنشود من الأفعال ولاستحال أن نبدع أفعالا في هذه العوالم التي ليس بها وجود متقدم على التفعيل. إمكان تسمية المنشود من المسميات وتفعل المنشود من التفعيلات يجعلنا قادرين على إبداع معان وخلق عوالم ليست من الطبيعة وليست من التاريخ لعلها هي شرط إمكانية علم الطبيعة والتاريخ وتقييمهما بحيث إن العالمين الطبيعي والتاريخي يبدوان حالتين جزئيتين من الممكن الذي نحن قادرون على جعله حاصلا بفعل اللسان .وهو ما يقتضي أن أضيف إلى الإحالة الدلالية الإحالة المعنوية التي هي مجال التقدير الذهني النظري للمسميات الطبيعية الممكنة من حيث هي منشودة لتصبح موجودة والعملي للأفعال التاريخية الممكنة من حيث هي منشودة لتصبح موجودة. ومثال إبداع المنشود ليصبح موجودا في المسميات التقدير الذهني الرياضي الذي يتعلق بالضرورة الشرطية .ومثال إبداع المنشود ليصبح موجودا في التفعيلات التقدير الذهني العملي الذي يتعلق بالحرية الشرطية .والضرورة الشرطية هي أساس كل علم بالطبيعة والوقائع .الحرية الشرطية هي أساس كل علم بالتاريخ والقيم. ابو يعرب المرزوقي 30 الأسماء والبيان
-- ومن دون هذين الشرطين يمتنع علم الطبيعة علم التاريخ .فتكون المقدرات الذهنية النظرية (ابن تيمية) والمقدرات الذهنية العملية (أبو يعرب) أن نصل بين الطبيعة وما بعدها والتاريخ وما بعده .ولما كان المابعدان من شروط تأسيس الضرورة الشرطية والحرية الشرطية دون أن نعلم حقيقتهما ما هي فإننا نفترض أنها من جنس المعتقدات الدينية والمسلمات الفلسفية التي تعتبر الوجودين الطبيعي والتاريخي والإنسان الذي هو مؤلف منهما معا خاضعين لنظام لا يمكن الاستغناء عنه دون أن نعلم طبيعة ما جعله يكون ممكنا. ومن ثم فنحن مضطرون للتسليم بأن وراء الطبيعة والتاريخ \"شيء\" ما يؤسس للضرورة ا لشرطية وللحرية الشرطية غير مشروط بما عداه فيكون في آن ضرورة وحرية لا شرطيتين أو غير قابل للقيس على الضرورة والحرية الشرطيتين رغم كونه شرط إمكانهما. وأختم الفصل الرابع بحصيلة الكلام على العناصر التي أعوض بها نظرية الثالوث اللساني في العربية على الأقل لكني اعتقد أنه صالح في كل لغة .وليس هنا محل إثبات ذلك وقد أفعل لاحقا. .1رسم الأفعال هو الواصل بين اسم الفعل (التفعيل) والفعل في اللغة العربية على الأقل .لكن الأمر كوني بمعنى أن جميع اللغات لها نفس الآلية في اسم الفعل. .2موسقة الأسماء هو الواصل بين فعل الاسم (المسمى) والاسم في اللغة العربية على الأقل لكن الامر كوني بمعنى أن جميع اللغات لها نفس الآلية في فعل الاسم. .3الحرف هو المحدد للتنزيل في المكان الذي هو مادة رسم اسم الفعل وفي الزمان الذي هو مادة إيقاع فعل الاسم أي في الحيزين الخارجيين وهو كذلك مادة رسم اسم الفعل في ترتيب القول في سنتاكس العبارة اللسانية ورسم فعل الاسم في مجالات الدلالة في معجم اللغة. .4سأعتبر كل ما قلته هنا فرضيات عمل تحتاج إلى تدقيق وادلة تنبني على أدلة ثابتة .لكني اعتبرها من شروط الانتقال من اعتبار المعاني الكلية مقومات الأشياء كما في الفلسفة القائلة بنظرية المطابقة في نظرية المعرفة وفي نظرية القيمة والثورة عليها التي ابو يعرب المرزوقي 31 الأسماء والبيان
-- تعتبرها مجرد رموز تشير إلى الأشاء دون ان تكون مقومة لها أي أنها المعاني الكلية هي بدروها رموز مثلها مثل الألفاظ والكتابة. .5وهده النظرية التيمية هي التي تفهمنا تغير ما نتصوره هيآت الأشياء في الفلسفة إلى ما صار يعتبر تعريفات مؤقتة دائما للإشارة إلى الأشياء في حدود ما نعلمه من بعض أعراضها وهو علم متطور قد يغير كل شيء عنها ما يجعلها دائما رموزا يحددها نظام المعرفة في حالة تاريخية معينة من المعرفة الإنسانية .ونفس الشيء يقال عن القيم .لكن العلة الأساسية هي أن هذا المعاني الكلية لو كانت بحق مقومة للأشياء لكان ذلك يعني أن ما ندركه من الأشياء مقوم لها وليس مقصورا على كونه مقوما لما ندركه منها بمعنى أنه كل المعاني الكلية التي نستعملها للكلام في الأشياء تشير إلى ما نعلمه في لحظة معينة وليس إلى مقومات الأشياء في ذاتها بدليل تغيرها بتغير إدراكنا لها وتقدمنا في الإلمام بتجلياتها وعلاقاتها بغيرها من مدارك غيرها من الأشياء الفاعلية فيها أو المنفعلة بها في نظام معرفتنا النظرية وفي نظام قيمنا العملية. ابو يعرب المرزوقي 32 الأسماء والبيان
-- حان الآن وقت التحصيل: .1اعتبرنا المعاني الكلية رامزة تشير إلى الأشياء الخارجية دون أن تكون مقومة لها بل هي مقومة لفعل التسمية أو الترميز الإنساني لما يدركه منها بصورة مؤقتة دائما لأن كل تصور وراءه تصور ممكن أفضل وأدق وأتم (ابن تيمية) وكان العلم الوحيد الذي يمكن اعتباره برهانيا وأوليا ومحضا هو علم المقدرات الذهنية التي درس منها ابن تيمية مثال الرياضيات في المجال النظري وفي نظرية المعرفة. .2وقسنا على هذا المثال المتعلق بالمعاين الكلية النظرية معاني كلية عملية لا تتحلق بمعرفة الموجود بل بمعرفة المنشود (أبو يعرب) فإن الأولى تتعلق بما يساعد على علم الموجود في النظر إذا أضفنا إليها التجربة التي تحدد القيم المعرفية المستمدة من الطبيعة التي تصاغ بالمعاني الكلية النظرية الخالصة (الرياضيات) والتي هي لغة رياضية تصبح ذات مرجعية هي الدلالة في الوجود الطبيعي الخارجي فتمكن من علم الضرورة الشرطية فإن الثانية تتعلق بما يساعد على علم المنشود في العمل إذا أضفنا إليها التجربة التي تحدد القيم المعرفية المستمدة من التاريخ وتصاغ بالمعاني الكلية العملية الخالصة والتي هي لغة معيارية نصبح ذات مرجعية هي الدلالة في الوجود التاريخي الخارجي فتمكن من علم الحرية الشرطية. .3ورأينا أن الرموز التي لها دلالة هي موضوع بعض المعاني التي هي مجال أوسع ويمكن اعتبارها أحد أنواع القيم المستمدة من الطبيعة أو من التاريخ فتكون المعاني الكلية النظرية والمعاني الكلية العملية أشبه بما وراء الطبيعة وما وراء التاريخ على الأقل في مستوى العبارة الرمزية عن المعاني التي هي في آن رموز تشير إلى الأشياء الطبيعية والأشياء التاريخية وليست مقومات لها. .4ورأينا إذن أن علوم اللسان ليست ثلاثة كما كنا نظن بل هي خمسة إذ ضاعفنا علم الدلالة إلى الدلالة الموجبة وهي التي تحيل على مرجعيات متقدمة عليها وهذا هو علم ابو يعرب المرزوقي 33 الأسماء والبيان
-- الرموز ذات الدلالة المحددة في الوجود الخارجي ودلالة سالبة وهي التي توجد فضاء مستقلا عن الوجود الطبيعي والوجود التاريخي وهي أوسع من الدلالة وسيمنا علمها علم المعاني التي لا تحيل على شيء متقدم عليها بل هي التي توجده أو توجد بنية مجردة تجعله ممكنا بوصفه بعض القيم التي تملأ الخانات التي تمثلها متغيراتها .وهذه هي المقدرات الذهنية النظرية (ابن تيمية) والمقدرات الذهنية العملية (أبو يعرب المرزوقي). .5ورأينا أن عناصر اللسان ليست ثلاثة كما كنا نظن بل هي خمسة كذلك إذ بينا أن الثلاثة المعتادة هي أدوات من جنس اللون والرسم في المكان ومن جنس النغم والإيقاع في الزمان لفاعليتي اللسان أعني الحركة سواء في موضوع الكلام أو في الذات المتكلمة وبها يقع قول ما نعتبره معاني كلية تشير إلى ما ندركه من الأشياء أو من ذواتنا فتكون العناصر الثلاثة أي الحرف والاسم والفعل أدوات رامزة من جنس السنتاكس (الحرف) والدلالة بمستوييها الموجب والسالب (الاسم) والتداول بمستوييها العام والمختص. وبذلك نكون قد وصلنا إلى الغاية من البحث كله :ماذا لو كان الإنسان من حيث هو رامز ومرموز هو مجمل كل ما ذكرنا وأنه لهذه العلة سمى خليفة في مجال سياسة عالم الشهادة وكان القرآن له نفس البنية وهو تذكير بذلك وإشارة إلى أن سياسة عالم الشهادة ليست إلا من جنس الرموز التي تحيل على أشياء إحالة الإشارة الرامزة دون أن تكون مقومة لما تشير إليه؟ ماذا لو كانت الطبيعة والتاريخ والأنفس خمستها (لأن الإنسان فيه جزء طبيعي وجزء تاريخي مع الجملة) هي بدروها مثل عناصر اللسان تحيل إلى معاني ليس لنا عنها مرجعيات خارجية قابلة للتحديد لكنها تثمل معاني كلية تقاس عليها من حيث القصدية دون أن يكون المشار إليه من نفس طبيعة الرمز المشير إليها بحيث يكون الإنسان خليفة بهذا المعنى أي إنه رمز يشير إلى الربوبية دائما ولا يتطابق معها إشارة على رمز إلى مرموزه دون أن يتطابق معه ودون أن يكون مقوما له؟ ذلك ما أريد بيانه في هذا الفصل الخاتم للبحث وهو تفسير للآية 53من فصلت \":سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق\". ابو يعرب المرزوقي 34 الأسماء والبيان
-- وهذه مناسبة لتجويد نظرية المعادلة الوجودية المستمدة من القرآن الكريم إذ إن هذه البحوث كلها تهدف إلى مواصلة تفسيره الفلسفي .والتجويد هنا يكون بإصلاح خطأ في عرض المعادلة إذ وضعت المستخلف والخليفة في نفس المستوى وكان علي أن أضع المستخلف فوق الخليفة أي فوق الآفاق والانفس .فقد اعتبرت قلب المعادلة العلاقة المباشرة بين الله والإنسان .وكان ينبغي أن أضع هذه العلاقة كما حددها القرآن ليس بالتجاور الأفقي بل بالتجاور العمودي رمزا إلى علاقة مستخلف بخليفة ومن ثم علاقة بين فاعلين أحدهما في سياسة عالم الشهادة (خليفة في الدنيا) والثاني فيه وفي ما ورائه أي في سياسة عالم الغيب. وهذا هو التعديل الوحيد الذي أحتاج إليها حتى تصبح المعادلة دقيقة. فلأذكر بها: .1القلب هو إذن العلاقة المباشرة بين الله والإنسان أي بين المستخلف والخليفة وهي بهذا التعديل تضع المستخلف فوق الخليفة أي الله الذي يسوس عالمي الغيب والشهادة وتضع الخليفة تحته بمعنى الترتيب بين السائسين لأن الأنسان لا يسوس إلا عالم الشهادة بقوانينه وسننه التي وضعها سائس عالم الغيب والشهادة بالمصطلح القرآني .ومن ثم فالعلاقة المباشرة بين الله والإنسان هي بالأساس علاقة سياسية من حيث تعلقها بالأمر وعلاقة وجودية من حيث تعلقها بالخلق. .2وليكن على يمين القلب العالم الطبيعي أو العالم الخاضع للضرورة الشرطية التي هي موضوع المعاني الكلية النظرية المقدرة ذهنيا والتي تتحدد لها دلالة من عالم الطبيعة نستمدها من التجربة الطبيعية. .3والضرورة الشرطية تتجاوز الطبيعة التي هي العالم الطبيعي الضيق ذو المرجعية سابقة الوجود على معرفتنا وتقييمنا وكل ما نعلمه ونقيمه منها هو ما نستمده إما من الفرض أو من التجربة أو من المعتقدات العامة سواء كانت دينية حقيقية أو خرافية ووهمية. والمقدرات الذهنية بهذا المعنى هي علم الضرورة الشرطية بصورة عامة دون تعيين في الطبيعة وهي إذن نوع من ما بعد الطبيعة. ابو يعرب المرزوقي 35 الأسماء والبيان
-- .4وليكن على يسار القلب العالم التاريخ أو العالم الخاضع للحرية الشرطية التي هي موضوع المعاني الكلية العملية المقدرة ذهينا والتي تتحدد لها دلالة من عالم التاريخ نستمدها من التجربة التاريخية. .5والحرية الشرطية تتجاوز التاريخ الذي هو العالم التاريخي الضيق ذو المرجعية سابقة الوجود على معرفتنا وتقييمنا وكل ما نعلمه ونقيمه منه هو ما نستمده إما من الفرض أو من التجربة أو من المعتقدات العامة سواء كانت دينية حقيقية أو خرافية ووهمية. والمقدرات الذهنية بهذا المعنى هي علم الحرية الشرطية بصورة عامة دون تعيين في التاريخ وهي إذن نوع من ما بعد التاريخ. فإذا عدنا إلى الإنسان الذي رمزت إليه الآية بالأنفس رمزها للطبيعة والتاريخ بالآفاق فإننا نحد فيه ملخص الآفاق بنوعيها وبما بعديهما .فالإنسان من حيث كيانه العضوي كيان بايولوجي طبيعي وهو الظاهر من كيانه الروحي ومن حيث كيانه المدرك لذاته ولعالميه ولما بعدهما كيان روحي وهو الخفي من كيانه العضوي .وهو إذن بهذا المعنى فيه ما يحيل على الخلق كله وعلى الأمر كله الموجودين في الآفاق وفي ذاته .وذلك هو معنى الآيات التي يريه الله إياها ليتبين أن القرآن حق لأن القرآن ليس فيه شيء آخر غير التذكير بما وصفت: .1هو أولا حوار دائم بين المستخلف والخليفة .2وهو لم يدع الإتيان بعلم جديد بل هو تذكير ما يعتبره حاصلا في ما فطر عليه الإنسان والرسول \"إنما هو مذكر\" بما نساه الإنسان وإذن بما يعلمه مسبقا وهو \"ليس مسيطر\" بمعنى أن الإنسان إذا لم يصل بنفسه إلى تبين الرشد من الغي فلا يمكن أن يفرض عليه أي عقد. .3وكل أدلة القرآن مستمدة إما من نظام الطبيعة الذي حدده القرآن بالقول إن كل شيء خلق بقدر أي بمقدار وهو رياضي مع التوكيد على ضرورة استعمال الحواس لإدراك هذا القدر أو المقدار وذلك هو معنى التجربة التي توصل إلى تحديد المقدار ليكون عناصر ابو يعرب المرزوقي 36 الأسماء والبيان
-- القوانين المطلوبة من البحث في الآفاق وفي الانفس وليس في شرح آيات النص القرآني التي هي سبابة تشير إلى حيث ينبغي البحث ولا تقدم نتائج البحث لأنه فرض عين على كل إنسان ليكون بحق خليفة. .4نفس ا لشيء بالنسبة إلى الأدلة المستمدة من نظام التاريخ الذي حدده القرآن بالقول إن الأمر له سننن لا تتبدل ولا تتغير وهي غير القوانين لأن للإنسان فيها حرية العمل بها أو عدمه وذلك هو معنى الحرية الشرطية بخلاف معنى الضرورة الشرطية في قوانين الطبيعة. .5وأخيرا فإن الإنسان لا يستطيع الوقوف عند عالم الطبيعة أو عالم التاريخ في تعامله معهما بل هو يعتقد او يفترض أن لهما ما بعدا جعلهما يكونان على ما يبدوان عليه له فيكونا قابلين للعلم بهما والعمل فيهما بما جهز له من شروط التعمير والاستخلاف .فيجد فيهما ما انطلق منه في العلاقة المباشرة برب الكون خلقا وأمرا .وبذلك فحضور الوعي بكونه خليفة متقدم ومتأخر على علاقته بالطبيعة والتاريخ شرطي قيامه .ولا يهم إذا كان يجعل المابعدين مفارقين للطبيعة والتاريخ أو محايثين فيهما. فالمهم أنه لا يمكن أن يتوقف عندهما بل لا يستطيع إلا أن يراهما غير مكتفيين بنفسيهما وأن لهما نظام الضرورة الشرطية ونظام الحرية الشرطية اللذين لا يمكن أن يكونا من الصدفة التي تتنافى مع النظام .وكل خرافة حول تراكم الصدف بصورة تجعلها تصبح نظاما ليس إلا تأخير لضرورة النظام لأن كيفية حصوله المتوالية بالتراكم يجعل التراكم موجها وليس بالصدفة حتى وإن كان ينظم ما لا يتناهى من الصدف ليجعلها نظاما كما يزعم في نظرية التطور العضوية. وسواء تعلق التطور في البايولوجيا أو في نظام العالم ككل فإن اعتبار إطالة المدد كافية للانتقال من تراكم الصدف إلى النظام الحاصل لا تقنع لأن الانتخاب الطبيعي سواء كان عضويا أو طبيعيا عاما كما في نظام العالم الفلكي الذي أوصل إلى الحياة لا يغيران من الأمر شيئا لأن الزمان هنا لا دلالة له إلا بالإضافة إلينا لكنه بالنسبة الوجود سواء بالرؤية ابو يعرب المرزوقي 37 الأسماء والبيان
-- الدينية أو بالرؤية الفلسفية أمر شديد النسبية .فالقرآن مثلا يتكلم على عوالم اليوم فيها يقدر بخمسين ألف سنة من زمان الأرض .وبذلك فزمان الأرض يعتبر مجرد وحدة قيس. ما الغاية من هذه المحاولات كلها؟ الغاية مضاعفة: .1فهم بنية القرآن العميقة .وهذه غاية ظرفية خاصة بمطالب التفسير الفلسفي الذي يقتضي إعادة النظر في نظرية الترميز التي هي عين نظرية الآية في القرآن والتي هي فيه كذلك تعريف لما به استحق الإنسان مهمة الاستخلاف :تعلمه الأسماء كلها التي تجعل ما وصفته به الملائكة الذي لم ينفه الله في مشهد الاستخلاف رغم بشاعته لا ينفي عنه أهلية الاستخلاف. .2التحرر من سخافات الفلاسفة الذين يعتقدون في نظرية المطابقة المعرفية والقيمية ومن ثم يضيقون الوجود فيجعلونه مقصورا على ما يشهده الإنسان مه فينفون الغيب. ونفي الغيب علته توهم المعاني الكلية التي نعبر بها عما ندركه من الأشياء مقومة للأشياء سواء بالمعنى الافلاطوني تقويم المثال للممثول في شكل محاكاة هذا لذاك المفارق له أو بالمعنى الارسطي تقويم الصورة للمادة في شكل نقل لها من القوة إلى الفعل. وكل ذلك ورد في رؤية ابن تيمية للمعاين الكلية بوصفها مقدرات ذهنية لا تقوم الأشياء الخارجية بل هي عده رموز مثلها مثل الالفاظ في اللسان والكتابة .وهذا الموقف يلغي الحاجة إلى وهم المقابلة بين الحقيقة والمجاز لأن المعاني كلها رموز تشير إلى الاشياء ولا تقومها من ثم فلا شيء فيها يمكن اعتباره حقيقة بالمقابل مع المجاز بل كلها ذات إحالة إشارية وليست إحالة مقومة للمرجعيات الوجودية الخارجية أو للمعاني التي ليس لها وجود خارج النظام الرمزي نفسه. وبذلك يسقط كل علم الكلام في الإلهيات المزعومة نقلية والميتافيزيقا أو علم الكلام في الإلهيات المزعومة عقلية اللذين من شرطهما وهمان: ابو يعرب المرزوقي 38 الأسماء والبيان
-- الوهم الأول هو رد الوجود إلى الإدراك كما قال ابن خلدون في المقدمة في دحضه علم الكلام والفلسفة ويقصد الميتافيزيقا بنفس المعنى الذي يقصده الغزالي في التهافت. الوهم الثاني هو اعتبار الإنسان مقياس كل شيء في ذاته وليس مقياس ما يعمله منه مما هو ضروري لحياته بوصفه مستعمر في الأرض ومستخلف فيها. وهي معرفة اجتهادية وعمل جهادي بمعنى أن الإنسان مطالب بالبحث العلمي لاكتشاف شروط بقائه وتحقيقها باعتماد العمل على علم .والقرآن لا يتضمن ذلك العلم بل يشير إلى مضانه أي إلى محال وجوده وطبيعته وشروط طلبه المنهجية في النظر والعمل .ولذلك فكل ما قام به علماء الملة كان تحريفا للقرآن لأنهم جميعا تركوا ما طلب في فصلت 53 واختاروا السعي لتحقيق ما نهى عنه في آل عمران .7ذلك هو الهدف الأساسي لهذه المحاولات حول نظرية الترميز أو نظرية الآية .والله أعلم. ملحق للفصل الخامس والأخير: لما اعتبرت الحرف والاسم والفعل أدوات رسم في المكان وإيقاع في الزمان صار المعنى الرسوم والمعنى الموقع رمزا لمعنى كلي يحيل عليها وهي التي يراد التعبير عنها باللسان وكأنه فرشاة رسام وأوتار ملحن .وإذن فالرسم والإيقاع ينتج رموزا متعينة في الرسم المكاني بالشكل للدلالة على أسماء الفعل مثل العبارة البدنية التي تصحب الصوت وبالإيقاع الزماني مثل العبارة الصوتية التي تصحب الحركة للدلالة على أفعال الاسم لرموز أخرى كلية تفيد المعاني الكلية التي هي مقدرات ذهنية لا تتعين إلا بما يوضع في خانتها المعبرة عن متغيرات كقيم ذات دلالة وجودية محددة. فهم هذه المعاني هو الذي يجعل لغة القرآن مشاهد تجمع بين هذين الفعلين الشكلي والإيقاعي لتفيد معاني كلية نظرية وعملية هي التي تطلب في فهم رسائل القرآن .والشعر إذا كان بحق شعرا يتأسس على هذين المعنيين فهو رسم وإيقاع .ولهذه العلة لا أعتبر الشعر العربي الحديث الذي يتوهم إمكانية قول المعاني الكلية مباشرة ويستغني عن الرسم والإيقاع ليس شعرا أصلا ولا حتى نثرا بل هو حكم شعبية تافهة أغلبها من جنس السينما ابو يعرب المرزوقي 39 الأسماء والبيان
-- المصرية سرعات لمشاهد من هنا وهناك لما يشبهها في السينما الأمريكية والأوروبية والهندية وهي من جنس الروبافاكيا ولا علاقة لها بالإبداع الذي من خصائصه الا يفيد بمستواه الأول بل بما يفيده مستواه الأول من معان كلية تكون رامزة لما لا يتحدد إلا بوصفه من جنس المقدرات الدهنية التي هي متغيرات شبيهة بمتغيرات الدوال الرياضية أو التوابع الرياضية ومثلها الدوال القيمية أو التوابع القيمية. ابو يعرب المرزوقي 40 الأسماء والبيان
-- ابو يعرب المرزوقي 41 الأسماء والبيان
Search
Read the Text Version
- 1 - 44
Pages: