Important Announcement
PubHTML5 Scheduled Server Maintenance on (GMT) Sunday, June 26th, 2:00 am - 8:00 am.
PubHTML5 site will be inoperative during the times indicated!

Home Explore شي من حتى أبعاد اللسان وعلمه لفهم القرآن ونظمه - ابو يعرب المرزوقي

شي من حتى أبعاد اللسان وعلمه لفهم القرآن ونظمه - ابو يعرب المرزوقي

Published by أبو يعرب المرزوقي, 2019-11-14 14:54:54

Description: شي من حتى أبعاد اللسان وعلمه لفهم القرآن ونظمه - ابو يعرب المرزوقي

Search

Read the Text Version

‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪re nils frahm‬‬ ‫\"شيء من حتى\"‬ ‫أبعاد اللسان وعلمه‬ ‫لفهم القرآن ونظمه‬ ‫الأسماء والبيان‬



‫المحتويات ‪1‬‬ ‫‪ -‬الفصل الأول ‪1 -‬‬ ‫‪ -‬الفصل الثاني ‪9 -‬‬ ‫‪ -‬الفصل الثالث ‪15 -‬‬ ‫‪ -‬الفصل الرابع ‪24 -‬‬ ‫‪ -‬الفصل الخامس ‪33 -‬‬

‫‪--‬‬ ‫سبق أن كتبت في أبعاد اللسان خلال البحث في معنى الشعر المطلق سعيا مني للإيفاء بوعد‬ ‫ابن سينا خلال شرحه كتاب الشعر لأرسطو وعده بكتابة مصنف في الشعر المطلق‪ .‬طبعا لم‬ ‫أكن أدري ما الحل الذي كان ابن سينا ينوي تقديمه لهذا المشكل العويص‪ .‬لكني فهمت أن‬ ‫قصده هو طلب الشعرية في ذاتها بصرف النظر عن اللغة التي يكتب بها الشعر وعن الثقافة‬ ‫التي يمثلها الشاعر إذ كان تعليقه بمناسبة المقابلة بين الشعر العربي والشعر اليوناني‪.‬‬ ‫وقد نزلت التساؤل السينوي في إطار رؤية أرسطو لمنزلة الشعر الفلسفية‪ .‬ومن ثم في إطار‬ ‫مقارنة الشعرية بالعلمية من حيث العلاقة بالكلية التي هي موضوع الفلسفي عامة‪ .‬فكلنا‬ ‫يدرك أن العلم لا يبدأ إلا إذا وجد عبارة متحررة من تعين اللغة التي يقال بها تعينا يحول‬ ‫دونه والكونية لارتباطه بذلك اللسان وبتلك الثقافة‪.‬‬ ‫ولهذه العلة كان مطلب ابن سينا شديد الغرابة لأني أفهم أن يطبق شرطه على العلم‪.‬‬ ‫لكني كنت أشك في قابلية انطباقه على الشعر‪ .‬واعتقد أن الشارح الأول ‪-‬الفارابي‪ -‬لكتاب‬ ‫الشعر والشارح الأخير له ابن رشد‪ -‬كلاهما لم يعبر عن مثل هذا المطلب بل إنهما يبدوان‬ ‫ميالين إلى أن الشعر اليوناني يمثل الكلي مثله مثل العلم اليوناني بخلاف ابن سينا الذي‬ ‫لم يكن بهذا المعنى يعتبر الشعر اليوناني ممثلا للشعر المطلق الذي يطلبه بل هو عنده‬ ‫خاص بثقافة معينة مثله مثل الشعر العربي‪.‬‬ ‫وما يؤيد أن ابن رشد يرى في الشعر اليوناني الكلية رؤيته في العلم اليوناني عين الكلية‬ ‫بل والغاية من العلم تماما كان فعل الفارابي الذي قال قولته الشهيرة في علم أرسطو‪-‬العلم‬ ‫اكتمل ولم يبق إلى أن يعلم ويتعلم‪-‬هو تصوره القصص الديني ‪-‬ولم يقل القرآني تجنبا‬ ‫لرد فعل الفقهاء‪-‬أشبه ما يكون بالشعر اليوناني بخلاف الشعر العربي‪.‬‬ ‫فيكون ابن رشد مثله مثل الفارابي يعتبر آليات الانتقال من اللسان الطبيعي إلى اللسان‬ ‫الشعري قابلا للرد إلى المنطق الذي يحقق نفس الانتقال من المعرفة العادية إلى المعرفة‬ ‫العلمية‪ .‬وهو في الشعر معنى الممكن الذي هو أقرب إلى معنى الضروري في الفلسفة‪ .‬ومن‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪1‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫ثم فالشعر أقرب إلى الفلسفة من التاريخ لأن الممكن يتضمن الضروري بخلاف التاريخ‬ ‫الذي يتكلم في العيني الذي يغلب عليه الجزئي والفردي والعرضي وكلها تصورات فاقدة‬ ‫للضرورة‪.‬‬ ‫وفهمت كذلك أن ما تفطن إليه ابن سينا لم يدر بخلد الفارابي وابن رشد وإلا لفكرا مثله‬ ‫في ضرورة البحث عن حقيقة الشعر التي لا ترتهن للغة ولثقافة بعينيهما‪ .‬فما يطلبه لا‬ ‫يرد إلى الحل الأرسطي الذي يرجع ما في الشعر من أدوات الانتقال من اللغة العادية إلى‬ ‫اللغة الشعرية إلى عمليات منطقية من جنس ما تتأسس عليه الاستعارة من التناسب الرباعي‬ ‫في تناظر الصفات المؤسس لتبادل الأسماء والكناية في علاقات العلة بالمعلول وصلا يجعل هذا‬ ‫رمزا لتلك أو تلك رمزا لهذا‪.‬‬ ‫وقد حاولت تقديم حل في كتاب الشعر المطلق بالنظر في ما يمكن اللسان أي لسان من تجاوز‬ ‫اللغة الطبيعية في الشعرية كما يتجاوزها في العلمية بمعنى أن الشعر هو بدوره بحاجة مثل‬ ‫العلم إلى ما سماه ابن تيمية لاحقا بالمقدرات الذهنية حتى وإن كنت حينها لم أصل إلى‬ ‫هذه النتيجة الصريحة قبل أن أعود إلى ابن تيمية وأرى ما يميز لغة المقدرات الذهنية‬ ‫الرياضية عن المعرفة العلمية التي يكون موضوعها موجودا خارجيا‪.‬‬ ‫لكن قبل ذلك ودون أن أكون قد وضعت فرضية المقدرات الذهنية العملية التي تنظر في‬ ‫القيميات نظير نظر المقدرات الذهنية النظرية في الرياضيات التي تكلم عليها ابن تيمية‬ ‫وحصره العلمية البرهانية والكلية المعنوية فيها دون سواها من العلوم لأنها تنظر في‬ ‫الأوليات التي يعتبرها محضة أي مطلقة التجريد من المضمون الخارجي‪ .‬ولم يكن بوسع‬ ‫أرسطو أن يصل إلى ما وصل إليه ابن تيمية لعلتين أطلت في شرهما عند كلامي على ابن‬ ‫تيمية في ضميمة المثالية الألمانية‪:‬‬ ‫‪ .1‬فأرسطو أولا يقول بالمطابقة المعرفية بين ما في الإدراك وما في الوجود الخارجي لقوله‬ ‫بمبدإ بارمينيدس الموحد بين الوجود والعقل والنافي من ثم لما يتجاوز العقل أو ما صار يرمز‬ ‫إليه دينيا بالغيب‪.‬‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪2‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫‪ .2‬وأرسطو ثانيا يعتبر الرياضي تجريدا من الطبيعي بمعنى أنه لا يتصوره إبداعا‬ ‫للمقدرات الذهنية بل استخراجا من بنى الموجود الخارجي بفعل التجريد لخصائص المكان‬ ‫والزمان الصورية‪.‬‬ ‫لكن ابن تيمية ينفي المطابقة نفيا قاطعا‪ .‬وينفي أن يكون الرياضي تجريدا من الطبيعي‬ ‫بل هو يعكس العلاقة بينهما فيعتبر الطبيعي تطبيقا جزئيا للرياضي‪ .‬فهو يعتبره أحد‬ ‫التعينات الممكنة للمجرد الرياضي‪ .‬والنفي الأول يعني أن العلم لا يطابق الموجود‪ .‬والنفي‬ ‫الثاني ينفي أن تكون المقدرات الذهنية مجردة من الموجود الخارجي الطبيعي بل هي‬ ‫مبدعات ذهنية لا تطابق شيئا سابق الوجود عليها بل هي التي توجده بتحديد شروط‬ ‫إمكانه‪.‬‬ ‫وكان علي أن أجد حلا يؤسس لمقدرات ذهنية في العمل تكون مثل المقدرات الذهنية في‬ ‫النظر غير مستمدة من الوجود الخارجي التاريخي ومحددة لشروط إمكانه مثلما أن‬ ‫المقدرات الذهنية الرياضية غير مستمدة من الوجود الخارجي الطبيعي بل هي مبدعات‬ ‫ذهنية لا تطابق شيئا فيه‪ .‬ولما كانت المقدرات الذهنية الرياضية \"كائنات\" من طبيعة غير‬ ‫طبيعية فإن المقدرات الذهنية العملية ينبغي أن تكون \"كائنات\" من طبيعة غير تاريخية‪.‬‬ ‫وهذا يعني أن القيميات مقدرات ذهنية عملية‪-‬وأهمها الشعر‪-‬مثل الرياضيات التي هي‬ ‫مقدرات ذهنية نظرية‪ .‬فتكون نسبة المقدرات الذهنية العملية إلى العمل والتاريخ عين‬ ‫نسبة المقدرات الذهنية النظرية إلى النظر والطبيعة‪ .‬وإذن فهذه المقدرات الذهنية تتعلق‬ ‫بمجال القيمة والأفعال الحرة أي بالحرية الشرطية تعلق المقدرات الذهنية الرياضية‬ ‫بمجال المعرفة والأفعال المضطرة أي بالضرورة الشرطية‪.‬‬ ‫ومن ثم فالأمر في المقدرات الذهنية العملية يتعلق بشروط الحرية الشرطية تعلق الأمر‬ ‫في المقدرات الذهنية النظرية بشروط الضرورة الشرطية وهما شرطا التعامل مع التاريخ‬ ‫ومع الطبيعة انطلاقا من نموذجين لا يستمدان منهما بل بالعكس هما ما به تقاس معارفنا‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪3‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫وقيمنا للموجود لكأن المقدرات الذهنية متعلقة بالمنشود الكوني الذي قد يكون مرسوما في‬ ‫جهاز الإنساني المعرفي والقيمي‪.‬‬ ‫وعندئذ تكون المقدرات الذهنية الجسر الواصل بين الحرية اللاشرطية في التاريخ‬ ‫والضرورة اللاشرطية في الطبيعة لكأنهما ما وراء التاريخ وما وراء الطبيعة ماوراءان‬ ‫يحددان شروط الإمكان قبل التعين الوجودي‪ .‬فالحرية الشرطية والضرورة الشرطية‬ ‫تتعلقان بالطبيعة وبالتاريخ كما يدركهما الإنسان وهما شرطا إمكان إدراكهما‪.‬‬ ‫ولذلك فالمقدرات الذهنية تستمد من الحرية الشرطية في العمل والتاريخ ومن الضرورة‬ ‫الشرطية في النظر والطبيعة‪ .‬وهي إذن ليست قيما أو علوما بشيء متقدم عليها بل هي‬ ‫شروط القيمة وشروط العلم شروط إمكانهما من حيث هما موضوعات ممكنة تتعين جزئيا‬ ‫في موضوعات فعلية هي الطبيعة والتاريخ ولكن ليس حصرا فيهما بل يمكن تصور عوالم‬ ‫بعدد الممكن من التقديرات الذهنية النظرية والعملية‪.‬‬ ‫وشرط شروط القيمة هو الحرية التي هي شرطية دائما‪ .‬وشرط شروط المعرفة هو‬ ‫الضرورة التي هي شرطية دائما‪ .‬وإذن فالرياضيات هي علم الضرورة الشرطية التي من‬ ‫دونها يمتنع أن نعلم أعيانها الطبيعية التي هي بعض تعيناتها الوجودية‪ .‬والقيميات هي‬ ‫علم الحرية الشرطية التي من دونها يمتنع أن نعلم أعيانها التاريخية التي هي بعض‬ ‫تعيناتها الوجودية‪.‬‬ ‫لكن ذلك كله كان يقتضي أن أعيد النظر في نظرية الترميز عامة وفي نظرية اللسان‬ ‫خاصة منطلقا من العربية انطلاقا من التثليث التقليدي (الاسم والفعل والحرف) وفي‬ ‫نظرية أصناف علوم اللسان منطلقا من التثليث التقليدي (السنتاكس والدلالة والتداول)‬ ‫لكي أضيف ما يؤسس لنظرية الترميز التي ينبني عليها التقدير الذهني النظري الذي‬ ‫ينبغي أن يكون كليا ومتجاوزا للفروق بين الألسن والتقدير الذهني العملي الذي ينبغي‬ ‫أن يتصف بنفس صفات المقدرات الذهنية النظرية من حيث تجاوز الفروق بين الألسن‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪4‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫اعتمادا على ما في كيان الإنسان من قدرات مؤهلة له على الترميز الكوني الذي لا يبدع‬ ‫الرموز فحسب بل يبدع المرموزات كذلك‪:‬‬ ‫فالرياضيات تبدع الرمز والمرموز بالتقدير الذهني النظري الذي لنا منه تعين جزئي هو‬ ‫الطبيعة‪ .‬وإذن فعالم التقدير الذهني النظري أوسع من الطبيعة التي هي بعض التعينات‬ ‫الممكنة بمقتضى التقدير الذهني النظري‪.‬‬ ‫والقيميات تبدع الرمز والمرموز بالتقدير الذهني العملي الذي لنا منه تعين جزئي هو‬ ‫التاريخ‪ .‬وإذن فعالم التقدير الذهني العملي أوسع من التاريخ الذي هو بعض التعينات‬ ‫الممكنة بمقتضى التقدير الذهني العملي‪.‬‬ ‫فتكون النسبة بين الطبيعة والتاريخ من جهة والتقدير الذهني النظري والعملي من جهة‬ ‫ثانية عين النسبة بين ما ندركه من الموجود وما ننشده مما يمكن أن ندركه منه في المستقبل‬ ‫دون نهاية لهذا المستقبل‪ .‬ومعنى ذلك أن خاصية التقدير الذهني سواء كان متعلقا‬ ‫بالنظري الطبيعي أو بالعملي التاريخي هو أنه ليس مثل العلم أو مثل العمل الذي يمثل‬ ‫علاقة بموجود حاصل يحاول صوغه رمزيا بل هو يبدع الموجود المنشود وصوغه الرمزي في‬ ‫آن لانهما مرتسمان في كيان العضوي والروحي أو لعلهما هما عين هذا الكيان إذ يتجلى‬ ‫لنفسه أو هما شكلا الوعي أو الإدراك المصاحب لكيان الإنسان العضوي وما ورائه‪.‬‬ ‫فيكون الإنسان بمقتضى كيانه متجاوزا لما يدركه من الموجود بفضل لما لديه من إدراك‬ ‫للمنشود منه لا يتوقف وليس لنا علم بحد له رغم أنه مشدود إلى المطلق الذي يعلم أنه‬ ‫ليس في متناوله‪ .‬وهو إذن متجاوز لما افترضه كنط بخصوص العقل النظري المحض ومستغنيا‬ ‫عن استعماله في العمل بتأسيسه على مسلمات العقل بل له كذلك ما يجانسه في عقل عملي‬ ‫محض هو مصدر أصل القيم مثلما أن الأول هو مصدر اصل المعرفة‪ .‬ولا يمكن أن يكون‬ ‫النظري المحض قابلا للاستعمال في العملي المحض لأن هذا شرطه الحرية الشرطية وذاك‬ ‫شرطه الضرورة الشرطية‪ .‬فإما سحب المسلمات على النظر مثل العمل أو الاستغناء عنهما‬ ‫واعتبار الأمرين متلازمين في كيان الإنسان الناظر والعامل‪.‬‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪5‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫وعندما نكتشف أن الفكر العملي مثله مثل الفكر النظري له مقدرات ذهنية فإننا نستغني‬ ‫عن المسلمات الكنطية في تأسيس العمل وطلب المنشود استغناءنا عنها في تأسيس النظر وطلب‬ ‫الموجود‪ .‬ففي الحالتين للأمر علاقة بما بين المنشود والموجود منهما في عين كيان الإنسان‬ ‫الذي لا يمكن أن يكون في علاقة بالموجود من دون علاقة بالمنشود والعكس بالعكس‪.‬‬ ‫فالمنشود في الطبائع هو المقدر الذهني المعرفي المتجاوز للموجود إلى المنشود‪ .‬إنما الموجود‬ ‫الطبيعي أحد أعيانه والمنشود في الشرائع هو المقدر الذهني القيمي والموجود التاريخي‬ ‫أحد أعيانه‪.‬‬ ‫والمسافة بين المنشود والموجود هي بين الممكن عامة والحاصل منه خاصة‪ .‬فيكون التقدير‬ ‫الذهني متعلقا بالمنشود الذي هو في نسبة المتغير المعرفي والمتغير القيمي للتعين الطبيعي‬ ‫والتعين التاريخي الموجودين في الأعيان‪ .‬وهذا يجعلنا أمام معضلة‪ :‬فما في الموجود الطبيعي‬ ‫وما في الموجود التاريخي من تعين مؤقت وما علاقته بالمنشود الذي هو سعي دائم لتجاوز هذا‬ ‫المؤقت نحو ما نفترضه وكأنه معرفة وتقييم صادران عن علم وعمل محيطان لكأن الإنسان‬ ‫يبحث عن المطابقة مع الإله الخالق والآمر‪.‬‬ ‫وهذا المؤقت متناسب مع ما نعلم من عالم الشهادة ويبقى ما في الموجود مجهولا بمعنيين‪:‬‬ ‫المجهول النسبي أو الغائب أو المعلوم الممكن لانتسابه إلى المنشود إنسانيا من علم الموجود‬ ‫وقيمته‪.‬‬ ‫المجهول المطلق أو الغيب أي اللامعلوم لانتسابه إلى المعقود ربويبا من علم الموجود وقيمته‪.‬‬ ‫فالمجهول المطلق يحيل إلى الغيب الذي نشرئب إلى ما يختلف عن المنشود المطلق لكونه‬ ‫المنشود النشبي الذي يوحي لنا بالتطابق بين المعرفي والوجودي الطبيعي المطلق والقيمي‬ ‫والتاريخي المطلق في مفهوم الرب الذي لا يخلو منه وعي إنساني لكأن معنى الاستخلاف هو‬ ‫هذا الحضور الدائم لما يفترضه الإنسان في الذات المطلقة التي لها إرادة وعلم وقدرة‬ ‫وحياة ووجود كلها مطلقة ليس بين منشودها وموجودها مسافة بخلاف ما عليه الأمر بالنسبة‬ ‫إلى الإنسان حيث تكون إرادته وعلمه وقدرته وحياته ووجودها كلها فانية ومتناهية‪.‬‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪6‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫كل ما أوردته إلى حد الآن في هذا الفصل الأول يبدو أشبه بالألغاز‪ .‬لكنه سيتضح عندما‬ ‫ندرس ما تؤدي إليه إعادة النظر في عناصر اللسان تمثيلا لها بعناصر العربية التي هي‬ ‫ليست ثلاثة كما اعتدنا على تعريفها أي الاسم والفعل والحرف‪ .‬فقد أضفت إليها عنصرين‬ ‫آخرين شارطين للتسمية وللتفعيل‪.‬‬ ‫كما أضفت إلى عناصر علوم اللسان تمثيلا لها بالنظرية الحالية التي تردها إلى ثلاثة هي‬ ‫علم السنتاكس وعلم الدلالة وعلم التداولية في المجال الدلالي‪ .‬فقد أضفت إليها علم‬ ‫المعنى الذي هو أوسع من علم الدلالة وعلم التداولية في المجال المعنوي الذي هو أعقد من‬ ‫التداولية في المجال الدلالي‪ .‬وهما عنصران شارطان للدلالة وللتداولية الدلالية شارطية‬ ‫العنصرين اللذين أضفتهما لعناصر اللغة حتى تكون التسمية والتفعيل ممكنين‪.‬‬ ‫أضفت إلى عناصر اللغة العربية ‪-‬مثالا لكل لسان‪-‬عنصر اسم الفعل وفعل الاسم أو ما‬ ‫يبدو أثر الاسم في الفعل وأثر الفعل في الاسم‪ .‬وقدمتهما على الاسم والفعل‪ .‬وجعلت‬ ‫الحرف أصلها جميعا بمعنى أن عناصر اللسان مخمسة وليست مثلثة وهي‪ :‬الحرف أصلا‬ ‫وفروعه الأربعة هي اسم الفعل وفعل الاسم ثم الفعل ثم الاسم‪.‬‬ ‫وهذه الإضافة تبدو غريبة لأني سميتهما بما اعتبره لا يحصل إلا بعدهما لكأن تقديم ما‬ ‫احتاج إليه لكلام عليهما يعبر عن حاجتهما إليه في حين أن العكس هو الصحيح بمعنى أن‬ ‫اسم الفعل وفعل الاسم هما المتقدمان في الوجود على الاسم والفعل حتى وإن كانا متأخرين‬ ‫في العلم‪.‬‬ ‫وقد أضفت إلى عناصر علم اللغة عنصر المعنى وعنصر التداول المعنوي إلى السنتاكس‬ ‫والدلالة والتداول‪ .‬واعتبرت السنتاكس أصلا والأربعة الباقية فروعا عنه‪ .‬ذلك أن‬ ‫السنتاكس هو شرط التحيز في الحيزين الخارجيين عن الخطاب أعني المكان وا لزمان وفي‬ ‫الحيزين الداخليين للخطاب أعني البنية السنتاكس التي هي فضاء تجاوز العناصر ونظام‬ ‫العناصر في البنية أو ترتيبها‪ .‬وهما مناظران للمكان والزمان اللذين هما حيزان خارج‬ ‫الخطاب بنفس الوظيفة المحددة لفضاء تجاور العناصر وترتيبها فيه‪.‬‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪7‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫فيكون السنتاكس بالنسبة إلى علوم اللسان مثل الحرف بالنسبة إلى عناصر اللسان‪ .‬كلاهما‬ ‫محدد للعلاقة بالأحياز الاثنين الخارجيين والاثنين الداخليين أي لفضاء تجاور العناصر في‬ ‫البنية وترتيبها فيها داخل الخطاب وخارجه أي في العالمين الرامز والمرموز‪.‬‬ ‫قد يبدو شرحي للألغاز التي قدمتها أكثر إلغازا منها‪ .‬لكن ذلك سيتضح عندما اشرح‬ ‫نظرية الترامز بين الفضاءين الذي داخل النظام الرمزي والذي خارج النظام الرمزي‬ ‫بوصفه النظام المرموزي‪ .‬سأشرح هذه المسائل في الفصول الموالية‪ .‬وقد سبق ان عرضتها في‬ ‫كلامي على التخميس البديل من التثليث وكذلك في كلامي على المعاني الكلية في رؤية ابن‬ ‫تيمية للمقدرات الذهنية‪.‬‬ ‫فهذه الرؤية أنهت نظرية أفلاطون وأرسطو في المعاني الكلية لأنها نقلتها من كونها مقومات‬ ‫الأشياء إلى كونها مجرد رموز مشيرة إليها بنفس المعنى الذي نعنيه بالرموز اللسانية‬ ‫والكتابية في إشارتها إلى ما تتكلم عليه دون ان تكون مقومة له تقويما محايثا كالصورة‬ ‫الأرسطية أو مفارقا كالمثال الأفلاطوني‪ .‬ومعنى ذلك أن الأشياء لا نعلم منها إلى ما نبدعه‬ ‫مرموزا منها في رموزنا التي تشير إليها في حدود ما يصل إليه علمنا المتطور دائما في محاولة‬ ‫الجمع بين الموجود والمنشود معرفيا وقيميا‪.‬‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪8‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫سأبدأ بنظرية الترميز ومفارقاتها التي لا تكاد تفصح عن حقيقتها وآليات عملها‪ .‬لكنها‬ ‫مع ذلك هي أساس العلاج كله في بحثنا‪ .‬والفلسفة والدين على الأقل الإسلامي كلاهما‬ ‫يعرفان الإنسان بالقدرة على الترميز أو على التسمية التي هي جوهر الترميز الذي يجعل‬ ‫الأسماء تؤدي وظيفة المسميات في التواصل والتبادل بين البشر بل وبينهم وبين كل‬ ‫الموجودات الأخرى‪.‬‬ ‫فإذا كنا قد انتقلنا في التبادل من المقايضة إلى رمز الفعل أو العملة التي هي الحامل‬ ‫الكلي للقيم المادية بضمانة المؤسسة السياسية ومن الإشارة إلى فعل الرمز أو الكلمة التي‬ ‫هي العبارة التي هي الحامل الكلي للقيم المعنوية بضمانة الجماعة ذات اللسان الواحد فإن‬ ‫البشرية تكاد تقتصر بشريتها في كونها كائنات تعيش في عالمين عالم الروامز وعالم‬ ‫المرموزات العالم الثقافي والعالم الطبيعي المتولجين والمتشاجنين بصورة لا يمكن الفصل‬ ‫بينهما وهما في آن حيزي كيان الإنسان الخارجيين وحيزي كيانه الباطنيين أو وجوديه في‬ ‫الأعيان وفي الأذهان‪.‬‬ ‫فإذا تخلينا عن خرافة العلاقة المباشرة بين الدال والمدلول بوصفها علاقة هذين العالمين‬ ‫والوجودين واعتبرنا الدال لا يدل بذاته من حيث هي عنصر منفرد بل هو يدل بمنزلته‬ ‫في نظام الدوال وأن المدلول لا يدل عليه بذاته من حيث هو عنصر منفرد بل بمنزلته في‬ ‫نظام المدلولات أمكن لنا أن ننتقل من العلاقة الثنائية ليس لنتجاوزها هي فحسب بل‬ ‫وكذلك إضافة بيرس لدور المؤول أو العامل الثالث في علاقة الترميز بين الرامز والمرموز‪.‬‬ ‫فحتى هذه الإضافة لجعل العلاقة ثلاثية لا تكفي‪ .‬لا بد من تجاوزها حتى نصل إلى‬ ‫علاقة أكثر تعقيدا‪ .‬ذلك أن تحديد العامل الذي يحدد انتخاب الدلالة التي ننسبها إلى‬ ‫الدال ‪-‬وهو هو دور المؤول‪-‬لا يقع بالصدفة بل هو رهن ظرف الاستعمال وطبيعة التواصل‬ ‫الحاصل فيها‪ .‬فنتوء العنصر الرامز على أرضية نظام الرموز ليكون هو المنتخب بوصفه‬ ‫العنصر الدال منه ونتوء العنصر المرموز ليكون هو ا لمنتخب بوصفه العنصر المدلول منه‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪9‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫على أرضية نظام المرموزات لا يحدثان إلا بفضل علاقة الناتئين في هذين النظامين ولقائهما‬ ‫للتوسط بين الناتئين بما يشبه التناظر بين النظامين تناظرا يحدده ظرف الاستعمال وطبيعة‬ ‫التواصل الحاصل فيها‪.‬‬ ‫مثال ذلك أن أي لفظة في المعجم العربي لا تدل بذاتها بل بمنزلتها في المعجم كله وبما‬ ‫ينتؤها من بين الألفاظ الممكنة فيتحدد الاختيار بعلة النتوء وطبيعة التواصل في الظرفية‪.‬‬ ‫ولا مدلول في ما تفيده ألفاظ المعجم بذاته بل بمنزلته في ما يحيل عليه المعجم كله أو على‬ ‫الأقل الحاضر منهما في ذهن المتكلم أو الكاتب خلال التناظر الذي يحدث في ذهنه‪ .‬ويكون‬ ‫ذلك إما في حالة الكتابة أو الكلام الشفوي أو في حالة البحث عن اللفظ المناسب لما يريد‬ ‫الإحالة إليه أو لما يقرأ نصا ويريد الوصول إلى قصد صاحب النص بتخيل الظرفية التي‬ ‫دعت إلى ذلك التلاقي بينه وبين المناسبة أو المقام‪.‬‬ ‫وهذه الظرفيات يعيشها المترجمون خاصة عندما يبحثون عن قصد كاتب النص الذي‬ ‫يريدون ترجمته من لغته إلى لغتهم‪ .‬والمشكل هو عندما يكون الفكر بصدد اختيار اللفظ‬ ‫الرامز في منظومة الروامز والمرجع الذي يحيل عليه اللفظ في منظومة المرموزات ليصل بين‬ ‫منزلة الأول في منظومته والثاني في منظومته أين يكون هو في تلك اللحظة؟‬ ‫ألا يكون هو محل هذا التلاقي بين النظامين الرامز والمرموز وفيه يحصل الخط الواصل‬ ‫بين المنظومتين لتحقيق التناظر ببينهما بصورة تجعل التقاء الرامز والمرموز الناتئين هما‬ ‫آصرة التناظر بين المنظومتين؟‬ ‫لما كواين اعتبر ان كل عنصر من عناصر المنظومة العلمية مثلا يفيد بمنظومة الرموز‬ ‫العلمية كلها ولا يفيد بذاته منفصلا عن بقية عناصر النظام كلها وخاصة على نظامها الذي‬ ‫يحدد دلالات كل واحد منها ألا يقصد أن ما تفيده هو بدوره أمر يتعين بكامل منظومته‬ ‫المدلولة وليس بذاته‪ .‬فيلتقي العنصر المفيد والعنصر المفاد في محل ما هو محل التناظر بين‬ ‫النظامين المحل المحدد للدلالة المقصودة‪.‬‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪10‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫فإذا أجرينا أي تغيير على أحد النظامين يتغير الثاني وإذا أجرينا تغييرا على أحد‬ ‫العناصر في أي منهما يجري التغيير في كل العناصر الأخرى لأي منهما؟‬ ‫ألسنا نرى الأمر حتى في جهاز النطق إذ ما أن يتغير موقع نطق أحد حروف منظومة‬ ‫الحروف في اللغة حتى يتغير كل نظام النطق في الحروف الأخرى وبه مثلا نفهم الفروق في‬ ‫نطق الحروف عندما ننتقل من بلد عربي إلى بلد آخر؟‬ ‫وهو ما يقتضي وضع الأسئلة التالية‪:‬‬ ‫‪ .1‬ما الذي يجمع عناصر النظام الرامز؟‬ ‫‪ .2‬هل هو العادة اللسانية أي عادة التواصل بتلك الروامز؟‬ ‫‪ .3‬وما الذي يجمع عناصر النظام المرموز؟ هل هو عادة الإحالة على المدلولات أي‬ ‫عادة العيش في تلك المرموزات خلال التواصل بتلك الروامز؟‬ ‫‪ .4‬وأين تجتمع هذه الروامز؟ هل هي تجتمع في الذاكرة اللغوية للفرد أم في نظام‬ ‫الترابط المعجمي بصورة عامة وهو الذي يمكن العودة إليه لقراءة النصوص مثلا إذا‬ ‫استعصى علينا فهم القصد أم يكون المعجم الذي ينتأ عليه العنصر الرامز هو ما تعلمه‬ ‫الإنسان من لغته القومية وليس كل المعجم الذي هو تراث تاريخي قد يكون حاضرا في‬ ‫الدلالات المتوالية؟‬ ‫‪ .5‬وأين تجتمع المرموزات؟ هل هي أعيان الأشياء التي تفيدها تلك الروامز التي‬ ‫حفظها المتعلم في لغته الوطنية فتكون وجودا خارج الرموز متناظر مع كل ثقافة الجماعة‬ ‫وتراثها المتراكمين؟‬ ‫فيصبح الجهاز التي يحقق اللقاء بين النظامين وينتخب ما ينتأ خلال التواصل من العناصر‬ ‫الرامزة على أرضية نظامها وما ينتأ من العناصر المرموزة خلاله على أرضية نظامها ليحصل‬ ‫الاختيار المناسب بين العنصرين في النظامين هو عين ما نسميه فكر الإنسان المحدد لقصوده‬ ‫في التواصل إرسالا وتلقيا‪ .‬لكن السؤال هو بأيهما يبدأ الفكر في فعل الإنتاء؟ هل يبدأ‬ ‫بانتخاب العنصر الرامز في نظام الرموز أم بانتخاب العنصر المرموز في تزلن المرموزات أم‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪11‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫إن الانتخابين يقعان معا وكيف تكون هذه المعية؟ هل الوجود في مكانين أمر ممكن للفكر‬ ‫الإنساني ‪Ubiquité‬؟‬ ‫من المفروض أن يكون الانطلاق من النظام المرموز في الإرسال لانتخاب العنصر الرامز‬ ‫المناسب له فيحقق التناظر بين الانتخابين في النظامين المرموز والرامز‪ .‬ويكون المرسل هو‬ ‫المحدد للعامل المؤول بالنظر إلى المقام والقصد من الرسالة‪.‬‬ ‫ومن المفروض أن يكون الانطلاق من النظام الرامز في التلقي لانتخاب العنصر المرموز‬ ‫المناسب للعنصر الرامز بنفس الشرطين أعني أن المتلقي يكون حينها هو المحدد للعامل المؤول‬ ‫بالنظر إلى المقام والقصد من الرسالة بقيس مرسلها على نفسه لو كان هو المرسل وليس‬ ‫المتلقي‪.‬‬ ‫لكن التناظر في الحالتين لا يمكن أن يحصل إذا لم يكن الأمران ماثلين أمام الذهن أعني‬ ‫أن نظام الروامز ونظام المرموزات يوجدان في نفس الوقت في ذهن المرسل أو المتلقي حتى‬ ‫يتم الإرسال أو التقلي في التواصل‪ .‬ومعنى ذلك أن المتواصل يكون في آن غارقا في ذاته بما‬ ‫فيها من ذكر لما لديه في ذهنه من النظام الرامز ومن النظام المرموز وغارقا كذلك في‬ ‫مثولهما خارج ذاته بوصفهما وسطين‪:‬‬ ‫أحدهما هو النظام الرمزي وكل الثقافة التي هي عالم رمزي شامل لكل أوجه الحياة‬ ‫التي توحد في النظام الرمزي وفي ما يحيل عليه في تلك الثقافة‪.‬‬ ‫والثاني هو الرمز المرموزي وكل المراجع المحال عليها في النظام الرمزي بحاضره وبماضيه‬ ‫وبمستقبله عالم فعلي ندركه قائما خارج النظام الرمزي‪.‬‬ ‫وهذا الانتساب إلى عالمين متناظرين ومتعاكسين لكأن كلا منهما مرآة تعكس الثاني وفكر‬ ‫الإنسان بينهما مثل جانوس له التفاتان أحدهما ذهني غارق في عالم الرموز والثاني فعلي‬ ‫غارق في عالم المرموزات وكلاهما في حركية دائبة ما أن يحدث تغير في أحدهما حتى يتبعها‬ ‫تغير في الثاني وكلا التغيرين يجريان في الأذهان وفي الأعيان‪.‬‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪12‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫ولما كان النظام الرامز هو بدوره قائما في الأعيان قيامه في الأذهان وكان النظام المرموز‬ ‫قائما في الأذهان قيامه في الأعيان صارت الأعيان والأذهان متوالجة كل منهما ذو وجودين‪.‬‬ ‫فما تتقدم فيه الأعيان هو الذي نسميه العالم الموضوعي وما تتقدم فيه الأذهان هو الذي‬ ‫نسميه العالم الذاتي‪.‬‬ ‫لكن العالم الذاتي لو كان ذاتيا فحسب لاستحال التواصل لأنه لا احد يدخل في ذهن‬ ‫غيره بل هو يراه في ما يتجلى فيه أعني في النظام الرمزي‪ .‬ولو كان العالم الموضوعي‬ ‫موضوعيا فحسب لاستحال أن تتواصل الأذهان حوله بل هو أيضا ذو وجود فيها‪ .‬ولهذه‬ ‫العلة فإن الوجهين الذاتي والموضوعي كلاهما لا ينفك عن الثاني‪.‬‬ ‫والمؤول الذي يصل بين العالمين أولا ثم بين الوجهين من كل عالم ثانيا هو حالة الفهم‬ ‫التي تجري في الأذهان خلال انتخاب العنصر الذي يراد استعماله في الإرسال لتبليغ المقصود‬ ‫أو في التلقي لفهم المقصود في ظرفية معينة أو في مقام معين هو المحدد للمقال وهو معنى‬ ‫لكل مقام مقال‪ .‬والظرفية يمكن أن تكون مما ينتسب إلى ما في النفوس أو ما في الأحداث‬ ‫أو ما في الأشياء من عوامل محددة لمنظور الفهم في التلقي أو لمنظور الإفهام في الإرسال‪.‬‬ ‫وبهذا المعنى فإن ما سميته الأحياز الداخلية للخطاب والأحياز الخارجية هي التي تحدد‬ ‫المقام أو الظرفيات المحددة للفهم والإفهام في عملية الترميز أو التواصل بين المنتسبين إلى‬ ‫نفس النظامين الرامز والمرموز أعني إلى ثقافة معينة‪ .‬لكن الثقافات متواصلة في ما بينها‬ ‫وتلك هي الوظيفة الأساسية للترجمة‪.‬‬ ‫وما كانت الترجمة تكون ممكنة لولا هذين التوالجين بين الذاتي والموضوعي في كل منهما‬ ‫وبينهما‪ .‬ومعنى ذلك أن الذاتي لو لكان جاريا في الأذهان وحدها لاستحال التواصل حتى‬ ‫في نفس الجماعة و\"نفس\" الجماعة تعني في الحقيقة الانتساب إلى \"نفس\" شروط الفهم‬ ‫والإفهام أي الغرق في نفس العالم الرامز ونفس العالم المرموز بحدود الوحدة الممكنة بين‬ ‫المعاني خلال انتقالها من زيد إلى عمرو‪ .‬فما نسميه \"نفس\" الشيء معنى تقريبي لأن كون‬ ‫الشيء واحدا مفهوم شديد النسبية‪.‬‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪13‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫فلو فحصنا بدقة تامة أي شيء في لحظتين متواليتين مهما كانتا قريبتين إحداهما من‬ ‫الأخرى لاكتشفنا ألا شيء يستحق أن يقال عنه إنه واحد بل كل شيء متعدد ومتنوع‬ ‫بمجرد أن يتغير تحيزه في المكان أو في الزمان أو فيهما معا ما يعني أن \"الأشياء\" نفسها ليست‬ ‫ثابتة إلا نسبيا وبفعل التثبيت الذي يأتي من ثبات الاسم الذي يثبت المسمى‪.‬‬ ‫لكن لما كانت الرموز هي بدورها أشياء صائرة فنحن في بحرين متلاطمين بل في أقيانوسين‬ ‫لا حد لهما ولا حد لأمواجهما ومع ذلك فنحن \"نؤمن\" بأننا شيء واحد وأن ما حولنا شيء‬ ‫واحد على الأقل في حدود معينة‪ .‬وهذه الصيرورة الدائمة ما كانت لتكون قابلة للإدراك‬ ‫لولا المعاني الكلية التي جعلها ابن تيمية رموزا تشير إلى الأشياء التي تبقى دائما مجهولة‬ ‫مهما أدركنا من اعراضها وانتخبناها لنعرفها بها وليست مقومات لها بخلاف ما كان يتصوره‬ ‫أفلاطون حتى وإن اعتبرها مفارقة لها حتى يتغلب على ظاهرة الصيرورة في الاعيان‬ ‫المحسوسة والثبات الذي كان يتصوره موجودا في مثلها أو ما كان يتصوره أرسطو الذي‬ ‫يعتبرها صورا محايثة لما هو في صيرورة دائمة عندما يتعلق الامر بعالم ما دون القمر أو‬ ‫عالم الكون والفساد متصورا أن ما فوق القمر مطلق الثبات من حيث الهويات والمقومات‪.‬‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪14‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫نمر الآن إلى مسالة علوم اللسان الذي هو أعم أنظمة الترميز والتواصل بين البشر‬ ‫وأكثرها تعقيدا لأن كل ما عداه منه إن لم يكن بعضا منها فهي تحاكي وظائفه أو هي تقاس‬ ‫عليه في كل اللغات الصناعية‪ .‬والرأي السائد حاليا هو أنها ثلاثة علوم هي‪:‬‬ ‫‪ .1‬علم السنتاكس أو علم قوانين التوليف بين عناصر اللغة أيا كانت طبيعية أو‬ ‫صناعية‬ ‫‪ .2‬علم الدلالة أو علم الإحالة إلى مرجعيات الرموز أو ما ترمز إليه الرموز‪.‬‬ ‫‪ .3‬وعلم التداول أو علم التواصل بين مستعملي الرموز في ضوء ما تحيل عليه من‬ ‫مرجعيات بقوانين الدلالة والسنتاكس‪.‬‬ ‫وإذا وصلتها باللسان العربي بشيء من التصرف وتسلمت ما عرفت به الحرف في اللغة‬ ‫بكونه هو الأصل في المكونين الثانيين للسان أعني الاسم والفعل تبين أن الحرف يناظر‬ ‫السنتاكس لأنه هو الذي يصل الاسم بالاسم أو الفعل بالفعل أو الاسم بالفعل في الاتجاهين‬ ‫من الأول إلى الثاني أو من الثاني إلى الأول‪ .‬فيكون في الحقيقة هو قوانين عمل الآخرين‬ ‫اللذين يشيران إلى العناصر التي يحدد علاقاتها وكيفية الوصل بينها‪.‬‬ ‫ويكون الاسم متعلقا بعلم الدلالة سواء تعلق بالإحالة إلى المسميات أو إلى المعاني التي‬ ‫تعرف بها والتي هي في الحقيقة تفصيل مكونات الاسم وكأنها مكونات المسمى سواء كان‬ ‫موجودا بحق أو متخيلا والفعل متعلقا بالتداول سواء تعلق بالأفعال عامة الجاري منها في‬ ‫الأعيان أو الجاري منها في الأذهان وخاصة بفعل التواصل بين المتداولين كلاما عليها أو‬ ‫إشارة إليها‪.‬‬ ‫سأقبل فرضيا أو سأسلم جدليا أن الإحالة للأعيان ممكنة بغير الإشارة إليها عيانا بين‬ ‫المتواصلين إذ يتواصلون بالإشارة إلى شيء ماثل أمامهم مثولا فعليا بكيانه المتعين في المكان‬ ‫والزمان خلال تواصلهم حوله‪ .‬وهذا يعني أن الإشارة تفترض حضور الشيء وحضور‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪15‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫المعنى الذي يعتبر دالا عليه وخاصة اسمه في اللغة الإنسانية العادية لو تصورنا المتواصلين‬ ‫يتجاوزون الإشارة إلى العبارة‪.‬‬ ‫وعندما يصبح الكلام على الأشياء في غيابها فإن المعاني تؤدي الدورين إذ هي تشير إلى‬ ‫الشيء وتعبر عما تشير إليه بمعنى أو بمعاني عادة ما يكون إما الاسم لا غير أو جملة‬ ‫المعاني التي صار يعرف بها‪ .‬وهذه الوظيفة المضاعفة هي التي يمكن اعتبارها الإحالة إلى‬ ‫المدلول ومن ثم فهي موضوع علم الدلالة‪ .‬لكن عندئذ لا بد من وضع في سؤالين‪:‬‬ ‫• ألا توجد رموز عديمة الإحالة إلى دلالة معينة ذات وجود فعلي خارج الخطاب ولها مع‬ ‫ذلك معنى بمقتضى قوانين السنتاكس في تلك اللغة؟ فتكون معاني قد تعتبر خرافية أو‬ ‫مستحيلة وجوديا لكنها سليمة لسانيا؟‬ ‫• وفي هده الحالة التي تتعلق بإحالة إلى معنى ليس له عين وجودية فعلية وهي طبعا‬ ‫مختلفة عن الإحالة الى شيء أو إلى معنى له علاقة بشيء فعلي فتكون النسبة بين‬ ‫الإحالتين من جنس النسبة بين المعنى الذي لا يحيل على شيء موجود إما لأنه من الخيال‬ ‫أو لأنه من ممتنع الوجود والمعنى الذي يحيل على شيء إما موجود فعليا أو مسلم بأنه موجود‬ ‫فعليا؟ وهذا هو المجال الثاني الذي نريد البحث فيه‪.‬‬ ‫والمشكل الأول طرحه فراجه ورفضه كواين‪ .‬وقد تكلمت في هذه الإشكالية وبينت أن‬ ‫كواين ينفي المعنى ويكتفي بالدلالة لكنه لم يعد يعتبرها محيلة إلى شيء بل إلى قيمة‬ ‫متغير هو المعنى الذي يتعين في شيء يعتبر قيمة من قيم ذلك المتغير بحسب نظام المعاني‬ ‫في العلم في العلم الذي هو نظام المعاني المنظم للقيم التي تتعين فيها ويسمي ذلك الالتزام‬ ‫الوجودي للمعاني في النسق العلمي في زمن معين‪.‬‬ ‫لكن المشكل الثاني يبدو لي أميل إلى تأييد فراجه والتشكيك في كفاية الحل الذي قدمه‬ ‫كواين‪ .‬ذلك أن حل كواين على أهميته قد يخلصنا من ازدواج الإحالة ليس بنفيها بل‬ ‫باعتبارها إحالة إلى متغير الذي يحيل إلى مضمون هو معين قيم المتغير‪ .‬لكن ماذا إذا تعلق‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪16‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫هذا المضمون بالممتنع أو بالمبدعات التي يبدعها فعل الترميز نفسه والتي من دونها يستحيل‬ ‫أن نتعامل مع العالمين اللذين نعتبرهما واقعيين أي الطبيعة والتاريخ؟‬ ‫إنها إذن إحالة إلى مضمون نسلم من البداية أنه لا يتعلق بموجود بل بمعدوم ككل‬ ‫الكائنات التي تتكلم عليها الرياضيات والآداب العليا والأديان من الكائنات التي يبدعها‬ ‫النظام الرمزي نفسه أو هي تبدع في نفس الحين الذي تبدع فيه الأنظمة الرمزية التي‬ ‫تخلق عالما لا علاقة له بكائنات العالم الطبيعي أو العالم التاريخي لكن الأول لا يمكن أن‬ ‫يعلم من دونها والثاني لا يمكن أن يقيم بدونها؟‬ ‫فإذا أثبتنا هذين الأمرين نكون قد أضفنا مجالين جديدين يحتاجان إلى علمين جديدين‬ ‫نضيفهما إلى علوم اللسان الثلاثة التقليدية فتصبح خمسة أصناف‪ .‬وإذا تم لنا ذلك وجدنا‬ ‫الأساس الذي يجعل نظرية المعاني الكلية التي جعلتها الفلسفة القديمة والوسيطة وحتى‬ ‫الحديثة إذا ما استثنينا كنط مقومة للأشياء وليست مجرد رموز مشيرة إلى ما ندركه من‬ ‫عراضها دون أن نزعم أنها مقومة لحقيقتها في ذاتها‪.‬‬ ‫وفي هذه الحالة تصبح المعاني الكلية هي بدورها رموزا من جنس الألفاظ والكتابة كما‬ ‫تصور ابن تيمية ذلك نفيا للرؤية الأفلاطونية والأرسطية للمعاني الكلية التي اعتبرها‬ ‫كلها مقدرات ذهنية وهي مختلفة عن المعاني الجزئية التي نستمدها من التجربة الطبيعية‬ ‫أو التاريخية والتي هي دائما تقديرات فعلية لا تعطينا حقائق الأشياء بل ما ندركه من‬ ‫اعراضها التي نختارها للإشارة بها إليها‪.‬‬ ‫ولنأخذ أبسط مثال‪ .‬بدأ أرسطو بوضع متغيرات في التحليلات الأوائل محل أسماء أشياء‬ ‫معينة حددت متيافيزيقاه المعاني التي يتقوم بها كيانها المتعينة في الوجود الخارجي وحددت‬ ‫التحليلات الأواخر شروط تطبيق تلك القواعد القياسية عليها‪ .‬ففي قياسه وضع المتغيرات‬ ‫\"أ‪ ,‬ب‪ ,‬ج\" وقال كل \"أ\" هو \"ب\" وكل \"ب\" هو \"ج\" بدلا من كل البشر مائتون وكل اليونانيين‬ ‫بشر وإذن فكل اليونانيين مائتون (بربرا‪ :‬كلية موجبة) استعمل متغيرات جعلها حدود‬ ‫قياسه‪.‬‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪17‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫ثم أعطى للحدود قيما هي البشر والمائتون واليونان فانتقل من متغير إلى قيمة في‬ ‫الحالات الثلاث أي في المقدمتين والنتيجة وحينها فهو ينتقل من حدود هي من وضعه إلى‬ ‫قيم هي خارج فعل الوضع لأنها تفترض موجودة في الأعيان وليست في الأذهان‪ .‬ففي الحالة‬ ‫الأولى يكون القياس متعلقا بمقدرات ذهنية هي المتغيرات وهي مفروضة مطابقة لمضمون‬ ‫مجرد هو تلك المتغيرات التي هي مطلقة التحديد رغم كونها خانات خالية‪ .‬وفي الحالة‬ ‫الثانية يكون القياس متعلقا بقيم المتغيرات التي تملأ تلك الخانات فتضعنا أمام نوعين من‬ ‫الإكراهات \"الواقعية\" إن صح التعبير‪:‬‬ ‫‪ .1‬الإكراه الأول هو أنه لا يستطيع أن يسور الحدود العينية مثلما يسور الحدود في‬ ‫شكل المتغيرات فينتقل منها إلى \"كل البشر مائتون\" \"كل اليونانيين بشر\" لينتج \"كل‬ ‫اليونانيين مائتون\" دون أن يراجع الموضوعات التي عوضت الحدود في شكل المتغيرات‪ .‬وإذا‬ ‫راجعها فسيجد أن النتيجة التي وصل إليها معتمدة على مصادرة على المطلوب في الحدين‬ ‫الأولين لأن النتيجة مفترضة فيهما‪.‬‬ ‫‪ .2‬والاكراه الثاني أن ذلك ليس دائما متوفر لأن السور \"كل\" الذي هو ضروري في‬ ‫احدى المقدمتين أي على الأقل مرة إذ القياس لا ينتج إلى إذا كانت فيه على الأقل مقدمة‬ ‫كلية ومن ثم فالقياس كله مبني على مصادرة على المطلوب‪.‬‬ ‫ومن ثم فلا يمكن للقياس ان ينتج ما لم نسلم بالمطابقة ولا نسلم بها ما لم نسلم بان‬ ‫بالاستقراء التام إلذي انتقلنا من شكل المتغيرات إلى تعيينها في قيم محددة‪ .‬وتعميم‬ ‫الاستقراء وادعاء تمامه لا شيء يثبت صحته‪ .‬والتسليم الذي من هذا النوع فيه بنحو ما‬ ‫الغاء للركن الثاني في معرفة الموجود الخارجي أعني التجربة االتي هي شرط ضروري‬ ‫للانتقال من التقدير الذهني الغني عن المرجعية الخارجية إلى العلم الفعلي الذي لا بد‬ ‫له من مراجعة المرجعية الخارجية بالتجربة‪.‬‬ ‫ولما كان ما نرجع إليه من المرجعية ليس بالضرورة عين حقيقتها بل هو بعض أعراضها‬ ‫التي اعتبرناها ممثلة لها في حدود علمنا في لحظة من لحظات تاريخ تطوره فإن العلم المتعلق‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪18‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫بالأشياء الخارجية التي ليست مقدرات ذهنية في هذه الحالة لا يمكن أن يكون أوليا ولا‬ ‫ذاتيا ولا كليا ولا محضا‪ .‬وهذا هو كلام ابن تيمية في كلامه على المنطق أعني على هذه‬ ‫النقلة من المتغيرات في التحليلات الأوائل إلى القيم المعينة في التحليلات الثواني‪ .‬والنتيجة‬ ‫هي أن القول بنظرية المعرفة المطابقة تنتفي في الحالتين‪:‬‬ ‫‪ .1‬فهي غير ممكنة في معرفة الوجود الخارجي إلا إذا وضعنا الاستقراء تاما وحتى‬ ‫في هذه الحالة فقد يكون تمامه لحين لأن وجوده مستقل دائما عن إدراكنا له‪ .‬ولا يمكن أن‬ ‫نزعم أن إدراكنا محيط بحيث نرد الموضوع إلى ما ندركه منه‪.‬‬ ‫‪ .2‬وهي عديمة المعنى في معرفة التقدير الذهني لأن التقدير الذهني يضعه بالحد‬ ‫والتعريف ولا يستقريه وهو لا يعينه بل يعتبره متغيرا وعندما يعنيه فهو يعينه بحده‬ ‫المتقدم على وجوده بل إن حده هو الذي يوجده ولا يستمد من إدراك لأمر خارج عن فعل‬ ‫الوضع نفسه‪.‬‬ ‫لكن هذه الحالات البسيطة من المعاني الرامزة التي تنتج ما تحيل عليه ولا تحيل على‬ ‫شيء خارج عنها إلا عندما يحدد شيء ما بوصفه إحدى تعيناتها كما في حالة المتغيرات تبدو‬ ‫وكأنها قابلة للرد إلى الحالات العادية ذات الإحالة إلى مرجعيات خارجية عادية لأن تعيين‬ ‫القيم التي تتعين بها المتغيرات تفقدها ما يبدو مختلفا عن الإحالة المرجعية فتبدو الإحالة‬ ‫المعنوية وكأنها تابعة للإحالة المعنوية‪.‬‬ ‫ومثلها المعاني الخيالية التي تبدو مؤلفة من معان \"ذات وجود خارجي فعلي\" مثل عبارة‬ ‫جبل من ذهب أو إنسان سرمدي أو أي كيان خيالي ليس له وجود فعلي فهو معنى متناسق‬ ‫من حيث العبارة عنه في اللسان العادي‪ .‬لكنه لا وجود له خارج العبارة فيكون المعنى محيلا‬ ‫على معنى وليس على شيء أو حتى إشارة غير مباشرة بتوسط معنى يحيل عليه‪.‬‬ ‫فيكون الحكم الوحيد في المعنى ليس دلالة خارجية بل مجرد السلامة اللغوية أيا كان‬ ‫اللغة‪ .‬فيكون الأدب الخيالي والرياضيات كلها من هذا الجنس‪ .‬لكن المشكل هو أن الرؤية‬ ‫الآرسطية لطبيعة الرياضي في الميتافيزيقا جعلته يكون تجريدا من الطبيعي مكانا أو زمانا‪.‬‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪19‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫فتكون الإحالة في المعاني الرياضية وكأنها من جنس ما وصفنا في عبارة جبل من ذهب أو‬ ‫إنسان سرمدي أو أي كيان خيالي‪ :‬أي إنها مؤلفات من معان دالة على أشياء ذات وجود‬ ‫فعلي ألفت بصورة تجعلها ممتنعة الوجود لما في ماهياتها من تناقض مع الشروط الميتافيزيقية‬ ‫للتعين الوجودي‪.‬‬ ‫لكن الأمر لا يتعلق بهذه التبعية للتأليف من عناصر ذات وجود فعلي أو من عناصر مجرد‬ ‫من كيان ذي وجود فعلي كأن نتصور الهندسة من المكان والعدد من الزمان لكأن المكان‬ ‫والزمان شيء فعلي وليس هو بدوره معنى لعله من جنس طبيعة الشيء الذي نبحث عنه في‬ ‫التمييز بين الإحالتين الإحالة الدلالية والإحالة المعنوية‪.‬‬ ‫فلننطلق من رؤية ارسطو الذي يعتبر المستقيم معنى مجردا بالاستثناء (الطرح) من‬ ‫السطح والسطح الذي هو معنى مجرد من الجرم‪ .‬لكن من أين يستمد المستقيم الاستقامة‬ ‫وفقدان السمك فيكون امتدادا في المكان عديم السمك من حيث العرض ويكون متصلا فيه‬ ‫بلا حد؟ وكيف يمكن للذهن تصوره وهو ممتنع الوجود الفعلي الذي نريد رده إلى كونه‬ ‫أحد عناصر موجود فعلي‪ .‬فهبنا عكسنا واردنا أن نكون السطح بتنضيد المستقيمات كما‬ ‫نفعل عندما ننسج نسيجا من الصوف بخيوطه تتشاجن‪ .‬لكن في هذه الحالة عندنا خيوط‬ ‫ذات سمك وليس مستقيمات لا سمك لها‪ .‬كيف مما هو عديم السمك نكون شيئا ذا سمك في‬ ‫العرض فيصبح سطحا؟ وبالمقابل كيف مما له سمك أن نجرد شيئا لا سمك له حتى لو سلمنا‬ ‫بفرضية ارسطو بأن المستقيم هو الحد الذي يلتقي فيه سطحان والسطح الحد الذي يلتقي‬ ‫فيه جرمان أي أن نحصل على غاية التجريد المستقيم من السطح والسطح الذي لا عمق له‬ ‫من الجرم (في العرض)؟‬ ‫وكيف يمكن أن نفهم معنى كائن اسمه الدائرة يتحدد بحركة الشعاع دون تحديد لطوله‬ ‫فيتحدد دائرة يمكنها مع أن سطحها ليس له أدنى سمك أن يتحرك حول أحد أقطاره فتتكون‬ ‫كرة وتكون هذه الكرة قابلة لأن تنتفخ بانتظام في كل الاتجاهات إلى أن تصبح محيطة بأي‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪20‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫عالم شئنا مهما كان عظيما ومثلها الدائرة أن تتمدد في كل اتجاه فتكون أوسع من أي سطح‬ ‫مستو مهما كان شاسعا؟‬ ‫ثم كيف يمكن أن أنشئ هندسات مختلفة عن هندست إقليدس ويمكن أن تعطيني عالم‬ ‫مختلفا عن العالم الطبيعي الذي اعتبره محالا عليه بوصفه نظام المراجع في الإحالة‬ ‫المرجعية للعالم الطبيعي العادي الذي ندركه بحواسنا والعالم الذي وراء ما ندركه بحواسنا‬ ‫والذي هو بدوره يكاد يكون لا متناهيا‪ .‬وكيف يمكن أن يكون هذا العالم هو بدروه قابلا‬ ‫للإدراك بهذه الهندسات المختلفة؟‬ ‫عندنا إذن مشكل العلاقة بين العالمين عالم المقدرات الذهنية وعالم الموجودات‬ ‫الخارجية‪ .‬والأول مثاله الرياضيات‪ .‬والثاني مثاله الطبيعيات‪ .‬لكن الرياضيات يمكن الا‬ ‫تكون مقصورة على ما له تناسب مع الطبيعيات فتتعدد بتعدد العوالم الممكنة التي تبدعها‬ ‫الرياضيات موضوعا لها خلال ابداعها للرموز الرامزة لها بمعنى أن الإبداع الرياضي الذي‬ ‫يكون في آن إبداعا للرامز وللمرموز بخلاف العلوم التي تدرس ما تكون الإحالة فيه‬ ‫لموجودات خارجية سابقة الوجود على محاولة ترجمتها بالرموز‪.‬‬ ‫وإذا كان ذلك كذلك في المقدرات الذهنية التي من هذا الجنس ولنسمها مقدرات ذهنية‬ ‫نظرية بمعنى أنها موضوعات لمعرفة علمية ما فإنه يمكن تصور ما يجانسها من حيث طبيعة‬ ‫الإحالة المعنوية وليس المرجعية وتكون من جنس يمكن أن نسميه بالمقدرات الذهنية العملية‬ ‫بمعنى أنها موضوعات لمعرفة قيمية وهي التي تعمل بها الآداب التي تكون في نسبتها إلى‬ ‫التاريخيات مناظرة لنسبة الرياضيات إلى الطبيعيات‪.‬‬ ‫وهذا هو النوع الثاني الذي حاولت وضعه قياسا على المقدرات الذهنية النظرية التي‬ ‫تكلم عليها ابن تيمية والتي سميتها بالمقدرات الذهنية العلمية تتعلق بمعرفة القيم وليس‬ ‫بمعرفة الأشياء‪ .‬وفي الحقيقة فتسميتي لهما فيها الكثير من التجوز لأنه لا يمكن أن نسمي‬ ‫هذه المقدرات الذهنية النظرية والعملية علوما أو قيما لأنها من جنس آخر هو بالأحرى‬ ‫بحث في شرط علم الأشياء وشرط قيم الأفعال‪.‬‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪21‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫وسأصطلح على تسمية النوع الأول من المقدرات الذهنية بـ\"فن الضرورة الشرطية\"‬ ‫والنوع الثاني منها بـ\"فن الحرية الشرطية\"‪ .‬والقصد أن الفن الأول يبدع الرمز والمرموز‬ ‫المشروطين في المعرفة العلمية قبل الشروع فيها لأنه يبدع معاني يعبر بها عما يدركه من‬ ‫حقائق العالم الموجود سواء كان طبيعيا أو تاريخيا دون أن يكون من خلقنا والثاني يبدع‬ ‫الرموز والمرموزات المشروطين في المعرفة العملية وقيم المنشود الذي هو من خلقنا سواء كان‬ ‫تاريخيا أو طبيعيا‪.‬‬ ‫والسؤال هو‪ :‬كيف يمكننا أن نبدع هذين الفنين اللذين لا يمكن من دونها أن نعلم ما‬ ‫ندركه من الحقيقة وأن نعمل ما نقيمه من الأفعال وأن يكون الثاني ليس لمعرفة حقائق‬ ‫العالم الذي لا دخل لنا في خلقه بل لخلق قيم لعالم نحن الذين نبدعه‪.‬‬ ‫ثم ألا يكون الفنان هما بدورهما من جنس خلق عالمين لا وجود لهما نستطيع بأولهما‬ ‫معرفة العالم الموجود وبالثاني خلق العالم المنشود؟ ا يكون الفنان في هذه الحالة من جنس‬ ‫العالم المنشود الذي نخلقه نحن فتصبح كل المقدرات الذهنية في حقيقتها من خلقنا وهي من‬ ‫ثم نوع من التقدير الذهني العملي الأرقى والذي هو عين ما فينا من تجهيز كياني بالمعنى‬ ‫الفني إذا تصورنا كياننا العضوي والروحي شبه آلة مبدعة للترميز رموزا ومرموزات أو‬ ‫بلغة قرآنية من فطرة يكفي إيقاظها في التعليم وهو ما يسميه القرآن تذكيرا بمعنى قريب‬ ‫من المعنى السقراطي بحيث إن المقدرات الذهنية النظرية هي بدورها من جنس المقدرات‬ ‫الذهنية العملية فلا تكون حقائق الموجود التي نعلمها مختلفة عن قيم المنشود الذي نعمله؟‬ ‫وبذلك يتبين أن فن الضرورة الشرطية أو فن التقدير الذهني الذي يمكن من علمها‬ ‫يعود إلى فن الحرية الشرطية أو فن التقدير الذهني الذي يمكن من عملها‪ .‬وتصبح القيم‬ ‫متقدمة على العلوم تقدم الإرادة على العقل بمعنى أنه لو لم يكن الإنسان حرا وقادرا‬ ‫على إبداع الأنظمة الرمزية لاستحال عليه أن يدرك الأنظمة الوجودية التي هي في‬ ‫الحقيقة ليست مقومات الوجود الفعلي في حقيقته الذاتية بل هي حقيقة الوجود الإضافي‬ ‫إلى مداركنا وإلى ما ننتخبه من أعراضها لكي نشير إليها أو لكي نسميها‪.‬‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪22‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫فإذا كان ذلك كذلك صار عندنا خمس مستويات من علوم اللسان لأن الإحالة المرجعية‬ ‫تحيط بها إحالة معنوية أوسع منها وشارطة لها فلا يبقى علم الدلالة كافيا ولا بد من علم‬ ‫المعنى الذي يحيط به ويتجاوزه تجاوز المنشود لما ندركه من أعراض الموجود‪ .‬وإذا اضفنا‬ ‫هذا النوع الثاني من الإحالة صار من الواجب أن يوجد نوع ثان من التداولية‪ .‬وإذن فلنا‪:‬‬ ‫‪ .1‬علم السنتاكس وهو سنتاكس يحدد التناسق الرمزي إما بمقتضى الإفادة المرجعية‬ ‫التي تحيل إلى موجود سابق عليها أو بدونها وذلك هو الفرق بين الدلالة والمعنى‪.‬‬ ‫‪ .2‬علم الدلالة التي هي الإحالة إلى موجود سابق الوجود على العبارة الرامزة إليه‪.‬‬ ‫‪ .3‬علم التداولية حول الدلالات‪.‬‬ ‫‪ .4‬علم المعنى التي هي عدم الإحالة إلى موجود سابق على المعنى بل المعنى لا يرمز‬ ‫إلى المفهوم منه دون أن يكون للمفهوم منه ما يناظره في الوجود الخارجي الذي من جنس‬ ‫الدلالة‪.‬‬ ‫‪ .5‬أخيرا علم التداولية حول المعاني‪ .‬وله مستويان‪ :‬قبل تعيين قيم المتغيرات أو‬ ‫تعيين المعاني بالتأويل‪ .‬ثم بعد تعيين قيم المتغيرات فنعود إلى الكلام في الدلالة التي هي‬ ‫ما تحيل إليه تلك القيم إذا كانت مأخوذة من الموجود الخارج‪.‬‬ ‫وتلك هي العلوم الحقيقية التي تدرس الوجود الخارجي سواء كان طبيعيا أو تاريخيا‪.‬‬ ‫لكن إذا الإحالات الدلالية بمعناها الأول والمباشر فهي إحالات لم تصبح بعد علمية لأنها‬ ‫تخضع نظام الرموز مباشرة إلى ما ندركه مما نتصوره واقعا متوهمين أن الواقع شفاف وأن‬ ‫عقولنا تنفذ إليه وتتطابق معه‪.‬‬ ‫لكن العلم الذي يمكن أن يكتشف قوانين ما ندركه من الوجود الخارجي طبيعيا كان أو‬ ‫تاريخية هو من جنس النوع الثاني أعني أن ما يذكره منهما هو قيم مؤقتة للمعاني‪ .‬فتكون‬ ‫المعاني أعم من الدلالات التي هي قيم مؤقتة لها وهي متغيرة مع تطور الإدراك وأدوات‬ ‫النفاذ إلى ما في الأشياء من أنظمة وراء أعراضها‪.‬‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪23‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫خلال كلامي على عناصر اللغة اعتبرت دور للحرف بينها في نسبة دور السنتاكس بين علوم‬ ‫اللسان عامة وهو رأـي لا يمكن ألا يستفز علماء اللغة العربية الذين وضعوا ثلاثي العناصر‬ ‫اللغوية بالنسبة الى العربية‪ .‬ويزعم الكثير ان النحاة العرب اعتمدوا في ذلك على‬ ‫النظرية اليونانية‪ .‬ولم اهتم كثيرا بالنظر في المسالة لعلمي أنه يوجد من يكتفي باثنين‬ ‫مثل أفلاطون رغم كونه أفضل المنظرين الحريصين على تخليص اللغة مما قد يحول دونها‬ ‫وقابلية الاستعمال المنطقي فلم يقل إلا بثنائي الاسم والفعل‪ .‬كما أنه يمكن أن نذهب إلى‬ ‫أكثر من ثلاثة إذ توجد عناصر أخرى كثيرة لا هي أسماء ولا هي أفعال ولا هي حروف‬ ‫مثل الأفعال الناقصة ومثل إن وأخواتها وهي تشبه وظيفة فعل الوجود في اللغات‬ ‫الأوروبية‪ .‬فعندما تضاف إلى جملة خبرية فيها انتقال من الحمل العادي إلى الحمل الذي‬ ‫يخبر عن حقيقة المخبر به أو على الأقل عن توكيدها‪ .‬كما أن الضمائر يصعب اعتبارها‬ ‫أسماء دون تكلف وكذلك الاسم الموصول إلخ‪ ...‬من العناصر ذات الطبيعة غير القابلة‬ ‫للرد إلى أي من الثلاثة المعترف بها أو هي ترد إليها بتكلف كبير يغر مقنع‪ .‬وكل ذلك سببه‬ ‫أن معيار التصنيف غير دقيق وغير محدد الطبيعة‪.‬‬ ‫فقد عرف الحرف بكونه لا يتمتع بالخاصية الوظيفية التي تنسب إلى الاسم ولا الى‬ ‫الفعل‪ .‬وعرف الاسم بخاصيات تنفى عنه خاصية الفعل (‪-‬الزمن)‪ .‬وعرف الفعل بخاصيات‬ ‫تنفى عنه خاصية الاسم (‪+‬الزمن)‪ .‬والمعلوم أن بعض الحروف مكمل للأفعال لأنها من‬ ‫دونه لا يمكن أن تفعل مباشرة بل تحتاج إليه‪ .‬ولولا خيارات الكتابة (كل ا لأفعال التي‬ ‫تتعدى بالحرف) لكان يمكن أن يكون بعضها منحوتا مع الفعل وبعضها منفصلا عنه وبعضها‬ ‫ينحت معه أحيانا ويفصل عنه ـأحيانا أخرى كما في الألمانية‪.‬‬ ‫كما يوجد بعض الحروف التي تكمل وظيفة الأسماء المشتقة من الأفعال القاصرة لأنها‬ ‫من دونه لا تسمي مباشرة كما في أسماء الفاعل وأسماء المفعول منها‪ :.‬مثل القول المسكوت‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪24‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫عنه أو المقدور عليه‪ .‬وبعض الحروف للوصل بين الجمل وبعضها للوصل بين الألفاظ في‬ ‫الجمل كحروف العطف وبعضها لتحديد الظرف الزماني او المكاني‪.‬‬ ‫لكل ذلك أريد أن انظر في تصنيف أكثر دقة وبمعايير ذاتية لوظيفة اللسان‪ .‬ويمكن أن‬ ‫ـأحدد ما أسعى فأصوغه في السؤالين الواجبين‪:‬‬ ‫‪ .1‬هل هذا التصنيف يمكن من تعريف جامع مانع لعناصر اللغة فيحدها في هذه‬ ‫العناصر الثلاثة لا اكثر ولا أقل دون الدليل على كفايتها لوصف عناصر اللغة؟‬ ‫‪ .2‬وما طبيعة العلاقة بين هذه العناصر الثلاثة ولم هي كذلك وليس على نحو آخر‬ ‫خاصة والكثير من العناصر تبدو غير منتسبة إليها ما فرض وضع عناصر هجينة معها؟‬ ‫لا يمكن لعلم أن ينطلق من أمر واقع لتأسيس البحث عن أمر واجب إلا إذا سلم بأن ذلك‬ ‫فرضية عمل وليس حقيقة نهائية‪ .‬فإذا كان الهدف الجواب عن أسئلة تتعلق ببيان علل كون‬ ‫الأشاء على ما هي عليه فلا بد أن نبدأ بالمنطلق فنسأل عن علة كونه على ما هو عليه ونضع‬ ‫فرضيات فنختار منها ما نعتبره أقدر على تفسير ما نريد تفسيره‪ .‬والمنطلق هو اعتبار‬ ‫العربية مؤلفة من اسم وفعل وحرف بل وأكثر من ذلك لا بد من الجواب عن سؤال العناصر‬ ‫المقومة للسان أي لسان وليس العربية وحدها‪.‬‬ ‫والمحير في ما تقدم في الفصول السابقة من المحاولة هو افتراضي أن نسبة الحرف إلى‬ ‫العنصرين الآخرين هي عين نسبة السنتاكس إلى العلمين الآخرين في نظرية التثليث لعلوم‬ ‫اللسان هو ما فيه من استفزاز لعلماء العربية ولعلماء اللسان عامة‪ .‬وذلك ما أنوي تخصيص‬ ‫هذا الفصل الرابع لمحاولة تعليله وبيان أهميته‪ .‬ويمكن أن اعتبر الفصلين الثاني والثالث‬ ‫بداية جيدة للقيام بهذه المهمة‪ .‬فهما يمهدان للإشكالية التي أحاول علاجها الآن‪.‬‬ ‫كلنا يعلم أن مسألة الحروف في العربية لم تكن قضية مهملة إذ يكفي أن يقرأ الواحد‬ ‫أكبر لغوي عربي ‪-‬بشهادة ابن خلدون‪-‬في نفس الحقبة التي اعتبرها ذروة الفكر الفلسفي‬ ‫في المدرسة النقدية ممثلة برمزها في نهايات القرن السابع (ابن هشام) قبيل بدايات الثامن‬ ‫(ابن تيمية) وبغاياته (ابن خلدون)‪ .‬فابن هشام الأنصاري قد ألف كتاب مغني اللبيب‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪25‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫عن كتب الأعاريب وهو مصنف اعتبر محاولتي وثيقة الصلة به‪ .‬ولا يعنيني هنا أن العلاقة‬ ‫ليست مباشرة مع هذا الكتاب رغم أهميته وعمقه وكونه من أفضل ما كتب في مسألة الحروف‬ ‫بكل اصنافها‪.‬‬ ‫فللكتاب علاقة غير مباشرة بتوسط الغاية منه‪ .‬ولعل الكلمة الأخيرة من العنوان‬ ‫\"\"الأعاريب\" حاسمة في الاتجاه الذي اذهب فيه‪ .‬فالأعاريب تتعلق بضروب الاعراب وما‬ ‫لها من صلة بالحروف‪ .‬والكتاب هدفه في مشروع ابن هاشم الانصاري ليس اعراب المفردات‬ ‫بل اعراب الجمل أو ما نسميه بالتحليل المنطقي للجمل وترابطها وكأنها مفردات‪ .‬وهو ذو‬ ‫صلة ببحثي‪ .‬فإعراب الجمل يتعلق بالروابط المنطقية السنتاكسية بينها‪ .‬ومن ثم فهو يصل‬ ‫الحرف بالسنتاكس بمعنى القوانين التي تصل الجمل بمقتضى قوانين نحوها مطبقة ليس‬ ‫على ألفاظها بل على جملها‪ .‬وطبعا فلما كان بناء الجملة النحوي يؤثر في علاقات الجمل‬ ‫فإعرابها يتضمن قوانين نحوها المطبق على ألفاظها لأن بنية الجمل مؤثرة في قوانين الوصل‬ ‫المنطقي بينها‪.‬‬ ‫فتكون الحروف أهم تعين للسنتاكس الذي يقبل الرد اليها وهي تؤثر في المستويين من‬ ‫الاعراب تأثير السنتاكس في تأليف الحدود البسيطة في أي نسق وتأثيره في قوانين الوصل‬ ‫بين الجمل المؤلفة منها‪ .‬فتكون كل لغة سواء كانت طبيعية أو اصطناعية ‪-‬لغة أي فن وأي‬ ‫علم‪-‬مؤلفة من نوعي التقطيع التقطيع الذي يؤلف بين الحدود البسيطة لتكوين الحدود‬ ‫الأولية التي هي أشبه بالألفاظ في اللغة الطبعية وذلك بحسب قوانين محددة والتقطيع‬ ‫الذي يؤلف بين هذه الحدود الأولية والتي هي أشبه بتكوين الجمل المفيدة فما فوق في‬ ‫اللغة الطبيعة‪.‬‬ ‫وسأقبل الانطلاق من الثالوث معتبرا الحرف أصلا والاسم والفعل عنصرين يؤلف بينهما‬ ‫الحرف حتى يمكن استعمالها للانتقال من الإشارة إلى العبارة‪ .‬وخاصية الحرف في هذه‬ ‫الحالة هي تنزيلهما في الحيزين الخارجيين بالنسبة إلى العبارة أي المكان والزمان اللذين‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪26‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫يشار إليهما في التواصل وفي الحيزين الداخليين في العبارة أي في العلاقة بالأسماء (تثبيت‬ ‫في المكان) وفي العلاقة بالأفعال (تحريك في الزمان)‪.‬‬ ‫والتثبيت في المكان فيه إحالة إلى مسميات هي التي يقع تثبيتها ومن ثم فنحن أمام علاقة‬ ‫إحالة إلى مسمى سواء كان في المكان الخارجي الطبيعي أو في مكان الخطاب باعتباره موضوع‬ ‫الخطاب‪ .‬فلو نظرنا الآن إلى الفعل فإننا نستعمل كلمة فعل بإحالتين اولاهما تشبه الإحالة‬ ‫إلى الاسم وإحالة تشبه الإحالة إلى المسمى‪ .‬لذلك فينبغي ان نتخلص من ازدواج الإحالة‬ ‫فنميز بين المعنيين‪.‬‬ ‫وحتى نتمكن من ذلك وجدت طريقة بسيطة للتمييز بين الاسم والمسمى‪ :‬فأسمي الاسم‬ ‫أسما وأسمي التسمية التي تحيل إلى المسمى فعل الاسم‪ .‬وقياسا على ذلك أسمي الفعل‬ ‫فعلا وأمسي التفعيل الذي يحيل إليه الفعل اسم الفعل‪.‬‬ ‫فيصبح عندنا أربعة عناصر‪:‬‬ ‫فعل الاسم ليس مجرد كلمة بل هو ما به ينتأ موضوع التسمية فيسمى به‪ :‬ما يجعل الأسماء‬ ‫تشير إلى المسميات‪ .‬والقصد هو الاستعارة التي تعتمد على ما بين أعراض الأشياء المسماة‬ ‫من وجوه شبه‬ ‫اسم الفعل ليس مجرد كلمة بل هو ما به تنتأ ذات الفاعلية فتسمى باسمه‪ :‬هو ما يجعل‬ ‫الأفعال تشير إلى التفعيلات‪ .‬والقصد الكناية التي تعتمد على ما بين الأشياء من علاقات‬ ‫علية في الاتجاهين من العلة إلى المعلول ومن المعلول إلى العلة‪.‬‬ ‫الاسم كلمة‪ :‬حركة اسم ومركزه نظام العبارة الصوتية‪ :‬موسيقى والبداية هي الصوت‬ ‫الذي يسمي نفسه‪.‬‬ ‫الفعل كلمة‪ :‬اسم حركة ومركزه نظام العبارة البدنية‪ :‬رسم والبداية هي الحركة التي‬ ‫تسمي نفسها‪.‬‬ ‫والحرف هو الأصل الذي له دوران هما نوعا التحييز الإشاري‪:‬‬ ‫التحييز في الحيزين الخارجيين أي في المكان والزمان‪.‬‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪27‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫والتحييز في الحيزين الداخليين أي في نظام التسمية والاستعارة (وهو ما يناسب الاختيار‬ ‫المعجمي) وفي نظام التفعيل والكناية (وما يناسب الاختيار النحوي) ‪ .‬وذلك هو دور‬ ‫السنتاكس‪ .‬وقد ينفصل التحييزان وقد يتطابقان‪ .‬وكل تحييز داخلي سليم يكون إما ذا‬ ‫نظير خارجي فيكون من عالم الدلالة أو عديم النظير الخارجي فيكون من عالم المعنى‪.‬‬ ‫سأحاول التمثيل لأسماء الفعل‬ ‫وسأحاول التمثيل لأفعال الاسم‬ ‫أما الفعل‬ ‫وأما الاسم‬ ‫فهما غنيان عن التمثيل‬ ‫لكني سأركز على دور الحرف وعلاقته بالأولين أي بأسماء الأفعال وبأفعال الأسماء لأبين‬ ‫أمرين‪:‬‬ ‫• علة اعتباره أصل كل وظائف اللغة‬ ‫• لاعتباره في عناصر اللغة في نسبة علم السنتاكس في علوم اللغة‪.‬‬ ‫لكن قبل ذلك كله لا بد من الخروج من المفارقة التي جعلتني استعمل الزوجين اسم وفعل‬ ‫في تسمية ما اعتبره متقدما عليهما أعني فعل الاسم في الفعل وفعل الفعل في الاسم لكأني‬ ‫اجعل المشروط شارطا‪ .‬لكن هذه المسالة من أيسر الأمور علاجا لأنه من نتائج العلاقة بين‬ ‫الوجودي والمعرفي‪ .‬فنحن نذهب دائما من المعلول إلى العلة ومن ثم فنحن نعود من المتقدم‬ ‫معرفيا إلى المتقدم وجوديا‪ .‬نحن نعرف الاسم قبل المسمى ونعرف الفعل قبل التفعيل‪ .‬ومن‬ ‫ثم في فالمسمى هو فعل الاسم والتفعيل هو اسم الفعل‪ .‬وبذلك ففعل الاسم الذي هو الإحالة‬ ‫على المسمى واسم الفعل الذي هو ا لإحالة على التفعيل متقدمان على الاسم والفعل‪.‬‬ ‫ولما كان فعل الاسم استعاريا دائما وفعل الاسم كنائيا دائما فإن الاستعارة والكناية‬ ‫متقدمتان على اللسان وهما سر قيامه بوظائفه‪ .‬وبين ان البلاغة هي التي تحدد قوانين‬ ‫النحو بخلاف ما يتصور الجرجاني وليس العكس‪ .‬ولذلك فالمعنى ليس مرموزا بل هو رامز‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪28‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫ومعنى المعنى هو المرموز‪ .‬وفي المعنى لا يكون اللسان إلا أداة رسم للدال مدلوله هو معنى‬ ‫المعنى وهو المقصود من الكلام‪ .‬وهذا يحررنا نهائيا من خرافة المقابلة السطيحة بين ما‬ ‫يسميه المتكلمون الحقيقة والمجاز‪ .‬فالمعنى ليس حقيقة معنى المعنى ليس مجازا بل المعنى‬ ‫رسم بالألفاظ أو موسيقى بالألفاظ لدال مدلوله هو ما يسمى معنى المعنى‪.‬‬ ‫الآن أبدا بفعل الاسم‪ :‬بدايته استعارة موسيقية في الغالب تحاكي بإيقاعها المسمى نفسه‬ ‫فتكون نواته ما يسمى في النحو العربي اسم الصوت‪..‬‬ ‫وأثني باسم الفعل‪ :‬بدايته رسم حركة في الغالب تحاكي بشكلها الفعل نفسه فتكون نواته‬ ‫ما يسمى باسم الفعل من جنس صه المصحوب بوضع الإصبع على الشفتين والقصد الأمر‬ ‫بالسكوت‪.‬‬ ‫فإذا عممنا الأمرين حصل لنا التسمية بالاستعارة والتفعيل بالكناية‪.‬‬ ‫‪ .1‬وسآخذ أبرز مثال في ما سميته اسم الفعل يجمع بين العبارة والإشارة في المعنى‬ ‫الذي هو دال على معنى المعنى الذي هو مدلول في اسم الفعل‪ .‬فلو أخذت عبارة \"يقدم‬ ‫رجلا ويؤخر أخرى\" لكان ذلك رسما لحركة متردة في المشي‪ .‬لكن هذا الرسم دال على معنى‬ ‫مجرد هو التردد‪ .‬والمعنى المجرد هذا فعل نختار له رسما في المكان يفيد بالعبارة البدنية‬ ‫للإنسان المتردد فعل التردد‪ .‬بحيث يمكنني أن الكتب‪\" :‬يقدم رجلا ويؤخر أخرى\" = معنى‬ ‫أول= دال على معنى ثان= مدلول هو فعل التردد‪.‬‬ ‫‪ .2‬وسأخذ أبرز مثال على ما سميته فعل الاسم يجمع بين العبارة والإشارة في المعنى‬ ‫الذي هو دال على معنى المعنى الذي هو مدلول فعل الاسم‪ .‬فول أخذت كل الأسماء التي‬ ‫تسمى \"الانوماتوبـبي\" في أي لغة ‪-‬وهي مختلفة من لغة إلى لغة ‪-‬لوجدت أن الصوت يسمي‬ ‫نفسه مثل زقزقة ورفرفة ودندنة إلخ‪ ..‬وغالب الأسماء مشتقة من إحدى الصفات الأبرز‬ ‫في المسمى ليشتق منها اسمه‪ .‬فيكون الاسم مشتقا من صفات المسمى‪ .‬فيكون الاسم وكأنه‬ ‫موجودا له وجه شبه مع الموجود الثاني الذي هو المسمى‪ .‬ولذلك تجد عند العرب الكثير‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪29‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫من الأسماء لنفس الشيء بحسب القبائل العربية اعتمادا على ما نتأ من صفات المسمى‬ ‫عندهم لتكون أسماء له‪.‬‬ ‫وهنا لا بد من الكلام على الاعلام‪ .‬فهذه الأسماء تعتمد على نفس الآلية في الأصل وهي‬ ‫نوع من التعبير عن المنشود من آباء الأطفال عند اختيار الاسم العلم والهدف هو نوع من‬ ‫التمني وشبه برمجة للطفل حتى يحقق ما يأمه أهله‪ .‬ثم يتحول الأمر إلى عادات في‬ ‫استعمال الأسماء العلم التي صار لأصحابها صيت في الجماعة في مجالات مختلفة من الأنشطة‬ ‫الإنسانية‪.‬‬ ‫الحصيلة هي إذن كالتالي‪:‬‬ ‫لو كانت الأسماء مقصورة على المسميات الموجودة لا ستحال أن نتكلم على المنشود من‬ ‫الموجودات ولاستحال أن نبدع عوالم ليس لها وجود متقدم على التسمية‪.‬‬ ‫لو كانت الأفعال مقصورة على التفعيلات الموجودة لاستحال أن نتكلم على المنشود من‬ ‫الأفعال ولاستحال أن نبدع أفعالا في هذه العوالم التي ليس بها وجود متقدم على التفعيل‪.‬‬ ‫إمكان تسمية المنشود من المسميات وتفعل المنشود من التفعيلات يجعلنا قادرين على إبداع‬ ‫معان وخلق عوالم ليست من الطبيعة وليست من التاريخ لعلها هي شرط إمكانية علم‬ ‫الطبيعة والتاريخ وتقييمهما بحيث إن العالمين الطبيعي والتاريخي يبدوان حالتين جزئيتين‬ ‫من الممكن الذي نحن قادرون على جعله حاصلا بفعل اللسان‪ .‬وهو ما يقتضي أن أضيف إلى‬ ‫الإحالة الدلالية الإحالة المعنوية التي هي مجال التقدير الذهني النظري للمسميات‬ ‫الطبيعية الممكنة من حيث هي منشودة لتصبح موجودة والعملي للأفعال التاريخية الممكنة‬ ‫من حيث هي منشودة لتصبح موجودة‪.‬‬ ‫ومثال إبداع المنشود ليصبح موجودا في المسميات التقدير الذهني الرياضي الذي يتعلق‬ ‫بالضرورة الشرطية‪ .‬ومثال إبداع المنشود ليصبح موجودا في التفعيلات التقدير الذهني‬ ‫العملي الذي يتعلق بالحرية الشرطية‪ .‬والضرورة الشرطية هي أساس كل علم بالطبيعة‬ ‫والوقائع‪ .‬الحرية الشرطية هي أساس كل علم بالتاريخ والقيم‪.‬‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪30‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫ومن دون هذين الشرطين يمتنع علم الطبيعة علم التاريخ‪ .‬فتكون المقدرات الذهنية‬ ‫النظرية (ابن تيمية) والمقدرات الذهنية العملية (أبو يعرب) أن نصل بين الطبيعة وما‬ ‫بعدها والتاريخ وما بعده‪ .‬ولما كان المابعدان من شروط تأسيس الضرورة الشرطية والحرية‬ ‫الشرطية دون أن نعلم حقيقتهما ما هي فإننا نفترض أنها من جنس المعتقدات الدينية‬ ‫والمسلمات الفلسفية التي تعتبر الوجودين الطبيعي والتاريخي والإنسان الذي هو مؤلف‬ ‫منهما معا خاضعين لنظام لا يمكن الاستغناء عنه دون أن نعلم طبيعة ما جعله يكون ممكنا‪.‬‬ ‫ومن ثم فنحن مضطرون للتسليم بأن وراء الطبيعة والتاريخ \"شيء\" ما يؤسس للضرورة ا‬ ‫لشرطية وللحرية الشرطية غير مشروط بما عداه فيكون في آن ضرورة وحرية لا شرطيتين‬ ‫أو غير قابل للقيس على الضرورة والحرية الشرطيتين رغم كونه شرط إمكانهما‪.‬‬ ‫وأختم الفصل الرابع بحصيلة الكلام على العناصر التي أعوض بها نظرية الثالوث‬ ‫اللساني في العربية على الأقل لكني اعتقد أنه صالح في كل لغة‪ .‬وليس هنا محل إثبات‬ ‫ذلك وقد أفعل لاحقا‪.‬‬ ‫‪ .1‬رسم الأفعال هو الواصل بين اسم الفعل (التفعيل) والفعل في اللغة العربية على‬ ‫الأقل‪ .‬لكن الأمر كوني بمعنى أن جميع اللغات لها نفس الآلية في اسم الفعل‪.‬‬ ‫‪ .2‬موسقة الأسماء هو الواصل بين فعل الاسم (المسمى) والاسم في اللغة العربية على‬ ‫الأقل لكن الامر كوني بمعنى أن جميع اللغات لها نفس الآلية في فعل الاسم‪.‬‬ ‫‪ .3‬الحرف هو المحدد للتنزيل في المكان الذي هو مادة رسم اسم الفعل وفي الزمان‬ ‫الذي هو مادة إيقاع فعل الاسم أي في الحيزين الخارجيين وهو كذلك مادة رسم اسم الفعل‬ ‫في ترتيب القول في سنتاكس العبارة اللسانية ورسم فعل الاسم في مجالات الدلالة في معجم‬ ‫اللغة‪.‬‬ ‫‪ .4‬سأعتبر كل ما قلته هنا فرضيات عمل تحتاج إلى تدقيق وادلة تنبني على أدلة‬ ‫ثابتة‪ .‬لكني اعتبرها من شروط الانتقال من اعتبار المعاني الكلية مقومات الأشياء كما في‬ ‫الفلسفة القائلة بنظرية المطابقة في نظرية المعرفة وفي نظرية القيمة والثورة عليها التي‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪31‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫تعتبرها مجرد رموز تشير إلى الأشاء دون ان تكون مقومة لها أي أنها المعاني الكلية هي‬ ‫بدروها رموز مثلها مثل الألفاظ والكتابة‪.‬‬ ‫‪ .5‬وهده النظرية التيمية هي التي تفهمنا تغير ما نتصوره هيآت الأشياء في الفلسفة‬ ‫إلى ما صار يعتبر تعريفات مؤقتة دائما للإشارة إلى الأشياء في حدود ما نعلمه من بعض‬ ‫أعراضها وهو علم متطور قد يغير كل شيء عنها ما يجعلها دائما رموزا يحددها نظام المعرفة‬ ‫في حالة تاريخية معينة من المعرفة الإنسانية‪ .‬ونفس الشيء يقال عن القيم‪ .‬لكن العلة‬ ‫الأساسية هي أن هذا المعاني الكلية لو كانت بحق مقومة للأشياء لكان ذلك يعني أن ما‬ ‫ندركه من الأشياء مقوم لها وليس مقصورا على كونه مقوما لما ندركه منها بمعنى أنه كل‬ ‫المعاني الكلية التي نستعملها للكلام في الأشياء تشير إلى ما نعلمه في لحظة معينة وليس إلى‬ ‫مقومات الأشياء في ذاتها بدليل تغيرها بتغير إدراكنا لها وتقدمنا في الإلمام بتجلياتها‬ ‫وعلاقاتها بغيرها من مدارك غيرها من الأشياء الفاعلية فيها أو المنفعلة بها في نظام‬ ‫معرفتنا النظرية وفي نظام قيمنا العملية‪.‬‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪32‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫حان الآن وقت التحصيل‪:‬‬ ‫‪ .1‬اعتبرنا المعاني الكلية رامزة تشير إلى الأشياء الخارجية دون أن تكون مقومة لها بل‬ ‫هي مقومة لفعل التسمية أو الترميز الإنساني لما يدركه منها بصورة مؤقتة دائما لأن كل‬ ‫تصور وراءه تصور ممكن أفضل وأدق وأتم (ابن تيمية) وكان العلم الوحيد الذي يمكن‬ ‫اعتباره برهانيا وأوليا ومحضا هو علم المقدرات الذهنية التي درس منها ابن تيمية مثال‬ ‫الرياضيات في المجال النظري وفي نظرية المعرفة‪.‬‬ ‫‪ .2‬وقسنا على هذا المثال المتعلق بالمعاين الكلية النظرية معاني كلية عملية لا تتحلق‬ ‫بمعرفة الموجود بل بمعرفة المنشود (أبو يعرب) فإن الأولى تتعلق بما يساعد على علم‬ ‫الموجود في النظر إذا أضفنا إليها التجربة التي تحدد القيم المعرفية المستمدة من الطبيعة‬ ‫التي تصاغ بالمعاني الكلية النظرية الخالصة (الرياضيات) والتي هي لغة رياضية تصبح‬ ‫ذات مرجعية هي الدلالة في الوجود الطبيعي الخارجي فتمكن من علم الضرورة الشرطية‬ ‫فإن الثانية تتعلق بما يساعد على علم المنشود في العمل إذا أضفنا إليها التجربة التي تحدد‬ ‫القيم المعرفية المستمدة من التاريخ وتصاغ بالمعاني الكلية العملية الخالصة والتي هي لغة‬ ‫معيارية نصبح ذات مرجعية هي الدلالة في الوجود التاريخي الخارجي فتمكن من علم‬ ‫الحرية الشرطية‪.‬‬ ‫‪ .3‬ورأينا أن الرموز التي لها دلالة هي موضوع بعض المعاني التي هي مجال أوسع ويمكن‬ ‫اعتبارها أحد أنواع القيم المستمدة من الطبيعة أو من التاريخ فتكون المعاني الكلية‬ ‫النظرية والمعاني الكلية العملية أشبه بما وراء الطبيعة وما وراء التاريخ على الأقل في‬ ‫مستوى العبارة الرمزية عن المعاني التي هي في آن رموز تشير إلى الأشياء الطبيعية‬ ‫والأشياء التاريخية وليست مقومات لها‪.‬‬ ‫‪ .4‬ورأينا إذن أن علوم اللسان ليست ثلاثة كما كنا نظن بل هي خمسة إذ ضاعفنا علم‬ ‫الدلالة إلى الدلالة الموجبة وهي التي تحيل على مرجعيات متقدمة عليها وهذا هو علم‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪33‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫الرموز ذات الدلالة المحددة في الوجود الخارجي ودلالة سالبة وهي التي توجد فضاء‬ ‫مستقلا عن الوجود الطبيعي والوجود التاريخي وهي أوسع من الدلالة وسيمنا علمها علم‬ ‫المعاني التي لا تحيل على شيء متقدم عليها بل هي التي توجده أو توجد بنية مجردة تجعله‬ ‫ممكنا بوصفه بعض القيم التي تملأ الخانات التي تمثلها متغيراتها‪ .‬وهذه هي المقدرات‬ ‫الذهنية النظرية (ابن تيمية) والمقدرات الذهنية العملية (أبو يعرب المرزوقي)‪.‬‬ ‫‪ .5‬ورأينا أن عناصر اللسان ليست ثلاثة كما كنا نظن بل هي خمسة كذلك إذ بينا أن‬ ‫الثلاثة المعتادة هي أدوات من جنس اللون والرسم في المكان ومن جنس النغم والإيقاع في‬ ‫الزمان لفاعليتي اللسان أعني الحركة سواء في موضوع الكلام أو في الذات المتكلمة وبها يقع‬ ‫قول ما نعتبره معاني كلية تشير إلى ما ندركه من الأشياء أو من ذواتنا فتكون العناصر‬ ‫الثلاثة أي الحرف والاسم والفعل أدوات رامزة من جنس السنتاكس (الحرف) والدلالة‬ ‫بمستوييها الموجب والسالب (الاسم) والتداول بمستوييها العام والمختص‪.‬‬ ‫وبذلك نكون قد وصلنا إلى الغاية من البحث كله‪ :‬ماذا لو كان الإنسان من حيث هو رامز‬ ‫ومرموز هو مجمل كل ما ذكرنا وأنه لهذه العلة سمى خليفة في مجال سياسة عالم الشهادة‬ ‫وكان القرآن له نفس البنية وهو تذكير بذلك وإشارة إلى أن سياسة عالم الشهادة ليست‬ ‫إلا من جنس الرموز التي تحيل على أشياء إحالة الإشارة الرامزة دون أن تكون مقومة لما‬ ‫تشير إليه؟ ماذا لو كانت الطبيعة والتاريخ والأنفس خمستها (لأن الإنسان فيه جزء‬ ‫طبيعي وجزء تاريخي مع الجملة) هي بدروها مثل عناصر اللسان تحيل إلى معاني ليس لنا‬ ‫عنها مرجعيات خارجية قابلة للتحديد لكنها تثمل معاني كلية تقاس عليها من حيث القصدية‬ ‫دون أن يكون المشار إليه من نفس طبيعة الرمز المشير إليها بحيث يكون الإنسان خليفة‬ ‫بهذا المعنى أي إنه رمز يشير إلى الربوبية دائما ولا يتطابق معها إشارة على رمز إلى‬ ‫مرموزه دون أن يتطابق معه ودون أن يكون مقوما له؟ ذلك ما أريد بيانه في هذا الفصل‬ ‫الخاتم للبحث وهو تفسير للآية ‪ 53‬من فصلت‪ \":‬سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى‬ ‫يتبين لهم أنه الحق\"‪.‬‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪34‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫وهذه مناسبة لتجويد نظرية المعادلة الوجودية المستمدة من القرآن الكريم إذ إن هذه‬ ‫البحوث كلها تهدف إلى مواصلة تفسيره الفلسفي‪ .‬والتجويد هنا يكون بإصلاح خطأ في‬ ‫عرض المعادلة إذ وضعت المستخلف والخليفة في نفس المستوى وكان علي أن أضع المستخلف‬ ‫فوق الخليفة أي فوق الآفاق والانفس‪ .‬فقد اعتبرت قلب المعادلة العلاقة المباشرة بين الله‬ ‫والإنسان‪ .‬وكان ينبغي أن أضع هذه العلاقة كما حددها القرآن ليس بالتجاور الأفقي بل‬ ‫بالتجاور العمودي رمزا إلى علاقة مستخلف بخليفة ومن ثم علاقة بين فاعلين أحدهما في‬ ‫سياسة عالم الشهادة (خليفة في الدنيا) والثاني فيه وفي ما ورائه أي في سياسة عالم الغيب‪.‬‬ ‫وهذا هو التعديل الوحيد الذي أحتاج إليها حتى تصبح المعادلة دقيقة‪.‬‬ ‫فلأذكر بها‪:‬‬ ‫‪ .1‬القلب هو إذن العلاقة المباشرة بين الله والإنسان أي بين المستخلف والخليفة وهي بهذا‬ ‫التعديل تضع المستخلف فوق الخليفة أي الله الذي يسوس عالمي الغيب والشهادة وتضع‬ ‫الخليفة تحته بمعنى الترتيب بين السائسين لأن الأنسان لا يسوس إلا عالم الشهادة بقوانينه‬ ‫وسننه التي وضعها سائس عالم الغيب والشهادة بالمصطلح القرآني‪ .‬ومن ثم فالعلاقة‬ ‫المباشرة بين الله والإنسان هي بالأساس علاقة سياسية من حيث تعلقها بالأمر وعلاقة‬ ‫وجودية من حيث تعلقها بالخلق‪.‬‬ ‫‪ .2‬وليكن على يمين القلب العالم الطبيعي أو العالم الخاضع للضرورة الشرطية التي هي‬ ‫موضوع المعاني الكلية النظرية المقدرة ذهنيا والتي تتحدد لها دلالة من عالم الطبيعة‬ ‫نستمدها من التجربة الطبيعية‪.‬‬ ‫‪ .3‬والضرورة الشرطية تتجاوز الطبيعة التي هي العالم الطبيعي الضيق ذو المرجعية‬ ‫سابقة الوجود على معرفتنا وتقييمنا وكل ما نعلمه ونقيمه منها هو ما نستمده إما من الفرض‬ ‫أو من التجربة أو من المعتقدات العامة سواء كانت دينية حقيقية أو خرافية ووهمية‪.‬‬ ‫والمقدرات الذهنية بهذا المعنى هي علم الضرورة الشرطية بصورة عامة دون تعيين في‬ ‫الطبيعة وهي إذن نوع من ما بعد الطبيعة‪.‬‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪35‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫‪ .4‬وليكن على يسار القلب العالم التاريخ أو العالم الخاضع للحرية الشرطية التي هي‬ ‫موضوع المعاني الكلية العملية المقدرة ذهينا والتي تتحدد لها دلالة من عالم التاريخ‬ ‫نستمدها من التجربة التاريخية‪.‬‬ ‫‪ .5‬والحرية الشرطية تتجاوز التاريخ الذي هو العالم التاريخي الضيق ذو المرجعية سابقة‬ ‫الوجود على معرفتنا وتقييمنا وكل ما نعلمه ونقيمه منه هو ما نستمده إما من الفرض أو‬ ‫من التجربة أو من المعتقدات العامة سواء كانت دينية حقيقية أو خرافية ووهمية‪.‬‬ ‫والمقدرات الذهنية بهذا المعنى هي علم الحرية الشرطية بصورة عامة دون تعيين في‬ ‫التاريخ وهي إذن نوع من ما بعد التاريخ‪.‬‬ ‫فإذا عدنا إلى الإنسان الذي رمزت إليه الآية بالأنفس رمزها للطبيعة والتاريخ بالآفاق‬ ‫فإننا نحد فيه ملخص الآفاق بنوعيها وبما بعديهما‪ .‬فالإنسان من حيث كيانه العضوي كيان‬ ‫بايولوجي طبيعي وهو الظاهر من كيانه الروحي ومن حيث كيانه المدرك لذاته ولعالميه‬ ‫ولما بعدهما كيان روحي وهو الخفي من كيانه العضوي‪ .‬وهو إذن بهذا المعنى فيه ما يحيل‬ ‫على الخلق كله وعلى الأمر كله الموجودين في الآفاق وفي ذاته‪ .‬وذلك هو معنى الآيات التي‬ ‫يريه الله إياها ليتبين أن القرآن حق لأن القرآن ليس فيه شيء آخر غير التذكير بما‬ ‫وصفت‪:‬‬ ‫‪ .1‬هو أولا حوار دائم بين المستخلف والخليفة‬ ‫‪ .2‬وهو لم يدع الإتيان بعلم جديد بل هو تذكير ما يعتبره حاصلا في ما فطر عليه الإنسان‬ ‫والرسول \"إنما هو مذكر\" بما نساه الإنسان وإذن بما يعلمه مسبقا وهو \"ليس مسيطر\" بمعنى‬ ‫أن الإنسان إذا لم يصل بنفسه إلى تبين الرشد من الغي فلا يمكن أن يفرض عليه أي‬ ‫عقد‪.‬‬ ‫‪ .3‬وكل أدلة القرآن مستمدة إما من نظام الطبيعة الذي حدده القرآن بالقول إن كل‬ ‫شيء خلق بقدر أي بمقدار وهو رياضي مع التوكيد على ضرورة استعمال الحواس لإدراك‬ ‫هذا القدر أو المقدار وذلك هو معنى التجربة التي توصل إلى تحديد المقدار ليكون عناصر‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪36‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫القوانين المطلوبة من البحث في الآفاق وفي الانفس وليس في شرح آيات النص القرآني التي‬ ‫هي سبابة تشير إلى حيث ينبغي البحث ولا تقدم نتائج البحث لأنه فرض عين على كل‬ ‫إنسان ليكون بحق خليفة‪.‬‬ ‫‪ .4‬نفس ا لشيء بالنسبة إلى الأدلة المستمدة من نظام التاريخ الذي حدده القرآن بالقول‬ ‫إن الأمر له سننن لا تتبدل ولا تتغير وهي غير القوانين لأن للإنسان فيها حرية العمل بها‬ ‫أو عدمه وذلك هو معنى الحرية الشرطية بخلاف معنى الضرورة الشرطية في قوانين‬ ‫الطبيعة‪.‬‬ ‫‪ .5‬وأخيرا فإن الإنسان لا يستطيع الوقوف عند عالم الطبيعة أو عالم التاريخ في تعامله‬ ‫معهما بل هو يعتقد او يفترض أن لهما ما بعدا جعلهما يكونان على ما يبدوان عليه له‬ ‫فيكونا قابلين للعلم بهما والعمل فيهما بما جهز له من شروط التعمير والاستخلاف‪ .‬فيجد‬ ‫فيهما ما انطلق منه في العلاقة المباشرة برب الكون خلقا وأمرا‪ .‬وبذلك فحضور الوعي‬ ‫بكونه خليفة متقدم ومتأخر على علاقته بالطبيعة والتاريخ شرطي قيامه‪ .‬ولا يهم إذا كان‬ ‫يجعل المابعدين مفارقين للطبيعة والتاريخ أو محايثين فيهما‪.‬‬ ‫فالمهم أنه لا يمكن أن يتوقف عندهما بل لا يستطيع إلا أن يراهما غير مكتفيين بنفسيهما‬ ‫وأن لهما نظام الضرورة الشرطية ونظام الحرية الشرطية اللذين لا يمكن أن يكونا من‬ ‫الصدفة التي تتنافى مع النظام‪ .‬وكل خرافة حول تراكم الصدف بصورة تجعلها تصبح نظاما‬ ‫ليس إلا تأخير لضرورة النظام لأن كيفية حصوله المتوالية بالتراكم يجعل التراكم موجها‬ ‫وليس بالصدفة حتى وإن كان ينظم ما لا يتناهى من الصدف ليجعلها نظاما كما يزعم في‬ ‫نظرية التطور العضوية‪.‬‬ ‫وسواء تعلق التطور في البايولوجيا أو في نظام العالم ككل فإن اعتبار إطالة المدد كافية‬ ‫للانتقال من تراكم الصدف إلى النظام الحاصل لا تقنع لأن الانتخاب الطبيعي سواء كان‬ ‫عضويا أو طبيعيا عاما كما في نظام العالم الفلكي الذي أوصل إلى الحياة لا يغيران من‬ ‫الأمر شيئا لأن الزمان هنا لا دلالة له إلا بالإضافة إلينا لكنه بالنسبة الوجود سواء بالرؤية‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪37‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫الدينية أو بالرؤية الفلسفية أمر شديد النسبية‪ .‬فالقرآن مثلا يتكلم على عوالم اليوم‬ ‫فيها يقدر بخمسين ألف سنة من زمان الأرض‪ .‬وبذلك فزمان الأرض يعتبر مجرد وحدة‬ ‫قيس‪.‬‬ ‫ما الغاية من هذه المحاولات كلها؟ الغاية مضاعفة‪:‬‬ ‫‪ .1‬فهم بنية القرآن العميقة‪ .‬وهذه غاية ظرفية خاصة بمطالب التفسير الفلسفي الذي‬ ‫يقتضي إعادة النظر في نظرية الترميز التي هي عين نظرية الآية في القرآن والتي هي‬ ‫فيه كذلك تعريف لما به استحق الإنسان مهمة الاستخلاف‪ :‬تعلمه الأسماء كلها التي تجعل‬ ‫ما وصفته به الملائكة الذي لم ينفه الله في مشهد الاستخلاف رغم بشاعته لا ينفي عنه‬ ‫أهلية الاستخلاف‪.‬‬ ‫‪ .2‬التحرر من سخافات الفلاسفة الذين يعتقدون في نظرية المطابقة المعرفية والقيمية‬ ‫ومن ثم يضيقون الوجود فيجعلونه مقصورا على ما يشهده الإنسان مه فينفون الغيب‪.‬‬ ‫ونفي الغيب علته توهم المعاني الكلية التي نعبر بها عما ندركه من الأشياء مقومة للأشياء‬ ‫سواء بالمعنى الافلاطوني تقويم المثال للممثول في شكل محاكاة هذا لذاك المفارق له أو‬ ‫بالمعنى الارسطي تقويم الصورة للمادة في شكل نقل لها من القوة إلى الفعل‪.‬‬ ‫وكل ذلك ورد في رؤية ابن تيمية للمعاين الكلية بوصفها مقدرات ذهنية لا تقوم الأشياء‬ ‫الخارجية بل هي عده رموز مثلها مثل الالفاظ في اللسان والكتابة‪ .‬وهذا الموقف يلغي‬ ‫الحاجة إلى وهم المقابلة بين الحقيقة والمجاز لأن المعاني كلها رموز تشير إلى الاشياء ولا‬ ‫تقومها من ثم فلا شيء فيها يمكن اعتباره حقيقة بالمقابل مع المجاز بل كلها ذات إحالة‬ ‫إشارية وليست إحالة مقومة للمرجعيات الوجودية الخارجية أو للمعاني التي ليس لها وجود‬ ‫خارج النظام الرمزي نفسه‪.‬‬ ‫وبذلك يسقط كل علم الكلام في الإلهيات المزعومة نقلية والميتافيزيقا أو علم الكلام في‬ ‫الإلهيات المزعومة عقلية اللذين من شرطهما وهمان‪:‬‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪38‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫الوهم الأول هو رد الوجود إلى الإدراك كما قال ابن خلدون في المقدمة في دحضه علم‬ ‫الكلام والفلسفة ويقصد الميتافيزيقا بنفس المعنى الذي يقصده الغزالي في التهافت‪.‬‬ ‫الوهم الثاني هو اعتبار الإنسان مقياس كل شيء في ذاته وليس مقياس ما يعمله منه مما‬ ‫هو ضروري لحياته بوصفه مستعمر في الأرض ومستخلف فيها‪.‬‬ ‫وهي معرفة اجتهادية وعمل جهادي بمعنى أن الإنسان مطالب بالبحث العلمي لاكتشاف‬ ‫شروط بقائه وتحقيقها باعتماد العمل على علم‪ .‬والقرآن لا يتضمن ذلك العلم بل يشير‬ ‫إلى مضانه أي إلى محال وجوده وطبيعته وشروط طلبه المنهجية في النظر والعمل‪ .‬ولذلك‬ ‫فكل ما قام به علماء الملة كان تحريفا للقرآن لأنهم جميعا تركوا ما طلب في فصلت ‪53‬‬ ‫واختاروا السعي لتحقيق ما نهى عنه في آل عمران ‪ .7‬ذلك هو الهدف الأساسي لهذه‬ ‫المحاولات حول نظرية الترميز أو نظرية الآية‪ .‬والله أعلم‪.‬‬ ‫ملحق للفصل الخامس والأخير‪:‬‬ ‫لما اعتبرت الحرف والاسم والفعل أدوات رسم في المكان وإيقاع في الزمان صار المعنى الرسوم‬ ‫والمعنى الموقع رمزا لمعنى كلي يحيل عليها وهي التي يراد التعبير عنها باللسان وكأنه فرشاة‬ ‫رسام وأوتار ملحن‪ .‬وإذن فالرسم والإيقاع ينتج رموزا متعينة في الرسم المكاني بالشكل‬ ‫للدلالة على أسماء الفعل مثل العبارة البدنية التي تصحب الصوت وبالإيقاع الزماني مثل‬ ‫العبارة الصوتية التي تصحب الحركة للدلالة على أفعال الاسم لرموز أخرى كلية تفيد‬ ‫المعاني الكلية التي هي مقدرات ذهنية لا تتعين إلا بما يوضع في خانتها المعبرة عن متغيرات‬ ‫كقيم ذات دلالة وجودية محددة‪.‬‬ ‫فهم هذه المعاني هو الذي يجعل لغة القرآن مشاهد تجمع بين هذين الفعلين الشكلي‬ ‫والإيقاعي لتفيد معاني كلية نظرية وعملية هي التي تطلب في فهم رسائل القرآن‪ .‬والشعر‬ ‫إذا كان بحق شعرا يتأسس على هذين المعنيين فهو رسم وإيقاع‪ .‬ولهذه العلة لا أعتبر الشعر‬ ‫العربي الحديث الذي يتوهم إمكانية قول المعاني الكلية مباشرة ويستغني عن الرسم‬ ‫والإيقاع ليس شعرا أصلا ولا حتى نثرا بل هو حكم شعبية تافهة أغلبها من جنس السينما‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪39‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫المصرية سرعات لمشاهد من هنا وهناك لما يشبهها في السينما الأمريكية والأوروبية والهندية‬ ‫وهي من جنس الروبافاكيا ولا علاقة لها بالإبداع الذي من خصائصه الا يفيد بمستواه‬ ‫الأول بل بما يفيده مستواه الأول من معان كلية تكون رامزة لما لا يتحدد إلا بوصفه من‬ ‫جنس المقدرات الدهنية التي هي متغيرات شبيهة بمتغيرات الدوال الرياضية أو التوابع‬ ‫الرياضية ومثلها الدوال القيمية أو التوابع القيمية‪.‬‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪40‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪41‬‬ ‫الأسماء والبيان‬


Like this book? You can publish your book online for free in a few minutes!
Create your own flipbook