Important Announcement
PubHTML5 Scheduled Server Maintenance on (GMT) Sunday, June 26th, 2:00 am - 8:00 am.
PubHTML5 site will be inoperative during the times indicated!

Home Explore تأصيل الدولة ووظائفها في الإسلام – الفصل الثاني عشر – أبو يعرب المرزوقي

تأصيل الدولة ووظائفها في الإسلام – الفصل الثاني عشر – أبو يعرب المرزوقي

Published by أبو يعرب المرزوقي, 2017-09-08 05:55:35

Description: لما درست القضاء بينت علاقته بالأمن زوجين اثنين يمثلان الحماية الداخلية. ولها بعدان:
1. علاقة الحكم بالتنفيذ
2. تناظر مع العلاقة بين التربيتين
والعلاقة الأولى يسيرة الفهم. فالحكم القضائي سلطة بمعنى معرفي وخلقي وليس بمعنى سياسي وتوظيفه السياسي يفسده: معرفي بحيثيات النزاع وخلقي بالحياد.
لكن كونه بين سلطتين سياسيتين أحدهما تضع القوانين (التشريع) والثانية تنقل الحكم من القرار القضائي إلى الوجود الفعلي(التنفيذ) مع تقدم الثانية.

Search

Read the Text Version

‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫الأسماء والبيان‬





‫لما درست القضاء بينت علاقته بالأمن زوجين اثنين يمثلان الحماية الداخلية‪ .‬ولها‬ ‫بعدان‪:‬‬ ‫‪ .1‬علاقة الحكم بالتنفيذ‬ ‫‪ .2‬تناظر مع العلاقة بين التربيتين‬‫والعلاقة الأولى يسيرة الفهم‪ .‬فالحكم القضائي سلطة بمعنى معرفي وخلقي وليس بمعنى‬ ‫سياسي وتوظيفه السياسي يفسده‪ :‬معرفي بحيثيات النزاع وخلقي بالحياد‪.‬‬‫لكن كونه بين سلطتين سياسيتين أحدهما تضع القوانين (التشريع) والثانية تنقل الحكم‬ ‫من القرار القضائي إلى الوجود الفعلي(التنفيذ) مع تقدم الثانية‪.‬‬‫ذلك أن التشريع بالنسبة للقوة السياسية التي تصل إلى الحكم أداة في تنفيذ برنامج‬ ‫ومن ثم فالتنفيذ هو الذي يضع القوانين‪ .‬تقدم التشريع عليه كذبة‪.‬‬‫وهذه الإحاطة بالقضاء (بوضع القانون وبتنفيذه) تجعله في الغالب فاقدا للبعد الخلقي‬ ‫حتى وإن بقي له البعد المعرفي المجرد أي وصف النوازل بالنص‪.‬‬‫لكن المناظرة مع التربيتين أعسر على الفهم‪ .‬فالقضاء أشبه بالتربية النظامية لأنه‬ ‫مستوى العدل والأخلاق في الجماعة ومن المفروض أن يكون قاطرتهما‪.‬‬‫وكونه قاطرة مستوى العدل ببعديه المعرفي والخلقي يبقى مع ذلك متناسبا مع مستواه‬ ‫الفعلي في الجماعة بسبب تأثير الاخلاق العامة وصورة العدل فيها‪.‬‬‫وهو ما يجعل النسبة بين القضاء والأمن مثل النسبة بين التربية النظامية والتربية‬ ‫اللانظامية أو حال المعرفة والأخلاق في الجماعة ككل‪ :‬تناسب دائم‪.‬‬‫التناسب بين بعدي التكوين في الرعاية يناظر التناسب بين بعدي الحماية الداخلية‪.‬‬ ‫مستوى الجماعة المعرفي والخلقي يقاس بهذا التناظر التناسبي‪.‬‬ ‫‪61‬‬

‫وبفضل هذين البعدين من العلاقة يمكن تحديد مفهوم الأمن والنفاذ إلى حقيقته‬ ‫شديدة التعقيد حقيقته التي تترجم عن مستوى العدل والحماية الداخلية‪.‬‬‫وبهذا المستوى يقاس حال الجماعة بل هو شرط الوجود الجمعي السوي‪ :‬فساد الأمم‬ ‫يتجلى خاصة في القضاء والشرطة فهما شرط السلم الأهلية ووجود الدولة‪.‬‬ ‫فما البعد الأمني من الحماية الداخلية ‪-‬الأمن في الأعيان؟‬ ‫تعين مستوى العدل نوعان‪:‬‬ ‫‪ -‬شارط لوظيفة القضاء‪.‬‬ ‫‪ -‬ومشروط بالقضاء‪.‬‬ ‫‪ -‬وكلاهما تابع للقانون‪.‬‬‫والمشروط بالقضاء يلي عمل القاضي والشارط للقضاء يتقدم عليه‪ .‬لكن تبعيته للقانون‬ ‫يجعل الشارط خاضعا بعديا للقضاء في حين أن المشروط خاضع قبليا‪.‬‬ ‫فما هو البعد الأمني الشارط للقضاء رغم خضوعه البعدي له؟‬ ‫إنه الأمن العام وله وجهان‪:‬‬ ‫‪ -‬رعاية الملك العام‬ ‫‪ -‬ومنع اضطراب الأمن العام وقاية وعلاجا‪.‬‬‫ورعاية الملك العام يتعلق بالأحياز الخمسة‪ :‬فهو يرعى التعدي على المكان والزمان‬ ‫والتراث والثروة والمرجعية من أي كان بالقانون الحامي للعام منها‪.‬‬‫وهذه الأبعاد الخمسة من الملك العام هي الفضاء العام مكانه وزمانه وتراثه وثروته‬ ‫ومرجعيته‪ .‬فالعدوان على المكان يكون باستعماله أو حيازته مثلا‪.‬‬‫والعدوان على الزمان يكون بعدم احترام توزيعه المناسب لحياة الجماعة السوية كأن‬ ‫يمنع أحد الناس بالضجيج من النوم في وقت يحدده القانون‪.‬‬‫والعدوان على التراث هو المساس بالمعالم الثقافية والآثار والمكتبات والمؤسسات العلمية‬ ‫وكل ما له علاقة بالمؤسسات التي تحفظ تراث الجماعة‪.‬‬ ‫‪62‬‬

‫والعدوان على الثروة المشتركة تمس القاعدة الأساسية للاقتصاد الوطني أي شروط‬ ‫الاتصال والتواصل ومقومات العيش كالماء والغذاء والدواء والطاقة‪.‬‬‫وأخيرا العدوان على المرجعية ويتمثل في حماية معتقدات الجماعة عامة بكل أصنافها‬ ‫وطوائفها‪ :‬فالإسلام لا يقصر حماية المؤسسات الدينية على الإسلامية‪.‬‬‫وهنا تنوب الشرطة القضاء في الحكم الحيني لتؤسس سلوكها إزاء ما تصفه قانونيا بكونه‬ ‫عدوانا ثم يعرض ذلك على القاضي ليؤيد أو يرفض هذا الحكم‪.‬‬‫وقد يعتبر القاضي تصرف الشرطي غير قانوني فيحاسبه بحسب حكمه على الدافع‪:‬‬ ‫فالخطأ بحسن نية يتسامح فيه القاضي وما عداه يطبق عليه الحكم المناسب‪.‬‬‫وحماية الاحياز طبعا يمس المعتدين عليها فيكون أيضا حكما في الفاعلين في الأحياز‪ :‬وهنا‬ ‫يكون الشرطي وكأنه الادعاء العام ممثلا للجماعة والدولة‪.‬‬‫فيكون دور الشرطة الشارط للقضاء والذي يخضع له بعديا وكأنه مثل سلطة الادعاء‬ ‫العام أو وكيل الجماعة في نزاعها مع المعتدي على الاحياز التي وصفنا‪.‬‬‫لكن مجال هذا الدور يتعداه إلى النزاعات بين المواطنين خلال مجراها‪ :‬فلا يمكن للأمن‬ ‫أن يكون مستتبا إذا كان مثل الأمن لا يتدخل إلا التظلم‪.‬‬‫الشرطي يتدخل في النزاعات خلال مجراها ولا ينتظر التظلم وتدخله يخضع بعديا‬ ‫للقضاء‪ .‬وفي الجملة لا يكون تنفيذ القانون شرعيا من دون مراقبة قضائية‪.‬‬‫وبهذا نفهم لماذا تعد الدولة بالأساس وبالجوهر متعينة في القضاء والأمن بالمعاني التي‬ ‫شرحت لأن ذلك هو في آن شرط العدل والسلم المدنية وعلامتهما‪.‬‬‫وبهذا وحده يمكن دون تردد أن نقول إن العرب يفتقدون لهذا المعنى الدقيق للدولة‬ ‫أعني شرطي حيادها الذي تكون بمقتضاه تعبيرا عن إرادة الجماعة‪.‬‬‫فالبعد الامني من الحماية الداخلية في بلاد العرب لا علاقة له بهذه الوظائف بل مهمته‬ ‫الرئيسية هي حماية العدوان على الجماعة والملك العام‪.‬‬‫فالعلاقة بين بعدي الحماية الداخلية معكوسة‪ :‬القاضي هو التابع‪ .‬وبوسع البوليس أن‬ ‫يلفق للمواطن ما يريده الحاكم وإذا وجدت مراقبة فمن قضاء تابع‪.‬‬ ‫‪63‬‬

‫ولا يكون مجال فعل الشرطة هو ما وصفنا بل يصبح دوره التجسس على المواطنين حتى‬ ‫خارج الفضاء العام فلا يكون دوره حماية الملك العام والمواطن‪.‬‬‫صحيح أن حماية الفضاء العام قد تستعمل لتلفيق الدعاوى لمن يعتبرهم الحاكم خصوما‬ ‫وأعداء والنزعات بين المواطنين قد تصطنع لتحرش النظام بخصومه‪.‬‬‫ولما كنا قد بينا أن نسبة القضاء إلى الأمن هي عين نسبة التربية النظامية إلى التربية‬ ‫اللانظامية فالنتيجة فساد الأمن يؤدي إلى فساد القضاء‪.‬‬‫وفسادهما مآله ضياع شروط السلم المدنية في الجماعة فيصبح المجتمع يعيش حربا باردة‬ ‫تتراكم مفاعليها حتى يتحول إلى شريعة الغاب لسلطان المافية‪.‬‬‫لذلك فيمكنني أن أزعم أن كل المجتمعات العربية تعيش حربا أهلية باردة ولا تعرف‬ ‫معنى السلم المدنية لأن الجميع يشك في الجميع ولا يطمئن أحد لأحد‪.‬‬‫فنعود إلى مفهوم \"فساد معاني الإنسانية\" الخلدوني‪ :‬ذلك أن الخداع المتبادل والنفاق‬ ‫والغش والرشوة والمحسوبية تنتج عن فساد الحماية الداخلية‪.‬‬‫وهذا الفساد يرى بالعين المجردة في نوعي الأنظمة العربية‪ :‬فالأنظمة القبلية هذه حالها‬ ‫بسبب مافية الأمراء وأزلامهم‪ .‬والأنظمة العسكرية أسوأ حالا‪.‬‬‫ففي مصر مثلا أكثر من نصف الاقتصاد والثروة بيد مافية العسكر‪ .‬وقد قال ابن علي‬ ‫مرة لمن شكا مافية اسرته واسرة زوجته‪ :‬احسبوهم كأمراء الخليج‪.‬‬‫ولم أكن أعلم أن ذلك كذلك إلا لما قرأت ما يشكو منه الكثير في السعودية إذ يتكلمون‬ ‫على أزمة السكن وما يحوزه الأمراء وأزلامهم من الملك العام‪.‬‬‫ففي ذلك نفي لمفهوم الملك العام ولمفهوم الجماعة ولمفهوم الدولة ولمفهوم الحقوق ولمفهوم‬ ‫العدل ولمفهوم القضاء والأمن الداخلي وهو سر الهشاشة‪.‬‬‫وأي شعب مسلم يقبل مثل هذا الشكل من الحكم لا يقل مسؤولية عن الحاكم المستبد‬ ‫والفاسد فرضاه بذلك تخل عن أول فرض عين‪ :‬فرض العدل ورفض الظلم‪.‬‬‫والقرآن صريح في أن القرية كلها تحاسب على استبداد مترفيها وفسادهم لأن سكوتهم‬ ‫دليل على تواطئهم واستمرائهم منطق استبداد القوي على الضعيف‪.‬‬ ‫‪64‬‬

‫ولما كان الله لا يظلم العبيد فإن هذا العقاب ليس أخذ البريء بذنب المجرم بل لا أحد‬ ‫بريء في مثل هذه الأحوال‪ :‬فالاستبداد والفساد علاقة عامة‪.‬‬‫وهو فهم سيء لمفهوم الجماعة الواحدة‪ :‬أن يخدم الناس بعضهم بعضا كل بحسب فنه هو‬ ‫أساس الوجود الجمعي إنه معنى التعاون بالتبادل والتعاوض العادل‪.‬‬‫وهذه هي الحماية الداخلية التي تكون جبهة قوية تجعل الجميع يعتبر الجماعة جسدا‬ ‫واحدا يشكو الكل لما يألم منه الجزء‪ .‬وما نراه يجعل الكل عدو الكل‪.‬‬‫فيسهل الاختراق وتتعاظم الهشاشة فيكون المجتمع كقطعة الجبن أي شيء ينفذ إلى كيانه‬ ‫فيخربه لأن الخلق العام هو \"فساد معاني الإنسانية\" الخلدوني‪.‬‬‫والهشاشة التي وصفت تتجلى بمظهرين كلاهما يحدد علاقة العودة إلى القانون الطبيعي‬ ‫والتخلي عن القانون الخلقي وكلاهما يتبين من منزلة الملك العام‪.‬‬‫هو محور الحرب الأهلية الباردة في الجماعة‪ :‬اهمال الفضاء العام وعموم النهب والسلب‬ ‫لكل ما هو عام‪ .‬والأول هو اللامبالاة به عند العاجزين عن نهبه‪.‬‬‫والثاني هو استحواذ الأقوياء إلى أكبر قدر منه لجعله خاصا ومنع الضعفاء عن حظهم‬ ‫منه‪ .‬فتصبح الأحياز ملكا للأقوياء ويصبح الفقراء عبيدا لهم وخدما‪.‬‬‫ولما كان الوطن هو الأحياز ولا شيء غيره وكان الفقراء هم الاغلبية فإن الوطن يتحول‬ ‫إلى ساحة عداء مكبوت وكراهية متبادلة بين الحكام والمحكومين‪.‬‬‫ولذلك فأي جماعة مجاورة مهما كانت ضعيفة بالقياس إلى من وصفنا تكون الغالبة إذا‬ ‫كان جبهتها الداخلية أقل اتصافا ما وصفنا‪ .‬بذلك تدول الدول‪.‬‬‫القرآن يقص علينا ذلك كله في قصصه عن الدول والحضارات معتبرا ذلك نتيجة‬ ‫التحريف الذي يقضي على الحريتين الروحية والسياسية‪ .‬ونحن في هذا الوضع‪.‬‬‫دوافعي في كتابة هذا التأصيل ليس نظريا فحسب أي إنه ليس مجرد بحث أكاديمي هدفه‬ ‫الحصول على سمعة أو شهادة بل هو جهاد في سبيل الاستئناف الإسلامي‪.‬‬‫فمن كان غير مهموم بهذا الهدف الاستراتيجي للأمة لا يمكنه أن يجد فائدة من قراءة‬ ‫البحث ومن ثم فلا داعي لأن يعذب نفسه حتى يفهم ما يبدو طلاسم‪.‬‬ ‫‪65‬‬

‫لا أكتب حرفا لا يخرج من الفؤاد مع كل الآلام التي تصحب ما تراه البصيرة من ترد آل‬ ‫إليه وجودنا الخاص والعام لدى العرب أكفر المسلمين بالقرآن‪.‬‬‫فالأنظمة القبلية تخلط بين قيم القرآن وجاهلية العرب‪ .‬والعسكرية تخلط بين قيم‬ ‫الحداثة وجاهلة الغرب‪ .‬الأولى استبدادها بدوي والثانية استعماري‪.‬‬‫وكلتاهما جوهرها فاسد وخارب‪ :‬ليس فيها من الإنسانية إلى ما سماه ابن خلدون \"فساد‬ ‫معاني الإنسانية\"‪ .‬والدليل أخلاق جل الإعلاميين والخبراء العرب‪.‬‬‫فغالبهم هم إلى السفاهة والبلادة أقرب من العقل والنباهة‪ .‬فبعد قرنين من محاولات‬ ‫الإصلاح والتحديث مازالوا فكرهم هجاء ومديح وغباء فضائح صريح‪.‬‬‫فإذا كانت صورة العمران‪-‬الدولة‪-‬قد تحولت إلى معول تخريبه فكيف يمكن للأمة أن‬ ‫تستأنف دورها التاريخي وأغلب نخبها في غيبوبة همهم الهو المريح؟‬‫أملي أن يكون الشباب الذي زلزل الأرض تحت أقدام العملاء والخونة في المحميات‬ ‫العربية التي تسميها مافياتها أن يحقق شروط الاستئناف بدولة سيدة‪.‬‬ ‫‪66‬‬



‫‪02 01‬‬ ‫‪01‬‬ ‫‪02‬‬‫تصميم الأسماء والبيان – المدير التنفيذي‪ :‬محمد مراس المرزوقي‬