Important Announcement
PubHTML5 Scheduled Server Maintenance on (GMT) Sunday, June 26th, 2:00 am - 8:00 am.
PubHTML5 site will be inoperative during the times indicated!

Home Explore تأصيل الدولة ووظائفها في الإسلام – الفصل الخامس عشر – أبو يعرب المرزوقي

تأصيل الدولة ووظائفها في الإسلام – الفصل الخامس عشر – أبو يعرب المرزوقي

Published by أبو يعرب المرزوقي, 2017-09-10 13:12:38

Description: وصلنا الآن إلى الفصل الأخير من تأصيل الدولة ووظائفها وموضوعه أصل الحماية بفروعها الأربعة وجهازها العصبي المركزي وعيا بالذات وعلما بحالها.
وتتحدد قيم هذا الجهاز بمعيارين هما معيار المعرفة والأخلاق. فبما هو معرفة شرطه شرط المعرفة العلمية. وبما هو أداة فعل شرطه أخلاق الحكم الراشد.

Search

Read the Text Version

‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫الأسماء والبيان‬





‫وصلنا الآن إلى الفصل الأخير من تأصيل الدولة ووظائفها وموضوعه أصل الحماية‬ ‫بفروعها الأربعة وجهازها العصبي المركزي وعيا بالذات وعلما بحالها‪.‬‬‫وتتحدد قيم هذا الجهاز بمعيارين هما معيار المعرفة والأخلاق‪ .‬فبما هو معرفة شرطه‬ ‫شرط المعرفة العلمية‪ .‬وبما هو أداة فعل شرطه أخلاق الحكم الراشد‪.‬‬‫فهو جهاز الاستعلام والإعلام السياسي‪ :‬وعي وعلم بحال الجماعة داخليا وخارجيا شرط‬ ‫نجاعتهما وأداة فعل لدرء الأخطار التي تمس شروط الحماية والرعاية‪.‬‬‫وحتى يكون هذا العلم بالحال مفيدا لا بد ألا يزيف الحقيقة وحتى يكون أداة حكم‬ ‫راشد لا بد ألا يتعدى وظيفة الاستعلام والإعلام الخادم للجماعة‪.‬‬‫فيكون الشرط المعرفي جعل هذا الجهاز خاضعا لشروط البحث العلمي ويكون الشرط‬ ‫الخلقي جعله خاضعا لشروط الحكم الراشد‪ .‬وكلاهما منعدم في سميه العربي‪.‬‬‫فالاستعلام والإعلام السياسي العربي خاصيته المعرفية ليست الصدق بل الكذب ودوره‬ ‫الأداتي لا يخدم الحكم الراشد بل المستبد الفاسد يخدم حامي الحاكم‪.‬‬‫إن وظيفة هذا الجهاز في الجماعة كوظيفة وعي الفرد السوي بذاته وظروفه شرطا في‬ ‫قدرته على تحقيق حريته وقيامه المستقل‪ .‬والجماعة من دونه عمياء‪.‬‬‫وظيفته السياسية معرفية وخلقية مثل وعي الفرد السوي شرطا لقدرته على تحقيق‬ ‫حريته وقيامه المستقل في الحكم الراشد‪ .‬والمستبد يجعله أداة اضطهاد‪.‬‬‫لكن بصرف النظر عن نوع الاستعمال لصالح الجماعة أو لاضطهادها يبقى الاستعلام‬ ‫والإعلام السياسي معرضا لمعضلة يعسر علاجها‪ :‬الحماية الاستراتيجية‪.‬‬‫فالعمل لصالح الجماعة يحتاج ككل عمل لكتمان الحقائق لئلا تتحول إلى عوائق في‬ ‫الاستراتيجيات الدفاعية الضرورية للوظائف العشر في الدولة‪.‬‬ ‫‪41‬‬

‫ذلك أن الاستعلام والإعلام هما السلاح الرئيس في تنافس الشعوب على السهم من‬ ‫الأحياز الخمسة (الجغرافيا والتاريخ والتراث والثروة والمرجعية)‪.‬‬‫فإذا لم يصبح جهاز الاستعلام والإعلام في آن جهاز معرفة الذات لمعرفة حقيقة أوضاعها‬ ‫وجهاز خداع للأعداء فإنه قد يتحول إلى أداة بيد الأعداء‪.‬‬‫ولهذه العلة فإن أولى مهام جهاز الاستعلام والإعلام حماية ذاته من الاختراق وحماية‬ ‫حصيلة معرفته لئلا تصبح سلاحا ضد الأمة التي وظيفتها حمايتها‪.‬‬‫فيكون بالجوهر جهاز مضاد للتجسس وجهاز تجسس ضد الأعداء‪ .‬وكل ما أقوله هنا يتعلق‬ ‫بالاستعلام والأعلام في الحكم الراشد‪ .‬والعكس في الحكم الفاسد‪.‬‬‫وهذا الفرق هو العلاقة القاطعة على الرشد وعدمه في الحكم‪ .‬ويمكن القول اعتمادا‬ ‫على هذا المعيار انه لا يوجد حكم عربي واحد راشد بل كلها سفيهة‪.‬‬‫والسفه عكس الرشد لأنه يعني الحال التي يكون صاحبها غير مدرك لواجباته وهو أولى‬ ‫بأن يحجر عليه لعجزه عن تحمل مسؤولية ما أنيطت به رعايته‪.‬‬‫لكن ما عليه الاستعلام والإعلام العربي ليس سفها طبيعيا بمعنى قصور ذهني بل هو‬ ‫خيانة موصوفة لأن من صفات الاستبداد والفساد تخابث يحمي الكرسي‪.‬‬‫فيتحول الاستعلام والإعلام إلى جاسوسية على المواطنين لإحداث حالة خلقية عامة تجعل‬ ‫وظيفتي الدولة أداتي إفساد معاني الإنسانية (ابن خلدون)‪.‬‬‫ولما يكون أصل وظائف الحماية وجهازها العصبي على هذه الحال فإن الحماية تتحول إلى‬ ‫تهديم للقوة الذاتية للجماعة فتهششها بصورة لا بلسم لها‪.‬‬‫فجهاز الاستعلام والإعلام يصيب الكيان بـ\"سيدا\" و\"سرطان\" متفش فيصبح مجمع مافيات‬ ‫داخلية وخارجية وتصبح الدولة جهاز تجسس على الذات لصالح الغير‪.‬‬‫وهذا هو السر في استمداد غالب الأنظمة العربية بقاءها من هذه الوظيفة التي تؤديها‬ ‫لجهاز الاستعلام والإعلام الحامي لها ضد شعوبها ومصلحة الأمة‪.‬‬‫وما لم تبدأ الثورة بإصلاح هذا الجهاز الذي هو شرط العمل على علم في الحكم الراشد‬ ‫فإن كل أعمالها تكون سدى لأن الجماعة تكون معزولة السلاحين‪.‬‬ ‫‪42‬‬

‫والسلاحان هما الفعل الرمزي والفعل المادي‪ .‬ولا يمكن أن يكون الثاني مؤثرا من دون‬ ‫الأول ولا يمكن للأول أن يكون مؤثرا من شروط العمل على علم‪.‬‬‫فيكون الاستعلام والإعلام السياسي ليس شرط الحماية فحسب بل هو شرط الرعاية‬ ‫كذلك‪ .‬ذلك أن التخريب في الحروب الحديثة يستهدف الأصل ليسقط الفروع‪.‬‬‫والأصل كما بينا في الفصول السابقة هو الرعاية التي هي شرط القوة تكوينا وتموينا‬ ‫ومن ثم فهي شرط الحماية لعلتين‪:‬‬ ‫‪ .1‬فكلفة الحماية تضحية من أجلها‬‫‪ .2‬وكلفة الحماية مصدرها الرعاية أي ما دفعته الجماعة حتى يكون التكوين‬ ‫والتموين منتجين للإنسان والتجهيز القادر على حماية نفسه بنفسه فيكون حرا‪.‬‬‫فيتبين أن البعد المعرفي من الاستعلام والإعلام تابع للبحث العلمي فيكون جهاز الحماية‬ ‫العصبي تابعا لمعايير جهاز الرعاية العصبي‪ :‬البحث العلمي‪.‬‬‫أما بعده الخلقي أو رشد الحكم الذي يحتاج إليه للعمل على علم فتابع لشروط السيادة‬ ‫في الجماعة‪ :‬فالجماعة سيدة بأخلاق الأحرار الرافضين للعبودية‪.‬‬‫والعبودية الأقصى هي التبعية في الرعاية (التسول المعيشي) والحماية (التسول‬ ‫الحمائي) وتلك هي حال المحميات العربية كلها‪ :‬أخلاقها أخلاق عبيد‪.‬‬‫وأخلاق العبيد هي التي تجعل الواحد من حكام العرب يتصور استعباده شعبه سيادة فلا‬ ‫يرى عبودية لمن يستعبده ليكون أداة في خدمته له باستعباد شعبه‪.‬‬‫لذلك فأداة الأدوات الاستعبادية في البلاد العربية هي المخابرات أو اجهزة الاستعلام‬ ‫والإعلام لأنها جهاز الولاء لحاميهم والبراء من شعوبهم‪.‬‬‫للمرة الألف اعتذر للقراء من عرضي لتشابك الأمور وتشاجنها اللذين يبدوان شبه‬ ‫تعقيد علته أسلوب الكتابة وليس حقيقة الامر ذاته وكشفه بدقة وأمانة‪.‬‬‫فكل تغريدة هنا هي شبه حد جامع ومانع لما أصفه من خصائص الظاهرة التي أتكلم عليها‬ ‫ويمكن لكل تغريدة أن تبسط بأن تصبح مقالة كاملة في كل خاصية‪.‬‬ ‫‪43‬‬

‫ذلك أن التعريف الجامع والمانع يحتاج لتعليل في كل حالة‪ .‬لكني فضلت التعليل البنيوي‬ ‫الذي يجعل مجموعة التغريدات بتكاملها تعليلا لنسيج التحليل‪.‬‬‫ولأحاول الآن ابراز هذا التشاجن النسيجي في الكلام على تأصيل الدولة ووظائفها‪ :‬آخر‬ ‫حلقة موضوعها الاستعلام والإعلام السياسي بوصفه \"عقل\" الدولة‪.‬‬‫لذلك فهو موصول بعقل الجماعة أي جهاز الرعاية العصبي أو البحث العلمي‪ .‬وهو كذلك‬ ‫لأنه شرط التموين بالإنتاجين المادي والرمزي‪ .‬ولا تكوين من دونهما‪.‬‬‫لكن التكوين والتموين والبحث العلمي مشروط بالأمن الداخلي الذي يمكن من التعاون‬ ‫والتعاوض العادل‪ .‬وهذا يشترط الأمن الخارجي لحماية الاحياز‪.‬‬‫وبذلك نعود إلى ما انتهينا إليه‪ :‬الاستعلام والإعلام السياسي‪ .‬وهذا الدائرة هي عين‬ ‫كيان الدولة في الجماعة الحرة‪ .‬إنها بنية كل دولة ذات سيادة‪.‬‬‫وهي بنية منعدمة في كل الدول العربية لذلك فهي عديمة السيادة ولا تستحق اسم‬ ‫الدولة إنها محميات وظائفها العشر مختلة تخدم اعداء الجماعة والعملاء‪.‬‬‫لست سعيدا بهذه الحال وليس من أهدافي بيانها لإبراز موقف ثوري فهذا ليس من همومي‬ ‫بل الهدف الاول والأخير لما أكتبه هو التشخيص الهادف للعلاج‪.‬‬‫ذلك أني لا أياس من أحد‪ .‬فلعل الكشف الدقيق لطبيعة الأمراض يرشد الكثير من‬ ‫الغارقين في الحرب الأهلية الجارية بين كاريكاتور التأصيل والتحديث‪.‬‬ ‫‪44‬‬



‫‪02 01‬‬ ‫‪01‬‬ ‫‪02‬‬‫تصميم الأسماء والبيان – المدير التنفيذي‪ :‬محمد مراس المرزوقي‬