أبو يعرب المرزوقي الأسماء والبيان
المحتويات 1 -الفصل الأول - -الفصل الثاني - 1 -الفصل الثالث - -الفصل الرابع - 1 -الفصل الخامس - 7 -الفصل السادس - 13 -الفصل السابع - 19 -الفصل الثامن - 25 31 -الفصل الأول - 37 -الفصل الثاني - 43 -الفصل الثالث - -الفصل الرابع -50 -الفصل الخامس - -الفصل السادس - 50 -الفصل السابع - 56 -الفصل الثامن - 61 66 71 77 82 87
القسم الأوللا أنفي أن لأحوال النفس في فهم أفعال البشر عامة والافعال السياسية خاصة دورا مهما.لكن حصر التحليل السياسي فيها لا يمكن أن يفيد علما حقيقيا .فما الذي يجعل من يدعونالاختصاص في العلوم السياسية يتجاهلون ما للأحداث السياسية من طبائع تحدد مجراها ولا ترد إلى أحوال نفس القيمين عليها؟سأحاول فهم المسألة في ضوء ما سعيت لبيانه عند كلامي على \"العمل على علم\" وهي عبارةفيها تكرار غير ضروري (بليوناسم) لأن ما يحدث دون علم من الإنسان لا يمكن أن يسمىعملا ومن ثم فالعمل لا يكون عملا إلى على علم وإلا فهو تخبط كالحال في جل أعمال النخب العربية الخمس.وإذ سبق فصنفت النخب إلى خمسة أصناف فالأعمال مثلها خمسة أصناف-1 :نخبة الإرادةوهي السياسية خاصة ونخبة العلم وهي نخبة البحث العلمي خاصة ونخبة القدرة وهي نخبةالانتاج المادي والرمزي ونخبة الحياة وهي نخبة الفنون ونخبة الوجود وهي نخبة الرؤى الوجودية دينية كانت او فلسفية.وطبعا تحت كل صنف يوجد ما لا يتناهى من الأعمال كما يوجد في كل صنف من النخبما لا يتناهى من الدرجات لأن جميع البشر يشاركون في الأعمال التي يجمعها الصنف لأنكل فرد إنساني له إرادة وله علم وله قدرة وله حياة وله وجود بمستويات مختلفة وبأقدار متفاوتة.وهذه الأعمال متوالجة ومتشاجنة وهي التي تمثل نسيج الحياة الجماعية التي تجعلهابمقتضى نظامها الأرقى أو صورتها المعبرة عنها إرادة وعلما وقدرة وحياة ووجودا تصبحأبو يعربالمرزوقي 1 الأسماء والبيان
وكأنها ذات وحدة تعمل على علم في كل هذه المجالات فتكون الجماعة ذاتا لها رؤية وإرادة وعلم وقدرة وحياة ووجود.لكن العالم ليس فيه جماعة واحدة بل هو مؤلف من جماعات متجاورة في المكان ومتواليةفي الزمان ومن ثم فهذا الذي وصفناه في الجماعة بمنظور الوضع الساكن ينبغي أن ينظرإليه في ذاته أولا وفي علاقاته بمن حوله في المكان وبمن قبله وبعده في الزمان بمنظور متحرك برؤية تتجاوز أحوال النفس.وما يحول دون تجاوز الرؤى التي تغلب أحوال النفس في التحليل هو سيطرة الرؤيةالجدلية التي تعتبر كل شيء مبارزة بين طرفين متنافيين فيبحث المحلل عن طرفين ما وعادةما يكون المقابلة بين القيادات في بلدين متعاديين ثم يبني تحليلاته وكأن الامر يتعلق بمبارزة بينهما كما يجري في بلاد العرب.فيرد كل شيء إلى علاقة صدام أو غرام بين قائدين مستبدين يجعلان العمل محكومابأحوال نفسيهما فيغيران كل شيء من الكون إلى العدم أو من العدم إلى الكون دون أنيكون له قوانين تحكمه أو سنن تضبطه أو لكأن القائدين ليهما عصا سحرية والقدرة على الإيجاد بـ\"كن\" والاعدام بـ\"لاتكن\"وفي الحقيقة فإن من يشار إليهم باسم القائد في هذه الحالة لا يقود شيئا لأن القيادة إذالم تكن عملا على علم فهي تخبط وليست قيادة .ومن ثم فالقيادة إذا كانت قيادة بحق فهيلا تعتمد على أحوال النفس بل على نفس المكونات التي بينا أنها تتجلى خاصة في العمل المنتج لشيء سواء كان ماديا أو رمزيا.ولا يمكن أن يقع أي إنتاج سواء كان اقتصاديا أو ثقافيا من دون أن يتكون من خمس عوامل وخاصة في السياسة: .1لا بد من فكرة .2ومن مستثمر لتطبيقها .3ومن ممول لتحقيقها .4ومن عملية الإنجاز الفعلي للمنتج المادي أو الرمزيأبو يعربالمرزوقي 2 الأسماء والبيان
.5ومن مستهلكين للمنتج وطالبيه لسد حاجة فعلية للمنتج. فإذا طبقنا ذلك على السياسة كان الامر كالتالي: .1لا بد من رؤية .2واستراتيجية سياسية تستنتج منها تطبيقا ما .3وقوة سياسية لها القدرة على تحقيقها بالمال والأعمال .4وفريق منها يعمل على إنجاز المنتج المنتظر من تلك السياسة .5وشعب ينتظر ذلك المنتج السياسي باعتباره تحقيقا لمصالحه بفضله.ولا فرق في ذلك بين أن يكون المنتج السياسي داخليا أو خارجيا .وفي الحقيقة لا شيء فيالسياسة يمكن أن يكون داخليا دون أثر خارجي أو خارجيا دون أثر داخلي ومن ثم فالأمركله تفاضل مؤقت بين الوجهين لأن ما هو داخلي عندك خارجي عند خصمك وما هو خارجي عندك داخلي عند خصمك.وقد يتوهم الكثير أن ذلك خاص بمرحلة العولمة من تاريخ الإنسانية لكنه في الحقيقةملازم لهذا التاريخ في كل مراحله التي هي معولمة دائما وبمعنيين :معولمة في المكان بينالأجوار المتعاصرين ومعولمة في الزمان داخليا بين أجيال نفس الجماعة وبين الجماعات المتوالية فأبعاد العمل الخمسة كونية.فلا خصوصي في الحضارات إلا الفلكلور بقدر ما لكن الإرادة والعلم والقدرة والحياةوالوجود كلها مقومات كونية تتوارثها الأمم والحضارات زمانيا الأقرب فالأقرب وتتبادلهامكانيا الاقرب فالأقرب وخاصة بمناسبة الحروب لأن كل خصم يريد أن يفيد مما يعتبر خصمه قد تفوق عليه به.وحتى بصرف النظر عما يترتب على التنافس بين الأمم فإن ما تختلف به الإراداتوالعلوم والقدرات والحيويات والوجودات مضموني وليس شكليا بمعنى أن الامم قد تختلفبحسب المراحل في المضامين لكن طلبها من حيث شكله ومنهجه إنساني بالجوهر :كلنا نريد ونعلم ونقدر ونحيا ونوجد بنفس الأجهزة الكيانية.أبو يعربالمرزوقي 3 الأسماء والبيان
وكلنا نتعلم من بعضنا البعض دون الوقوف عند الحدود الحضارية لأي منا ما هو مكتسبفي كيف نريد وكيف نعلم وكيف نقدر وكيف نحيا وكيف نوجد والمشترك غير المكتسب تابعلكياننا العضوي والروحي بمعنى أن الإرادة والعلم والقدرة والحياة والوجود مرسومة فيهما بالطبيعة والفطرة.ولولا هذين المبدأين لاستحال على أي منا أن يفهم سلوك غيره فضلا عن أن يحللهفيستنتج منه علله وما يتوقعه من مآله ومآل العلاقة معه وذلك خاصة في الاستراتيجياتسواء التعاونية أو التحاربية بين الأمم .ومنهما نستنتج ما سنحاول بيانه في الجواب عن سؤال :ما موضوع ما يسمى بالعلوم السياسية؟وأول عناصر هذا السؤال يتعلق بالجمع المبهم في \"العلوم السياسية\" .فلا شك أن كل علميعد نقطة لقاء لكل العلوم بنحو ما سواء في الطبيعيات أو خاصة في الإنسانيات .لكن ذلكلا ينبغي أن يبقى مبهما لأن نقطة اللقاء التي تلتقي فيها العلوم المسهمة في مسائله هي موضوعه ولا بد من تحديدها.ومرة أخرى يمكن اعتبار ثورة أبن خلدون في تأسيس علمه مثالا جيدا لبيان ذلك :فمنينفتح المقدمة يجدها وكأنها نقطة لقاء كل العلوم .لكنه مع ذلك حدد موضوعه بدقةصارمة فلم يسمي علمه علوم كذا بل سماه علم كذا رغم أن كذا هو نقطة لقاء تلك العلوم المتدخلة في درسه للظاهرة كذا موضوع علمه.ولأن الظاهرة التي يدرسها علمه والتي هي نقطة لقاء Point de concoursأو \"دوار\" Rond-pointهي في موضوعه ذات مستويين فقد سمى علمها بعلم العمران البشريةوالاجتماع الإنساني :مستوى سد الجماعة لحاجاتها المادية وسدها لحاجاتها الروحية. فيكون \"الواحد\" هو سد الحاجات والمتعدد أصناف الحاجات.وعلى نفس المنوال يصبح سؤالنا :ما الواحد في دراسة الظاهرات السياسية قياسا علىالواحد في درس الظاهرات العمرانية والاجتماعية .وبصورة أدق كيف ننقل التعدد في\"علوم\" إلى علم بتوحيد الموضوع وإن تعددت مجالاته كما فعل ابن خلدون فبين وحدة العلم ووحدة الموضوع رغم ازدواج مجالات تطبيقه.أبو يعربالمرزوقي 4 الأسماء والبيان
وحدة الموضوع عند ابن خلدون هو \"سد الحاجات\" وتعدد مجالاته هو الحاجات بصنفيهاالمادي والروحي .ولما كان المادي والروحي الذي تسد حاجاته هو عين كيان الإنسان فإنالموضوع يصبح \"العمل على علم الذي تقوم به الجماعة لتحقيق شروط قيام الإنسان ببعدي كيانه المادي والروح\" .هذا هو موضوع علمه.هدفي من هذه المحاولة التي اعترف بأنها شديدة العسر هو تعريف علم السياسي بنفسالطريقة :فالموضوع عمل ما (ما هو؟) على علم (ما هو) لسد حاجات (ما هي؟) يكونالعامل فيه هو الدولة التي تمثل إرادة الجماعة وعلمها وقدرتها وحياتها ووجودها إما تمثيلا فعليا وشرعيا أو تمثيلا شكلي وغير شرعي.خمسة أسئلة إذا أجبنا عنها تمكنا من القيام بما يناظر ما قام به ابن خلدون في تعريف علمه: .1ما العمل الذي هو موضوع علم السياسية؟ .2كيف يكون علم؟ .3لسد أي نوع من الحاجات؟ .4من الفاعل؟ .5وكيف تتدخل مقومات الإنسان في فعله. ذلك هو التعريف الجامع المانع.وكما يعلم كل من له دراية بمقدمة ابن خلدون فهو حصر العلوم التي تلتقي في علاج موضوع علمه بوصفه نقطة لقائها فسمى: .1في الباب الأول علم تفاعل العاملين الطبيعي (الجغرافيا والمناخ) والثقافي (توقعالمستقبل بخصوص شروط الحياة وما يتهددها) وأثرهما في فاعل العمران كبشر والاجتماع كإنسان. .2ثم في الباب الثاني حدد مفهوما جديدا سماه \"نحل العيش\" التي هي حصيلةالتفاعل بين العاملين الطبيعي والثقافي الذي حدده في الباب الأول ليصف به شكلها فيأبو يعربالمرزوقي 5 الأسماء والبيان
مراحل البداية للعمران والاجتماع .وسمى ذلك العمران البدوي ويعرف بغلبة العامل الطبيعي على العامل الثقافي في تحقيق شروط قيام الإنسان.وفي الباب الثالث يدرس مفهوم الدولة وكيفية نشأتها وحياتها ومقومات فعلها التييرجعها إلى شروط الشوكة وشروط الشرعية .والشوكة تمثلها العصبية والشرعية تمثلهاشروط خروج العصبية من كونها مفضية إلى الهرج إلى كونها محققة لما يحفظ الدولة أعني وظائفها التي من أهمها الأمن والعدل.وبذلك تتحقق شروط النوع الثاني من العمران أو العمران الحضري وفيه تتغير \"نحلالعيش\" فيصبح الثقافي متقدما على الطبيعي في سد حاجات الإنسان أي إن ما يحتاج إليهالإنسان هو الذي ينتجه ولا يعتمد فيه على الإنتاج الطبيعي .وينتج عن ذلك أن الطبيعة تصبح تابعة للثقافة والبدوي للحضري.وتكون التبعية أولا في الانتاج الذي يسد الحاجات المادية المباشرة أو التقنيات والصناعاتوفي الجملة الاقتصاد وذلك هو موضوع الباب الخامس وهو يفترض أن الانتاج يصبح عملاعلى علم لكنه علم تقني وليس علما نظريا وهو انساق خبروية وتجريبية وليس بعد علما أنساقه نظرية التعليل والتحليل.والباب السادس والأخير هو الذي يتعلق بسد الحاجات الروحية وفيه العلوم النظريةالطبيعية والإنسانية ونظرية التربية واللغة ثم نظرية الذوق وخاصة ما يتعلق منهابالفنون التي مادتها اللسان أعني الشعر .وهذه العلوم تعكس الاتجاه فيصبح من الثقافي إلى الطبيعي بعد أن كان من الطبيعي إلى الثقافي.فنعود من السادس إلى الخامس أو من العلوم إلى الاقتصاد فيصبح على علم ومنهما إلىالمدينة التي تعتمد عليهما ومنها إلى الدولة التي تتعقلن ومنها إلى العمران البدوي الذييستتبع ومنه إلى العلاقة بين الطبيعة والثقافة التي تجعل الإنسان أكثر تأثيرا في الطبيعة رغم كون البداية كانت العكس.أبو يعربالمرزوقي 6 الأسماء والبيان
لم يكن الاستطراد والكلام في ثورة ابن خلدون مجرد استعراض لقراءتي لابن خلدونبل هو ضرورة يقتضيها الكلام في \"علم السياسة\" لأن جوهر عمله هو اللبنة الاولى في هذاالعلم كما سنبين لاحقا .وقبل ذلك لا بد من استطراد آخر علته الغاية التي ختم بها ابن خلدون مقدمته :دور الذوق في وجود الإنسان.مسألة علم السياسة الأعقد هي دور الخيارات الذوقية في كل ما هو سياسي لأن غايتها كماأسلفنا هي تحقيق الحماية والرعاية من أجل الغاية التي سماها ابن خلدون \"الأنسبالعشير\" .فكل ما نسميه مصالح الدول يتحدد في الغاية بالغاية :فما من أجله تتكون الجماعات لتحتمي وترتعي هو خياراتها الذوقية.والخيارات الذوقية هي الوجه القيمي من المفهوم الخلدوني الذي سماه \"نحلة العيش\".كل الخلافات بين الأمم تعود في الغاية إلى الخلاف حول نحل العيش وأساليبه وهي فيالجوهر خيارات قيمية ذوقية .وما لم نفهم ذلك يمتنع أن نحلل علاقات الشعوب وحتى الاجيال في نفس الشعب بعضها بالبعض سلما وحربا.ولذلك فالتحليل العلمي والتحليل الخلقي وحدهما لما هو سياسي لا يكفيان بل لا بد منالتحليل الذوقي .وغالبا ما يكون الذوقي مقدما على الخلقي في المجتمعات البشرية وهوبالطبع مقدم على العلمي .فالجميع يعلم أن التبغ قاتل لكن ما يصحبه من ذوق لا يعير للعلم أهمية في قرارات الإنسان السلوكية.وهذا هو العنصر الأكثر استعصاء على التحليل السياسي في العلاقات بين البشر عامةوبين ممثلي الجماعات في مؤسسات دولها سلمية كانت أو حربية وهما وجها السياسي سواءكان السياسي داخليا أو خارجيا لأن العامل الذوقي في حد ذاته وبصرف النظر عن الذائق عسير الضبط والتحديد.وهذا هو موضوع الاستطراد الثاني في المحاولة تمهيدا للجواب عن الاسئلة التي حددناهابدقة فائقة وهي كافية لتحديد القصد بعلم السياسة الذي ما يزال إلى الآن علما فاقداأبو يعربالمرزوقي 7 الأسماء والبيان
لشرطيه أعني تحديد طبيعة الموضوع وطبيعة العلاج الذي يكون علميا فيه التحليل الذي يقدر المواقف والوضعيات السياسية مثلا.وأول خطوة هي التمييز بين العلمي والذوقي في مصدرهما الثاني المشترك .ذكرنا سابقاأن للعلمي والذوقي مصدرين مشتركين .أحدهما هو التقدير الذهني والثاني هو المعطىالحسي الذي يصبح تجربة إذا اكتشفنا ما فيه من ثوابت مقومة تصاغ بما يبدعه الإنسان من مقدرات ذهنية من أحد النوعين.وبهما يتميز العلمي موضوع الإبستمولوجيا والقيمي موضوع الاكسيولوجيا .والمقابلة هناهي بين العلمي والقيمي عامة .لكن القيمي كما بينا خمسة أنواع قيم الإرادة والمعرفةوالقدرة والحياة والوجود .فيكون الأبستمولوجي بنحو ما أحد أنواع القيم (الحقيقة والباطل في معرفة الوجود).فقيم الإرادة شارطة لكل ما عداها كإمكان وهي الحرية والعبودية وقيم العلم هيالحقيقة والباطل وقيم القدرة هي الخير والشر وقيم الحياة أو الذوق هي الحمال والقبحوقيم الوجود أو الرؤى هي الجليل والذليل .وكلها تنتسب إلى ما سميناه الخيارات التي تمثل الدافع الرئيس لكل سياسة حقا أو مظهرا.وسأبدأ بالذوقي الخالص أو قيم الحياة جمالا وقبحا لأنه أكثرها تعقيدا وأقلها قابليةللمعرفة الدقيقة حتى إن الحكم الشائع هو القائل بأن الذوق لا يفسر ولا يعلل ولا يمكنأن يتفق عليه اثنان .ومع ذلك فهو المحدد الأساسي لكل مواقف البشر الفردية والجماعية ومن ثم فهو المؤثر في السياسة.ولعل أبرز تجلياته يمثلها دور المرأة في السياسة وخاصة في وسائلها اللطيفة التي هي شبهسلطان مواز لكل سلطان ظاهر في كل المجتمعات وفي كل الحضارات وفي كل مراحل التاريخبل إن ما يسمى بالتاريخ الصغير وراء التاريخ الكبير لعله هو الاكبر من كل كبير في كل سياسة.وبصرف النظر عن دورها في السياسة فإن نموذج المرأة من حيث طبيعة دور الذوق يمثلأفضل طريقة للتمثيل لدوره الذوق عامة لأنها تمثل نوعي الجمالي (الاستيتيكي عامة)أبو يعربالمرزوقي 8 الأسماء والبيان
أعني نوعيه الذي \"تصنعه\" الطبيعة والذي يصنعه العقل :فهي لوحة فنية طبيعيا ولا تكتفي بذلك بل هي لوحة فنية بالمجملات الصناعية.وذلك على الاقل في مستوى إدراك الذوق من قبل الرجال .وقد يكون لإدراك الذوقمن قبل النساء ما يماثله في الرجال وإن كان البعد الصناعي أقل مشاركة فيه فيكونالجمالي في الرجال عند النساء بالعكس هو ما يغلب عليه الجمال الذي تصنعه الطبيعة لأنهن يرين في الصناعي عند الرجال تخنثا وليس جمالا.ومعنى ذلك أن للمقابلة أنوثة رجولة دورا كبيرا في معايير الذوق إذا تعلق بحاملهالبدني وسنرى لاحقا أن لحامله الروحي معايير مماثلة وأن الاصل في ذلك كله هو معاييرمن جنس التي تكلمنا عليها في المحاولة السابقة عندما تكلمنا على عين الرسام وأذن الموسيقي وأنف العطار ولسان الطباخ ومس اللماس.وفي الحقيقة فإن أصل عين الرسام وسمع الموسيقار وأنف العطار ولسان الطباخ كلها هومس اللماس لأن كل الحواس تدرك باللمس واللمس هنا مذكور في متوالية من الأبعد إلىالأقرب إلى حدد المماسة التي هي تماس المدرَك والمد ِرك وأقصى درجاته بين مدرٍكين: ولهذا اعتبر رمز القرآن للجنس به.وقد اعتدنا أن نعتبر هذه المدارك مدارك ملكات ذات صلة بالمعرفة لكنها في الحقيقة منطبيعة ذوقية وليست من طبيعة معرفية وكل محاولة لردها إلى \"الملكة\" المعرفية تخطيءكثيرا حتى وإن كان لها بها صلة .هي \"ملكة\" ذوقية .والمطلوب ما يماثلها في القائد السياسي والقائد العسكري خاصة\" :الفلار\".وهي من أسرار العبقرية في القيادة السياسية والقيادة العسكرية خاصة وفي كل قيادةعامة .ومن شروطها المعرفة دون شك لكنها لا ترد إليها ولا تقتصر عليها خاصة .والعلة أنالمعرفة تقتضي وقتا يطول أو يقصر لتحليل القرارات الآنية كما يحصل لقائد المعركة في المعركة حيث لا يمكن انتظار التحاليل.وهذا \"الفلار\" تجوده وتلطفه التجربة لكنه ليس مكتسبا كملكة بل هو من علامات سرعةالبداهة والإلمام السريع بأساسيات الوضعيات وهو ضروري في القيادة في الاقتصاد الذيأبو يعربالمرزوقي 9 الأسماء والبيان
يمكن لأي تأخير في أخذ القرار وخاصة في الاقتصاد الحديث حيث للمعلومة والمضاربة الدور الأول والأخير في النجاح والفشل.والآن كيف تعلو هذه الملكة على المعرفة العقلية المجردة؟ سآخذ الحواس الخمسة وأبينذلك لأعود لاحقا إلى مسألتنا للجواب عن الأسئلة الخمسة التي طرحناها بالقياس إلىتحديد ابن خلدون لأبعاد تعريف أي علم وخاصة في الإنسانيات التي هي أكثر تعقيدا من الطبيعيات .وسأبدأ بالذوقي في كل حاسة.فالبصر يدرك الأشكال من حيث هي أشكال لكن الرسام يدركها كذلك ويدرك جمالأنسقها .والسمع يدرك الأصوات والموسيقي يدركها كذلك ويدرك أنغمها .والعطار يدركالروائح كذلك ويدرك أطيبها والطباخ يدرك الطعوم كذلك ويدرك ألذها .واللامس يدرك الملمس كذلك ويدرك ألطفها.والمستوى الاول من كل هذه المدارك معرفي خالص وهو مشترك بين جميع البشر :كلنانرى الشكل بأعيننا ونسمع الصوت بآذاننا ونشم الرائحة بأنوفنا ونذوق الطعام بألسنتناولهاتنا ونلمس الأجرام بأيدينا .لكن الرسام والموسيقار والعطار والطباخ واللماس له أمر آخر لا يكفي فيه العلم.أو لنقل إن العلم فيه ليس صاحب الحكم الفصل حتى وإن كان من شروطه .وهذا الذييعلو على العلم الذي مصدره القدرة العقلية يمكن أن نعتبر القدرة التي يصدر عنها بكونهاقدرة الحب أو الجاذبية بين المد ٍرك والمدرَك وهو جوهر الحياة نفسها عندما تصل إلى ذروة الإدراك لتجلياتها في هذه الحوامل.فذروة الحياة في إدراك التناسق المكاني للأشكال هو ما يتميز به الرسام وذروة إدراكالتناغم الزماني للأصوات هو ما يتميز به الموسيقار وذروة إدراك مزيج الطيب هو ما يتميزبه العطار وذروة إدراك مركب الطعوم هو ما يتميز به الطباخ وذروة الذرى هو التماس في التلامس.ولا يكون التماس في التلامس بين متلامسين من طبيعة واحدة إلا في العلاقة الجنسية وهوما يعني أن الرسام والموسيقار والعطار والطباخ والملامس كلهم في علاقة شبيه بالعلاقةأبو يعربالمرزوقي 10 الأسماء والبيان
الجنسية أو علاقة حب بالأشكال والأصوات والروائح والطعوم ومن هنا الطبيعة \"اللامعقولة\" في كل فن لأنه عين تجلي الحياةهو \"باسيون\" أو غرام جارف لا يمكن تفسيره بالعقل حتى وإن يحاول العقل أن يفسرالتناسق الشكلي بالنسب الرياضية والنظام والتناغم الصوتي بالنسب الرياضية وامتزاجالروائح بالمقادير الكمية من مواد العطور وامتزاج الطعوم بالمقادير الكمية من مواد الطعام .لكن الموضوعي لا يطابق الشعور الذاتي.ويتجلى ذلك خاصة في إدراك الجمال الانثوي عند الرجال والجمال الذكوري عندالنساء :ففيه إدراك الشكل لأن البدن شكل نحتي وليس رسمي لما فيه من تضاريس وفيهالنغم (صوت الجنس المقابل) وفيه الرائحة وفيه الطعم وفيه خاصة المس في الملامسة .فإذا أضفنا الجمع بين الطبيعي والصناعي تعقد الامر أكثر.و\"الفلار\" الإضافي عند من لهم هذا الفرق الإدراكي في السياسة عامة وفي كل عمل قيادييقتضي إدراكا فوق الإدراك العادي الخاص بمجال القيادة :فأي إنسان يرى الوضعالسياسي أو وضع ساحة المعركة أو الوضع الاقتصادي إلخ ..من مجالات القيادة بإدراك الوصف الموضوعي :فهل هذا كاف لأخذ القرار؟المشكل أننا سمينا في المدارك الحسية ما يجانس الامر الذي نتكلم عليه في القيادة عامةلكننا لم نسمه إلى الآن رغم أنه ما به ميزنا في تصنيف النخب بينها من خلال غلبة المقومالذي يغلب على المنتسبين إليها إرادة أو علما أو قدرة او حياة أو وجودا لأن أي إنسان له هذه المقومات بغلبة إحداها.ولتقريب المعنى فلكأن الرسام عين لا غير والموسيقار أذن لا غير والعطار أنف لا غيروالطباخ لسان لا غير واللماس مس لا غير .والقصد أن هذه القدرة الإدراكية عنده هيالغالبة عليه .وذلك بخصوص المقومات :فلكأن صاحب الإرادة إرادة لا غير إلخ ..لكنهم جميعا لهم كل المقومات بغلبة إحداها.ونعود الآن إلى المرأة :قلنا إنها لا تكتفي بالحامل الطبيعي للجمال شكلا (بدنها) ونغما(صوتها) وطيبا (رائحتها) وطعما (ريقها) ومسا(بشرتها) بل هي تضيف إلى ذك كلهأبو يعربالمرزوقي 11 الأسماء والبيان
مزينات ومجملات لكل واحد منها بمقتضى الموضة أو بحكم المرآن التي تجعلها هي الحكم في مظهرها الذي تعتبره عين وجودها وتأثيرها.وهذا هو بيت القصيد :الدول والجماعات والسياسيات فيها ما هو حقيقي وهو إرادتهاوعلمها وقدرتها وحياتها ووجودها كما هي في حقيقتها ثم الإيهام بما ليس حقيقيا فيها إمابحكم ما يشبه المرآة للمرأة من أجل التأثير في الذات وفي الغير أو بحكم القوة اللطيفة التي تعد بها حروبها العنيفة.أبو يعربالمرزوقي 12 الأسماء والبيان
والبعد الصناعي في الدولة والجماعة وحتى في الفرد طبعا ليس من جنس البعد الصناعيفي الجماليات الذي بيناه من خلال مثال المرأة بل هو الإيهام بإرادة وعلم وقدرة وحياةوجود الذي لا تخلو منه دولة للتجميل في الداخل (إزاء الشعب) وللردع في الخارج (إزاء العدو المحتمل) .وقد يكون صاحبها ضحيتها.أغلب الهزائم العربية هذه علتها :يجهلون معنى الإرادة ومعنى العلم ومعنى القدرةومعنى الحياة ومعنى الوجود فيضخمون كل شيء حتى يصبح من جنس دفتر الصكوك التيليس لها رصيد أو التي رصيدها لا يقبل المقارنة مع هذا التضخيم خاصة عندما يتعلق الامر بالعلاقات مع القوى الاخرى لها رصيد فعلي.ولما كانت القوة تتحدد بإطلاق بوجودها الفعلي وبإضافة بوجودها في موازين القوى بينالجماعات فإني كنت ولا زلت اعتبر إيران نمرا من ورق وما قوتها إلى بالقياس إلى ضعفالعرب أو تخاذلهم بخلاف إسرائيل لأن قوتها مستعارة وهي قوة الغرب كله ومن ثم فهي قوة حقيقية وليست تضخيما ذاتيا.ولو كانت إسرائيل بحد ذاتها هي التي تحارب العرب لكانت مثل إيران بمعنى لكانت قوتهاليست فعلية بل هي قوة بالقياس إلى ضعف العرب وتخاذلهم .لكن إيران تخادع شعبهاوشعوب الاقليم بالإيهام بأنها تقاوم إسرائيل والغرب يتركها تكذب لحاجته إلى تخويف الخائفين بالطبع من أنذال العرب وخونتهموهذا هو تعريف البروباغندا التي هي في حالتنا مضاعفة :فهم يتركون إيران تتضاخموتتعنتر لأن ذلك مفيد لإسرائيل إزاء الغرب ولحكام الغرب إزاء شعوبهم في مواصلة تمويلإسرائيل التي تبدو وكأنها مهددة من قوة فعلية وهم يعلمون أن نجاد أكذب من عبد الناصر ومثل خامنئي و\"زورو\" إيران.ولذلك فعندما جد الجد وأصبحوا في غنى عنها بعد أن أفشلوا ثورة السوريين التيتخيفهم \"خنست\" إيران وقللت من العنتريات وبدأت تبحث عن مخرج حتى لا يظهر ضعفهاأبو يعربالمرزوقي 13 الأسماء والبيان
البنيوي .وكنت دائما أشير إليه وأنبه المبالغين في تقدير ما تستطيعه وهي لا قوة لها إلا بخيانة ادواتها من المليشيات والأنظمة العربية.والمليشيات العربية صنفان :مليشيات السيف ومليشيات القلم وأبرز أمثلتها حزب اللهوأبواقه من بعض مسيحيي لبنان الذي يحقدون على الإسلام مثل الصفويين .فقد سمعتأحدهم يتوعد بإخراج المسلمين من الشام ومن تركيا لأن هذه الارض هي أرض الامبراطورية البيزنطية تماما كما يفعل الصفويون.لكن هذا العامل الصناعي الذي يضخم القوة أو يغطي الضعف والذي يقاس على الماكياجعند المرأة لا تخلو منه دولة وأمة بحيث يمكن القول إن الدولة والأمة فيها شيء من الانوثةولكن ليس للتجميل كما هو دور الماكياج عند المرأة إلا في الداخل لكنها للردع والحرب النفسية على العدو المحتمل في الخارجوأبرز مثال يقدمه ابن خلدون في كلامه على نظرية الحرب .فهو يبين أن شهرة الأبطالوالقيادات والشائعات حولهم تؤدي دورا كبيرا في الحروب الفعلية لأنها تعد الارضية فيالحرب النفسية على العدو قبل الشروع في المعارك الفعلية فيكون العدو قد انهزم روحيا قبل الهزيمة المادية.لكن ذلك سرعان ما ينقلب على اصحابه إذا كان للعدو معلومات دقيقة على القوة الفعليوراء سحب الدعاية والبروباغندا فيهاجم نقاط الضعف لأن أول ضربة مؤثرة يمكن أنتدخل الشك في القيادات والأبطال فتنهار الجبهات بالتوالي السريع كما حدث في معركة 73بسبب ثغرة الديفارسوار.وإذا كان العامل الصناعي المضاف للعامل الطبيعي في جمال المرأة قد يخدع لكونه قديكون إخفاء للقبح وليس إبرازا للجمال فإن العامل الصناعي المضاف للعامل الطبيعي فيقوة الدول قد يخدع لكونه قد يخفي الضعف ولا يبرز القوة .تكلمنا على جمال المرأة الطبيعي فما قوة الدولة الطبيعية؟واستكمالا لقيس الدولة على المرأة فإن القبيح منهما متجانس تجانس الجميل منهما.فالمرأة القبيحة تتزين للشارع وتظهر بشاعتها في البيت والدولة القبيلة تتزين لأسيادهاأبو يعربالمرزوقي 14 الأسماء والبيان
وتظهر بشاعتها في الداخل .والمرأة الجميلة قد تطلب مزيد زينة في البيت وكذلك الدولة الصالحة قد تطلب مزيد صلاح في الداخل.ولا ينبغي للنساء أن ينزعجن من هذا القياس لأن الله خلقهن معيارا لكل شيء في الوجودبالنسبة إلى الرجال ولعل الرجال هم كذلك عندهن .وهو أمر لا يعلمه غيرهن .وكل فيقضية الذوق لا يستطيع أن يتكلم بغير ما في وجدانه لأن الأمر كما أسلفت يتعلق بما يتعالى على المعرفة العقلية بل هو حدس ذوقي.وأعترف أني بهذا تحديت قاعدة ابن خلدون الذي يقول إن الوجدانيات هي مما لاينقال .لكني تحديت حكمه وحاولت قول الوجداني لأن كل الفنون وجدانية ذات قاعدةأساسية علمية .وقد سبق فبينت أن هذه القاعدة الأساسية فطرية لما لها من صلة مبشرة بالحوادس في الحواس.والحوادس في الحواس لم يكن معلوما منها إلى ما تثبته المقابلة بين البصر والبصيرة.فالبصر حاسة والبصيرة حادسة .وقياسا علينا وضعت السميعة للسمع والشميمة للشموالذويقة للذوق واللميسة للمس .وكلها حوادس قد تصحب الحواس وقد تكون مفقودة مثل البصيرة :غالب الناس عمي البصيرة.واعتقد أن النساء لن يغضبن مني لأني جعلتهن بهذا القياس الهادف للتمييز بين المعرفيوالذوقي (من دون الدلالة الصوفية) وكأن كل امرأة رسامة وموسيقارة وعطارة وطباخةولماسة بالمعاني التي شرعت في الفصل السابق أي إنهن يتميزن بالحوادس مع الحواس :هن سر الوجود.وهذه مناسبة لدحض كل الخرافات التي تتكلم على الضلع الاعوج وعلى تأخرها في الخلقلكونها من آدم .وهذا ينافي آيات القرآن الحكيم :فأولا كل البشر من نفس واحدة والنفسأنثى وهي التي تغشاها زوجها فولدت .ومن ثم فكل ما يقال غير ما يقوله القرآن في المسألة إما إسرائيليات أو خرافيات جاهلية.أبو يعربالمرزوقي 15 الأسماء والبيان
هُ َو الَّذِي خَ َل َق ُكم ِّمَن َّن ْف ٍس وَاحِ َدةٍ َوجَعَ َل مِ ْنهَا زَ ْو َج َها ِليَ ْسكُ َن ِإلَيْهَا ۖ فَ َلمَّا تَ َغشَّا َها َحمَ َل ْتَحمْ ًلا َخ ِفي ًفا َفمَرَّ ْت بِ ِه ۖ َف َل َّما أَثْ َق َلت دَّ َعوَا ال َّلهَ رَبَّهُ َما لَ ِئنْ آ َت ْيتَنَا َصا ِلحًا ّلَ َن ُكونَنَّ مِنَ ال َّشا ِكرِينَ.الاعراف .189والدولة بدوريها -الحماية والرعاية -هما عين وظيفة الأم التي تحمي أسرتها وترعاهالأن الأب يجري وراء الرزق ويترك الأسرة لرعاية الام الصالحة .وحتى وللرجال عليهندرجة أسيء فهمها عمدا :فالفقرة الاخيرة من الآية 228البقرة تلغي هذا الفهم المحرف بقصد\"فهي تقول \" ..وَ َل ُه َّن مِ ْثلُ الَّذِي َعلَ ْي ِه َّن ِبا ْل َمعْ ُروفِ ۖ وَ ِلل َّرِ َجا ِل عَ َليْهِ َّن َدرَجَ ٌة ۖ وَاللَّ ُه عَزِي ٌزحَكِي ٌم ( .)228الدرجة تتعلق بما لهم ويناظرها ما عليهم لأن المقدمة هي \"النساء لهن مثل الذي عليهن\" .فما لهن هو ما على الرجال وما عليهن هو ما للرجال.وهذا من أساليب القرآن في الإيجاز المبني على الثقة في عقل الإنسان .لان أي مطلع علىدلالة \"لهن مثل ما عليهن «يفهم أن القصد حقوقهن وواجباتهن .وحقوق الرجل هيواجبات المرأة إزاءه وحقوق المرأة هي وجبات الرجل إزاءها فيكون التساوي .ضمير الجملة هو ولهن على الرجال درجة.فتكون الدلالة العميقة في الآية :كلاهما يبجل الثاني فيقدمه على نفسه في الحقوق منخلال المضاعفة في القيام بالواجبات معزة ومحبة في الثاني .لكن عادات الجاهلية وخاصةخرافات الإسرائيليات حرفت جل تأويلات آيات القرآن الكريم حتى تبرر الشناعات المنافية حول المرأة التي هي الاصل كما بينا.فتكون القوامة خدمة وليست سلطة .وهذا هو المعنى الذي يعنيني من القياس :فالدولةأم والقيمين عليها في خدمتها وليسوا أصحاب سلطان يعلو عليها فيستخدمونها بدل خدمتها.وهي أصل الجماعة صوريا والجماعة أصلها ماديا بمعنى أنها تتكون من الجماعة لكنها هي التي تصورها بنظام الرعاية والحماية.وحتى عضويا فمساهمة المرأة في تجدد الأجيال أضعاف مضاعفة من مساهمة الرجل:يتساويان في مقومي كيان الأطفال (الحيوان والبويضة) لكنها تغذي الطفل من لحمها ودمهاأبو يعربالمرزوقي 16 الأسماء والبيان
تسع أشهر وإذا كانت تؤمن بالرضاعة الطبيعية فهي تغذيه من بدنها سنتين وتسعة أشهر ودورها الروحي أكبر.وكذلك بالنسبة إلى الدولة فهي الأم والقيمون عليها إذا لم يكونوا في خدمتها فهممغتصبيها وليسوا محبيها بالمعنى الإيجابي للحب دون دلالته الجنسية بمعنى مطابقة القيمعلى الوظيفة لشرطي أدائها التقني والخلقي أي الأمانة والعدل .دور الدولة الرعاية والحماية من القيمين عليها حتى الشرعي منهم.أعتقد أني قد استوفيت الغرض من المقارنة بين الجماليات وقلبها المرأة والسياسياتوقلبها الدولة من حيث علاقة الذوقي والمعرفي فيهما لأن السياسة وهذا هو سر عسر الكلامفيها وعليها أنها تجمع بين غاية الموضوعي في الكلام على الفعل السياسي الذي يجمع بين العقل العلمي والحدس الذوقي.فالغايات فيها كلها من طبيعة ذوقية والأدوات كلها من طبيعة علمية .وهذا قانون اكتشفهابن خلدون وإن كان غير واع به .فاسم علمه يعني بقسمه الاول \"العمران البشري\" سدالحاجات المادية وبقسمه الثاني \"الاجتماع الإنساني\" سد الحاجات الروحية .وهذه غايات وتلك أدوات.وسد الحاجات المادية للكيان العضوي قابلة للتحديد العلمي الدقيق لكن الحاجاتالروحية للكيان النفسي ليست خارج مجال العلم لكن فيها ما يتعالى على مجاله كما رأينا فيعين الرسام وأذن الموسيقار وأنف العطار ولسان الطاهي ومس اللامس .وهذه كلها رمزها ما في المرأة من أسرار الوجود.ويبقى أن نبين أمرين أن هذه الأسرار موجودة كذلك في السياسة وفي الدولة على وجهالخصوص .فلها بدن هو جغرافيتها ولها روح هو تاريخها ولفعل جغرافيتها في تاريخها ثمرةهي التراث ولفعل تاريخها في جغرافيتها ثمرة هي الثروة وأصل ذلك كله هو \"النفس الواحدة\" أو المرجعية الروحية للجماعة.ومن دون هذه الأبعاد الخمسة لا تكون الدولة دولة تشبه كيان الإنسان وخاصة كيانالمرأة من حيث إن بدنها هو جغرافية الحياة وروحها هي تاريخ الحياة وأثر الأولى في الثانيأبو يعربالمرزوقي 17 الأسماء والبيان
هو رعايتها للاستمرار الحياة وأثر الثاني في الاولى هو حمايتها لاستمرار الحياة وهي النفس الواحدة كما بينا.أبو يعربالمرزوقي 18 الأسماء والبيان
نعود إلى أسئلتنا :خمسة أسئلة إذا أجبنا عنها تمكنا من القيام بما يناظر ما قام به ابن خلدون في تعريف علمه: .1ما العمل الذي هو موضوع علم السياسية؟ .2كيف يكون علم؟ .3لسد أي نوع من الحاجات؟ .4من الفاعل؟ .5وكيف تتدخل مقومات الإنسان في فعله. ذلك هو التعريف الجامع المانع.جواب السؤل :1موضوع علم السياسة دور القوى السياسية في تمثيل الدولة المعبرة عنإرادة الامة عامة في إدارة شؤونها عامة فرض كفاية بمشاركة كل المواطنين في عملها ومراقبته فرض عين.جواب السؤال :2يكون علاج هذا الموضوع علما :بدراسة مدى صدق التمثيل وفاعليته والعلاقة بين الفرضينجواب السؤال :3سد حاجات الرعاية التكوينية والتموينية والحماية الداخلية والخارجية أي تحقيق وظائف الدولة.جواب السؤال :4من الفاعل أو حقيقة القوى السياسية وكيف تفعل الأحزاب أو القبائل أو الطوائف.جواب السؤال :5فاعلية الدولة هي تناغم فاعلية مقومات الإنسان وكأنها شخص فيزيائي واحد.أجملت الأجوبة في عبارات وجيزة .لكن شرحها ليس بالأمر الهين ولا اليسير .وسنبدأإذن بأصل هذه المقومات التي تجعل ما ستسده السياسة من الحاجات موضوع علم كما جعلأبو يعربالمرزوقي 19 الأسماء والبيان
ابن خلدون سد الحاجات الإنسانية موضوع علم العمران البشري والاجتماع الإنساني وهنا أيضا الحاجات صنفان :الرعاية والحماية.موضوع علم السياسة هو مستويا وظيفة الدولة أو دور القيمين عليها من القوى السياسيةفرض كفاية بمشاركة كل الجماعة فرض عين :الحماية الداخلية والخارجية والرعايةالتكوينية والتموينية للإنسان .والغاية من هذين الدورين هو تحقيق شروط القدرة على البقاء والتجدد الدائم في إطار النظام الدولي.والنظام الدولي ليس ظاهرة حديثة ومثله العولمة .فكلاهما ليس جديدا إلا في مستوىالبروز والطغيان لكن الحضارة كانت ولا تزال كونية دائما لأنها حصيلة ما في المعمورة منجماعات متواصلة ومتفاصلة في تقاسم جغرافيتها وثمرتها وتاريخها وثمرته ورؤى الوجود المتماثلة وظيفيا وإن تعددت صيغها.وشرح هذه المسألة متقدم على الأسئلة لأنها تبدو غريبة بل ومنافية لظاهر التاريخ.فالمعتاد هو توهم الحضارات كانت منعزلة وحولها جدران من جنس جدار الصين .ولايدرون أن بناء الجدران دليل على صحة ما أدعيه وليس العكس .فما كان الصينيون يحتاجون لجدار لو كانت الحضارات جزائر منفصلة.فكلما رجعنا إلى بدايات التاريخ كلما كان التواصل أكثر سلما وحربا لأن شروط الحياةكانت تستمد مما تنتجه الطبيعة مباشرة وكان الجميع تقريبا رحلا طلبا لهذه الشروطبحسب الفصول طلبا للماء والكلأ تماما كما نرى البشر اليوم طلبا للمواد الأولية والطاقة وحتى الاسواق دون ترحال.ولهذه العلة كانت السياسة دائما ومنذ أن انتظمت الجماعات حتى في شكل قبائل تتواسعكلما حصل تبادل وتزاوج خارجي ذات وجهين داخلي وخارجي لكأن الداخلي تمتين لحمةالجماعة الواحدة لتكون قادرة على رعاية ذاتها وحمايتها من الجماعات الأخرى التي تقاسمها نفس الشروط الضرورية للقيام.واستقرار الحدود بين الشعوب والأم ظاهرة جديدة وهي قابلة للتغير بمجرد أن يتغيرتوازن القوة والقدرة بين الأمم وأحيانا تزيد الحدود في نفس الجماعة بالتفتت أو تنقصأبو يعربالمرزوقي 20 الأسماء والبيان
بالتكتل في عملية وصفها ابن خلدون في كلامه على العصبيات تكتيلا أو تفتيتا لها كالأمواج التي يحدثها رمى الحصوات في بركة ماء.وبمعيار نظرية ابن خلدون التي قدمنا موجزها في الاستطراد الاول فإن دور الطبيعةيتناقص ودور الثقافة يتزايد بتقدم التاريخ الإنسان .والبداية هي حصول الاستقرار حولالمياه والشروع في الزراعة التي تغني عن الترحال طلبا لـ\"نحل العيش\" المعتمدة على منتج الطبيعة جنيا وعلى الكلأ والماء للأنعام.وبين العمران البدوي والعمران الحضري -دون أن يتوقف الأول عند نشأة الثاني -لابد من نشأة الدول بالمعنى الذي هو موضوع بحثنا بمعنى أن الدولة من حيث النشأة سابقةعلى المدينة التي هي أساس العمران الحضري والبداية الحقيقية لوظيفتي السياسة النظامية وتكوين مؤسسات الحماية والرعاية. وأهم مؤسستين شارطتين للحماية والرعاية مؤسسات الانتخابين:الانتخاب الاول الذي يلازم تكوين الإنسان وتموينه حتى يكون للجماعة عامة والدولةخاصة شروط تقسيم العمل ويعتمد على المنظومة التربوية التي تحقق شرطي العمل على علم :التكوين التقني والتكوين الخلقي شرطيه الضروريين والكافيين.ويليه مؤسسة الانتخاب الثاني :وهو ملازم لمؤسسة الحكم التي تحتاج إلى انتخاب ثانممن تم انتخابهم في الانتخاب الاول ليكونوا القيمين على وظيفتي الدولة حماية ورعايةولكل منهما خمسة فروع كما بينا .لكن الانتخاب الأول مخمس ومثله الانتخاب الثاني. وبهما تكون الجماعة \"خالقة\" لذاتها \"كاوزا سوي\".فالانتخاب الأول الذي يقع في التربية بصنفيها النظامي في المؤسسات التربية وفي بقيةالمؤسسات المجتمعية ككل (كالأسرة والمعمل والنوادي والجمعيات) يحدث في اصناف النخبالخمسة :في نخبة الإرادة ونخبة العلم ونخبة القدرة ونخبة الحياة ونخبة الوجود .ففي كل واحدة منها يحصل انتخاب تراتبي.وفي المجتمعات التي يكون أهلها حريصين على شروط البقاء والتجدد بقيم الاستقلالوعدم التبعية يكون هذا الانتخاب الاول صارما بمعياري الكفاءة في الاختصاص والأخلاقأبو يعربالمرزوقي 21 الأسماء والبيان
في ممارسته حتى تكون حصيلة الانتخاب المعين الذي يجري فيه الانتخاب الثاني بنفس الحرص .وهو كذلك في المقومات الخمسة.فالدول التي تؤطر الجماعة في إدارة شؤونها وتنوبها في ما هو من مجال فروض الكفايةلا يمكنها أن تحقق الحماية والرعاية بالحكم بمعنى السلطة السياسية الممثلة لإرادة الأمةفحسب بل لا بد لها من سلطة العلم وسلطة القدرة وسلطة الحياة وسلطة الوجود حتى تكون أفعالها متناغمة في العمل على علم وإذن فالأساس هو مستويان من الانتخاب هما شرط السياسة وثمرتها في آن: .1الانتخاب في تكوين الإنسان وتموينه لأداء كل الوظائف التي تسد حاجات الجماعة المادية والروحية (موضوع علم ابن خلدون). .2والانتخاب في حكم الإنسان أو لرعاية سد نوعي الحاجات ورعايتها .ويمكن أن يكون الانتخابان بالعكس.وذلك هو أصل وهن الدول والأمم .وهو نتيجة ما يسميه ابن خلدون \"فساد معانيالإنسانية\" إذ إن التربية والحكم بقلب الانتخاب طردا لمن يتصفون بالكفاءة والأخلاقوجذبا لمن يتصفون بعكسهما فيفسد العمل الذي يصبح على جهل فلا تسد الحاجات بصنفيها وذلك هو مفهوم \"العالة\".ومن هنا تصبح قيم المقومات هي المدار :فالإرادة حرة أو عبدة والعلم حق أو باطلوالقدرة خيرة أو شريرة والحياة جميلة أو قبيحة والوجود جليل أو ذليل .القيم الموجبةلا تتحقق إلا في الدول ذات السيادة التي يكون يؤمن مواطنوها ويعلمون بالحرية والحقيقة والخير والجمال والجلال.أما في الحالة التي تفسد فيها معاني الإنسان فالرعايا يؤمنون ويعلمون بالعكس تماما:العبودة والباطل والشر والقبح والذل .ولست بحاجة لضرب أمثلة فيكفي القارئ أن يلتفتحوله ويرى ما يجري في بلادنا العربية وجل بلاد المسلمين :الرعايا عبيد يسيطر عليهم الباطل والشر والقبح والذل.أبو يعربالمرزوقي 22 الأسماء والبيان
ولهذه العلة كانت ثورة الشباب بجنسيه ثورة روحية قبل أن تكون سياسية :والدليلشعارها المستمد من بيتي الشابي وهو شعار يعيد النظر في علة كل هذه الصفات السلبية لأنسوء فهم القضاء والقدر جعل حياة الجماعة تربية وحكما تؤدي بالضرورة إلى وساطة ووصاية تفسدان معاني الإنسانية.ولهذه العلة فكل تحليل سياسي يزعمه صاحبه مبنيا على \"العلوم السياسية\" لا يحدد قوةالدولة والجماعة على نظام انتخابيها ليس سياسيا ولا علميا بل هو مبني على أحوالالنفس .فالمحلل لا يرى من الظاهرة السياسية إلى أحوال نفس حكامها وبطانتهم أو معارضيهم وليس في المحددات المؤثرة حقا.ومن هنا يغلب على هؤلاء المحللين الخطب الوعظي والإرادوي لكأن الأمر رهن أحوالالنفوس وليس له علل عميقة تعود في غاية التحليل إلى نظامي الانتخاب لأن السياسة لاتعمل بعصا موسى بل بما تحققه النخب بتناعم أفعالها نخبة الإرادة والعلم والقدرة والحياة والوجود من نتائج فعليه في مجالها.وليكن مثالنا أي دولة غربية متقدمة أو حتى إسرائيل :فالسياسي فيها (ممثلا للإرادة)يستطيع أن يريد واثقا من نفسه لأن نخبة العلم (البحث العلمي) ونخبة القدرة (الاقتصادوالثقافة) ونخبة الحياة (الفنانون) ونخبة الرؤى (الاستراتيجيون والفلاسفة ورجال الدين) كل في مجاله يجعل الإرادة قدرة.لكن حتى لو افترضنا ساسة ذوي إرادة قوية دون أن يكون كلامهم مطابقا لإنتاج علميواقتصادي وثقافي وفني واستراتيجي يحول الإرادة إلى قدرة سياسية فعلية فإن إرادته لنتتجاوز الأقوال فتكون عنتريات عديمة المفعول الإيجابي ويرتد على الامة مفعولها السلبي أو العيش على وهم قدرة معدومة.وتلك هي علة غلبة الخطاب الإنشائي في الجماعات التي لم تحقق هذا التناغم بينالإرادة السياسية والخلقية والعلم الطبيعي والإنساني والقدرة المادية والرمزية والحياةالفنية والجمالية والوجود الرؤيوي الديني والفلسفي ويكون فعلها مجرد أقوال فتتحول إلى ظاهرة صوتية لا تؤثر في التاريخ.أبو يعربالمرزوقي 23 الأسماء والبيان
وإذا كان الموضوع كلام والتحليل كلام على كلام فلست أفهم حينئذ دلالة \"علوم سياسية\".ولست أفهم خاصة الجمع في \"علوم\" ليس لأني أنفي أن السياسة هي ملتقى بالمعنى الذيعرفته لكثير من العلوم لكن علم السياسة ليس جملتها بل ملتقاها وتكون هي علوما مساعدة لعلم ملتقاها كما عرفناه سابقا.فالملتقى كان عند ابن خلدون \"سد \"الحاجات المادية (العمران البشري) والروحية(الاجتماع الإنساني) فتصحب كل العلوم التي تسهم في سد نوعي الحاجات علوما مساعدةوليست موضوع علمه بالقصد الاول بل هي ما لا بد منه وكأنها علوم آله بالنسبة إلى علمه الذي هو ثورة لم يسبق إليها.فتجاوز بذلك الفلسفة القديمة (اليونانية) والفلسفة الوسيطة (الإسلامية والمسيحية)فلم يبق من منتسبا إلى البارادايم الأرسطي الأفلاطوني بل إلى بارادايم جديد لم يصبحممكنا إلا بعد تجاوز نظرية المعرفة القائلة بالمطابقة في موضوع هو من إبداع الإنسان بل هو عين \"إنتاج\" الإنسان لشروط قيامه.أبو يعربالمرزوقي 24 الأسماء والبيان
تقدمنا خطوات في تعريف \"ملتقى\" العلوم التي تؤدي دورا في السياسة لا يختلف عن الدورالذي تؤديه العلوم المساعدة في درس موضوع جديد تعد تلك العلوم أدوات في علمه وليسهي علومه .وبذلك ننتقل من علوم بالجمع إلى علم بالمفرد فاعتبرناه \"سد\" حاجات وظيفتي الدولة أي الرعاية والحماية بفروعهما.ثم خطونا خطوة أهم وهي سد حاجات الانتخابين الذي يتحقق بالتربية تكوينا وتمويناللإنسان بحسب كل التخصصات التي تحتاج إليها الجماعة في تقسيم العمل وبالحكم حمايةداخلية وحماية خارجية للإنسان بحسب وظائف الدولة التي تكون بمن يشعلها قيمة فرض كفاية بمساهمة الجماعة ورقابتها فرض عين.ثم تقدمنا خطوة ثالثة لما حصرنا محالات الانتخابين بالاعتماد على نظرية تصنيف النخبفبينا أن هذا الانتخاب مبني على مقومات الإنسان التي هي في آن مكونات الجماعة ومكوناتالدولة من حيث هي ممثلة للجماعة في كل أفعالها :نخبة الإرادة ونخبة العلم ونخبة القدرة ونخبة الحياة ونخبة الوجود.ثم تقدمنا خطوة رابعة عندما بينا أن الدولة تكون شرعية وصالحة عندما تحقق المطلبالاساس في كل جماعة وهو شروط البقاء الحر والسيد وذلك بمعيار قيم المقومات الموجبةوبينا أن هذه القيم هي الحرية والحقيقة والخير والجمال والجلال ويمكن أن تنعكس بفساد الدولة والجماعة فيعملان بسوالبها.وقبل أن نصل إلى الخطوة الخامسة لا بد من وضع أهم سؤال لم نضعه إلى حد الآنوهو يتعلق بدور الانتخابين في مفهوم الدولة المطابقة لطبيعة وظائفها أو لفضيلتها بالمصطلحالفلسفي أي ما من دونه لا تسمى دولة .وسأنطلق في الجواب من مقولة شهيرة \"الشخص المناسب\" رجلا أو امرأة\" في المكان المناسب\". فهذه \"الحكمة\" إن صح التعبير فيها الكثير من المضمرات: .1من يضع؟أبو يعربالمرزوقي 25 الأسماء والبيان
.2من الشخص المناسب؟ .3وما المكان المناسب؟ .4وما الشيء الذي تتحدد فيه الأماكن المناسبة .5وما علاقة الأماكن المناسبة في الانتخاب الأول بالتي في الانتخاب الثاني .وفي ذلك معضلتا الجماعة والدولة في كل زمان ومكان. فأما المعضلة الأولى فهي ازدواج كيان الدولة: .1فهي من جهة أولى نظام أماكن أو خانات وظيفية أو مؤسسات تناسب بنظامها سد الحاجات التي لأجلها انشئت الدول. .2وهي من جهة ثانية قيمون يملؤون تلك الخانات او الأماكن معياره أن يكونوا مناسبين للوظائف التي تؤديها تلك الخانات أو المؤسسات.والتناسب الأول تقني خالص لأن الدولة حينها تكون بنية مجردة خالية من قيمين عليهاوهي تمثل بتناغم خاناتها بنية النظام المؤسسي الذي \"يصنع\" بالإرادة المشرعة ليكون مناسباللوظائف الدولة التي تسد حاجتي الرعاية والحماية .والثاني يضيف إليه الكفاءة والأخلاق شرطين لمن يملأها من القيمين عليها.وأما المعضلة الثانية فهي الانتظام الذاتي بمعنى أن الجماعات وخاصة دولها ذات خلقوانتظام ذاتيين \"كوازا سوي\" علة ذاتها .فالعمليتان المتمثلتان في \"خلق\" جهاز الدولةالمؤسسي من حيث هو نظام مؤسسي يحقق عند ملئه وظائف الدولة وفي ملئها بمن يناسبها كلتاهما خلق مستمر من الجماعة نفسها.وهكذا نجد أن الأسئلة التي وضعناها انطلاقا من عبارة \"الشخص المناسب في المكانالمناسب\" واستخرجنا ضمائرها لم يبق فيها بغير تحديد إلى ما نعتره الخطوة الأخيرة فيتحديد موضوعنا :سؤال من يضع الرجل المناسب في المكان المناسب بالمعاني التي عرفناها في ما تقدم؟وطبعا لا يمكن أن نجيب عن سؤال \"من يضع\" من دون أن نحدد كيف يكون ذلك الوضعومن أين يأتي الواضعون الذين يبدون وكأنهم يمثلون أصل الانتخابين الأول بالتربيةأبو يعربالمرزوقي 26 الأسماء والبيان
ويتعلق بوظائف الإنسان في تقسيم العمل في الجماعة والثاني بالحكم ويتعلق بوظائف الحماية والرعاية في كل جماعة (الدولة).وهذا السؤال الذي يبدو مجرد مسألة سياسية متعلقة بمن ينتخب وكيف ينتخب من يناسبالمكان المناسب في الجماعة أولا وفي الدولة التي تمثلها ثانيا هو من أهم مسائل نظرية العلم(الابستمولوجيا) ونظرية القيم (الأكسيولوجيا) وهو أهم خلاف بين أفلاطون وارسطو قديما وبين كنط وهيجل حديثا.وحتى لا أبتعد كثيرا سأكتفي بكنط وهيجل وطبيعة العلاقة بينهما لا تختلف كثيرا عنطبيعة العلاقة بين أفلاطون وأرسطو في هذه القضية .كان هيجل يهزأ من أساس النقدالكنطي أعني من سؤاله عن المعرفة العلمية وشروط إمكانها وصحتها وحدودها من دون تعيين موضوع معين أي المعرفة بإطلاق.ومن الواضح أن اعتراض هيجل وحتى سخريته لا تعبر عن موقف صادق تماما كموقفأرسطو من أفلاطون عندما يسخر من نظرية التذكر ونظرية المثل المفارقة الافلاطونيتين.فهيجل يقول كنط ما لم يقله .فكنط لم يزعم أن من ينقد المعرفة العلمية ليس ممن بلغ الغاية في علم الأشياء وكأنه يبدأ النقد من عدمفما ينطلق منه كنط هو حصيلة الممارسة العلمية السابقة التي يتم خلالها اكتشاف ما فيمعرفة علمية من قبليات ليست صادرة عن التجربة بل هي شروط حصولها .والقبلي عندكنط هو معنى ما يتذكره الإنسان بوصفه بلغة ديكارت أفكارا فطرية (Idées innées ) :سقراط يساعد العبد في تذكر ما لديه من فطري.وما لدى العبد من فطري لا يمكن للعبد أن يتذكره من دون سقراط في دور القابلة التيتساعد العبد على \"الوضع\" بمعنى وضع الحامل لما تحمل بأيدي القابلة .والقوابل في حالتناهم من صاروا في أصناف النخب من اعترفت لهم الجماعة بكونهم يمثلون زبدة الانتخابين في مجال الاختصاص.ويحق لنا الآن أن نخطو الخطوة الخامسة :فلنسم هؤلاء الذين يعترف لهم كل نوع منالنخب الخمس بأنهم أفضل ما أفرزه الانتخابان في مجالهم أي في الإرادة والعلم والقدرةأبو يعربالمرزوقي 27 الأسماء والبيان
والحياة والوجود بما يمكن تسميته بسقراط المجال أي قابلة الاجيال فيه فيكون لكل دولة مهما كانت متخلفة حقا أو وهما خمس قوابل.فالقابلة في نخبة الإرادة هي من يعتبره ممثلو الأمة في المجال الأدرى بقبليات الإرادة أيبشروط إمكانها وصحتها وحدودها .والقابلة في نخبة العلم هي من يعتبره ممثلو الأمة فيالمجال الأدرى بقبليات العلم أي بشروط إمكانه وصحته وحدوده .وهلم جرا في بقية المقومات القدرة والحياة والوجود.وليس لهؤلاء القوابل سلطان فعلي على المجال وأهله بل سلطانهم رمزي ومعنوي وهو مابه يميز ابن خلدون بين مفهوم \"الرئاسة\" ومفهوم السيادة .فالرئاسة سلطان معنوي يجعلالجماعة هي التي تضفيه على صاحبه والسيادة سلطان مادي يفرض نفسه على الجماعة. فيكون أساس شرعية الدول هو هذا السلطان المعنوي.ذلك أن الدولة نفسها حتى وإن كانت بحاجة إلى الشوكة فإن الشوكة مهما كانت متحوشةلن تضمن لها البقاء ولا خاصة السلام فتكون من ثم كما وصف ابن خلدون العصبية مفضيةللهرج لأنها شوكة أو عنف أعمى خالية من شروط الشرعية وأهمها هي هذه الرئاسات الخمس أو القوابل السقراطية الخمس.وبعبارة وجيزة يمكن القول إن العرب اليوم ليس لهم هذه القوابل السقراطية .لذلكفالحابل مختلط بالنابل .لم تتمايز المجالات والجماعات الجزئية التي لها رئاسات في مجالهاتعترف بها دون أن يكون لهم سلطان مادي على أحد هم رئاسات معنوية تمثل الوعي بقبليات المجال لبلوغهم الغاية فيه في عصرهمويمكن القول إن هؤلاء السقراطات الخمسة هم أصحاب الرؤى التي تهتدي بها الجماعاتوالدول في تحقيق مقومي المحافظة على الكيان تقوية وتجديدا أي الرعاية والحماية .ذلكأن الدولة كيان معنوي حتى وإن كان يتعين في جهاز مؤسسي يملأه أشخاص بمعيار المناسبة في الكفاءة والخلق.وفي الجماعات التي لها هذه الرئاسات المعنوية أو القوابل السقراطية لا خوف عليها حتىإذا حصل خلل ظرفي في إحدى وظائف الدولة -كالحال في أمريكا الآن بنجاح ترومب فيأبو يعربالمرزوقي 28 الأسماء والبيان
الرئاسة-لأن لها حروز ضد الخلل الجزئي بخلاف دولنا :فلا فرق بين مراهق السعودية وترومب .لكن الأول طامة لغياب الحروز.وما يصح على مثال ترومب في أمريكا يصح على كل \"ترومب\" ممكن في أي بلد غربي لأنمجتمعاتهم لها القوابل السقراطية في كل مجالات الاختصاص التي يمكن تصنفيها بنفسالمعيار الذي صنفنا به النخب فتكون الاختصاصات اللامتناهية مردودة إلى الأصول الخمسة التي تصنف بها القابلات السقراطية.وما يصح على مراهق السعودية يصح على كل بلاد العرب من الماء إلى الماء بل وعلى جلبلاد المسلمين لأنها فاقدة للقوابل السقراطية وكل شيء فيها لا رئيس فيه بسبب الحابلوالنابل أو الهرج بالمعنى الخلدوني الي يعم كل محالات الأنشطة والعمل اذ لا شيء فيها يعتبر عملا على علم.وما زاد الطين بلة هو التقدم التقني وخاصة في مجال التواصل .ففيه بتوسط التويترالفايس بوك إلخ ..يكاد الجميع يدعي العلم اللدني لكأنهم يولدون علماء دون حاجةللتعلم الرصين والصبور والمديد حتى إن الإنسان اليوم يمكن أن يكتب الدكتوراه في أسبوع استنادا إلى شيخه \"جوجل\".وفي هذه الحالة يغيب الشرطان :النضوج الضروري بممارسة المجال والانتخاب الأمين فيالمستويين الأولين بالتربية وبالحكم .والمجتمعات التي فيها الرئاسات الخمس بما يطابقالقوابل السقراطية كل خلل في أي منها قابل للتدارك بفضل هذه القوابل .لكن غيابها يجعل الانتخابين ينقلبان إلى العكسوسأضرب مثالين وأبدأ بتونس :في عهد بورقيبة مهما قيل فيه كان النظام التربوي فيتونس من أفضل الأنظمة حتى إننا كنا لما نذهب لإتمام الدراسة في فرنسا لا نجد فرقا يذكر بين مستوانا المعرفي والمنهجي ومستوى زملائنا من نخب فرنسا في مجال الاختصاص.والمثال الثاني ليس من التعليم بل من السياسة .فعندما أنظر في طبيعة البطانة السياسيةفي حكومات الثورة المضادة لا أرى إلا مراهقين عابثين جعلوا السياسة العربية معارك أطفالأبو يعربالمرزوقي 29 الأسماء والبيان
في الاحياء ويسمون هؤلاء مستشارين وهم أقصى ما يعلمونه قد لا يتجاوز خرافات مربياتهم المستوردات من آسيا.أبو يعربالمرزوقي 30 الأسماء والبيان
تمكنا بفصل هذه الخطوات الخمس من تحديد النقطة التي هي موضوع علم السياسةوأصبح بوسعنا أن نتكلم على علم السياسية وليس علوم السياسة .فعلم السياسة بالقصدالأول ليس مجرد ملتقى علوم بل هو علم قائم بذاته مثلما أن علم ابن خلدون علم قائم بذاته رغم كونه نقطة لقاء علوم عديدة دورها فيه أداتي؟ومثلما أن علم العمران البشري والاجتماع الإنساني موضوعه الذاتي \"سد\" الحاجاتبمستواها المادي (العمران البشري) وبمستواها الروحي (الاجتماع الإنساني) فإنالسياسة-وهي من بين العلوم المساعدة في علم ابن خلدون -Science auxiliaire موضوعها وظيفتي الدولة أي سد حاجات الرعاية أولا والحماية ثانيا.ويمكن الجمع بين المقومين هذين الرعاية والحماية فيم مفهوم واحد هو السيادة.موضوع علم السياسة الواحد هو السيادة وقد جمعتها الآية 60من الأنفال .فهي رمزتإلى الرعاية بشرطها الأداتي القوة عامة أو رمزت إلى الحماية بشرطها الأداتي رباط الخيل .ورمزت إليهما قريش بكناية البعض على الكل.وكما رمزت الأنفال 60بكناية العلة على المعلول رمز الأداة على ما هي أداة له القوةعامة للرعاية والقوة العسكرية للحماية رمزت قريش بكناية البعض على الكل رمز الغايةعلى ما هي غايته لأن الطعام هو اساس القوة العضوية والأمن هو أساس القوة الروحية أو عدم الخوف.فيكون موضوع علم ابن خلدون الواحد من شروط موضوعنا علمنا الواحد :فمن دون سدالحاجات المادية (العمران) وسد الحاجات الروحية (الاجتماع) لا يمكن للدولة الممثلةلإرادة الجماعة وعلمها وقدرتها وحياتها ووجودها أن تكون دولة أصلا لأنها تصبح تابعة في الرعاية والحماية.ومن يفقد احداهما يفقد الثانية حتما .فقد يظن أن \"أغنياء العرب\" لهم القدرة علىالرعاية رغم قصورهم في الحماية وأن \"فقراء العرب\" لهم القدرة على الحماية رغمأبو يعربالمرزوقي 31 الأسماء والبيان
قصورهم في الرعاية .وكلاهما عاجز في كلتا الوظيفتين .فأغنياء العرب لا يقلون فقرا من فقرائهم لأن ثروتهم الطبيعية ليست ملكا لهم.وهذا المعنى كان مسكوتا عنه قبل ترومب .لكن ترومب صدقهم القول عندما قال لهم إنلم نأخذ منها كل ما نحتاج إليه كما نريد -جزية-فنحن نتخلى عنكم أو نحتلكم صراحة لأن\"دولكم\" ليست دولا بل هي محميات ويمكن أن تتساقط كأوراق الخريف لو تخلينا عنكم. هذا من حيث علاقة الحماية بشرط الرعاية.فالرعاية شرطها ملك الثروة وفاقد الحماية لا يملك شيئا إلا في الظاهر بل المالكالحقيقي هو الحامي .وظاهر الملكية في البلاد العاجزة عن الحماية هو لإخفاء الاستعمارغير المباشر وحاجته لعملاء يكونوا عسسا على ملكيته الخفية ويسمح لهم بأن يكونوا فضاضا غلاظا على شعوبهم عبيدا لهم وله.أما المعنى الجلي الذي لا يمكن إخفاؤه فهو مضاعف :اكتشاف الثروة وانتاجها استخراجاوتحويلا بيده الحامي وشركاته وثمراتها أو المدخول الناتج عنها في بنوكه ويمكنه أنيجمدها متى ما شاء فتصبح الثروة المزعومة قيدا مطلقا على من هم \"أصحابها\" بالاسم لأن الحامي لا يعترف لهم إلا بالحياة النباتية.وإذن فموضوع علم السياسة هو الرعاية والحماية شرطي السيادة أو هو السيادة نفسهامتعينة في الغاية والوسيلة لما تقوم به الجماعة من الأعمال على علم لتحافظ على بقائهاوتنميته وتجديده الدائم .والجماعة تحتاج إلى أداة تعبر عن ارادتها الجماعية وعلمها وقدرتها وحياتها ووجودها :الدولة السيدة.قياسا على الفرد الذي يرعى ويحمي كيانه العضوي (البدن)وكيانه المعنوي (الروح)فإن للجماعة كيان بدني هو جغرافيتها أو ما يشغله عمرانها ومنه ثروتها شرط قيامها الماديوكيان معنوي هو تاريخها أو أفعال سكانها ومنه تراثها شرط قيامها الروحي .وهذا هو ما ترعاه الجماعة وتحميه بدولتها السيدة.لكن الرعاية والحماية لا ينبغي أن تبقيا مفهومين غامضين لا يقبلان التحديد الكونيبمعنى التحديد الذي يبين أنهما عين الأعمال التي تقوم بها الدولة باسم الجماعة علىأبو يعربالمرزوقي 32 الأسماء والبيان
علم .الدلالة هي منظومة المؤسسات التي تؤدي هذه الوظيفة من حيث هي خانات خالية بمن تملؤ بقيمين عليها ذوي كفاءة وخلق.لكنها قد تملؤ بقيمين ليست لهم الكفاءة والخلق وهو ما يعني أن الانتخابين اللذين تكلمناعليهما قد عكسا فأصبحا دليلا على فساد الدولة والجماعة .فساد الدولة حتى وإن بدا علةلفساد الجماعة فإن الحقيقة هي العكس :وذلك هو مبدأ كيفما تكونون يولى عليكم .فالعلة هي تخلي الجماعة عن دورهافالدولة التي تنوب الجماعة لا تعمل لوحدها إلى كفرض كفاية وهي بحاجة دائمةلفرض العين الذي يتمثل في مساهمة صاحب الامر مساهمة في عمل من ملئت به خاناتالدولة أو مؤسساتها هي فرض عين وهي المعنى الأصيل للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمعنى المراقبة الدائمة للقيمين المباشرين فرض كفاية.ومعنى ذلك أن ما كان للسيسي وبشار ومراهقي المحميتين اللتين تقودان الثورة المضادةباسم حاميهم ومستشاريهم منه الذين صاروا مكشوفين بخلاف ما كان مخفيا عند من سبقهمفي نفس المهمة ما كانوا ليطغوا ويستبدوا كمافيات إجرامية لولا فساد نخب الإرادة والعلم والقدرة والحياة والوجود وتواطؤهم.وهذا الفساد ينخر وظائف الرعاية والحماية .وسأبدأ بالحماية التي تصبح وظائفهامعكوسة تماما في مثل هذه الحالة :فالحماية الداخلية هي القضاء والامن وفسادهما يعنيانعكاس وظائفهما إذ يصبحان ممثلين للظلم وعدم الأمن في الداخل ويصبح الفساد فاشيا فيهما عماده رشوة القوي واضطهاد الضعيف.فتنهار منظومة الحقوق والقوانين وتصبح أقل من الحبر على الورق لأن الشرطي يصبحأداة الاضطهاد والقاضي أداة التبرير .وبهذا المعنى فالذروة تتحقق عندما يتحول الدينأداة تبرير تجاوزات القيمين على الدولة وتحويلها إلى أداة استعباد واذلال لشعبها .والعلة هي غيبوبة الشعب وتواطؤ النخب.هذا في الداخل فلنأت الآن على الحماية في الخارج .فالدفاع للخارج مثل الامن للداخلوالدبلوماسية للخارج مثل القضاء للداخل ينعكس دورهما .لن يكون دورهما حمايةأبو يعربالمرزوقي 33 الأسماء والبيان
الداخل من الخارج بل العكس خدمة الخارج ضد الداخل والدليل بين للعيان في كل بلاد العرب وإن كان شديد الجلاء في مصر وسوريا خاصة.فالجيش يصبح رديفا لجهاز الأمن في الداخل لاضطهاد العشب أكثر من الاستعمار نفسهلأنه خدمه والدبلوماسية تصبح وظيفتها خدمة النظام البوليسي وتلميع صورته ولا وظيفةلها غير ذلك لأنها لا ترى لشعوبها أهدافا أو مصالح تدافع عنها المهم الدفاع عن المستبد والفساد وترضية الحامي.لكن كل هذه الأدواء تبلغ ذراها في الجهاز العصبي لهذه الوظائف أعني نظام الاستعلاموالإعلام أو المخابرات التي بدلا من أن تكون العين الساهرة على الأمن الحماية الداخليةوالحماية الخارجية تتحول إلى العين الساهرة على جعل البلاد مستباحة لمخابرات الأعداء استعلاما ولاستراتيجيتهم إعلاما.ولذلك فأنت تجد الأعداء أحرص الناس على حماية هذه الأنظمة لأنها تمول حمايةمصالحها من دم الشعوب التي تغزوها بأبنائها وبتمويل من شعوبها .فالشعب المصريوالشعب السوري يمول جيشا ودبلوماسية ومخابرات واعلام كلها في خدمة النظام الخادم وفي خدمة الاعداء بتوسطه بل ومباشرة.وما أقوله على مصر وسوريا ليس مقصورا عليهما حتى وإن بدوا المثالين الأبرز حاليا بلإن ذلك وإن بدرجات مختلفة يعم كل الحمايات الخارجية في كل بلاد العرب والمسلمين .ومامثال الانقلاب الفاشل في تركيا إلى دليل على اكتشاف النظام ذلك في الوقت المناسب والتمكن منه.فتفهم حينئذ كيف أن الدول العربية لا يمكن أن تربح أي حرب تخوضها لأن أداة الحربسواء كان لطيفة أو عنيفة منعدمة تماما فما من شيء \"يخطط\" له النظام العربي حتى لوفرضنا أنه يخطط يعلمه الأعداء ربما قبل أصحاب القرار في مطبخ القرار إن كان للدولة حقا قرار وليست تنفذ ما تؤمر به من خارج.وكلنا يعلم أن القمم العربية في جلساتها المغلقة كانت تصل أول بأول إلى إسرائيلوأمريكا من الزعماء رغم أن امريكا وإسرائيل تعلم أن هذه القمم لا يتجاوز القرار فيهاأبو يعربالمرزوقي 34 الأسماء والبيان
الكلام وليس الأفعال إذ لا قرار لتابع وإرادة لمحمي ولا علم ولا قدرة ولا حياة ولا وجود لمن هم دون القرود.ولست غافلا على أني بمثل هذا الكلام قد أبدوا شديد التطرف في الأحكام .ولكن أيمنصف يعلم امرين :أن وصفي بالغ الموضوعية وأن بشاعة ما يقع لا يمكن لأي وصف مهماغالى أن بطابقها بل يبقى دونها بكثير .ففي تونس مثلا عندنا أكثر من 200حزب وآلاف الجمعيات وهي كلها تتاجر بدكاكينها.فما الذي يجعل الدول الاستعمارية وإسرائيل وإيران ودول الثورة المضادة تمول هذهالدكاكين و\"جمعيات المجتمع المدني\" هل كل ذلك لوجه الله وخدمة للإنسانية أم هي عملياتمربحة للاستعلامات التي لو اعتمدوا على أعوان منهم لكلفهم ذلك أضعاف أضعاف الفتات التي يغذون به الخيانة والعمالة؟لكن الأهم من ذلك هو ما الذي يجعل القيمين على \"دولنا\" يتحولون إلى أعوان تيسيراستباحة الجماعة التي من المفروض أن يكونوا ساهرين على حمايتها ورعايتها فيصبحدورهم عكس ذلك تماما أي شبه أدلا سياحة في كل نقاط ضعف الأمة ليسيروا استعبادها وجعلها ذليلة يتاجر بها أفسد نخبها؟هل كان ذلك يكون كذلك لولا فساد نظامي الانتخاب الأول في مستوى التأهيل التربويكفائيا (التمكن من اختصاص معين في نظام تقسيم العمل) وخلقيا (القيم الأساسية للإنسانكإنسان وله كمواطن له غيرة على بلده) وفي مستوى التأهيل للمشاركة في ملء خانات الدولة والحكم الرشيد؟وجمعا لغاية التأهيلين ما الذي جعل الأمة في جل أقطار دارها تفقد المناعة الماديةوالروحية فتصبح مستباحة بأيدي أبنائها الذين صار أغلبهم يقدم العاجل على الآجلوأدنى المصالح الشخصية على أسمى المصالح الوطنية حتى صارت جل النخب مجرد سماسرة بأمن البلاد وسلامتها من أجل الروبافيكيا؟لما أردت أن أعالج موضوع \"علم السياسة\" لم يكن قصدي الاقتصار على تشوهات منيحللون الأحداث اليومية في بلادنا وفي العالم تحت مسمى \"علوم السياسة\" بل كان الهدفأبو يعربالمرزوقي 35 الأسماء والبيان
بيان الموضوع الذي يدرسه علم السياسة ليس للتحليل الإعلامي فحسب بل لمعرفة مقومات الدولة وطبيعة العلاج السياسي لشؤون الإنسان.أبو يعربالمرزوقي 36 الأسماء والبيان
ولنأت الآن إلى الوظيفة الثانية وفروعها وهي في الحقيقة الوظيفة الاولى أعني وظيفةالرعاية وفروعها لكننا أخرناها وقدمنا وظيفة الحماية لأننا أردنا أن نبين نتائج عدموجودها أولا وفساد الانتخاب فيها ثانيا وهما أمران يثبتهما ما يحل بالحماية الداخلية الخارجية مما وصفنا من الأدواء.ذلك أن ذهاب المناعة في الأمم يتبين من فساد وظيفة الحماية في دولتهم التي تحميالكيان في الداخل ليكون العيش المشترك سلميا وأخويا بمبدأي الأمانة والعدل وفي الخارجبمبدأي السيادة أي الحماية الرادعة كما تبينها الأنفال 60من حيث الأدوات برمزي الأدوات وقريش برمزي الغايات الغذاء والامن.وكما رأينا عناصر وظيفة الحماية فلنر عناصر وظيفة الرعاية التي هي الغاية الأولىمن وجود الجماعة والتي تحتاج إلى الحماية التي هي الأداة الأولى للمحافظة على وجودالجماعة .والغاية الأسمى هي شرط حرية الإرادة وحقيقة العلم وخيرية القدرة وجمال الحياة وجلال الوجود أي كون الإنسان إنسانا.فمن دون الرعاية يفقد الإنسان \"معاني الإنسانية\" التي تفسد لأن فقدانها يلغي حريةالإرادة وحقيقة العلم وخير القدرة وجمال الحياة وجلال الوجود فتفسد معاني الإنسانيةلأن الإنسان يصبح عبدا وجاهلا وشريرا وقبيحا وذليلا كما يصفه ابن خلدون الأفراد والجماعات التي استعبدت بعنف التربية والحكم.ولست مغاليا إذا قلت إن وضع العرب خاصة والمسلمين عامة منذ 14قرنا -مباشرة بعدالفتنة الكبرى والانقلاب الدستوري ببعديه تربية وحكما-يطابق هذا الوصف الخلدونيلمفهوم \"فساد معاني الإنسانية\" وصيرورة الأمة عالة .فمجرد البقاء المادي حتى في أزهى العهود ليس دليلا على تحقق قيم الإسلام.وتخصيصي العرب من بين المسلمين لأنهم الآن في أسوأ حال ويكفي أن ترى ما يحدث فيالخليج العربي الذي استبعد كل أفاضله من نوعي نخبه التأصيلية والتحديثية واستبد بهأبو يعربالمرزوقي 37 الأسماء والبيان
الأنذال من العملاء حتى بت أعجب من هذا المستوى من التردي الذي أعاد العرب لنذالة التناهش القبلي قبل الإسلام وسفالته.ولو لم أكن أعلم أن الخليج فيه من الرجال والنساء من هم في مستوى عالمي دراية بمايجري في العالم وفهما لمصالح شعوبهم لكنهم لسوء الحظ مستبعدون من مافيات لا تقل بشاعةعن التي عرفناها في تونس ولا زلنا نعاني منها ومن ثم فأنا لا اعد الذباب والكلاب النابحة ضد ما أكتب ممثلين للسعودية.وهم ليسوا بدعا فعندنا في تونس من هم أسفل منهم وأرذل وخاصة بين يتامى اليساروالقومية .إنما هم طبالة لا يعلمون شيئا أو هم منافقون مستعدون لبيع كل شيء من أجلقنينة خمر أو حتى \"كسكروت\" لفرط ما أخلدوا إلى الأرض يلهثون لهيث الكلاب حتى لو لم يحمل عليهم أحد .وذكرهم لكونهم من أعراض المرض.وذكر هذه الأمثلة التي يراها القراء من حولهم هدفه المساعدة على الوصل بين البحثالنظري الذي أقدمه وأعيان من الظاهرات التي يريد فهمها وتحليلها بوصفها من تعيناتالأمراض الاجتماعية التي تنتج عن فساد سياسات التربية والحكم في بلاد العرب التي هي همنا الأول ولكن من منظور كوني.ولنعد الآن إلى الكلام على وظيفة الرعاية .وأبدأ بالرعاية التكوينية التي هي في آنمجال الانتخاب الأول أعني خلال تكوين الاجيال وتأهيلها فنيا وخلقيا لدورها في تقسيمالعمل على علم في الجماعة .والتكوين بهذا المعنى يقع في منظومة المؤسسات التربوية النظامية في المجتمع ككل.ويمكن القول إن التربية في المجتمع ككل-من الأسرة إلى الموقع في تقسيم العمل-هي فيمحل التجربة للنظرية العلمية .ومعنى ذلك أن خريج مؤسسات المنظومة التربوية النظاميةيمتحن أو يختبر تكوينه الفني والخلقي في الممارسة العملية بداية من حياته الاسرية وغاية إلى حياته المهنية في تقسيم العمل.ولذلك فالانتخاب الأول والأساسي له مستويان :تكوين \"نظري\" أو نسقي في المؤسساتالتربوية وامتحان عملي لهذا المستوى الاول من الانتخاب في الممارسة الفعلية بوصفها عملاأبو يعربالمرزوقي 38 الأسماء والبيان
على علم بما حصله الخريج من تكوين في المنظومة التعليمية .والغريب أن أغلب ساسة العرب من الفاشلين في هذين المستويين.وإذن فالرعاية التكوينية مؤلفة من نظامين مؤسسين هما المنظومة التربوية النظاميةوالتربية العامة بمجرد العيش في الجماعة خلال ممارسة الحياة عامة والحياة المهنية خاصة.والتكوين التربوي عام ويشمل التغذية والبدنية والروحية لأن هدفها ربو الإنسان أو تنمية بدنه وروحه.وكلنا يعلم أن هذه المهمة شبه مهملة بأبعادها كلها :كل شيء فيها متروك للعاداتوالتقاليد وليس فيها ما يمكن أن نسميه عملا على علم .لكن المجتمعات التي تكون السياسةفيها عملا على علم أول مجالات تحقيق ذلك هو تكوين الاجيال بقانون جعل اللاحق أفضل من السابق بخلاف ما يجري عندنا.ومعنى ذلك أن منحنى التطور في المجتمعات التي تعمل على علم صاعد كل جيل لاحقيتجاوز الجيل السابق إلى ما هو أفضل من حيث التكوين الفني والتكورين الخلقي وهو فيالمجتمعات التي لا تعمل اصلا بل تتخبط المنحى فيها نازل فيكون العكس مما يجري في حالة العمل على علم.ولذلك ترى العقم عندنا وترى أي شاب من شبابنا يصادف الحظ فيهاجر وينظم إلىمراكز البحث في المجتمعات الغربية فيبدع مثله مثل زملائه في تلك البلدان .ومن ثمفالمنظومة التربوية النظامية أو الرسمية والتربية في المجتمع ككل تمثل مناخا عقيما ومعقما للكفاءة والأخلاق.وهذا هو بالذات ما وصفه ابن خلدون بـ\"فساد معاني الإنسانية\" فسادا يرد إلى فقدانالكفاءة الفنية وفقدان السلامة الخلقية لأن فقدانهما صار شرطا في البقاء في مجتمع لايحكمه إلى هذان الفسادان :الغش والغدر والتخابث ونظام انتخاب كل معاييره مقلوبة لأن من بيده السلطان يحيط نفسه بالأراذل.فإذا كان من بيده تمثيل إرادة الأمة من الأراذل فهو لن يصعد من الباحثين في العلم إلامن هم أرذل منه ولن يمكن من ثروة البلاد إلى من هم أفسد منه ولن يزدهر من الفنانينأبو يعربالمرزوقي 39 الأسماء والبيان
إلى أقبح منه ولن يصبح من دعاة الأصالة أو الحداثة إلى من كان أتفه منه فيصبح السلم مقلوبا الفوق تحت والتحت فوق.وطبعا هو ما كان ليستطيع ذلك لولا علتين :أنه محمي من الخارج وأن الشعوب تربتعلى الذل والقبول بمناخ تكون فيه الجماعة عديمة الإرادة كالعبيد الجهل يعوض العلموالشر الخير والقبح الجمال والذل الجلال وإلا لما فهمنا كيف يحكم مصر السيسي وتونس ابن علي وسوريا كلب الفرس والسعودية مراهق ايفانكا.أما المستوى الثاني من الرعاية فهو تمويني وليس تكوينيا .فالتربية للبدن والروح.والجماعة التي لا تنتج ما يغذي البدن وما يغذي الروح لا يمكن أن تكون أجيالها بدنياوروحيا .وإذن فالتموين هو الانتاج الاقتصادي والانتاج الثقافي وهما الفرعان الثانيان من الرعاية في أي جماعة فكلامنا كونيتلك هي الفروع الأربعة لوظيفة الرعاية في أي جماعة والتي تكون الدولة قيمة عليهادون أن تكون مسيطرة عليها لأنها عين عمل الجماعة من حيث سلطة مدنية مستقلة عنالسلطة السياسية بل هي جوهر المجتمع الأهلي أو إن قبلنا بالمصطلح الحديث المجتمع المدني .الدولة لا تربي ولا تنتج بدلا من الجماعة.الدولة تنظم نشاط الجماعة بوصفها إرادتها نائبة عنها بمن اختارتهم لملء خانات كيانهاالمجرد بالقيمين عليها ممن تثق في أمانتهم وعدلهم للشهر على نظام إرادتها وعلمها وقدرتهاوحياتها ووجودها إذا كانت شرعية أي حاصل القيمون عليها على الثقة مع المراقبة الدائمة والنقد بالأمر والنهي.ومثلما أن فروع وظيفة الحماية الأربعة لا تكون عملا على علم من دون جهاز عصبييمدها بما تحتاج إليه في الاطلاع على أحوال الجماعة الأمنية في الداخل والدفاعية فيالخارج وهو جهاز الاستعلام والإعلام السياسيين فإن فروع وظيفة الرعاية الأربعة لها جهاز عصبي مركزي يؤدي نفس وظيفة أهم.إنه جهاز البحث والإعلام العلميان أعني العلوم التي تعالج العلاقتين العمودية بينالإنسان والطبيعة شرطا في سد الحاجات المادية والأفقية بين الإنسان والتاريخ شرطا فيأبو يعربالمرزوقي 40 الأسماء والبيان
سد الحاجات الروحية لأن التموين الذي يحتاج إليه التكوين لا يكون ممكنا من دون الانتاجين وشرطهما بالبحث العلمي وتطبيقاته.لكن في جماعات كل ذلك مستغنى عنه لأنها تصدر ما في أرضها من ثروات خام وتستوردما في عمل غيرها من منتجات ليست شعوبا قادرة على الرعاية ولا على الحماية ومن ثم فهيشعوب من العبيد للحاجات المادية والروحية ولمن بيده مدها بها مقابل الاستحواذ على بلادها والاستبداد بشعوبها.وكم يضحكني بعض الأغبياء ممن يقولون مفاخرين ومنابزين :أنت يا أبا يعرب تحسدناعلى ما أنعم الله به علينا .وهو ما اضطرني أحيانا للرد على بعضهم بأن الصومال على ماهي عليه من فقر وقهر تعد عندي ألف مرة أولى بالحسد من أصحاب هذا الرأي .فأهلها على الأقل يعملون لتحصيل الرزق بعرق الجبين.فالشعوب والجماعات لا تعتبر إنسانية بالثروات الطبيعية التي هي من صدف الجغرافيابل هي إنسانية بما أبدعته في تاريخها فلم تبق من عبيد الصدف الطبيعية .فالعمقالحضاري للشعوب يقاس بهذا الاستقلال وليس بالعيش على بيع ثروات الطبيعة الناضبة بالطبع .عدم فهم ذلك يخرجنا من التاريخ الحديث.لا يوجد عرب أغنياء وعرب فقراء ما ينبغي أن نسأل عنه هو :هل يوجد عرب مبدعونومنتجون أم لا يوجد .والجواب معلوم .لا يوجد عرب مبدعون ولا منتجون .وهذا هوالعقم الذي يتساوى فيه العرب ولا يمكن لأي منهم أن يحسد الآخر في شيء وكلهم في الهوى والغباء سواء.آمل أن أكون قد وفيت بما وعدت فوحدت الموضوع وصار بالوسع الكلام على \"علم\" لا\"علوم\" السياسة .والموضوع هو شرطا السيادة أي الحماية والرعاية .والهدف ليس الكلامو ثرثرات علماء السياسة في التلفزات تعليقا على الأحداث بغير علم بل العمل على علم لبناء مناعة الأمم الداخلية والخارجية.فإذا علمنا ذلك أمكننا عند تحليل الأحداث أن ننظر في جذورها وأسبابها تماما كما كانغرض ابن خلدون في الكلام على التاريخ .انطلق من شروط الكلام على التاريخ بعللهأبو يعربالمرزوقي 41 الأسماء والبيان
فانتهى إلى أن علله ليست في ظاهر الاحدث والأحاديث بل في علم موضوعه البنيوي قبل الكلام في أحداثه العرضية.والدولة بجهازها الآلي المؤلف من منظومة المؤسسات كخانات شاغرة وهي مكنة صنعتهاالجماعة خلال نضوج وعيها بهذا المقوم الأول للدولة الممثلة لإرادة الأمة وعلمها وقدرتهاوحياتها ووجودها تنظيما لعملها على علم تتحول إلى ذات حية وفاعلة بمن يشغل خاناتها من أبنائها باختيارها الحر وبمراقبتها.وهذا هو الانتخاب الثاني الذي يجعل الدولة صالحة إذا كان من يشغل الخانات هم بحقممثلي حرية الإرادة وحقيقة العلم وخير القدرة وجمال الحياة وجلال الوجود .وعلى كلفوجود هذا لمقوم الثاني حتمي في كل دولة لكنه إذا لم يكن بهذه الصفات وبإرادة الجماعة فهو عين فقدان السيادة ببعديها.ومشكلتنا اليوم مضاعفة :فمستوى المشكلة كان خاضعا لمرض أول هو مرض شرعنةالمتغلب النابع من الداخل بمقتضى صراع القوى فيه فيكون افرازا ذاتيا للقوى السياسيةالاهلية هي عصبية مفضية للهرج لم تفقد بعد العصبية الحد الأدنى من الانتساب إلى الجماعة لكونها أهلية.لكنه اليوم صار جامعا بين العصبية المفضية للهرج وفقدان الانتساب إلى القوى السياسيةالذاتية للأمة .وهذا هو المستوى الثاني من مرض الدول التي لم تعد دولا أصلا بل هيمحميات لأن من يفرض الحكام ليس صراع العصبيات الداخلي بل هو إرادة أجنبية عنها تفرض من تعده أقدر على خدمتها من أقلياتها.أبو يعربالمرزوقي 42 الأسماء والبيان
والآن فلنتكلم على الامتحان الاكبر والاختبار الأسمى الذي تتجلى فيه قوة الدول الماديةوالروحية :ولا يتجلى إلا في العلاقات الدولية وخاصة في الردع بالقوة الذي يتعين بالفعلفي الحرب التي هي يتجلى فيها ما لدى الدول من قوة ردع فعلية .وتقدر في السلم بما للجماعة من حلفاء وما عليها من أعداء.لكن هذا التجلي لا يكون حقيقيا إلا إذا كان فيه تناظر بين الجماعة ومن يحالفها بمعنىإلا إذا كان الحليف بحاجة اليك بقدر ما أنت بحاجة إليه وهذا لا يتوفر إلا بشرطين:موجب :ما يستفيده من بقائك معادلا لما تستفيده من بقائه في الصراعات الدولية وسالب: ما يخسره معادلا لما تخسره.أما إذا لم يكن الأمر كذلك فأحد الحليفين محمي والثاني حام .وبهذه المعايير سنتكلمعلى دلالة النظام العالمي الذي هو دائما موجود وليس ظاهرة حديثة .وهو سر تكونالجماعات الكبرى التي تتجاوز القبلية .فالجماعات لا تصمد في تنافسها على ثروات المعمورة من أجل شروط البقاء من دون هذا القانون.فنظام العالم بمنطق القرابة الحضاري والمصلحي هو المحدد للجماعات الفاعلة فيه بمقدارما لها من قوة تماسك أو من مقومات القوة الذاتية في الداخل وتتمثل في سمفونية العملعلى علم للمقومات التي تعتمد عليها السيادة أي حرية الإرادة وحقيقة العلم وخير القدرة وجمال الحياة وجلال الوجود.فبهذا تشبه الجماعة السوية الكيان العضوي كما في عبارة \"كالجسد الواحد إذا اشتكىعضو تداعت له سائر الاعضاء .\"...وطبعا فهذا غاية قلما تدرك إذ لا تخلو جماعة منالعملاء للأعداء والخيانة والامر كله مسألة نسب .فإذا كانت غالبية النخب الرئيسة لهذه المقومات سليمة منهما كان ذلك هو المطلوب.أبو يعربالمرزوقي 43 الأسماء والبيان
فلا يوجد بدن خال من الجراثيم والفيروسات الكامنة فيه ولا توجد جماعة خالية منالعملاء والخونة .ولذلك فكما أن البدن له مناعة ذاتية تجعله مع ذلك في صحة جيدة لأنهيقاوم بما لديه من مناعة فإن الأمم لها حصانة روحية ومناعة مادية جمعتهما الأنفال :60 القوة عامة والقوة العسكرية خاصة.وقد يكون الكثير من الناس عملاء وخونة بغير قصد إما بسبب سوء الفهم أو بسبب الجهلووجود هؤلاء علته ليست فيهم فسحب بل هي في وظيفة الحماية وبالذات في وظيفة الجهازالعصبي لفروعها الاربعة أي في الاستعلام والاعلام السياسيين :لا ينتبه إليهم ولا يوعيهم بما غرر بهم مثلا.ولهذا احتاجت كل الدول التي تخلص لجماعتها لهذا الجهاز العصبي المركزي الذي يسمىالاستعلامات والإعلام السياسيين أي الإحاطة قدر الإمكان بحال الأمة حتى يكون عملهاالحمائي مبنيا على علم .لكن لسوء الحظ فإن هذا الجهاز العصبي عندنا كسيح بل هو تحول إلى خدمة الأعداء واضطهاد الجماعة.ومن المفروض أن يكون هذا الجهاز العصبي المركزي للاستعلام والاعلام رغم كونه محددالوظيفة السياسية التي هي الإحاطة بحال الأمة في الداخل والخارج إحاطة وظيفتها خدمةالحماية أن يكون تابعا للجهاز المركزي الأساسي الذي هو البحث والإعلام العلميين شرط علاج العلاقتين العمودية والافقية.فالجهاز المركزي الأصل هو البحث والإعلام العلميان يعالج علاقة الجماعة بالطبيعةاعتمادا على العلوم الطبيعية التي تسد بتطبيقها حاجات الجماعة المادية (العمرانالبشري) وعلاقة الجماعة بالتاريخ اعتمادا على العلوم الإنسانية التي تسد بتطبيقها حاجات الجماعة الروحية (الاجتماع الإنساني).وبهذا المعنى فعلاج العلاقة العمودية بين الإنسان والطبيعة وبينه وبين التاريخ مسألةعلمية خالصة في مستوى النظر والعقد لكنها مسألة عملية خالصة في مستوى العمل والشرع.ولا تتم الأولى حقا من دون علاج ما يترتب على التبادل والثانية من دون ما يترتب على التواصل داخل الجماعة وخارجها.أبو يعربالمرزوقي 44 الأسماء والبيان
وهذا هو المستوى الثاني من علل صراع الأمم في التسابق من أجل علاج العلاقتين بين كلمنها والطبيعة وبين كل منها والتاريخ .وذلك في الداخل والخارج .ففي الداخل تقسيمالعلم يقتضي التبادل والتبادل لا يكون سويا ما لم يكن عادلا ويقتضي التواصل والتوصل لا يكون سويا ما لم يكن صادقا.وإذن فالعدل شرط التبادل السوي والتبادل السوي شرط التعاون في تقاسم العمل وتقاسمالعمل شرط التنمية المادية والثقافة في أي جماعة .وبذلك يصبح دور الدولة من حيث هووازع أجنبي أو الوزع القانوني ضروري ليتمم دور الضمير من حيث هو وازع ذاتي (مصطلحات خلدونية).وهنا يأتي دور رمز الفعل (العملة) وفعل الرمز (الكلمة) والأول هو رمز التبادل والثانيهو رمز التواصل .وقد نبه ابن خلدون إلى ضرورة جعل العملة مستقلة عن صاحب السلطةلتنفيذية فوضعها تحت مسؤولية الخليفة بوصفه سلطة معنوية وروحية .لكن البشرية لم تشترط جعل الكلمة مستقلة مثلها عنه.ولذلك فالنظرية التي أنا بصدد وضعها لعلم السياسة تقتضي أن يوجد ما يناظر البنكالمركزي للعملة المستقلة عن السلطة التنفيذية بنك مركزي للكلمة مستقل عن السلطةالتنفيذية .وهذا البنك المركزي للكلمة يحقق شرط التواصل الصادق كما تحقق العلمة شرط التبادل العادل.ولست غافلا عن كون الظلم لا ينتج عن التلاعب بالعملة وحده وعن كون الكذب لا ينتجعن التلاعب بالكلمة وحده فهذان لكن هذين التلاعبين في ما دون تلاعب السلطة التنفيذيةبهما يبقيان محتملين وقابلين للعلاج .أما إذا صارمن بيده هذه السلطة هو المتلاعب بهما ينهار الانتاجان الاقتصادي والثقافي.فالإنتاج الاقتصادي الذي يحقق التموين المادي لقيام الإنسان والانتاج الثقافي الذي يحققالتموين الروحي لقيام الإنسان محكومان بالتمثيل الأمين للقيم المادية في الجماعةوبالتمثيل الامين للقيم الروحية في الجماعة .وهما معنى الأمانة والعدل في التبادل والتواصل فيها شرط السلم المدنية.أبو يعربالمرزوقي 45 الأسماء والبيان
وقد سبق فتكلمت عما سميته بالقوابل السقراطية في الجماعة .وبينت أنها ضروريةللمقومات الخمسة أي للإرادة والعلم والقدرة والحياة والوجود من حيث هي أعمال علىعلم في الجماعة وهذا هو مستوى الدور السقراطي وهو ضروري للانتخابين .والبنكان المركزيان سقراطيان أيضا.والقصد أن البنك المركزي لاستقلال العملة عن تلاعب السلطة التنفيذية والمؤسسةالنظيرة التي اقترحتها لاستقلال الكلمة عن تلاعبها سلطتان معنويتان يكلف بهما خبراءعدول وأمناء في العلمة والمالية وفي الكلمة والإعلام لمنع صاحب السلطة التنفيذية من السيطرة على رزقي الجماعة المادي والروحيوبعبارة وجيزة فمن دون هذين المؤسستين تصبح الجماعة محكومة ببعدي العجل :مادتههي العلمة وخواره هي الكلمة .والعملة قد تصبح سلطانا على المتبادلين فلا تبقى أداةتبادل مجردة والكلمة قد تصبح سلطانا على المتواصلين فلا تبقى أداة تواصل مجردة .ومن دون ذلك يسيطر دين العجل (أبيسيوقراطيا).فنحن نقاوم مستويين من دين العجل :المباشر وتمثله النخب التي حكمهم الاستعمار فيرقاب الأمة بعد أن فتت جغرافيتها وكلفهم بتفتيت تاريخها بحثا عن شرعية للمحميات التييسمونها دولا ثم غير المباشر وتمثله النخب الاستعمارية التي تحارب إرادة أمتنا وعلمها وقدرتها وحياتها ووجودها لاستعبادها.وما حرب العملاء من الحكام والنخب الدائرة في فلكهم على ثورة الشباب بجنسيه وقيمهاوعلى تركيا الحالية التي تضامنت معهم والتي تمثل بالنسبة إلى اعداء الثورة بمستوييالحرب على الأمة النموذج الذي دحض ضرورة العلمنة شرطا للتنمية والتحديث مرتين: بنجاح لم تحققه قبل شروعها في استعادة ذاتها.فكلابهم النابحة ضد ما كتبته لبينان طبيعة حملة الأعداء على تركيا وعلى ثورة الشبابلأنهما تقضيان على ما بقي للعملاء من مصداقية وتنهي كذبتيهما :التدرع بالإسلام الذيباتوا يتنكرون له والتدرع بالحداثة التي لا يمكن أن يحققها مربوطو الرأس من مافيات القبائل والعسكر المستبدة والفاسدة.أبو يعربالمرزوقي 46 الأسماء والبيان
وليس غريبا أن يجمع نوعا النخب العميلة التي تدعي التأصيل والتي تدعي التحديثعلى الربيع وعلى تركيا في حرب كلنا يعلم من يقودها من خلف واضطر بسبب فشلهم لأنيعلن صراحة عن قيادته لهذا الحرب :يكفي قراءة الأدبيات التي تخرجها معاد بحثهم التي تحارب المسلمين ولا تريد لهم نهوضا.فالقومي واليساري في بلاد العرب يدعي مقاومة إسرائيل والإسلامي التقليدي يدعونمقاومة إيران لكنهم في الآن نفسه متحالفون ضد الربيع وتركيا .وهو أمر بين الدلالة لأنالدعويين الاوليين كاذبتان .فلا أولئك يعادون إسرائيل حقا ولا هؤلاء إيران حقا بل هم معهما على شروط النهوض والتحرر والتحرير.ومشكلهم مع الربيع أنه على مستوى مطالب الشعوب القيمية لحقوقهم المشروعه حتى وإنكانت في مستوى الرغبات لأن الثورة لم تحقق بعد أهدافها .لكن مشكلهم مع تركيا أكبرلأنها فعلا أنجزت في أقل من عقدين ما عجزت عنه قبل نظامها الجديد وما عجزوا هم عنه ما يقرب من قرن.فهي إذن كما يرونها وكما هي حقا تخيفهم لأنها جمعت بين المطالب التي هي في مستوىالقيم والغايات التي لم تدرك بعد وفي مستوى التحقيق الفعلي والإنجاز المبهر لهذه القيم.ولذلك فعندما أسمع كلاب الأنظمة العميلة والخائنة تتكلم على الفساد والاستبداد في تركيا أشكك في عقولهم وفي أخلاقهم.فلا يوحد ما هو أفسد من الانظمة العربية القبلية والعسكرية سياسيا وخلقيا واقتصادياواجتماعيا ولا من هو أخون للإسلام والعروبة منهم ومن طباليهم من النخب سواء كانتتدعي حفظ التراث او تدعي الحداثة والثورة عليه :فكلهم دون استثناء مخلدون إلى الأرض ربهم هواهم ومعبودهم دنياهم.وهكذا فهذه المحاولة سعت إلى هدفين آمل أن أكون قد اقتربت من تحديدهما أولا ومنتحديد السبل للتعرف عليهما وللسعي إليهما ما أمكن ذلك وخاصة بالنسبة إلى الأجيال المقبلة .والهدفان هما: .1التأسيس النسقي لعلم السياسة للتحرر من المفاهيم الفضفاضةأبو يعربالمرزوقي 47 الأسماء والبيان
Search