أبو يعرب المرزوقي الأسماء والبيان
الاستئصال والتكفير وجهان لعملة واحدة .وهما يمثلان الظاهرة التي ع ّرفت بها الإرهاب ،بوصفه وجهي الحرب الأهلية التي تعاني منها الأمة. فكيف ذلك؟ وما علاقتهما بنوعي الإرهاب اللذين عرفت؟وما يحيرني حقا ،هو أن الصفين يجمعهما نفس الحمق السياسي :فلا فرق بين إرهاب داعش ،وإرهاب العميل الاستئصالي الذي يضطر معارضه للرد العنيف.ولنضرب مثال الأحداث الأخيرة ،التي تحاول دويلة عربية بها جبر قطر وتركيا ،على طرد الناجين من هولوكوست السيسي ،الذي مولوه ليجهض ديموقراطية مصر.هل يمكن لعاقل يريد ،كما يزعم ،شرقَ أوسط مستقر ،أن يضطر معارضيه إلى الحل الوحيد الذي يضطرهم إليه ،للدفاع عن وجودهم؟ مجرد وجودهم كبشر .حتى مهاجرين.ولنفرض أن قطر وتركيا طردتاهم ،فهل يبقى لهم غير اللجوء إلى إيران أو إلى داعش ،ما يعني تضخيم صف من يصفونهم بالإرهاب الذي يكون اضطرارا لا اختيارا؟ما يحيرني حقا هو اعتبار هذا الحق سياسة ودهاء نابعين عن ذكاء ،وهي عين الغباء: فمن يضطر للانضمام إلى داعش وإيران للبقاء ،يكون سلوكه مبررا خلقيا.فإذا أنت منعت التداول السلمي على الحكم ،وأردت تأبيد وجودك فيه بالعنف ،هل يوجد فرق بينك وبينه ،حتى لو صح زعمك أنه عنيف؟ كلاكما عنيف وإرهابي. كيف تصف معارضك بالإرهاب إذا أنت بقيت في الحكم بالإرهاب؟ 41
ألست بذلك تفقد الدولة حق العنف الشرعي ،فتصبح الدولة إرهابية لخدمة استبدادك وفسادك؟هل ثبت مثلا أن الإخوان في مصر كانوا يستعدون لمنع حق الأحزاب الأخرى من المنافسة على الحكم في الانتخابات ،فيعتبروا مستحوذين على الحكم بالعنف؟هل من كان يريد الانقلاب في تونس ،وقدّر أن التضحية بـعشرين ألف تونسي من أجل الإطاحة بالترويكا ،متحضر وليس داعشيا بما كان سيترتب على استئصاليته؟أعود إلى مثال الحلف الصريح بين دبلوماسية إحدى المحميات العربية ومؤامراتها على الثورة .أليست دليلا على الحمق ،فضلا عن العمالة والخوف منها؟هل المسيحية الصهيونية الأمريكية ولوبياتها تريد الخير ،حتى لأهل هذه المحمية التي تريد القضاء على اللاجئين من استئصال إسرائيل والسيسي؟وهل اللاجئون إذا فرض عليهم الخيار بين استعباد الاستئصاليين والحل الوحيد الذي أبقوه لهم ،يمكن أن يلاموا إذا عاملوا مستأصليهم بنفس المنطق؟أليس إرهاب الاستئصاليين أشد من ارهاب داعش ،الذي سيصبح حينها وكأنه هو بدوره من جنس ما سيلجئون إليه من أرادوا ممارسة سياسية سلمية فاستؤصلوا؟بعبارة أوجز ،منطق الاستئصاليين إرهاب الفعل الذي يترتب عليه ارهاب رد الفعل بمنطق فيزيائي خالص :كل فعل يقابله رد فعل مثله وفي اتجاه مقابل.في مجتمع ديموقراطي يفتح حق التنافس السلمي على الحكم ،يمكن الكلام على ارهابمن يستعمل العنف للوصول إلى الحكم أو للبقاء فيه رغم إرادة الشعب .أما المجتمع الذييقاد بمنطق الدكتاتورية العسكرية أو القبلية ،ويعتبر الحكم حكرا عليهما ،فيقطف أي رأس يعتبرها قد تنافسه ،فكلا الصفين إرهابي.ذلك أنه لا توجد دولة ولا حكم شرعي ،بل مافية ،تستعبد الشعب وتستخدم أجهزة ما تسميه دولة لإشباع استبدادها وفسادها ،وخدمة حاميها لأن البلاد محمية.وعندي أن المتآمرين على الثورة والاستئصاليين ،ليسوا أعداء الثورة وحدها ،بل هم قبل كل شيء أعداء شعوبهم ،بل وأنفسهم ،إذ أن الدائرة آتية لا ريب. 42
وما قلناه عن الاستئصال في جماعة بعينها ،يقال عنه في المعمورة :فثورات تحرير الشعوب من الاستعمار وصفت كلها بالإرهاب ،رغم أنها مجرد رد فعل عليه.والمثال الجامع في فضيحة دبلوماسية الاستئصاليين العرب هو وصف حماس :الخونة يعتبرونها إرهابية لاخوانيتها ،وإسرائيل وحماتها لأنها حركة تحرير.فثورتنا جعلتنا جميعا في وضعية حماس :موقف الاستئصالين من الخونة بتمويل ممن بت أشك في عروبتهم ،هو عينه موقف اسرائيل من سعينا للتحرر والتحرير.ولهذه العلة ،فإن دبلوماسية الاستئصاليين الخونة لم تكتف باستهداف حماس والثورة، فضمت إليهما الملجأ الأخير لمن نجا من هولوكوست إسرائيل والسيسي.الحرب على قطر وتركيا ،ومحاولة قلب النظامين ،سببه الوحيد أنهما بحكمة منقطعة النظير ،تحاولان الحد من رد الفعل بمخرج يشبه السوباب في محرك البخار.فلو لا قدر الله منع اللاجئون من إجرام إسرائيل والسيسي وبشار وحفتر إلخ ..فسيعم الوضع السوري ،وسيحاسب الاستئصاليون حينها بنفس المنطق.عندئذ ،سيكون الاستئصاليون بعلم أو بجهل ،هم دعاة الانتساب إلى داعش وإلى منطق إيران وإسرائيل في تخريب بلاد العرب بأيدي حكامها ومعارضيهم.لست أشك في أن هذا السلوك هو عينه ما به قضت استراتيجية أمريكا على هنودهاالحمر :فهم يشاركون قبائل العرب الذين يتآمرون على أمتهم لغبائهم .وأذكر عادة بدويةفاسدة في الريف التونسي :كان المزارعون يتزوجون بثانية فثالثة فرابعة كلما كانت صابةالزراعة وافية .كذلك يفعل اصحاب البترول .لكن الزواج هنا هو مع اللوبيات الصهيونيةالتي تسعى لاسترداد إمبراطورية داوود بمال العرب وغباء الاستئصاليين ورادي الفعل عليهم بمنطقهم.وهكذا ،فإنه يمكننا القول إن الاستئصال هو الصيغة العلمانية للتكفير :يريدان محو الخصم من الوجود ،وكلاهما يفعل بعقيدة محرفة دينية وعلمانية.ولما كان الاستئصال لمنع التنافس السلمي على الحكم هو الأصل ،فإنه مصدر التكفيرين: ذلك أن لجوء الضعيف إلى الدين ،ليس له منه بديل رغم أنه يحرفه. 43
وهذه العلاقة بين الاستئصال والتكفير ذات مستويين:وبهذين التحريفين ،تقع ثورتنا في مأزق يعسر الخروج منه :فاستئصال الحكام ونخبهم العميلة ،والرد عليه بما يجانسه ،حلقة مفرغة يصعب قطعها سلميا.وذلك هو الوضع الذي اعتبرته حربا أهلية ،لا تبقي ولا تذر .ليس لهذه العلة وحدها، بل لأن الأعداء ،ذراعيهم وحماتهم وعملاؤهم ،دائمو التغذية لأطرافها. 44
02 01 01 02تصميم الأسماء والبيان – المدير التنفيذي :محمد مراس المرزوقي
Search
Read the Text Version
- 1 - 10
Pages: