Important Announcement
PubHTML5 Scheduled Server Maintenance on (GMT) Sunday, June 26th, 2:00 am - 8:00 am.
PubHTML5 site will be inoperative during the times indicated!

Home Explore التراث معرفته وتحديد دوره التاريخي - الفصل الثالث - ابو يعرب المرزوقي

التراث معرفته وتحديد دوره التاريخي - الفصل الثالث - ابو يعرب المرزوقي

Published by أبو يعرب المرزوقي, 2017-06-06 06:30:47

Description: ختمت الفصل الثاني بالإشارة إلى "سذاجة الفكر السني" والقصد بها أمران:
- هي مدح وليست ذما، لأنها تعني سلامة القصد بالقياس إلى أصحاب الفتنتين.
- لكن فيها شيء من الذم، لأن سلامة الطوية لا تكفي في التعامل مع أعداء الحقيقة، خاصة إذا كانوا ميالين للحرب الدائمة، إذ فيها إهمال الأنفال 60. فأصحاب الفتنتين يحاربون الإسلام

Search

Read the Text Version

‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫الأسماء والبيان‬





‫ختمت الفصل الثاني بالإشارة إلى \"سذاجة الفكر السني\" والقصد بها أمران‪:‬‬ ‫‪ -‬هي مدح وليست ذما‪ ،‬لأنها تعني سلامة القصد بالقياس إلى أصحاب الفتنتين‪.‬‬‫‪ -‬لكن فيها شيء من الذم‪ ،‬لأن سلامة الطوية لا تكفي في التعامل مع أعداء الحقيقة‪،‬‬‫خاصة إذا كانوا ميالين للحرب الدائمة‪ ،‬إذ فيها إهمال الأنفال ‪ .60‬فأصحاب الفتنتين‬ ‫يحاربون الإسلام‪:‬‬ ‫وكلاهما يحالف كل أعدائه منذ نزول القرآن‪.‬‬‫وما أصفه بالسذاجة السنية‪ ،‬هو فقدان التجهيز النظري والعملي للحرب التي اجتمع‬ ‫فيها على الإسلام‪ ،‬مغول الشرق والغرب‪ ،‬وأصحاب الفتنتين لضرب روح الأمة‪.‬‬‫صحيح أن الغزالي (فضائح الباطنية) وابن تيمية (منهاج السنة) وابن خلدون‬‫(المقدمة) قد شرعوا في تحرير التراث الإسلامي نظريا‪ ،‬من آثار الفتنة الكبرى‪ ،‬لكن‬‫تحريره ذاك لم يؤت أكله بسبب فساد النظامين التربوي والسياسي‪ ،‬الفساد الذي أفسد‬ ‫معاني الإنسانية فجعل الأمة ‪-‬السنة‪ -‬تصبح عزلاء علميا وعمليا‪.‬‬‫وإذن فسأخصص قسم البحث الأول لدرس التراث الإسلامي‪ ،‬المستهدف لتشويهه‪ ،‬وخاصة‬ ‫في التاريخ الحديث سواء كانت له أو عليه‪ ،‬لبيان ضررها النظري والعملي‪.‬‬‫يليه قسم ثان يغوص في أعماق العلوم الزائفة التي أدت إلى العقم النظري والعملي في‬ ‫فكر الأمة‪ ،‬لفساد نظام التربية والحكم في وضع حالة الطوارئ‪.‬‬ ‫‪41‬‬

‫وقد عرفت حالة الطوارئ التي مرت على الأمة طيلة أربعة عشر قرنا‪ ،‬بكونها تعويض‬ ‫التربية والحكم بالدستور القرآني بمنطق التغلب‪ :‬محظورا اباحته الضرورة‪.‬‬‫وهذا الحل الذي شرع به الفقهاء حكم المتغلب‪ ،‬وتربيته بعد الفتنة الكبرى أصبح اليوم‬ ‫الحجة الأساسية لفرض الفتنة الصغرى‪ :‬وصاية النخبة المتغربة‪.‬‬‫وهو ما يعني أن التراث الإسلامي شوهه نوعان من الفقه يقول بالضرورة التي تبيح‬ ‫المحظور‪ :‬إضفاء الشرعية على التغلب لمنع الفوضى أو لفرض التقدم‪.‬‬‫والأول ذو مصدر ديني محرف‪ ،‬فألغى الشورى والبيعة الحرة‪ .‬والثاني ذو مصدر وضعي‬ ‫محرف‪ ،‬ألغى مفهوم الديموقراطية والتصويت الحر‪ :‬القضاء على الحريتين‪.‬‬‫وصحب الحكم المستبد والفاسد‪ ،‬تربية من جنسه‪ ،‬وكلاهما يؤدي في النظرية الخلدونية‬‫إلى فساد معاني الإنسانية وصيرورة الفرد والجماعة عالة عزلاء‪ .‬فسيطرت ثقافة‬‫الاستسلام والخمود وعدم القدرة على الإبداع في التواصلين وفي التبادلين‪ ،‬فصار الاستعمار‬ ‫في الأرض بدائيا‪ ،‬والاستخلاف فيها مستحيلا‪.‬‬ ‫ذلك هو الانحطاط بشكليه‪:‬‬‫‪ -1‬ذاتي‪ ،‬ونتيجته أننا أصبحنا مستعمرين من المنافس في الإقليم اي الحضارة‬ ‫الغربية‪.‬‬ ‫‪ -2‬موروث عن الاستعمار‪ ،‬وهو يعمل نتيجة الأول‪.‬‬‫والمتكلمون في التراث له أو عليه‪ ،‬يعمقون هذين الانحطاطين إذ يحيونهما‪ :‬فمن له‬ ‫يواصل الانحطاط الذاتي‪ ،‬ومن عليه الانحطاط الاستعماري المستورد‪.‬‬‫واختصارا للنوعين‪ ،‬سميت الأول بكاريكاتور التأصيل‪ ،‬والثاني بكاريكاتور التحديث‪.‬‬ ‫وما يفعله هذا بالتراثين‪ ،‬لا يقل بشاعة عما بفعله بهما ذاك‪ :‬تشويه تام‪.‬‬‫والتشويهان مؤثران في حقبتنا الحالية‪ ،‬لأنهما يشوهان حديث أحداث الماضي الذاتي‬ ‫والغربي‪ ،‬فيسدان أفقيهما‪ ،‬وبأحداث حديث المستقبل‪ ،‬فيسدان آفقيه‪.‬‬‫وسد أفقي الماضي يجعلان ما يمثله الكاريكاتورين ليس مجرد اجتهاد تأويلي‪ ،‬بل هو‬‫يصبح سلوكات عدوانية هدفها فرض رؤيتين دائمتي العداء على التاريخ‪ ،‬فتكون النتيجة‬ ‫‪42‬‬

‫ايديولوجيتين عنيفتين‪ ،‬تتحولان إلى سلوك تخريبي وإرهابي متبادل بين الكاريكاتورين‪،‬‬ ‫وضحيته في الحالتين‪ ،‬تراث حضارة الإسلام وروحها‪.‬‬‫فسد آفاق الماضيين الذاتي والغربي‪ ،‬يجمدهما فيقتل فاعلية التراث التي هي ليست شيئا‬ ‫آخر غير انفتاحه إلى التأويل الدائم‪ ،‬محركا للفاعلية الإبداعية‪.‬‬‫وسد أفقي المستقبل‪ ،‬يحولان دون صيرورة الحديث مسارا لصنع الأحداث‪ ،‬بل يتحول‬ ‫إلى حرب لا متناهية من الثرثرة التأويلية‪ ،‬لا تنتقل من القول إلى الفعل‪.‬‬‫وبذلك يجمد حديث الماضي فيفقد حدثه وحيه الإبداعي‪ ،‬ويسيل حدث المستقبل فيفقد‬ ‫شروط تحققه المبدع‪ ،‬فيصبح وجود الجماعة مقصورا على نوعين من التقليد‪.‬‬‫إنهما الكاريكاتوران‪ :‬سد آفاق الماضي هو الانحطاط الذاتي‪ ،‬أو وثنية تقليد ماضينا‪،‬‬‫وسد أفق المستقبل هو الانحطاط المستورد‪ ،‬أو وثنية تقليد حاضر الغرب‪ .‬وكلا‬‫الكاريكاتورين يقوم بالسدين التوثينين‪ :‬ذلك أن كاريكاتور التأصيل يوثن الذات ويشيطن‬ ‫الغرب‪ ،‬وكاريكاتور التحديث يجمد الغرب ويشيطن الذات‪.‬‬‫فيغيب فهم التراثين وما بينهما من تخاصب عرفه التاريخ الإنساني‪ ،‬لأن ما به تقوم‬ ‫الحضارات واحد فيها جميعا رغم اختلاف الأساليب وعرضيات التعين‬‫وعنوان مقدمة ابن خلدون دليل كاف على فهمه الامر جيد الفهم‪ :‬فموضوعه ليس‬‫العمران والاجتماع الإسلامي‪ ،‬بل العمران البشري والاجتماع الإنساني‪ .‬ورغم التركيز‬‫على دراسة العمران والاجتماع الإسلاميين‪ ،‬فهو يعتبرهما عينتين من العمران والاجتماع‬ ‫عامة‪ ،‬ويذكر أحيانا أمثلة من الحضارات الأخرى‪.‬‬‫ومن أهم أفكاره‪ ،‬رؤيته أن التراث الإنساني واحد تتوارثه الأمم المتوالية وتتبادله‬ ‫الأمم المتساوقة‪ ،‬وأن الحضارة أساسيات عمرانها واجتماعها كونية‪.‬‬‫لذلك فما سأقدمه في درس التراث بعد استعراض أمثلة من الكاريكاتورين‪ ،‬سيكون في آن‬ ‫علاجا لما هو كلي في التراث‪ ،‬ولما هو خصوصي‪ ،‬مبينا ثانوية الثاني‪.‬‬‫والمعلوم أن رؤية الإسلام تجاوزت بكثير رؤية أرقى الفلسفات في الأنثروبولوجيا‬ ‫الفلسفية‪ :‬أعني نظرية الإنسان من حيث هو ما فيه من واحد وكونية‪.‬‬ ‫‪43‬‬

‫وهو ما يفهمنا أن الفارابي في تصنيف الجماعات‪ ،‬تجاوز أرسطو الذي كان يحصرها في‬‫ثلاث‪ ،‬فجعلها أربعا مضيفا إلى الأسرة والقرية والمدينة المعمورة‪ .‬فأصبحت الفلسفة العملية‬‫قائلة بمفهوم \"العولمة التراثية\"‪ ،‬أي قائلة بأن ثمرة النظر والعمل الإنسانيين‪ ،‬تراث إنساني‬ ‫كوني‪ :‬انثروبولوجيا كونية‪.‬‬‫وهذا الموقف يلغي التنافي بين الحضارات رغم تعددها واختلاف أساليبها‪ :‬وأساس ذلك‬ ‫كله هو وصول الدين الخاتم إلى القول بوحدة الديني في الأديان‪.‬‬‫والفلسفة أتبعت هذا الموقف القرآني‪ ،‬فأصبحت قائلة بوحدة الفلسفي في الفلسفات‪.‬‬ ‫والديني في الأديان والفلسفي في الفلسفات‪ ،‬هو وحدة التراث الإنساني‪.‬‬‫وعلى هذا الأساس‪ ،‬يمكن أن يدرس التراث كما تدرس الطبيعة‪ :‬كلاهما ظاهرة كونية‬ ‫ذات قوانين كونية‪ .‬فتعدد تمظهرات الطبيعة‪ ،‬لا ينافي وحدة قوانينها‪.‬‬‫نفس الأمر في درس التراث‪ .‬فالأنثروبولوجيا الثقافية التي تدرس تعدد الأساليب‬ ‫الثقافية‪ ،‬تصبح علما إذا وصلت إلى وحدتها الخفية نظير وحدة الطبيعة‪.‬‬‫هذا هو خياري الابستيمولوجي‪ .‬فالتراث هو الشرائع‪ ،‬أي ما أضافه الإنسان إلى الطبائع‬ ‫ثمرة للإبداع النظري والعملي المتعينين في المعالم والسلوك‪.‬‬‫والاقتصار على ذكر \"النظر والعمل\" لا يعني استثناء بقية الأنظمة من الخمسة التي‬ ‫رددت إليها قدرات الإنسان مبدعا بالنظر والعمل في آن‪ ،‬بل هو يتضمنها‪.‬‬‫فالإرادة(السياسة)والمعرفة(العلم) والقدرة(الاقتصاد)والحياة (الفنون) والوجود‬ ‫(الرؤى الفلسفية والدينية) تبدع بالنظر في الرموز وبالعمل في المواد‪.‬‬‫لذا لخصت الأنشطة السياسية والعلمية والاقتصادية والذوقية والفلسفية والدينية‬ ‫بردها إلى نوعي الإبداع الإنساني الرمزي (النظر) والمادي (العمل)‪.‬‬ ‫‪44‬‬



‫‪02 01‬‬ ‫‪01‬‬ ‫‪02‬‬‫تصميم الأسماء والبيان – المدير التنفيذي‪ :‬محمد مراس المرزوقي‬


Like this book? You can publish your book online for free in a few minutes!
Create your own flipbook