أبو يعرب المرزوقيإشارات القرآن ما أمر به وما نهى عنه لفهمها الأسماء والبيان
المحتويات 1 -الفصل الأول 1 - -الفصل الثاني 7 - -الفصل الثالث 13 - -الفصل الرابع 19 - -الفصل الخامس 25 -
--قد أفهم أن يغضب البعض من قولي إن القرآن قد فهم على أنه \"صندوق آلات\" يأخذ منهكل علم من علوم الملة عتاده ليعمل به عمله المفسر أصلا ،ثم الفقيه والمتصوف عمليا،والمتكلم والفيلسوف نظريا ،فيصبح الفكر شبه مقصور على ما يسمونه فقه الواقع بالإدراك المباشر في ضوء علم اللسان العربي لفهم القرآن.خاصة وقد أكون أيدتهم في غضبهم من كلامي هذا عندما قلت إن القرآن يعرف نفسهبكونه رسالة خاتمة ولا يمكن أن يكون فيها ما لا يمكن أن يكون قابلا للفهم من المرسل إليه،وإلا لفقدت الرسالة معنى دلالتها وركزت خاصة على نفس الاعجاز العلمي سواء في الشاهد أو خاصة في الغيب. فبدا كلامي: .1متناقضا أولا -الرسالة مفهومة لكن لا تفهم مباشرة والرسالة لا تفهم مباشرة ولكن خالية من الإعجاز العلمي .2ولم يبق شيئا يستفاد به من القرآن إذا كان فهمه المباشر غير صالح وليس فيه ما ليس معجزا فيتطلب الفهم غير المباشر .هل يكون القرآن لا يصلح لا للعامة ولا للخاصة؟هذا هو الإشكال الذي أريد علاجه ،ليس لأن التهمتين يمكن أن تخيفاني لأن أي إنسانيفكر قليلا يدرك أنهما دالان عن سوء فهم لمعنى خلو القرآن من الإعجاز العلمي ولمعنى أنمضمونه لا يدرك مباشرة ،رغم كونه رسالة للإنسان من حيث هو إنسان .والجواب عن التهمتين موجود في القرآن نفسه. فوصفه نفسه بكونه رسالة تذكير يعني أنه يوقظ الناسين.ولا يمكن إذن أن يفهم منه مباشرة إلا ما يحقق ايقاظ الناسين للأمور التي تتعلق بها الرسالة: .1من المرسل إليه .2من المرسلأبو يعرب المرزوقي 1 الأسماء والبيان
-- .3ما طبيعة العلاقة بين 1و2 .4ثم من دور الرسول المبلغ .5ما الذي ينتج عن الإيقاظ لتحقيق شروط العلاقة بين 1و.2لذلك فما أنفيه من التلقي المباشر ليس ما يجعل الرسالة تتلقى وتفهم من حيث وظيفتهاالتذكيرية ،بل ما يراد استمداده منها لعلاج العلاقة بين المرسل والمرسل إليه التي كلف بهاالإنسان عند توجيه نظره إلى هذه العلاقة وشروط حصولها في العالمين الدنيوي والأخروي والعلاقة بين نوعي شروط العالمين.وما أنفيه من الأعجاز العلمي هو ما يتعلق بأعيان هذه الشروط وليس بالرؤية التي توجه إليها النظر والتي هي إشارة إليها وليست بديلا منها.ولذلك شبهت توجيه الرؤية بالسبابة التي توجه بصر الإنسان دون أن يكون ما توجه إليه البصر موجودا في السبابة. فهي إذن فتح أفق للرؤية وليست المرئي فيه. بعبارة أوضح:لا يمكن أن يفسر القرآن مباشرة ،ولا أن يستمد منه الفقه والتصوف عمليا ،والكلاموالفلسفة نظريا مباشرة إذا ،بل هو يوجه النظر والفكر إلى حيث ينبغي النظر لكي يحصلذلك دون أن يكون المطلوب واردا فيها ،يكفي فهم العربية لاستخراجه منه لكأنه يكفي الحواس لاكتشاف قوانين الطبيعة مثلا.فكان ينبغي أن أجد في القرآن نفسه تحديدا لشروط فهمه وكيفية استعماله من حيث هوسبابة تشير وتذكر ولا تعوض جهد الإنسان في علاج ما تقتضيه مهمته في الوجود التي بهاتقدر أهليته للمنزلة الوجودية التي يذكره القرآن بها والتي هي عين كيانه ومقومات ذاته فعلا وانفعالا. ومعنى ذلك وبعبارة بسيطة:أبو يعرب المرزوقي 2 الأسماء والبيان
--القرآن :مثل الدواء يصحبه وصف لطريقة استعماله ولما يحصل لمن يتخلص من النسيان،لينتقل من الحواس (البصر والسمع والشم والذوق واللمس) إلى الحوادس ،التي تجعلهيتنقل من الإدراك المباشر إلى الإدراك غير المباشر ،حتى ينتقل من النظر الى السبابة إلى ما تشير إليه.فلأذكر في هذا الفصل الاول بهذين الأمرين اللذين خصصت لهما عدة محاولات سابقة:بينت أن القرآن أمر بأن نتبين حقيقته في فصلت 53ليس من شرح كلماته ،بل من النظرإلى الآيات التي يرينها الله في الآفاق والانفس .وذلك يعني أن القرآن يوجهنا للبحث عن آيات الله في العالمين الطبيعي والتاريخي.والدليل بين لأنه في كل استدلالاته لا يشرح آياته ،بل يستدل إما بالنظام الطبيعي أوبالنظام التاريخي ،وهو الكتاب الديني الوحيد الذي لا يستدل بالمعجزات حتى وإن كان لايجادل في صحة معجزات الانبياء السابقين لأن ذلك لا فائدة فيه ولأن من مبادئ الإسلام قبول الأديان الأخرى كأمر واقع.وإذا كان ذلك لا يكفي دليلا على ما أقول ،فلننظر سيرة الرسول نفسها التي هي تطبيق اجتهادي من الرسول لمعاني القرآن:فهو كان في كل حياته وفي تعاملاته مع الغير وعلاقات دولته السلمية والحربية وفي التجارة لا يستعمل معجزات أو يدعي الكرامات بل كان يعمل بسنن المجال ويستشير الخبراء.وهذا هو الوجه الموجب من الأمر الأول ،أعني ما يشير إليه القرآن ممرا واجبا لتبين حقيقته ،أو لما أسميه الوصول غير المباشر لما يمكن أن يبنى على الرؤية القرآنية.فهو لم يقل هي ذي آيات الله في الآفاق والانفس ليغنينا عن البحث فيها ،بل اقتصر على تعريف مجالها-الآفاق والأنفس-وعلينا طلبها.ولما نصل ذلك بما يتعلق بها في كلامه على الخلق والامر نجده يعتبر الخلق خاضعا للقوانينالرياضية الثابتة أي القابلة للتقدير المحدد ،والأمر خاضع للسنن السياسية الخلقية التيأبو يعرب المرزوقي 3 الأسماء والبيان
--لا تتبدل .فتكون آيات الله في الآفاق من طبيعة رياضية تحصل بالملاحظة والتجربة والافتراض العلمي للقوانين الرياضية.وما يعني أن السلوك المأمور به معاكس تماما لخرافات الإعجاز العلمي :لا نبحث عنالقوانين في آيات القرآن النصية بل نبحث عن القوانين في الطبيعة ،لأن ما في آيات القرآن النصية إشارات ورؤية وليس قوانين. فلا يوجد قانون يقال بكلام عام بل هو دائما محدد كما وكيفا في علاقات محددة.وعندما نكتشف قوانين بالبحث العلمي الإنساني ،نكتشف أنها تؤكد الطبيعة الرياضيةلقوانين الطبيعة عامة فنتبين حقيقة القرآن التي يعلمنا بها وهي أن النظام الطبيعي ثابتوأن له قوانين رياضية عامة وأن اكتشافها يكون بالملاحظة والتجربة والافتراض الإنساني المتغير دائما يصيب ويخطئ في التعيين.فيكون البحث العلمي مصدقا لما في القرآن من مبادئ عامة لبنية المخلوقات دون أن تكونفيه قوانين علمية لا يمكن اكتشافها إلا بالبحث العلمي الفعلي ،وهي متغيره لأن اكتشافهاهو عين تاريخ العلم المتطور بتجاوز نفسه ،وهو إذن تاريخي الجوهر وبهذا المعنى يبقى القرآن متعاليا على المكان والزمان.أما السنن التاريخية ،التي هي سياسية خلقية بمعنى أنها تتعلق بكفاءة العمل على علموبقيمه ،فالقرآن يحدد طبيعتها ويصلها مباشرة بمقومات كيان الإنسان ،التي هي الإرادةالتي هي حرة إن ذكرت ومضطرة إن نسيت ،وبالعلم الذي هو حق إن صدق وباطل إن كذبوبالقدرة ،التي هي خير إن حسنت ،وشر إن ساءت ،وبالحياة الذوقية التي هي جميلة إنجملت وقبيحة أن قبحت ،وأخيرا بالوجود أو الرؤية الوجودية التي هي مؤمنة بالنظامالطبيعي والنظام الخلقي وهي رؤية القرآن ،أو بالخرافات التي تجعل الإنسان غير جدير بأن يكون \"رئيسا بالطبع بمقتضى الاستخلاف الذي خلق له \"(ابن خلدون).وهذه معان يعتبرها القرآن سننا لا تتحول ولا تتغير بمعنى أن الإنسان في تاريخه يحددمصيره بهذه الخيارات وبدرجاتها وغلبة موجبها على سالبها ،لأن حصيلة الافعال الإنسانيةأبو يعرب المرزوقي 4 الأسماء والبيان
--في الدنيا شبيهة بحصيلتها في الآخرة أي إنها ميزانية الأعمال مقارنة بين الموجب والسالب والحصيلة هي النسبة بينهما. تلك هي شروط القرآن الموجبة لفهم رؤيته:لا يتفهم رؤيته من شرح كلماته المشيرة إشارة السبابة ،بل مما تشير إليه أي من الآفاق والأنفس كما بينا.والآن نجد مع الامر هذا بوجهيه النهي بوجهيه لأن الإشارات القرآنية موجبة وسالبة. فيكون النظير السلبي لفصلت 53آل عمران .7ما ينبغي تجنبه. والعلة بينة.فالقرآن يضع مبدأ التمييز بين عالم الشهادة وعالم الغيب .وإشاراته إلى عالم الشهادةحددت المرجعية التي يحتكم إليها الإنسان لمعرفة المشار إليه وهو ما بينا في التذكير بالأمر حول طريقة تبين حقيقة القرآن. لكن عالم الغيب لا نملك عنه أدنى مرجعية لمعرفة المشار إليه بالمتشابه.وطبيعي أن يكون ذلك كذلك ،أي أن ننهى على الكلام في المتشابه أو في ما يشير إلى الغيبلأن تأويلاتنا إن أقدمنا عليها لا يوجد ما يمكن العودة إليه لحسم الخلافات ،إذ لاوجودلمرجعية دلالية يحتكم إليها لحسم الاختلاف في الفهم فلا يبقى إلى ما أشارت إليها الآية: الفتن والاقتتال بين المؤولين.ولسنا فاقدين للمرجعيات الدلالية فحسب بمعنى أن الكلام في الغيب من جنس الأعمالالتي ليس لها إحالة على وجود خارجي موضوعي يمكن علمه من خارج النص ،بل نحن أيضافاقدون لما يمكن أن يعوضه كالحال في الأديان التي لها سلطة روحية كنسية تعوض المرجعية الموضوعية هي المرجعية الذاتية.ففي الأديان التي فيها سلطة روحية أو مرجعية روحية وسيطة بين الله والمؤمن ،يمكنللمؤمنين أن يحسموا خلافهم بالسماع إلى مرجعياتهم فيقل الخلاف ويبقى بين المرجعياتأبو يعرب المرزوقي 5 الأسماء والبيان
--فحسب ،والمرجعيات في الغالب تتواطئ حتى لا تضعف سلطانها الروحي فيحصل نوع من التأويل الرسمي الذي يقلل الخلافات. ومع ذلك فالانشقاقات في الكنائس وبين المرجعيات بهذا المعنى ليس بالقليل.والذي حصل عدنا أن تعددها أكثر بسبب كون كل متكلم يصبح مرجعية ،وكل مدرسةكلامية تصبح لها صيغ عقدية تكفر ما عدها من المدارس .وهذا هو بالضبط ما قصدته آل عمران :7زيغ القلوب وابتغاء الفتن بين المؤولين.هذا في ما يتعلق بالخلق وما بعده أي بما أمر به القرآن لفهم ما يقوله في المخلوقات-عالم الشهادة -وما ورائه عالم الخالق نفسه وأسرار الخلق العائدة إليه.القرآن اشار أمرا بضرورة البحث في الآفاق ونهى عن البحث في ما ورائها .وعلماء الأمة عكسوا الامر والنهي فصار الامر نهيا والنهي أمرا.أبو يعرب المرزوقي 6 الأسماء والبيان
--شرحنا آيات الله في الآفاق أو في الخلق الذي أشار القرآن إلى أنه من طبيعة رياضية، تعلم بالملاحظة والتجربة ،دون أن يتضمن القرآن هذه القوانين بأعيانها. فما إشارة القرآن إلى الأمر؟ \"ما في أنفسهم\" لها دلالتان: ما في الذوات عامة طبيعيها وغير طبيعيها ،أي كيانا الإنسان البدني والروحي.ولا يوجد خلاف حول كون الكيان البدني للإنسان أو العضوي خاضع لقوانين الخلق والطبيعة. الإشكال في الكيان الروحي هل هو من جنسه وتابع له؟ أم إن له طبيعة ثانية؟المقابلة بين الخلق والامر تجعله مختلفا .فالإنسان طبعا مخلوق ويخضع للضرورة الطبيعية، لكنه مأمور كذلك وهو مجال الحرية. وهذا هو مناط الإشكال الديني والخلقي. وهو إشكال فلسفي كذلك.ويحاول البعض فصل الخلقي عن الديني لتوهم الإشكال الخلقي وحتى يكون فلسفيا لا بد أن يقطع مع الدين.وهو تناقض لأنك إذا اخرجت الدين من الإشكالية أبقيت الطبيعة ،والطبيعة لا تستثني الإنسان من قانونها أو الضرورة الكلية.استثناء شيء ما من الإنسان من حكم الضرورة الطبيعية مهما تحايلنا ،يبقى نظرة دينية تعتبر الطبيعة نفسها خاضعة لما يتعالى عليها وفي ذلك تقديم للحرية على الضرورة.وحتى الفلسفة القديمة ،وخاصة أكبر رؤيتيها الأفلاطونية والأرسطية ،كلتاهما اضطرتا لمثل هذه الرؤية الدينية. ولعل أهم نص صريح في ذلك المقالة العاشرة من شرائع أفلاطون:أبو يعرب المرزوقي 7 الأسماء والبيان
--فهو يضع النوس فوق الطبيعة لأن الطبيعة من دونها ليس فيها خيار بين خير وشر ،ولامفاضلة في مجريات الطبيعة ما له غاية تغلو عليه وما ليس له غاية ،فلا يبقى فيها إلا قانون صراع القوى ولا يحد بين قوتين إلا نسبة القوة بينهما.وهذا أساس مقابلته بين كاليكلاس وسقراط في فهم النظام السياسي الخاضع للقانونالطبيعي والنظام السياسي الخاضع للقانون الخلقي .وأفلأطون يعمم ذلك حتى على النظامالطبيعي الذي هو خلقي بالصورة الرياضية ،وما يشد عن الخلقي فيه راجع إلى ما في المادة من شر دون تصوير غائي أو عقلي (النوس).وحل أرسطو أوضح وأكثر صراحة بأن الغاية ،حتى في الطبيعة ،متقدمة على الضرورة.ولذلك فهو يعتبر القوانين الطبيعية خاضعة لمبدأ \"الضرورة الشرطية\" بمعنى أنها \"صناعة\"أدواتها ضرورية ،لكنها تعمل بمقتضى ما تقتضيه الغاية .وفي مثال البايولوجيا ،الوظيفة هي التي تحدد خاصيات العضو وليس العكس.ولذلك فهو أول من اعتبر التطور في العضويات ناتج عن \"شبه\" تجريب بايولوجي لحلولعضوية متطورة من أجل تحقيق نفس الوظيفة بحسب شروط عيش الكائنات الحية وتكيفها معها.وهو بهذا المعنى الاب الحقيقي لنظرية التطور في البايولوجيا ولم يقل بثبات الأنواع من حيث الأعضاء ،بل من حيث الوظائف فحسب.وما لم يبرهن التطوريون الجدد أن المكتسب الوظيفي يمكن أن يصبح موروثا ،لا يمكنتجاوز أرسطو الذي لا ينفي أن يكون المكتسب العضوي موروثا ،إذ يمكن بيان العلاقة بينالجنين والبويضة والحيوان المنوي من اتصال كمي قابل للإثبات مع عدم تمكننا من إثبات ما بين الوظائف من تواصل كيفي. فهل للذكاء مثلا علاقة له بحجم البدن الإنساني؟أبو يعرب المرزوقي 8 الأسماء والبيان
--ويمكن ملاحظة علاقة حجم بدن الأبوين في علاقة بحجم بدن الأبناء لكن يعسر أن نثبتعلاقة بين \"ذكاء\" الابوين \"وذكاء\" الابناء .فإذا كان اليابانيون الحاليون أطول قامة من اليابانيين القدامى لتحسن الغذاء ،فهل هذا يعني أنهم أذكى مثلا؟ففي كل اختصاص يمكن ان نقول إن ما لدى أي متعلم في الثانوية من معلومات أكثر مماكان لدى أفلاطون مثلا .لكن كم المعلومات لا يجعله أقدر من أفلاطون على فهم إشكالياتالفلسفة والرؤية الرياضية للوجود الطبيعي والسياسية والخلقية للوجود التاريخي .وهذا هو المعنى الثاني من \"وفي أنفسهم\".وهذا الـ\"وفي أنفسهم\" هو ما يتعلق به الامر .وهو في القرآن متعلق بالسنن التي لا تتبدل ولا تتحول .وهي سياسية وخلقية وليس طبيعية.ولما كانت سياسية وخلقية وليست طبيعية فهي سنن ما يصحل بمقتضى قانون الحرية وليس بمقتضى قانون الضرورة :المأمور هو المكلف المسؤول.وهذا النوع من سنن العالم التاريخي من الشاهد يخضع سنن سياسية خلقية تحكم الحرية،وهو الأمر في عالم الشهادة بخلاف النوع الأول من قوانين العالم الطبيعي من الشاهد الذييخضع لقوانين رياضية تحكم الضرورة وهو الخلق في عالم الشهادة .وهما المجال الوحيد القابل لعلم إنساني متطور وغير محيط.وكلى العلمين الطبيعي والتاريخي متطوران ولا يمكن للإنسان أن يجدهما إلى في الآفاقوالانفس بالبحث العلمي الحقيقي ،وليس بشرح نصوص القرآن التي توجهه إليها بصورةعامة ولا تحتوي على أي قانون أو سنة محددة يكفيها شرح كلمات القرآن لجعلها قانونا مباشرة أو ليسبق بها اكتشافها العلمي فيهما.تكلمنا إلى حد الآن على إشارات القرآن إلى شروط المعرفة العلمية لعالم الشهادة بنوعيهالطبيعي والتاريخي من حيث الموضوع الذي نريد علمه بالبحث العلمي الفعلي ،وليس بشرحالكلام الوارد في القرآن .ولم ننتقل إلى إشاراته إليها من حيث الذات التي يمكن أنأبو يعرب المرزوقي 9 الأسماء والبيان
--تدركها إذا تخلصت من النسيان .فحددنا ما يقبل العلم وما لا يقبله ،وحددنا الخصائصالعامة للمعلوم ولعدم المعلوم ،وفهمنا معنى الإشارة التي لا تتعلق بقوانين المشار إليه بلبطبيعتها التي من المفروض أن تكون طبيعة المطلوب فيها والتي لا تعلم إلا بطلبها منه بالبحث العلمي الحقيقي الذي هو جزء من مهمة الإنسان معمرا.ومن هنا جاء التمييز بين من يستعمل مداركه ليدرك الآفاق والأنفس ،ومن لا يستعملهافيكون من نوع \"صم بكم عمي فهو لا يعقلون\" .وهذا التمييز بين نوعين من الإدراك مقصورعلى الحواس ومتجاوز لها هو ما يناظر البحث في الآفاق والأنفس بدل الاكتفاء بشرح آيات الله في النص وآياته في الآفاق والانفس.وبهذا المعنى فإني لا أظلم أحدا إذا قلت إن من يطلب تبين حقيقة القرآن من آيات نصهمباشرة وليس من آيات الله في الآفاق وفي الانفس يمكن اعتباره المقصود بعبارة \"صم بكمعمي فهم لا يعقلون\" وخاصة إذا اجتمع مع ذلك عدم احترام آل عمران :.7ترك فصلت 53والانشغال بما نهت عنه آل عمران .7\"الصم والبكم والعمي والذين لا يعقلون\" هم من يطلب تبين حقيقة القرآن منه مباشرةوليس مما طلب من أن نبحث عنها فيه وخاصة إذا تركنا ما أمرنا به وما نهانا عنه في هذا البحث.ولسوء الحظ فذلك هو ما حصل في كل محاولات تأسيس علوم الملة الإسلامية على القراءة المباشرة لآيات القرآن النصية.وتلك هي علة حكمي شديد القسوة على علماء الملة الغائية الخمسة :التفسير أصلا وفروعه أي الفقه ،والتصور عمليا والكلام والفلسفة نظريا.وطبعا لو كان التاريخ لم يثبت أنها كانت نكبة على الأمة لأنها كلها دون استثناء استثنت أمر فصلت 53ولم تنشغل إلا بنهي آل عمران .7فهي لم تكن تهدف إلى علم ما طلب من الإنسان علمه لتحريره من سلطان الطبيعة ومنسلطان التاريخ عليه حتى يكون حرا كريما ،بل هي سعت إلى \"شبه علم\" يسيطر علىأبو يعرب المرزوقي 10 الأسماء والبيان
--الإنسان روحيا بعلم الغيب الزائف في نظر يجعل قوانين الرياضة والطبيعة سندا روحيا لوصاية مادية على الإنسان الذي يجهل سنن السياسة والأخلاق. وبذلك فهي ليست علوما تمكن الإنسان من تحقيق بعدي كيانه ومنزلته الوجودية: .1فهي جردته من شروط تعمير الارض .2وجردته من شروط الاستخلاف فيها. فصار في الأولى عالة على غيره لا ينتج ما به يسد حاجة الرعاية والحماية. وصار في الثانية عبدا لغير الله لأن المحتاج للألى ليس حرا ولا كريما.من يتفطن إلى هذه العلاقات والنتائج التي لا جدال في كونها قد حصلت فعلا ،لا يمكنأن يعتبر حكمي قاسيا ،بل هو مجرد وصف لما حصل .ويفهم من ثم ضرورة هذه المراجعةالجذرية وعلة استثنائي من هذا الحكم القاصي من سميتهم فلاسفة المدرسة النقدية: الغزالي نسبيا وابن تيمية وابن خلدون بصورة أتم.لكن ثلاثتهم ،على أهمية دورهم ورغم استثنائي لهم من حكمي القاسي ،يشتركون في عيب لم أفهم سره إلى الآن :وهو أنهم تخلصوا مما وصفت لكنهم ختموه بالنتيجة العكسية. فثلاثتهم بقي يقول بمنطق سد الذرائع.اعتبروا الفلسفة وعلومها غير ضرورية ،بل ضررها أكثر من نفعها لكأنها مثل الخمر والميسر.فحتى ابن خلدون على قدره ،استنتج من كلامه على آراء الميتافيزيقيين في المابعديات أنالفلسفة والمنشغلين بها مفسدة ،وأن الطبيعيات ليس مهمة ويمكن الاستغناء عنها .وطبعالو كنا معاصرين له ورأينا ما يختلط بالفلسفة وعلومها من بدع باطنية وسحر وتنجيم وسيمياء لفهمناه .لكن سد الذرائع ليس حلا.والنتيجة التي تعنيني من هذه المحاولات ليس تقييم السابقين .ففضلهم لا ينكره إلا جاهل .لولاهم لما بقينا من نحن. هم حافظوا على شروط بقائنا حتى وإن لم يحافظوا على شروط بقائنا أحرارا.أبو يعرب المرزوقي 11 الأسماء والبيان
--ما يعنيني هو أن ما حصل من خطأ ،لم يكن من القرآن ورؤيته ،بل بالعكس ،كان من عدم إدراك أعماقه.أبو يعرب المرزوقي 12 الأسماء والبيان
-- وعدم إدراك أعماق الرؤية القرآن لها علتان:الاولى ذاتية للرؤية نفسها بمعنى أن عسر رؤية الرؤية طبيعي في نفس ثوري حقا فيمجاليه ،أعني في النظر والعقد لعلاج العلاقة بالطبيعة والتبادل (تعمير الارض) ،وفيالعمل والشرع لعلاق العلاقة الأفقية بالتاريخ والتواصل (للاستخلاف) :شرطي تحقيق التكليف. وعدم الغوص في أعماق العلاقة بين الرسالة والتكليف المضاعف:تعمير الأرض والاستخلاف علته عسر فهم العلاقة الجديدة بين التعمير والاستخلاف.فالعلة هي الرؤية الجديدة للعلاقة بين الشهادة والغيب ،أو بين الأولى والآخرة ،أو الفرصة الثانية لتقييم جدارة الإنسان بمنزلته الوجودية في رؤية القرآن.ففي الرؤية القرآنية الإنسان فشل في الامتحان الاول وندم فعفا عنه ربه .واعطاه فرصة ثانية لكنها تختلف عن الفرصة الاولى:في الاولى لم يكن عليه أن يشقى ويكابد ليعيش .كل شيء متوفر لكنه كفر النعمة.فأعطي الفرصة الثانية على أن يحقق بنفسه شروط عيشه تحقيقا يحافظ على منزلة الخليفة.لكن التشكيك في أهليته لهذه المنزلة الوجودية (خليفة) بقي موجودا ،ورمز بقائه هواصرار من رفض السجود :ابليس ،وكان من العدل أن يحسم الامر بعد الامتحان في الفرصةالثانية .هذه هي الحبكة الرمزية لعلاقة الدنيا بالآخرة في الرؤية القرآنية للإنسان أو لما هو طبيعي وما بعد طبيعي في كيانه.ولو كانت الحبكة الرمزية تعتبر منزلة الاستخلاف غير طبيعية عند الإنسان وتقابل بينالطبيعي والروحي (بالمعنى الهيجلي الذي يعتبر الطبيعي مضاد للروحي) لاستحال أن يستخلف الإنسان.أبو يعرب المرزوقي 13 الأسماء والبيان
--الاستخلاف يعني أن الإنسان كما يقول ابن خلدون \"رئيس بالطبع بمقتضى الاستخلاف الذي له\" :الروحي فطري في القرآن.وهذه الفطرية صريحة في آيتي الميثاق أو شهادة أبناء آدم على أ نفسهم (الأعراف )173-172وهي متنافية بإطلاق مع نظرية هيجل التي هي ترجمة فلسفية للرؤيةالمسيحية التي تعتبر الروحي منافيا للطبيعي ،ومن ثم فالإنسان شرير بطبيعته وجسده، وخير بما بعد طبيعته وروحه .الجسد من عالم والروح من عالم ثان.وهذا الموقف عند التعمق فيه ،يعود إلى موقف إبليس الذي احتقر تراب آدم ناره ولمير أن الإنسان يفضل بما جعل التراب أفضل من النار بالمنظور المادي :بمعنى أن منزلةالإنسان ليس روحية فحسب ،بل وكذلك بدنية ،ومن ثم فمنزلة بدن الإنسان مقدس وهو المعبد الاول الذي بناه الله نفسه.ومن يريد أن يفهم موقف هيجل في ترجمته للرؤية المسيحية ،فليقرأ رسائل بولص ومايقوله في الجسد واحتقاره وموقف الكنيسة من الجنس واحتقاره ،وليقارنهما بموقف الإسلاممنهما .والمهم هو أن ما حصل في هذه العلة الأولى ،أن علماء الإسلام حافظوا على رؤية الإسلام في الأقوال ومسحوها في الأفعال.ذلك أن إهمال شروط الاستعمار في الأرض يعني في النهاية إهمال ما به يكون كيانالإنسان العضوي مشبع الحاجات حتى لا يصبح عبدا للطبيعة فيسمو عليها بالسيادة علىسلطانها ،ليصبح بحق متجاوزا للفقر المادي وواعيا بالفقر الوجودي ،أي بالحاجة إلى عبادة أصل كل القيم الله :فيكون خليفة بحق.وبهذا المعنى ،فلكأن الانحطاط مسح الإسلام والنهضة أسلمت المسيحية .فنحن صرنانحتقر الدنيا ولم نعد نعتبرها مطية الآخرة ،وهم صاروا يحتقرون احتقار الدنيا فكادوايصبحون أقرب إلى الإسلام منا لولا أنهم جعلوا الدنيا معبودا وليست مطية .الإسلام يطلب السواد عليها مطية لا الإخلاد إليها قيمة.أبو يعرب المرزوقي 14 الأسماء والبيان
--ولأمر الآن إلى العلة الثانية لعسر الفهم الذي حصل .وهي العلة الظرفية التاريخية.وهي شبه معلومة حتى للإنسان العادي الذي ليس له الثقافة الفلسفية الضرورية للتعمقفي التأثير التاريخي الذي يغير قيم الشعوب .ويتبين ذلك من الموقف الاجماعي من المقابلة بين عصر الراشدين وما بعده.عندما أسمع \"عبارة هم رجال ونحن رجال\" ،أقول لعل البعض يقولها عن حسن نية لأنهيتصور أن المقابلة علتها التشكيك في \"رجولة\" المعاصرين والمبالغة في \"رجولة\" السابقين وليسفي مقابلة بين الموقف التأويلي المحدد للعلاقة بالثورة التي حدثت في الإسلام وحرفت بعد عصر الراشدين.والقول إن موقف التأويل أو أفق التأويل والفهم تغير ،لا يعني مفاضلة بين العقول أوحتى الأخلاق ،بل هو يعني تغير كيفي في فهم الرؤية الإسلامية من حيث هي ثورة في فهم\"الديني\" وعلاقته بالدنيوي\" لم يكن معهودا ولم يكن من الطبيعي أن يفهم الفهم الذي يقترب منه ،بل كان سيؤدي حتما للابتعاد عنه.وذلك خاصة في الموقف التأويلي أو أفق التأويل لبعدي هذه الثورة :كيف يمكن أن يفهم الناس نظاما دينيا من دون سلطة روحية أو كنسية أو مرجعية مسيطرة على الأذهان؟ هذا الرسول يقول له ربه \"فذكر إنما أنت مذكر\" = .1لست وسيطا بين الله والمؤمنين. ثم يضيف \"لست عليهم بمسيطر\"= .2إنك لست وصيا عليهم ما هذا؟كيف يمكن أن يفهم الجاهلي أو من كان تحت الاستعمار الفارسي (المناذرة) ومن كان تحتالاستعمار البيزنطي (الغساسنة) هذا الدين الجديد الذي يقطع نهائيا مع النظاميناللذين ينظمان حياة الجماعات ،أي التربية والحكم ،ليعوضهما بأمر جديد لا سابق له في تاريخ الإنسانية؟أبو يعرب المرزوقي 15 الأسماء والبيان
--ولا أخفي أني شديد العجب من تمكن الرسالة الإسلامية السريع من القبول في البداية، فكونت أسس تحقيق مشروعها رغم أنها في قطيعة مطلقة مع أمرين: .3مع النبوة نفسها إذ هذا رسول يخاطب الناس بالعقل والنظام وليس بالمعجزات والكرامات .4مع أساسي النظام المعتادين وساطة التربية ووصاية الحكمكما لا أخفي كذلك أن النكوص إلى ما قبلها لم يتأخر كثيرا ،إذ مباشرة بعد وفاة الرسول بدأ النكوص والفتنة الكبرى: قصة منا أمير ومنكم أمير ثم قصة الوصية ثم قصة الردة إلخ...ولولا الخلفاء الثلاثة الاول لما بقي أثر لدولة الإسلام طبعا مع التوفيق والوعد الإلهي بأن الإسلام سينتصر حتما.وهذا هو المقصود بالموقف التأويلي أو الأفق التأويلي الذي فقد والذي لا علاقة لهبرجولة من تقدم وعدم رجولة من تأخر ،ولا بذكاء أولئك وغباء هؤلاء .الرجال همالرجال والعقول هي العقول ،لكن الافق التأويلي أو المنظور الذي يدرك طبيعة الثورة الحاصلة هو الذي غاب بسبب الفتنة الكبرى .ثم تدعم الآن بسبب الفتنة الصغرى. .1فالأولى حاولت النكوص عن ثورة الإسلام إلى الثيوقراطيا التي يرفضها القرآن سواء كان على أساس الوصية في التشيع أو على أساس الغلبة في التسنن. .2والثانية تتوهم تجاوز الإسلام بالعلمانية إلى الانثروبوقراطيا .فتبين أنهما \"أبيسيوقراطيا\" كما عرفهما القرآن.ثورة الإسلام التي كان من العسير فهمها ،رغم أن الخلفاء الثلاثة الأول سعوا إلىحمايتها بالممارسة دون القدرة على صوغها النظري ،هي التي حرفت لما نجحت الفتنة الكبرىأبو يعرب المرزوقي 16 الأسماء والبيان
--فأدخلت الأمة في حروب أهلية دامت نصف قرن انتهت إلى الانتقال من الخلافة إلى الملك العضوض. والقائلون هم رجال ونحن رجال نوعان: .1نوع هم أصل الانتقال إلى الملك العضوض وهم إلى الآن من توابعه. .2ونوع ثاني هم أصل الانتقال من الخداع الثيوقراطي للأولين إلى الخداعالانثروبوقراطي لمن تصوروا أنهم حققوا ثورة على الثيوقراطيا فاتضح المشترك بينهما: الخداع الأبيسيوقراطي.والخداع الابيسيوقراطي أو دين العجل ،هو وهم تحرير البشرية بجعلها كلها عبيدالأصحاب المال (معدن العجل) ولأصحاب الإيديولوجيا (خوار العجل) .العولمة وتوابعها منأنظمة العرب القبلية والعسكرية مجرد أدوات لمافيات تحكم العالم وتستعبد البشر بنظام البنوك والبورصات ونظام الاعلام والملاهي.يقولون إن الحداثة والعلمانية حررت البشر فإذا هما في الحقيقة استسلام لدين العجل أي لمعدنه ولخواره لاستعباد كل البشر مع وهم الحرية: لست أدري ما حرية من يرهن كل مستقبله ليكن رأسه في غرفة؟وما حرية عقل من يشرب ليلا نهارا خداع الإعلام ويهرب من ذاته للملاهي والمخدرات؟ما كانت تقوم الوساطة الكنيسة في التربية والحكم بالحق الإلهي في الحكم صارت تقومبه مؤسسات الإعلام والملاهي (كنيسة العصر) والحكم بالحق الطبيعي أي بالسلطان علىالمال وأكبر الادلة يوجد في أرقى ديموقراطية حالية نموذج الآخرين :أمريكا يحكمها مافيات المال والملاهي وبهما تحكم العالم.وطبعا لا بد من عصا غليظة لهما علاقة بالرمزين العلمة والكلمة .وتلك هي وظيفةالقوة العسكرية والقوة الاستعلامية .فيكون العالم محكوما بأربع قوى أصلها العجلالذهبي :المعدن والخوار والمعدن مضاعف هو المال والسلاح والخوار مضاعف هو الاعلام والاستعلام .والأصل الدنيا أم العجل.أبو يعرب المرزوقي 17 الأسماء والبيان
-- ومن هو مطلع على القرآن الكريم يعلم دلالة رمز البقرة في سورة البقرة:كيف يكون ذبحها محييا للقتيل وللحقيقة التي ذهبت معه وكيف أن أصحاب العجل تلكأوا لئلا يذبحوها فذبحوها وما كادوا يفعلون.نحن اليوم أمام البقرة التي هي عبادة الدنيا والتي هي العولمة والتي تحكم الإنسانية ببعدي العجل.وإذا أنظمة الغرب لها القدرة على الخداع فتخفي دور بعدي العجل فتدعي أن الإعلاموالاستعلام لمعرفة الحقيقة وليس لفرض الباطل ،وأن النظام العالمي البنكي لتيسيرالتبادل ،والكل يعلم كذب ذلك فإن حكامنا لأنهم متخلفون لا يستطيعون حتى اخفاء ذلك: هم يستعملون السلاح والمخابرات مباشرة.أبو يعرب المرزوقي 18 الأسماء والبيان
-- والآن لا بد من حسم مسألة تحررنا من الفتنتين الكبرى والصغرى.والتحرر من الصغرى أيسر لأنها عمت البشرية كلها ،ومن ثم فالتحرر منها ليس مرتهنابنا وحدنا .فالجميع عون لنا عليها ،لأن البشرية اليوم بدأت تفهم أنها صارت عبيد بعدي دين العدل معدنه وخواره ،وأولهم الأمريكان كما هو بين.لكن الفتنة الكبرى ما تزال خاصة بنا ،وهي أكبر فيروس مدمر للأمة الإسلامية ،قصدتقضية الوساطة والوصية التي يستمد منها التشيع وتوظيفاته الحرب على الإسلام منذ نشأته إلى اليوم.وقبل أن أتكلم في خرافة تأسيسه على حديث الغدير ،فلأبدأ بالأمور التي لا جدال فيها قرآنيا وتاريخيا.وسأبدأ بالتاريخي قبل القرآني لأن التاريخي احداث لا يكاد أحد يصدق في العناصر الخمسة التي تعتبر منافية لأساس القول بالوساطة والوصاية: .1أن القرآن نزل على محمد .2أنه هو الذي ربى وحكم .3أن أبا بكر وحد الجزيرة العربية .4أن عمر أسس التاريخ الهجري .5أن عثمان وحد القرآن المدون والمحفوظفهذه العناصر الخمسة التي لا يمكن تصور الإسلام موجودا بدونها فضلا عن أن يكون باقيا إلى اليوم من دونها. فالرسالة هي القرآن وفيها المشروع الإسلامي الكوني كله.وعمل الرسول تربية وحكما هو السنة ولا يزال جله بين أيدينا .وتوحيد الجزيرة رمزه هزيمة المرتدين .والتاريخ الهجري أسسه عمر.أبو يعرب المرزوقي 19 الأسماء والبيان
--وتوحيد نص القرآن بجمع ما توفر من المكتوب والمحفوظ وبشهادة أكبر علمائه يعود لعثمان.والرسالة بذلك صارت ذات مؤسسات شبه تامة مشروعا وتطبيقا في التربية والحكم ووحدة جغرافيا وتأسيسا تاريخيا وتوحيدا للمرجعية. كل الموقف التأويلي أو مقومات الظرفية التأويلية حسمت ولم يعد تغييرها ممكنا.لو كان لحديث الغدير دلالة سياسية لكان استعمل حجة يوم اختلف الناس عمن يخلفالرسول في الحكم ولما قاسوه عمن استخلفه على الصلاة بحجة القادر على الأكثر أقدر على الاقل.ما استعمل للحسم كان إما العودة إلى القبلية (منا أمير ومنكم أمير) أو حديث آخر له دلالة سياسية وهو حديث الإمارة من قريش.لا أحد احتج بحديث الغدير ،إذ حتى من فكر في علي لم يؤسسه رأيه عليه ،بل علىالقرابة لأنه من قريش أولا ،ولأنه من أقرب الناس إلى الرسول بالقبيلة وبالنسب (زوج ابنته).لكن الأهم من ذلك كله حديث الغدير نفسه :ففيه كما ينبغي أن يفهم وصية ليس بعلي حاكما ،ولكن بعلي واسرة الرسول لحمايتها من بعده.وفي الوصية ترتيب بين وصية بالقرآن حتى لا يخالفه أحد وحتى لا يقدم عليه شيء بمافي ذلك الوصية بعلي واسرة النبي -وهو خلاف مطلق مع الفهم الشيعي-يليه وصية بموالاة علي والأسرة وليس بالوساطة والوصية التي فسر به مفهوم المولى في الحديث. والدليل هو أن الأحداث الخمسة ليس لعلي فيها دور.فلا علاقة لعلي بالوحي ولا بالسنة ،والمعلوم أن دور عمر كمستشار حتى في بعض قراراتالرسول لا يشكك فيه أحد ،ولا أحد يدعي أن لعلي دور في ذلك .كما أنه ليس لنا علم بأنأبو يعرب المرزوقي 20 الأسماء والبيان
--عليا قاد أهم معارك التأسيس لا في حياة الرسول ولا بعده ،وخاصة في المعارك الجوهرية الثلاثة المؤسسة للمكان والزمان والمرجعية.وعندي أن ما قاله الرسول يوم فتح مكة وما كلف به معاوية بعد ذلك ،يدلان بصورةواضحة أن النبي كانت له فراسة على أن دولة الإسلام لن ينقذها إلا أقوى عصبية فيقريش أي عصبية أبي سفيان وذريته ،ذلك أنه لا يجهل أن ثورة الاسلام في التربية والحكم كما ربى عليها الصحابة الكبار ،ما تزال هشة. وهشاشتها هي أنها لم تصبح بعد ذات مؤسسات متينة:هي متعينة في نص يعسر اكتشاف ما فيه من رؤية ثورية فضلا عن استيعابها وتحويلها إلىمؤسسات وفي قلة من الأبطال هم من ذكرت أي الخلفاء الثلاثة الأول الذي ثبتوا المكان والزمان والمرجعية وكانوا يمارسون الرؤية عمليا دون تنظير. كيف ذلك؟ ولأبدأ بأبي يكر.من يقرأ القرآن ،يعلم أن دولته ليست محددة المكان ،بل هي تعتبر المعمورة كلها تابعة لها.فكان إذن لا بد من تحديد مركز أرضي لدولة الإسلام وذلك ما حققه أبو بكر لما خاض حرب الردة لتوحيد الجزيرة ،ثم بعدها شرح في الفتح لتحقيق رؤية الإسلام الكونية.وهو أمر مركزي تردد فيه حتى الفاروق ،لكن أبا بكر لم يتردد لأنه كان الأعلم بالمشروع.ولما ثبت أبو بكر المركز الجغرافي للمشروع ،كان لا بد من تثبيت المركز الزماني للمشروعويكون من جنسه :فانتشار المشروع في المعمورة رمزه الهجرة الدائمة للإسلام بوصفه فاتحا وليس مستجيرا بغيره. وهذا يعني تأسيسا لتحقيب جديد للتاريخ الإٌنساني (الفاروق).أبو يعرب المرزوقي 21 الأسماء والبيان
--فاكتمل تركيز المشروع الكوني أي التعين المكاني والتعين الزماني لقلب الرسالة في الأرض(الجزيرة والهجرة إلى المدينة مع الفصل بين مركز الرؤية القديمة-مكة-ومركز الرؤية الجديدة -المدينة) .وختم عثمان بأصل المراكز :تثبيت القرآن.خمس مؤسسات ثابتة لم يمسسها أدنى تغير يمس الجوهر مهما اختلفت التأويلات: .1القرآن مشروع لتوحيد الإنسانية .2السنة عينة من تربية بلا وساطة وحكم بلا وصاية .3وحدة المركز الجغرافي .4وحدة المركز التاريخي .5وحدة المركز المرجعي. فاكتملت أركان المشروع.وهذا هو القصد بالمرحلة المثال الأعلى وليس شيئا آخر ،والأمور التأسيسية لا تتكرر،وثباتها لا يعني أن اللاحق دون السابق ،لأنها تخضع لما سماه برقلس في كلامه على فاعليةالمبادئ بأن الاعم يبقى دائما مؤثرا في الأخص الذي يزيده قوة لأنه قوة جديدة تتضمن قوة ما تقدم عليها لانبنائها عليها.مثال ذلك أني عندما أعرف الإنسان بكونه حيوانا ناطقا ،فلا يمكن تصور \"ناطقا\" من دون \"حيوانا\".لكن الناطق يضيف إلى ما يستمده من الحيوانية ما تختص به الناطقية التي هي حيوانيةتتميز بما يضيفه النطق للحياة .وهذا هو ما كان منتظرا من المسلمين بعد أن اكتملت صياغة المؤسسات القاعدية. لكن ما حدث أمران هددا المؤسسات القاعدية:أبو يعرب المرزوقي 22 الأسماء والبيان
-- .1الأول هو جرثومة النكوص إلى سلطة روحية وسيطة باسم حديث الغدير وسلطة سياسية وصية بنفس الحجة وتلك هي بداية الفتنة الكبرى. .2والثاني جرثومة النكوص إلى القانون الطبيعي أو سلطة الحكم بالتغلب التي تستتبع سلطة التربية فتكون في الأفعال مثل الأولى.ما يعني أن دولة الإسلام صارت مهددة بنكوصين إلى التقاليد الفارسية البيزنطيةوالتقاليد القبلية العربية ،وكلا النوعين من التقاليد هما ما كان الإسلام في قطيعة معهما في بعدي السياسة ،أي في التربية من دون وساطة وفي الحكم من دون وصاية. والثاني أرحم :لم يغير المؤسسات القاعدية في الأقوال.لم يغير المشروع ولم يغير تجربة الرسول ولم يغير المركز الجغرافي إلا سياسيا ولم يغيرالمركز الزماني ولم يغير المرجعية في الاقوال ،لكنه جعل الشرعية شكلا إسلاما وواقعاجاهلية وهو معنى الملك العضوض .وصار النكوص إلى النموذج الفارسي والبيزنطي يعتبر التربية والحكم ثيوقراطيين عكس القرآن.وظلت الحال كذلك إلى أن فتتت الجغرافيا بعد الاستعمار على أساس اثني في ما يسمىبالدول القومية الحديثة وهي كذبة لأن الاستعمار لم يقتطع المحميات بمعيار القوميات بلبمعيار ما يحتاج إليه في الجيوسياسة وفي البحث عن مصادر الثروة والطاقة بحيث جعل كل محمية \"كوكتال مولوتوف\" كما نراها الآن.وجاء دور الفتنة الثانية أو الفتنة الصغرى للقضاء على الرابط الوحيد المتبقي بين المسلمين بعد أن قضوا على وحدة الجغرافيا ووحدة التاريخ.لكن كما أسلفت هذه الفتنة كونية ولا تقتصر على المسلمين ،ومن ثم فهي لن تعمر كثيرا بعد أن أصبحت الدول الكبرى تخاف من تدخل الدول في الخيارات الروحية. هدف محاولاتي مضاعف:أبو يعرب المرزوقي 23 الأسماء والبيان
-- .1الوجه الاول منه هو الانطلاق من لحظة اكتمال بناء المؤسسات القاعدية إلى الآنللنظر في ما أضر بها من تأويلات لم تبق منها إلا الأقوال مع معارضتها التامة في الافعال. .2الوجه الثاني العودة من اكتمالها في الممارسة دون صوغها ما يترتب عليها في التنظير. ذلك أن هذا الوجه الثاني هو الذي لو حصل لحال دون الوجه الاول.ومعنى ذلك أن تعين المؤسسات القاعدية في فعل فريد قام به شخص فريد-الرسالةوالسنة وتوحيد الجزيرة وتوحيد التاريخ وتوحيد المصحف-كل ذلك لم يتحول إلى مؤسسات ذات فاعلية موضوعية متعالية على الأعيان. ما معنى شخص فريد؟ المشروع القرآني كان فهمه العميق حكرا على الرسول. السنة في التربية والحكم فهمهما كان حكرا على ابي بكر والفاروق وعثمان.أبوبكر أكثرهم فهما بدأ بأساس الدولة الأول أو المركز المكاني ،وبعد الفاروق بالمركز الزماني والأخير ،اعتقد أكثرهم حنكة استدرك عليهم توحيد المرجعية.ولذلك فقد كان طبيعيا أن يكون هو المستهدف من دهاة المؤامرة الشعوبية اليهودية على الإسلام أو الفتنة الكبرى.وقد كان علي وأبنائه ضحاياها ولا يزال كل السنة العرب ضحاياها ،لأنه لا يوجد خيارثالث بين القول بالتشيع والتشكك في القرآن أو القول بالقرآن والتشكيك في تأويل حديث الغدير.وختاما لهذا الفصل المعقد أقول إن حديث الغدير صحيح ،لكن تأويله هو أن الرسولكان يخاف على أسرته ومنها علي -الذي كان سيستضعف مثل كل أسرة الرسول ،لأن قوةهذه الاسرة تعتمد على قوة الرسول وليس لها عصبية قوية قد تحميها من القبلية العربية: هي وصية لحمايتهم وليس لتوليتهم على المسلمين.أبو يعرب المرزوقي 24 الأسماء والبيان
--ولأني واثق بأن القرآن في شكله الحالي -كما يضبطه المصحف العثماني-لا تشوبهشائبة ،وأن ما يبدو عليه من \"فوضى\" دليل صحة وليس دليل تدخل يد غيرت فيه أو قدمت أو أخرت.فلو حصل لكان ذا نظام لا يحافظ على ما ينتج عن النسقية التي يصل إليها كل من يقرأه بما ينصح به القرآن نفسه ليكتشف نظامه. ويشبه الامر نظام العالم.فلا شيء أشد فوضى من العالم بالنسبة إلى من لم يكتشف نظامه بعد أن تقدمت العلوم التي بدأت بالتدريج تترقى لتصل إلى اكتشاف الكثير من علامات النظام فيه.وقد بدأت بأبرز مجال يتجلى فيه نظامه أعني علم الهيأة الذي أسسته الحضارات القديمة وبلغ شبه تمه مع اليونان. وأقول شبه تمه لأنه لا يوجد علم إنساني تام.التام هو أنهم اكتشفوا أن نظام السماء لا يمكن الاكتفاء فيه بالأرصاد ،بل لا بد منابداع نظام رياضي يمكن من وصل عناصره وصلا يجعل ما يجري في السماء قابلا للحساب الدقيق ،وهو ما تم مع بطليموس حتى لو بني على فرضية تبين خطؤها.ولما عدلت بأن جعلت الشمس مركزا بدلا من الارض أصبح أقرب إلى ما نحن عليه الآنفي صلتنا بالسماء مع فارق كبير وهو أن العالم تواسع إلى حد لم يدر بخلد بطليموس ولا كوبرنكوس ولا ما بينهما من مجالات في حضارتنا لتجاوز الأول والاعداد للثاني. المهم أن العالم ذو نظام صارم وراء الفوضى الظاهرة.القرآن عندي هو في هذه الوضعية .لم نكتشف نظامه بعد واعتقد أن المسلمين لم يطرحوا هذا السؤال.أبو يعرب المرزوقي 25 الأسماء والبيان
--فحتى الغزالي وهو أكثر علمائنا فهما لمعنى النظام المنطقي في الفكر القديم رغم أنه لميكتب في الرياضيات لما بحث في القرآن اكتفى بمفاضلة بين آياته من منطلق هموم الفقهية والصوفية وربما الجمالية.صحيح أن نظام السماء عند القدامى وخاصة مصر وبابل كان البحث فيه لعلل نفعية هيالنظام الزراعي خاصة وطبعا كان ذلك مخلوطا بهموم دينية وميتافيزيقية لكنه لم يخل منالصوغ الرياضي ولا زلنا نستعمل الكثير من فرضياتهم مثل القاعدة الستينية وعلاقتها بالمثلث متساوي الأضلاع وبعض الحلول الرياضية.وما يعنيني بيانه هو أن القرآن لم يتعامل معه بمنطق الافتراض العلمي حول بنيتهالخفية والعميقة التي تمكن من اكتشاف نظامه ونسقه الذي يمكن من رد ما يبدو عليه منفوضى وتكرار والتقاء شبه اتفاقي بين القضايا التي يبحث فيها في نفس السورة أو في نفس النوع من السور وكأنه بلا منطق ونظام.وما زاد هذه الفوضى الظاهرية طغيانا هو تفتيت القرآن كل علم من علوم الملية الغائيةالخمسة يقتطع منه ما يعنيه ولا يصله بالباقي حتى بلغ الأمر إلى قراءات من جنس الاعجازالعلمي أو من جنس آخر بدعة تسمى التفسير الموضوعي الذي يجعل القرآن \"صندوق\" عتاد لأصحاب صنعة كل في مجاله.ثم هجم عليه \"الدعاة\" وخاصة \"الجدد\" منهم أو تجار الفضائيات ،فأصبح القرآن ماعونصنعة الحكم الشعبية والوعظ والإرشاد ،ثم أصبح اسم \"العلماء\" بديلا من اسم رواة الملحوالأشعار والأحاديث والخرافات وهلم جرا مما يتعلق بالكلام في ما لا يمكن الاحتكام فيه لما أمر القرآن بالاحتكام إليه.وقد حاولت جمع ذلك كله في قراءة معنى {صم بكم عمي فهم لا يعقلون} .ذلك أننا لوقرأنا الظاهرات الطبيعية بحواسنا لبقينا حقا صما بكما عميا لا نعقل .والقرآن يخاطب فيأبو يعرب المرزوقي 26 الأسماء والبيان
--الظاهر وفي مستوى بنيته السطحية حواسنا خاصة باللسان الطبيعي وباللغة المسرحية الدرامية وعقولنا ذات الصلة بها بما يناسبها.لكن ذلك مثل قراءة الطبيعة بالحواس وبالعقل المؤسس عليها لا يمكن من تجاوز الفلكالغفل والفيزياء الغفلة ولا يسمح بإدراك بنية السماء والطبيعة كما تحقق ذلك لاحقاعندما فهم العلماء أن ذلك مستحيل من دون نوعي التقدير الذهني الخالص (الرياضيات العالية) والمطبق (الرياضيات التطبيقية).وبهذا المعنى فهو إعادة وصل مع العلوم القديمة التي توقف استعمالها في الكتب الدينية-التوراة والأناجيل -لعدم اعتمادها على النظام الرياضي التجريبي في الخلق والسياسيالخلقي في الأمر واقتصارها على خرافات نسجت حول تاريخ قبيلة بدائية هي يهود الشرق وورثتها في الأناجيل :وليقرأهما من يشك.ولما كان المفسرون الأول عديمي الثقافة العلمية التي كانت حاصلة في ذلك الوقت عنداليونان مثلا فإنهم اكتفوا بالإسرائيليات والجاهليات من التمثلات البدائية وأصبح التفسيرلا يتجاوز الأثر بهذا المعنى ومعه التعاليق اللسانية التي يمكن أن تفيد الشرح اللغوي لكنها لا تمس بنية القرآن العميقة.ومن يظن التفاسير البلاغية (الزمخشري) والتفاسير الكلامية وشبه الفلسفية (الرازي) تجاوزت البنية السطحية فهو لم يفهم القصد.فالبنية العميقة لا تتعلق بمعان عميقة لا يصلها نظام عميق بل بنظام عميق حتى لما ليس عميقا من المعاني .فالمطلوب ليس المعاني بل ما يجعلها تلك المعاني بمقتضى النظام.ولما كان النظام المطلق من الغيب لا يعلمه إلا الله ،فكل نظام نفترضه منطلقا لقراءةالقرآن يبقى فرضيا دائما ككل نظرية علمية .وهي معرضة للتغيير إما الترميمي ،أو حتىالإلغاء إذا كثرت الشواذ في القرآن بالقياس إلى ذلك النظام المفترض .مثال ذلك الكلام على العالم في ستة أيام.أبو يعرب المرزوقي 27 الأسماء والبيان
--فلو كان اليوم في القرآن له دلالة واحدة هي اليوم الأرضي لعارضت الفرضية التيأنطلق منها في قراءة القرآن باعتباره استراتيجية توحيد البشرية .فخلق العالم واعدادهلجعل الحياة تكون ممكنة فيه وخاصة حياة الإنسان يحتاج إلى ما لا يعد من الالفيات وليس الأيام .لكن تصور القرآن لليوم متعدد.فمن معاني اليوم :اليوم الذي يساوي خمسين ألف سنة من زمانية الأرض .وقد يكوناليوم الذي خلق فيه العالم يكون سكنا للحياة -وهذه هي فكرة خلق العالم في القرآن-قدتطلب أياما أطول من خمسين ألف سنة من زمانية الارض .ومجرد هذا الاحتمال يغنيني عن الشك في الآية لأنها تقبل ضمن النسق القرآني.وفرضيتي هي بيان أننا لو قرأنا القرآن واعتبرناه نظام تذكير للإنسانية بأمور تتأسسعليها استراتيجية توحيدها المحررة من الخضوع لنظام الانتخاب الطبيعي واستبداله بنظامالتكامل الخلقي بمبدأي النساء 1والحجرات 13فإن كل ما فيه خلقا وأمرا بالتضايف مع تجهيز الإنسان ومهمته متناسق.ولنضرب مثلا موجبا :كيف يمكن أن يكون الإسلام قائلا بأن من ليس بمسلم ليس على دين الله ومع ذلك يسمح بالتعدد الديني؟الفقهاء تصوروا ذلك متناقضا فاعتبروا كل ما يتعلق بعقائد غير المسلمين كفرا .فحسموافي أمر الله نفسه حكم بأنه من باب الإرجاء .وعلل ذلك بالتسابق في الخيرات (المائدة .)48اغفال الوصل بين حرية المعتقد (البرقة )256وإرادة التعدد القصدية من الله(المائدة )48ونظام الذمة ونظام النقد المعتمد على التصديق والهيمنة (علما وأنالهيمنة لا تعني التسلط بل السيادة على الشيء والمحافظة عليه في آن) حال دون فهم النظام المتناسق في السياسة الدينية القرآنية.وقد يكون أوضح مثال عن العجز في تبين نظام العقد في القرآن هو دور الزمان في كلامه.فهو يتكلم على الماضي وكأنه حاضر وعلى المستقبل وكأنه ماض وعلى جواب الشرط وعلىأبو يعرب المرزوقي 28 الأسماء والبيان
--الإنشاء وكأنه خبر ولا يمكن بعلم اللسان القديم وحتى بأبعاده الثلاثة في اللسانيات الحديثة أن يكفي لفهم لغة القرآن الكريم.كما أن البلاغة التقليدية حتى عند الجرجاني وهو الافضل على الأطلاق ليست كافيةلفهم لغة القرآن العادية فضلا عن لغته الدرامية المسرحية .ولذلك اضطررت لمضاعفةعلم الدلالة بعلم المعنى وعلم التداول الدلالي بعلم التداول المعنوي مع الإبقاء على وحدة علم المبنى أو السنتاكس.فلو فهمنا الإشكالية المنطقية التي تميز بين الدلالة Die Bedeutungوالمعنى Der Sinnلزالت كل خرافات المقابلة بين الحشوية والتعطيلية .فالدلالة مرجع خارجي وحدلرمز بين المتواصلين ،والمعنى ليس له مرجع خارجي لرمز بين المتواصلين .وقد يظن لا شيء لكنه موضوع كلام سليم بمعايير نحو اللغة.فإذا كنا لا نؤمن إلا بالعالم الحسي الطبيعي اعتبرنا المعنى الذي لا دلالة له فيه من الخيال. وإذا قسناه عليه كنا حشويين. وإذا نفينا عنه الدلالة أصلا وسميناه مجازا فنحن معطلون.وكل المعاني الماورائية مبدعات ذهنية في الفلسفة وهي في الدين معتقدات حول كيانات يتصورها المتدين موجودة حقا. فيكون عالم المعاني أوسع من عالم الدلالات.ولو لم يكن ذلك ممكنا لاستحال وجود الأدب والرياضيات :فكلاهما يبدع عالما من المعانيليس لها دلالات في العالم الخارجي لكنها أكثر حقيقة من العالم الخارجي الذي لا يفهم من دونها. والتداول نوعان بهذا المعنى :بين الدلاليين والمعانيين.أبو يعرب المرزوقي 29 الأسماء والبيان
--لو كان الرياضيون الكبار والأدباء الكبار أي الذين يبدعون معاني لا دلالة لها قبل أنتصبح موجودة بفضل إبداعهم ،لاستحال تجاوز الرياضيات الطبيعيات والأدبيات التاريخيات.الفرق بين الأدب الأسمى والتاريخ وبين الرياضيات الأسمى والطبيعيات هو الفرق بين الدلالة والمعنى.لذلك فالديني والفلسفي لا يفهمهما من لا يفهم الأدبي الأسمى والرياضي الأسمى.والقرآن ديني وفلسفي وأدبي أسمى ورياضي أسمى وهو في آن رسم أسمى وموسيقي أسمىإذا أخذنا عبارته اللسانية وهو دراما أسمى وكوريوغرافيا أسمى هو أصل كل أبداع يخرج من عالم \"الواقع\" إلى عالم \"أصل كل واقع\".وعالم أصل كل واقع هو الوحيد الذي يمكن أن يسع الإنسان :فالإنسان لا يتوقف عندحد في تجاوز \"الواقع\" حتى بالنسبة إلى أقل الناس قدرة على التخيل .لكن التخيل منجنس الأحلام بعضه دال على فساد المزاج وبعضه دال على سمو الروح .ورؤى الأرواح السامية هي دلالة الاستخلاف وشرط التعمير.أبو يعرب المرزوقي 30 الأسماء والبيان
--أبو يعرب المرزوقي 31 الأسماء والبيان
Search
Read the Text Version
- 1 - 34
Pages: