مائة دعاء من الكتاب والسنة

‫الفوائد‪:‬‬ ‫‪ -1‬أ ّن الدعاء هو العبادة التي ُخلِ َق الخلق من أجلها‪.‬‬ ‫‪ -2‬أهمية البسط في الدعاء وأنه مطلوب ( فك ّلما ك ّثره العبد وط ّوله وأعاده‬ ‫ون ّوع جمله‪ ،‬كان ذلك أبلغ في العبودية والتذلل َّلل ‪ ،‬وأقرب له من ربه‪ ،‬وأعظم‬ ‫لثوابه) فهو عليه السلام لم يوجز في دعائه وإنما ع َّدد مطالبه وسؤاله‪.‬‬ ‫‪ -٣‬إ ّن مطالب ال ِّدين هي أعظم المطالب‪ ،‬وأسمى المراتب التي ينبغي لكل دا ٍع‬ ‫العناية بها‪.‬‬ ‫المرجع‬ ‫شرح الدعاء من الكتاب والسنة‬ ‫سعيد بن وهف القحطاني‬ ‫مائة دعاء من الكتاب والسنة‬ ‫‪94‬‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫الدعاء الثاني والثلاثون‬ ‫قال رسول َّللا صلى َّللا عليه وسلم ‪:‬‬ ‫\" اللَّ ُه َّم ا ْكفِنِي بِ َحلالِ َك َع ْن َح َرا ِم َك‪ ،‬وأَ ْغنِني بِ َف ْضلِ َك َع َّم ْن ِس َوا َك \"‬ ‫صحيح الترمذي‬ ‫الشرح‬ ‫ُد َعا ُء َق َضا ِء ال َّد ْي ِن‬ ‫جاء مكاتباا إلى علي رضي َّللا عنه فقال‪ :‬إني عجزت عن كتابتي فأعني‪ ،‬قال‬ ‫علي رضى َّللا عنه‪ :‬ألا أعلمك كلمات علمنيهن رسول َّللا صلى َّللا عليه‬ ‫وسلم لو كان عليك مثل جبل ِص ْي ٍر َديناا أ َّداه َّللا عنك‪ ،‬قال‪ :‬قل‪:‬‬ ‫\" اللَّ ُه َّم ا ْك ِفنِي بِ َحلالِ َك َع ْن َح َرا ِم َك‪ ،‬وأَ ْغنِني بِ َف ْضلِ َك َع َّم ْن ِس َوا َك \"‬ ‫( مكاتباا ) المكاتب‪ :‬العبد الذي قال له مولاه‪ :‬إن أديت إلي ألفاا مثلاا‪ ،‬كل شهر‬ ‫مئة فأنت حر؛ فقبله؛ فهذا عقد الكتابة‪ ،‬فإذا أدى المال المشروط عتق‪ ،‬فإذا‬ ‫عجز ُر َّد إلى الرق‪.‬‬ ‫( لو كان عليك مثل جبل صير ديناا ) صير‪ :‬جبل في ديار طيء‪ ،‬فيه كهوف شبه‬ ‫البيوت‪.‬‬ ‫( أداه َّللا عنك ) أي قضاه َّللا عنك وأعانك على تسديده و أنقذك من مذلته‪.‬‬ ‫( اكفني ) ارزقني الكفاية من الحلال والاستغناء عن الحرام‬ ‫مائة دعاء من الكتاب والسنة‬ ‫‪95‬‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫( قل‪ :‬اللهم اكفني بحلالك عن حرامك ) أي‪ :‬قنعني بالحلال عن طلب الحرام أو‬ ‫سق إلى منه ما لا أحتاج معه إلى الحرام‪ .‬فاكفني برزقك الحلال عن الوقوع في‬ ‫الحرام‪ ،‬واجعلني مستغنياا به عمن سواك‬ ‫( واغنني بفضلك عمن سواك ) اجعلني غنياا بفضلك ورزقك فلا أحتاج إلي‬ ‫مخلوق ولا ألجأ لأحد سواك‬ ‫جاء ال َّرجل يطلب اِلعانة المال َّية لوفاء دينه وإنهاء مكاتبته وال َّتخلُّص من ر ِّقه‪،‬‬ ‫فع َّلمه أمير المؤمنين عل ُّي بن أبي طالب رضي َّللا عنه هذا ال ُّدعاء العظيم ‪،‬‬ ‫أرشده إليه إشار اة إلى أ َّن الأصلح له أن يستعين باَّلل على أدائها‪ ،‬ولا ي َّتكل على‬ ‫غيره‪.‬‬ ‫الفوائد ‪:‬‬ ‫يؤخذ من هذا الحديث فوائد عظيمة‪ ،‬وأصول جليلة‪:‬‬ ‫الفائدة الاولى‪ :‬التوكل على َّللا ح اّقا‪ ،‬والاستعانة به صد اقا على قضاء ال َّدين‬ ‫والوفاء به ‪ ،‬قال رسول َّللا صلى َّللا عليه وسلم‪ \" :‬لو أ َّنكم كن ُتم ت َوكلو َن ع َلى‬ ‫َّللاِ ح َّق ت َوكلِه لرزق ُتم كما يرز ُق ال َّطي ُر تغدو خما اصا وترو ُح بطا انا \" الألباني‪.‬‬ ‫فالتوكل على َّللا عز وجل من أعظم الأسباب التي ُيستجلب بها الرزق و ُيتوسل‬ ‫بها لقضاء ال َّدين‪ ،‬قال بعض السلف‪( :‬بحسبك من التوسل إليه أن يعلم من قلبك‬ ‫ُحسن تو ُّكلك عليه‪ ،‬فكم من عب ٍد من عباده قد ف َّوض إليه أمره فكفاه منه ما‬ ‫أه َّمه‪ ،‬ثم قرأ‪َ { :‬و َم ْن َي َّت ِق َّلَّلاَ َي ْج َعلْ َل ُه َم ْخ َر اجا * َو َي ْر ُز ْق ُه ِم ْن َح ْي ُث لا َي ْح َت ِس ُب }‬ ‫[الطلاق‪]٣:‬‬ ‫ثم لابد مع التوكل من السعي الصادق‪ ،‬والعمل بالأسباب المشروعة‪ ،‬واتخاذ‬ ‫التدابير اللازمة‪ ،‬وطرح الكسل والبطالة ‪ ،‬ومن أخل َص في نيته وتوكله‪ ،‬وصدق‬ ‫في سعيه وه َّمته أ َّدى عنه ر ُّبه وقُضي َد ْينه‪ ،‬قال رسول َّللا صلى َّللا عليه‬ ‫مائة دعاء من الكتاب والسنة‬ ‫‪96‬‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫وسلم‪َ \" :‬من ا َّدا َن أموالَ ال َّنا ِس يري ُد أدا َءها أ َّدى َّللاُ عن ُه و َمن أخ َذها يري ُد‬ ‫إتلا َفها أتل َف ُه َّللاُ\" الألباني‪.‬‬ ‫الفائدة الثانية‪ :‬التوجه إلى َّللا تعالى وإنزال الحوائج به‪ ،‬ففضله عظيم‪ ،‬ورزقه‬ ‫كريم ‪،‬جاء في وص َّيته صلى َّللا عليه وسلم إلى عبد َّللا بن عباس رضي َّللا‬ ‫عنهما‪\" :‬إذا سأَل َت فاسأ ِل َّل َّلاَ ‪ ،‬وإذا است َعن َت فاس َت ِعن باَّ َّل ِل \" صحيح الترمذي‪.‬‬ ‫قال رسول َّللا صلى َّللا عليه وسلم‪َ \" :‬من نزل ْت به فاق ٌة فأنز َلها بالنا ِس ؛ لم‬ ‫ُت َس َّد فاق ُته ‪ ،‬و َمن نزل ْت به فاق ٌة فأنز َلها باَّل ِل ؛ ف ُيو ِش ُك َّللاُ له ِبرز ٍق عاج ٍل أو‬ ‫آج ٍل\" صححه الألباني‬ ‫فعلى المدين أن ُيو ِّطن نفسه على سؤال ر ِّبه وال َّرغبة في فضله‪ ،‬و َي َد َع سؤال‬ ‫العبد الضعيف الذي إذا أعطى م َّن‪ ،‬وإذا أحسن استعبد‪ ،‬إلا من رحم َّللا تعالى‪.‬‬ ‫قال عطاء‪ :‬جاءني طاووس رحمه َّللا فقال لي‪\" :‬يا عطاء‪ ،‬إ َّياك أن ترفع‬ ‫حوائجك إلى من أغلق دونك بابه‪ ،‬وجعل دونك حجا ابا‪ ،‬وعليك بطلب حوائجك‬ ‫إلى من با ُبه مفتوح لك إلى يوم القيامة طلب منك أن تدع َوه‪ ،‬ووعدك باِلجابة\"‬ ‫ومن أصبح وأمسى لا يرجو إلا ر َّبه ولا يرغب إلا فيما عنده كان غن ّايا قنو اعا‪،‬‬ ‫وعاش سعيدا عزيزا‪.‬‬ ‫الفائدة الثالثة‪ :‬فضيلة هذا الدعاء وأهميته في قضاء ال َّدين‪ ،‬فالداعي يدعو ربه‬ ‫الرزاق ذا القوة المتين أن يرزقه الكفاية من الحلال‪ ،‬والاستغناء بفضله ع َّمن‬ ‫سواه‪.‬فمن حرص على هذا الدعاء وواظب عليه مح ِّق اقا شروط اِلجابة مجتنبا‬ ‫موانعها‪ ،‬كفاه َّللا وأغناه وأ َّدى عنه وأعانه‪ ،‬مهما َع ُظ َم ذلك ال َّدين‪ ،‬فخزائنه‬ ‫عز وجل لا تنفد‪ ،‬ورزقه لا ينقص‪ ،‬قال النبي صلى َّللا عليه وسلم‪ -\" :‬إ َّن يمي َن‬ ‫َّلل ِا َم ْْلَى ‪ ،‬لا ُيغي ُضها نفق ٌة ‪َ ،‬س َّحا ُء ال َّليلَ و النها َر ‪ ،‬أرأي ُتم ما أنفق منذ خل َق‬ ‫السموا ِت و الأر َض ؟ فإنه لم ُي َغ ْض مما في يمينِه ‪ ،‬و عر ُشه على الماء ‪ ،‬و‬ ‫بيده الأخرى القب ُض ‪ ،‬يرف ُع و يخ ِف ُض\" صحيح الجامع‬ ‫ومن رزقه َّللا من فضله لم يحتج إلى غيره‪....‬‬ ‫مائة دعاء من الكتاب والسنة‬ ‫‪97‬‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫الفائدة الرابعة ‪ :‬فضيلة الحلال ال َّط ِّيب ورذالة الحرام الخبيث‪ ،‬إذ أ َّن البركة‬ ‫والخير في الأ َّول ولو كان قليلاا‪ ،‬والمح ُق وال َّش ُّر في ال َّثاني ولو كان كثي ارا‪ ،‬قال‬ ‫َّللا تعالى‪ { :‬قُل لاَّ َي ْس َت ِوي ا ْل َخبِي ُث َوال َّط ِّي ُب َو َل ْو أَ ْع َج َب َك َك ْث َر ُة ا ْل َخ ِبي ِث َفا َّت ُقو ْا َّلّل َا‬ ‫َيا أُ ْولِي ال َأ ْل َبا ِب لَ َع ّلَ ُك ْم ُت ْفلِ ُحون} [المائدة‪.]100:‬‬ ‫فعلى العبد أن يسعى لكسب الحلال ال َّط ِّيب‪ ،‬ويرضى بما قسم َّللا له منه‪ ،‬ولا‬ ‫يغت َّر بكثرة الخبيث‪ ،‬فإ َّن عاقبته إلى ُقلٍّ‪.‬‬ ‫الفائدة الخامسة‪ :‬ينبغي للعالم والمفتي وال َّناصح إرشا ُد ال َّناس إلى ال ُّلجوء إلى‬ ‫َّللا والفرار إليه والاعتصام به وتوحيده ودعائه‪ ،‬وال َّرغبة فيما عنده‪ ،‬وقطع‬ ‫تعلُّقهم بالعباد وسؤالهم واستشرافهم لأموالهم‪ ،‬وهذا ا َّلذي فعله أمي ُر المؤمنين‬ ‫عل ُّي بن أبي طالب رضي َّللا عنه حيث أرشد ال َّسائل إلى أفضل م َّما طلب‪ ،‬ود َّله‬ ‫على خير م َّما سأل‪ ،‬أرشده إلى ال َّتو ُّجه إلى َّللا عزوجل وسؤاله الكفاية والغنى‬ ‫من فضله‬ ‫المراجع‬ ‫الكلم الطيب‬ ‫التنوير (شرح الجامع الصغير)‬ ‫مجلة اِلصلاح‬ ‫(شرح حديث اللهم اكفني بحلالك عن حرامك)‬ ‫مائة دعاء من الكتاب والسنة‬ ‫‪98‬‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫الدعاء الثالث والثلاثون‬ ‫{ َّر ِّب ِز ْد ِني ِع ْل اما}‬ ‫[طه ‪]114 :‬‬ ‫الشرح‬ ‫أمر ربنا عز وجل نب ّيه محمداا صلى َّللا عليه وسلم أن يسأله الزيادة في العلم‪،‬‬ ‫والأمر لنب ّينا هو أمر لنا كذلك؛ فإن الخطاب ُو ّجه إليه صلى َّللا عليه وسلم ؛‬ ‫لأنه هو القدوة والأسوة للأمة بأكملها‪.‬‬ ‫{ َو ُقلْ َر ِّب ِز ْدنِي ِع ْل اما} وقل يامحمد ‪ -‬صلى َّللا عليه وسلم ‪ -‬ر ِّب زدني علماا‬ ‫إلى ما علمتني‪ ،‬أمره بمسألته من فوائد العلم ما لا يعلم‪ ،‬فأمره تعالى بطلب‬ ‫الزيادة في العلم‪ ،‬وأه ّمها علم كتابه الكريم؛ فإنه الموصل إلى التر ّقي في العلوم‬ ‫والمعارف والمنافع في الدنيا والآخرة‪ ،‬ولم يأمره ‪ -‬سبحانه وتعالى ‪ -‬بطلب‬ ‫الزيادة في الشيء إلا في العلم دلالة واضحة على فضيلة العلم‪ ،‬وأنه أفضل‬ ‫الأعمال‪.‬‬ ‫فلم يزل ‪ -‬صلى َّللا عليه وسلم ‪ -‬في الترقي في العلم حتى تو ّفاه َّلَّلا تعالى‪.‬‬ ‫وقد جاءت أحاديث متنوعة تحث على هذا المطلب العظيم‪ ،‬فكان من أدعيته‬ ‫صلى َّللا عليه وسلم‪ \":‬ال َّل ُه َّم ا ْن َف َعني بِ َما َع َّل ْمتنِي‪َ ،‬و َع ِّل ْم ِني َما َي ْن َف ُعني‪َ ،‬و ِز ْد ِني‬ ‫ِع ْل اما\" الألباني‪.‬‬ ‫مائة دعاء من الكتاب والسنة‬ ‫‪99‬‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫وفي لفظ‪ \" :‬الل ُه َّم ا ْن َف ْعنِي ِب َما َع َلّ ْم َتنِي‪َ ،‬و َع ِّل ْم ِني َما َي ْن َف ُع ِني‪ ،‬وا ْر ُز ْقنِي ِع ْلماا‬ ‫َت ْن َف ُعنِي ِب ِه \" الألباني‪.‬‬ ‫وهذا المطلب كان من مطالب الصحابة رضي َّللا عنهم ‪ ،‬فكان من دعاء عبد‬ ‫َّلَّلا بن مسعود رضي َّللا عنه ‪ ( :‬ال ّلَ ُه َّم ِز ْد ِني إِي َما انا َو َيقِي انا َو َف ْه اما‪َ ،‬أ ْو َقالَ‪:‬‬ ‫َو ِع ْل اما ) ‪.‬‬ ‫المرجع‬ ‫شرح الدعاء من الكتاب والسنة‬ ‫سعيد بن وهف القحطاني‬ ‫مائة دعاء من الكتاب والسنة‬ ‫‪100‬‬ ‫مشروع النور المبين‬