الحديث الأول عن ْابن عباس رضي الله عنهما قال \" :كان ر ُسو ُل ال هلهِ صلى الله عليه وسلم أ ْجود النها ِس وكان أ ْجو ُد ما ي ُكو ُن فِي رمضان ِحين ي ْلقاهُ ِج ْب ِري ُل وكان ي ْلقاهُ فِي ُك ِّل ل ْيل ٍة ِم ْن رمضان فيُدا ِر ُسهُ ا ْلقُ ْرآن فلر ُسو ُل ال هلهِ صلى الله عليه وسلم أ ْجو ُد بِا ْلخ ْي ِر ِمن ال ِّري ِح ا ْل ُم ْرسل ِة \". ]بخاري[6: ( شرح الحديث ) أجود الناس :اكثر الناس جودا ،والجود الكرم. أجود ما يكون في رمضان :فرمضان موسم الخيرات ،لان نعم الله على عباده فيه زائدة على غيره ،فكان النبي -صلى الله عليه وسلم -يؤثر متابعة سنة الله في عباده. فيدارسه القران :قيل :الحكمة فيه ان مدارسة القران تجدد له العهد بمزيد غنى النفس والغنى سبب الجود. المرسلة :المطلقة يعني انه في الاسراع بالجود اسرع من الريح ،وعبر بالمرسلة اشارة الى دوام هبوبها بالرحمة ،والى عموم النفع بجوده كما تعم الريح المرسلة جميع ما تهب عليه ،فبمجموع ما ذكر من الوقت والمنزول به والنازل والمذاكرة حصل المزيد في الجود. ( فوائد الحديث ) أو ًلا:منها الحث على الجود في كل وقت ،ومنها الزيادة في رمضان وعند الاجتماع بأهل الصلاح. ثانيًا :وفيه زيارة الصلحاء واهل الخير ،وتكرار ذلك اذا كان المزور لا يكرهه. ثالثًا :واستحباب الاكثار من القراءة في رمضان راب ًعا :وكونها افضل من سائر الاذكار ،اذ لو كان الذكر افضل او مساويا لفعلاه. ( المراجع ) فتح الباري لابن حجر ،شرح النووي. 2
الحديث الثاني ع ْن أبِي هُر ْيرة رضي الله عنه ع ِن النهبِ ِّي صلى الله عليه وسلم قال: \"ال ِإيما ُن بِ ْض ٌع و ِس ُّتون ُش ْعبةً وا ْلحيا ُء ُش ْعبةٌ ِمن ال ِإيما ِن\". ]بخاري[9: (مفردات الحديث) شعبة :المراد خصلة. ( شرح الحديث ) الإيمان بضع وستون شعبة :بين الرسول عليه الصلاة والسلام أن الإيمان شعب كثيرة بضع وستون أو بضع وسبعون( في رواية لمسلم )ولم يبينها الرسول عليه الصلاة والسلام لأجل أن يجتهد الإنسان بنفسه ويتتبع نصوص الكتاب والسنة حتى يجمع هذه الشعب ويعمل بها. وفي القرآن والسنة أشياء مبهمة يبهمها الله ورسوله من أجل امتحان الخلق ليتبين الحريص من غير الحريص فمثلا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان. والحياء شعبة من الإيمان :الحياء انكسار يكون في القلب وخجل لفعل ما لا يستحسنه الناس والحياء من الله والحياء من الخلق من الإيمان. فالحياء من الله يوجب للعبد أن يقوم بطاعة الله وأن ينتهي عما نهى الله. والحياء من الناس يوجب للعبد أن يستعمل المروءة وأن يفعل ما يجمله ويزينه عند الناس ويتجنب ما يدنسه ويشينه فالحياء كله من الإيمان. ( المراجع ) شرح رياض الصالحين ،ابن عثيمين. 3
الحديث الثالث ع ْن ع ْب ِد ال هلهِ ْب ِن ع ْم ٍرو رضي الله عنهما ع ِن النه ِب ِّي صلى الله عليه وسلم قال: \"ا ْل ُم ْسلِ ُم م ْن س ِلم ا ْل ُم ْسلِ ُمون ِم ْن لِسانِ ِه وي ِد ِه ،وا ْل ُمها ِج ُر م ْن هجر ما نهى ال هلهُ ع ْنهُ\" ]بخاري[01: ( شرح الحديث ) من سلم المسلمون من لسانه :سلم المسلمون من لسانه فلا يسبهم ،ولا يلعنهم ،ولا يغتابهم ،ولا ينم بينهم ،ولا يسعى بينهم بأي نوع من أنواع الشر والفساد ،فهو قد ك ّف لسانه ،وكف اللسان من أشد ما يكون على الإنسان ،وهو من الأمور التي تصعب على المرء وربما يستسهل إطلاق لسانه. فاللسان من أشد الجوارح خطراً على الإنسان ،ولهذا إذا أصبح الإنسان فإن الجوارح :اليدين والرجلين والعينين ،كل الجوارح تكفر اللسان. من سلم المسلمون من يده :فلا يعتدي عليهم بالضرب ،أو الجرح ،أو أخذ المال ،أو ما أشبه ذلك ،قد كف يده لا يأخذ إلا ما يستحقه شرعاً ،ولا يعتدي على أحد ،فإذا اجتمع للإنسان سلامة الناس من يده ومن لسانه ،فهذا هو المسلم. والمهاجر من هجر مانهى الله عنه :الهجرة نوعان :ظاهرة وباطنة. فالباطنة ترك ما تدعو إليه النفس الأمارة بالسوء والشيطان. والظاهرة الفرار بالدين من الفتن. الهجرة المقصودة في الحديث هي الهجرة الباطنة (هجرة العمل ) وهي أن يهجر الإنسان مانهاه الله عنه من المعاصي والفسوق. ( المراجع ) فتح الباري،ابن حجر،شرح رياض الصالحين،ابن عثيمين 4
الحديث الرابع ع ْن ع ْب ِد ال هلهِ ْب ِن ع ْم ٍرو رضي الله عنهما أ هن ر ُج ًلا سأل النهبِ هي صلى الله عليه وسلم : أ ِّي ال ِإ ْسلا ِم خ ْي ٌر؟ قال\" :تُ ْط ِع ُم الطهعام ،وت ْقرأُ ال هسلام على م ْن عر ْفت وم ْن ل ْم ت ْع ِر ْف\". ]بخاري[01: ( شرح الحديث ) أي الإسلام خير :بمعنى أي خصال الإسلام خير. تطعم الطعام :يعني من احتاج إليه وأول من يلزمك إطعامه هم عائلتك ،وإطعامهم صدقة وصلة وذكر الإطعام ليدخل فيه الضيافة وغيرها. تقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف :فلا يكن سلامك سلام معرفة بل يكن سلام كسلام مثوبة وإلفة ،لأن المسلم يثاب على سلامه ويحصل بسلامه التأليف ،فلا تخص به أحدا تكبرا او تصنعا ،بل تعظيما لشعار الإسلام ومراعاة لأخوة المسلم. لفظ الحديث عام فهل يدخل فيه الكافر والمنافق والفاسق؟ ينقسم الناس إلى ثلاثة أقسام : القسم الأول الفاسق المعلن بفسقه فهذا سلم عليه إلا إذا كان في هجره مصلحة. القسم الثاني الكافر لا تسلم عليه لكن إن سلم عليك رد عليه بقولك (وعليكم). القسم الثالث إنسان مسلم لا تعلم عليه فسقا فسلم عليه واحرص على أن تكون أنت البادئ بالسلام لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبدأ من لقيه بالسلام. ( المراجع ) شرح رياض الصالحين ،ابن عثيمين. 5
الحديث الخامس ع ْن أن ٍس رضي الله عنه قال :قال النهبِ ُّي صلى الله عليه وسلم: \"لا يُ ْؤ ِم ُن أح ُد ُك ْم حتهى أ ُكون أح هب إِل ْي ِه ِم ْن والِ ِد ِه وول ِد ِه والنها ِس أ ْجم ِعين\". ]بخاري[01: ( شرح الحديث ) لا يبلغ المؤمن كمال الإيمان حتى يقدم محبة النبي صلى الله عليه وسلم على محبة جميع الناس حتى على النفس والولد والوالد ،وإذا قدمت محبته فإنك تطيعه ،لذلك من ادعى محبة الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يطعه فدعواه باطلة. ومن حقوق النبي صلى الله عليه وسلم: توقيره ...واحترامه ...وتعظيمه التعظيم اللائق به من غير غلو ولا تقصير. فتوقيره في حياته توقير سنته وشخصه الكريم. وتوقيره بعد مماته توقير سنته وشرعه القويم. ومن رأى توقير الصحابة وتعظيمهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم عرف كيف قام هؤلاء الأجلاء الفضلاء بما يجب عليهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال عروة بن مسعود لقريش حينما أرسلوه ليفاوض النبي صلى الله عليه وسلم في الصلح في قصة الحديبية ،قال :دخلت على الملوك ،كسرى وقيصر والنجاشي فلم أر أحدا يعظمه أصحابه مثل ما يعظم أصحاب محمد محمدا ،كان إذا أمرهم ابتدروا أمره وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوءه وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده ،وما يحدون إليه النظر تعظيما له هكذا كانوا يعظمونه رضي الله عنهم مع ما جبله الله عليه من الأخلاق الكريمة ولين الجانب وسهولة النفس ،ولو كان فظا غليظاً لانفضوا من حوله. ( المراجع ) ابن عثيمين. 6
الحديث السادس ع ْن أن ِس ْب ِن مالِ ٍك رضي الله عنه ع ِن النهبِ ِّي صلى الله عليه وسلم قال\" :ثلا ٌث م ْن ُك هن فِي ِه وجد حلاوة ال ِإيما ِن :أ ْن ي ُكون ال هلهُ ور ُسولُهُ أح هب إِل ْي ِه ِم هما ِسوا ُهما ،وأ ْن يُ ِح هب ا ْلم ْرء لا يُ ِح ّبُهُ إِلا َِلهِلِ، وأ ْن ي ْكره أ ْن يعُود فِي ا ْل ُك ْف ِر كما ي ْكرهُ أ ْن يُ ْقذف ِفي النها ِر\" ]بخاري[06: ( شرح الحديث ) ثلا ٌث م ْن ُك هن فِي ِه وجد حلاوة ال ِإيما ِن :ثلاث خصال من وجدت فيه او أجتمعن فيه وجد حلاوة الإيمان. قال النووي :معنى حلاوة الإيمان هو استلذاذ الطاعات وتحمل المشاق في رضى الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم ،وإيثار ذلك على عرض الدنيا. أ ْن ي ُكون ال هلهُ ور ُسولُهُ أح هب إِل ْي ِه ِم هما ِسواهُماِ :معناه أن من استكمل الإيمان علم أن حق الله ورسوله آكد عليه من حق أبيه وأمه وزوجه وجميع الناس، لأن الهدى من الضلال والخلاص من النار إنما كان باَلِل على لسان رسوله، ومن علامات محبته نصر دينه بالقول والفعل وال هذب عن شريعته والتخلق بأخلاقه، وقال النووي :ومحبة العبد ربه سبحانه وتعالى بفعل طاعته وترك مخالفته وكذلك محبة الرسول صلى الله عليه وسلم. وأ ْن يُ ِح هب ا ْلم ْرء لا يُ ِح ُّبهُ إِلا َِل هِلِ :وهي أن تحب الإنسان لصلاحه ولتقاه ولعبادته واستقامته ولالتزامه بأمر الله تعالى؛ مع أنه ما نفعك في دنياك ،ولا شفع لك ،ولا أهدى إليك ،ولا أعطاك، ولا تسبب في عمل لك ، 7
فتحبه َلِل لا لعرض الدنيا ،فهذه المحبة الدينية هي التي يجد بها حلاوة الإيمان؛ وذلك لأنه إذا أحب من يحبهم الله تعالى فإنه يقتدي بهم. وأ ْن ي ْكره أ ْن ي ُعود فِي ا ْل ُك ْف ِر كما ي ْكرهُ أ ْن يُ ْقذف ِفي النها ِر :يكره الكفر ،الله تعالى أنقذه من الكفر وهداه للإيمان ،فآمن ،ودخل في الإيمان ،والتزم بالطاعة؛ فلأجل ذلك يكره الكفر بعد الإيمان،ويكره المعصية بعد الطاعة. كل شيء يكرهه الله فإنه يكرهه؛ ولو عذب؛ ولو أحرق؛ فإنه يصبر على الأذى، يكره الكفر كما يكره أن يقذف في النار ،فهو يكره كل ما يغضب الله ،وما نهاه الله عنه. فهذا هو علامة محبة الإيمان ،وعلامة حلاوته. ( فوائد الحديث ) -0وجوب تقديم محبة الله ورسوله على كل ما سواهما. -1أن للإيمان حلاوة يجدها من وجدت فيه الخصال الثلاث المذكورة في الحديث. -3أن من لوازم محبة الله :الحب في الله والبغض في الله. -4أن تمكن محبة الله في قلب المؤمن يقتضي كراهة الكفر باَلِل وأهله. -1أن الوقوع في نار الدنيا أحب إلى العبد المؤمن حقاً من العود في الكفر لأنه يؤدي إلى دخول نار الآخرة والخلود فيها.في الحديث دليل على تفاضل الناس في الإيمان، وأنه يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية ،وذلك أن من وجدت فيه الخصال الثلاث وجد حلاوة الإيمان بخلاف غيره. ( المراجع ) فتح الباري ،ابن حجر ،شرح النووي ،شرح بن جبرين موقع شبكة السنة النبوية وعلومها. 8
الحديث السابع ع ْن أنس بن مال ٍك رضي الله عنه ع ِن النهبِ ِّي صلى الله عليه وسلم قال: \" آيةُ ال ِإيما ِن ُح ُّب الأ ْنصا ِر ،وآيةُ النِّفا ِق بُ ْغ ُض الأ ْنصا ِر\". ]بخاري[01: ( شرح الحديث ) آية الإيمان :أي علامات كمال إيمان الإنسان حب مؤمني الأوس والخزرج لحسن وفائهم بما عاهدوا الله عليه من إيواء نبيه ونصره على أعدائه زمن الضعف والعسرة وحسن جواره ورسوخ صداقتهم وخلوص مودتهم. و معنى الحديث أن علامة الإيمان الظاهرة الواضحة محبة الأنصار من أجل محبتهم للرسول -صلى الله عليه وسلم -ومناصرتهم وتأييدهم له -صلى الله عليه وسلم ،- فمن أحبهم لهذا الغرض كان ذلك علامة واضحة ،ودليلاً قاطعاً على كمال إيمانه ،لأنه قد أحبهم في الله، ومن أحب في الله وأبغض في الله فقد استكمل الإيمان. وآية النفاق بغض الأنصار :أي وعلامة النفاق بغض الأنصار من أجل مناصرتهم للنبي -صلى الله عليه وسلم ،-فمن أبغضهم لهذا السبب فهو منافق ولا شك، وبغ ُض المنافقين للأنصار إنهما هو لنُصرتهم النهب هي -صلهى اللهُ عل ْي ِه وسلهم -لإظهار دينه، وهذا المعنى لا يخت ُّص به الأنصار؛ فإ هن المهاجرين هم أيضاً أنصا ٌر ،وقد جمعوا بين الهجرة وال ُّنصرة، ولهذا كانوا أفضل من الأنصار ،وقد وصفهم الله بهذين الوصفين و ِر ْضوانًا الله ِمن ف ْضلاً أُ ِدويلاَِ ِرك ِه ْمهُ ُموأا ْلمو هاصلِا ِدِهقُْموي ْبنت ُغ).ون ال ُمها ِج ِرين اله ِذين أُ ْخ ِر ُجوا ِمن لِ ْلفُقرا ِء ( قوله: في وين ُص ُرون الله ور ُسولهُ ( المراجع ) فيض القدير شرح الجامع الصغير ،المناوي ،منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري. 9
الحديث الثامن ع ْن أبِي س ِعي ٍد ا ْل ُخ ْد ِر ِّي رضي الله عنه أنههُ قال :قال ر ُسو ُل ال هلهِ -صلى الله عليه وسلم\" يُو ِش ُك أ ْن ي ُكون خ ْير ما ِل ا ْل ُم ْسلِ ِم غن ٌم ي ْتب ُع بِها شعف ا ْل ِجبا ِل ومواقِع ا ْلق ْط ِر يفِ ُّر بِ ِدينِ ِه ِمن ا ْلفِت ِن\". ]بخاري[09: ( مفردات الحديث ) شعف الجبال :رؤوسها. مواقع القطر :أي المواضع التي يستقر فيها المطر كالأودية. ( شرح الحديث ) المعنى :سيأتي عن قريب زمان تسوء فيه الأحوال ،وتفسد الدنيا ،وتكثر المعاصي ويألفها الناس، ويزول الأمر بالمعروف ،والنهي عن المنكر ،ويضعف الدين حتى تصبح خير حياة يحياها المسلم حياة العزلة ،وخير مال يعيش عليه أن يكون له غنم يرعاها على ذرى الجبال ،ويتبع بها مواضع الأمطار ،يفر بدينه من الفتن. ( يستفاد من الحديث ) أن العزلة خير إن كان في الاختلاط شر وفتنة في الدين ،وإلا فالأصل أن الاختلاط هو الخير ،يختلط الإنسان مع الناس فيأمر بالمعروف ،وينهى عن المنكر ،يدعو إلى حق ،يبين السنة للناس ،فهذا خير .لكن إذا عجز عن الصبر وكثرت الفتن؛ فالعزلة خير ولو أن يعبد الله على رأس جبل أو في قعر وا ٍد. ( المراجع ) منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري،.شرح رياض الصالحين ،ابن عثيمين. 01
الحديث التاسع ع ْن أبِي س ِعي ٍد ا ْل ُخ ْد ِر ِّي رضي الله عنه ع ِن النهبِ ِّي صلى الله عليه وسلم قال\" :ي ْد ُخ ُل أ ْه ُل ا ْلجنه ِة ا ْلجنهة وأ ْه ُل النها ِر النهار ،ثُ هم يقُو ُل ال هلهُ تعالى :أ ْخ ِر ُجوا ِمن النها ِر م ْن كان فِي ق ْلبِ ِه ِم ْثقا ُل حبه ٍة ِم ْن خ ْرد ٍل ِم ْن إِيما ٍن، فيُ ْخر ُجون ِم ْنها ق ِد ا ْسو ُّدوا فيُ ْلق ْون فِي نه ِرا ْلحيا ِة في ْنبُتُون كما ت ْنبُ ُت ا ْل ِحبهةُ فِي جانِ ِب ال هس ْي ِل ،أل ْم تر أنهها ت ْخ ُر ُج ص ْفراء ُم ْلت ِويةً\". ]بخاري[11: ( شرح الحديث ) يدخل أهل الجنة الجنة :أي يدخل المؤمنون من أهل الجنة الجنة ،بفضل الله ورحمته ثم بسبب أعمالهم الصالحة. وأهل النار النار :أي ويدخل المؤمنون من أهل النار النار لمجازاتهم على سيَاتهم. ثم يقول الله عز وجل :أخرجوا من النار من كان في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان : أي أخرجوا من النار كل من عمل مقدار حبة خردل من أعمال الإيمان بعد التوحيد والتصديق بما جاء به نبينا صلى الله عليه وسلم، أ هما من نقص شيَاً من التوحيد ،أو أنكر شيَاً مما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم فإنه لا يدخل في ذلك ،ولا يخرج من النار، بل يخلد فيها لأن التوحيد والتصديق القلبي لا يقبل التجزئة، فمن نقض منه شيَاً فهو كافر مخلد في النار، 00
وقد نبه على ذلك العيني حيث قال: \" واعلم أن المراد بالخردلة ما زاد عن أصل التوحيد\" وقد جاء في الصحيح بيان ذلك، ففي رواية البخاري \"أخرجوا من قال لا إله إلاّ الله وعمل من الخير\" ثم بعد هذا يخرج منها من لم يعمل خيراً فيخرجون منها قد اسودوا. فيلقون في نهر الحياة :الذي من غمس فيه حيي إلى الأبد. فينبتون كما تنبت الحبة :أي كما تنبت البذرة المزروعة. ألم تر أنها تخرج صفراء ملتوية :أي ألا ترى كيف تخرج من الأرض عند بدايتها صفراء اللون جميلة المنظر منعطفة الأوراق ،ثم تتمدد وتتفتح أوراقها بعد ذلك. ( يستفاد من الحديث ) أولاً :تفاضل أهل الإيمان في درجات إيمانهم ،وذلك بسبب تفاضل أعمالهم، وأن الإيمان يزيد بالطاعة ،وينقص بالمعصية. ثانياً :أن مرتكب الكبيرة لا يخلد في النار ،ولا يخرج من الملة، لقوله -صلى الله عليه وسلم \" -أخرجوا من كان في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان \". ثالثاً :أن مرتكب المعاصي معرض للعقوبة في الدار الآخرة ،ودخول النار، إلاّ أن يعفو الله عنه ،لقوله -صلى الله عليه وسلم \" -فيخرجون منها وقد اسودوا \". ( المرجع ) منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري. 02
الحديث العاشر عن أبي سعيد الخدر ُي رضي الله عنه قال :قال ر ُسو ُل ال هلهِ -صلى الله عليه وسلم\" :ب ْينا أنا نائِ ٌم رأ ْي ُت النهاس يُ ْعر ُضون عل هي وعل ْي ِه ْم قُ ُم ٌصِ ،م ْنها ما ي ْبلُ ُغ الثُّ ِد هي ،و ِم ْنها ما ُدون ذلِك ،و ُع ِرض عل هي ُعم ُر ْب ُن ا ْلخطها ِب وعل ْي ِه ق ِمي ٌص ي ُج ُّرهُ\" قالُوا :فما أ هو ْلت ذلِك يا ر ُسول ال هلهِ؟ قال :ال ِّدين\". ]بخاري[13: ( شرح الحديث ) بينا أنا نائم رأيت الناس يعرضون علي وعليهم قمص :أي بينما كنت نائماً رأيت الناس أثناء نومي وهم يمرون من أمامي وعليهم أقمصة مختلفة الأطوال. منها ما يبلغ الثدي :أي من الناس من تصل قمصهم إلى ثُ ِديّهم. ومنها ما دون ذلك :أيومن هذه القمص ما هو أقصر من ذلك. وعرض علي عمر بن الخطاب وعليه قميص يجره :أي وعليه قميص طويل يسحبه قالوا فما أ ّولت ذلك :أي بماذا ف ّسرت ذلك قال الدين :أى ف ّسرت القميص بالدين ،لأنه يستر المؤمن ،ويصونه من النار كما يستر القميص البدن. ( يستفاد من الحديث ) أولاً :تفاضل أهل الإيمان في إيمانهم كتفاضل أصحاب القمص في قمصهم فكما أن تلك القمص التي رآها -صلى الله عليه وسلم -في منامه تزيد وتنقص ،ومنها الأطول والأقصر ،فكذلك الإيمان يزيد وينقص. ثانياً :أن رؤيا الأنبياء كلها حق ،ولذلك استدل النبي -صلى الله عليه وسلم -برؤياه على زيادة إيمان عمر رضي الله عنه. ( المرجع ) منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري. 03
الحديث الحادي عشر ع ِن اب ِن ُعمر رضي الله عنهما -:أ هن ر ُسول ال هلهِ صلى الله عليه وسلم م هر على ر ُج ٍل ِمن الأ ْنصا ِر وهُو ي ِعظُ أخاهُ فِي ا ْلحيا ِء ،فقال ر ُسو ُل ال هل ِه صلى الله عليه وسلم : \" د ْعهُ فإِ هن ا ْلحياء ِمن ال ِإيما ِن \". ]بخاري[14: (شرح الحديث) أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم -م ّر على رجل من الأنصار، وهو يعظ أخاه في الحياء :أي ينصحه أن يخفف من حيائه ،وفي رواية يعاتب أخاه في الحياء ،يقول :إنك لتستحي ،حتى كأنه يقول :قد أض ّر بك ،وذلك أن الرجل كان كثير الحياء وكان ذلك يمنعه من استيفاء حقوقه ،فعاتبه أخوه على ذلك. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم – دعه :أي اتركه على هذا الخلق الحسن. فإن الحياء من ال ِإيمان :لأنه يمنع صاحبه عما نهي الله عنه. ( ما يستفاد من الحديث ) أن ديننا الإسلامي دين أخلاق ،كما أنه دين عقائد وأحكام، ولهذا كان الحياء جزءاً منه ،لأنه سبب لجميع الأخلاق الفاضلة. ( المرجع ) منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري. 04
الحديث الثاني عشر ع ْن أبِي هُر ْيرة رضي الله عنه أ هن ر ُسول ال هلهِ صلى الله عليه وسلم ُسَِل :أ ُّي ا ْلعم ِل أ ْفض ُل؟فقال \":إِيما ٌن بِاَل هِلِ ور ُسولِ ِه \" قِيل :ثُ هم ماذا؟ قال\" :ا ْل ِجها ُد فِي سبِي ِل ال هلهِ\" قِيل :ثُ هم ماذا؟ قال \" :ح ٌّج م ْب ُرو ٌر \". ]بخاري[16: ( شرح الحديث ) أي سأله رجل وهو أبو ذر رضي الله عنه :أي الأعمال أعظم عند الله أجراً وثواباً؟ قال :إيمان باَلِل ورسوله :أي أن أفضل الأعمال على ال ِإطلاق ،ال ِإيمان باَلِل ورسوله ،والتصديق بما جاء به النبي -صلى الله عليه وسلم -لأنه شرط في صحة جميع العبادات الشرعية ،من صلاة ،وزكاة وغيرها قيل :ثم ماذا؟ :أي فقال أبو ذر :ثم ما هو أفضل الأعمال بعد ال ِإيمان؟ قال :الجهاد في سبيل الله :وهو القتال ِلإعلاء كلمة الله ،لا لأي غرض من الأغراض الأخرى ،فإن كان لغرض آخر ،من وطنية أو قومية ،أو عصبية ،فإنه ليس جهاداً. قيل ثم ماذا ؟ :أي ثم ما هو العمل الذي يأتي بعد الجهاد في الأفضلية قال :حج مبرور :وهو الحج الخالص لوجه الله تعالى ،المقبول عنده ،لخلوصه من الرياء والسمعة والمال الحرام. ( ما يستفاد من الحديث ) أولاً :أن العمل ركن من أركان ال ِإيمان ،كما أن القول باللسان والتصديق بالقلب ركنان منه لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما سَل في هذا الحديث عن أفضل الأعمال ،أجاب بأن أفضل الأعمال ،إيِمان باَلِل ورسوله ،فد ّل ذلك على أن ال ِإيمان عمل ،كما أنه تصديق وقول ثانياً :أهمية الجهاد ،ومكانته في ال ِإسلام ،حتى أنه يقدم أحياناً على الحج الذي هو أحد أركان ال ِإسلام الخمسة ،وذلك عند الحاجة إليه. (المرجع ( منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري. 05
الحديث الثالث عشر ثُ هم ع ِن ا ْب ِن عبها ٍس رضي الله عنهما قال :قال النهبِ ُّي صلى الله عليه وسلم \" :أُ ِري ُت النهار فإِذا أ ْكث ُر أ ْهلِها ال هد ْهر إِ ْحداهُ هن إِلى اقل ِإ ُّط ْح\"س.ا]نب،خلا ْور أي ْ:ح9س ْ1ن[ت ا ْلع ِشير وي ْكفُ ْرن :أي ْكفُ ْرن بِاَل هِلِ؟ قال :ي ْكفُ ْرن قِيل ي ْكفُ ْرن النِّسا ُء رأ ْي ُت ِم ْنك خ ْي ًرا رأ ْت ِم ْنك ش ْيًَا قال ْت :ما . ( شرح الحديث ( مر النبي صلى الله عليه وسلم على النساء يوم العيد فأراد أن ينتهز فرصة وجوده بينهن في نُ ْص ِحه هن ووعظهن وتحذيرهن عن بعض المساوىء التي يغلب صدورها منهن أريت النار :أي أطلعني الله تعالى على النار وكشف لي عنها ،فرأيتها ببصري رأي العين فإذا أكثر أهلها النساء:أي فلما نظرت إليها ،وشاهدت من فيها من البشر ،فوجَت بأن أكثر أهلها النساء، يكفرن :أي إنما كن أكثر أهل النار لأنّهن يكفرن ،ولم يبين صلى الله عليه وسلم يكفرن بماذا لتذهب أفكارهن كل مذهب ،ويشتد خوفهن ،وتتطلع نفوسهن لمعرفة هذا الكفر الذي وصفهن به النبي صلى الله عليه وسلم قيل أيكفرن باَلِل :أي قالت إحداهن أيكفرن باَلِل؟ قال :يكفرن العشير :أي ينكرن نعمة الزوج وإحسانه إليهن لو أحسنت إلى إحداهن الدهر:أي العمر كله .ثم رأت منك شيَاً :واحداً مما تكره قالت :ما رأيت منك خيراً قط :أي ما وجدت منك شيَاً ينفعني أو يسرني طيلة حياتي كلها. ( ما يستفاد من الحديث ) أولاً :أن نكران الجميل من الكبائر ،ولولا ذلك لما ترتب عليه هذا الوعيد الشديد. ثانياً :أن هناك كفراً دون كفر ،ومعناه أن الكفر نوعان ،كفر يخرج عن الملة ،وهو الكفر الاعتقادي ،وكفر لا يخرج وهو العملي كجحود نعمة الزوج مثلا. ثالثا :ما جبل عليه أغلب النساء من كفران العشير وجحود نعمة الزوج. ( المرجع ) منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري. 06
الحديث الرابع عشر ع ْن أبِ ْي ذ ٍّر رضي الله عنه قال :إِنِّي ساب ْب ُت ر ُج ًلا فعيه ْرتُهُ بِأُ ِّم ِه فقال لِي النهبِ ُّي صلى الله عليه وسلم: \" يا أبا ذ ٍّر ،أعيه ْرتهُ بِأُ ِّم ِه؟ إِنهك ا ْم ُر ٌؤ فِيك جا ِهلِيهةٌ ،إِ ْخوانُ ُك ْم خولُ ُك ْم ،جعلهُ ُم ال هلهُ ت ْحت أ ْي ِدي ُك ْم، فم ْن كان أ ُخوهُ ت ْحت ي ِد ِه ف ْليُ ْط ِع ْمهُ ِم هما يأْ ُك ُل و ْليُ ْلبِ ْسهُ ِم هما ي ْلب ُس ،ولا تُك ّلِفُوهُ ْم ما ي ْغ ِلبُ ُه ْم، فإِ ْن كله ْفتُ ُمو ُه ْم فأ ِعينُو ُه ْم\". ]بخاري[31: (شرح الحديث( يقول أبو ذر رضي الله عنه :ساببت رجلاً :أي تخاصمت مع رجل وهو بلال رضي الله عنه ،وشتمته. فعيرته بأمه أي فعبت أمه ووصفتها بالسواد ،حيث قلت له :يا ابن السوداء، وخالفت بذلك شريعة الإسلام ،التي لا تفرق بين لون ولون، ولا تفضل إنساناً على آخر إ ّلا بالتقوى كما قال تعالى( :إ ّن أكرمكم عند الله أتقاكم)، وكما قال صلى الله عليه وسلم \" لا فضل لعربي على عجمي إلاّ بالتقوى\" . فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم :أعيرته بأمه :وهذا استفهام إنكاري تعجبي، أي كيف تعيبه بسواد أ ّمه ،وتستنقصه بذلك ،وأنت تعلم أن ال ِإسلام لا يميز بين الناس بالألوان، وإنما يفاضل بينهم بالتقوى والعمل الصالح. 07
إنك امرؤ فيك جاهلية:أي إن ما فعلته معه من تعيير بسواد أ ّمه نعرة جاهلية، وأثر من آثار التمييز العنصري الذي كان موجوداً قبل ال ِإسلام. إخوانكم خولكم :أي إن هؤلاء الخدم ليسوا في الحقيقة سوى إخوانكم في الدين أو ال ِإنسانية سخرهم الله لكم. جعلهم الله تحت أيديكم :أي تحت سلطتكم وطوع أمركم فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل وليلبسه مما يلبس :أي وما داموا إخوة لكم، فإن عاطفة الأخوة تقتضي منكم حسن معاملتهم ،والرفق بهم ومراعاة مشاعرهم، وتوفير العيش الكريم لهم ،وإطعامهم من طعامكم وإلباسهم من لباسكم ولا تكلفوهم ما يغلبهم :أي ولا تكلفوهم من الأعمال الشاقة ما لا يطيقونه ،ولا يقدرون عليه. \"فإن كلفتموهم فأعينوهم:أي فإن كلفتموهم من العمل ما يشق عليهم فيجب عليكم إعانتهم عليه ومساعدتهم. ( يستفاد من الحديث ) أولاً :أن مرتكب المعصية لا يكفر ،لأن تعيير المرء بأ ّمه معصية، ومع ذلك لم يسمه صلى الله عليه و سلم كفراً. ثانياً :أن من محاسن ال ِإسلام إلغاء التمييز العنصري الذي كان في الجاهلية. ( المرجع ) منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري. 08
الحديث الخامس عشر عن أبِ ْي ب ْكرة رضي الله عنه قال :س ِم ْع ُت ر ُسول ال هلهِ صلى الله عليه وسلم يقُو ُل \":إِذا ا ْلتقى ا ْل ُم ْسلِما ِن بِس ْيف ْي ِهما فا ْلقاتِ ُل وا ْلم ْقتُو ُل فِي النها ِر \" فقُ ْل ُت :يا ر ُسول ال هل ِه ،هذا ا ْلقاتِ ُل ،فما با ُل ا ْلم ْقتُو ِل؟ قال \":إِنههُ كان ح ِري ًصا على ق ْت ِل صا ِحبِ ِه \". ] بخاري[30: (شرح الحديث( إذا التقى المسلمان بسيفيهما :أي إذا تقابلا بسيفيهما في حرب أو معركة شخصية. فالقاتل والمقتول في النار :أي فكلاهما يستحقان دخول النار ،إلاّ أنهما لا يتساويان في العقوبة ،فإ هن القاتل أشد عذاباً ،وأكثر مكثاً في النار من المقتول. فقلت هذا القاتل :أي هذا القاتل عرفنا ذنبه الذي استحق به النار. فما بال المقتول :أي فما ذنب المقتول؟ قال :إنه كان حريصاً على قتل صاحبه :أي إنه يعاقب بالنار لعزمه وتصميمه على قتل صاحبه. ( يستفاد من الحديث ) أولاً :أن قتال المسلم لأخيه بغير وجه شرعي كبيرة من الكبائر. ثانياً :أن كلا المتقاتلين عاص مستحق للنار ،إلاّ أن القاتل أشد معصية وأعظم عقوبة. ثالثاً :أن المسلم يحاسب على ما يستقر في نيته من العزم على المعصية ،لقوله \" فإنه كان حريصاً على قتل صاحبه\". رابعاً :أن صاحب الكبيرة لا يكفر بفعلها ،لأن النبي -صلى الله عليه وسلم -سمي المتقاتلين مسلمين. (المرجع( منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري. 09
الحديث السادس عشر ع ْن أبِي هُر ْيرة رضي الله عنه ع ِن النهبِ ِّي صلى الله عليه وسلم قال : \"آيةُ ا ْل ُمنافِ ِق ثلا ٌث :إِذا ح هدث كذب ،وإِذا وعد أ ْخلف ،وإِذا ا ْؤتُ ِمن خان\". ] بخاري[30: ( شرح الحديث ) النفاق نوعان : -0نفاق اعتقادي :يخرج صاحبه عن الإيمان وهو إظهار ال ِإسلام وإخفاء الكفر. -1نفاق عملي :وهو التشبه بالمنافقين في أخلاقهم ،وهذا لا يخرج صاحبه عن الإيمان، إلاّ أنه كبيرة. وقد تحدث النبي -صلى الله عليه وسلم -في هذا الحديث عن النفاق العملي وبين لنا العلامات المميزة له فقال : آية المنافق ثلاث : أي من علامات النفاق العملي التي تدل على أن صاحبها يشبه المنافقين في أعمالهم وأخلاقهم أن توجد في المرء هذه الخصال الثلاث أو بعضها. الخصلة الأولى :إذا حدث كذب : أي أن يشتهر ذلك الإنسان بالكذب في الحديث عامداً متعمداً ،فلا يخبرك بشيء إلا تعمد إخفاء الحقيقة وال ِإخبار بخلاف الواقع الذي يعتقده تضليلاً وتمويهاً وخداعاً. الخصلة الثانية :إذا وعد أخلف: أي أن يشتهر بخلف الوعد عمداً ،بحيث إذا وعد بشيء تعمد الخلف، 21
وعزم عليه في نفسه مسبقاً ،وصمم من أول الأمر على عدم الوفاء به. الخصلة الثالثة :إذا ائتم ٍن خان: أي أن يشتهر بالخيانة بين الناس ،فلا يثق به أحد ،لأنه إذا أودع سراً أفشاه، وإذا أودع مالاً تصرف فيه خلاف الوجه الشرعي المطلوب منه ،وإذا استشير لم ينصح في مشورته، وإذا عهد إليه بعمل لم يؤده. ( يستفاد من الحديث ) أولاً :أن الكذب نفاق عملي وخصله من خصال المنافقين ،وكبيرة من الكبائر ،وهو في الأصل ال ِإخبار بخلاف الواقع ،إلا أنه لا يكون كبيرة إلا إذا خالف ما يعتقده صاحبه، أما إذا تحدث بما يعتقده ثم ظهر الواقع خلافه فلا إثم عليه لأنه لا تكليف إلا بعلم. ثانياً :أن خلف الوعد من النفاق ،وكبيرة من الكبائر ،بشرطين : الأول :أن يكون وعد خير ،فإن كان وعد شر .فإن ُخ ْلفه واجب أو مستحب، وليس من النفاق في شيء ،بل هو ب ٌّر وطاعة . الثاني :أن يكون قد عزم على الخلف مسبقاً ،أما إذا نوى الوفاء وحال دونه عذر شرعي فلا شيء عليه. ثالثاً :أن الخيانة من الكبائر ومن أخلاق المنافقين سواء كانت في سر أو وديعة أو وظيفة، وسواء كانت في حق من حقوق الله ،أو من حقوق العباد. ( المرجع ) منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري. 20
الحديث السابع عشر ع ْن أبِي ُهر ْيرة رضي الله عنه قال :قال ر ُسو ُل ال هلهِ صلى الله عليه وسلم-: \" م ْن صام رمضان إِيمانًا وا ْحتِسابًا ُغفِر لهُ ما تق هدم ِم ْن ذ ْن ِب ِه \" . ] بخاري[31: (شرح الحديث( من صام رمضان إيماناً واحتساباً :أي من صام هذا الشهر معتقداً أنه من أعمال ال ِإيمان منتظراً المثوبة عليه. غفر له ما تقدم من ذنبه :وفي رواية غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ،والمعنى ،أن صيامه هذا يكفر جميع ذنوبه السابقة واللاحقة إذا كانت من الصغائر. ( ما يستفاد من الحديث ) أولاً :فضل رمضان ،وفضل صيامه وكونه يكفر الذنوب المتقدمة والمتأخرة. ثانياً :أن الصيام الذي هو عمل من أعمال الجوارح جزء من ال ِإيمان لقوله -صلى الله عليه وسلم : - \"من صام رمضان إيماناً \" .وإذا كان الصوم جزءاً من ال ِإيمان ،فإن هذا يدل على أن جميع الأعمال الصالحة من ال ِإيمان أيضاً. ( المرجع ) منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري. 22
الحديث الثامن عشر ع ْن أبِي ُهر ْيرة رضي الله عنه ع ِن النهبِ ِّي صلى الله عليه وسلم قال: \"إِ هن ال ِّدين يُ ْس ٌر ،ول ْن يُشا هد ال ِّدين أح ٌد إِلا غلبهُ ،فس ِّد ُدوا وقا ِربُوا وأ ْب ِش ُروا، وا ْست ِعينُوا بِا ْلغ ْدو ِة وال هر ْوح ِة وش ْي ٍء ِمن ال ُّد ْلج ِة\". ] بخاري[ 39: ( شرح الحديث ) إن الدين يسر :أي أن هذا الدين الذي هو دين ال ِإسلام يمتاز على غيره من الأديان السماوية بسهولة أحكامه وعدم خروجها عن الطاقة البشرية ،وملاءمتها للفطرة ال ِإنسانية، وتجردها وخلوها من التكاليف الشاقة ،التي كانت في الشرائع السابقة، ومن سماحة هذا الدين ويسره أن الاستطاعة شرط في جميع تكاليفه الشرعية حيث قال صلى الله عليه وسلم \" ما أمرتكم به فأدوا منه ما استطعتم\" ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه :أي لا يبالغ أحد في نوافل العبادات ،ويتجاوز فيها حدود الشريعة والسنة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم ويتعدى حدود الطاقة البشرية، بحيث لا يدع وقتاً للراحة وأداء حقوق النفس والجسد والزوجة والولد إلا أرهق نفسه، وانقطع في النهاية لسآمته وملله ،وكانت النتيجة عكسية فس ّددوا :وهو أمر بالسداد ،أي بالتوسط والاعتدال في الأعمال دون إفراط ولا تفريط. 23
وقاربوا :أي إذا لم تستطيعوا ال ِإتيان بالأفضل من النوافل والطاعات والإتيان بها جميعاً، فأتوا بما يقارب الأفضل ،لأن ما لا يدرك كله ،لا يترك جله ،فمن لم يستطع أن يصوم يوماً ويفطر يوماً الذي هو أفضل الصيام ،فليأت بما يقارب ذلك ،كصيام ثلاثة أيام من كل شهر، ومن لم يستطع ذلك فليصم يوم عاشوراء ويوم عرفة ،وستة أيام من شوال. وأبشروا :أي ولا تظنوا أن القليل من العبادة لا ينفع بل أبشروا بحسن القبول متى حسن العمل وخلصت النية ،فإن العبرة بالكيف لا بالكم. واستعينوا بالغدوة :وهي السير أول النهار إلى الزوال. والروحة :وهي السير بعد الزوال إلى الليل. والدلجة :وهي السير آخر الليل. وقد استعار هذه الأوقات الثلاثة لأوقات النشاط أي واستعينوا على أداء هذه العبادات والصلوات بفعلها في أوقات النشاط وفراغ القلب للطاعة ،ولا تشغلوا بالعبادة كل أوقاتكم لَلا تسأموا فتنقطعوا عنها بالكلية ،فينبغي للعبد إذا أراد المداومة على العمل، أن يختار للعبادة بعض الأوقات المناسبة كوقت الصباح وبعد الزوال وساعة من آخر الليل. ( يستفاد من الحديث ) أولاً :يُسر هذا الدين ،وسهولة أحكامه ،وملاءمته للفطرة ال ِإنسانية. ثانياً :أن قدرة ال ِإنسان وطاقته البدنية شرط في جميع التكاليف الشرعية. ثالثاً :أن رفع الحرج عن المكلفين أصل من أصول التشريع ال ِإسلامي لقوله صلى الله عليه وسلم \" :إن هذا الدين يسر \" وقوله تعالى ( :ما جعل عليكم في الدين من حرج). رابعاً :الترغيب في الأخذ بالرخص كالقصر ( المرجع ) منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري. 24
الحديث التاسع عشر ُُكم ُّل ْسلِقِ ٍميرإِاي ٍمطانً ِما ْث ُل قال\":م ِن اتهبع جنازة ع ْن أبِي ُهر ْيرة رضي الله عنه أ هن ر ُسول ال هل ِه صلى الله عليه وسلم ِمن الأ ْج ِر بِقِيراط ْي ِن، د ْفنِها ،فإِنهه ي ْر ِج ُع معهُ حتهى يُصلهى عل ْيها وي ْف ُرغ ِم ْن وكان وا ْحتِسابًا ق ْبل أ ْن تُ ْدفن فإِنههُ أُ ُح ٍد ،وم ْن صلهى عل ْيها ثُ هم رجع ي ْر ِج ُع بِقِيرا ٍط\". ] بخاري[41: ( شرح الحديث ) من اتبع جنازة مسلم إيماناً واحتساباً:أي من شيع جنازة أخيه المسلم ،وتبعها من بيت أهلها إلى المسجد معتقداً أن تشييع الجنازة من أعمال الإيمان ،مصدقاً بما وعد الله المتبعين من الأجر والمثوبة :راجياً أن ينال ذلك ،ورافقها إلى المسجد. حتى يصلى عليها :صلاة الجنازة. ويفرغ من دفنها:أي وخرج معها من المسجد ،فشيعها ورافقها إلى مثواها الأخير ،واستمر معها حتى دفنت. فإنه يرجع من الأجر قراطين ،كل قيراط مثل أحد :أي فإنه يعود بمقدارين عظيمين من الأجر، كل واحد منهما يكون يوم القيامة مثل جبل أحد حجماً ووزناً. ( يستفاد من الحديث ) أولاً :أن اتباع الجنائز من ال ِإيمان لقوله صلى الله عليه وسلم \" :من اتبع جنازة مسلم إيماناً\" ثانياً :أن مشيّع الجنازة لا يثاب بقيراطين إ هلا إذا اتبعها حتى تدفن. ( المرجع ( منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري. 25
الحديث العشرون عن ع ْب ِد ال هلهِ ْب ِن مس ُع ْو ٍد رضي الله عنه أ هن النهبِ هي صلى الله عليه وسلم قال : \" ِسبا ُب ا ْل ُم ْسلِ ِم فُ ُسو ٌق وقِتالُهُ ُك ْف ٌر\" . ] بخاري[44: ( شرح الحديث ) ِسباب :السباب هو الشتم أو المشاتمة .و السباب أشد من السب ،فالسباب هو أن يقول الرجل في الرجل ما فيه وما ليس فيه يريد بذلك عيبه .وأما السب فلا يكون إلا بما هو فيه. فُ ُسوق :الفسوق في اللغة هو الخروج ،وفي الشرع :الخروج عن طاعة الله ورسوله، وهو في عرف الشرع أشد من العصيان . قال الله تعالى (:وك هره إِل ْي ُك ُم ا ْل ُك ْفر وا ْلفُ ُسوق وا ْل ِع ْصيان). وقِتاله ُك ْفر:وأما القتال فهو المحاربة .ولما كان القتال أشد من السباب لأنه يفضي إلى إزهاق الروح عبر عنه بلفظ أشد من لفظ الفسوق وهو الكفر ولم يرد حقيقة الكفر التي هي الخروج عن الملة ،بل أطلق عليه الكفر مبالغة في التحذير. ( المرجع ) فتح الباري لابن حجر 26
الحديث الحادي والعشرون ع ْن ُعبادة ْب ِن ال هصا ِم ِت رضي الله عنه أ هن ر ُسول ال هلهِ صلى الله عليه وسلم خرج يُ ْخبِ ُر بِل ْيل ِة ا ْلق ْد ِر، فتلاحى ر ُجلا ِن ِمن ا ْل ُم ْسلِ ِمين فقال\" :إِنِّي خر ْج ُت لأُ ْخبِر ُك ْم بِل ْيل ِة ا ْلق ْد ِر ،وإِنههُ تلاحى فُلا ٌن وفُلا ٌن ف ُرفِع ْت ،وعسى أ ْن ي ُكون خ ْي ًرا ل ُك ْم ،ا ْلت ِم ُسوها فِي ال هس ْب ِع والتِّ ْس ِع وا ْلخ ْم ِس\" . ]بخاري[49: ( شرح الحديث ) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يخبر الصحابة رضي الله عنهم في شهر رمضان بتعيين ليلة القدر فتنازع وتخاصم اثنان من الصحابة رضي الله عنهم وهما كعب بن مالك وعبد الله بن أبي حدرد فعند ذلك قال رسول الله \":إِ ِّني خر ْج ُت لأُ ْخبِر ُك ْم بِل ْيل ِة ا ْلق ْد ِر ،وإِنههُ تلاحى فُلا ٌن وفُلا ٌن ف ُرفِع ْت ،وعسى أ ْن ي ُكون خ ْي ًرا ل ُك ْم\" :أي :وإن كان عدم الرفع أزيد خيرا وأولى منه لكن في الرفع خير موجود لاستلزامه مزيد من الثواب لكونه سببا لزيادة الاجتهاد في التماسها وإنماحصل ذلك ببركة رسول الله صلى الله عليه وسلم .ثم قال\" ا ْلت ِم ُسوها فِي ال هس ْب ِع والتِّ ْس ِع وا ْلخ ْم ِس\" :قدم السبع على التسع وهو كذا في معظم الروايات إشارة إلى أن رجاءها في السبع أقوى للاهتمام بتقديمه. ( فوائد من الحديث ) فيه دليل على أن المخاصمة مذمومة .وفيه أن المخاصمة والمعاصي عموما سبب في العقوبة المعنوية وهي الحرمان .وفيه دليل أن المكان الذي يحضره الشيطان ترفع منه البركة والخير‘ فإذا كان هذا الكلام قيل في خصومة جاء الشيطان فيها فكيف بأماكن المنكرات التي عشش فيها الشيطان وجوهر فيها بالمعاصي ليلا ونهارا فهي أحق بمحق البركة ورفع الخير. ( المرجع ) فتح الباريلابن حجر. 27
الحديث الثاني والعشرون ع ْن أبِي م ْسعُو ٍد رضي الله عنه ع ِن النهبِ ِّي صلى الله عليه وسلم قال: \" إِذا أ ْنفق ال هر ُج ُل على أ ْهلِ ِه ي ْحت ِسبُها ف ُهو لهُ صدقةٌ \" . ]بخاري[11: ( شرح الحديث ) إذا أنفق الرجل على أهله :أي إذا صرف الرجل ماله على أهله الذين يعولهم، وتجب عليه نفقتهم من زوجة وأولاد وغيرهم من أقاربه أي شيء من المال قليلاً كان أو كثيراً. يحتسبها :يريد بتلك النفقة وجه الله وابتغاء مرضاته ،ويقصد بها القربة إليه. وامتثال أمره ،راجياً منه الأجر والمثوبة ،لا لمجرد العاطفة ال ِإنسانية ،أو لكونه ملزماً بالنفقة عليهم. فهو له صدقة :أي فإن ذلك الانفاق يحتسب له عند الله عملاً صالحاً ،وحسنة يثاب عليها ثواب الصدقة وليس معناه أن تلك النفقة تعطى حكم الصدقة. ( يستفاد من الحديث ) الترغيب في النية الصالحة في جميع الأعمال ،ولو كانت عادية ،لأن حسن النية فيها يحولها إلى طاعة يؤجر عليها. (المرجع ) منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري. 28
الحديث الثالث والعشرون ع ْن ع ْب ِد ال هلهِ ْب ِن ع ْم ٍرو رضي الله عنهما قال :تخلهف عنها النهبِ ُّي صلى الله عليه وسلم فِي س ْفر ٍة ساف ْرناها فأ ْدركنا وق ْد أ ْرهق ْتنا ال هصلاةُ ون ْح ُن نتو هضأُ فجع ْلنا ن ْمس ُح على أ ْر ُجلِنا فنادى بِأ ْعلى ص ْو ِت ِه: \" و ْي ٌل لِلأ ْعقا ِب ِمن النها ِر\" م هرت ْي ِن أ ْو ثلاثًا].بخاري[61: ( شرح الحديث ) تخلف رسول الله -صلى الله عليه وسلم -في سفرة سافرناها :بين مكة والمدينة كما رواه مسلم فأدركنا :أي فلحقنا النبي -صلى الله عليه وسلم - وقد أرهقتنا الصلاة :أي وقد تأخرنا عن صلاة العصر ،حتى أوشكت الشمس على الغروب وكادت تفوتنا ونحن توضأ :أي ولم ننته بعد من الوضوء. فجعلنا نمسح أرجلنا :أي فاستعجلنا في الوضوء وصرنا نغسل أعضاءنا غسلاً خفيفاً يشبه المسح. فنادى بأعلى صوته ويل للأعقاب :جمع عقب ،وهو مؤخر القدم. من النار :أي فنادى النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه منذراً الذين لا يغسلون أعقابه ِم بالعذاب الشديد يوم القيامة. ( يستفاد من الحديث ) أولاً :وجوب تعليم الجاهل وتنبيهه على خطَه ،وتحذيره من التقصير في الواجبات الشرعية سواء كان ذلك عمداً أو سهواً.ثانياً :أن الفرض في الوضوء هو غسل الرجلين خلافاً لمن يرى أن الفرض مسحها فقط ،لأن النبي -صلى الله عليه وسلم -أنذر الذين يغسلون أرجلهم غسلاً خفيفاً بهذا الوعيد الشديد، فكيف بمن يمسحونها.ثالثاً :مشروعية رفع الصوت بالعلم لقوله \" فنادى بأعلى صوته ويل للأعقاب من النار \". ( المرجع ) منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري. 29
الحديث الرابع والعشرون ع ْن أن ٍس رضي الله عنه ع ِن النهبِ ِّي -صلى الله عليه وسلم قال: \" ي ِّس ُروا ولا تُع ِّس ُروا وب ِّش ُروا ولا تُنفِّ ُروا\". ] بخاري[69: ( شرح الحديث ) أمر النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث بأمرين ،يتوقف على الأول منهما استقامة ال ِإنسان في ذات نفسه ،وعلى الثاني نفعه لغيره ،ونهى عن ضدهما ،لما يؤدي إليه من نتائج عكسية. أ ّما الأمر الأول الذي يرتبط به صلاح ال ِإنسان واستقامته فهو التيسير ،وضده التعسير ،وفي هذا يقول صلى الله عليه وسلم: يسروا :أي خففوا على أنفسكم بممارسة الأعمال التي تطيقونها ،والاقتصاد والتوسط في نوافل العبادات والطاعات من صيام وقيام ونحوه ،فأتوا منها ما استطتعم ،مع المحافظة على الحقوق البدنية والنفسية والاجتماعية من طعام وشراب ولباس ونوم وراحة وزوجة وولد وغيرها، كما قال -صلى الله عليه وسلم \" :إن لبدنك عليك حقاً ،وإ ّن لنفسك عليك حقاً ،وإن لزوجك عليك حقاً ،وإن لزورك -أي ضيفك -عليك حقاً \". ولا تعسروا :أي لا تشددوا على أنفسكم بتكليفها ما لا تطيق من العبادات والطاعات، وإهمال حقوق الجسد والروح وحقوق الأهل والولد وغيرها ،فإن ذلك يؤدي إلى نتيجة عكسية ، وهي السآمة والملل المؤدي إلى كراهية الأعمال الصالحة ،ثم إلى كراهية الدين نفسه، 31
أما الأمر الثاني فهو التبشير الذي يتوقف عليه نجاح الموعظة وانتفاع الغير بها ،وضده المبالغة في الترهيب والتخويف ،المؤدي إلى النفور ،وفي هذا يقول -صلى الله عليه وسلم. وبشروا :أي بشروا المؤمنين بفضل الله وثوابه ،وجزيل عطائه ،وسعة رحمته. ولا تنفروا :الناس بالإكثار من أحاديث الترهيب وأنواع الوعيد. ( يستفاد من الحديث ) أولاً :استحباب اختيار الأوقات المناسبة للموعظة ،وعدم الإكثار منها ،ليستفيد بها السامعون، لأن الإكثار منها يُ ِملُّهم وينفرهم. ثانياً :أن من السنة الاقتصاد في نوافل الطاعات والعبادات من صيام وقيام وإعطاء النفس حقوقها الطبيعية حتى تقبل على الطاعة في شوق ورغبة فتكون أجدى لها وأكثر نفعاً. ثالثاً :حث المرشدين على تبشير الناس وترغيبهم ،وفتح أبواب الأمل والرجاء أمامهم حتى يقبلوا على ربهم في حب ورغبة ،ويحسنوا الظن به ،مع الاجتهاد في العمل ،والاخلاص فيه، فإن حقيقة الرجاء أن يقترن الأمل بحسن العمل .وإ هلا فهو أماني باطلة ،لا تجدي صاحبها شيَاً. ( المرجع ) منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري. 30
الحديث الخامس والعشرون ع ْن ُمعا ِوية رضي الله عنه قال :س ِم ْع ُت النهبِ هي -صلى الله عليه وسلم -يقُو ُل: \" م ْن يُ ِر ِد ال هلهُ بِ ِه خ ْي ًرا يُفقِّ ْههُ فِي ال ِّدي ِن ،وإِنهما أنا قا ِس ٌم وال هلهُ يُ ْع ِطي ،ول ْن تزال ه ِذ ِه الأُ همةُ قائِمةً على أ ْم ِر ال هلهِ لا ي ُض ُّر ُه ْم م ْن خالف ُه ْم حتهى يأْتِي أ ْم ُر ال هلهِ\" ] .بخاري[10: ( شرح الحديث ) من يرد الله به خيراً :أي خيراً عظيماً ،ونفعاً كثيراً ،فإن التنكير للتعظيم. يفقهه في الدين :أي يمنحه العلم الشرعي الذي لا يدانيه خير في هذا الوجود في فضله وشرفه ،وعلو درجته ،لأنه ميراث الأنبياء ،الذي لم يُو ِّرثُوا غيره \" وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم \". وللفقه في لسان الشرع معنيان: معن ًى خاص :وهو معرفة الأحكام الشرعية المتعلقة بالعبادات والمعاملات والجنايات والأحوال الشخصية. ومعن ًى عام :وهو معرفة علوم الدين من توحيد وتفسير وحديث وفرائض وأحكام ،وهو المراد هنا. وإنما أنا قاسم :أي وإنما أنا مجرد قاسم للعلوم الشرعية ،ومبلغ لها ،أبلغها وأنقُلها إليكم عن ربكم. والله عز وجل يعطي :أي والله وحده هو الذي يعطي الحفظ والفهم من يشاء وعلى قدر ما يشاء. ولن تزال هذه الأمة :أي لا تزال طائفة من المسلمين. قائمة على أمر الله :أي ثابتة على دينه إلى قيام الساعة. ( يستفاد من الحديث ) أولاً :أن العلم الشرعي أشرف العلوم إطلاقاً ،لعلاقته باَلِل. ثانياً :أن الفقه في الدين موهبة ربانية يختلف الناس فيها وكذلك كل الملكات ال ِإنسانية. ( المرجع ) منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري. 32
الحديث السادس والعشرون ع ْن ع ْب ِد ال هلهِ ْب ِن م ْس ُعو ٍد رضي الله عنه قال :قال النهبِ ُّي -صلى الله عليه وسلم:- \" لا حسد إِلا فِي ا ْثنت ْي ِن :ر ُج ٌل آتاهُ ال هلهُ ما ًلا ف ُسلِّط على هلكتِ ِه فِي ا ْلح ِّق ،ور ُج ٌل آتاهُ ال هلهُ ا ْل ِح ْكمة ف ُهو ي ْق ِضي بِها ويُعلِّ ُمها\". ] بخاري[13: ( شرح الحديث ) يشير النبي صلى الله عليه وسلم هنا إلى أن الحسد أنواع مختلفة فمنه حس ٌد مذموم محرم شرعاً ،وهو أن يتمنى المرء زوال النعمة عن أخيه ،وحسد مباح وهو أن يرى نعمة دنيوية عند غيره فيتمنى لنفسه مثلها ،وحسد محمود مستحب شرعاً ،وهو أن يرى ن ْعمةً دينية عند غيره فيتمنّاها لنفسه .وهو ما عناه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله :لا حسد إلاّ في اثنتين : أي أن الحسد تختلف أنواعه وأحكامه حسب اختلاف أنواعه ولا يكون محموداً مستحباً شرعياً إلاّ في أمرين: رجل آتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الحق :أي الأمر الأول أن يكون هناك رجل غني تقي ،أعطاه الله مالاً حلالاً ،فأنفقه فيما ينفعه وينفع غيره ويرضي ربه من وجوه الخير ،فيتمنى أن يكون مثله ،ويغبطه على هذه النعمة. ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها :أي والأمر الثاني :أن يكون هناك رجل عالم ،أعطاه الله علماً نافعاً يعمل به :ويعلمه لغيره ،ويحكم به بين الناس فيتمنى مثله. ( يستفاد من الحديث ) أن من الحسد ما هو مشروع ،وليس بحرام ،وهو الغبطة ومعناها :أن يرى المرء ن ْعمة عند غيره فيتمنى مثلها ،فإن كانت الغبطة في أمر دنيوي من صحة أو قوة أو مركز أو ولد فهي مباحة ،وإن كانت في أمر ديني كالعلم النافع أو المال الصالح فهي مستحبة شرعاً. 33
الحديث السابع والعشرون عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال :س ِم ْع ُت ر ُسول ال هلهِ -صلى الله عليه وسلم -يقُو ُل: \" ِم ْن أ ْشرا ِط ال هساع ِة أ ْن يقِ هل ا ْل ِع ْل ُم وي ْظهر ا ْلج ْه ُل وي ْظهر ال ِّزنا وت ْكثُر النِّسا ُء وي ِق هل ال ِّرجا ُل حتهى ي ُكون لِخ ْم ِسين ا ْمرأةً ا ْلقيِّ ُم ا ْلوا ِح ُد\". ] بخاري[40: ( شرح الحديث ) قال أنس بن مالك سمعت رسول -صلى الله عليه وسلم -يقول: إن من أشراط الساعة أن يقل العلم :أي يقل العلم الشرعي في هذه الأرض لكثرة موت العلماء كما في حديث ابن عمر عن النبي -صلى الله عليه وسلم \":إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد ولكن يقبض العلم بقبض العلماء \". ويظهر الجهل :أي وينشر الجهل في الناس. وتكثر النساء ويقل الرجال :أي يتضاعف عدد النساء بالنسبة إلى عدد الرجال الذين تفنيهم الحروب الدامية ،وقيل :تكثر النساء بسبب كثرة الفتوح والسبايا. حتى يكون للخمسين امرأة القيم الواحد :أي حتى لا تجد الخمسون امرأة سوى رجل واحد يكفلهن ويعولهن ويقوم بشؤونهن. ( يستفاد من الحديث ) أولاً :أن من علامات الساعة رفع العلم الشرعي ،وقلة وجوده ثانياً :أن من علامات الساعة انتشار الفاحشة كنتيجة حتميّة لكثرة وجود النساء غير المتزوجات ( المرجع ) منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري. 34
الحديث الثامن والعشرون ع ِن ا ْب ِن ُعمر رضي الله عنهما قال :س ِم ْع ُت ر ُسول ال هلهِ صلى الله عليه وسلم -قال: ْبن ُعمر ف ْضلِي ي ْخ ُر ُج فِي أ ْظفا ِري ثُ هم أ ْعط ْي ُت ال ِّر هي حتهى إِنِّي لأرى أُتِيا ْل ُتخبِطهقاد ِب ِح\"ل.ب ٍقنالُفواشِ :ر ْبفمُتا نائِ ٌم أنا \"ب ْينا قال\" :ا ْل ِع ْلم\" ] .بخاري[41: ال هلهِ؟ أ هو ْلتهُ يا ر ُسول ( شرح الحديث ) يقول ابن عمر رضي الله عنهما \" سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم -يقول: بينا أنا نائم أتيت بقدح من لبن :أي رأيت في أثناء نومي شخصاً جاءني بقدح من لبن. فشربت حتى اني لأرى الري يخرج في أظفاري :أي فشربت وارتويت كثيراً حتى صرت كأني أرى اللبن بعيني يخرج من أصابعي ،ويسيل على أظفاري من شدة الري ،فالري هنا المراد به اللبن على سبيل الاستعارة. ثم أعطيت فضلي عمر بن الخطاب :أي أعطيته ما تبقى مني فشربه. قالوا :فما أولته ؟ قال العلم :أي فسرت اللبن بالعلم. ( يستفاد من الحديث ) اللبن أفضل غذاء غذاء لروحه ،كما أن العلم وشرفه .وأهميته بالنسبة لل ِإنسان ،لأنه أفضل فضل أولاً: به اللبن الذي تبقى من بعده ،ولذلك فُ ِّسر ميراث النبي -صلى الله عليه وسلم -الذي تبقى لنا ولأنه لبدنه. منه وشربه عمر رضي الله عنه. ثانياً :فضل عمر رضي الله عنه وتفوقه في علوم الشريعة ،لأنّه ن ِهل من ذلك اللبن الذي شرب منه النبي -صلى الله عليه وسلم -فدل ذلك على اختصاصه وامتيازه بقد ٍر زائ ٍد من العلم. ( المرجع ) منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري. 35
الحديث التاسع والعشرون ع ْن أبِ ْي هُر ْيرة رضي الله عنه ع ِن النهبِ ِّي صلى الله عليه وسلم قال: \"يُ ْقب ُض ا ْل ِع ْل ُم وي ْظه ُر ا ْلج ْه ُل وا ْلفِت ُن وي ْكثُ ُر ا ْله ْر ُج\".قِيل :يا ر ُسول ال هلهِ ،وما ا ْله ْر ُج؟ فقال هكذا بِي ِد ِه فح هرفها ،كأنهه يُ ِري ُد ا ْلق ْتل . ]بخاري[41: ( شرح الحديث ) يقبض العلم :أي من علامات الساعة أن يرفع العلم بموت العلماء. ويظهر الجهل والفتن :التي تصيب الناس في دينهم حتى يصبح القابض على دينه كالقابض على الجمر. ويكثر اله ْرج قيل :يا رسول الله وما الهرج؟ فقال :هكذا يده فحرفها \" أي حركها \" كأنه يريد القتل \": أي فلما سَل -صلى الله عليه وسلم -عن معنى اله ْرج حرك يده -صلى الله عليه وسلم -كالضارب يشير بذلك إلى أن معناه القتل وسفك الدماء .يعني ويكثر في الناس القتل وسفك الدماء وتنتشر الحروب والمعارك الدامية. ( المرجع ) منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري. 36
الحديث الثلاثون ع ْن ع ْب ِد ال هلهِ ْب ِن ع ْم ِرو ْب ِن ا ْلعا ِص رضي الله عنهما قال: س ِم ْع ُت ر ُسول ال هلهِ صلى الله عليه وسلم -يقُو ُل\" :إِ هن ال هله لا ي ْقبِ ُض ا ْل ِع ْلم ا ْنتِزا ًعا ي ْنت ِز ُعهُ ِمن ا ْل ِعبا ِد، ول ِك ْن ي ْقبِ ُض ا ْل ِع ْلم بِق ْب ِض ا ْل ُعلما ِء حتهى إِذا ل ْم يُ ْب ِق عالِ ًما اتهخذ النها ُس ُر ُءو ًسا ُج هها ًلا ف ُسَِلُوا فأ ْفت ْوا بِغ ْي ِر ِع ْل ٍم فض ُّلوا وأض ُّلوا\". ] بخاري[011 : ( شرح الحديث ) ان الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد :أي إن الله لا يرفع العلم من الناس بإزالته من قلوب العلماء ومحوه من صدورهم ،أو برفع الكتب العلمية من الأرض. ولكن يقبض العلم بقبض العلماء :أي ولكنه يرفع العلم بموت العلماء. حتى إذا لم يبق عالم :وفي راوية :لم يُ ْب ِق عالماً ،أي إذا مات أهل العلم الحقيقي، ولم يبق هناك أحد منهم ،وصل الجهلاء إلى المراكز العلمية التي لا يستحقونها من تدريس وإفتاء ونحوه، واتخذ الناس رؤوساً جهالاً :أي وجعل الناس من الجهلاء وأدعياء العلم علماء يسألونهم كما جاء في رواية أخرى عن النبي -صلى الله عليه وسلم – 37
قال :اتخذ الناس رؤساء جهالاً فسَلوا :عن الحلال والحرام وأحكام العبادة والمعاملة. فأفتوا بغير علم :أي فأفتوا الناس على جهل ،فأحلوا الحرام وح ّرموا الحلال. فضلوا :في ذات أنفسهم عن الحق. وأضلوا :من اتبعهم وأخذوا بفتواهم من عامة الناس. ( يستفاد من الحديث ) أولاً :التحذير الشديد من الجرأة على الفتوى بغير علم ،لما في ذلك من إضلال الناس ،فإن المفتي الجاهل يتحمل وزر من أضلّه ،بال ِإضافة إلى وزره هو، ويدخل في مصداق قوله تعالى( :وليحملن أثقالهم وأثقالاً مع أثقالهم). ثانياً :تحذير ولاة الأمور من تعيين الجهلاء في المناصب الدينية لهذا الحديث، وقد قال محمد بن سيرين من التابعين \" :إن هذا العلم دين ،فانظروا عمن تأخذون دينكم \". ثالثاً :أن موت العالم خسارة عظيمة ،لأ هن العلم يرفع بموت العلماء. ( المرجع ) منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري. 38
الحديث الحادي والثلاثون عن السيد ْة عا ِئشة رضي الله عنها :أ هن النهبِ هي صلى الله عليه وسلم قال \":م ْن ُحو ِسب ُع ِّذب\" فقُ ْل ُت :أول ْيس يقُو ُل ال هلهُ تعالى{ :فس ْوف يُحاس ُب ِحسابًا ي ِسي ًرا}؟ فقال \":إِنهما ذلِ ِك ا ْلع ْر ُض ول ِك ْن م ْن نُوقِش ا ْل ِحساب ي ْهلِ ْك\" ] .بخاري[013 : ( شرح الحديث ) من حوسب عذب :أي أن كل من حاسبه الله يوم القيامة فلا بد أن يناله شيء من العذاب ،لأن الحساب إنما هو مناقشة للعبد في أخطائه ،وتوقيفه على جميع ذنوبه ،واستقصاء لكل سيَاته وللعذاب معنيان :أحدهما :نفس المناقشة والثاني :ما يفضي إليه من دخول النار. قالت عائشة رضي الله عنها \" :أوليس يقول الله عز وجل (فسوف يحاسب حساباً يسيراً): أي فكيف تقول من حوسب عذب وقد قال تعالى( :فأ ّما من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حساباً يسيراً) . فقال :إنما ذلك الع ْرض :إنما ذلك الحساب اليسير شيء آخر وهو العرض ،ومعناه تذكير المؤمن على انفراد بأخطائه مع تطمينه بالعفو عنه ،كما في الصحيح. إن الله يدني عليه كنفه :أي ستره ويقول له :فعلت كذا وكذا -ثم يطمَنه بعد هذا العتاب الرقيق فيقول له :سترت عليك في الدنيا ،وأنا أغفر لك اليوم . ولكن من نوقش الحساب يهلك :أي يعذب لا محالة ويتعرض للهلاك ودخول النار. ( يستفاد من الحديث ) أولاً :أن من حق طالب العلم أن يسأل فيما اشكل عليه ،وأن يراجع كما فعلت السيدة عائشة رضي الله عنها، وعلى العالم أن يقابل مراجعته برحابة صدر ،وأن يجيبه كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم . ثانياً :أن الحساب نوعان ،حساب مناقشة وهو عسير وشديد ،ولا يخلو من العذاب ،وحساب عرض ومعاتبة، وهو حساب يسير لا عذاب فيه. (المرجع ) منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري. 39
الحديث الثاني والثلاثون و ُصسولمرتِقاي،ل:و\"مت ْنس همك ْذواببِاع ْلس ِمهيي ُمتوعلاِّم ًدتا ْكتفنُْليوتاببِهو ُْأك ْنيمتِ ْقعيد،هُ أبِي ُهر ْيرة رضي الله عنه ع ِن النهبِ ِّي صلى الله عليه ع ْن رآنِي فِي ا ْلمنا ِم فق ْد رآنِي فإِ هن ال هش ْيطان لا يتمثه ُل فِي وم ْن ِمن النها ِر\" ] .بخاري[001 : ( شرح الحديث ) تسموا باسمي ولا تكتنوا بكنيتي :أي لا تجمعوا بين اسمي وكنيتي للشخص الواحد ،فيقال له :محمد أبو القاسم. ومن رآني في المنام فقد رآني :وفي رواية فقد رأى الحق :أي فإن رؤيته هذه رؤية صادقة صحيحة. فإن الشيطان لا يتمثل في صورتي :أي لا يقدر على التشكل بصورة النبي صلى الله عليه وسلم لأنّه قد حيل بينه وبين ذلك. وم ْن كذب عل هي متع ِّمداً:أي من نسب إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم ّ قولاً لم يقله ،أو فعلاً لم يفعله متعمد. فليتبوأ مقعده من النار:أي فليستعد لدخول النار التي اتخذ لنفسه فيها منزلاً. ( يستفاد من الحديث ) أولاً :تحريم الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم مطلقاً ،وهو كبيرة باتفاق أهل العلم ،ولا يبرره حسن النية والقصد ،بأن يقال :فعلت ذلك للدعوة إلى الخير ،فإن في الأحاديث الصحيحة ما يغني عن الأحاديث الموضوعة. ثانياً :النهي عن التكني بكنية النبي صلى الله عليه وسلم ،والجمهور على أ ّن النهي منسوخ ،وأنه كان في وقت حياته صلى الله عليه وسلم. ثالثاً :أن رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم في المنام حق ،لأن الشيطان لا قدرة له على التشكل بصورته صلى الله عليه وسلم. ( المرجع ) منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري. 41
الحديث الثالث والثلاثون عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :س ِم ْع ُت ر ُس ْول الل ِه صلى الله عليه وسلم يقُو ُل: \"إِ هن أُ همتِي يُ ْدع ْون ي ْوم ا ْلقِيام ِة ُغ ًّرا ُمح هجلِين ِم ْن آثا ِر ا ْل ُو ُضو ِء ،فم ِن ا ْستطاع ِم ْن ُك ْم أ ْن يُ ِطيل ُغ هرتهُ ف ْلي ْفع ْل\" . ]بخاري[036 : ( شرح الحديث ) إن أمتي يدعون يوم القيامة :أي أن هذه الأمة المحمدية ينادون يوم القيامة عند الحوض ليشربوا منه شربة لا يظمَون بعدها أبداً ،وإنما ينادون أمام الناس تنويهاً بشأنهم ،وإشادة بفضلهم. غراً محجلين من آثار الوضوء :والغرة في الأصل بياض في جبهة الفرس ،والتحجيل بياض في قوائمه ،والمعنى أنهم ينادون عند الحوض المورود ،وقد أشرقت أنوار الوضوء على جباههم وأيديهم وأرجلهم تشريفاً وتكريماً لهم في ذلك الموقف العظيم. فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل :أي فمن تمكن من إسباغ الوضوء على المكاره ،فليحرص على ذلك أشد الحرص ،ليزيد من نوره يوم القيامة. ( يستفاد من الحديث ) أولاً :استحباب تطويل الغرة والجمهور على أن تطويل الغرة هو إسباغ الوضوء -أي إتقانه وإتمامه. ثانياً :فضل الوضوء ،لأ ّن هذه الأنوار التي تتلألأ على جباه المؤمنين وأيديهم وأرجلهم يوم القيامة إنما هي من آثار الوضوء كما نص عليه الحديث. ( المرجع ) منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري. 40
الحديث الرابع والثلاثون عن أن ٍس رضي الله عنه قال :كان النهبِ ُّي صلى الله عليه وسلم إِذا دخل ا ْلخلاء قال: \"اللههُ هم إِنِّي أ ُعو ُذ بِك ِمن ا ْل ُخبُ ِث وا ْلخبائِ ِث\". ] بخاري[041 : ( شرح الحديث ) كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء :وهو موضع قضاء الحاجة ،أى أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يدخل المكان المعد لقضاء حاجته قال :اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث :أي اللهم إني أستجير وأتحصن بك من ذكور الشياطين وإناثهم ،لأنهم هم الخبث والخبائث سموا بذلك لقذارتهم وشرهم وإضرارهم وإيذائهم للبشر ،وإنما كان صلى الله عليه وسلم يتعوذ من شرهم عند دخول الخلاء ،لأ ّن هذه الأماكن هي مأوى الأرواح الشريرة، كما قال صلى الله عليه وسلم \" :إن هذه الحشوش محتضرة \" أي تحضرها الشياطين. ( يستفاد من الحديث) استحباب هذه الاستعاذة المأثورة عند دخول الخلاء. ( المرجع ) منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري. 42
الحديث الخامس والثلاثون ع ْن أبِي أ ُّيو ِب الا ْنصا ِر ِّي رضي الله عنه قال :قال ر ُسو ُل ال هلهِ صلى الله عليه وسلم : \"إِذا أتى أح ُد ُك ُم ا ْلغائِط فلا ي ْست ْق ِب ِل ا ْل ِق ْبلة ولا يُو ِّلها ظ ْهرهُ ،ش ِّرقُوا أ ْو غ ِّربُوا\". ] بخاري[044 : ( شرح الحديث ) يقول النبي صلى الله عليه وسلم: إذا أتى أحدكم الغائط :أي مكان قضاء الحاجة. فلا يستقبل القبلة ولا يولِّها ظهره :أي لا يستقبلها ،ولا يستدبرها ويجعلها وراء ظهره. ولكن شرقوا أو غربوا :أي استقبلوا المشرق أو المغرب. ( يستفاد من الحديث ) تحريم استقبال القبلة واستدبارها عند قضاء الحاجة. و الصحيح من أقوال العلماء :أنه يحرم استقبال القبلة -الكعبة -واستدبارها عند قضاء الحاجة في الخلاء ببول أو غائط ،وأنه يجوز ذلك في البنيان، فيجوز استقبال القبلة واستدبارها في قضاء الحاجة في المباني. [فتاوى اللجنة الدائمة] ( المرجع ) منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري. 43
الحديث السادس والثلاثون عن السيدة عا ِئشة ر ِضي اللهُ ع ْنها قال ْت: \"كان النهبِ ُّي صلى الله عليه وسلم يُ ْع ِجبُهُ التيّ هم ُن في تن ُّعلِ ِه وتر ُّجلِ ِه وط ُهو ِر ِه وفي شأنِ ِه ُكلِّ ِه\". ] بخاري[064 : ( شرح الحديث ) كان النبي -صلى الله عليه وسلم -يعجبه التيمن :أي كان -صلى الله عليه وسلم -يس ُّره ويطيب له أن يبدأ باليمين في جميع الأعمال الشريفة ،فيبدأ بالجهة اليمنى. في تنعله :أي في لبس نعله ،فُي ْلب ُس رجله اليمنى قبل اليسرى. وترجله :أي ويبدأ باليمين أيضاً عند تسريح شعر رأسه. وطهوره :أي ويبدأ باليمين في طهارة الحدث من وضوء أو غسل ،فيقدم اليد اليمنى على اليسرى في الوضوء والميامن على المياسر في الغسل. وفي شأنه كله :أي وكذلك يتيامن في جميع الأعمال الشريفة. ( يستفاد من الحديث ) أولاً :استحباب تقديم الميامن على المياسر في الوضوء والغسل وغيره من الأعمال الشريفة. ثانياً :قال النووي :وأما ما كان بضد التكريم فإنه استحب فيه التياسر ،كالامتخاط وغيره. (المرجع ) منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري. 44
الحديث السابع والثلاثون عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: \"كان النهبِ ُّي صلى الله عليه وسلم ي ْغت ِس ُل بِال هصا ِع إِلى خ ْمس ِة أ ْمدا ٍد ويتو هضأُ بِا ْل ُم ِّد \". ] بخاري[110 : ( شرح الحديث ) كان النبي -صلى الله عليه وسلم -يغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد :أي كان يقتصد في الماء الذي يتطهر به ،فغالباً ما كان يقتصر في غسله على قدر صاع من الماء ،وهو أربعة أمداد، وربما زاد على ذلك ،فاغتسل بخمسة أمداد على حسب حاجة جسمه. ويتوضأ بالمد :المد بالضم :ربع الصاع أو ملء كف هي ال ِإنسان المعتدل إذا ملأهما ،ومد يده بهما، ومنه سمي مداً. ( يستفاد من الحديث ) استحباب تقليل الماء في الوضوء بلا حد ،والاقتصار على القدر الكافي لحاجة الجسم دون إسراف ،ولا نقصان ولا إجحاف. (المرجع ) منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري. 45
الحديث الثامن والثلاثون ع ِن ا ْب ِن عبها ٍس رضي الله عنهما :أ هن ر ُسول ال هلهِ صلى الله عليه وسلم ش ِرب لبنًا فم ْضمض وقال \" :إِ هن لهُ دس ًما \" . ]بخاري[100 : ( شرح الحديث ) يحدثنا ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم شرب لبناً فمضمض :أي أن النبي -صلى الله عليه وسلم -شرب شيَاً من اللبن فلما أراد أن يقوم إلى الصلاة ،مضمض فمه بالماء ونظفه من ذلك اللبن. وقال :إ ّن له دسماً :أي إن لِلهبن دسماً ي ْعلق بالفم ،فينبغي لمن شربه أن ينظف فمه منه خشية أن يُ ْح ِدث ذلك الدسم في الفم رائحة كريهة يتأذى بها الشارب ،أو يبقى منه شيء في الفم فيصل إلى المعدة أثناء الصلاة. ( يستفاد من الحديث ) أولاً :أنه يستحب لمن شرب لبناً أو تناول غيره من الأطعمة وأراد الصلاة أن يغسل يديه ويتمضمض قبل أن يصلي سواء كان ذلك الطعام مطبوخاً أو غير مطبوخ تنظيفاً لليد والفم من آثار ذلك الطعام.ولَلا يصل منه شيء إلى المعدة أثناء الصلاة. ثانياً :أنه لا يجب الوضوء من اللبن وغيره من الأطعمة الدسمة لأنّه -صلى الله عليه وسلم -شرب اللبن، ثم صلى ولم يتوضأ كما في الحديث. ( المرجع ) منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري. 46
الحديث التاسع والثلاثون ع ْن عائِشة رضي الله عنها :-أ هن ر ُسول ال هل ِه -صلى الله عليه وسلم -قال: \" إِذا نعس أح ُد ُك ْم وهُو يُصلِّي ف ْلي ْرقُ ْد حتهى ي ْذهب ع ْنهُ النه ْو ُم ،فإِ هن أحد ُك ْم إِذا صلهى وهُو نا ِع ٌس لا ي ْد ِري لعلههُ ي ْست ْغفِ ُر في ُس ُّب ن ْفسهُ\". ] بخاري[101 : ( شرح الحديث ) إذا نعس أحدكم وهو يصلي فليرقد :النعاس هو فترة في الحواس يكون نتيجة غلبة النوم ،فلا يستطيع الإنسان معه أن يتحكم في حواسه ،ولذلك أرشد النبي صلى الله عليه وسلم من غلب عليه النعاس وهو يصلي أن ينصرف من صلاته ،ولا يصلي وهو ناعس. فلعله يذهب ليستغفر فيسب نفسه :ثم علل ذلك بقول :فإن أحدهم إذا صلى وهو ناعس لا يدري لعله يذهب يستغفر فيسيب نفسه بدل أن يقول :اللهم اغفر لي ذنبي أو ما أذنبت ،يذهب يسب نفسه بهذا الذنب الذي أراد أن يستغفر الله منه ،وكذلك ربما أراد أن يسال الله الجنة فيسأله النار ، وربما أراد أن يسال الهداية فيسأل ربه الضلالة وهكذا ،لهذا أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يرقد . ( يستفاد من الحديث ) أو ًلا :أن الإنسان لنفسه عليه حق ،فإذا أجبر نفسه على فعل العبادة مع المشقة فإنه يكون قد ظلم نفسه ،فلا تفرط فتقصر ،ولا تفرط فتزيد . ثانيًا :أنه لا ينبغي للإنسان أن يحمل نفسه ويشق عليها في العبادة ،وإنما يأخذ ما يطيق . (ابن عثيمين) 47
الحديث الأربعون ع ْن أن ٍس رضي الله عنه قال: \"كان النهبِ ُّي -صلى الله عليه وسلم -يتو هضأُ ِع ْند ُك ِّل صلا ٍة ،وكان يُ ْج ِز ُئ أحدنا ا ْل ُو ُضو ُء ما ل ْم يُ ْح ِد ْث\". ]بخاري[104 : ( شرح الحديث ) أن النبي -صلى الله عليه وسلم -كان يتوضأ عند كل صلاة :أي يجدد الوضوء لكل صلاة فرضاً أو نفلاً تطوعاً لا وجوباً رغبة منه -صلى الله عليه وسلم -وترغيباً لأ ّمته في فضائل الوضوء، وما فيه من تكفير السيَات ،واكتساب الحسنات ،ورفع الدرجات. وكان يجزىء أحدنا الوضوء ما لم يحدث :ولم يكن الوضوء لكل صلاة واجباً ،وإنما هو مستحب فقط ،فقد كان يكفي أحدنا الوضوء الواحد لعدة صلوات، ولا يجب عليه وضوء آخر حتى يحدث. ( يستفاد من الحديث ) أولاً :أن الوضوء الواحد يجزىء لعدة صلوات ما لم يحدث ،وهو مذهب الجمهور ثانياً :استحباب الوضوء لكل صلاة ،لأنه -صلى الله عليه وسلم -كان يفعل ذلك. ( المرجع ) منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري. 48
الحديث الحادي والأربعون ع ِن ا ْلبرا ِء ْب ِن عا ِز ٍب رضي الله عنه قال :قال النهبِ ُّي -صلى الله عليه وسلم-: \"إِذا أت ْيت م ْضجعك فتو هضأْ ُو ُضوءك لِل هصلا ِة ثُ هم ا ْضط ِج ْع على ِشقِّك الأ ْيم ِن ثُ هم قُ ِل :الله ُه هم أ ْسل ْم ُت و ْج ِهي إِل ْيك وف هو ْض ُت أ ْم ِري إِل ْيك وأ ْلجأْ ُت ظ ْه ِري إِل ْيك ،ر ْغبةً ور ْهبةً إِل ْيك ،لا م ْلجأ ولا م ْنجا ِم ْنك إِلا إِل ْيك، الله ُه هم آم ْن ُت بِ ِكتابِك اله ِذي أ ْنز ْلت وبِنبِيِّك اله ِذي أ ْرس ْلت ،فإِ ْن ُم هت ِم ْن ل ْيلتِك فأ ْنت على ا ْلفِ ْطر ِة ،وا ْجع ْل ُه هن آ ِخر ما تتكله ُم بِ ِه\" ،قال :فر هد ْدتُها على النهبِ ِّي -صلى الله عليه وسلم -فل هما بل ْغ ُت :اللههُ هم آم ْن ُت بِ ِكتابِك اله ِذي أ ْنز ْلت ،قُ ْل ُت :ور ُسولِك ،قال \":لا ،ونبِيِّك اله ِذي أ ْرس ْلت\". ] بخاري[141 : ( شرح الحديث ) ير ّغب النبي -صلى الله عليه وسلم -أمته في الوضوء قبل النوم ،والدعاء بهذا الدعاء المأثور، فيقول -صلى الله عليه وسلم -للبراء بن عازب: إذا أتيت مضجعك :أي إذا أردت أن تذهب إلى فراش نومك. فتوضأ وضوءك للصلاة :أي فتوضأ قبل أن تذهب إلى الفراش وضوءاً كاملاً ،كما لو كنت تتوضأ للصلاة ،حتى تنام وأنت على طهارة تامة. ثم اضطجع على شقك الأيمن :لأنه أدعى إلى النشاط والاكتفاء بالقليل من النوم ،وأعون على الاستيقاظ في آخر الليل ،وأنفع للقلب لأنّه أخف عليه حيث يكون في الجهة العليا. 49
ثم قل :اللهم أسلمت وجهي إليك :أي أسلمت روحي عند نومي ،وأودعتها ثم أمانة لديك. وفوضت أمري إليك :أي توكلت في جميع أموري عليك ،راجياً أن تكفيني كل شيء، وتحميني من كل سوء ،لأنك قلت ،وقولك الحق) ومن يتوكل على الله فهو حسبه(. وألجأت ظهري إليك :أي وتحصنت بجوارك ،ولجأت إلى حفظك ،فاحرس ِني بعينك التي لا تنام. رغبة ورهبة إليك :أي وإنما فعل ُت ذلك كله. رغبةً :أي طمعاً في رحمتك. ورهبة :أي خوفاً منك فامنن علي برحمتك ،وقني عذابك. لا ملجأ منجا منك إلاّ إليك:أي فإنه لا مفر منك إلاّ إليك ،ولا ملاذ من عقوبتك إلاّ بالالتجاء إلى عفوك ومغفرتك يا أرحم الراحمين. آمنت بكتابك الذي أنزلت :وهو (القرآن الكريم ( ونبيك الذي أرسلت وهو( نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم.)- ثم قال له -صلى الله عليه وسلم -بعد أن علمه هذا الذكر المبارك: فإن ِم هت من ليلتك فأنت على الفطرة: أي فإن م هت في تلك الليلة التي نمت فيها على وضوء ،واضطجعت على شقك الأيمن، وتحصنت فيها بهذا الذكر فإنّك تموت على دين ال ِإسلام وسنة خير الأنام. ( يستفاد من الحديث ) استحباب الوضوء عند النوم ،والاضطجاع على الشق الأيمن وتلاوة هذا الذكر المأثور، وأن من قرأه قبل نومه وبات على وضوء ثم مات من ليلته مات على ال ِإيمان والسنة ، قال العسقلاني :وإنما ندب الوضوء عند النوم لأنه قد يقبض روحه في نومه، فيكون قد ختم عمله بالوضوء ،وليكون أصدق لرؤياه ،وأبعد عن تلاعب الشيطان به في منامه. ( المرجع ) منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري. 51
Search
Read the Text Version
- 1
- 2
- 3
- 4
- 5
- 6
- 7
- 8
- 9
- 10
- 11
- 12
- 13
- 14
- 15
- 16
- 17
- 18
- 19
- 20
- 21
- 22
- 23
- 24
- 25
- 26
- 27
- 28
- 29
- 30
- 31
- 32
- 33
- 34
- 35
- 36
- 37
- 38
- 39
- 40
- 41
- 42
- 43
- 44
- 45
- 46
- 47
- 48
- 49
- 50
- 51
- 52
- 53
- 54
- 55
- 56
- 57
- 58
- 59
- 60
- 61
- 62
- 63
- 64
- 65
- 66
- 67
- 68
- 69
- 70
- 71
- 72
- 73
- 74
- 75
- 76
- 77
- 78
- 79
- 80
- 81
- 82
- 83
- 84
- 85
- 86
- 87
- 88
- 89
- 90
- 91
- 92
- 93
- 94
- 95
- 96
- 97
- 98
- 99
- 100
- 101
- 102
- 103
- 104
- 105
- 106
- 107
- 108
- 109
- 110
- 111
- 112
- 113
- 114
- 115
- 116
- 117
- 118
- 119
- 120