Important Announcement
PubHTML5 Scheduled Server Maintenance on (GMT) Sunday, June 26th, 2:00 am - 8:00 am.
PubHTML5 site will be inoperative during the times indicated!

Home Explore (مائة حديث من صحيح البخاري (المائة الأولى

(مائة حديث من صحيح البخاري (المائة الأولى

Published by مكتبة(ورتل) الإلكترونيه, 2021-04-20 12:43:45

Description: (مائة حديث من صحيح البخاري (المائة الأولى

Search

Read the Text Version

‫الحديث الأول‬ ‫عن ْابن عباس رضي الله عنهما قال‪ \" :‬كان ر ُسو ُل ال هلهِ صلى الله عليه وسلم أ ْجود النها ِس وكان أ ْجو ُد ما‬ ‫ي ُكو ُن فِي رمضان ِحين ي ْلقاهُ ِج ْب ِري ُل وكان ي ْلقاهُ فِي ُك ِّل ل ْيل ٍة ِم ْن رمضان فيُدا ِر ُسهُ ا ْلقُ ْرآن فلر ُسو ُل ال هلهِ صلى‬ ‫الله عليه وسلم أ ْجو ُد بِا ْلخ ْي ِر ِمن ال ِّري ِح ا ْل ُم ْرسل ِة \"‪.‬‬ ‫]بخاري‪[6:‬‬ ‫( شرح الحديث )‬ ‫أجود الناس‪ :‬اكثر الناس جودا‪ ،‬والجود الكرم‪.‬‬ ‫أجود ما يكون في رمضان‪ :‬فرمضان موسم الخيرات‪ ،‬لان نعم الله على عباده فيه زائدة على غيره‪ ،‬فكان‬ ‫النبي‪ -‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬يؤثر متابعة سنة الله في عباده‪.‬‬ ‫فيدارسه القران‪ :‬قيل‪ :‬الحكمة فيه ان مدارسة القران تجدد له العهد بمزيد غنى النفس والغنى سبب‬ ‫الجود‪.‬‬ ‫المرسلة‪ :‬المطلقة يعني انه في الاسراع بالجود اسرع من الريح‪ ،‬وعبر بالمرسلة اشارة الى دوام هبوبها‬ ‫بالرحمة‪ ،‬والى عموم النفع بجوده كما تعم الريح المرسلة جميع ما تهب عليه‪ ،‬فبمجموع ما ذكر من‬ ‫الوقت والمنزول به والنازل والمذاكرة حصل المزيد في الجود‪.‬‬ ‫( فوائد الحديث )‬ ‫أو ًلا‪:‬منها الحث على الجود في كل وقت‪ ،‬ومنها الزيادة في رمضان وعند الاجتماع بأهل الصلاح‪.‬‬ ‫ثانيًا‪ :‬وفيه زيارة الصلحاء واهل الخير‪ ،‬وتكرار ذلك اذا كان المزور لا يكرهه‪.‬‬ ‫ثالثًا‪ :‬واستحباب الاكثار من القراءة في رمضان‬ ‫راب ًعا‪ :‬وكونها افضل من سائر الاذكار‪ ،‬اذ لو كان الذكر افضل او مساويا لفعلاه‪.‬‬ ‫( المراجع )‬ ‫فتح الباري لابن حجر‪ ،‬شرح النووي‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫الحديث الثاني‬ ‫ع ْن أبِي هُر ْيرة رضي الله عنه ع ِن النهبِ ِّي صلى الله عليه وسلم قال‪:‬‬ ‫\"ال ِإيما ُن بِ ْض ٌع و ِس ُّتون ُش ْعبةً وا ْلحيا ُء ُش ْعبةٌ ِمن ال ِإيما ِن\"‪.‬‬ ‫]بخاري‪[9:‬‬ ‫(مفردات الحديث)‬ ‫شعبة ‪ :‬المراد خصلة‪.‬‬ ‫( شرح الحديث )‬ ‫الإيمان بضع وستون شعبة ‪ :‬بين الرسول عليه الصلاة والسلام أن الإيمان شعب كثيرة بضع وستون أو‬ ‫بضع وسبعون( في رواية لمسلم )ولم يبينها الرسول عليه الصلاة والسلام لأجل أن يجتهد الإنسان بنفسه‬ ‫ويتتبع نصوص الكتاب والسنة حتى يجمع هذه الشعب ويعمل بها‪.‬‬ ‫وفي القرآن والسنة أشياء مبهمة يبهمها الله ورسوله من أجل امتحان الخلق ليتبين الحريص من غير‬ ‫الحريص فمثلا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان‪.‬‬ ‫والحياء شعبة من الإيمان ‪ :‬الحياء انكسار يكون في القلب وخجل لفعل ما لا يستحسنه الناس والحياء‬ ‫من الله والحياء من الخلق من الإيمان‪.‬‬ ‫فالحياء من الله يوجب للعبد أن يقوم بطاعة الله وأن ينتهي عما نهى الله‪.‬‬ ‫والحياء من الناس يوجب للعبد أن يستعمل المروءة وأن يفعل ما يجمله ويزينه عند الناس ويتجنب ما‬ ‫يدنسه ويشينه فالحياء كله من الإيمان‪.‬‬ ‫( المراجع )‬ ‫شرح رياض الصالحين ‪،‬ابن عثيمين‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫الحديث الثالث‬ ‫ع ْن ع ْب ِد ال هلهِ ْب ِن ع ْم ٍرو رضي الله عنهما ع ِن النه ِب ِّي صلى الله عليه وسلم قال‪:‬‬ ‫\"ا ْل ُم ْسلِ ُم م ْن س ِلم ا ْل ُم ْسلِ ُمون ِم ْن لِسانِ ِه وي ِد ِه‪ ،‬وا ْل ُمها ِج ُر م ْن هجر ما نهى ال هلهُ ع ْنهُ\"‬ ‫]بخاري‪[01:‬‬ ‫( شرح الحديث )‬ ‫من سلم المسلمون من لسانه‪ :‬سلم المسلمون من لسانه فلا يسبهم ‪ ،‬ولا يلعنهم ‪ ،‬ولا يغتابهم‪ ،‬ولا ينم‬ ‫بينهم ‪ ،‬ولا يسعى بينهم بأي نوع من أنواع الشر والفساد‪ ،‬فهو قد ك ّف لسانه ‪ ،‬وكف اللسان من أشد ما‬ ‫يكون على الإنسان ‪ ،‬وهو من الأمور التي تصعب على المرء وربما يستسهل إطلاق لسانه‪.‬‬ ‫فاللسان من أشد الجوارح خطراً على الإنسان ‪ ،‬ولهذا إذا أصبح الإنسان فإن الجوارح ‪:‬اليدين والرجلين‬ ‫والعينين‪ ،‬كل الجوارح تكفر اللسان‪.‬‬ ‫من سلم المسلمون من يده‪ :‬فلا يعتدي عليهم بالضرب‪ ،‬أو الجرح‪ ،‬أو أخذ المال‪ ،‬أو ما أشبه ذلك ‪ ،‬قد كف‬ ‫يده لا يأخذ إلا ما يستحقه شرعاً‪ ،‬ولا يعتدي على أحد‪ ،‬فإذا اجتمع للإنسان سلامة الناس من يده ومن‬ ‫لسانه‪ ،‬فهذا هو المسلم‪.‬‬ ‫والمهاجر من هجر مانهى الله عنه‪ :‬الهجرة نوعان ‪ :‬ظاهرة وباطنة‪.‬‬ ‫فالباطنة ترك ما تدعو إليه النفس الأمارة بالسوء والشيطان‪.‬‬ ‫والظاهرة الفرار بالدين من الفتن‪.‬‬ ‫الهجرة المقصودة في الحديث هي الهجرة الباطنة (هجرة العمل ) وهي أن يهجر الإنسان مانهاه الله عنه‬ ‫من المعاصي والفسوق‪.‬‬ ‫( المراجع )‬ ‫فتح الباري‪،‬ابن حجر‪،‬شرح رياض الصالحين‪،‬ابن عثيمين‬ ‫‪4‬‬

‫الحديث الرابع‬ ‫ع ْن ع ْب ِد ال هلهِ ْب ِن ع ْم ٍرو رضي الله عنهما أ هن ر ُج ًلا سأل النهبِ هي صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬ ‫أ ِّي ال ِإ ْسلا ِم خ ْي ٌر؟ قال‪\" :‬تُ ْط ِع ُم الطهعام‪ ،‬وت ْقرأُ ال هسلام على م ْن عر ْفت وم ْن ل ْم ت ْع ِر ْف\"‪.‬‬ ‫]بخاري‪[01:‬‬ ‫( شرح الحديث )‬ ‫أي الإسلام خير ‪ :‬بمعنى أي خصال الإسلام خير‪.‬‬ ‫تطعم الطعام ‪ :‬يعني من احتاج إليه وأول من يلزمك إطعامه هم عائلتك ‪ ،‬وإطعامهم صدقة وصلة‬ ‫وذكر الإطعام ليدخل فيه الضيافة وغيرها‪.‬‬ ‫تقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف‪ :‬فلا يكن سلامك سلام معرفة بل يكن سلام كسلام‬ ‫مثوبة وإلفة ‪،‬لأن المسلم يثاب على سلامه ويحصل بسلامه التأليف ‪،‬فلا تخص به أحدا تكبرا او تصنعا‬ ‫‪،‬بل تعظيما لشعار الإسلام ومراعاة لأخوة المسلم‪.‬‬ ‫لفظ الحديث عام فهل يدخل فيه الكافر والمنافق والفاسق؟‬ ‫ينقسم الناس إلى ثلاثة أقسام ‪:‬‬ ‫القسم الأول الفاسق المعلن بفسقه فهذا سلم عليه إلا إذا كان في هجره مصلحة‪.‬‬ ‫القسم الثاني الكافر لا تسلم عليه لكن إن سلم عليك رد عليه بقولك (وعليكم)‪.‬‬ ‫القسم الثالث إنسان مسلم لا تعلم عليه فسقا فسلم عليه واحرص على أن تكون أنت البادئ بالسلام لأن‬ ‫النبي صلى الله عليه وسلم كان يبدأ من لقيه بالسلام‪.‬‬ ‫( المراجع )‬ ‫شرح رياض الصالحين ‪ ،‬ابن عثيمين‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫الحديث الخامس‬ ‫ع ْن أن ٍس رضي الله عنه قال‪ :‬قال النهبِ ُّي صلى الله عليه وسلم‪:‬‬ ‫\"لا يُ ْؤ ِم ُن أح ُد ُك ْم حتهى أ ُكون أح هب إِل ْي ِه ِم ْن والِ ِد ِه وول ِد ِه والنها ِس أ ْجم ِعين\"‪.‬‬ ‫]بخاري‪[01:‬‬ ‫( شرح الحديث )‬ ‫لا يبلغ المؤمن كمال الإيمان حتى يقدم محبة النبي صلى الله عليه وسلم على محبة جميع الناس حتى على‬ ‫النفس والولد والوالد ‪ ،‬وإذا قدمت محبته فإنك تطيعه ‪،‬لذلك من ادعى محبة الرسول صلى الله عليه‬ ‫وسلم ولم يطعه فدعواه باطلة‪.‬‬ ‫ومن حقوق النبي صلى الله عليه وسلم‪:‬‬ ‫توقيره‪ ...‬واحترامه‪ ...‬وتعظيمه التعظيم اللائق به من غير غلو ولا تقصير‪.‬‬ ‫فتوقيره في حياته توقير سنته وشخصه الكريم‪.‬‬ ‫وتوقيره بعد مماته توقير سنته وشرعه القويم‪.‬‬ ‫ومن رأى توقير الصحابة وتعظيمهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم عرف كيف قام هؤلاء الأجلاء‬ ‫الفضلاء بما يجب عليهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم ‪،‬‬ ‫قال عروة بن مسعود لقريش حينما أرسلوه ليفاوض النبي صلى الله عليه وسلم في الصلح في قصة‬ ‫الحديبية ‪ ،‬قال‪ :‬دخلت على الملوك ‪ ،‬كسرى وقيصر والنجاشي فلم أر أحدا يعظمه أصحابه مثل ما يعظم‬ ‫أصحاب محمد محمدا ‪ ،‬كان إذا أمرهم ابتدروا أمره وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوءه وإذا تكلم‬ ‫خفضوا أصواتهم عنده ‪ ،‬وما يحدون إليه النظر تعظيما له هكذا كانوا يعظمونه رضي الله عنهم مع ما‬ ‫جبله الله عليه من الأخلاق الكريمة ولين الجانب وسهولة النفس ‪ ،‬ولو كان فظا غليظاً لانفضوا من حوله‪.‬‬ ‫( المراجع )‬ ‫ابن عثيمين‪.‬‬ ‫‪6‬‬

‫الحديث السادس‬ ‫ع ْن أن ِس ْب ِن مالِ ٍك رضي الله عنه ع ِن النهبِ ِّي صلى الله عليه وسلم قال‪\" :‬ثلا ٌث م ْن ُك هن فِي ِه‬ ‫وجد حلاوة ال ِإيما ِن‪ :‬أ ْن ي ُكون ال هلهُ ور ُسولُهُ أح هب إِل ْي ِه ِم هما ِسوا ُهما‪ ،‬وأ ْن يُ ِح هب ا ْلم ْرء لا يُ ِح ّبُهُ إِلا َِلهِلِ‪،‬‬ ‫وأ ْن ي ْكره أ ْن يعُود فِي ا ْل ُك ْف ِر كما ي ْكرهُ أ ْن يُ ْقذف ِفي النها ِر\"‬ ‫]بخاري‪[06:‬‬ ‫( شرح الحديث )‬ ‫ثلا ٌث م ْن ُك هن فِي ِه وجد حلاوة ال ِإيما ِن‪ :‬ثلاث خصال من وجدت فيه او أجتمعن فيه وجد حلاوة الإيمان‪.‬‬ ‫قال النووي ‪ :‬معنى حلاوة الإيمان هو استلذاذ الطاعات وتحمل المشاق في رضى الله عز وجل‬ ‫ورسوله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وإيثار ذلك على عرض الدنيا‪.‬‬ ‫أ ْن ي ُكون ال هلهُ ور ُسولُهُ أح هب إِل ْي ِه ِم هما ِسواهُماِ‪ :‬معناه أن من استكمل الإيمان علم أن حق الله ورسوله‬ ‫آكد عليه من حق أبيه وأمه وزوجه وجميع الناس‪،‬‬ ‫لأن الهدى من الضلال والخلاص من النار إنما كان باَلِل على لسان رسوله‪،‬‬ ‫ومن علامات محبته نصر دينه بالقول والفعل وال هذب عن شريعته والتخلق بأخلاقه‪،‬‬ ‫وقال النووي‪ :‬ومحبة العبد ربه سبحانه وتعالى بفعل طاعته وترك مخالفته وكذلك محبة‬ ‫الرسول صلى الله عليه وسلم‪.‬‬ ‫وأ ْن يُ ِح هب ا ْلم ْرء لا يُ ِح ُّبهُ إِلا َِل هِلِ‪ :‬وهي أن تحب الإنسان لصلاحه ولتقاه ولعبادته واستقامته‬ ‫ولالتزامه بأمر الله تعالى؛ مع أنه ما نفعك في دنياك‪ ،‬ولا شفع لك‪ ،‬ولا أهدى إليك‪ ،‬ولا أعطاك‪،‬‬ ‫ولا تسبب في عمل لك ‪،‬‬ ‫‪7‬‬

‫فتحبه َلِل لا لعرض الدنيا ‪ ،‬فهذه المحبة الدينية هي التي يجد بها حلاوة الإيمان؛ وذلك لأنه إذا أحب‬ ‫من يحبهم الله تعالى فإنه يقتدي بهم‪.‬‬ ‫وأ ْن ي ْكره أ ْن ي ُعود فِي ا ْل ُك ْف ِر كما ي ْكرهُ أ ْن يُ ْقذف ِفي النها ِر ‪ :‬يكره الكفر‪ ،‬الله تعالى أنقذه من الكفر‬ ‫وهداه للإيمان‪ ،‬فآمن‪ ،‬ودخل في الإيمان‪ ،‬والتزم بالطاعة؛‬ ‫فلأجل ذلك يكره الكفر بعد الإيمان‪،‬ويكره المعصية بعد الطاعة‪.‬‬ ‫كل شيء يكرهه الله فإنه يكرهه؛ ولو عذب؛ ولو أحرق؛ فإنه يصبر على الأذى‪،‬‬ ‫يكره الكفر كما يكره أن يقذف في النار‪ ،‬فهو يكره كل ما يغضب الله‪ ،‬وما نهاه الله عنه‪.‬‬ ‫فهذا هو علامة محبة الإيمان‪ ،‬وعلامة حلاوته‪.‬‬ ‫( فوائد الحديث )‬ ‫‪ -0‬وجوب تقديم محبة الله ورسوله على كل ما سواهما‪.‬‬ ‫‪ -1‬أن للإيمان حلاوة يجدها من وجدت فيه الخصال الثلاث المذكورة في الحديث‪.‬‬ ‫‪ -3‬أن من لوازم محبة الله‪ :‬الحب في الله والبغض في الله‪.‬‬ ‫‪ -4‬أن تمكن محبة الله في قلب المؤمن يقتضي كراهة الكفر باَلِل وأهله‪.‬‬ ‫‪ -1‬أن الوقوع في نار الدنيا أحب إلى العبد المؤمن حقاً من العود في الكفر لأنه يؤدي‬ ‫إلى دخول نار الآخرة والخلود فيها‪.‬في الحديث دليل على تفاضل الناس في الإيمان‪،‬‬ ‫وأنه يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية‪ ،‬وذلك أن من وجدت فيه الخصال الثلاث‬ ‫وجد حلاوة الإيمان بخلاف غيره‪.‬‬ ‫( المراجع )‬ ‫فتح الباري‪ ،‬ابن حجر‪ ،‬شرح النووي ‪ ،‬شرح بن جبرين‬ ‫موقع شبكة السنة النبوية وعلومها‪.‬‬ ‫‪8‬‬

‫الحديث السابع‬ ‫ع ْن أنس بن مال ٍك رضي الله عنه ع ِن النهبِ ِّي صلى الله عليه وسلم قال‪:‬‬ ‫\" آيةُ ال ِإيما ِن ُح ُّب الأ ْنصا ِر‪ ،‬وآيةُ النِّفا ِق بُ ْغ ُض الأ ْنصا ِر\"‪.‬‬ ‫]بخاري‪[01:‬‬ ‫( شرح الحديث )‬ ‫آية الإيمان‪ :‬أي علامات كمال إيمان الإنسان حب مؤمني الأوس والخزرج لحسن وفائهم بما عاهدوا الله‬ ‫عليه من إيواء نبيه ونصره على أعدائه زمن الضعف والعسرة وحسن جواره ورسوخ صداقتهم‬ ‫وخلوص مودتهم‪.‬‬ ‫و معنى الحديث أن علامة الإيمان الظاهرة الواضحة محبة الأنصار من أجل محبتهم للرسول ‪ -‬صلى الله‬ ‫عليه وسلم ‪ -‬ومناصرتهم وتأييدهم له ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪،-‬‬ ‫فمن أحبهم لهذا الغرض كان ذلك علامة واضحة‪ ،‬ودليلاً قاطعاً على كمال إيمانه‪ ،‬لأنه قد أحبهم في الله‪،‬‬ ‫ومن أحب في الله وأبغض في الله فقد استكمل الإيمان‪.‬‬ ‫وآية النفاق بغض الأنصار ‪ :‬أي وعلامة النفاق بغض الأنصار من أجل مناصرتهم للنبي ‪ -‬صلى الله عليه‬ ‫وسلم ‪ ،-‬فمن أبغضهم لهذا السبب فهو منافق ولا شك‪،‬‬ ‫وبغ ُض المنافقين للأنصار إنهما هو لنُصرتهم النهب هي ‪ -‬صلهى اللهُ عل ْي ِه وسلهم ‪ -‬لإظهار دينه‪،‬‬ ‫وهذا المعنى لا يخت ُّص به الأنصار؛ فإ هن المهاجرين هم أيضاً أنصا ٌر‪ ،‬وقد جمعوا بين الهجرة وال ُّنصرة‪،‬‬ ‫ولهذا كانوا أفضل من الأنصار‪ ،‬وقد وصفهم الله بهذين الوصفين‬ ‫و ِر ْضوانًا‬ ‫الله‬ ‫ِمن‬ ‫ف ْضلاً‬ ‫أُ ِدويلاَِ ِرك ِه ْمهُ ُموأا ْلمو هاصلِا ِدِهقُْموي ْبنت ُغ)‪.‬ون‬ ‫ال ُمها ِج ِرين اله ِذين أُ ْخ ِر ُجوا ِمن‬ ‫لِ ْلفُقرا ِء‬ ‫(‬ ‫قوله‪:‬‬ ‫في‬ ‫وين ُص ُرون الله ور ُسولهُ‬ ‫( المراجع )‬ ‫فيض القدير شرح الجامع الصغير‪ ،‬المناوي‪ ،‬منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري‪.‬‬ ‫‪9‬‬

‫الحديث الثامن‬ ‫ع ْن أبِي س ِعي ٍد ا ْل ُخ ْد ِر ِّي رضي الله عنه أنههُ قال‪ :‬قال ر ُسو ُل ال هلهِ ‪ -‬صلى الله عليه وسلم\" يُو ِش ُك أ ْن ي ُكون‬ ‫خ ْير ما ِل ا ْل ُم ْسلِ ِم غن ٌم ي ْتب ُع بِها شعف ا ْل ِجبا ِل ومواقِع ا ْلق ْط ِر يفِ ُّر بِ ِدينِ ِه ِمن ا ْلفِت ِن\"‪.‬‬ ‫]بخاري‪[09:‬‬ ‫( مفردات الحديث )‬ ‫شعف الجبال ‪ :‬رؤوسها‪.‬‬ ‫مواقع القطر ‪:‬أي المواضع التي يستقر فيها المطر كالأودية‪.‬‬ ‫( شرح الحديث )‬ ‫المعنى ‪ :‬سيأتي عن قريب زمان تسوء فيه الأحوال‪ ،‬وتفسد الدنيا‪ ،‬وتكثر المعاصي ويألفها الناس‪،‬‬ ‫ويزول الأمر بالمعروف‪ ،‬والنهي عن المنكر‪ ،‬ويضعف الدين حتى تصبح خير حياة يحياها المسلم‬ ‫حياة العزلة‪ ،‬وخير مال يعيش عليه أن يكون له غنم يرعاها على ذرى الجبال‪ ،‬ويتبع بها مواضع‬ ‫الأمطار ‪ ،‬يفر بدينه من الفتن‪.‬‬ ‫( يستفاد من الحديث )‬ ‫أن العزلة خير إن كان في الاختلاط شر وفتنة في الدين‪ ،‬وإلا فالأصل أن الاختلاط هو الخير‪ ،‬يختلط‬ ‫الإنسان مع الناس فيأمر بالمعروف‪ ،‬وينهى عن المنكر‪ ،‬يدعو إلى حق‪ ،‬يبين السنة للناس‪ ،‬فهذا‬ ‫خير‪ .‬لكن إذا عجز عن الصبر وكثرت الفتن؛ فالعزلة خير ولو أن يعبد الله على رأس جبل أو في قعر وا ٍد‪.‬‬ ‫( المراجع )‬ ‫منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري‪،.‬شرح رياض الصالحين‪ ،‬ابن عثيمين‪.‬‬ ‫‪01‬‬

‫الحديث التاسع‬ ‫ع ْن أبِي س ِعي ٍد ا ْل ُخ ْد ِر ِّي رضي الله عنه ع ِن النهبِ ِّي صلى الله عليه وسلم قال‪\" :‬ي ْد ُخ ُل أ ْه ُل ا ْلجنه ِة ا ْلجنهة‬ ‫وأ ْه ُل النها ِر النهار‪ ،‬ثُ هم يقُو ُل ال هلهُ تعالى‪ :‬أ ْخ ِر ُجوا ِمن النها ِر م ْن كان فِي ق ْلبِ ِه ِم ْثقا ُل حبه ٍة ِم ْن خ ْرد ٍل ِم ْن إِيما ٍن‪،‬‬ ‫فيُ ْخر ُجون ِم ْنها ق ِد ا ْسو ُّدوا فيُ ْلق ْون فِي نه ِرا ْلحيا ِة في ْنبُتُون كما ت ْنبُ ُت ا ْل ِحبهةُ فِي جانِ ِب ال هس ْي ِل‪ ،‬أل ْم تر أنهها‬ ‫ت ْخ ُر ُج ص ْفراء ُم ْلت ِويةً\"‪.‬‬ ‫]بخاري‪[11:‬‬ ‫( شرح الحديث )‬ ‫يدخل أهل الجنة الجنة ‪ :‬أي يدخل المؤمنون من أهل الجنة الجنة‪ ،‬بفضل الله ورحمته ثم بسبب‬ ‫أعمالهم الصالحة‪.‬‬ ‫وأهل النار النار ‪ :‬أي ويدخل المؤمنون من أهل النار النار لمجازاتهم على سيَاتهم‪.‬‬ ‫ثم يقول الله عز وجل‪ :‬أخرجوا من النار من كان في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان ‪:‬‬ ‫أي أخرجوا من النار كل من عمل مقدار حبة خردل من أعمال الإيمان بعد التوحيد والتصديق‬ ‫بما جاء به نبينا صلى الله عليه وسلم‪،‬‬ ‫أ هما من نقص شيَاً من التوحيد‪ ،‬أو أنكر شيَاً مما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم‬ ‫فإنه لا يدخل في ذلك‪ ،‬ولا يخرج من النار‪،‬‬ ‫بل يخلد فيها لأن التوحيد والتصديق القلبي لا يقبل التجزئة‪،‬‬ ‫فمن نقض منه شيَاً فهو كافر مخلد في النار‪،‬‬ ‫‪00‬‬

‫وقد نبه على ذلك العيني حيث قال‪:‬‬ ‫\" واعلم أن المراد بالخردلة ما زاد عن أصل التوحيد\"‬ ‫وقد جاء في الصحيح بيان ذلك‪،‬‬ ‫ففي رواية البخاري \"أخرجوا من قال لا إله إلاّ الله وعمل من الخير\"‬ ‫ثم بعد هذا يخرج منها من لم يعمل خيراً فيخرجون منها قد اسودوا‪.‬‬ ‫فيلقون في نهر الحياة ‪ :‬الذي من غمس فيه حيي إلى الأبد‪.‬‬ ‫فينبتون كما تنبت الحبة‪ :‬أي كما تنبت البذرة المزروعة‪.‬‬ ‫ألم تر أنها تخرج صفراء ملتوية‪ :‬أي ألا ترى كيف تخرج من الأرض عند بدايتها‬ ‫صفراء اللون جميلة المنظر منعطفة الأوراق‪ ،‬ثم تتمدد وتتفتح أوراقها بعد ذلك‪.‬‬ ‫( يستفاد من الحديث )‬ ‫أولاً‪ :‬تفاضل أهل الإيمان في درجات إيمانهم‪ ،‬وذلك بسبب تفاضل أعمالهم‪،‬‬ ‫وأن الإيمان يزيد بالطاعة‪ ،‬وينقص بالمعصية‪.‬‬ ‫ثانياً‪ :‬أن مرتكب الكبيرة لا يخلد في النار‪ ،‬ولا يخرج من الملة‪،‬‬ ‫لقوله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم‪ \" -‬أخرجوا من كان في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان \"‪.‬‬ ‫ثالثاً‪ :‬أن مرتكب المعاصي معرض للعقوبة في الدار الآخرة‪ ،‬ودخول النار‪،‬‬ ‫إلاّ أن يعفو الله عنه‪ ،‬لقوله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ \" -‬فيخرجون منها وقد اسودوا \"‪.‬‬ ‫( المرجع )‬ ‫منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري‪.‬‬ ‫‪02‬‬

‫الحديث العاشر‬ ‫عن أبي سعيد الخدر ُي رضي الله عنه قال‪ :‬قال ر ُسو ُل ال هلهِ ‪ -‬صلى الله عليه وسلم‪\" :‬ب ْينا أنا نائِ ٌم رأ ْي ُت‬ ‫النهاس يُ ْعر ُضون عل هي وعل ْي ِه ْم قُ ُم ٌص‪ِ ،‬م ْنها ما ي ْبلُ ُغ الثُّ ِد هي‪ ،‬و ِم ْنها ما ُدون ذلِك‪ ،‬و ُع ِرض عل هي ُعم ُر ْب ُن‬ ‫ا ْلخطها ِب وعل ْي ِه ق ِمي ٌص ي ُج ُّرهُ\" قالُوا‪ :‬فما أ هو ْلت ذلِك يا ر ُسول ال هلهِ؟ قال‪ :‬ال ِّدين\"‪.‬‬ ‫]بخاري‪[13:‬‬ ‫( شرح الحديث )‬ ‫بينا أنا نائم رأيت الناس يعرضون علي وعليهم قمص ‪ :‬أي بينما كنت نائماً رأيت الناس أثناء نومي وهم‬ ‫يمرون من أمامي وعليهم أقمصة مختلفة الأطوال‪.‬‬ ‫منها ما يبلغ الثدي‪ :‬أي من الناس من تصل قمصهم إلى ثُ ِديّهم‪.‬‬ ‫ومنها ما دون ذلك ‪ :‬أيومن هذه القمص ما هو أقصر من ذلك‪.‬‬ ‫وعرض علي عمر بن الخطاب وعليه قميص يجره ‪:‬أي وعليه قميص طويل يسحبه‬ ‫قالوا فما أ ّولت ذلك ‪ :‬أي بماذا ف ّسرت ذلك‬ ‫قال الدين ‪:‬أى ف ّسرت القميص بالدين‪ ،‬لأنه يستر المؤمن‪ ،‬ويصونه من النار كما يستر القميص البدن‪.‬‬ ‫( يستفاد من الحديث )‬ ‫أولاً‪ :‬تفاضل أهل الإيمان في إيمانهم كتفاضل أصحاب القمص في قمصهم فكما أن تلك القمص التي‬ ‫رآها ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬في منامه تزيد وتنقص‪ ،‬ومنها الأطول والأقصر‪ ،‬فكذلك الإيمان يزيد‬ ‫وينقص‪.‬‬ ‫ثانياً‪ :‬أن رؤيا الأنبياء كلها حق‪ ،‬ولذلك استدل النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬برؤياه على زيادة إيمان‬ ‫عمر رضي الله عنه‪.‬‬ ‫( المرجع )‬ ‫منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري‪.‬‬ ‫‪03‬‬

‫الحديث الحادي عشر‬ ‫ع ِن اب ِن ُعمر رضي الله عنهما ‪ -:‬أ هن ر ُسول ال هلهِ صلى الله عليه وسلم م هر على ر ُج ٍل ِمن الأ ْنصا ِر‬ ‫وهُو ي ِعظُ أخاهُ فِي ا ْلحيا ِء‪ ،‬فقال ر ُسو ُل ال هل ِه صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬ ‫\" د ْعهُ فإِ هن ا ْلحياء ِمن ال ِإيما ِن \"‪.‬‬ ‫]بخاري‪[14:‬‬ ‫(شرح الحديث)‬ ‫أن رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬م ّر على رجل من الأنصار‪،‬‬ ‫وهو يعظ أخاه في الحياء ‪ :‬أي ينصحه أن يخفف من حيائه‪ ،‬وفي رواية يعاتب أخاه في‬ ‫الحياء‪ ،‬يقول ‪:‬إنك لتستحي‪ ،‬حتى كأنه يقول ‪:‬قد أض ّر بك‪ ،‬وذلك أن الرجل كان كثير الحياء‬ ‫وكان ذلك يمنعه من استيفاء حقوقه‪ ،‬فعاتبه أخوه على ذلك‪.‬‬ ‫فقال رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم – دعه‪ :‬أي اتركه على هذا الخلق الحسن‪.‬‬ ‫فإن الحياء من ال ِإيمان ‪:‬لأنه يمنع صاحبه عما نهي الله عنه‪.‬‬ ‫( ما يستفاد من الحديث )‬ ‫أن ديننا الإسلامي دين أخلاق‪ ،‬كما أنه دين عقائد وأحكام‪،‬‬ ‫ولهذا كان الحياء جزءاً منه‪ ،‬لأنه سبب لجميع الأخلاق الفاضلة‪.‬‬ ‫( المرجع )‬ ‫منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري‪.‬‬ ‫‪04‬‬

‫الحديث الثاني عشر‬ ‫ع ْن أبِي هُر ْيرة رضي الله عنه أ هن ر ُسول ال هلهِ صلى الله عليه وسلم ُسَِل ‪:‬أ ُّي ا ْلعم ِل أ ْفض ُل؟فقال ‪ \":‬إِيما ٌن‬ ‫بِاَل هِلِ ور ُسولِ ِه \" قِيل ‪:‬ثُ هم ماذا؟ قال‪\" :‬ا ْل ِجها ُد فِي سبِي ِل ال هلهِ\" قِيل ‪ :‬ثُ هم ماذا؟ قال ‪\" :‬ح ٌّج م ْب ُرو ٌر \"‪.‬‬ ‫]بخاري‪[16:‬‬ ‫( شرح الحديث )‬ ‫أي سأله رجل وهو أبو ذر رضي الله عنه ‪:‬أي الأعمال أعظم عند الله أجراً وثواباً؟‬ ‫قال ‪:‬إيمان باَلِل ورسوله‪ :‬أي أن أفضل الأعمال على ال ِإطلاق‪ ،‬ال ِإيمان باَلِل ورسوله‪ ،‬والتصديق بما جاء‬ ‫به النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬لأنه شرط في صحة جميع العبادات الشرعية‪ ،‬من صلاة‪ ،‬وزكاة وغيرها‬ ‫قيل ‪:‬ثم ماذا؟ ‪ :‬أي فقال أبو ذر ‪:‬ثم ما هو أفضل الأعمال بعد ال ِإيمان؟‬ ‫قال ‪:‬الجهاد في سبيل الله ‪ :‬وهو القتال ِلإعلاء كلمة الله‪ ،‬لا لأي غرض من الأغراض الأخرى‪ ،‬فإن كان‬ ‫لغرض آخر‪ ،‬من وطنية أو قومية‪ ،‬أو عصبية‪ ،‬فإنه ليس جهاداً‪.‬‬ ‫قيل ثم ماذا ؟ ‪:‬أي ثم ما هو العمل الذي يأتي بعد الجهاد في الأفضلية‬ ‫قال ‪:‬حج مبرور ‪ :‬وهو الحج الخالص لوجه الله تعالى‪ ،‬المقبول عنده‪ ،‬لخلوصه من الرياء والسمعة‬ ‫والمال الحرام‪.‬‬ ‫( ما يستفاد من الحديث )‬ ‫أولاً ‪:‬أن العمل ركن من أركان ال ِإيمان‪ ،‬كما أن القول باللسان والتصديق بالقلب ركنان منه لأن النبي‬ ‫صلى الله عليه وسلم لما سَل في هذا الحديث عن أفضل الأعمال‪ ،‬أجاب بأن أفضل الأعمال‪ ،‬إيِمان باَلِل‬ ‫ورسوله‪ ،‬فد ّل ذلك على أن ال ِإيمان عمل‪ ،‬كما أنه تصديق وقول‬ ‫ثانياً ‪:‬أهمية الجهاد‪ ،‬ومكانته في ال ِإسلام‪ ،‬حتى أنه يقدم أحياناً على الحج الذي هو أحد أركان ال ِإسلام‬ ‫الخمسة‪ ،‬وذلك عند الحاجة إليه‪.‬‬ ‫(المرجع (‬ ‫منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري‪.‬‬ ‫‪05‬‬

‫الحديث الثالث عشر‬ ‫ثُ هم‬ ‫ع ِن ا ْب ِن عبها ٍس رضي الله عنهما قال ‪:‬قال النهبِ ُّي صلى الله عليه وسلم ‪ \" :‬أُ ِري ُت النهار فإِذا أ ْكث ُر أ ْهلِها‬ ‫ال هد ْهر‬ ‫إِ ْحداهُ هن‬ ‫إِلى‬ ‫اقل ِإ ُّط ْح\"س‪.‬ا]نب‪،‬خلا ْور أي ْ‪:‬ح‪9‬س ْ‪1‬ن[ت‬ ‫ا ْلع ِشير وي ْكفُ ْرن‬ ‫‪:‬أي ْكفُ ْرن بِاَل هِلِ؟ قال ‪:‬ي ْكفُ ْرن‬ ‫قِيل‬ ‫ي ْكفُ ْرن‬ ‫النِّسا ُء‬ ‫رأ ْي ُت ِم ْنك خ ْي ًرا‬ ‫رأ ْت ِم ْنك ش ْيًَا قال ْت ‪:‬ما‬ ‫‪.‬‬ ‫( شرح الحديث (‬ ‫مر النبي صلى الله عليه وسلم على النساء يوم العيد فأراد أن ينتهز فرصة وجوده بينهن في نُ ْص ِحه هن ووعظهن‬ ‫وتحذيرهن عن بعض المساوىء التي يغلب صدورها منهن‬ ‫أريت النار ‪:‬أي أطلعني الله تعالى على النار وكشف لي عنها‪ ،‬فرأيتها ببصري رأي العين‬ ‫فإذا أكثر أهلها النساء‪:‬أي فلما نظرت إليها‪ ،‬وشاهدت من فيها من البشر‪ ،‬فوجَت بأن أكثر أهلها النساء‪،‬‬ ‫يكفرن‪ :‬أي إنما كن أكثر أهل النار لأنّهن يكفرن‪ ،‬ولم يبين صلى الله عليه وسلم يكفرن بماذا لتذهب أفكارهن كل‬ ‫مذهب‪ ،‬ويشتد خوفهن‪ ،‬وتتطلع نفوسهن لمعرفة هذا الكفر الذي وصفهن به النبي صلى الله عليه وسلم‬ ‫قيل أيكفرن باَلِل ‪ :‬أي قالت إحداهن أيكفرن باَلِل؟‬ ‫قال ‪:‬يكفرن العشير‪ :‬أي ينكرن نعمة الزوج وإحسانه إليهن‬ ‫لو أحسنت إلى إحداهن الدهر‪:‬أي العمر كله‪ .‬ثم رأت منك شيَاً ‪ :‬واحداً مما تكره‬ ‫قالت ‪:‬ما رأيت منك خيراً قط‪ :‬أي ما وجدت منك شيَاً ينفعني أو يسرني طيلة حياتي كلها‪.‬‬ ‫( ما يستفاد من الحديث )‬ ‫أولاً ‪:‬أن نكران الجميل من الكبائر‪ ،‬ولولا ذلك لما ترتب عليه هذا الوعيد الشديد‪.‬‬ ‫ثانياً ‪:‬أن هناك كفراً دون كفر‪ ،‬ومعناه أن الكفر نوعان‪ ،‬كفر يخرج عن الملة‪ ،‬وهو الكفر الاعتقادي‪ ،‬وكفر لا يخرج وهو‬ ‫العملي كجحود نعمة الزوج مثلا‪.‬‬ ‫ثالثا ‪ :‬ما جبل عليه أغلب النساء من كفران العشير وجحود نعمة الزوج‪.‬‬ ‫( المرجع )‬ ‫منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري‪.‬‬ ‫‪06‬‬

‫الحديث الرابع عشر‬ ‫ع ْن أبِ ْي ذ ٍّر رضي الله عنه قال ‪:‬إِنِّي ساب ْب ُت ر ُج ًلا فعيه ْرتُهُ بِأُ ِّم ِه فقال لِي النهبِ ُّي صلى الله عليه وسلم‪:‬‬ ‫\" يا أبا ذ ٍّر‪ ،‬أعيه ْرتهُ بِأُ ِّم ِه؟ إِنهك ا ْم ُر ٌؤ فِيك جا ِهلِيهةٌ‪ ،‬إِ ْخوانُ ُك ْم خولُ ُك ْم‪ ،‬جعلهُ ُم ال هلهُ ت ْحت أ ْي ِدي ُك ْم‪،‬‬ ‫فم ْن كان أ ُخوهُ ت ْحت ي ِد ِه ف ْليُ ْط ِع ْمهُ ِم هما يأْ ُك ُل و ْليُ ْلبِ ْسهُ ِم هما ي ْلب ُس‪ ،‬ولا تُك ّلِفُوهُ ْم ما ي ْغ ِلبُ ُه ْم‪،‬‬ ‫فإِ ْن كله ْفتُ ُمو ُه ْم فأ ِعينُو ُه ْم\"‪.‬‬ ‫]بخاري‪[31:‬‬ ‫(شرح الحديث(‬ ‫يقول أبو ذر رضي الله عنه ‪ :‬ساببت رجلاً‪ :‬أي تخاصمت مع رجل وهو بلال رضي الله عنه‪ ،‬وشتمته‪.‬‬ ‫فعيرته بأمه أي فعبت أمه ووصفتها بالسواد‪ ،‬حيث قلت له ‪:‬يا ابن السوداء‪،‬‬ ‫وخالفت بذلك شريعة الإسلام‪ ،‬التي لا تفرق بين لون ولون‪،‬‬ ‫ولا تفضل إنساناً على آخر إ ّلا بالتقوى كما قال تعالى‪( :‬إ ّن أكرمكم عند الله أتقاكم)‪،‬‬ ‫وكما قال صلى الله عليه وسلم \" لا فضل لعربي على عجمي إلاّ بالتقوى\" ‪.‬‬ ‫فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم ‪ :‬أعيرته بأمه ‪ :‬وهذا استفهام إنكاري تعجبي‪،‬‬ ‫أي كيف تعيبه بسواد أ ّمه‪ ،‬وتستنقصه بذلك‪ ،‬وأنت تعلم أن ال ِإسلام لا يميز بين الناس بالألوان‪،‬‬ ‫وإنما يفاضل بينهم بالتقوى والعمل الصالح‪.‬‬ ‫‪07‬‬

‫إنك امرؤ فيك جاهلية‪:‬أي إن ما فعلته معه من تعيير بسواد أ ّمه نعرة جاهلية‪،‬‬ ‫وأثر من آثار التمييز العنصري الذي كان موجوداً قبل ال ِإسلام‪.‬‬ ‫إخوانكم خولكم‪ :‬أي إن هؤلاء الخدم ليسوا في الحقيقة سوى إخوانكم في الدين أو ال ِإنسانية‬ ‫سخرهم الله لكم‪.‬‬ ‫جعلهم الله تحت أيديكم‪ :‬أي تحت سلطتكم وطوع أمركم‬ ‫فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل وليلبسه مما يلبس ‪ :‬أي وما داموا إخوة لكم‪،‬‬ ‫فإن عاطفة الأخوة تقتضي منكم حسن معاملتهم‪ ،‬والرفق بهم ومراعاة مشاعرهم‪،‬‬ ‫وتوفير العيش الكريم لهم‪ ،‬وإطعامهم من طعامكم وإلباسهم من لباسكم‬ ‫ولا تكلفوهم ما يغلبهم‪ :‬أي ولا تكلفوهم من الأعمال الشاقة ما لا يطيقونه‪ ،‬ولا يقدرون عليه‪.‬‬ ‫\"فإن كلفتموهم فأعينوهم‪:‬أي فإن كلفتموهم من العمل ما يشق عليهم فيجب عليكم‬ ‫إعانتهم عليه ومساعدتهم‪.‬‬ ‫( يستفاد من الحديث )‬ ‫أولاً ‪:‬أن مرتكب المعصية لا يكفر‪ ،‬لأن تعيير المرء بأ ّمه معصية‪،‬‬ ‫ومع ذلك لم يسمه صلى الله عليه و سلم كفراً‪.‬‬ ‫ثانياً ‪:‬أن من محاسن ال ِإسلام إلغاء التمييز العنصري الذي كان في الجاهلية‪.‬‬ ‫( المرجع )‬ ‫منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري‪.‬‬ ‫‪08‬‬

‫الحديث الخامس عشر‬ ‫عن أبِ ْي ب ْكرة رضي الله عنه قال ‪:‬س ِم ْع ُت ر ُسول ال هلهِ صلى الله عليه وسلم يقُو ُل ‪ \":‬إِذا ا ْلتقى‬ ‫ا ْل ُم ْسلِما ِن بِس ْيف ْي ِهما فا ْلقاتِ ُل وا ْلم ْقتُو ُل فِي النها ِر \" فقُ ْل ُت ‪:‬يا ر ُسول ال هل ِه‪ ،‬هذا ا ْلقاتِ ُل‪ ،‬فما با ُل ا ْلم ْقتُو ِل؟‬ ‫قال‪ \":‬إِنههُ كان ح ِري ًصا على ق ْت ِل صا ِحبِ ِه \"‪.‬‬ ‫] بخاري‪[30:‬‬ ‫(شرح الحديث(‬ ‫إذا التقى المسلمان بسيفيهما ‪ :‬أي إذا تقابلا بسيفيهما في حرب أو معركة شخصية‪.‬‬ ‫فالقاتل والمقتول في النار ‪ :‬أي فكلاهما يستحقان دخول النار‪ ،‬إلاّ أنهما لا يتساويان في العقوبة‪ ،‬فإ هن‬ ‫القاتل أشد عذاباً‪ ،‬وأكثر مكثاً في النار من المقتول‪.‬‬ ‫فقلت هذا القاتل ‪ :‬أي هذا القاتل عرفنا ذنبه الذي استحق به النار‪.‬‬ ‫فما بال المقتول ‪ :‬أي فما ذنب المقتول؟‬ ‫قال ‪:‬إنه كان حريصاً على قتل صاحبه ‪ :‬أي إنه يعاقب بالنار لعزمه وتصميمه على قتل صاحبه‪.‬‬ ‫( يستفاد من الحديث )‬ ‫أولاً ‪:‬أن قتال المسلم لأخيه بغير وجه شرعي كبيرة من الكبائر‪.‬‬ ‫ثانياً ‪:‬أن كلا المتقاتلين عاص مستحق للنار‪ ،‬إلاّ أن القاتل أشد معصية وأعظم عقوبة‪.‬‬ ‫ثالثاً ‪:‬أن المسلم يحاسب على ما يستقر في نيته من العزم على المعصية‪ ،‬لقوله \" فإنه كان حريصاً على‬ ‫قتل صاحبه\"‪.‬‬ ‫رابعاً ‪:‬أن صاحب الكبيرة لا يكفر بفعلها‪ ،‬لأن النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬سمي المتقاتلين مسلمين‪.‬‬ ‫(المرجع(‬ ‫منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري‪.‬‬ ‫‪09‬‬

‫الحديث السادس عشر‬ ‫ع ْن أبِي هُر ْيرة رضي الله عنه ع ِن النهبِ ِّي صلى الله عليه وسلم قال ‪:‬‬ ‫\"آيةُ ا ْل ُمنافِ ِق ثلا ٌث ‪:‬إِذا ح هدث كذب‪ ،‬وإِذا وعد أ ْخلف‪ ،‬وإِذا ا ْؤتُ ِمن خان\"‪.‬‬ ‫] بخاري‪[30:‬‬ ‫( شرح الحديث )‬ ‫النفاق نوعان ‪:‬‬ ‫‪ -0‬نفاق اعتقادي ‪ :‬يخرج صاحبه عن الإيمان وهو إظهار ال ِإسلام وإخفاء الكفر‪.‬‬ ‫‪ -1‬نفاق عملي ‪ :‬وهو التشبه بالمنافقين في أخلاقهم‪ ،‬وهذا لا يخرج صاحبه عن الإيمان‪،‬‬ ‫إلاّ أنه كبيرة‪.‬‬ ‫وقد تحدث النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬في هذا الحديث عن النفاق العملي‬ ‫وبين لنا العلامات المميزة له فقال ‪:‬‬ ‫آية المنافق ثلاث ‪:‬‬ ‫أي من علامات النفاق العملي التي تدل على أن صاحبها يشبه المنافقين‬ ‫في أعمالهم وأخلاقهم أن توجد في المرء هذه الخصال الثلاث أو بعضها‪.‬‬ ‫الخصلة الأولى ‪:‬إذا حدث كذب ‪:‬‬ ‫أي أن يشتهر ذلك الإنسان بالكذب في الحديث عامداً متعمداً‪ ،‬فلا يخبرك بشيء‬ ‫إلا تعمد إخفاء الحقيقة وال ِإخبار بخلاف الواقع الذي يعتقده تضليلاً وتمويهاً وخداعاً‪.‬‬ ‫الخصلة الثانية ‪ :‬إذا وعد أخلف‪:‬‬ ‫أي أن يشتهر بخلف الوعد عمداً‪ ،‬بحيث إذا وعد بشيء تعمد الخلف‪،‬‬ ‫‪21‬‬

‫وعزم عليه في نفسه مسبقاً‪ ،‬وصمم من أول الأمر على عدم الوفاء به‪.‬‬ ‫الخصلة الثالثة ‪:‬إذا ائتم ٍن خان‪:‬‬ ‫أي أن يشتهر بالخيانة بين الناس‪ ،‬فلا يثق به أحد‪ ،‬لأنه إذا أودع سراً أفشاه‪،‬‬ ‫وإذا أودع مالاً تصرف فيه خلاف الوجه الشرعي المطلوب منه‪ ،‬وإذا استشير لم ينصح في مشورته‪،‬‬ ‫وإذا عهد إليه بعمل لم يؤده‪.‬‬ ‫( يستفاد من الحديث )‬ ‫أولاً ‪:‬أن الكذب نفاق عملي وخصله من خصال المنافقين‪ ،‬وكبيرة من الكبائر‪ ،‬وهو في الأصل‬ ‫ال ِإخبار بخلاف الواقع‪ ،‬إلا أنه لا يكون كبيرة إلا إذا خالف ما يعتقده صاحبه‪،‬‬ ‫أما إذا تحدث بما يعتقده ثم ظهر الواقع خلافه فلا إثم عليه لأنه لا تكليف إلا بعلم‪.‬‬ ‫ثانياً ‪:‬أن خلف الوعد من النفاق‪ ،‬وكبيرة من الكبائر‪ ،‬بشرطين ‪:‬‬ ‫الأول ‪:‬أن يكون وعد خير‪ ،‬فإن كان وعد شر ‪.‬فإن ُخ ْلفه واجب أو مستحب‪،‬‬ ‫وليس من النفاق في شيء‪ ،‬بل هو ب ٌّر وطاعة ‪.‬‬ ‫الثاني ‪:‬أن يكون قد عزم على الخلف مسبقاً‪ ،‬أما إذا نوى الوفاء وحال دونه عذر شرعي‬ ‫فلا شيء عليه‪.‬‬ ‫ثالثاً ‪ :‬أن الخيانة من الكبائر ومن أخلاق المنافقين سواء كانت في سر أو وديعة أو وظيفة‪،‬‬ ‫وسواء كانت في حق من حقوق الله‪ ،‬أو من حقوق العباد‪.‬‬ ‫( المرجع )‬ ‫منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري‪.‬‬ ‫‪20‬‬

‫الحديث السابع عشر‬ ‫ع ْن أبِي ُهر ْيرة رضي الله عنه قال ‪:‬قال ر ُسو ُل ال هلهِ صلى الله عليه وسلم‪-:‬‬ ‫\" م ْن صام رمضان إِيمانًا وا ْحتِسابًا ُغفِر لهُ ما تق هدم ِم ْن ذ ْن ِب ِه \" ‪.‬‬ ‫] بخاري‪[31:‬‬ ‫(شرح الحديث(‬ ‫من صام رمضان إيماناً واحتساباً‪ :‬أي من صام هذا الشهر معتقداً أنه من أعمال ال ِإيمان‬ ‫منتظراً المثوبة عليه‪.‬‬ ‫غفر له ما تقدم من ذنبه ‪ :‬وفي رواية غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر‪ ،‬والمعنى‪ ،‬أن صيامه‬ ‫هذا يكفر جميع ذنوبه السابقة واللاحقة إذا كانت من الصغائر‪.‬‬ ‫( ما يستفاد من الحديث )‬ ‫أولاً ‪:‬فضل رمضان‪ ،‬وفضل صيامه وكونه يكفر الذنوب المتقدمة والمتأخرة‪.‬‬ ‫ثانياً ‪:‬أن الصيام الذي هو عمل من أعمال الجوارح جزء من ال ِإيمان لقوله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪: -‬‬ ‫\"من صام رمضان إيماناً \" ‪ .‬وإذا كان الصوم جزءاً من ال ِإيمان‪ ،‬فإن هذا يدل على أن جميع‬ ‫الأعمال الصالحة من ال ِإيمان أيضاً‪.‬‬ ‫( المرجع )‬ ‫منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري‪.‬‬ ‫‪22‬‬

‫الحديث الثامن عشر‬ ‫ع ْن أبِي ُهر ْيرة رضي الله عنه ع ِن النهبِ ِّي صلى الله عليه وسلم قال‪:‬‬ ‫\"إِ هن ال ِّدين يُ ْس ٌر‪ ،‬ول ْن يُشا هد ال ِّدين أح ٌد إِلا غلبهُ‪ ،‬فس ِّد ُدوا وقا ِربُوا وأ ْب ِش ُروا‪،‬‬ ‫وا ْست ِعينُوا بِا ْلغ ْدو ِة وال هر ْوح ِة وش ْي ٍء ِمن ال ُّد ْلج ِة\"‪.‬‬ ‫] بخاري‪[ 39:‬‬ ‫( شرح الحديث )‬ ‫إن الدين يسر ‪ :‬أي أن هذا الدين الذي هو دين ال ِإسلام يمتاز على غيره من الأديان السماوية‬ ‫بسهولة أحكامه وعدم خروجها عن الطاقة البشرية‪ ،‬وملاءمتها للفطرة ال ِإنسانية‪،‬‬ ‫وتجردها وخلوها من التكاليف الشاقة‪ ،‬التي كانت في الشرائع السابقة‪،‬‬ ‫ومن سماحة هذا الدين ويسره أن الاستطاعة شرط في جميع تكاليفه الشرعية‬ ‫حيث قال صلى الله عليه وسلم \" ما أمرتكم به فأدوا منه ما استطعتم\"‬ ‫ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه ‪ :‬أي لا يبالغ أحد في نوافل العبادات‪ ،‬ويتجاوز فيها حدود‬ ‫الشريعة والسنة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم ويتعدى حدود الطاقة البشرية‪،‬‬ ‫بحيث لا يدع وقتاً للراحة وأداء حقوق النفس والجسد والزوجة والولد إلا أرهق نفسه‪،‬‬ ‫وانقطع في النهاية لسآمته وملله‪ ،‬وكانت النتيجة عكسية‬ ‫فس ّددوا‪ :‬وهو أمر بالسداد‪ ،‬أي بالتوسط والاعتدال في الأعمال دون إفراط ولا تفريط‪.‬‬ ‫‪23‬‬

‫وقاربوا ‪ :‬أي إذا لم تستطيعوا ال ِإتيان بالأفضل من النوافل والطاعات والإتيان بها جميعاً‪،‬‬ ‫فأتوا بما يقارب الأفضل‪ ،‬لأن ما لا يدرك كله‪ ،‬لا يترك جله‪ ،‬فمن لم يستطع أن يصوم يوماً‬ ‫ويفطر يوماً الذي هو أفضل الصيام‪ ،‬فليأت بما يقارب ذلك‪ ،‬كصيام ثلاثة أيام من كل شهر‪،‬‬ ‫ومن لم يستطع ذلك فليصم يوم عاشوراء ويوم عرفة‪ ،‬وستة أيام من شوال‪.‬‬ ‫وأبشروا ‪ :‬أي ولا تظنوا أن القليل من العبادة لا ينفع بل أبشروا بحسن القبول متى حسن العمل‬ ‫وخلصت النية‪ ،‬فإن العبرة بالكيف لا بالكم‪.‬‬ ‫واستعينوا بالغدوة ‪ :‬وهي السير أول النهار إلى الزوال‪.‬‬ ‫والروحة‪ :‬وهي السير بعد الزوال إلى الليل‪.‬‬ ‫والدلجة‪ :‬وهي السير آخر الليل‪.‬‬ ‫وقد استعار هذه الأوقات الثلاثة لأوقات النشاط أي واستعينوا على أداء هذه العبادات‬ ‫والصلوات بفعلها في أوقات النشاط وفراغ القلب للطاعة‪ ،‬ولا تشغلوا بالعبادة كل أوقاتكم‬ ‫لَلا تسأموا فتنقطعوا عنها بالكلية‪ ،‬فينبغي للعبد إذا أراد المداومة على العمل‪،‬‬ ‫أن يختار للعبادة بعض الأوقات المناسبة كوقت الصباح وبعد الزوال وساعة من آخر الليل‪.‬‬ ‫( يستفاد من الحديث )‬ ‫أولاً ‪:‬يُسر هذا الدين‪ ،‬وسهولة أحكامه‪ ،‬وملاءمته للفطرة ال ِإنسانية‪.‬‬ ‫ثانياً ‪:‬أن قدرة ال ِإنسان وطاقته البدنية شرط في جميع التكاليف الشرعية‪.‬‬ ‫ثالثاً ‪:‬أن رفع الحرج عن المكلفين أصل من أصول التشريع ال ِإسلامي لقوله صلى الله عليه‬ ‫وسلم‪ \" :‬إن هذا الدين يسر \" وقوله تعالى ‪( :‬ما جعل عليكم في الدين من حرج)‪.‬‬ ‫رابعاً ‪:‬الترغيب في الأخذ بالرخص كالقصر‬ ‫( المرجع )‬ ‫منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري‪.‬‬ ‫‪24‬‬

‫الحديث التاسع عشر‬ ‫ُُكم ُّل ْسلِقِ ٍميرإِاي ٍمطانً ِما ْث ُل‬ ‫قال‪\":‬م ِن اتهبع جنازة‬ ‫ع ْن أبِي ُهر ْيرة رضي الله عنه أ هن ر ُسول ال هل ِه صلى الله عليه وسلم‬ ‫ِمن الأ ْج ِر بِقِيراط ْي ِن‪،‬‬ ‫د ْفنِها‪ ،‬فإِنهه ي ْر ِج ُع‬ ‫معهُ حتهى يُصلهى عل ْيها وي ْف ُرغ ِم ْن‬ ‫وكان‬ ‫وا ْحتِسابًا‬ ‫ق ْبل أ ْن تُ ْدفن فإِنههُ‬ ‫أُ ُح ٍد‪ ،‬وم ْن صلهى عل ْيها ثُ هم رجع‬ ‫ي ْر ِج ُع بِقِيرا ٍط\"‪.‬‬ ‫] بخاري‪[41:‬‬ ‫( شرح الحديث )‬ ‫من اتبع جنازة مسلم إيماناً واحتساباً‪:‬أي من شيع جنازة أخيه المسلم‪ ،‬وتبعها من بيت أهلها إلى المسجد‬ ‫معتقداً أن تشييع الجنازة من أعمال الإيمان‪ ،‬مصدقاً بما وعد الله المتبعين من الأجر والمثوبة ‪:‬راجياً أن‬ ‫ينال ذلك‪ ،‬ورافقها إلى المسجد‪.‬‬ ‫حتى يصلى عليها ‪ :‬صلاة الجنازة‪.‬‬ ‫ويفرغ من دفنها‪:‬أي وخرج معها من المسجد‪ ،‬فشيعها ورافقها إلى مثواها الأخير‪ ،‬واستمر معها‬ ‫حتى دفنت‪.‬‬ ‫فإنه يرجع من الأجر قراطين‪ ،‬كل قيراط مثل أحد ‪ :‬أي فإنه يعود بمقدارين عظيمين من الأجر‪،‬‬ ‫كل واحد منهما يكون يوم القيامة مثل جبل أحد حجماً ووزناً‪.‬‬ ‫( يستفاد من الحديث )‬ ‫أولاً ‪:‬أن اتباع الجنائز من ال ِإيمان لقوله صلى الله عليه وسلم‪ \" :‬من اتبع جنازة مسلم إيماناً\"‬ ‫ثانياً ‪:‬أن مشيّع الجنازة لا يثاب بقيراطين إ هلا إذا اتبعها حتى تدفن‪.‬‬ ‫( المرجع (‬ ‫منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري‪.‬‬ ‫‪25‬‬

‫الحديث العشرون‬ ‫عن ع ْب ِد ال هلهِ ْب ِن مس ُع ْو ٍد رضي الله عنه أ هن النهبِ هي صلى الله عليه وسلم قال ‪:‬‬ ‫\" ِسبا ُب ا ْل ُم ْسلِ ِم فُ ُسو ٌق وقِتالُهُ ُك ْف ٌر\" ‪.‬‬ ‫] بخاري‪[44:‬‬ ‫( شرح الحديث )‬ ‫ِسباب‪ :‬السباب هو الشتم أو المشاتمة ‪.‬و السباب أشد من السب‪ ،‬فالسباب هو أن يقول الرجل‬ ‫في الرجل ما فيه وما ليس فيه يريد بذلك عيبه ‪ .‬وأما السب فلا يكون إلا بما هو فيه‪.‬‬ ‫فُ ُسوق‪ :‬الفسوق في اللغة هو الخروج‪ ،‬وفي الشرع ‪:‬الخروج عن طاعة الله ورسوله‪،‬‬ ‫وهو في عرف الشرع أشد من العصيان ‪.‬‬ ‫قال الله تعالى ‪ (:‬وك هره إِل ْي ُك ُم ا ْل ُك ْفر وا ْلفُ ُسوق وا ْل ِع ْصيان)‪.‬‬ ‫وقِتاله ُك ْفر‪:‬وأما القتال فهو المحاربة ‪.‬ولما كان القتال أشد من السباب لأنه يفضي إلى‬ ‫إزهاق الروح عبر عنه بلفظ أشد من لفظ الفسوق وهو الكفر ولم يرد حقيقة الكفر التي هي‬ ‫الخروج عن الملة ‪،‬بل أطلق عليه الكفر مبالغة في التحذير‪.‬‬ ‫( المرجع )‬ ‫فتح الباري لابن حجر‬ ‫‪26‬‬

‫الحديث الحادي والعشرون‬ ‫ع ْن ُعبادة ْب ِن ال هصا ِم ِت رضي الله عنه أ هن ر ُسول ال هلهِ صلى الله عليه وسلم خرج يُ ْخبِ ُر بِل ْيل ِة ا ْلق ْد ِر‪،‬‬ ‫فتلاحى ر ُجلا ِن ِمن ا ْل ُم ْسلِ ِمين فقال‪\" :‬إِنِّي خر ْج ُت لأُ ْخبِر ُك ْم بِل ْيل ِة ا ْلق ْد ِر‪ ،‬وإِنههُ تلاحى فُلا ٌن وفُلا ٌن‬ ‫ف ُرفِع ْت‪ ،‬وعسى أ ْن ي ُكون خ ْي ًرا ل ُك ْم‪ ،‬ا ْلت ِم ُسوها فِي ال هس ْب ِع والتِّ ْس ِع وا ْلخ ْم ِس\" ‪.‬‬ ‫]بخاري‪[49:‬‬ ‫( شرح الحديث )‬ ‫أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يخبر الصحابة رضي الله عنهم في شهر رمضان بتعيين ليلة‬ ‫القدر فتنازع وتخاصم اثنان من الصحابة رضي الله عنهم وهما كعب بن مالك وعبد الله بن أبي حدرد فعند‬ ‫ذلك قال رسول الله ‪\":‬إِ ِّني خر ْج ُت لأُ ْخبِر ُك ْم بِل ْيل ِة ا ْلق ْد ِر ‪ ،‬وإِنههُ تلاحى فُلا ٌن وفُلا ٌن ف ُرفِع ْت ‪ ،‬وعسى أ ْن ي ُكون‬ ‫خ ْي ًرا ل ُك ْم\" ‪ :‬أي ‪ :‬وإن كان عدم الرفع أزيد خيرا وأولى منه لكن في الرفع خير موجود لاستلزامه مزيد‬ ‫من الثواب لكونه سببا لزيادة الاجتهاد في التماسها وإنماحصل ذلك ببركة رسول الله صلى الله عليه‬ ‫وسلم‪ .‬ثم قال\" ا ْلت ِم ُسوها فِي ال هس ْب ِع والتِّ ْس ِع وا ْلخ ْم ِس\"‪ :‬قدم السبع على التسع وهو كذا في معظم‬ ‫الروايات إشارة إلى أن رجاءها في السبع أقوى للاهتمام بتقديمه‪.‬‬ ‫( فوائد من الحديث )‬ ‫فيه دليل على أن المخاصمة مذمومة ‪ .‬وفيه أن المخاصمة والمعاصي عموما سبب في العقوبة المعنوية‬ ‫وهي الحرمان‪ .‬وفيه دليل أن المكان الذي يحضره الشيطان ترفع منه البركة والخير‘ فإذا كان هذا الكلام‬ ‫قيل في خصومة جاء الشيطان فيها فكيف بأماكن المنكرات التي عشش فيها الشيطان وجوهر فيها‬ ‫بالمعاصي ليلا ونهارا فهي أحق بمحق البركة ورفع الخير‪.‬‬ ‫( المرجع )‬ ‫فتح الباريلابن حجر‪.‬‬ ‫‪27‬‬

‫الحديث الثاني والعشرون‬ ‫ع ْن أبِي م ْسعُو ٍد رضي الله عنه ع ِن النهبِ ِّي صلى الله عليه وسلم قال‪:‬‬ ‫\" إِذا أ ْنفق ال هر ُج ُل على أ ْهلِ ِه ي ْحت ِسبُها ف ُهو لهُ صدقةٌ \" ‪.‬‬ ‫]بخاري‪[11:‬‬ ‫( شرح الحديث )‬ ‫إذا أنفق الرجل على أهله ‪ :‬أي إذا صرف الرجل ماله على أهله الذين يعولهم‪،‬‬ ‫وتجب عليه نفقتهم من زوجة وأولاد وغيرهم من أقاربه أي شيء من المال قليلاً كان أو كثيراً‪.‬‬ ‫يحتسبها ‪ :‬يريد بتلك النفقة وجه الله وابتغاء مرضاته‪ ،‬ويقصد بها القربة إليه‪.‬‬ ‫وامتثال أمره‪ ،‬راجياً منه الأجر والمثوبة‪ ،‬لا لمجرد العاطفة ال ِإنسانية‪ ،‬أو لكونه ملزماً بالنفقة عليهم‪.‬‬ ‫فهو له صدقة ‪:‬أي فإن ذلك الانفاق يحتسب له عند الله عملاً صالحاً‪ ،‬وحسنة يثاب عليها‬ ‫ثواب الصدقة وليس معناه أن تلك النفقة تعطى حكم الصدقة‪.‬‬ ‫( يستفاد من الحديث )‬ ‫الترغيب في النية الصالحة في جميع الأعمال‪ ،‬ولو كانت عادية‪ ،‬لأن حسن النية فيها يحولها‬ ‫إلى طاعة يؤجر عليها‪.‬‬ ‫(المرجع )‬ ‫منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري‪.‬‬ ‫‪28‬‬

‫الحديث الثالث والعشرون‬ ‫ع ْن ع ْب ِد ال هلهِ ْب ِن ع ْم ٍرو رضي الله عنهما قال‪ :‬تخلهف عنها النهبِ ُّي صلى الله عليه وسلم فِي س ْفر ٍة‬ ‫ساف ْرناها فأ ْدركنا وق ْد أ ْرهق ْتنا ال هصلاةُ ون ْح ُن نتو هضأُ فجع ْلنا ن ْمس ُح على أ ْر ُجلِنا فنادى بِأ ْعلى ص ْو ِت ِه‪:‬‬ ‫\" و ْي ٌل لِلأ ْعقا ِب ِمن النها ِر\" م هرت ْي ِن أ ْو ثلاثًا‪].‬بخاري‪[61:‬‬ ‫( شرح الحديث )‬ ‫تخلف رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬في سفرة سافرناها‪ :‬بين مكة والمدينة كما رواه مسلم‬ ‫فأدركنا ‪ :‬أي فلحقنا النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬‬ ‫وقد أرهقتنا الصلاة ‪ :‬أي وقد تأخرنا عن صلاة العصر‪ ،‬حتى أوشكت الشمس على الغروب وكادت تفوتنا‬ ‫ونحن توضأ‪ :‬أي ولم ننته بعد من الوضوء‪.‬‬ ‫فجعلنا نمسح أرجلنا ‪ :‬أي فاستعجلنا في الوضوء وصرنا نغسل أعضاءنا غسلاً خفيفاً يشبه المسح‪.‬‬ ‫فنادى بأعلى صوته ويل للأعقاب ‪ :‬جمع عقب‪ ،‬وهو مؤخر القدم‪.‬‬ ‫من النار‪ :‬أي فنادى النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه منذراً الذين لا يغسلون أعقابه ِم بالعذاب الشديد‬ ‫يوم القيامة‪.‬‬ ‫( يستفاد من الحديث )‬ ‫أولاً‪ :‬وجوب تعليم الجاهل وتنبيهه على خطَه‪ ،‬وتحذيره من التقصير في الواجبات الشرعية سواء كان‬ ‫ذلك عمداً أو سهواً‪.‬ثانياً‪ :‬أن الفرض في الوضوء هو غسل الرجلين خلافاً لمن يرى أن الفرض مسحها‬ ‫فقط‪ ،‬لأن النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬أنذر الذين يغسلون أرجلهم غسلاً خفيفاً بهذا الوعيد الشديد‪،‬‬ ‫فكيف بمن يمسحونها‪.‬ثالثاً‪ :‬مشروعية رفع الصوت بالعلم لقوله \" فنادى بأعلى صوته ويل للأعقاب من‬ ‫النار \"‪.‬‬ ‫( المرجع )‬ ‫منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري‪.‬‬ ‫‪29‬‬

‫الحديث الرابع والعشرون‬ ‫ع ْن أن ٍس رضي الله عنه ع ِن النهبِ ِّي ‪-‬صلى الله عليه وسلم قال‪:‬‬ ‫\" ي ِّس ُروا ولا تُع ِّس ُروا وب ِّش ُروا ولا تُنفِّ ُروا\"‪.‬‬ ‫] بخاري‪[69:‬‬ ‫( شرح الحديث )‬ ‫أمر النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث بأمرين‪ ،‬يتوقف على الأول منهما استقامة‬ ‫ال ِإنسان في ذات نفسه‪ ،‬وعلى الثاني نفعه لغيره‪ ،‬ونهى عن ضدهما‪ ،‬لما يؤدي إليه من نتائج عكسية‪.‬‬ ‫أ ّما الأمر الأول الذي يرتبط به صلاح ال ِإنسان واستقامته فهو التيسير‪ ،‬وضده التعسير‪ ،‬وفي هذا‬ ‫يقول صلى الله عليه وسلم‪:‬‬ ‫يسروا‪ :‬أي خففوا على أنفسكم بممارسة الأعمال التي تطيقونها‪ ،‬والاقتصاد والتوسط في‬ ‫نوافل العبادات والطاعات من صيام وقيام ونحوه‪ ،‬فأتوا منها ما استطتعم‪ ،‬مع المحافظة على الحقوق‬ ‫البدنية والنفسية والاجتماعية من طعام وشراب ولباس ونوم وراحة وزوجة وولد وغيرها‪،‬‬ ‫كما قال ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ \" :‬إن لبدنك عليك حقاً‪ ،‬وإ ّن لنفسك عليك حقاً‪ ،‬وإن لزوجك‬ ‫عليك حقاً‪ ،‬وإن لزورك ‪-‬أي ضيفك‪ -‬عليك حقاً \"‪.‬‬ ‫ولا تعسروا ‪ :‬أي لا تشددوا على أنفسكم بتكليفها ما لا تطيق من العبادات والطاعات‪،‬‬ ‫وإهمال حقوق الجسد والروح وحقوق الأهل والولد وغيرها‪ ،‬فإن ذلك يؤدي إلى نتيجة عكسية ‪،‬‬ ‫وهي السآمة والملل المؤدي إلى كراهية الأعمال الصالحة‪ ،‬ثم إلى كراهية الدين نفسه‪،‬‬ ‫‪31‬‬

‫أما الأمر الثاني فهو التبشير الذي يتوقف عليه نجاح الموعظة وانتفاع الغير بها‪ ،‬وضده المبالغة‬ ‫في الترهيب والتخويف‪ ،‬المؤدي إلى النفور‪ ،‬وفي هذا يقول ‪ -‬صلى الله عليه وسلم‪.‬‬ ‫وبشروا ‪ :‬أي بشروا المؤمنين بفضل الله وثوابه‪ ،‬وجزيل عطائه‪ ،‬وسعة رحمته‪.‬‬ ‫ولا تنفروا ‪ :‬الناس بالإكثار من أحاديث الترهيب وأنواع الوعيد‪.‬‬ ‫( يستفاد من الحديث )‬ ‫أولاً‪ :‬استحباب اختيار الأوقات المناسبة للموعظة‪ ،‬وعدم الإكثار منها‪ ،‬ليستفيد بها السامعون‪،‬‬ ‫لأن الإكثار منها يُ ِملُّهم وينفرهم‪.‬‬ ‫ثانياً‪ :‬أن من السنة الاقتصاد في نوافل الطاعات والعبادات من صيام وقيام وإعطاء النفس‬ ‫حقوقها الطبيعية حتى تقبل على الطاعة في شوق ورغبة فتكون أجدى لها وأكثر نفعاً‪.‬‬ ‫ثالثاً‪ :‬حث المرشدين على تبشير الناس وترغيبهم‪ ،‬وفتح أبواب الأمل والرجاء أمامهم حتى‬ ‫يقبلوا على ربهم في حب ورغبة‪ ،‬ويحسنوا الظن به‪ ،‬مع الاجتهاد في العمل‪ ،‬والاخلاص فيه‪،‬‬ ‫فإن حقيقة الرجاء أن يقترن الأمل بحسن العمل‪ .‬وإ هلا فهو أماني باطلة‪ ،‬لا تجدي صاحبها شيَاً‪.‬‬ ‫( المرجع )‬ ‫منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري‪.‬‬ ‫‪30‬‬

‫الحديث الخامس والعشرون‬ ‫ع ْن ُمعا ِوية رضي الله عنه قال‪ :‬س ِم ْع ُت النهبِ هي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬يقُو ُل‪:‬‬ ‫\" م ْن يُ ِر ِد ال هلهُ بِ ِه خ ْي ًرا يُفقِّ ْههُ فِي ال ِّدي ِن‪ ،‬وإِنهما أنا قا ِس ٌم وال هلهُ يُ ْع ِطي‪ ،‬ول ْن تزال ه ِذ ِه الأُ همةُ قائِمةً على أ ْم ِر‬ ‫ال هلهِ لا ي ُض ُّر ُه ْم م ْن خالف ُه ْم حتهى يأْتِي أ ْم ُر ال هلهِ\"‪ ] .‬بخاري‪[10:‬‬ ‫( شرح الحديث )‬ ‫من يرد الله به خيراً ‪ :‬أي خيراً عظيماً‪ ،‬ونفعاً كثيراً‪ ،‬فإن التنكير للتعظيم‪.‬‬ ‫يفقهه في الدين ‪ :‬أي يمنحه العلم الشرعي الذي لا يدانيه خير في هذا الوجود في فضله وشرفه‪ ،‬وعلو‬ ‫درجته‪ ،‬لأنه ميراث الأنبياء‪ ،‬الذي لم يُو ِّرثُوا غيره \" وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم \"‪.‬‬ ‫وللفقه في لسان الشرع معنيان‪:‬‬ ‫معن ًى خاص‪ :‬وهو معرفة الأحكام الشرعية المتعلقة بالعبادات والمعاملات والجنايات والأحوال الشخصية‪.‬‬ ‫ومعن ًى عام‪ :‬وهو معرفة علوم الدين من توحيد وتفسير وحديث وفرائض وأحكام‪ ،‬وهو المراد هنا‪.‬‬ ‫وإنما أنا قاسم ‪:‬أي وإنما أنا مجرد قاسم للعلوم الشرعية‪ ،‬ومبلغ لها‪ ،‬أبلغها وأنقُلها إليكم عن ربكم‪.‬‬ ‫والله عز وجل يعطي ‪ :‬أي والله وحده هو الذي يعطي الحفظ والفهم من يشاء وعلى قدر ما يشاء‪.‬‬ ‫ولن تزال هذه الأمة ‪:‬أي لا تزال طائفة من المسلمين‪.‬‬ ‫قائمة على أمر الله ‪:‬أي ثابتة على دينه إلى قيام الساعة‪.‬‬ ‫( يستفاد من الحديث )‬ ‫أولاً‪ :‬أن العلم الشرعي أشرف العلوم إطلاقاً‪ ،‬لعلاقته باَلِل‪.‬‬ ‫ثانياً‪ :‬أن الفقه في الدين موهبة ربانية يختلف الناس فيها وكذلك كل الملكات ال ِإنسانية‪.‬‬ ‫( المرجع )‬ ‫منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري‪.‬‬ ‫‪32‬‬

‫الحديث السادس والعشرون‬ ‫ع ْن ع ْب ِد ال هلهِ ْب ِن م ْس ُعو ٍد رضي الله عنه قال‪ :‬قال النهبِ ُّي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم‪:-‬‬ ‫\" لا حسد إِلا فِي ا ْثنت ْي ِن‪ :‬ر ُج ٌل آتاهُ ال هلهُ ما ًلا ف ُسلِّط على هلكتِ ِه فِي ا ْلح ِّق‪ ،‬ور ُج ٌل آتاهُ ال هلهُ ا ْل ِح ْكمة‬ ‫ف ُهو ي ْق ِضي بِها ويُعلِّ ُمها\"‪.‬‬ ‫] بخاري‪[13:‬‬ ‫( شرح الحديث )‬ ‫يشير النبي صلى الله عليه وسلم هنا إلى أن الحسد أنواع مختلفة فمنه حس ٌد مذموم محرم شرعاً‪ ،‬وهو أن‬ ‫يتمنى المرء زوال النعمة عن أخيه‪ ،‬وحسد مباح وهو أن يرى نعمة دنيوية عند غيره فيتمنى لنفسه‬ ‫مثلها‪ ،‬وحسد محمود مستحب شرعاً‪ ،‬وهو أن يرى ن ْعمةً دينية عند غيره فيتمنّاها لنفسه‪ .‬وهو ما عناه‬ ‫النبي صلى الله عليه وسلم بقوله‪ :‬لا حسد إلاّ في اثنتين ‪:‬‬ ‫أي أن الحسد تختلف أنواعه وأحكامه حسب اختلاف أنواعه ولا يكون محموداً مستحباً شرعياً إلاّ في‬ ‫أمرين‪:‬‬ ‫رجل آتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الحق ‪ :‬أي الأمر الأول أن يكون هناك رجل غني تقي‪ ،‬أعطاه الله‬ ‫مالاً حلالاً‪ ،‬فأنفقه فيما ينفعه وينفع غيره ويرضي ربه من وجوه الخير‪ ،‬فيتمنى أن يكون مثله‪ ،‬ويغبطه‬ ‫على هذه النعمة‪.‬‬ ‫ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها ‪:‬أي والأمر الثاني‪ :‬أن يكون هناك رجل عالم‪ ،‬أعطاه الله‬ ‫علماً نافعاً يعمل به‪ :‬ويعلمه لغيره‪ ،‬ويحكم به بين الناس فيتمنى مثله‪.‬‬ ‫( يستفاد من الحديث )‬ ‫أن من الحسد ما هو مشروع‪ ،‬وليس بحرام‪ ،‬وهو الغبطة ومعناها‪ :‬أن يرى المرء ن ْعمة عند غيره فيتمنى‬ ‫مثلها‪ ،‬فإن كانت الغبطة في أمر دنيوي من صحة أو قوة أو مركز أو ولد فهي مباحة‪ ،‬وإن كانت في أمر‬ ‫ديني كالعلم النافع أو المال الصالح فهي مستحبة شرعاً‪.‬‬ ‫‪33‬‬

‫الحديث السابع والعشرون‬ ‫عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال‪ :‬س ِم ْع ُت ر ُسول ال هلهِ ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬يقُو ُل‪:‬‬ ‫\" ِم ْن أ ْشرا ِط ال هساع ِة أ ْن يقِ هل ا ْل ِع ْل ُم وي ْظهر ا ْلج ْه ُل وي ْظهر ال ِّزنا وت ْكثُر النِّسا ُء وي ِق هل ال ِّرجا ُل حتهى ي ُكون‬ ‫لِخ ْم ِسين ا ْمرأةً ا ْلقيِّ ُم ا ْلوا ِح ُد\"‪.‬‬ ‫] بخاري‪[40:‬‬ ‫( شرح الحديث )‬ ‫قال أنس بن مالك سمعت رسول ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬يقول‪:‬‬ ‫إن من أشراط الساعة أن يقل العلم‪ :‬أي يقل العلم الشرعي في هذه الأرض لكثرة موت العلماء كما‬ ‫في حديث ابن عمر عن النبي‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ \":‬إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد‬ ‫ولكن يقبض العلم بقبض العلماء \"‪.‬‬ ‫ويظهر الجهل ‪ :‬أي وينشر الجهل في الناس‪.‬‬ ‫وتكثر النساء ويقل الرجال‪ :‬أي يتضاعف عدد النساء بالنسبة إلى عدد الرجال الذين تفنيهم‬ ‫الحروب الدامية‪ ،‬وقيل‪ :‬تكثر النساء بسبب كثرة الفتوح والسبايا‪.‬‬ ‫حتى يكون للخمسين امرأة القيم الواحد ‪ :‬أي حتى لا تجد الخمسون امرأة سوى رجل واحد يكفلهن‬ ‫ويعولهن ويقوم بشؤونهن‪.‬‬ ‫( يستفاد من الحديث )‬ ‫أولاً‪ :‬أن من علامات الساعة رفع العلم الشرعي‪ ،‬وقلة وجوده‬ ‫ثانياً‪ :‬أن من علامات الساعة انتشار الفاحشة كنتيجة حتميّة لكثرة وجود النساء غير المتزوجات‬ ‫( المرجع )‬ ‫منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري‪.‬‬ ‫‪34‬‬

‫الحديث الثامن والعشرون‬ ‫ع ِن ا ْب ِن ُعمر رضي الله عنهما قال‪ :‬س ِم ْع ُت ر ُسول ال هلهِ صلى الله عليه وسلم ‪ -‬قال‪:‬‬ ‫ْبن‬ ‫ُعمر‬ ‫ف ْضلِي‬ ‫ي ْخ ُر ُج فِي أ ْظفا ِري ثُ هم أ ْعط ْي ُت‬ ‫ال ِّر هي‬ ‫حتهى إِنِّي لأرى‬ ‫أُتِيا ْل ُتخبِطهقاد ِب ِح\"ل‪.‬ب ٍقنالُفواش‪ِ :‬ر ْبفمُتا‬ ‫نائِ ٌم‬ ‫أنا‬ ‫\"ب ْينا‬ ‫قال‪\" :‬ا ْل ِع ْلم\"‪ ] .‬بخاري‪[41:‬‬ ‫ال هلهِ؟‬ ‫أ هو ْلتهُ يا ر ُسول‬ ‫( شرح الحديث )‬ ‫يقول ابن عمر رضي الله عنهما \" سمعت رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬يقول‪:‬‬ ‫بينا أنا نائم أتيت بقدح من لبن ‪ :‬أي رأيت في أثناء نومي شخصاً جاءني بقدح من لبن‪.‬‬ ‫فشربت حتى اني لأرى الري يخرج في أظفاري‪ :‬أي فشربت وارتويت كثيراً حتى صرت كأني أرى‬ ‫اللبن بعيني يخرج من أصابعي‪ ،‬ويسيل على أظفاري من شدة الري‪ ،‬فالري هنا المراد به اللبن على‬ ‫سبيل الاستعارة‪.‬‬ ‫ثم أعطيت فضلي عمر بن الخطاب ‪ :‬أي أعطيته ما تبقى مني فشربه‪.‬‬ ‫قالوا‪ :‬فما أولته ؟ قال العلم ‪ :‬أي فسرت اللبن بالعلم‪.‬‬ ‫( يستفاد من الحديث )‬ ‫اللبن أفضل غذاء‬ ‫غذاء لروحه‪ ،‬كما أن‬ ‫العلم وشرفه‪ .‬وأهميته بالنسبة لل ِإنسان‪ ،‬لأنه أفضل‬ ‫فضل‬ ‫أولاً‪:‬‬ ‫به اللبن الذي تبقى‬ ‫من بعده‪ ،‬ولذلك فُ ِّسر‬ ‫ميراث النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬الذي تبقى لنا‬ ‫ولأنه‬ ‫لبدنه‪.‬‬ ‫منه وشربه عمر رضي الله عنه‪.‬‬ ‫ثانياً‪ :‬فضل عمر رضي الله عنه وتفوقه في علوم الشريعة‪ ،‬لأنّه ن ِهل من ذلك اللبن الذي شرب منه‬ ‫النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬فدل ذلك على اختصاصه وامتيازه بقد ٍر زائ ٍد من العلم‪.‬‬ ‫( المرجع )‬ ‫منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري‪.‬‬ ‫‪35‬‬

‫الحديث التاسع والعشرون‬ ‫ع ْن أبِ ْي هُر ْيرة رضي الله عنه ع ِن النهبِ ِّي صلى الله عليه وسلم قال‪:‬‬ ‫\"يُ ْقب ُض ا ْل ِع ْل ُم وي ْظه ُر ا ْلج ْه ُل وا ْلفِت ُن وي ْكثُ ُر ا ْله ْر ُج\"‪.‬قِيل‪ :‬يا ر ُسول ال هلهِ‪ ،‬وما ا ْله ْر ُج؟‬ ‫فقال هكذا بِي ِد ِه فح هرفها‪ ،‬كأنهه يُ ِري ُد ا ْلق ْتل ‪.‬‬ ‫]بخاري‪[41:‬‬ ‫( شرح الحديث )‬ ‫يقبض العلم ‪ :‬أي من علامات الساعة أن يرفع العلم بموت العلماء‪.‬‬ ‫ويظهر الجهل والفتن ‪ :‬التي تصيب الناس في دينهم حتى يصبح القابض على دينه كالقابض على الجمر‪.‬‬ ‫ويكثر اله ْرج قيل‪ :‬يا رسول الله وما الهرج؟ فقال‪ :‬هكذا يده فحرفها \" أي حركها \" كأنه يريد القتل \"‪:‬‬ ‫أي فلما سَل ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬عن معنى اله ْرج حرك يده ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬كالضارب‬ ‫يشير بذلك إلى أن معناه القتل وسفك الدماء‪ .‬يعني ويكثر في الناس القتل وسفك الدماء وتنتشر‬ ‫الحروب والمعارك الدامية‪.‬‬ ‫( المرجع )‬ ‫منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري‪.‬‬ ‫‪36‬‬

‫الحديث الثلاثون‬ ‫ع ْن ع ْب ِد ال هلهِ ْب ِن ع ْم ِرو ْب ِن ا ْلعا ِص رضي الله عنهما قال‪:‬‬ ‫س ِم ْع ُت ر ُسول ال هلهِ صلى الله عليه وسلم ‪ -‬يقُو ُل‪\" :‬إِ هن ال هله لا ي ْقبِ ُض ا ْل ِع ْلم ا ْنتِزا ًعا ي ْنت ِز ُعهُ ِمن ا ْل ِعبا ِد‪،‬‬ ‫ول ِك ْن ي ْقبِ ُض ا ْل ِع ْلم بِق ْب ِض ا ْل ُعلما ِء حتهى إِذا ل ْم يُ ْب ِق عالِ ًما اتهخذ النها ُس ُر ُءو ًسا ُج هها ًلا ف ُسَِلُوا فأ ْفت ْوا بِغ ْي ِر‬ ‫ِع ْل ٍم فض ُّلوا وأض ُّلوا\"‪.‬‬ ‫] بخاري‪[011 :‬‬ ‫( شرح الحديث )‬ ‫ان الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد‪ :‬أي إن الله لا يرفع العلم من الناس بإزالته من‬ ‫قلوب العلماء ومحوه من صدورهم‪ ،‬أو برفع الكتب العلمية من الأرض‪.‬‬ ‫ولكن يقبض العلم بقبض العلماء ‪ :‬أي ولكنه يرفع العلم بموت العلماء‪.‬‬ ‫حتى إذا لم يبق عالم ‪ :‬وفي راوية‪ :‬لم يُ ْب ِق عالماً‪ ،‬أي إذا مات أهل العلم الحقيقي‪،‬‬ ‫ولم يبق هناك أحد منهم‪ ،‬وصل الجهلاء إلى المراكز العلمية التي لا يستحقونها من تدريس‬ ‫وإفتاء ونحوه‪،‬‬ ‫واتخذ الناس رؤوساً جهالاً ‪ :‬أي وجعل الناس من الجهلاء وأدعياء العلم علماء يسألونهم‬ ‫كما جاء في رواية أخرى عن النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم –‬ ‫‪37‬‬

‫قال‪ :‬اتخذ الناس رؤساء جهالاً فسَلوا ‪:‬عن الحلال والحرام وأحكام العبادة والمعاملة‪.‬‬ ‫فأفتوا بغير علم ‪:‬أي فأفتوا الناس على جهل‪ ،‬فأحلوا الحرام وح ّرموا الحلال‪.‬‬ ‫فضلوا ‪ :‬في ذات أنفسهم عن الحق‪.‬‬ ‫وأضلوا‪ :‬من اتبعهم وأخذوا بفتواهم من عامة الناس‪.‬‬ ‫( يستفاد من الحديث )‬ ‫أولاً‪ :‬التحذير الشديد من الجرأة على الفتوى بغير علم‪ ،‬لما في ذلك من إضلال الناس‪ ،‬فإن المفتي‬ ‫الجاهل يتحمل وزر من أضلّه‪ ،‬بال ِإضافة إلى وزره هو‪،‬‬ ‫ويدخل في مصداق قوله تعالى‪( :‬وليحملن أثقالهم وأثقالاً مع أثقالهم)‪.‬‬ ‫ثانياً‪ :‬تحذير ولاة الأمور من تعيين الجهلاء في المناصب الدينية لهذا الحديث‪،‬‬ ‫وقد قال محمد بن سيرين من التابعين‪ \" :‬إن هذا العلم دين‪ ،‬فانظروا عمن تأخذون دينكم \"‪.‬‬ ‫ثالثاً‪ :‬أن موت العالم خسارة عظيمة‪ ،‬لأ هن العلم يرفع بموت العلماء‪.‬‬ ‫( المرجع )‬ ‫منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري‪.‬‬ ‫‪38‬‬

‫الحديث الحادي والثلاثون‬ ‫عن السيد ْة عا ِئشة رضي الله عنها ‪ :‬أ هن النهبِ هي صلى الله عليه وسلم قال‪ \":‬م ْن ُحو ِسب ُع ِّذب\"‬ ‫فقُ ْل ُت‪ :‬أول ْيس يقُو ُل ال هلهُ تعالى‪{ :‬فس ْوف يُحاس ُب ِحسابًا ي ِسي ًرا}؟ فقال‪ \":‬إِنهما ذلِ ِك ا ْلع ْر ُض ول ِك ْن م ْن‬ ‫نُوقِش ا ْل ِحساب ي ْهلِ ْك\" ‪] .‬بخاري‪[013 :‬‬ ‫( شرح الحديث )‬ ‫من حوسب عذب ‪:‬أي أن كل من حاسبه الله يوم القيامة فلا بد أن يناله شيء من العذاب‪ ،‬لأن الحساب إنما هو‬ ‫مناقشة للعبد في أخطائه‪ ،‬وتوقيفه على جميع ذنوبه‪ ،‬واستقصاء لكل سيَاته‬ ‫وللعذاب معنيان ‪ :‬أحدهما‪ :‬نفس المناقشة والثاني‪ :‬ما يفضي إليه من دخول النار‪.‬‬ ‫قالت عائشة رضي الله عنها‪ \" :‬أوليس يقول الله عز وجل (فسوف يحاسب حساباً يسيراً)‪:‬‬ ‫أي فكيف تقول من حوسب عذب وقد قال تعالى‪( :‬فأ ّما من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حساباً يسيراً) ‪.‬‬ ‫فقال‪ :‬إنما ذلك الع ْرض ‪:‬إنما ذلك الحساب اليسير شيء آخر وهو العرض‪ ،‬ومعناه تذكير المؤمن على انفراد‬ ‫بأخطائه مع تطمينه بالعفو عنه‪ ،‬كما في الصحيح‪.‬‬ ‫إن الله يدني عليه كنفه‪ :‬أي ستره ويقول له‪ :‬فعلت كذا وكذا ‪ -‬ثم يطمَنه بعد هذا العتاب الرقيق فيقول‬ ‫له‪ :‬سترت عليك في الدنيا‪ ،‬وأنا أغفر لك اليوم ‪.‬‬ ‫ولكن من نوقش الحساب يهلك‪ :‬أي يعذب لا محالة ويتعرض للهلاك ودخول النار‪.‬‬ ‫( يستفاد من الحديث )‬ ‫أولاً‪ :‬أن من حق طالب العلم أن يسأل فيما اشكل عليه‪ ،‬وأن يراجع كما فعلت السيدة عائشة رضي الله عنها‪،‬‬ ‫وعلى العالم أن يقابل مراجعته برحابة صدر‪ ،‬وأن يجيبه كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم ‪.‬‬ ‫ثانياً‪ :‬أن الحساب نوعان‪ ،‬حساب مناقشة وهو عسير وشديد‪ ،‬ولا يخلو من العذاب‪ ،‬وحساب عرض ومعاتبة‪،‬‬ ‫وهو حساب يسير لا عذاب فيه‪.‬‬ ‫(المرجع )‬ ‫منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري‪.‬‬ ‫‪39‬‬

‫الحديث الثاني والثلاثون‬ ‫و ُصسولمرتِقاي‪،‬ل‪:‬و\"مت ْنس همك ْذواببِاع ْلس ِمهيي ُمتوعلاِّم ًدتا ْكتفنُْليوتاببِهو ُْأك ْنيمتِ ْقعيد‪،‬هُ‬ ‫أبِي ُهر ْيرة رضي الله عنه ع ِن النهبِ ِّي صلى الله عليه‬ ‫ع ْن‬ ‫رآنِي فِي ا ْلمنا ِم فق ْد رآنِي فإِ هن ال هش ْيطان لا يتمثه ُل فِي‬ ‫وم ْن‬ ‫ِمن النها ِر\"‪ ] .‬بخاري‪[001 :‬‬ ‫( شرح الحديث )‬ ‫تسموا باسمي ولا تكتنوا بكنيتي ‪ :‬أي لا تجمعوا بين اسمي وكنيتي للشخص الواحد‪ ،‬فيقال له‪ :‬محمد أبو‬ ‫القاسم‪.‬‬ ‫ومن رآني في المنام فقد رآني ‪:‬وفي رواية فقد رأى الحق ‪ :‬أي فإن رؤيته هذه رؤية صادقة صحيحة‪.‬‬ ‫فإن الشيطان لا يتمثل في صورتي ‪:‬أي لا يقدر على التشكل بصورة النبي صلى الله عليه وسلم لأنّه قد‬ ‫حيل بينه وبين ذلك‪.‬‬ ‫وم ْن كذب عل هي متع ِّمداً‪:‬أي من نسب إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم ّ قولاً لم يقله‪ ،‬أو فعلاً لم يفعله‬ ‫متعمد‪.‬‬ ‫فليتبوأ مقعده من النار‪:‬أي فليستعد لدخول النار التي اتخذ لنفسه فيها منزلاً‪.‬‬ ‫( يستفاد من الحديث )‬ ‫أولاً‪ :‬تحريم الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم مطلقاً‪ ،‬وهو كبيرة باتفاق أهل العلم‪ ،‬ولا يبرره حسن النية‬ ‫والقصد‪ ،‬بأن يقال‪ :‬فعلت ذلك للدعوة إلى الخير‪ ،‬فإن في الأحاديث الصحيحة ما يغني عن الأحاديث الموضوعة‪.‬‬ ‫ثانياً‪ :‬النهي عن التكني بكنية النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬والجمهور على أ ّن النهي منسوخ‪ ،‬وأنه كان في وقت‬ ‫حياته صلى الله عليه وسلم‪.‬‬ ‫ثالثاً‪ :‬أن رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم في المنام حق‪ ،‬لأن الشيطان لا قدرة له على التشكل بصورته صلى الله‬ ‫عليه وسلم‪.‬‬ ‫( المرجع )‬ ‫منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري‪.‬‬ ‫‪41‬‬

‫الحديث الثالث والثلاثون‬ ‫عن أبي هريرة رضي الله عنه قال‪ :‬س ِم ْع ُت ر ُس ْول الل ِه صلى الله عليه وسلم يقُو ُل‪:‬‬ ‫\"إِ هن أُ همتِي يُ ْدع ْون ي ْوم ا ْلقِيام ِة ُغ ًّرا ُمح هجلِين ِم ْن آثا ِر ا ْل ُو ُضو ِء‪ ،‬فم ِن ا ْستطاع ِم ْن ُك ْم أ ْن يُ ِطيل‬ ‫ُغ هرتهُ ف ْلي ْفع ْل\" ‪.‬‬ ‫]بخاري‪[036 :‬‬ ‫( شرح الحديث )‬ ‫إن أمتي يدعون يوم القيامة ‪:‬أي أن هذه الأمة المحمدية ينادون يوم القيامة عند الحوض ليشربوا منه‬ ‫شربة لا يظمَون بعدها أبداً‪ ،‬وإنما ينادون أمام الناس تنويهاً بشأنهم‪ ،‬وإشادة بفضلهم‪.‬‬ ‫غراً محجلين من آثار الوضوء ‪ :‬والغرة في الأصل بياض في جبهة الفرس‪ ،‬والتحجيل بياض في‬ ‫قوائمه‪ ،‬والمعنى أنهم ينادون عند الحوض المورود‪ ،‬وقد أشرقت أنوار الوضوء على جباههم وأيديهم‬ ‫وأرجلهم تشريفاً وتكريماً لهم في ذلك الموقف العظيم‪.‬‬ ‫فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل ‪:‬أي فمن تمكن من إسباغ الوضوء على المكاره‪ ،‬فليحرص‬ ‫على ذلك أشد الحرص‪ ،‬ليزيد من نوره يوم القيامة‪.‬‬ ‫( يستفاد من الحديث )‬ ‫أولاً‪ :‬استحباب تطويل الغرة والجمهور على أن تطويل الغرة هو إسباغ الوضوء ‪ -‬أي إتقانه وإتمامه‪.‬‬ ‫ثانياً‪ :‬فضل الوضوء‪ ،‬لأ ّن هذه الأنوار التي تتلألأ على جباه المؤمنين وأيديهم وأرجلهم يوم القيامة إنما‬ ‫هي من آثار الوضوء كما نص عليه الحديث‪.‬‬ ‫( المرجع )‬ ‫منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري‪.‬‬ ‫‪40‬‬

‫الحديث الرابع والثلاثون‬ ‫عن أن ٍس رضي الله عنه قال‪ :‬كان النهبِ ُّي صلى الله عليه وسلم إِذا دخل ا ْلخلاء قال‪:‬‬ ‫\"اللههُ هم إِنِّي أ ُعو ُذ بِك ِمن ا ْل ُخبُ ِث وا ْلخبائِ ِث\"‪.‬‬ ‫] بخاري‪[041 :‬‬ ‫( شرح الحديث )‬ ‫كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء ‪ :‬وهو موضع قضاء الحاجة‪ ،‬أى أنه صلى الله عليه‬ ‫وسلم كان إذا أراد أن يدخل المكان المعد لقضاء حاجته‬ ‫قال‪ :‬اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث ‪ :‬أي اللهم إني أستجير وأتحصن بك من ذكور الشياطين‬ ‫وإناثهم‪ ،‬لأنهم هم الخبث والخبائث سموا بذلك لقذارتهم وشرهم وإضرارهم وإيذائهم للبشر‪ ،‬وإنما كان‬ ‫صلى الله عليه وسلم يتعوذ من شرهم عند دخول الخلاء‪ ،‬لأ ّن هذه الأماكن هي مأوى الأرواح الشريرة‪،‬‬ ‫كما قال صلى الله عليه وسلم ‪ \" :‬إن هذه الحشوش محتضرة \" أي تحضرها الشياطين‪.‬‬ ‫( يستفاد من الحديث)‬ ‫استحباب هذه الاستعاذة المأثورة عند دخول الخلاء‪.‬‬ ‫( المرجع )‬ ‫منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري‪.‬‬ ‫‪42‬‬

‫الحديث الخامس والثلاثون‬ ‫ع ْن أبِي أ ُّيو ِب الا ْنصا ِر ِّي رضي الله عنه قال‪ :‬قال ر ُسو ُل ال هلهِ صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬ ‫\"إِذا أتى أح ُد ُك ُم ا ْلغائِط فلا ي ْست ْق ِب ِل ا ْل ِق ْبلة ولا يُو ِّلها ظ ْهرهُ‪ ،‬ش ِّرقُوا أ ْو غ ِّربُوا\"‪.‬‬ ‫] بخاري‪[044 :‬‬ ‫( شرح الحديث )‬ ‫يقول النبي صلى الله عليه وسلم‪:‬‬ ‫إذا أتى أحدكم الغائط ‪ :‬أي مكان قضاء الحاجة‪.‬‬ ‫فلا يستقبل القبلة ولا يولِّها ظهره‪ :‬أي لا يستقبلها‪ ،‬ولا يستدبرها ويجعلها وراء ظهره‪.‬‬ ‫ولكن شرقوا أو غربوا ‪ :‬أي استقبلوا المشرق أو المغرب‪.‬‬ ‫( يستفاد من الحديث )‬ ‫تحريم استقبال القبلة واستدبارها عند قضاء الحاجة‪.‬‬ ‫و الصحيح من أقوال العلماء‪ :‬أنه يحرم استقبال القبلة ‪-‬الكعبة‪ -‬واستدبارها عند قضاء الحاجة في الخلاء‬ ‫ببول أو غائط‪ ،‬وأنه يجوز ذلك في البنيان‪،‬‬ ‫فيجوز استقبال القبلة واستدبارها في قضاء الحاجة في المباني‪.‬‬ ‫[فتاوى اللجنة الدائمة]‬ ‫( المرجع )‬ ‫منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري‪.‬‬ ‫‪43‬‬

‫الحديث السادس والثلاثون‬ ‫عن السيدة عا ِئشة ر ِضي اللهُ ع ْنها قال ْت‪:‬‬ ‫\"كان النهبِ ُّي صلى الله عليه وسلم يُ ْع ِجبُهُ التيّ هم ُن في تن ُّعلِ ِه وتر ُّجلِ ِه وط ُهو ِر ِه وفي شأنِ ِه ُكلِّ ِه\"‪.‬‬ ‫] بخاري‪[064 :‬‬ ‫( شرح الحديث )‬ ‫كان النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬يعجبه التيمن ‪ :‬أي كان ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬يس ُّره ويطيب له أن‬ ‫يبدأ باليمين في جميع الأعمال الشريفة‪ ،‬فيبدأ بالجهة اليمنى‪.‬‬ ‫في تنعله ‪:‬أي في لبس نعله‪ ،‬فُي ْلب ُس رجله اليمنى قبل اليسرى‪.‬‬ ‫وترجله ‪:‬أي ويبدأ باليمين أيضاً عند تسريح شعر رأسه‪.‬‬ ‫وطهوره ‪:‬أي ويبدأ باليمين في طهارة الحدث من وضوء أو غسل‪ ،‬فيقدم اليد اليمنى على اليسرى في‬ ‫الوضوء والميامن على المياسر في الغسل‪.‬‬ ‫وفي شأنه كله ‪:‬أي وكذلك يتيامن في جميع الأعمال الشريفة‪.‬‬ ‫( يستفاد من الحديث )‬ ‫أولاً‪ :‬استحباب تقديم الميامن على المياسر في الوضوء والغسل وغيره من الأعمال الشريفة‪.‬‬ ‫ثانياً‪ :‬قال النووي‪ :‬وأما ما كان بضد التكريم فإنه استحب فيه التياسر‪ ،‬كالامتخاط وغيره‪.‬‬ ‫(المرجع )‬ ‫منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري‪.‬‬ ‫‪44‬‬

‫الحديث السابع والثلاثون‬ ‫عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال‪:‬‬ ‫\"كان النهبِ ُّي صلى الله عليه وسلم ي ْغت ِس ُل بِال هصا ِع إِلى خ ْمس ِة أ ْمدا ٍد ويتو هضأُ بِا ْل ُم ِّد \"‪.‬‬ ‫] بخاري‪[110 :‬‬ ‫( شرح الحديث )‬ ‫كان النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬يغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد ‪ :‬أي كان يقتصد في الماء‬ ‫الذي يتطهر به‪ ،‬فغالباً ما كان يقتصر في غسله على قدر صاع من الماء‪ ،‬وهو أربعة أمداد‪،‬‬ ‫وربما زاد على ذلك‪ ،‬فاغتسل بخمسة أمداد على حسب حاجة جسمه‪.‬‬ ‫ويتوضأ بالمد‪ :‬المد بالضم‪ :‬ربع الصاع أو ملء كف هي ال ِإنسان المعتدل إذا ملأهما‪ ،‬ومد يده بهما‪،‬‬ ‫ومنه سمي مداً‪.‬‬ ‫( يستفاد من الحديث )‬ ‫استحباب تقليل الماء في الوضوء بلا حد‪ ،‬والاقتصار على القدر الكافي لحاجة الجسم دون إسراف‪ ،‬ولا‬ ‫نقصان ولا إجحاف‪.‬‬ ‫(المرجع )‬ ‫منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري‪.‬‬ ‫‪45‬‬

‫الحديث الثامن والثلاثون‬ ‫ع ِن ا ْب ِن عبها ٍس رضي الله عنهما ‪ :‬أ هن ر ُسول ال هلهِ صلى الله عليه وسلم ش ِرب لبنًا فم ْضمض‬ ‫وقال‪ \" :‬إِ هن لهُ دس ًما \" ‪.‬‬ ‫]بخاري‪[100 :‬‬ ‫( شرح الحديث )‬ ‫يحدثنا ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم‬ ‫شرب لبناً فمضمض ‪:‬أي أن النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬شرب شيَاً من اللبن فلما أراد أن يقوم‬ ‫إلى الصلاة‪ ،‬مضمض فمه بالماء ونظفه من ذلك اللبن‪.‬‬ ‫وقال‪ :‬إ ّن له دسماً ‪ :‬أي إن لِلهبن دسماً ي ْعلق بالفم‪ ،‬فينبغي لمن شربه أن ينظف فمه منه خشية‬ ‫أن يُ ْح ِدث ذلك الدسم في الفم رائحة كريهة يتأذى بها الشارب‪ ،‬أو يبقى منه شيء في الفم فيصل‬ ‫إلى المعدة أثناء الصلاة‪.‬‬ ‫( يستفاد من الحديث )‬ ‫أولاً‪ :‬أنه يستحب لمن شرب لبناً أو تناول غيره من الأطعمة وأراد الصلاة أن يغسل يديه ويتمضمض قبل‬ ‫أن يصلي سواء كان ذلك الطعام مطبوخاً أو غير مطبوخ تنظيفاً لليد والفم من آثار ذلك الطعام‪.‬ولَلا يصل‬ ‫منه شيء إلى المعدة أثناء الصلاة‪.‬‬ ‫ثانياً‪ :‬أنه لا يجب الوضوء من اللبن وغيره من الأطعمة الدسمة لأنّه ‪ -‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬شرب اللبن‪،‬‬ ‫ثم صلى ولم يتوضأ كما في الحديث‪.‬‬ ‫( المرجع )‬ ‫منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري‪.‬‬ ‫‪46‬‬

‫الحديث التاسع والثلاثون‬ ‫ع ْن عائِشة رضي الله عنها ‪ :-‬أ هن ر ُسول ال هل ِه ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬قال‪:‬‬ ‫\" إِذا نعس أح ُد ُك ْم وهُو يُصلِّي ف ْلي ْرقُ ْد حتهى ي ْذهب ع ْنهُ النه ْو ُم‪ ،‬فإِ هن أحد ُك ْم إِذا صلهى وهُو نا ِع ٌس لا ي ْد ِري‬ ‫لعلههُ ي ْست ْغفِ ُر في ُس ُّب ن ْفسهُ\"‪.‬‬ ‫] بخاري‪[101 :‬‬ ‫( شرح الحديث )‬ ‫إذا نعس أحدكم وهو يصلي فليرقد‪ :‬النعاس هو فترة في الحواس يكون نتيجة غلبة النوم ‪ ،‬فلا‬ ‫يستطيع الإنسان معه أن يتحكم في حواسه ‪ ،‬ولذلك أرشد النبي صلى الله عليه وسلم من غلب‬ ‫عليه النعاس وهو يصلي أن ينصرف من صلاته ‪ ،‬ولا يصلي وهو ناعس‪.‬‬ ‫فلعله يذهب ليستغفر فيسب نفسه‪ :‬ثم علل ذلك بقول ‪:‬فإن أحدهم إذا صلى وهو ناعس لا يدري‬ ‫لعله يذهب يستغفر فيسيب نفسه بدل أن يقول ‪ :‬اللهم اغفر لي ذنبي أو ما أذنبت ‪ ،‬يذهب يسب‬ ‫نفسه بهذا الذنب الذي أراد أن يستغفر الله منه ‪ ،‬وكذلك ربما أراد أن يسال الله الجنة فيسأله النار ‪،‬‬ ‫وربما أراد أن يسال الهداية فيسأل ربه الضلالة وهكذا ‪ ،‬لهذا أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يرقد ‪.‬‬ ‫( يستفاد من الحديث )‬ ‫أو ًلا‪ :‬أن الإنسان لنفسه عليه حق ‪ ،‬فإذا أجبر نفسه على فعل العبادة مع المشقة فإنه يكون قد ظلم‬ ‫نفسه ‪ ،‬فلا تفرط فتقصر ‪ ،‬ولا تفرط فتزيد ‪.‬‬ ‫ثانيًا‪ :‬أنه لا ينبغي للإنسان أن يحمل نفسه ويشق عليها في العبادة ‪ ،‬وإنما يأخذ ما يطيق ‪.‬‬ ‫(ابن عثيمين)‬ ‫‪47‬‬

‫الحديث الأربعون‬ ‫ع ْن أن ٍس رضي الله عنه قال‪:‬‬ ‫\"كان النهبِ ُّي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬يتو هضأُ ِع ْند ُك ِّل صلا ٍة‪ ،‬وكان يُ ْج ِز ُئ أحدنا ا ْل ُو ُضو ُء ما ل ْم يُ ْح ِد ْث\"‪.‬‬ ‫]بخاري‪[104 :‬‬ ‫( شرح الحديث )‬ ‫أن النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬كان يتوضأ عند كل صلاة ‪:‬أي يجدد الوضوء لكل صلاة‬ ‫فرضاً أو نفلاً تطوعاً لا وجوباً رغبة منه ‪ -‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬وترغيباً لأ ّمته في فضائل الوضوء‪،‬‬ ‫وما فيه من تكفير السيَات‪ ،‬واكتساب الحسنات‪ ،‬ورفع الدرجات‪.‬‬ ‫وكان يجزىء أحدنا الوضوء ما لم يحدث ‪:‬ولم يكن الوضوء لكل صلاة واجباً‪ ،‬وإنما هو‬ ‫مستحب فقط‪ ،‬فقد كان يكفي أحدنا الوضوء الواحد لعدة صلوات‪،‬‬ ‫ولا يجب عليه وضوء آخر حتى يحدث‪.‬‬ ‫( يستفاد من الحديث )‬ ‫أولاً‪ :‬أن الوضوء الواحد يجزىء لعدة صلوات ما لم يحدث‪ ،‬وهو مذهب الجمهور‬ ‫ثانياً‪ :‬استحباب الوضوء لكل صلاة‪ ،‬لأنه ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬كان يفعل ذلك‪.‬‬ ‫( المرجع )‬ ‫منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري‪.‬‬ ‫‪48‬‬

‫الحديث الحادي والأربعون‬ ‫ع ِن ا ْلبرا ِء ْب ِن عا ِز ٍب رضي الله عنه قال ‪:‬قال النهبِ ُّي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم‪-:‬‬ ‫\"إِذا أت ْيت م ْضجعك فتو هضأْ ُو ُضوءك لِل هصلا ِة ثُ هم ا ْضط ِج ْع على ِشقِّك الأ ْيم ِن ثُ هم قُ ِل ‪:‬الله ُه هم أ ْسل ْم ُت و ْج ِهي‬ ‫إِل ْيك وف هو ْض ُت أ ْم ِري إِل ْيك وأ ْلجأْ ُت ظ ْه ِري إِل ْيك‪ ،‬ر ْغبةً ور ْهبةً إِل ْيك‪ ،‬لا م ْلجأ ولا م ْنجا ِم ْنك إِلا إِل ْيك‪،‬‬ ‫الله ُه هم آم ْن ُت بِ ِكتابِك اله ِذي أ ْنز ْلت وبِنبِيِّك اله ِذي أ ْرس ْلت‪ ،‬فإِ ْن ُم هت ِم ْن ل ْيلتِك فأ ْنت على ا ْلفِ ْطر ِة‪ ،‬وا ْجع ْل ُه هن‬ ‫آ ِخر ما تتكله ُم بِ ِه\"‪ ،‬قال ‪:‬فر هد ْدتُها على النهبِ ِّي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬فل هما بل ْغ ُت ‪:‬اللههُ هم آم ْن ُت بِ ِكتابِك اله ِذي‬ ‫أ ْنز ْلت‪ ،‬قُ ْل ُت ‪:‬ور ُسولِك‪ ،‬قال ‪ \":‬لا‪ ،‬ونبِيِّك اله ِذي أ ْرس ْلت\"‪.‬‬ ‫] بخاري‪[141 :‬‬ ‫( شرح الحديث )‬ ‫ير ّغب النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬أمته في الوضوء قبل النوم‪ ،‬والدعاء بهذا الدعاء المأثور‪،‬‬ ‫فيقول ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬للبراء بن عازب‪:‬‬ ‫إذا أتيت مضجعك‪ :‬أي إذا أردت أن تذهب إلى فراش نومك‪.‬‬ ‫فتوضأ وضوءك للصلاة ‪:‬أي فتوضأ قبل أن تذهب إلى الفراش وضوءاً كاملاً‪ ،‬كما لو كنت تتوضأ‬ ‫للصلاة‪ ،‬حتى تنام وأنت على طهارة تامة‪.‬‬ ‫ثم اضطجع على شقك الأيمن‪ :‬لأنه أدعى إلى النشاط والاكتفاء بالقليل من النوم‪ ،‬وأعون على‬ ‫الاستيقاظ في آخر الليل‪ ،‬وأنفع للقلب لأنّه أخف عليه حيث يكون في الجهة العليا‪.‬‬ ‫‪49‬‬

‫ثم قل ‪:‬اللهم أسلمت وجهي إليك‪ :‬أي أسلمت روحي عند نومي‪ ،‬وأودعتها ثم أمانة لديك‪.‬‬ ‫وفوضت أمري إليك‪ :‬أي توكلت في جميع أموري عليك‪ ،‬راجياً أن تكفيني كل شيء‪،‬‬ ‫وتحميني من كل سوء‪ ،‬لأنك قلت‪ ،‬وقولك الحق) ومن يتوكل على الله فهو حسبه(‪.‬‬ ‫وألجأت ظهري إليك ‪:‬أي وتحصنت بجوارك‪ ،‬ولجأت إلى حفظك‪ ،‬فاحرس ِني بعينك‬ ‫التي لا تنام‪.‬‬ ‫رغبة ورهبة إليك‪ :‬أي وإنما فعل ُت ذلك كله‪.‬‬ ‫رغبةً ‪ :‬أي طمعاً في رحمتك‪.‬‬ ‫ورهبة ‪ :‬أي خوفاً منك فامنن علي برحمتك‪ ،‬وقني عذابك‪.‬‬ ‫لا ملجأ منجا منك إلاّ إليك‪:‬أي فإنه لا مفر منك إلاّ إليك‪ ،‬ولا ملاذ من عقوبتك إلاّ بالالتجاء إلى‬ ‫عفوك ومغفرتك يا أرحم الراحمين‪.‬‬ ‫آمنت بكتابك الذي أنزلت‪ :‬وهو (القرآن الكريم ( ونبيك الذي أرسلت‬ ‫وهو( نبينا محمد ‪ -‬صلى الله عليه وسلم‪.)-‬‬ ‫ثم قال له ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬بعد أن علمه هذا الذكر المبارك‪:‬‬ ‫فإن ِم هت من ليلتك فأنت على الفطرة‪:‬‬ ‫أي فإن م هت في تلك الليلة التي نمت فيها على وضوء‪ ،‬واضطجعت على شقك الأيمن‪،‬‬ ‫وتحصنت فيها بهذا الذكر فإنّك تموت على دين ال ِإسلام وسنة خير الأنام‪.‬‬ ‫( يستفاد من الحديث )‬ ‫استحباب الوضوء عند النوم‪ ،‬والاضطجاع على الشق الأيمن وتلاوة هذا الذكر المأثور‪،‬‬ ‫وأن من قرأه قبل نومه وبات على وضوء ثم مات من ليلته مات على ال ِإيمان والسنة ‪،‬‬ ‫قال العسقلاني ‪:‬وإنما ندب الوضوء عند النوم لأنه قد يقبض روحه في نومه‪،‬‬ ‫فيكون قد ختم عمله بالوضوء‪ ،‬وليكون أصدق لرؤياه‪ ،‬وأبعد عن تلاعب الشيطان به في منامه‪.‬‬ ‫( المرجع )‬ ‫منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري‪.‬‬ ‫‪51‬‬


Like this book? You can publish your book online for free in a few minutes!
Create your own flipbook