Important Announcement
PubHTML5 Scheduled Server Maintenance on (GMT) Sunday, June 26th, 2:00 am - 8:00 am.
PubHTML5 site will be inoperative during the times indicated!

Home Explore مجلة ورق | العدد الثاني - نيسان ٢٠٢١

مجلة ورق | العدد الثاني - نيسان ٢٠٢١

Published by feeqdesign, 2021-05-28 12:16:47

Description: مجلة أدبية ثقافية فكرية فصلية إلكترونية
يصدرها إتحاد الكتاب والأدباء السوريين الأحرار

Keywords: شعر,نثر,أدب,مجلة فكرية,مجلة أدبية,إتحاد الكتاب

Search

Read the Text Version

‫إذ يسـهل جذبهـم إلى الجيـد والـيء‪ ،‬فلـم لا يتـم جذبهـم إلى هـذا الجانـب الأدبي الثقافي‪،‬‬ ‫ليقـودوا هـم سـفينة الكلمـة في المسـتقبل‪ ،‬هنـاك أمـر يتجاهلـه دون قصـد معظـم الأدباء‬ ‫ولاسـيما الشـعراء‪ ،‬نحـن نكـر وبـدأت أعـراض وأمـراض الشـيخوخة تظهـر علينـا‪ ،‬لا‬ ‫بـد أن نعطـي الفرصـة للشـباب والأطفـال‪ ،‬والعمـل على ذلـك سـهل وغـر مكلـف فقـط‬ ‫يحتـاج بعـض الوقـت‪.‬‬ ‫أقــرح إشراك المــرأة الأديبــة في كل الأنشــطة الــي يقيمهــا الاتحــاد والتركــز عليهــا‬ ‫أكـر مـن ذي قبـل‪ ،‬فـإن لـم نـدرك نحـن السـوريون بأننـا نعـاني مـن أزمـة تسـى أزمـة‬ ‫المـرأة فلـن نتجاوزهـا‪ ،‬نحـن نقتـل نصفنـا الآخـر‪ ،‬ندمـر نصـف طاقتنـا‪ ،‬ندفـن نصـف‬ ‫إنجازنـا‪ ،‬تـرى لمـاذا؟‪.‬‬ ‫اتحاد الكتاب والأدباء السوريين الأحرار ‪101‬‬ ‫مجلة ورق | العدد الثاني ‪ -‬نيسان ‪٢٠٢١‬م‬

‫ساد ًسا‬ ‫دراسات أدبية ونقدية‬ ‫مجلة ورق | العدد الثاني ‪ -‬نيسان ‪٢٠٢١‬م‬ ‫‪ 102‬اتحاد الكتاب والأدباء السوريين الأحرار‬

‫ف ُّن الق َّص ِة القصير ِة‬ ‫القاص عبد الغني حمادة‬ ‫أ ّولاً‪ :‬ما ه َي الق َّص ُة؟!‪.‬‬ ‫الق َّصـ ُة هي سر ٌد واقـ ٌّي أو خيـال ٌّي لأفعـا ٍل أو أحـدا ٍث‪ ،‬قـ ْد تكـو ُن بطريقـ ٍة نثر ّيـ ٍة أو‬ ‫وإمتـا ُع‬ ‫إثـارةُ‬ ‫ُ‬ ‫شـعر ّي ٍة‪،‬‬ ‫السـامعي َن‪.‬‬ ‫أو‬ ‫القـ ّراءِ‬ ‫الاهتمـا ِم‬ ‫منهـا‬ ‫الهـدف‬ ‫ـ ِة‪،‬‬ ‫ال ّرواي‬ ‫ابنـ ُة‬ ‫وهي‬ ‫الأدب ّيـ ِة‪،‬‬ ‫الكتابـ ِة‬ ‫فنـو ِن‬ ‫ـن‬ ‫م‬ ‫ً‬ ‫تعتـ ُر‬ ‫المدخـ ِل‬ ‫بهـذا‬ ‫فالق َّصـ ُة‬ ‫نـوعا‬ ‫والملحمـ ِة‪.‬‬ ‫ـ ِة‬ ‫والخراف‬ ‫الأس ـطورة ِ‬ ‫ـ ُة‬ ‫ابن‬ ‫هي‬ ‫ّ‬ ‫وال ـي‬ ‫في الق َّصــ ِة تتمحــو ُر الأحــدا ُث‪ ،‬وتتصــار ُع ال ّشــخص ّيا ُت في زمــ ٍن محــ َّد ٍد‪ ،‬وغال ًبــا يكــو ُن‬ ‫ال ّزمـ ُن قصـراً‪ ،‬قـ ْد يكـو ُن سـاع ًة أو دقائـ َق أو ر ّبمـا أيّا ًمـا‪ .‬وتـدو ُر الأحـدا ُث في مـا ٍن مح ّد ٍد‪.‬‬ ‫لا بُــ َّد مــن التّنويــ ِه إلى نقطــ ٍة مه ّمــ ٍة‪ ،‬يجــ ُب الانتبــا ُه إليهــا‪ ،‬وخا ّصــ ًة لدى ال ُك ّتــا ِب‬ ‫الق َّصـ ُة‬ ‫ّ‬ ‫أنّـ ُه‬ ‫الفشـ ِل‪.‬‬ ‫إلى‬ ‫تع ّر َضـ ِت‬ ‫وتف ّر َعـ ْت‪،‬‬ ‫الأحـدا ُث‬ ‫تعـ ّد َد ِت‬ ‫كلمـا‬ ‫وهي‪،‬‬ ‫ألا‬ ‫ال ّشـبا ِب‪،‬‬ ‫لذلـ َك يجـ ُب أ ْن تعتمـ َد الق َّصـ ُة القصـر ُة على بطـ ٍل واحـ ٍد‪ ،‬تـدو ُر حـو َلُ الأحـدا ُث‪.‬‬ ‫قبـ َل الخـو ِض في أنـوا ِع الق َّصـ ِة‪ ،‬لا بُـ َّد مـن ذكـ ِر بعـ ِض ر ّوا ِدهـا الأجانـ ِب‪ ،‬مثـل‪ :‬إدغار‬ ‫آلان بـو‪ ،‬مـو باسـان‪ ،‬إميـل زولا‪ ،‬تورغينيـف‪ ،‬تشـيخوف‪ ،‬غوغـول‪ ،‬وغيرهـم‪.‬‬ ‫َو ِم َن ال ّر ّوا ِد العر ِب‪ :‬يوسف إدريس‪ ،‬زكريا تامر‪ ،‬محمود تيمور‪ ،‬وابن المق ّفع‪.‬‬ ‫ولا بُـ َّد مـن ذكـ ِر الك ّتـا ِب ا ّليـ َن كتبـوا نـو ًع مـن الق َّصـ ِة يـدعى (المذ ّكـر َة)‪َ ،‬وتُ ْك َت ُب‬ ‫على لسـا ِن صاحبِهـا بصيغ ِة الــ (أنـا)‪ ،‬وهي نوعا ِن‪:‬‬ ‫اتحاد الكتاب والأدباء السوريين الأحرار ‪103‬‬ ‫مجلة ورق | العدد الثاني ‪ -‬نيسان ‪٢٠٢١‬م‬

‫ ‪1.‬واقع ّي ٌة‪ :‬حي ُث يقو ُم الكات ُب بسر ِد سيرتِ ِه ال ّذات ّي ِة‪ ،‬كأد ِب ال ّرحلا ِت وغي ِر ذل َك‪.‬‬ ‫وكأنّــ ُه‬ ‫ً‬ ‫لســانِها‬ ‫على‬ ‫فيــر ُد‬ ‫شــخص ّي ًة‪،‬‬ ‫الكاتــ ُب‬ ‫يتخ ّيــ َل‬ ‫أ ْن‬ ‫وهي‬ ‫ ‪2.‬خيال ّيــ ٌة‪:‬‬ ‫أحداثــا‪،‬‬ ‫يكتـ ُب عـن حياتِـ ِه‪.‬‬ ‫وغالبًا ما كانَ ْت تل َك المذ ّكرا ُت تتّس ُم بالسخري ِة‪ ،‬أو الكوميديا السودا ِء‪.‬‬ ‫ِمـ ْن أبـر ِز َمـ ْن كتـ َب هـذا الفـ َّن ِمـ َن الأدبـاءِ العـر ِب‪ ،‬طـه حسـن وكتابُـ ُه (الأيّـام)‪،‬‬ ‫والمـازن ُّي وكتابُـ ُه (صنـدو ُق ال ّدنيـا)‪.‬‬ ‫ثان ًيا‪ :‬أنوا ُع الق َّص ِة‪:‬‬ ‫ُت ْق َس ُم أنوا ُع الق َّص ِة إلى نو َعي ِن رئي َس ْ ِي‪ ،‬حس َب الموضو ِع‪ ،‬وحس َب البنا ِء الف ّ ِّن‪.‬‬ ‫ ‪1.‬حســ َب الموضــو ِع‪ :‬ق َّســ َم الأدبــا ُء وال ّن ّقــا ُد الق َّصــ َة القصــر َة إلى عــ ّدةِ أنــوا ٍع‪:‬‬ ‫الاجتماعيــ ُة‪ ،‬ال ّتاريخيــ ُة‪ ،‬ال ّدينيــ ُة‪ ،‬ال ّذاتيــ ُة أو النّفســ ّي ُة‪ ،‬ال ّرومانســ ّي ُة‪ ،‬السياســ ّي ُة‪،‬‬ ‫والق َّصــ ُة ال ّســاخر ُة‪.‬‬ ‫‪ -2‬حس َب البناءِ الف ّ ِّن‪ :‬وهي‪ :‬الواقع ّي ُة والخيال ّي ُة وال ّرمز ّي ُة والبوليس ّي ُة‪ ،‬وقص ُص الأطفا ِل‪.‬‬ ‫ثال ًثا‪ :‬الأسلو ُب‪:‬‬ ‫َمـ ْن‬ ‫فهنـا َك‬ ‫وخاتمـ ٍة‪،‬‬ ‫وعـر ٍض‬ ‫لمق ّدمـ ٍة‬ ‫تحتـا ُج‬ ‫لا‬ ‫أ ْي‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫لي َسـ ْت‬ ‫الق َّصـ ُة‬ ‫إنشـائيا‪،‬‬ ‫موضـوعا‬ ‫شــ ِل‬ ‫على‬ ‫يكت ُبهــا‬ ‫أو‬ ‫اعترافــا ٍت‪،‬‬ ‫أو‬ ‫يوم ّيــا ٍت‬ ‫أو‬ ‫ّ‬ ‫شــ ِل‬ ‫على‬ ‫الق َّصــ َة‬ ‫يكتــ ُب‬ ‫مذكــرا ٍت‬ ‫تصويـ ٍر واقـ ٍّي يقـر ُب ِمـ ْن أسـلو ِب ال ّتقريـ ِر الصحـ ِّي‪.‬‬ ‫مجلة ورق | العدد الثاني ‪ -‬نيسان ‪٢٠٢١‬م‬ ‫‪ 104‬اتحاد الكتاب والأدباء السوريين الأحرار‬

‫ـا ِل‬ ‫وإيص‬ ‫ـ ِة‬ ‫للكتاب‬ ‫وأدواتِـ ِه‬ ‫أسـلو َب ُه‬ ‫ـا َر‬ ‫يخت‬ ‫ـأ ْن‬ ‫ب‬ ‫ـ ٌّر‬ ‫ح‬ ‫ـا ُّص‬ ‫فالق‬ ‫ـلو ُب ُه‪،‬‬ ‫أس‬ ‫ـا ٍّص‬ ‫ق‬ ‫ِّ‬ ‫ل‬ ‫ـل‬ ‫فكــرةِ الق َّصــ ِة والهــد ِف منهــا للقــار ِئ حســ َب مــا يرتــي ِمــ ْن تشــوي ٍق ودهشــ ٍة‪.‬‬ ‫لسـا ِن‬ ‫على‬ ‫أو‬ ‫ّ‬ ‫أو‬ ‫الغائـ ِب‬ ‫الحـائ ِّي‪،‬‬ ‫الـ ّرد ِّي‬ ‫المـاضي‬ ‫بصيغـ ِة‬ ‫الق َّصـ ُة‬ ‫تُ ْك َتـ ُب‬ ‫المتكلـ ِم‪،‬‬ ‫شـخ ٍص رأى الحـد َث كشـاه ِد عيـا ٍن‪َ ،‬وتُ ْك َتـ ُب بصيغـ ِة المضـار ِع (الغائـ ِب أو المخا َط ِب)‪.‬‬ ‫تتنـ ّو ُع أسـالي ُب القا ّصـ َن بمدخـ ِل الق َّصـ ِة أو ببدايتِهـا‪ ،‬فقد يتت ّبـ ُع التّسلسـ َل ال ّزمن َّي‪،‬‬ ‫بدايـ َة حـد ٍث‪ ،‬ثـ َّم الحبكـ َة‪ ،‬وأخـ ًرا القفلـ َة‪ ،‬أو ال ّنهايـ َة‪ ،‬أو يبد ُؤهـا مـن النّهايـ ِة لتحقيـ ِق‬ ‫عنـ ِر المفاجـأةِ أو الإثارةِ‪.‬‬ ‫راب ًعا‪ :‬أدوا ُت الق َّص ِة‪:‬‬ ‫الكتابـ ِة‪ ،‬وأريـ ُد أ ْن أنـ ّو َه إلى الك ّتـا ِب ال ّشـبا ِب‪،‬‬ ‫ ‪1.‬ا َلو ُألّلْغِفــ ُة َتالن ّسظـ َرل ُهيـم ْمُة‪:‬إل(ىوههـَيذأه ّوا ُللّناشحريـو ِةِ‪،‬ط‬ ‫وأنص َح ُهـ ْم بضرورةِ عـر ِض كتاباتِهـم ونصو ِصهم‬ ‫ّ‬ ‫ُي ْن ِقــ ُص‬ ‫قبــ َل‬ ‫باللغــ ِة‬ ‫مــن‬ ‫لا‬ ‫الأمــ ُر‬ ‫وهــذا‬ ‫ينشروهــا‪،‬‬ ‫أ ْن‬ ‫العرب ّيــ ِة‬ ‫المخت ّصــ َن‬ ‫على‬ ‫وتم ّرسـاً‬ ‫ً‬ ‫َقـ ْدرِ‬ ‫الكتابـ ِة‪.‬‬ ‫في‬ ‫وخـرةً‬ ‫وتواضعـا‬ ‫ورفعـ ًة‬ ‫قيمـ ًة‬ ‫يزيـ ُد ُه‬ ‫بـل‬ ‫الكاتـ ِب‪،‬‬ ‫ ‪2.‬الهـد ُف‪ :‬حيـ ُث يجـ ُب على ك ِّل ق ّصـ ٍة أن تتض ّمـ َن هدفًـا أو رسـال ًة أو حكمـ ًة أو غايـ ًة‬ ‫أو توجي ًهـا أو إشـار ًة لظاهـر ٍة مـا‪.‬‬ ‫أنج َح‪.‬‬ ‫الق َّص ُة‬ ‫كانَ ِت‬ ‫قوي ًة‬ ‫الحبك ُة‬ ‫كانَ ِت‬ ‫ّ‬ ‫ ‪3.‬الحبك ُة‪:‬‬ ‫كلما‬ ‫ ‪4.‬الحـد ُث‪ :‬في ك ِّل ق ّصـ ٍة يجـ ُب أ ْن يكـو َن هنـا َك حـد ٌث يحـ ّر ُك ال ّشـخصيا ِت‪ ،‬ليتاب َعهـا‬ ‫القـار ُئ ويتفاعـ َل مـع ذلـ َك الحـد ِث‪.‬‬ ‫ ‪5.‬الحـوا ُر‪ :‬الحـوا ُر يزيـ ُد المتعـ َة في الق َّصـ ِة‪ ،‬ومـن خـل ِاِ يتعـ ّر ُف القـار ُئ على الأبطـا ِل‬ ‫ومسـتوى وعيِهـم وثقافتِهم‪.‬‬ ‫اتحاد الكتاب والأدباء السوريين الأحرار ‪105‬‬ ‫مجلة ورق | العدد الثاني ‪ -‬نيسان ‪٢٠٢١‬م‬

‫خــل ِاِ‬ ‫مــن‬ ‫ليقــر َب‬ ‫العا ّم ّيــ ِة‬ ‫ّ‬ ‫الحــوا َر‬ ‫يكتــ ُب‬ ‫الك ّتــا ِب‬ ‫بعــ ُض‬ ‫ملاحظــة‪:‬‬ ‫باللهجــ ِة‬ ‫مـن قارئِـ ِه أكـ َر‪ ،‬إ ْن تض ّمـ َن الحـوا ُر بعـ َض الكلمـا ِت بالعام ّيـ ِة لا بـأ َس مـن ذلـ َك‪ ،‬على‬ ‫ّ‬ ‫للكتابـ ِة‬ ‫حاجـ َة‬ ‫فـا‬ ‫ذلـ َك‬ ‫يكـ ْن‬ ‫لـم‬ ‫وإ ْن‬ ‫الق َّصـ َة‪،‬‬ ‫وتخـد َم‬ ‫ج ّيـ ًدا‪،‬‬ ‫تو َّظـ َف‬ ‫أ ْن‬ ‫باللهجـ ِة‬ ‫العا ّم ّيـ ِة ال ّدارجـ ِة (وخا ّصـة إ ْن لـم تكـ ْن مفهومـ ًة)‪.‬‬ ‫بعيـ ًدا‬ ‫ـر َض‬ ‫الغ‬ ‫ـؤ ّدي‬ ‫ت‬ ‫ـي‬ ‫ّ‬ ‫ـ ِة‬ ‫الفصيح‬ ‫ـرِ‬ ‫والتعاب‬ ‫ـردا ِت‬ ‫بالمف‬ ‫ـ ٌة‬ ‫غن ّي‬ ‫ـ ُة‬ ‫العرب ّي‬ ‫ـ ُة‬ ‫ّ‬ ‫ال‬ ‫واللغ‬ ‫ـرب ِّي‪.‬‬ ‫الع‬ ‫ـ ِن‬ ‫الوط‬ ‫في‬ ‫ـى‬ ‫ُ‬ ‫ولا‬ ‫ُت َعـ ُّد‬ ‫لا‬ ‫ـي‬ ‫ّ‬ ‫ـ ِة‬ ‫العا ّم ّي‬ ‫ـا ِت‬ ‫ّ‬ ‫ـ ِن‬ ‫َع‬ ‫ت‬ ‫ال‬ ‫اللهج‬ ‫خام ًسا‪ :‬عناص ُر الق َّص ِة‪:‬‬ ‫ ‪ 1.‬الأفكا ُر‪( :‬رئي َس ٌة أو ثانو ّي ٌة أو فكر ٌة عا ّم ٌة)‪.‬‬ ‫ ‪ 2.‬الشــخص ّيا ُت‪( :‬أي ًضــا هنــا َك شــخص ّي ٌة محور ّيــ ٌة رئيســ ٌة ت ّتكــ ُئ على شــخص ّيا ٍت‬ ‫ثانو ّيــ ٍة في أحــدا ِث الق َّصــ ِة)‪.‬‬ ‫ ‪ 3.‬الأحــدا ُث‪ :‬قــد تتض ّمــ ُن الق َّصــ َة أحيانًــا حد َثــ ْ ِن متراب َطــ ْ ِن يص َّبــا ِن في صلــ ِب‬ ‫الموضـو ِع‪ ،‬ولكـ ْن على الأقـ ِّل يجـ ُب أ ْن يكـو َن هنـا َك حـد ٌث واحـ ٌد في ك ِّل ق ّصـ ٍة‪،‬‬ ‫كي لا تتحـ ّو َل الق َّصـ ُة إلى موضـو ٍع إنشـائ ٍّي وصـ ٍّي‪.‬‬ ‫ ‪ 4.‬المكا ُن‪ :‬ذك ُر المكا ِن في الق َّص ِة يزي ُد ال ّتوثي َق والمصداق ّي َة‪ ،‬ويق ّر ُب الكات َب من ق ّرائِ ِه‪.‬‬ ‫ ‪ 5.‬ال ّزما ُن‪ :‬يفي ُد ذك ُر ال ّزما ِن أو الطق ِس في زيادةِ المتع ِة والموضوع ّي ِة لدى القا ِّص والقار ِئ‪.‬‬ ‫المك ّثفــ ُة‬ ‫ّ‬ ‫وتتط ّلــ ُب‬ ‫والحكايــ ِة‪،‬‬ ‫ال ّروايــ ِة‬ ‫رحــ ِم‬ ‫مــن‬ ‫ُو ِ َل‬ ‫أدب ٌّي‬ ‫فــ ٌّن‬ ‫فالق َّصــة‬ ‫اللغــة‬ ‫الق َّصـ ِة‬ ‫بدايـ ُة‬ ‫كانَـ ْت‬ ‫ّ‬ ‫الجـز ِل‪،‬‬ ‫البـاغ ِّي‬ ‫الأسـلو ِب‬ ‫واسـتخدا َم‬ ‫ال ّصـو ِر‪،‬‬ ‫واسـتحضا َر‬ ‫وكلمـا‬ ‫ينهيهـا‪،‬‬ ‫حـ ّى‬ ‫َ‬ ‫لـ ْن‬ ‫بحيـ ُث‬ ‫بهـا‪،‬‬ ‫وتم ّسـ َك‬ ‫أكـ َر‪،‬‬ ‫القـار ِئ‬ ‫بذهـ ِن‬ ‫َعلِ َقـ ْت‬ ‫تشـويق ّي ًة‬ ‫يتركهـا‬ ‫نهايـ َة‬ ‫أ ّن‬ ‫وأرى‬ ‫المسـتم ِع‪،‬‬ ‫أو‬ ‫القـار ِئ‬ ‫لدى‬ ‫أكـ َر‬ ‫الانتبـا َه‬ ‫أثـا َر ِت‬ ‫غري ًبـا‬ ‫الحـد ُث‬ ‫كا َن‬ ‫ّ‬ ‫وكلمـا‬ ‫مجلة ورق | العدد الثاني ‪ -‬نيسان ‪٢٠٢١‬م‬ ‫‪ 106‬اتحاد الكتاب والأدباء السوريين الأحرار‬

‫ونقطـ ُة‬ ‫القصـرةِ‬ ‫للق ّصـ ِة‬ ‫الفقـر ُّي‬ ‫العمـو ُد‬ ‫هي‬ ‫ّ‬ ‫غـ ِر‬ ‫القفلـ َة‬ ‫أو‬ ‫المدهشـ ِة‪،‬‬ ‫الق َّصـ ِة‬ ‫المتوقعـ ِة‬ ‫القـ ّوةِ فيهـا‪َ ،‬و ُت ْع َتـ َ ُر ال ّنهايـ ُة كإشراقـ ِة ال ّشـم ِس في ال ّصبـا ِح‪.‬‬ ‫اتحاد الكتاب والأدباء السوريين الأحرار ‪107‬‬ ‫مجلة ورق | العدد الثاني ‪ -‬نيسان ‪٢٠٢١‬م‬

‫تناغــم بيــن الفــن الروائــي والفــن التشــكيلي فــي‬ ‫روايــة اللحــاف للكاتــب أيمــن ناصــر‬ ‫بقلم عفاف الرشيد‬ ‫صهيــ ُل الغربــة يهــز جوانيــات النفــس‬ ‫ً‬ ‫البشريـة‪ ،‬ويمنحهـا ثباتـا فـوق الأرض‪ ،‬ويعـزز‬ ‫الحالــة العاطفيــة في تواصلهــا مــع الأخريــن‬ ‫بشـفافية الوجـدان ودفء المشـاعر الإنسـانية‪،‬‬ ‫هكــذا دارت أحــداث الروايــة الــي بــدت‬ ‫بسـيطة بـن مجموعـة مـن المعلمـن المغتربـن‬ ‫بحياتهــم الروتينيــة‪.‬‬ ‫لغــ ُة الكاتــ ِب الــي أتقنــ ْت وصــف جوانيــات الشــخصيات بدقــ ٍة منحــ ْت الروايــة‬ ‫صبغــة فلســفية تطــرح كثــراَ مــن القيــم الإنســانية والأخلاقيــة‪.‬‬ ‫َ‬ ‫الروايـة متعـددة المناخـا ِت متنوعـة التضاريـس منسـجمة تمامـا مـع وعـورة الاغتراب‬ ‫وقسـوته‪ ،‬تضـج بلواعـج الحنـن إلى الأوطان‪.‬‬ ‫يطــرح الكاتــب أيمــن نــاصر في روايتــه (اللحــاف) الصــادرة عام ‪ 2008‬عــن اتحــاد‬ ‫الكتــاب العــرب ذات ال ‪ /277/‬صفحــة مــن القطــع الكبــر عــدة قضايــا إنســانية‬ ‫واجتماعيــة ترصــ ُد حيــاة مجموعــة مــن المعلمــن المغتربــن مــن عــدة دول عربيــ ٍة‬ ‫يجمعهــم معهــد تعليــي في مدينــة (حــوث) التابعــة لمدينــة صنعــاء باليمــن‪.‬‬ ‫مجلة ورق | العدد الثاني ‪ -‬نيسان ‪٢٠٢١‬م‬ ‫‪ 108‬اتحاد الكتاب والأدباء السوريين الأحرار‬

‫ًَ‬ ‫للوهلـ ِة الأولى يبـدو عنـوان الروايـة توريطـا وربمـا جاذبـا للفضـو ِل‪ ،‬لكـن بعـد‬ ‫الدخـول إلى عالـم الروايـة نلاحـظ أنـه يقـد ُم الكثـر مـن الانتصـارات لصالـ ِح فكـرةِ‬ ‫ََ‬ ‫الحكايـة‪ ،‬خادمـا للحـد ِث منسـجما مـع الحبكـة‪.‬‬ ‫مـن (مريبـط) المدينـة المغمـورة في ريـف الرقـة السـورية إلى (أم درمان) في السـودان‬ ‫ثـم إلى لنـدن فصنعــاء فدمشــق‪ ..‬أفــاق مـن التضاريـ ِس الجغرافيـ ِة المتناثـرة انحـرت‬ ‫في مدينــة (حــوث) باليمــن ولمــدة زمنيــة لا تتجــاوز التســعة أيــام‪ ،‬رغــم أن معظــم‬ ‫فيهـا‬ ‫تن ّقـل‬ ‫متسـعة‬ ‫عوالـم‬ ‫فاحتضنـت‬ ‫ً‬ ‫مسرحهـا‬ ‫خـارج‬ ‫تمـت‬ ‫الروايـة‬ ‫أحـداث‬ ‫جغرافيـا‬ ‫بطـي الروايـة (حمـزة وسـيد) الأساسـيين بفيـ ٍض مـن تدفـ ِق شـا ِل ذكرياتهمـا بـكل‬ ‫مـا فيهـا مـن شـجو ٍن وانكسـارا ٍت طحنتهـا رحى الغربـة‪ ،‬وتجلـت لغـة السر ِد ببسـاطتها‬ ‫وشــفافيتها‪ ،‬لغــ ٌة مفعمــ ٌة بالمشــاعر الوجدانيــة المؤثــرة في المتلــي الذي يــزداد انجذابــا‬ ‫بفضـ ِل تأثـر لغـة النـص‪ ،‬ثـم وصفـه الحـدث الذي رسـ َم ملامـح أقـدار الشـخصيتين في‬ ‫غمـ ِر مـو ٍج متلاطـ ٍم مـن الاغـراب‪.‬‬ ‫فلسفة المكان والزمان في الرواية‪:‬‬ ‫تنقـ َل الكاتـ ُب بأدواتـه السرديـة بـن عـدة أماكـن جغرافيـة مختلفـة مـن خـال‬ ‫َ‬ ‫تنظيمـه لهيكليـ ِة الروايـة وتنسـيق أحداثهـا‪ ،‬فـان الفضـاء الخـارجي متسـعا أكـر مـن‬ ‫المـان الذي انحـرت بـه أحـداث الروايـة داخـل المعهـد‪ ،‬واتسـاع أفـق الفضـاء الخـارجي‬ ‫َ‬ ‫حتـي لـل روايـة لأنهـا حكايـة طويلـة تسـتغرق زمنـا يتسـع لأكـر مـن جيـل‪.‬‬ ‫مــا يمــز روايــة اللحــاف أن الأحــداث الــي اعترضــت ســيد وحمــزة الحمــداني في‬ ‫َ‬ ‫الفضـاء والزمـان الخـارجي لمـرح الروايـة مؤثـرة تركـت بصماتهـا بحياتهمـا نفسـيا‬ ‫اتحاد الكتاب والأدباء السوريين الأحرار ‪109‬‬ ‫مجلة ورق | العدد الثاني ‪ -‬نيسان ‪٢٠٢١‬م‬

‫َ‬ ‫واجتماعيـا وكانـت قائـدة إلى الحبكـة مبـاشرة وبدقـة وخصوصـا بطـل الروايـة سـيد‪.‬‬ ‫لعـب الكاتـ ُب بالزمـن كمـا لـو أنـه بـدأ الروايـة مـن الوسـط‪ ،‬حيـث كانـت بدايـة‬ ‫الروايــة في زمــن ناضــ ٍج مــن أحــدا ٍث عاصرهــا الشــخو ُص‪ ،‬برؤيتــه حــدد البدايــة في‬ ‫المعهــد ثــم انتقــل بالزمــ ِن إلى المــاضي وعاد ليكمــ َل الحــاضر‪ ،‬ثــم يرجــع ويعــود ومــن‬ ‫خـال هـذه الحركـة الزمانيـة لـم تفلـ ْت مـن القـارئ فكـرة أو تغمـ ُض عليـه جملـة‪،‬‬ ‫لدقـة لغتـه السرديـة وتنظيـم بنائـه الزمـي‪.‬‬ ‫وتـأتي المرحلـة الأخـرى مـن الزمـن الرتيـب وهي ثمانيـة أيـام متتاليـة تـم تنظيـم‬ ‫ً‬ ‫عشريــن‬ ‫على‬ ‫الكاتــب‬ ‫مــ ّر‬ ‫ثــم‬ ‫بوضــوح‪،‬‬ ‫الروايــة‬ ‫فصــول‬ ‫خــال‬ ‫مــن‬ ‫بهــا‬ ‫الــرد‬ ‫عامــا‬ ‫ليجعــل اليــوم التاســع في الروايــة هــو اليــوم الأخــر والختــام‪.‬‬ ‫لـل كاتـب أسـلوبه في هندسـة بنـاء الروايـة وفي أدواتـه التعبيريـة اللغويـة‪ ،‬لكـن‬ ‫مقـدار الإنجـاز الجيـد يظهـر بتمكنـه مـن جـذب القـارئ وعـدم إضاعتـه بـن مفـارق‬ ‫الزمـن الـروائي‪.‬‬ ‫رغـم بسـاطة الحـدث وسـيطرة أسـلوب سرد السـرة الذاتيـة على لسـان الـراوي الذ ي‬ ‫وظفـه الكاتـب بشـخصية (حمـزة الحمـداني) تلـك الشـخصية المفرطـة بالانتبـاه والحدس‬ ‫والمتيقظـة باتقـاد ذكاءِ شـا ٍب مرهـف الحـس‪ ،‬يعشـق الأدب والفـن التشـكيلي‪.‬‬ ‫كانـت الروايـة جاذبـة تشـد القـارئ ليدخـل فصولهـا وزمانهـا وهـذا لا يتحقـق إلا‬ ‫بإحسـا ٍس صـاد ٍق ولغـة سرد تصويريـة تشـكيلية‪ ،‬ترسـم خارطـة نفسـية لـل شـخصية‬ ‫بدقـة متناهيـة كي تـؤدي دورهـا المخطـط لهـا بدقـ ٍة تواكـ ُب تطـور الحـد ِث والحبكـ ِة ثـم‬ ‫النهايـة‪ ،‬فاتسـاع مسـاحة الـرد للسـرة الذاتيـة كان له مـرره و لـم يعرقـل تنظيـم سـر‬ ‫ً‬ ‫أكـر‬ ‫بصـورة‬ ‫الكاتـب‬ ‫فكـرة‬ ‫ترسـ ُل‬ ‫تعبيريـ ٍة‬ ‫بطاقـا ٍت‬ ‫أركانهـا‬ ‫شـد‬ ‫بـل‬ ‫الأحـداث‪،‬‬ ‫تأثـرا‪،‬‬ ‫مجلة ورق | العدد الثاني ‪ -‬نيسان ‪٢٠٢١‬م‬ ‫‪ 110‬اتحاد الكتاب والأدباء السوريين الأحرار‬

‫لأنـه عاش الحـدث وتـذوق طعـم المعانـاة فكلمـا كان الكاتـب معـاصراَ للحـدث كلمـا كان‬ ‫ََ‬ ‫تأثـر الـرد مشـوقا ومحرضـا للمشـاعر الإنسـانية‪.‬‬ ‫باعتبـار أن الشـخصية تحتـ ُل مكانـ ًة مهمـة في بنيـة الشـل الـروائي‪ ،‬فـي وسـيلة‬ ‫للقيـ ِم‬ ‫المختـر‬ ‫ُ‬ ‫الـر ِد‪،‬‬ ‫عنـاصر‬ ‫كل‬ ‫حولهـا‬ ‫تتحلـ ُق‬ ‫رؤيتـ ِه‪،‬‬ ‫عـن‬ ‫للتعبـر‬ ‫الـروائي‬ ‫وتشـل‬ ‫ً‬ ‫الإنسـاني ِة الـي يتـم نقلهـا مـن الحيـاة إلى داخـل النـ ِص‪ ،‬كان ناجحـا بانتقـاء شـخوصه‬ ‫منه ـا‬ ‫ـاَ‬ ‫جاع‬ ‫له‬ ‫ـروق‬ ‫ت‬ ‫ـات‬ ‫بصف‬ ‫حم ـزة‬ ‫ـخصية‬ ‫ش‬ ‫ـار‬ ‫اخت‬ ‫ـم‪.‬‬ ‫له‬ ‫الجوانيـ ِة‬ ‫ـه‬ ‫بقراءات‬ ‫َ‬ ‫دقيق ـا‬ ‫الـراوي ليرسـ َل مـن خلالهـا رسـالته الفنيـة بـكل خصوصياتـ ِه كنحـا ٍت وفنان تشـكيلي‬ ‫َ‬ ‫الإنسـانية‬ ‫تجربتـه الشـخصية‬ ‫خلالهـا‬ ‫مـن‬ ‫أيضـا‬ ‫أرسـ َل‬ ‫كمـا‬ ‫تمـزه‪،‬‬ ‫الـي‬ ‫مدرسـته‬ ‫له‬ ‫الحقيقيـة في مجتمـ ٍع يقمـ ُع الفكـر ويغتـا ُل الحريـات‪ ،‬ويسـتبد بالإنسـان‪ ،‬كمـا أضـاف‬ ‫إليهـا تجربتـه في الاغـراب‪.‬‬ ‫شـخصية (حمـزة الحمـداني) مدروسـة بدقـة ومحـدد لهـا مسـارها مـن خـال نضـج‬ ‫الــرد المترافــق مــع وقــع الأحــداث والمونولــوج الداخــي‪ ،‬أمــا الشــخصية الرئيســية‬ ‫الثانيـة هي (سـيد) مـدرس اللغـ ِة الإنجليزيـة السـوداني الذي عاش تجربتـه الفاشـلة في‬ ‫لنـدن وهـو ابـن المجتمـع الـرقي المحافـظ بتقاليـده الإسـامية الاجتماعيـة‪ ،‬تلاعبـت‬ ‫بمشــاعره امــرأة غربيــة اســتغلت بــراءة طينتــه وصفــاء نفســه فدمرتــه حــى أصبــح‬ ‫ًَ‬ ‫خليطـا مـن انكسـار ونهـوض‪ ،‬لكنـه جبـار بإرادتـه تمامـا (كحمـزة الحمـداني) كمـا‬ ‫أنـه يحمـ ُل ثقافـة تليـق بطموحـات الـراوي‪ ،‬ويمتلـك شـخصية ذات حضـور أبـوي جميـل‬ ‫منـح (حمـزة) الكثـر مـن مشـاعر أبويـ ٍة افتقدهـا بسـبب الغربـة‪ ،‬ممـا حقـق للكاتـب‬ ‫أهدافـه بتنظيـم حـوا ٍر وسر ٍد ومونولـو ٍج داخـ ّي رائـع‪ ،‬تمـز بتناغـ ِم الثقافتـن العربيـة‬ ‫الأسـيوية والعربيـة الأفريقيـة‪ ،‬وتناغـ ِم المشـاع ِر الـي أ ّججهـا الاغـراب والحنـن‪ ،‬فتألق‬ ‫الحـوار بـن الشـخصيتين بمخزونـ ِه الثقـافي الوجـداني‪ ،‬وعمـ ِق تأثـره النفـي‪ ،‬بلغـ ٍة‬ ‫اتحاد الكتاب والأدباء السوريين الأحرار ‪111‬‬ ‫مجلة ورق | العدد الثاني ‪ -‬نيسان ‪٢٠٢١‬م‬

‫بليغـ ٍة جاذبـ ٍة للقـارئ‪ ،‬فيهـا الكثـر مـن الفلاشـات والمنولوجـات الوجدانيـة‪ ،‬فنجـح‬ ‫ََ‬ ‫نجاحـا كبـرا في إثـارة عنـر التشـويق بمهارتـه الـي تجلـت في حسـن تحكمـ ِه بـإدارةِ‬ ‫خيـوط الروايـة‪ ،‬وتحريكهـا بانسـجا ٍم وتناغـ ٍم وتماسـ ٍك ‪.‬‬ ‫َ‬ ‫وهكــذا كان اختيــاره لبــاقي الشــخصيات الــي كانــت منســجمة بصفاتهــا شــكلا‬ ‫ََ‬ ‫ومضمونـا وثقافـة وأخلاقـا مـع الحـدث و الحبكـة‪ ،‬وظـف أدوارهـا بمـا يخـدم فكـرة‬ ‫النـ ِص وغاياتـه الأخلاقيـة‪ ،‬كـذكا ِء زوجـة (سـيد) وقـوة شـخصيتها الـي تمكنـت مـن‬ ‫احتضـان انكسـارات (زوجهـا) فهـو شـخصية معقـدة صنعتهـا ظـروف غـر عاديـة‬ ‫مـن الصعـب أن تحتويـه امـرأة سـاذجة‪ ،‬و ّظفهـا الكاتـ ُب منـذ بدايـ ِة الحـد ِث وهي طفلـة‬ ‫لتصبـح سـيدة الحبكـة النهائيـة للروايـة بقرارهـا الحاسـم بحـرق الميـدوزا (اللحـاف)‬ ‫شـ ّدني تمكـن الكاتـب مـن دخـول عالـم القـارئ النفـي‪ ،‬وهـذا الإنجـاز يحسـب‬ ‫لصالــح النــص‪ ،‬ومحصــ ُت في أدواتــه الــي اســتخدمها فلاحظــت عنايتــه بوصــف‬ ‫شـخصياته بدقـة شـكلاً ومضمونـاً‪ ،‬فجذبـي نحـو شـخصية سـيد مـن خـال قـراءتي‬ ‫للمقطـع الأول في الروايـة‪ ،‬كان يؤكـ ُد بمهارتـه أن الشـخصيات تتشـ ُل بالـرورة عـر‬ ‫مقومـا ٍت نفسـي ٍة عاطفيـ ٍة تخـر ُق سـياق الروايـة و ترافقهـا منـذ البدايـة حـى النهايـة‪،‬‬ ‫فـان لا بـد مـن طـرح تفاصيـل جسـمانية ترسـم الانطبـاع العـام حـول الشـخصية‬ ‫َ‬ ‫المـراد توطينهـا في النـص‪ ،‬وقـد جعـ َل شـخصية سـيد غريبـة‬ ‫الأطـوا ِر‪ ،‬غامضـة أحيانـا‬ ‫بهـدف تحريـك كل عنـاصر الروايـة وتحريـض عنـر التشـويق بذكائـه اللغـوي بالوصـ ِف‬ ‫المخـز ِل والبليـغ المحـرض للخيـال‪.‬‬ ‫فلنلحــظ هــذا الوصــف لشــخصية (ســيد) ((فاجــأني بســمرته الغامقــة وبيــاض‬ ‫أسـنانه المتراصعـة حـن دفـع بـاب الحجـرة ودخـل‪ ،‬بريـق عينيـه أرغمـي على رفـع رأسي‬ ‫مجلة ورق | العدد الثاني ‪ -‬نيسان ‪٢٠٢١‬م‬ ‫‪ 112‬اتحاد الكتاب والأدباء السوريين الأحرار‬

‫لأتأمــل وجهــه المنحــوت بعنايــة إلاهيــة لا تــرقى إليهــا يــد مخلــوق‪ ،‬مــا كان لأحــد أن‬ ‫يتجـاوز طـوله الفـارع وضخامـة جسـده كمـارد ُقـ َّد مـن ليـل‪ ،‬فلـولا انحنـاءة خفيفـة‬ ‫مـن رأسـه لاصطدمـت عمامتـه بسـقف البـاب))‪.‬‬ ‫لوحـة تشـكيلية رسـمها الكاتـب بالوصـف والتشـبيه والاسـتعارة تجسـد ْت كألـوا ِن‬ ‫الريشـ ِة وكأني أمـا َم لوحـة زيتيـ ٍة ‪.‬‬ ‫تعـددت اللوحـات في الروايـة بصبغـة كاريكاتيريـة سـاخرة مثـا شـخصية الشـيخ‬ ‫للــر‬ ‫َ‬ ‫بســخرية‬ ‫أخلاقيــة‬ ‫رســائل‬ ‫يرســ ُل‬ ‫وهــو‬ ‫الديانــة‬ ‫مــادة‬ ‫مــدرس‬ ‫(عبــدو)‬ ‫رافضــا‬ ‫والانتهازي ـة‪.‬‬ ‫تقنيــة الــرد اعتمــدت على التأثــر النفــي بلغــ ٍة مبهــر ٍة في الوصــف والتشــبيه‬ ‫والاسـتعارة وجميـع أدوات البلاغـة والبيـان كأدوا ٍت فنيـ ٍة توصـل أفـار الـراوي فيشـ ُد‬ ‫المتلـي إلى عوالـم الروايـة و الشـخصيات‪ ،‬كمـا يجـذب العمـل الفـي متلقيـ ِه وناظـره‬ ‫فيدخــل إلى فكــرة العمــل التشــكيلي‪ ،‬ويطــو ُر بخيــاله احتمــالات التأويــ ِل والرمزيــ ِة‪،‬‬ ‫حـى أني غادرت مـاني ووجدتـي أتجـو ُل في عوالـم الروايـة زر ُت الرقـة‪ ،‬وتمشـيت على‬ ‫ضفـاف الفـرات‪ ،‬ورأيـت (الهام ّيـة) الأسـطورة وشـاهد ُت بـاب المغـارة ثـم انتقلـت إلى‬ ‫(حـوث) تجولـت في المعهـد‪ ،‬اسـتوقفتني غرفـة حمـزة وسـيد وجدرانهـا وزواياهـا والمنضدة‬ ‫والكتـب وال َمرسـم و(الميـدوزا) ذات الأفـاعي المتناثـرة فـوق رأسـها‪ ،‬كل شيء وصفـه بدقـة‬ ‫تُرسـ ُخ المشـهد بخيـال القـارئ‪ ،‬شـعرت بمـرارة غربـة البطلـن ودخلـ ُت أحـزان ذلـك‬ ‫المعلـم السـوداني فترسـخت صورتـه في قـرارة نفـي‪..‬‬ ‫شــعرت بأحــزان حمــزة ذاك الطفــل الذي شــهد اعتقــال والده‪ ،‬وانكســار روح أمــه‬ ‫أمـام ذاك القهـر الإنسـاني المؤلـم‪ ،‬وهـو يكتـ ُز كل هـذا الألـم لسـنوا ٍت طويلـ ٍة حـى‬ ‫اتحاد الكتاب والأدباء السوريين الأحرار ‪113‬‬ ‫مجلة ورق | العدد الثاني ‪ -‬نيسان ‪٢٠٢١‬م‬

‫شـاءت الأقـدار أن يلتـي بالمعلـم السـوداني ويضـخ له مـن خـال بـو ٍح عميـ ٍق مؤثـ ٍر كل‬ ‫هـذا الحجـم مـن الحـزن ‪.‬‬ ‫للأســطورة مســاحة منتظمــة في النــص بــا مبالغــات‪ ،‬وهي أحــد روافــد الإبــداع‬ ‫الـروائي بتوثيـق ثقافـات الشـعوب‪ ،‬وطرحهـا بثقافتـن مختلفتـن شرقيـة وغربية فوصف‬ ‫لهـا‬ ‫ليـس‬ ‫ً‬ ‫مفتوحتـان‬ ‫بومـة‬ ‫وعينـا‬ ‫تيـس‬ ‫قرنـا‬ ‫لهـا‬ ‫((الهام ّيـة‬ ‫الفـرات‪:‬‬ ‫أسـطورة‬ ‫دائمـا‪،‬‬ ‫أجفـان كعيـون السـمك وصـوت يشـبه صـوت الماعـز‪ ،‬شـعرها طويـل أسـود تخـرج ليـاً‬ ‫مـن النهـر أوقـات الـرد الشـديد والفيضـان تـأكل الأولاد الذيـن يأتـون للسـباحة في‬ ‫مثـل هـذا الوقـت))‬ ‫وتنــاول أســطورة الميــدوزا المنبثقــة عــن ثقافــة يونانيــة قديمــة مرتبطــة بالآلهــة‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫تســد الــراع بــن الخــر والــر‪ ،‬فكانــت الميــدوزا جميلــة لكنهــا أغضبــت الآلهــة‬ ‫فحولـت شـعرها إلى ثعابـن‪ ،‬وبمـا أن الأسـاطير توثـق ثقافـات ومعتقـدات الشـعوب لذا‬ ‫منحـ ْت النـص بعـداَ ثقافيـاَ واجتماعيـاَ لصالـح تقييـم الروايـة‪.‬‬ ‫أفـ وق احليـخيـثا ألنأ املـار اواليقــةاركتئ‪،‬عنرليـاحـف لظغأـونيرواهييـ نةـاللرحخـياـافليأ يُضافكـتـت إبلبىأسخـيلـاولبالمسترلدـ ٍيييفصـسوـرُاحَ‬ ‫تشـكيلية متمـز ًة بمهـارة الكاتـ ِب الذي أضـاف إلى النـص خبراتـه وموهبتـه في النحـت‬ ‫ُ‬ ‫والتشـكيل الـي تتسـب لصالـح تقييـم العمـل الـروائي‪.‬‬ ‫لم‬ ‫َ‬ ‫الشـخصيا ُت خدمـ ْت أدوارهـا بدقـ ٍة‪ ،‬والـر ُد‬ ‫شـيقا بجمـل رشـيقة قصيرة متتاليـ ٍة‬ ‫يعرقـل النـص بالترهـل‪ ،‬أمـا الحـوار المختـر بلغـة بسـيطة دونمـا تكلـف ورد معظمـه‬ ‫ً‬ ‫باللهجـة العاميـة مقتربـا أكـر نحـو البيئـة المحليـة وهـو أمـر محبـذ في الروايـة ‪.‬‬ ‫ََ َ‬ ‫الحبكـة المتماسـكة توجتهـا نهايـة مبهـرة‪ ،‬محققـا ركنـا مهمـا في النهايـة الـي لـم‬ ‫مجلة ورق | العدد الثاني ‪ -‬نيسان ‪٢٠٢١‬م‬ ‫‪ 114‬اتحاد الكتاب والأدباء السوريين الأحرار‬

‫تكــن روتينيــة إضافــة إلى تتويــج النهايــة برســائ ٍل ثقافيــ ٍة لهــا دورهــا الاجتمــاعي‬ ‫إضافــة إلى إتقــا ِن بنــاء هيكليــ ِة تنظــم الأحــدا ِث والزمــن‪.‬‬ ‫لـن ننـى القيمـة الإنسـانية والأخلاقيـة للنـص‪ ،‬طـرح قضيـة الاغـراب بـكل‬ ‫انكسـاراتها‪ ،‬وتطـرق للقهـ ِر السـياس ّي والاجتمـاعي‪ ،‬وعـرض بعـض المعتقدات الشـعبية‬ ‫الخرافيـة وعالجهـا مـن خـال توصيـل فكرتـه للمتلـي بحتميـة خلـود القيـم النبيلـة في‬ ‫الإيثـار والتضحيـة والوفـاء‪ ،‬يمكننـا الجـزم بـأن مـن يقـرأ الروايـة سـيعلق في ذهنـه‬ ‫الكثـر مـن أحداثهـا‪ ،‬بفضـل لغـة الكاتـب المتمكنـة ذات البعـد النفـي العميـق الأثـر‬ ‫اسـتخدمها بمهـارة فنـان تشـكيلي متمـز ‪.‬‬ ‫اللحــاف عمــل روائي واقــي بامتيــاز أضــاف إلى الأدب الــروائي المعــاصر نصــاَ له‬ ‫تقييمـه الفـي بلغـة تشـكيلية أنجـزت التناغـم بـن الفـن الـروائي والفـن التشـكيلي‬ ‫ودمغــت بصمــة واضحــة في ســاح ِة الأدب الــروائي المعــاصر ‪.‬‬ ‫اتحاد الكتاب والأدباء السوريين الأحرار ‪115‬‬ ‫مجلة ورق | العدد الثاني ‪ -‬نيسان ‪٢٠٢١‬م‬

‫إلماعات نقد ّية في‬ ‫مجموعة (ال ّشعب يريد)‬ ‫للقا ّصة جهان سيد عيس ى‬ ‫بقلم ال ّناقد محمد بشير الخلف‬ ‫مق ّدمة‪:‬‬ ‫تنـدرج مجموعـة (ال ّشـعب يريـد) للقا ّصـة (جهـان سـ ّيد عيـى) الصـادرة عـن دار‬ ‫موزاييـك ‪2019‬م مـن حيـث ال ّتجنيـس الأدب ّي في سـياق الـ ّرد القصـي المصنـف تحـت‬ ‫عنـوان القصـة والق ّصـة القصـرة جـ ّداً‪ ،‬وقراءتنـا مقصـورة على القصـرة جـداً‪.‬‬ ‫الأخــرى‪،‬‬ ‫الأدب ّيــة‬ ‫الأجنــاس‬ ‫على‬ ‫ً‬ ‫القصــر‬ ‫الجنــس‬ ‫هــذا‬ ‫عمــر‬ ‫مــن‬ ‫وبال ّرغــم‬ ‫قياســا‬ ‫يكــون‬ ‫أن‬ ‫الكتابــة‬ ‫مــن‬ ‫ّ‬ ‫هــذا‬ ‫ويــكاد‬ ‫ناصيتــه‪،‬‬ ‫امتــاك‬ ‫القا ّصــة‬ ‫اســتطاعت‬ ‫اللــون‬ ‫الأقــرب إلى نفســ ّية الكاتبــة باضطرابهــا وقلقهــا وكثافــة ال ّشــحن بأبعــاده المختلفــة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫والي تعامـد مـع واقـع شـديد الاضطـراب والقلـق والحركـة‪ ،‬فكانـت ثلاثيـة متناغمـة‬ ‫منســجمة؛ (واقــع ‪ +‬طبيعــة القا ّصــة ‪ +‬قــ ّص مواكِــب لذبذبــات تفاعــل القاصــة مــع‬ ‫الحــدث بــالآن واللحظــة)‪.‬‬ ‫البناء الحكائ ّي‪:‬‬ ‫اسـتطاعت القا ّصـة مـن خـال توظيفهـا لعنـاصر الق ّصـة القصـرة جـ ّداً مـن حـدث‬ ‫وزمــان ومــان وشــخوص موظفــة في ســياقات ومســارات هــذه الق ّصــص أن تعطينــا‬ ‫مجلة ورق | العدد الثاني ‪ -‬نيسان ‪٢٠٢١‬م‬ ‫‪ 116‬اتحاد الكتاب والأدباء السوريين الأحرار‬

‫والإنسـان ّية‬ ‫الاجتماع ّيـة‬ ‫الجوانـب‬ ‫غ ّطـت‬ ‫ّ‬ ‫الحكائ ّيـة‪،‬‬ ‫لموضوعاتهـا‬ ‫بانورام ّيـة‬ ‫صـورة‬ ‫والـي‬ ‫والوطن ّيــة‪ ،‬فقــوس قزحهــا واســع ال ّطيــف والأبعــاد؛ حيــث أنّهــا ببصيرتهــا ال ّنافــذة‬ ‫ـة‬ ‫ومك ّثف‬ ‫ـزة‬ ‫ورام‬ ‫ً‬ ‫أحيان‬ ‫ـاشرة‬ ‫مب‬ ‫ـة‬ ‫بلغ‬ ‫ـا‬ ‫حكاياته‬ ‫تفاصي ـل‬ ‫أد ّق‬ ‫ـل‬ ‫تنق‬ ‫أن‬ ‫ـتطاعت‬ ‫اس‬ ‫ـا‪،‬‬ ‫فيهـا‪:‬‬ ‫القا ّصـة‬ ‫تقـول‬ ‫الـي‬ ‫أدوار)‬ ‫(تبـادل‬ ‫ق ّصـة‬ ‫لذلـك‬ ‫مثـاً‬ ‫أخذنـا‬ ‫ولـو‬ ‫أخـرى‪،‬‬ ‫ً‬ ‫أحيانـا‬ ‫(لـم يـو ّزع الأب العيديّـة على أطفـاله في هـذا العيـد كعادتـه‪ ،‬بـل هـم‪ ..‬مـن و ّزعـوا‬ ‫‪...‬عيـد‪.)!!..‬‬ ‫وهدايـا‬ ‫حلـوى‬ ‫مـن‬ ‫ً‬ ‫ال ّصبـاح‬ ‫في‬ ‫عليـه‬ ‫أشـاءهم‬ ‫قطعـا‬ ‫بنـاء حكاياتهـا يماثـل بنـاء ال ّطيـور الوادعـة لأعشاشـها‪ ،‬أمكنتهـا مختلفـة‪ ،‬وأزمنتهـا‬ ‫ال ّطيـور‬ ‫تباغتهـا‬ ‫ـبب‬ ‫س‬ ‫لأ ّي‬ ‫ـدري‬ ‫ت‬ ‫لا‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ـون‬ ‫مختلف‬ ‫وشـخوصها‬ ‫مختلفـة‪،‬‬ ‫وأحجامـا‪،‬‬ ‫ألوانـا‬ ‫الجارحـة غفلــة منهــا‪ ،‬فتتركهــا للأحــزان‪ ،‬والبحـث عــن أماكــن أكــر أمانــاً‪ ،‬فهــذه‬ ‫ق ّصـة (ثلاثـة وحـوش)‪:‬‬ ‫مــ ّرة َحلُــم ببيــت مفتــوح ال ّشــبابيك‪ ،‬وعصفــورة تغــ ّي ك ّل صبــاح‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ونافـورة مـاء‪ ...‬فجـأة وجـد ثلاثـة وحـوش يدقـون عليـه بـاب الحلـم‪...‬‬ ‫دفعـوا بأقدامهـم بوابـة رأسـه‪ ،‬ودخلـوا بأحذيتهـم العسـكر ّية‪ ،‬داسـوا في‬ ‫طريقهــم على كثــر مــن الأفــار والأحــام‪ ،‬بعضهــا كان مــازال براعــم‬ ‫صغــرة َف ُســ ِح َقت‪ ،‬وبعضهــا كان في طريــق الاكتمــال‪ ،‬أكملــوا طريقهــم‬ ‫ّ‬ ‫ك ّبلــوا‬ ‫ال ّصــدئ‪،‬‬ ‫الفــولاذ ّي‬ ‫قيدهــم‬ ‫معصميــه‬ ‫على‬ ‫وضعــوا‬ ‫الحلــم‬ ‫باتــاه‬ ‫مرم ًّيــا‬ ‫حل ًمــا‬ ‫كان‬ ‫ـل‬ ‫ّ‬ ‫انتصــف‬ ‫وعندمــا‬ ‫‪...‬‬ ‫ومضــوا‬ ‫بالحديــد‪،‬‬ ‫قدميــه‬ ‫اللي‬ ‫ّ‬ ‫على قارعـة طريـق‪ ،‬على ظهـره أثـر سـياط‪ ،‬ومـن جوفـه تتـدل عصفـورة‬ ‫مخنوقــة‪ ،‬وبقايــا بيــت مكــ ّر ال ّشــبابيك‪ ،‬ونافــورة تــزف دمــاء دمــاء‪...‬‬ ‫اتحاد الكتاب والأدباء السوريين الأحرار ‪117‬‬ ‫مجلة ورق | العدد الثاني ‪ -‬نيسان ‪٢٠٢١‬م‬

‫هربـت‬ ‫ّ‬ ‫المخ ّيمـات‪،‬‬ ‫حـول‬ ‫الـراري‬ ‫طيـور‬ ‫بأعشـاش‬ ‫ال ّضـواري‬ ‫هـذه‬ ‫تلحـق‬ ‫وقـد‬ ‫الـي‬ ‫مــن أشــجار المــدن إلى حيــث الفضــاء ال ّرحــب‪ ،‬وال ّنجــاة مــن ال ّصخــب وغــدر تلــك‬ ‫ال ّضـواري‪ ،‬تقـول في ق ّصـة (نـزوح)‪:‬‬ ‫تشـ ّبث ْت بهـم‪ ...‬حاولـ ْت ال ّذهـاب معهـم‪ ،‬لكـ ّن البـاص لـم يتّسـع لهـا‪،‬‬ ‫كان مزدح ًمـا بـك ّل أولئـك الهاربـن مـن ال ّذبـح المحقـق لهـم إن هـم بقـوا‬ ‫في المدينـة فقـط لارتكابهـم جريمـة المطالبـة برحيـل ال ّرئيـس‪ ...‬نهروهـا‬ ‫ودمـوع حرقـة تشـتعل في مآقيهـم‪ ...‬انتزعـوا أرجلهـم مـن بـن أصابعهـا‬ ‫المتشـ ّبثة بهـم‪ ،‬وانطلقـوا مسرعـن‪ ...‬وحـن وصولهـم وجـدوا آثـار طـن‬ ‫ـاش‬ ‫قم‬ ‫ـة‬ ‫قطع‬ ‫في‬ ‫ـوه‬ ‫جمع‬ ‫ـن‪،‬‬ ‫ال ّط‬ ‫ـوا‬ ‫فرك‬ ‫ـم‪...‬‬ ‫بناطله‬ ‫ّ‬ ‫ح‬ ‫على‬ ‫ـا‬ ‫أصابعه‬ ‫ـواف‬ ‫ق ّصوهــا مــن قميــص طفــل مــات معهــم في الطريــق جــو ًع وبــر ًدا‪ ،‬ثــ ّم‬ ‫كتبـوا عليهـا بقايـا وطـن‪...‬‬ ‫إرادتـه‪،‬‬ ‫يكـر‬ ‫كي‬ ‫ال ّشـعب‬ ‫على‬ ‫بإنـزاله‬ ‫النّظـام‬ ‫تفـ ّن‬ ‫ّ‬ ‫الإجـرام‬ ‫ك ّل‬ ‫مـن‬ ‫وبال ّرغـم‬ ‫الي‬ ‫قوى‬ ‫مـن‬ ‫له‬ ‫ّ‬ ‫مـا‬ ‫بـك ّل‬ ‫ال ّسـور ّي‬ ‫لل ّشـعب‬ ‫النّظام‬ ‫تحـ ّدي‬ ‫خـال‬ ‫مـن‬ ‫جل ّيـاً‬ ‫ظهـر‬ ‫وقـد‬ ‫توفر‬ ‫ماديّـة وقـوى معنو ّيـة إلاّ أ ّن اسـتجابة ال ّثـوار كانـت بزخـم أكـر بال ّرغـم مـن تضحياتـه‬ ‫ورددوا‬ ‫قبورهـم‬ ‫مـن‬ ‫نهضـوا‬ ‫الشـهداء‬ ‫حـى‬ ‫يـر ّدد‬ ‫ال ّشـعب‬ ‫وبـي‬ ‫ق ّدمهـا‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫الجسـام‬ ‫الـي‬ ‫(ال ّشـعب يريـد إسـقاط النّظـام)‪.‬‬ ‫أخرجـوا الجميـع مـن المدينـة‪ ،‬لـم يُبقـوا فيهـا أحـداً‪ ،‬حـى العصافـر‬ ‫ـى‬ ‫ح‬ ‫ـه‬ ‫أنّ‬ ‫ـمعوا‬ ‫س‬ ‫ق ـد‬ ‫ـم‬ ‫فه‬ ‫ـات‪،‬‬ ‫والحيوان‬ ‫ّ‬ ‫ـاس‬ ‫ال ّن‬ ‫أخرجوه ـا‪...‬‬ ‫والمس ـلحين‬ ‫حيواناتهـم تـرخ «الشـعب يريـد إسـقاط ال ّنظـام»‪ ...‬كـروا أعلامهـم‬ ‫مجلة ورق | العدد الثاني ‪ -‬نيسان ‪٢٠٢١‬م‬ ‫‪ 118‬اتحاد الكتاب والأدباء السوريين الأحرار‬

‫الخـراء‪ ،‬ومسـحوا كل عبـارات الحريـة المكتوبـة على الجـدران‪ ...‬أربعـة‬ ‫أعـوام وهـم يحلمـون باسـتعادتها‪ ،‬وهـا هـم اليـوم قـد اسـتعادوها‪ ،‬وأخرجوا‬ ‫أهلهــا وأحرارهــا منهــا‪ ...‬رقصــوا وشربــوا وعربــدوا ورفعــوا أعلامهــم‬ ‫المل ّطخـة بالأحمـر‪ ،‬وعندمـا انتصـف ليلهـم وبلـغ سـكرهم مـداه تو ّزعـوا‬ ‫بيـوت أهـل المدينـة وأس َّرتَهـا ونامـوا‪ ،‬وعنـد الفجـر اسـتيقظوا على أصـوات‬ ‫تهــدر في الشــوارع «ال ّشــعب يريــد إســقاط ال ّنظــام»‪ ...‬ظ ّنــوا ال ّصــوت‬ ‫ال ّصــوت‬ ‫لكــ ّن‬ ‫نومهــم‪،‬‬ ‫وأكملــوا‬ ‫عيونهــم‬ ‫عركــوا‬ ‫ً‬ ‫بــل‬ ‫ً‬ ‫كابوســا‪...‬‬ ‫حلمــا‪،‬‬ ‫صــار أقــوى‪ ...‬فزعــوا ووثبــوا مــن أس ّرتهــم المسروقــة‪ ...‬فتحــوا الأبــواب‬ ‫فـإذا ال ّشـوارع تغـ ّص بجثـث ال ّشـهداء‪ ،‬قـد خرجـوا مـن قبورهـم وملـؤوا‬ ‫ال ّشـوارع وهـم يهتفـون‪ « ...‬ال ّشـعب يريـد إسـقاط النّظـام‪ ...‬ال ّشـعب يريد‬ ‫إسـقاط ال ّنظـام»‪.‬‬ ‫تقنيات الق ّص ‪:‬‬ ‫يــكاد التّكثيــف أن يكــون المــزة الأشــهر‪ ،‬والأكــر اتّفاقــاً عليهــا بعــن ال ّن ّقــاد‬ ‫فل ـو‬ ‫الخاص ّيـة‪،‬‬ ‫ـذه‬ ‫له‬ ‫القا ّصـة‬ ‫ـاك‬ ‫امت‬ ‫ً‬ ‫كان‬ ‫وكذل ـك‬ ‫ـ ّداً‪،‬‬ ‫ج‬ ‫ـرة‬ ‫القص‬ ‫ـة‬ ‫الق ّص‬ ‫في‬ ‫واضح ـا‬ ‫‪85‬‬ ‫عددهـا‬ ‫لوجدنـا‬ ‫دون‪،‬‬ ‫فمـا‬ ‫صفحـة‬ ‫النّصـف‬ ‫تتجـاوز‬ ‫لـم‬ ‫ّ‬ ‫القصـص‬ ‫مثـاً‬ ‫أخذنـا‬ ‫الـي‬ ‫ق ّصـة مـن أصـل ‪125‬ق ّصـة‪ ،‬أي أكـر مـن ال ّثلثـن‪.‬‬ ‫ولا أعـي أ ّن القصـص الباقيـة ليـس فيهـا تكثيـف‪ ،‬وإنّمـا أرد ُت هنـا أ ّن القا ّصـة لهـا‬ ‫إمكان ّياتهـا الإبداع ّيـة‪ ،‬وخبرتهـا في تكثيـف النّـ ّص بأبلـغ احتياجاتـه‪ ،‬فهـو رسـالة مـن‬ ‫تسـتدعي‬ ‫فـي‬ ‫والإشـارات‪،‬‬ ‫بال ّرمـوز‬ ‫المكتـز‬ ‫ال ّلغـو ّي‬ ‫بال ّشـحن‬ ‫زاخـرة‬ ‫ّ‬ ‫إلى‬ ‫الملـي‬ ‫المتلـي‪،‬‬ ‫اتحاد الكتاب والأدباء السوريين الأحرار ‪119‬‬ ‫مجلة ورق | العدد الثاني ‪ -‬نيسان ‪٢٠٢١‬م‬

‫ذلـك‬ ‫ـال‬ ‫مث‬ ‫القصـرة‪،‬‬ ‫ال ّرسـائل‬ ‫هـذه‬ ‫ـفرة‬ ‫ش‬ ‫ـ ّك‬ ‫ف‬ ‫على‬ ‫القـدرة‬ ‫لديـه‬ ‫مث ّقفـاً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫أيض‬ ‫قارئـا‬ ‫ـا‬ ‫فيهـا‪:‬‬ ‫جـاء‬ ‫ّ‬ ‫(حصـان)‪،‬‬ ‫وق ّصـة‬ ‫(دمعـة)‪،‬‬ ‫ق ّصـة‬ ‫مـن‬ ‫الـي‬ ‫امتطى نخوته ومضى ‪ ...‬وعندما أصيب حصانه سقط‪.‬‬ ‫ـة‬ ‫القا ّص‬ ‫ـة‬ ‫الأديب‬ ‫ـد‬ ‫عن‬ ‫ـ ّص‬ ‫الق‬ ‫ـات‬ ‫جمالي‬ ‫ـا‬ ‫عليه‬ ‫اتـ ّكأت‬ ‫ـي‬ ‫ّ‬ ‫ال ّثانيـة‬ ‫ـة‬ ‫التّقني‬ ‫ـا‬ ‫أ ّم‬ ‫ال‬ ‫(جهــان)‪ ،‬فــي المفا َرقــة؛ وهي ســمة جمال ّيــة يســتعين بهــا القــا ّص ليضــي جمال ّيــة على‬ ‫الق ّصــة‪،‬‬ ‫نهايــة‬ ‫أو‬ ‫القفلــة‬ ‫إلى‬ ‫ّ‬ ‫بحبــال‬ ‫القــا ّص‬ ‫إمســاك‬ ‫على‬ ‫تقــوم‬ ‫فــي‬ ‫ق ّصتــه‪،‬‬ ‫المتلــي‬ ‫وتكـون على عكـس مـا رسـم القـا ّص‪ ،‬أو بـأد ّق مـن ذلـك؛ مـا أوهـم القـا ّص القـارئ‬ ‫بـأ ّن نهايـة الق ّصـة سـوف تكـون هكـذا‪ ،‬وإذ بهـا فجـأة تكـون غـر ذلـك‪ ،‬وهنـا يحقق‬ ‫ّّ ّ‬ ‫الإدهـاش‪ ،‬والغرابـة لدى المتلـي‪ ،‬الي يحـس بجمـال لـم يكـن يتوقعـه‪ ،‬وقـد أجـادت‬ ‫القا ّصــة (جهــان) بهــذه ال ّســمة‪ ،‬ومثــال ذلــك قصــص كثــرة مثــل (دفء‪ ،‬انتقــام‪،‬‬ ‫كـولاج‪ ،‬رأس‪ ،‬أناقـة مـوت)‪.‬‬ ‫وتقول في ق ّصة (أناقة موت)‪:‬‬ ‫ك ّل‬ ‫مـن‬ ‫ـق‬ ‫ّ‬ ‫ودمـاء‬ ‫تـن‪...‬‬ ‫ـال‬ ‫وأطف‬ ‫رؤوس‬ ‫ـا‬ ‫وبقاي‬ ‫وحجـارة‬ ‫ـار‬ ‫غب‬ ‫تتدف‬ ‫مــان‪ ...‬رمــاد حرائـق وبــكاء‪ ...‬دخــان تــ ّزه‪ ،‬جثــ ٌث ن ُ ِســ َفت مدافنهــا‪،‬‬ ‫فتناثــر منهــا المــوت‪ ...‬صراخ وعويــل‪ ،‬طفــل يحــاول الهــرب‪ ،‬فتغــوص‬ ‫أقدامـه في لزوجـة ج ّثـة‪ ...‬كان ذلـك كفيـاً أن يلـ ّوث يديـه الغارقـة في‬ ‫تفاصيـل المـوت‪ ،‬لولـم يكـن المـوت أمامـه سـوى لوحـات مصـ ّورة يرتّبهـا‬ ‫بأناقـة على جـدار ال ّصالـة ال ّذهـ ّي اسـتعداداً لمعـرض اليـوم‪.‬‬ ‫مجلة ورق | العدد الثاني ‪ -‬نيسان ‪٢٠٢١‬م‬ ‫‪ 120‬اتحاد الكتاب والأدباء السوريين الأحرار‬

‫وفي ق ّصــة (معركــة) تتو ّضــح أكــر‪ ،‬إلى جانــب ال ّســخرية فيهــا تقنيــات القــ ّص‬ ‫الأخـرى الـي نجدهـا مبثوثـة في ثنايـا القصـص مـن ال ّشـعر ّية إلى التّضمـن إلى البلاغـة‪،‬‬ ‫الإطالة‬ ‫وخشـية‬ ‫القا ّصـة‪،‬‬ ‫عنـد‬ ‫القـ ّص‬ ‫جمال ّيـات‬ ‫مـن‬ ‫زادت‬ ‫ّ‬ ‫والإضمـار‪،‬‬ ‫والاختصـار‪،‬‬ ‫الـي‬ ‫ً‬ ‫ألمحنـا إليهـا إلماحـا‪.‬‬ ‫إضافية‬ ‫مـزة‬ ‫تعتـر‬ ‫ّ‬ ‫الكاتبـة‪،‬‬ ‫قصـص‬ ‫مـن‬ ‫والإملائ ّيـة‬ ‫ال ّنحو ّيـة‬ ‫الأخطـاء‬ ‫نـدرت‬ ‫والـي‬ ‫(ملؤوا)‪،‬‬ ‫لفظـة‬ ‫هـو‬ ‫إليه‬ ‫نشـر‬ ‫ّ‬ ‫الوحيـد‬ ‫والخطـأ‬ ‫القـ ّص‪،‬‬ ‫لأسـاليب‬ ‫إتقانهـا‬ ‫معايـر‬ ‫في‬ ‫الي‬ ‫وال ّصحيـح أن تُك َتـب بهـذا ال ّشـل (ملأوا)‪.‬‬ ‫الخاتمة ‪:‬‬ ‫صحيــح أ ّن مجموعــة (ال ّشــعب يريــد) هي باكــورة مــداد القا ّصــة (جهــان ســ ّيد‬ ‫عيـى)‪ ،‬غـر أنّهـا مجموعـة امتلكـت ك ّل عنـاصر القـ ّص وتقنياتـه بفن ّيـة عاليـة‪ ،‬تنبـئ‬ ‫عــن موهبــة وخــرة ثــ ّرة‪ ،‬وعواطــف شــعور ّية ناضجــة تنســاب في أوصــال شــخوص‬ ‫بينه ـم‬ ‫ـل‬ ‫تفص‬ ‫ـن‬ ‫اللذي‬ ‫الأش ـخاص‬ ‫ـس‬ ‫ولي‬ ‫ـداث‪،‬‬ ‫بالأح‬ ‫ـوم‬ ‫تق‬ ‫ـي‬ ‫ّ‬ ‫هي‬ ‫ـا‬ ‫وكأنّه‬ ‫قصصه ـا‪،‬‬ ‫ال‬ ‫مسـاحات الواقـع‪ ،‬ويجمـع بينهـا وبينهـم ال ّصـدق والإخـاص في بنـاء النّـ ّص المعجـون‬ ‫اللّغـو ّي‪.‬‬ ‫ال ّنـ ّص‬ ‫وهي‬ ‫ال ّدنيـا‬ ‫ـ ّص‬ ‫ن‬ ‫ـم‬ ‫ُه‬ ‫ـة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫المتح ّرقـة‬ ‫ـا‬ ‫وروحه‬ ‫وأعصابهـا‪،‬‬ ‫ـا‪،‬‬ ‫بدمه‬ ‫والمتوثب‬ ‫اتحاد الكتاب والأدباء السوريين الأحرار ‪121‬‬ ‫مجلة ورق | العدد الثاني ‪ -‬نيسان ‪٢٠٢١‬م‬

‫ال ُبعد الاجتماعي في رواية‬ ‫(هنا ترقد الغاوية)‬ ‫للروائي اللبناني محمد إقبال حرب‬ ‫بقلم الروائي محمد فتحي المقداد‬ ‫مدخل‪:‬‬ ‫الـ ّراع ِسـم ُة الوجـود الإنسـان ّي في هـذا الكـون منـذ بـدء الخليقـة‪ ،‬وتتشـابه حالاتـه‬ ‫ال ّرغبــات‪..‬‬ ‫ّ‬ ‫الحيــاة‬ ‫حركــة‬ ‫دوافــع‬ ‫والمــان‪.‬‬ ‫ال ّزمــان‬ ‫بفــارق‬ ‫ُمعطياتــه‬ ‫مــن‬ ‫كثــر‬ ‫في‬ ‫ولت‬ ‫الأحاســيس‪ ..‬الآمــال‪ ..‬الأحــام‪ ..‬الدمــوع‪ ..‬الأحــزان‪ ،‬ولــم تــزل راســخة ســاكنة في واقــع‬ ‫ال ُمجتمعـات البشر ّيـة؛ منـذ جيلهـا الأ ّول بـن هابيـل وقابيـل أبنـاء سـيدنا آدم عليه ال ّسـام‪.‬‬ ‫روايـة (هنـا ترقـد الغاويـة) تُعتـر ببنيتهـا ال ّسديّـة قـد أخـذت المسـار الاجتمـاع ّي‬ ‫ال ُمـو ّش ببعـض التلميحـات السياسـ ّية‪ ،‬وهـذا لا بـ ّد منـه لتكامل ّيـة أ ّي عمـل روائ ّي مهمـا‬ ‫كان‪ ،‬أثنــاء ُمتابعــي لأحداثهــا قــراءة؛ ظننــ ُت نفــي أمــام (نجيــب محفــوظ) و(عبــد‬ ‫السـام العجيـي)‪ ،‬وهمـا مـن سـادة المدرسـة الواقع ّيـة الاجتماع ّيـة‪.‬‬ ‫العنوان‪:‬‬ ‫جـاء العنـوان بكلماتـه الثـاث بأبعادهـا الدلال ّيـة؛ لتأكيـد القضايـا الـي عالجتهـا‬ ‫روايـة (هنـا ترقـد الغاويـة)‪.‬‬ ‫مجلة ورق | العدد الثاني ‪ -‬نيسان ‪٢٠٢١‬م‬ ‫‪ 122‬اتحاد الكتاب والأدباء السوريين الأحرار‬

‫‪(-‬هنـا) وهي اسـم إشـارة دا ّل على المـان القريـب ال ُمشـاهد؛ ال ُمؤ ّكـد بواقـع تلتمسـه‬ ‫الأحاسـيس‪ ،‬وهـو لخطـاب آخـر يُعايـن ببـره‪ ،‬ويسـتمع بأذن ْيـه لصـوت القائـل‪ ،‬مـع‬ ‫ّ‬ ‫اشـتغال الأحاسـيس الـي لا تظهـر تفاعلاتهـا إل بمتابعـة الحديـث‪.‬‬ ‫‪(-‬ترقــد) كلمــة بصيغــة فعليــة تفيــد الحــاضر والاســتمرار أي الفعــل ال ُمضــارع‪.‬‬ ‫فيــه‪.‬‬ ‫أو‬ ‫بــه‬ ‫ً‬ ‫يُنتــ ُج‬ ‫حــدث‪،‬‬ ‫ضمــن‬ ‫فاعــل‬ ‫مــن‬ ‫له‬ ‫بُــ ّد‬ ‫لا‬ ‫والفعــل‬ ‫مفعــول‬ ‫ومــن نــام رقــد في فراشــه‪ ،‬ومــن اســتلقى تحــت شــجرة أو في غرفــة أو إلى حا ّفــة‬ ‫ال ّرصيـف‪ ،‬أو في أ ّي مـان لأخـذ قسـط مـن ال ّراحـة‪ ،‬لـن يكتمـل المعـى ال ُمـراد مـن‬ ‫ّ‬ ‫كلمــة (ترقــد) في العنــوان إل بانضمــام الكلمــة الثالثــة لهــا‪ ،‬لتشــكيل مفهــوم يتكامــل‬ ‫معنــاه في ذهــن ال ُمتلــ ّي ســل ًبا وإيجابًــا‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫فقـد‬ ‫الشـيطان‬ ‫أغـواه‬ ‫فمـن‬ ‫وغاوي؛‬ ‫(غـوى)‬ ‫ثُلاث ّيهـا‬ ‫إلى‬ ‫بالرجـوع‬ ‫‪(-‬الغاويـة)‬ ‫أضلـه‪،‬‬ ‫ور ّبمـا يُمعـن في متاهـات الضـال‪ .‬وبالتحـ ّري ال ُمعجـ ّي لاسـتجلاء د ّقـة المعـى ال ُمـراد‬ ‫و ِغوايـ ًة‪،‬‬ ‫و َغ َوايـ ًة‬ ‫َغ ًّيـا‬ ‫ْ‬ ‫يَغـ ِوي‪،‬‬ ‫(غـ َوى‬ ‫الروايـة‪:‬‬ ‫عنـوان‬ ‫في‬ ‫الكلمـة‬ ‫هـذه‬ ‫توظيـف‬ ‫مـن‬ ‫اغـ ِو‪،‬‬ ‫فهـو غا ٍو‪ ،‬و َغـ ِو ّي‪ ،‬و َغ ّيـا ُن والجمـع‪ُ :‬غـ َوا ٌة‪ ،‬وغا ُوون‪ ،‬وهي غاويـ ٌة والجمع ‪ :‬غاويـا ٌت والمفعول‬ ‫َم ْغـ ِو ّي – لل ُم َتعـ ِّدي)‪.‬‬ ‫بالغـوص في دروب اسـتطرادات المعـاني ال ُمتـو ّلة تت ّضـح الصـورة ببهـاء‪ ،‬كمـا اشـتهى‬ ‫وأراد الـروائ ّي (محمـد إقبـال حـرب) بإيـراد بعـض الأمثلـة‪[ :‬ال َّشـا ُّب‪َ :‬أ ْم َعـ َن ِف ال َّضـاَل‬ ‫َْ‬ ‫َأ َضلَّـ ُه‪،‬‬ ‫ـن‬ ‫ع‬ ‫ح ـاد‬ ‫َغـ َوى‪:‬‬ ‫ـ َرا ُه‪،‬‬ ‫أغ‬ ‫ـ ْي َطا ُن‪:‬‬ ‫ال َّش‬ ‫ـ َوا ُه‬ ‫َغ‬ ‫َغـ َوى)‪،‬‬ ‫ـا‬ ‫َو َم‬ ‫ـ ْم‬ ‫َصا ِح ُب ُك‬ ‫َضـ َّل‬ ‫ـا‬ ‫( َم‬ ‫َأكـ َ َر‬ ‫ُ‬ ‫و َف َسـ َد‬ ‫ا َّ َتـم‬ ‫حـى‬ ‫ـاع‬ ‫ال َّرض‬ ‫مـن‬ ‫الرضيـ ُع‪:‬‬ ‫َغـ َوى‬ ‫ـواه‪،‬‬ ‫ه‬ ‫إلى‬ ‫ومـال‬ ‫ال َحـ ّق‬ ‫جوفـه[‪..‬‬ ‫وبالتوفيـق بـن الكلمـات الثـاث؛ بـإعادة التركيـب بعـد التفكيـك اللغـو ّي الدلال ّي‪،‬‬ ‫يبـدو العنـوان (هنـا ترقـد الغاويـة) يفتـح فضـاء العتبـة الروائ ّيـة‪ ،‬لتت ّسـع رؤيـة القارئ‬ ‫اتحاد الكتاب والأدباء السوريين الأحرار ‪123‬‬ ‫مجلة ورق | العدد الثاني ‪ -‬نيسان ‪٢٠٢١‬م‬

‫بإثــارة التســاؤلات‪ ،‬في محاولــة مبدئ ّيــة لتفســر أبعــاد العنــوان‪ ،‬مــن خــال التأويــل‬ ‫برسـم صـورة ُمتخيلـ ّة لمـا وراءه‪.‬‬ ‫أ ّمـا وقـد أخـذ العنـوان ال ّرئيـس للروايـة‪ ،‬أحـد العناويـن الداخليـة في الروايـة‪ .‬لتـأتي‬ ‫الإجابـة الشـافية الكافيـة على لسـان (صابريـن) بطلـة الروايـة الـي دارت عليهـا محـاور‬ ‫الحـدث الـرد ّي حـ ّى نهايـة الروايـة‪ ،‬ومـن أولى صفحاتهـا‪ ،‬وبعدما قالـت بفصيـح العبارة‬ ‫ضريـي‬ ‫على‬ ‫النـاس‬ ‫ف ُيكتـب‬ ‫أمـو َت؛‬ ‫أن‬ ‫(أخـاف‬ ‫والتأويـل‪:‬‬ ‫للتخمـن‬ ‫ً‬ ‫لنـا‬ ‫تـرك‬ ‫لـم‬ ‫مجـال‬ ‫هنـا ترقـ ُد الغاويـة‪ ،‬غاويـ ٌة ُتيـ ُك ِغ ّيهـا كالأرملـة ال ّسـوداء‪ .‬لا بـل سـيكتبون «هنـا ترقـد‬ ‫ال ّزانيـة» نعـم‪ ..‬لـن يكتبهـا شـخص واحـد‪ ..‬بـل كلهـم سـيكتبون معـه بإفكهـم‪ :‬هنـا ترقد‬ ‫الزانيـة) ص‪ .١٢٥‬و(زانيـة شريفـة يـا لحكمـة الأقـدار‪ !!..‬شريفـ ٌة تو ِصـ ُم وجودهـا بعـا ٍر لـم‬ ‫ترتكبـه‪ ،‬ت ًّبـا لعهـ ٍد أصبحـت فيـه الشريفـة ركـن مهانـة‪ )!..‬ص‪.١٢٦‬‬ ‫المنظومـة الاجتماع ّيـة ذات المفاهيـم ال ّراسـخة بسـيطرتها لا تتزحـزح قيـد أنملـة في‬ ‫أذهـان الأفـراد‪ ،‬وت ُشـ ّل بأناهـا الأعلى تابُو ًهـا ُمق ّد ًسـا ممنـوع الاقتراب منـه أبـ ًدا‪ .‬ويُنافس‬ ‫ً‬ ‫الاجتمـاع ّي‬ ‫ال ُعـرف‬ ‫وصـرورة‬ ‫منهـا‪.‬‬ ‫ال ِق َيـم الدينيـة الحقيقيـة‪ ،‬ويطمـس الكثـر‬ ‫بديـا‬ ‫لل َهـ ْدي السـماو ّي‪.‬‬ ‫الشخصيات الروائية‪:‬‬ ‫الحـدث الـروائ ّي امتـ ّدت مسـاحته مـا بـن مـر في الـرق الأوسـط‪ ،‬والولايـات‬ ‫الم ّتحـدة الأمريك ّيـة‪ ،‬لكـن مرتكـز الأمـر قـام على عـدد محـدود مـن الشـخص ّيات‬ ‫الـي اِنْبَـى عليهـا العمـل بأكملـه‪.‬‬ ‫وفي ك ّل عمـل هنـاك الشـخص ّيات ال ّرئيسـة والثانو ّيـة‪ ،‬وكثـر مـن الأعمـال الروائ ّيـة‬ ‫مجلة ورق | العدد الثاني ‪ -‬نيسان ‪٢٠٢١‬م‬ ‫‪ 124‬اتحاد الكتاب والأدباء السوريين الأحرار‬

‫قامـت تراتب ّياتهـا على البطـل الأوحـد‪ .‬بينمـا في روايـة (هنـا ترقـد الغاويـة) قامـت على‬ ‫تقاسـم تشـاركي للبطولـة‪.‬‬ ‫عائلــة (تامــر) وأختــه (صابريــن) وفيمــا بعــد جــاء دور ابنتــه (هنــادي)‪ .‬وجــاء‬ ‫دور (آدم – غسـان) و(حـوده) رغـم أنّـه شرارة انطـاق ق ّصـة المأسـاة عندمـا اغتصـب‬ ‫صابريــن في مــر فقــد كان دوره مغمــو ًرا‪ ،‬وكأنــ ّه ُمكمــل للحــدث‪ .‬هــؤلاء بــدأ بهــم‬ ‫الحــدث في مــر‪ ،‬وانتقلــوا لظروفهــم إلى أمريــكا‪ ،‬ليمتــ ّد إكمــال حيث ّياتــه هنــاك‪.‬‬ ‫(د‪ .‬جـون) الطبيـب النفـي المعالـج لصابريـن‪ ،‬وتابعهـا حـى مرحلـة شـفائها‪ ،‬و(د‪.‬‬ ‫منصـور) دورهمـا ثانـو ّي للـرورة القصص ّيـة‪ .‬حيـث أن د‪ .‬منصـور جـاء في الأخـر؛‬ ‫لإضفـاء صيغـة رؤيـة ابتكرهـا د‪ .‬جـون‪.‬‬ ‫سردية الرواية‪:‬‬ ‫منـذ أيـام (رفاعـة الطهطـاوي) في منتصـف القـرن الثامـن عـر‪ ،‬عندمـا ظهـر‬ ‫كتابـه (المرشـد الأمـن في تربيـة البنـات والبنـن)‪ ،‬ومـازال موضـوع تحريـر المـرأة يأخـذ‬ ‫أبعــا ًدا مختلفــة‪ .‬الروايــة رصــدت جــز ًءا مــن تعالقــات الحيــاة الاجتماع ّيــة في الــ ّرق‬ ‫ال ُمحافــظ‪ ،‬وتشــابكات طبيعــة العلاقــات القائمــة في مجتمعــات شرق ّيــة تتشــابه في‬ ‫الكثـر منهـا‪ ،‬وتختلـف أي ًضـا في الكثـر الآخـر‪.‬‬ ‫العــادات والتقاليــد راســخة في يوميــات النّــاس؛ فأصبحــت قانونًــا ُمق ّد ًســا‪ ،‬لا‬ ‫يمكـن اختراقـه بالخـروج عليـه‪ ،‬لأ ّن المنظومـة ُم َّتفقـة على ذلـك‪ُ ،‬متكافلـة ُمتضامنـة‬ ‫في ال ِا ْسـتحذاء ُخضـو ًع للأقـوى‪ .‬مـن هنـا تظهـر أن قـ ّوة الأقويـاء مـن ضعـف الضعفـاء‪.‬‬ ‫والأقويـاء يفرضـون شروطهـم بالقـ ّوة والإكـراه‪.‬‬ ‫اتحاد الكتاب والأدباء السوريين الأحرار ‪125‬‬ ‫مجلة ورق | العدد الثاني ‪ -‬نيسان ‪٢٠٢١‬م‬

‫وقضايا الشرف تُعتبر ق ّمة التعاطي مع أ ّي أمر باختراقها على أنه جريمة لا تُغ َت َفر‪.‬‬ ‫فالنسـاء حـرم ُمقـ ّدس كالعبـادة‪ ،‬وال ِعـ ْرض رديـف الأرض في المفهـوم العـا ّم تُـراق مـن‬ ‫أجلـه ال ّدمـاء أنهـا ًرا إذا مـا ان ُت ِهـك‪ .‬وجرائـم الاغتصـاب مـن هـذا الصنـف مـن الجرائـم‪،‬‬ ‫فـي الأعـراف العشـائرية‪ :‬تُقتـل المجـي عليهـا‪ ،‬ويُم ّجـد الجـاني بمـا اقترفـت يـداه‪.‬‬ ‫مـع أن ال ّشيعـة ُتـ ّرم الفاعـل والمفعـول بـه ك ٌّل حسـب العقوبـة المنصـوص عليهـا‪.‬‬ ‫كمـا أن القوانـن القائمـة على قاعـدة الأحـوال الشـخص ّية والمدن ّيـة؛ ُتـ ّرم القائـم بالفعـل‬ ‫في حـالات الاغتصـاب القـر ِّي في حـال الا ّدعاء مـن المجـي عليـه‪.‬‬ ‫‪-‬كيفيـة سرد الروايـة جـاءت على محمـل الذكريـات الموجعـة في بـاد الاغتراب‪ ،‬بعـد مغادرة‬ ‫الوطــن‪ ،‬لل ِّدراســة ولتحســن الظــروف المعاشــ ّية‪َ ،‬كــ ْون الــرق يــود لــو كان باســتطاعته‬ ‫الارتحــال إلى الغــرب؛ فقــد ورد‪( :‬اختلــط الواقــع بالخيــال‪ ،‬الذكــرى بالصــورة‪ ،‬والصــورة‬ ‫بالدمـوع) ص‪ .١٨‬و(ارتطـم الطفـل في داخلـه بمـدار الذكـرى ُمتر ّنًـا‪ ،‬وسـقط) ص‪.١٩‬‬ ‫منـذ البدايـة أفصحـ ْت محامـل الروايـة عـن نفسـها‪ ،‬حيـث أ ّن مسـاحات الذكريـات‬ ‫للحـدث في حـ ّز مـاني ُمـ َّدد‪ ،‬تفتـح آفا ًقـا واسـعة متأن ّيـة بـوعي لتقييـم الأمـر‪ ،‬وتقليبه‬ ‫على ضـوء التفكير الهـادئ وال َّسـليم‪.‬‬ ‫‪-‬قضايـا الفقـر نتيجـة الفسـاد‪ ،‬والدكتاتور ّيـات العسـكرية عندمـا أحالـت الحيـاة‬ ‫جحي ًمـا‪ .‬تتعـالى تواث ًبـا أشـواق الهجـرة ال َّدائمـة مـن الأوطـان العاجـزة عـن تقديـم ال ّرفـاه‬ ‫للهجـرة‪،‬‬ ‫وجهـد‬ ‫قُـ َّوة‬ ‫مـن‬ ‫أوتـوا‬ ‫مـا‬ ‫بـك ِّل‬ ‫سـاعين‬ ‫َّ‬ ‫يفتـؤون‬ ‫لا‬ ‫الذيـن‬ ‫لأبنائهـا‬ ‫يتطلعـون‬ ‫للعمـل في َجـ ْ َي ال ُّصحـون في المطاعـم الأجنب ّيـة‪ .‬والبطـل غ ّسـان‪ ،‬وفيمـا بعـد هجرتـه‬ ‫لأمريـكا تسـ ّى بـآدم‪( :‬تأر ّجـح بـن ِم َن ّصـة المـاضي والحـاضر‪ ،‬حـاول الوقـوف ثانيـة؛‬ ‫ليــؤ ّدي دو ًرا جديــ ًدا‪ .‬دونمــا يــأس أو شــكوى ُمكابــ ًدا الفشــل‪ ،‬حــ ّى نجــح في مســعاه‪،‬‬ ‫مجلة ورق | العدد الثاني ‪ -‬نيسان ‪٢٠٢١‬م‬ ‫‪ 126‬اتحاد الكتاب والأدباء السوريين الأحرار‬

‫ووقــف بشــموخ) ص‪ ،٢٠‬و(ســى لمزيــد مــن النَّجــاح في ُمه َّمــة صعبــة‪ ،‬أقــى آمالهــا‬ ‫الوصــول) ص‪.٢٠‬‬ ‫فعـا أقـى الأمنيـات الوصـول إلى حافـة حيـاة كريمـة‪ ،‬تليـق بالإنسـان هنـاك‬ ‫أش ـعاره‬ ‫ـب‬ ‫كت‬ ‫الخلي ـج‪.‬‬ ‫في‬ ‫ـش‬ ‫يعي‬ ‫كان‬ ‫ـان ُّي‬ ‫ُّ‬ ‫ـاعر‬ ‫ال َّش‬ ‫ـك‬ ‫ذل‬ ‫وآدم‬ ‫الاغ ـراب‪.‬‬ ‫ـاد‬ ‫ب‬ ‫في‬ ‫اللبن‬ ‫في محبوبتـه‪ ،‬وبقيـت ط ّي دفاتـره وأوراقـه‪ ،‬بعـد هجرتـه عاد إلى ذكريـات تُداعـب قلبـه‬ ‫ّ‬ ‫وفكـره‪ ،‬ولـم يكـن يخطـر ببـاله أن يلتـي بمحبوبتـه ثانيـة‪ .‬هنـاك افترقـا‪ ..‬وكان اللقـاء‬ ‫َر َمــق‬ ‫في‬ ‫َّ‬ ‫جــاء‬ ‫أجلهــا‪،‬‬ ‫مــن‬ ‫ُكتِ َبــت‬ ‫الــي‬ ‫الأشــعار‬ ‫صاحبــة‬ ‫صابريــن‪،‬‬ ‫مــع‬ ‫هنــا‬ ‫اللقــاء‬ ‫حياتـه الأخـر‪ ،‬بعـد ذهـاب ال َّشـباب ول ّذتـه‪.‬‬ ‫‪-‬حـد ُس الأنـى غالبًـا لا يخيـب؛ فقـد تـر َّدد تهديـد (حـودة) بالعـودة لاغتصابهـا مـن‬ ‫جديـد‪ ،‬وقتلهـا‪ ،‬رغـم تباعـد ال َّزمـان والمـان بينهمـا‪ .‬صابريـن أصيبـت بحالـة عصب ّيـة‬ ‫مـن الضغـط النفـي مـن التَّخييـات‪ ،‬والعـذاب النفـي ممـا تعر ّضـت له مـن اغتصاب‪،‬‬ ‫نظـرة المجتمـع القاتلـة لهـا‪ ،‬وتأنيـب الضمـر‪ ،‬ومـا بـن صـوت العقـل‪ ..‬ونظـرة أخيهـا‬ ‫تامـر في الانتقـام لتبييـض شرف العائلـة‪ ،‬ومحـو العـار‪ ،‬أصيبـت بحالـة هـوس اكتئـاب ٍّي‬ ‫أ َّدت بهـا إلى مزيـد مـن الهلوسـات والفـزع‪ ،‬واختـال نظامهـا الحيـات ِّي‪ ،‬إلى أن نُ ِقلَـت إلى‬ ‫َمص َّحـة نفسـية بعـد حـادث أليـم قـى على أخيهـا تامـر‪.‬‬ ‫ومـا منعـه مـن قتلهـا‪ ،‬والانتقـام لشرفـه المزعـوم منهـا‪ :‬هـو رغبتـه بالحصـول على‬ ‫الجنسـ ّية الأمريك ّيـة‪.‬‬ ‫‪ -‬موضــوع الروايــة الأســاس ِّي والأبــرز‪ ،‬قض ّيــة جرائــم الــ َّرف في الــرق عمو ًمــا‪،‬‬ ‫البنـت صابريـن تع ّرضـت لحـادث اغتصـاب في بيـت ع ّمهـا؛ أثنـاء إقامتها معهـم لظروف‬ ‫ال ِّدراسـة في المدينـة‪ ،‬عندمـا ق ِدمـت مـن القريـة‪.‬‬ ‫اتحاد الكتاب والأدباء السوريين الأحرار ‪127‬‬ ‫مجلة ورق | العدد الثاني ‪ -‬نيسان ‪٢٠٢١‬م‬

‫ممـن‬ ‫الأيتـام‪،‬‬ ‫رعايـة‬ ‫دور‬ ‫جـ ًدا‪،‬‬ ‫ُم ِهـ ٍّم‬ ‫اجتمـاع ِّي‬ ‫موضـوع‬ ‫على‬ ‫الضـوء‬ ‫َّ‬ ‫‪-‬الروايـة‬ ‫سـلطت‬ ‫الانحـراف‬ ‫التربيـة‪،‬‬ ‫وأسـس‬ ‫ال ّنسـب‪،‬‬ ‫ومجهـولي‬ ‫ال ّسـفاح‪،‬‬ ‫وأبنـاء‬ ‫وأمهاتهـم‪،‬‬ ‫آبائهـم‬ ‫َ‬ ‫فقـدوا‬ ‫إلى الإجـرام‪ ،‬وربـط ذلـك مـع الفقـر‪.‬‬ ‫ومثـال ذلـك الصـي (حـودة)‪ ،‬الذي جلبـه عـ ُّم صابريـن مـن دار الرعايـة وتب َّنـاه‪،‬‬ ‫بقصـد أن يُر ِّبيـه‪ ،‬ويعمـل معـه في مهنتـه‪.‬‬ ‫‪ -‬تفاعـات الحـدث جـرت في مـر‪ ،‬والظـروف عمو ًمـا هنـاك لا تسـمح بالحديـث‬ ‫والنقـاش‪ ،‬والإصغـاء لصـوت العقـل؛ فـان ذلـك على أرض أمريك ّيـة في مدنهـا وقُراهـا‬ ‫ومنتجعاتهـا ومقاهيهـا‪.‬‬ ‫‪ -‬هنـادي ابنـة تامـر أخ صابريـن‪ ،‬جـاء حـ ّل عقـدة الروايـة‪ ،‬وتفسـر الحـدث على‬ ‫يديْهــا‪ .‬مــوت أبيهــا ســاهم في حلحلــة المشــلة القائمــة‪ ،‬وكانــت هي مفتــاح مســاعدة‬ ‫ع َّمتهـا صابريـن‪ .‬لقاؤهـا بـآدم كان السـبب في لقـاء بعيـد المنـال لآدم مـع حبيبتـه الـي‬ ‫مـا برحـت خيـاله‪ ،‬وكان لقـاء ال ّسـحاب‪.‬‬ ‫‪ -‬لقــاء الأح ّبــة‪ ..‬مــوت (حــودة) بعــد محاولتــه القــذرة ثانيــة باغتصــاب صابريــن‪،‬‬ ‫ودخـول العجـوز آدم المفـاجئ؛ فأنقـذ الجميـع؛ ليـورق الحـ ُّب مـن جديـد في قلوبهـم‪،‬‬ ‫وال َّدهشــة ال َّصادمــة لهنــادي‪ ،‬ولقــاء د‪ .‬جــون‪ .‬ود‪ .‬منصــور‪ ،‬وزيارتهمــا المشــركة إلى‬ ‫صابريـن للاطمئنـان عليهـا‪ .‬كانـت آخـر فصـول روايـة (هنـا ترقـد الغاويـة)‪ .‬وأهميـة‬ ‫ال ِّروايــة كونهــا لــم تســتطرد ُخرو ًجــا عــن فكــرة الانتقــام للــ َّرف‪ ،‬وقضايــا القتــل‬ ‫تبيي ًضــا للعــرض (جرائــم الــرف)‪ .‬و ًقــ َّوة قانــون ال ُعــرف العشــائر ِّي‪.‬‬ ‫‪( -‬أخـ ًرا ركعـت هنـادي على قدم ْيهـا‪ ،‬ونظـرت إليـه قائلـة‪« :‬يُمكنـ َك تقبيـل العروس‬ ‫ً‬ ‫رأسـه‬ ‫تهـادى‬ ‫كلماتهـا‪.‬‬ ‫س ّر‬ ‫أدركـت‬ ‫خلايـاهُ‬ ‫أ ّن‬ ‫رغـم‬ ‫(آدم)‬ ‫غسـان‬ ‫يرهـا‬ ‫لـم‬ ‫الآن‪..‬‬ ‫ثقيـا‬ ‫مجلة ورق | العدد الثاني ‪ -‬نيسان ‪٢٠٢١‬م‬ ‫‪ 128‬اتحاد الكتاب والأدباء السوريين الأحرار‬

‫في حضـن قصائـد صابريـن ال ُمتد ّلـة مـن شـعرها الكسـتنائ ّي‪ ،‬فيمـا أناملهـا البيضـاء‬ ‫تُغلـق جفن ْيـه‪ ،‬بينمـا يركـ ُب قطـار المـوت)‪.‬ص‪.٢١٨‬‬ ‫نهايـة تراجيديَّـة‪ :‬عاش طيلـة حياتـه على أمـل لقـاء جديـد مـع صابريـن‪ ،‬لـم يحصـل‬ ‫الأخـرة‪.‬‬ ‫صورتهـا‬ ‫ت َ ْسـ َتملي‬ ‫بنظـرات‬ ‫أنفاسـه‪،‬‬ ‫آخـر‬ ‫خـروج‬ ‫مـع‬ ‫ال ّرمـق‬ ‫في‬ ‫ّ‬ ‫إل‬ ‫الخاتمة‪:‬‬ ‫لا شــ ّك لل ُمتابــع للأعمــال الأدب ّيــة الروائ ّيــة؛ فقــد رصــدت مزيجًــا لجوانــب الحيــاة‬ ‫السياسـ ّية والاجتماع ّيـة والاقتصاديّـة‪ .‬ونحـن بخصـوص رصـد ال ُبعـد الاجتمـاع ِّي لروايـة‬ ‫(هنـا ترقـد الغاويـة)‪ ،‬وإذا مـا أدرجناهـا في القائمـة الطويلـة للأعمـال الروائ ّيـة العرب ّيـة‬ ‫المشـهورة وخلافهـا‪ ،‬بإمكاننـا الإشـارة بيقـن تـا ٍّم إلى مصطلـح الأدب الاجتمـاع ِّي‪ ،‬الذي‬ ‫رصـد بمرآتـه الكاشـفة لل َمخـ ِّي والمسـكوت عنـه‪ ،‬تحـت دواعي العيـب والفضيحـة وكلام‬ ‫النَّــاس‪ ،‬والتقــط القــارئ رســالة هــذه الروايــة بيــر وســهولة‪ ،‬ووضــوح ال ُّرؤيــة لدى‬ ‫الـروائي (محمـد إقبـال حـرب) في التفريـق مـا بـن العـادات والتقاليد والأعـراف الشـعب ّية‪،‬‬ ‫ومـا بـن أحـام ال ِّديـن الحنيـف‪ ،‬وأظهـر بمهـارة واقتـدار الخلـط النَّاجـم عنـد كثـر‬ ‫قِ َيمـه‬ ‫ّ‬ ‫ال ُمتباعـد‬ ‫الإلـ ِّي‬ ‫وبـن‬ ‫وقوانينـه‪،‬‬ ‫الشـعب ِّي‬ ‫بـن‬ ‫والمفكريـن‬ ‫ال ُك ّتـاب‬ ‫مـن‬ ‫بكافـة‬ ‫ال َّثابتـة عـن الشـعب ّي‪ ،‬الذي يميـل في كثـر مـن جوانبـه إلى الغوغائيـة والانتقائ ّيـة‪.‬‬ ‫ع ّمان – الأرد ّن‬ ‫‪2021/2/١١‬‬ ‫اتحاد الكتاب والأدباء السوريين الأحرار ‪129‬‬ ‫مجلة ورق | العدد الثاني ‪ -‬نيسان ‪٢٠٢١‬م‬

‫ساب ًعا‬ ‫شهداء الثورة‬ ‫مجلة ورق | العدد الثاني ‪ -‬نيسان ‪٢٠٢١‬م‬ ‫‪ 130‬اتحاد الكتاب والأدباء السوريين الأحرار‬

‫الشهي ُد الأديب عبد الهادي قاشيط (‪2013 -1967‬م)‬ ‫تحرير عبد القادر حمود‬ ‫بــن الــولادةِ والمــو ِت مح َّطــا ٌت كثــر ٌة‪ ،‬وك ُّل مح َّطــ ٍة لهــا مــا لهــا وعليهــا مــا عليهــا‪،‬‬ ‫وسـتذه ُب مح َّطـا ٌت كثـر ٌة إلى ال َعـ َد ِم‪ ،‬إنَّمـا ث َّمـ َة مح َّطـا ٌت سـ ُي ْك َت ُب لهـا الخلـود‪ ،‬وفي رحلـ ِة‬ ‫الأديـ ِب ال َّشـهي ِد عبـد الهـادي قاشـيط مح َّطـا ٌت ومح َّطـا ٌت‪ ،‬ولعلَّـ ُه لـم يكـ ْن يـدري ولـم‬ ‫نكـن نحـ ُن الآخريـ َن نـدري بأنَّهـا ماضيـ ٌة في طريـ ِق الخلـود‪.‬‬ ‫ماذا عن الشهيد‪:‬‬ ‫(أكتـ ُب كي أكـو َن حيـ ُث الكتابـ ُة في دمي وكينونـي‪ ،‬فـي البـد ِء كانـ ِت الكلمـ ُة‪ ،‬أكتـب‬ ‫لأ َّن الكلمـ َة تخيـ ُف ال ُّطغـاة أكـر مـن رصاصـ ٍة‪ ،‬أكتـ ُب مـن أجـ ِل الحيـاةِ‪ ،‬الخـ ِر‪ ،‬الحـ ِّب‪،‬‬ ‫يكــو َن‬ ‫ال ِق َيــ ِم‬ ‫ك َّل‬ ‫َيــز ُن‬ ‫َّ‬ ‫كي‬ ‫أكتــ ُب‬ ‫داخلــه‪،‬‬ ‫في‬ ‫النَّبيلــ ِة‬ ‫هــذهِ‬ ‫الي‬ ‫والإنســا ِن‬ ‫الجمــا ِل‪،‬‬ ‫قالهـا‬ ‫كلمـا ٌت‬ ‫المـو ِت)‪،‬‬ ‫ِص ْنـ ُو‬ ‫وتركهـا‬ ‫الحيـاة‪...‬‬ ‫ِص ْنـ ُو‬ ‫الكتابـ َة‬ ‫لأ َّن‬ ‫أكتـ ُب‬ ‫ً‬ ‫الإنسـا ُن‬ ‫إنسـانا‪،‬‬ ‫فقـد‬ ‫فيـه‬ ‫ً‬ ‫قـا َل‬ ‫لمـا‬ ‫وف َّيـاً‬ ‫كان‬ ‫ولأنَّـ ُه‬ ‫‪2008‬م‪،‬‬ ‫عام‬ ‫في‬ ‫قاشـيط‬ ‫الهـادي‬ ‫عبـد‬ ‫الشـهي ُد‬ ‫وصادقـا‬ ‫لهـا‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وروحـه‬ ‫حياتـه‬ ‫قـ َّدم‬ ‫الذي‬ ‫الشـهيد‬ ‫عـن‬ ‫الحكايـة‬ ‫مفتـا َح‬ ‫الكلمـات‬ ‫هـذه‬ ‫أصبحـت‬ ‫ثمنـا‬ ‫إنَّـه عبـد الهـادي قاشـيط‪ ،‬حلـ ُّي ال َّسـ َك ِن والإقا ِمـة‪ ،‬إدلـ ُّي الأصـو ِل‪ ،‬إذ تعـو ُد أصـو ُل‬ ‫عائلتـه إلى مدينـة (الدانـا) القريبـة مـن معـ ِر بـاب الهـوى الحـدود ِّي مـع ترك ِّيـا‪ ،‬وهـو‬ ‫مــن مواليــد مدينــ ِة حلــب عام ‪1967‬م‪ ،‬وكانــت إقامتــه فيهــا وفي ح ِّي العزيزيــة خلــف‬ ‫ً‬ ‫المركـز الثقـافي تحديـدا‪.‬‬ ‫اتحاد الكتاب والأدباء السوريين الأحرار ‪131‬‬ ‫مجلة ورق | العدد الثاني ‪ -‬نيسان ‪٢٠٢١‬م‬

‫بكـ ٍّم‬ ‫ً‬ ‫وحما َسـ ُه‬ ‫الطـاغي‬ ‫اندفا َعـ ُه‬ ‫ال َّشـهي ِد‬ ‫الأديـ ِب‬ ‫في‬ ‫الأبـر ُز‬ ‫ال ِّسـ َم ُة‬ ‫وكانـ ِت‬ ‫مدفـوعا‬ ‫ألعــا ِب‬ ‫لبيــع‬ ‫صغــر‬ ‫متجــ ٍر‬ ‫في‬ ‫ً‬ ‫له‬ ‫اتخــذ‬ ‫لقــد‬ ‫الدؤوب‪،‬‬ ‫ال َّشــاب‬ ‫طاقــة‬ ‫مــن‬ ‫كبــ ٍر‬ ‫عمــا‬ ‫الأطفـال وبعـض الأدوات المنزليـة وبعـض الصحـف‪ ،‬وكان المتجـ ُر الذي تعـو ُد ملكيتـه‬ ‫لـوالد الشـهيد أسـفل البنـاء الذي تسـكنه العائلـة‪ ،‬ولقـد اهت َّم ال َّشـهيد بـالأدب مـن ب َّوابة‬ ‫الأدب ِّي‬ ‫بالنقـد‬ ‫المهت ّمـة‬ ‫المقـالات‬ ‫بعـض‬ ‫ونـر‬ ‫ً‬ ‫القصـرة‬ ‫والق َّصـة‬ ‫القصـرة‬ ‫الق َّصـة‬ ‫جـدا‪،‬‬ ‫والمـرح ِّي‪ ،‬قبـ َل أ ْن ينطلـ َق إلى عالـ ِم ال ّصحافـة مـن خـال بعـض ال ّصحـف الخاصـة‬ ‫الـي بـدأت تنتـر في منتصـ ِف ال َع ْقـ ِد الأ َّول مـن القـرن الحـالي‪.‬‬ ‫كان يتنــاول مواضيعــه بجــرأة تصــل إلى‬ ‫حــ ِّد التهــو ِر‪ ،‬وأظ ُّنهــا بلغتــه‪ ،‬غــر عابــئ‬ ‫بمـا يجـ ّر عليـه ذلـك مـن نتائـج‪ ،‬فقـد كان‬ ‫عـدواً للفسـاد بشـ ٍل عا ٍّم‪ ،‬ولـم يكـن في‬ ‫البــاد فســاداً يفــوق فســا َد ال ُّســلطة‪ ،‬وفي‬ ‫هــذه المســاحة بــال ّذات كان ال َّشــهي ُد قــد‬ ‫تجــاوز الخــ َّط الأحمــر‪.‬‬ ‫كتــب عــن طوابــر الخــ ِز‪ ،‬وعــن‬ ‫الفســا ِد في قطــاع الخدمــات بشــ ٍل عا ٍّم‪ ،‬الشهيد الأديب عبد الهادي قاشيط‬ ‫وكتـب عـن أشـياء كثـرة أزعجـ ْت ال ّسـلطة‪ ،‬وكأنـه يحمـل في داخلـه أمـراً يه ِّيئـه ليـو ٍم‬ ‫قـاد ٍم سـتكون فيـه ثـورة في البـاد ويكـون هـو أحـد فرسـانها ومـن ثم أحـد شـهدائها‪،‬‬ ‫ً‬ ‫وحقيقـة الأمـر لـم يكـن ذلـك باديـا عليـه لمـا امتـاز بـه مـن بسـاطة وعفويـة‪ ،‬فالجرأة‬ ‫َّ‬ ‫لديـه كانـت نابعـة عـن صـدق أكدتـه الأيـام فيمـا بعـد‪.‬‬ ‫مجلة ورق | العدد الثاني ‪ -‬نيسان ‪٢٠٢١‬م‬ ‫‪ 132‬اتحاد الكتاب والأدباء السوريين الأحرار‬

‫لقـد أصبحـ ِت ال َّثـورةُ حقيقـة‪ ،‬ورافـ َق ذلـك متغـ ِّرا ٌت كثـر ٌة في الواقـع العـا ِّم لمدينـة‬ ‫أدب ٌّي‬ ‫مشـه ٌد‬ ‫ث َّمـ َة‬ ‫كا َن‬ ‫ولكـ ْن‬ ‫ال َّثـورة‪،‬‬ ‫بركـ ِب‬ ‫الالتحـاق‬ ‫عـن‬ ‫نسـب ّياً‬ ‫تأ َّخـر ْت‬ ‫ّ‬ ‫حلـب‬ ‫الـي‬ ‫جديــ ٌد يرتســم‪ ،‬وبــد َء يطفــو على المشــه ِد مــا نســ ِّمي ِه الــولا ُء لل َّثــورة‪ ،‬ولكــ َّن الأمــو َر‬ ‫كانـ ْت تسـ ُر بحَـ َذ ٍر‪ ،‬فـا يُمكـ ُن الإفصـا ُح عـن ذلـك والبـ ُد على مـا هي عليـه‪ ،‬إنَّمـا‬ ‫كا َن للأديــ ِب ال َّشــهي ِد رأ ٌي آخــر‪ ،‬فقــد ســار َع بإعــا ِن نف ِســ ِه ُمنــاصراً لثــورة الح ِّريَّــ ِة‬ ‫والكرامــ ِة غــر عابــئ بمــا يجــ ُّر ذلــك مــن تَبِعــا ٍت‪ ،‬وذلــك برغــم إقامتِــ ِه وعملِــ ِه في‬ ‫منطقـ ٍة بق َيـ ْت تحـت سـيطرة ال ّنظـام عندمـا تحـ َّرر ْت أكـ ُر أجـزاء المدينـة‪ ،‬ولـم تنفـ ْع‬ ‫عــن‬ ‫الحديــث‬ ‫على‬ ‫حــ ّى‬ ‫ُمــ ِ ّراً‬ ‫كا َن‬ ‫فقــد‬ ‫اندفاعــه‬ ‫مــن‬ ‫لل َّتهدئــ ِة‬ ‫المحــاولا ِت‬ ‫ُّ‬ ‫معــه‬ ‫كل‬ ‫ال َّثـورة ووصـ ِف جـ َّزا ِر سـوريا الأكـر وشـ ّبِ ْي َحتِ ِه بأقـذ ِر ال ِّصفـا ِت‪ ،‬وذلـ َك بصـو ٍت قـو ٍّي‬ ‫ً‬ ‫بمظاهـر ٍة‬ ‫يقـوم‬ ‫بالفعـل‬ ‫وكأنـه‬ ‫متجـره‪،‬‬ ‫عـن‬ ‫نسـبيا‬ ‫بعيـد ٍة‬ ‫مسـاف ٍة‬ ‫مـن‬ ‫ربمـا‬ ‫مسـمو ٍع‬ ‫وحـ َده‪ ،‬وكان لا يتو َّقـ ُف عـن كلا ِمـ ِه و َع ْر ِضـ ِه لمـا يتحـ َّد ُث بـه حـى وإن دخـل (زبـون)‬ ‫م ـا‪.‬‬ ‫أمـ ٍر‬ ‫ـن‬ ‫ع‬ ‫ال ُّسـؤال‬ ‫أو‬ ‫التسـ ُّوق‬ ‫ـ ِل‬ ‫أج‬ ‫م ـن‬ ‫ـ ِر‬ ‫المتج‬ ‫إلى‬ ‫هو ّيَتـ ُه‬ ‫ُ‬ ‫َن ْع‬ ‫لا‬ ‫ـار ٌئ‬ ‫ط‬ ‫ـ ِرف‬ ‫قصة استشهاده‪:‬‬ ‫العــام‬ ‫أواخــر‬ ‫في‬ ‫اعتقــ ُل‬ ‫الهــادي‬ ‫عبــد‬ ‫ال َّشــهي َد‬ ‫إ َّن‬ ‫تقــول‬ ‫ِّ‬ ‫المعلومــات‬ ‫إ َّن‬ ‫المتوفــرة‬ ‫‪2012‬م أو أوائـل العـام ‪2013‬م على الأغلـب‪ ،‬وفُ ِقـ َد ْت آثـاره حـ َّى أعلنـ ْت إحـدى المح ّطـات‬ ‫التلفزيونيـة (حلـب اليـوم) نبـأ استشـها ِدهِ تحـ َت التَّعذيـ ِب في أقبيـ ِة فـر ِع الأمـ ِن الجـو ِّي‬ ‫بحلـب‪ ،‬ومـن ثـم ورد خـر استشـهاده في مواقـع عديـدة وقـد حـ َّددت تاريـخ استشـهاده‬ ‫قوائـ ِم‬ ‫في‬ ‫ً‬ ‫اسـمه‬ ‫ورد‬ ‫وقـد‬ ‫تحديـداً‪،‬‬ ‫العـاشر‬ ‫الشـهر‬ ‫وفي‬ ‫‪2013‬م‪،‬‬ ‫العـام‬ ‫أواخـر‬ ‫في‬ ‫ً‬ ‫أيضـا‬ ‫غالبـا‬ ‫المـو ِت في سـجو ِن النِّظـام في عام ‪2018‬م‪.‬‬ ‫اتحاد الكتاب والأدباء السوريين الأحرار ‪133‬‬ ‫مجلة ورق | العدد الثاني ‪ -‬نيسان ‪٢٠٢١‬م‬

‫نبذة أدبية عن الشهيد‪:‬‬ ‫كمـا أسـلفنا فقـد اهتـ َّم الشـهي ُد عبـد الهـادي قاشـيط بفـ ّن الق َّصـ ِة بشـ ٍل خـا ٍّص‪،‬‬ ‫فكتـ َب الق َّصـ َة القصـرة والق َّصـ َة القصـر َة جـ ّداً (ق‪ .‬ق‪ .‬ج)‪ ،‬وقـد شـار َك في العديـ ِد مـن‬ ‫الأمســيا ِت والمهرجانــا ِت والملتقيــا ِت الأدب ّيــ ِة‪ ،‬وبخا َّصــ ٍة في ملتقيــا ِت الق َّصــ ِة القصــرةِ‬ ‫جــ ّداً الــي اســتضاف ْت منهــا مدينــ ُة حلــب ر َّبمــا ثمانيــة ملتقيــات‪ ،‬وقــد صــدر ْت له‬ ‫مجموعــ ٌة قصص َّيــ ٌة واحــد ٌة بعنــوان (تداعيــات في حــرة ال َّضمــر)‪ ،‬صــدر ْت عــن دار‬ ‫المقدســ َّية للطباعــ ِة وال ّنــ ِر والتَّوزيــع في ســورية في عام ‪2002‬م‪ ،‬كمــا كان له عــدد مــن‬ ‫المشـاركات في بعـض أجـزاء سلسـلة (قطـوف قلـ ٍم جـر ْي) في (ق‪ .‬ق‪ .‬ج) والـي صـدر ْت‬ ‫عـن دار الثريـا بحلـب مواكبـ ًة للملتقيـات الخا َّصـة بذلـك الفـ ّن‪ ،‬هـذا وكان قـد نـا َل‬ ‫الجائـز َة الأولى لاتحــاد الكتـاب العـرب عــن ق َّصتــه (رســالة إلى ال َّسـيد المديـر العـام)‬ ‫وذلــك عام ‪1998‬م‪.‬‬ ‫يقــو ُل القــا ُّص (عبــد الهــادي قاشــيط) عــن مجموعتِــ ِه القصص َّيــ ِة (تداعيــات في‬ ‫حــرة الضمــر)‪:‬‬ ‫ً‬ ‫شـكلاً‬ ‫المجموعـة‬ ‫عن‬ ‫ال ِّرضـا‬ ‫ك َّل‬ ‫ً‬ ‫أكـ ْن‬ ‫لـم‬ ‫الحقيقـة‬ ‫في‬ ‫ومضمونا‪،‬‬ ‫راضيـا‬ ‫وهــذا مــا دفعــي إلى التر ّيُــ ِث بإصــدا ِر مجمــوعا ٍت أخــرى‪ ،‬بالإضافــ ِة إلى‬ ‫ظـرو ِف الحيـاةِ القاسـي ِة وخاصـ ًة الماديَّـ ِة الـي تقـف حجـ َر عـر ٍة في وجـ ٍه‬ ‫المبـدع أو على الأقـ ِّل تحـ ُّد مـن نشـاطه‪.‬‬ ‫مجلة ورق | العدد الثاني ‪ -‬نيسان ‪٢٠٢١‬م‬ ‫‪ 134‬اتحاد الكتاب والأدباء السوريين الأحرار‬

‫وعن مواصفا ِت الق َّص ِة الناجح ِة يقول‪:‬‬ ‫مـن حيـث الفـ ّن القصـ ّي أرى بـأ َّن مقومـا ِت النَّجـا ِح معروفـ ٌة أه ُّمها‬ ‫التَّشـوي ُق والإثـارةُ والمفاجـأ ُة والاختصـا ُر والتَّصعيـ ُد والإدهـا ُش‪ ،‬ولكـ ْن‬ ‫مـن حيـث المضمـون أجـ ُد بـأ َّن النَّجـا َح والفشـ َل لفظـان نسـب َّيان لا يُفه ُم‬ ‫أحدهمــا إلا بالنســبة للآخــر‪ ،‬بمعــى أنَّهمــا لا يحتمــان الإطــاق‪ ،‬فــا‬ ‫فشـ ٌل مطلـ ٌق ولا نجـا ٌح مطلـ ٌق‪ ،‬فالقـا ُّص الذي يفشـ ُل نسـب ّياً في الحـوار‬ ‫عا َّمـ ٌة‬ ‫خطـو ٌط‬ ‫ث َّمـة‬ ‫العمـوم‬ ‫وعلى‬ ‫الـ َّرد‪،‬‬ ‫أو‬ ‫الفكـرة‬ ‫في‬ ‫ً‬ ‫ينجـ ُح‬ ‫ـد‬ ‫ق‬ ‫نسـبيا‬ ‫أساسـ َّي ٌة يجـ ُب أ ْن ترتكـ َز عليهـا الق َّصـ ُة لتكـو َن أقـر َب لل َّنجـاح‪ ،‬وهي أن‬ ‫تعـ ِّ َر عـن ضمـر الأ َّمـة والكاتـب‪ ،‬وتنتـي إلى بيئـ ِة الكاتـب‪ ،‬وتبتعـ َد مـا‬ ‫أمكـ َن عـن ال ِّشـعارات الجوفـاء‪ ،‬وأن يـأت َي الكاتـ ُب بمـا لـم يـأ ِت أو مـا لـم‬ ‫يجـر ْؤ أبنـاء جيلـه على الإتيـان بـه‪.‬‬ ‫بع ُض ما قِ ْي َل و ُكتِ َب عن ال َّشهيد‪:‬‬ ‫يقــو ُل الأديــ ُب ال ُّســور ُّي المعــروف نجــ ُم ال ِّديــن ال َّســمان بحســ ِب مــا َو َر َد في موقــ ِع‬ ‫العـرب ِّي الجديـ ِد متح ِّدثـاً عـن الشـهيد عبـد الهـادي قاشـيط الذي كان على معرفـ ٍة ج ِّيد ٍة‬ ‫بـه‪( :‬كان شـابّاً طيبـاً وذا ثقافـ ٍة‪ ،‬بـى ن ْف َسـ ُه مـن لا شي َء تقريبـاً‪ ،‬كان يعمـ ُل بـد َّك ٍن تعو ُد‬ ‫ملك َّي ُتــ ُه لــوالده َح ْســ َب مــا أذكــ ُر ويعيــ ُش منــه‪ ،‬وانطلــ َق بمحــاولا ِت الكتابــ ِة ُهنــا‬ ‫و ُهنـاك‪ ،‬وصراحـ ًة لـم نكـ ْن نتو َّقـ ُع ِم ْنـ ُه هـذا الموقـ َف الجـري َء والحمـاس َّي في ال َّثـورةِ‬ ‫ضــ َّد النَّظــام‪ ،‬وكا َن لموق ِفــ ِه هــذا ثمــ ٌن كبــ ٌر دف َعــ ُه رحمــ ُه الله)‪ ،‬ويتابــ ُع الأديــ ُب نجــم‬ ‫ال ِّديـن ال َّسـمان قائـاً‪( :‬هكـذا موقـف مـن هـذا ال َّشـخص بمدينـ ِة حلـ َب المنقسـم ِة على‬ ‫اتحاد الكتاب والأدباء السوريين الأحرار ‪135‬‬ ‫مجلة ورق | العدد الثاني ‪ -‬نيسان ‪٢٠٢١‬م‬

‫نف ِسـها لـم يكـ ْن سـهلاً‪ ،‬وهـو انحـا َز للفقـرا ِء والمه َّمشـن فيهـا ليقـو َل كلمتـه‪ ،‬وأعلـ َن‬ ‫موق َفـ ُه ضـ َّد ال ُّسـلطة عندمـا كان أغلـ ُب النـاس يخونـون مواقفهـم‪ ،‬لأسـبا ٍب متعـ ِّد َد ٍة‬ ‫منهـا الخـوف)‪.‬‬ ‫وكتــ َب القــا ُّص خليــل العجيــي على صفحتِــ ِه في فيســبوك متح ِّدثــاً عــن ال َّشــهي ِد‬ ‫ومجموعتِـ ِه ال َقصص َّيـ ِة‪( :‬تداعيـات في حـرة ال َّضمـر)‪( :‬المجموعـ ُة القصص َّيـ ُة اليتيمـ ُة‬ ‫للقـا ِّص عبدالهـادي قاشـيط ‪/‬أبـو حسـام‪، /‬رحمـه الله شـهي ِد الكلمـ ِة الحـ َّرة‪ ،‬ال ُّصحـ ِّي‬ ‫ال ُّشــجا ِع الجــري ِء‪ ،‬العفــو ِّي‪ ،‬البســي ِط‪ ،‬الفقــ ِر‪ ،‬المكافــح‪ ،‬كان يكتــ ُب عــن رغيــ ِف‬ ‫الخـ ِز‪ ،‬يكتـ ُب عـن البسـطاءِ‪ ،‬كان يفضـ ُح ال َفسـا َد قبـ َل وأثنـا َء ال َّربيـع‪ ،‬قـى في أقبيـ ِة‬ ‫المخابــرا ِت الجو ِّيــ ِة في حلــب‪ ،‬عبدالهــادي لــم يحمــ ِل ال ِّســا َح لك َّنــه كان يحمــ ُل منــ ُذ‬ ‫زمـ ٍن مـا هـو أخطـ ُر مـن ال َّرصاصـ ِة على النِّظـام‪ ،‬صديـي ورفيـي وزميـي في الق َّصـ ِة‬ ‫عبدالهــادي قاشــيط شــهيداً للكلمــ ِة ال ُحــ َّرةِ رحمــ َك الله وأســكن َك في رحــا ِب ج َّنتِــه)‪..‬‬ ‫وعلى صفحتــه في الفيســبوك كتــب الأديــب عبــد الغــي ح ّمــادة‪( :‬الرحمــ ُة لشــهي ِد‬ ‫الكلمـ ِة ال ُحـ َّرةِ الأديـ ِب القـا ِّص عبـد الهـادي قاشـيط الذي استشـه َد تحـ َت التَّعذيـ ِب في‬ ‫المخابـرا ِت الج ِّو َّيـة بحلـب‪ ،‬كان ال َّشـهي ُد مـن أصدقـائي وقـد شـاركنا في أمسـيا ٍت أدب َّيـ ٍة‬ ‫في المراكـز الثقاف َّيـ ِة بحلـ َب وخاصـة بملتـى حلـ َب ال َّسـنو ّي للق َّصـ ِة القصـرةِ جـ ّداً الذي‬ ‫كانـت تُديـ ُر ُه لجنـ ٌة مـن الأدبـاء برئاسـ ِة الدكتـور محمـد جمـال ط ّحـان‪.‬‬ ‫اشـته َر الأديـ ُب بكتابـ ِة المقالـ ِة والتحقيقـا ِت ال ّصحف ّيـ ِة الميدان ّيـة والق َّصـ َة القصـرةِ‬ ‫وق‪ .‬ق‪ .‬ج‪ ،‬ويُ ْعـ َر ُف عنـه أنَّـ ُه ِمـ َن المشـاغبي َن ِم ْنـ ُذ أن امتهـ َن العمـ َل الصحـ َّي الريـاض َّي‬ ‫أولاً ثـ َّم الكتابـ َة الأدب َّيـ َة‪ ،‬ر ِحـ َم الل ُه شـهي َد الكلمـ َة الحـ َّرةِ عبـد الهـادي قاشـيط وال َّصـ ُر‬ ‫وال ُّسـلوا ُن لذويـه)‪.‬‬ ‫مجلة ورق | العدد الثاني ‪ -‬نيسان ‪٢٠٢١‬م‬ ‫‪ 136‬اتحاد الكتاب والأدباء السوريين الأحرار‬

‫اتحاد الكتاب والأدباء السوريين الأحرار ‪137‬‬ ‫مجلة ورق | العدد الثاني ‪ -‬نيسان ‪٢٠٢١‬م‬

‫ثام ًنا‬ ‫أقلام واعدة‬ ‫مجلة ورق | العدد الثاني ‪ -‬نيسان ‪٢٠٢١‬م‬ ‫‪ 138‬اتحاد الكتاب والأدباء السوريين الأحرار‬

‫انتماء‬ ‫بقلم‪ :‬جنى الغانم‬ ‫ورد في المعجـ ِم العـرب ِّي تعريـف الانتمـا ُء بأنـه (علاقـ ٌة منطق َّيـ ٌة بـ َن الفـرد والصنـف‬ ‫الذي يدخـ ُل في مـا ص َّدقـه)‬ ‫أ ْن تنتـي هـو أ ْن ترتـا َح‪ ،‬تنغمـ َس في كـورا ٍل مـن الانسـجا ِم ال ُم ْطلَـ ِق بـا حـدو ٍد‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫أم‬ ‫لحــز ٍب‬ ‫أهــو‬ ‫الانتمــاء‪،‬‬ ‫عــن‬ ‫تعــرف‬ ‫مــاذا‬ ‫الضالــ ِة‪،‬‬ ‫نفســ ِك‬ ‫إلى‬ ‫انظــ ْر‬ ‫معوقــا ٍت‪،‬‬ ‫ولا‬ ‫لحاكــ ٍم أم‪....‬؟‪.‬‬ ‫تتخب ُط في صرا ٍع داخل ٍّي مب َّج ٍل‪ ،‬لا هرو َب من واق ِع ِه ال َّشنيع‪...‬‬ ‫(ح ُّظ َك ناك ٌص يا خالتي)‪ ،‬لا انتما َء لك!‬ ‫شـتا ُت فكـ ِر َك يـكاد ُي ْغـ ِر ُق روحـ َك في غيبوبـ ٍة ثقيلـ ٍة‪ ،‬لعلَّـ َك إ ْن علقـ َت في جـو ِف‬ ‫د َّوا َمتِهـا وجـد َت نف َسـ َك ولـو قليـاً‪...‬‬ ‫تُ ْص َنــ ْع‬ ‫لــم‬ ‫شــوارع‬ ‫في‬ ‫تمــي‬ ‫لــ َك‪،‬‬ ‫تُ ْك َتــ ْب‬ ‫لــم‬ ‫وتواقيــ َع‬ ‫بحــرو ٍف‬ ‫ً‬ ‫تحمــ ُل‬ ‫أوراقــا‬ ‫لخطواتــك‪ ،‬تجلــ ُس على مقاعــد لا تتح َّمــ ُل وزنــك‪...‬‬ ‫جـز ٌء مـن وجدانـك ُيَلِّـ ُق بعيـداً عـن هنـا‪ ،‬في مـر ِج زيتـو ٍن ينتظـ ُر أيـادي غائبـ ًة كي‬ ‫تخ ِط َفـ ُه بعيـداً عـن غ ْصنِـ ِه‪ ،‬ومـن ثـ َّم إلى ريـم وجهـك‪ ،...‬جـ َّف كيانُـ ُه وتقـ َّو َس ظهـ ُر ُه‬ ‫مـن طـو ِل الانتظـار‪ ،‬حـ َّى ال َّصـر نفسـ ُه تخـ َّى عنـه لأنَّـ ُه َض ِجـر‪...‬‬ ‫اتحاد الكتاب والأدباء السوريين الأحرار ‪139‬‬ ‫مجلة ورق | العدد الثاني ‪ -‬نيسان ‪٢٠٢١‬م‬

‫أنـ َت مثـ ُل قطعـ ٍة مـن قطـ ِع الأحـاجي‪ ،‬تنـا ُم في مكانِهـا المعهـود‪ ،‬وأنـ َت تبقي تسـتجدي‬ ‫على أطــراف ال ُّصندوق‪...‬‬ ‫وهمسـا َت‬ ‫روتينـ َك‬ ‫سـطح َّي َة‬ ‫أ َّن‬ ‫تظـ ُّن‬ ‫ً‬ ‫الأبلـه؟‪،‬‬ ‫دما ِغـ َك‬ ‫خـداع‬ ‫على‬ ‫تـ ُّر‬ ‫لمـاذا‬ ‫أحقـا‬ ‫دنيـا َك مـن ال ُمفـر ِض أ ْن تُنسـي َك أنَّـك ليـ َس مر َّحبـاً بـ ِك هنـا ولا هنـاك‪...‬‬ ‫حـ ّى وإ ْن فتحـ َت أبـوا َب ال َّسـما ِء لتنتـي غربـ َة ال ِّسـنين‪َ ،‬شـ ُّم الفـرا ِق قـد قـا َم بالفت ِك‬ ‫بخلايـا جسـ ِد َك‪ ،‬امـز َج الحـاض ُر بالمـاضي البعيـ ِد ليصنـ َع أعجوبـ ًة‪ ...‬لا تعـر ُف الانتماء‪.‬‬ ‫مجلة ورق | العدد الثاني ‪ -‬نيسان ‪٢٠٢١‬م‬ ‫‪ 140‬اتحاد الكتاب والأدباء السوريين الأحرار‬

‫مأساة سعيد‬ ‫بقلم محمد رمضان‬ ‫ســعيد هنــاك‪ ،‬على تلــك الشرفــة في الدار القديمــة‪ ،‬بــن طــراوة أمســيات الصيــف‬ ‫العذبــة‪ ،‬نســما ٌت حــار ٌة تداعــب خصــات شــعره برفــق‪ ،‬أشــجا ُر الزيتــون مــن حــوله‬ ‫ّ‬ ‫تظللـه إنـه المسـاء الذي تملـؤه العاصفـة في قلـب الصيـف‪ ،‬يجلـس وتحوطـه بحفيـف‬ ‫وريقاتهــا الرقيــق‪ .‬كمناديــل الــوداع البيــض‪ ،‬تســافر الغيــوم وتمــي بهــا الريــ ُح نحــو‬ ‫فضـا ٍء بعيـ ٍد‪.‬‬ ‫ســعي ٌد مطــر ٌق في تلــك الأمســية‪ ،‬يُلــي بشــباك خواطــره إلى الطبيعــة المضطربــ ِة‪،‬‬ ‫يتسـاء ُل في سره منتظـراً هـدوء الليـل‪« :‬مـاذا نسـي العواصـف حـن تنتـي؟»‪ .‬يباغتـه‬ ‫شـعور بـأن يـأوي إلى الحلـم‪ ،‬لعلّـه يجـد إجابـة‪ ،‬وينعـم بالسـام‪.‬‬ ‫يعـاني‬ ‫وكان‬ ‫نـادراً‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫يتكلـم‬ ‫ولا‬ ‫كثـراً‪،‬‬ ‫الحقـو َل‬ ‫يجـو ُل‬ ‫والسـكين ِة‪،‬‬ ‫العزلـ ِة‬ ‫إلى‬ ‫يميـ ُل‬ ‫كان‬ ‫إل‬ ‫مـن ال ُّعـرات أو متلازمـة توريـت (كمـا ندعوهـا اليـوم) ولـم تصـل قريتـه المتواضعـة إلى‬ ‫هـذه المرحلـة مـن العلـم للتعامـل مـع هـذا المـرض‪ ،‬اعتبرتـه والدتـه ككل سـان القريـة‬ ‫وصـوله‬ ‫وعنـد‬ ‫الخامسـة‪،‬‬ ‫سـن‬ ‫حـى‬ ‫النطـق‬ ‫في‬ ‫تأخـ َر‬ ‫أنـه‬ ‫خاصـ ًة‬ ‫العقـل‪،‬‬ ‫وضعيـ َف‬ ‫ً‬ ‫مريضـا‬ ‫إلى المرحلـة الثانويـة‪ ،‬مرحلـة الشـباب الغـارق في الخيـال والمـ ّرات والحائـم قـرب السـحاب‬ ‫بالآمـال والأمـاني‪ ،‬متناسـن واقعهـم‪ ،‬تبـددت هـذه الشـكوك لأن سـعيداً أظهـر كفـاء ًة في‬ ‫بنظرهم‪،‬‬ ‫ً‬ ‫يعـد‬ ‫فلم‬ ‫القريـة‪،‬‬ ‫أهـل‬ ‫فاجـأ‬ ‫وهـذا‬ ‫بنهـ ٍم‪،‬‬ ‫العلـم‬ ‫على‬ ‫ُمقبـاً‬ ‫وكان‬ ‫دراسـته‪،‬‬ ‫مريضـا‬ ‫و أصبـح الشـاب الوديـع متوقـ َد الذكاء‪ ،‬رغـم التشـنجات العصبيـة الـي تحصـل معـه‪.‬‬ ‫اتحاد الكتاب والأدباء السوريين الأحرار ‪141‬‬ ‫مجلة ورق | العدد الثاني ‪ -‬نيسان ‪٢٠٢١‬م‬

‫كانوا يسألونه لم تحر ْك وجهك بهذه الطريقة؟‬ ‫و تعـرض للتنمـر عـدة مـرات‪ ،‬في البدء كان سـعيد يتألـم من كلام زملائـه‪ ،‬ويتمكن‬ ‫الشـجن بقلبـه الصغـر‪ ،‬فيعـو ُد بعـد المدرسـ ِة إلى الحقـ ِل قـرب مـزله‪ ،‬وينتحـ ُب تحـت‬ ‫ظـ ِّل شـجرةِ البرتقـال إلى أن يحـ َل المسـا ُء‪ ،‬فتواسـيه الفراشـا ُت والزهـو ُر‪ ،‬وتصـد ُح مـن‬ ‫أجلـه أورا ُق الأشـجارِ وت ّكـر جـر َة حزنـ ِه الريـ ُح العاصفـ ُة‪ ،‬عندهـا فقـط يرجـ ُع إلى‬ ‫ُ‬ ‫البيـت بقلـ ٍب مـي ٍء بنغمـات الحـزن‪ ،‬وعينـان أنهكهمـا طـوف الدمـ ِع‪.‬‬ ‫عليـه‪،‬‬ ‫تؤثّـ َر‬ ‫ولـن‬ ‫طبيعتـه‪،‬‬ ‫مـن‬ ‫ً‬ ‫تغـ َر‬ ‫لـن‬ ‫المضايقـات‬ ‫هـذه‬ ‫أن‬ ‫مؤخـراً‬ ‫أدر َك‬ ‫شـيئا‬ ‫فأصبـح يتجاهلهـا‪ ،‬ولـم يعـ ْد يكـرث بهـا‪.‬‬ ‫وطالمــا حلــ َم بالذهــا َب إلى المدينــ ِة الكبــرةِ‪ ،‬حيــث التطــور‪ ،‬وناطحــات الســحاب‪،‬‬ ‫والطعــام السريــع‪ ،‬ودور الســينما والمكتبــات‪ ،‬والبحــر الذي تمــى طيلــة حياتــه أن‬ ‫يـزوره ‪ ،‬لـم يسـتط ْع أن يتخيـل كيـف أن البحـر بأحرفـه الثلاثـة يمكنـه أن يحضـن كل‬ ‫هـذا المـاء فيـه‪ ،‬هـذا البحـر سـما ٌء ثانيـة‪ ،‬تسـبح فيـه الأسـماك‪ ،‬و يعانـق موجـه الأفـ َق‬ ‫ويمـزج مـع السـماء‪ ،‬لازورد ٌّي كفراشـ ٍة الغـروب ‪ ،‬عميـ ٌق‪ ،‬غامـ ٌض‪ ،‬يحفـظ بداخلـه‬ ‫أسرار الكــون‪.‬‬ ‫وفي مطلـع فجـر يـو ٍم مـن أيـام أيلـول‪ ،‬اتجـه نحـو المطبـخ المطـل بشـباكه على الحديقة‪،‬‬ ‫حيـث عرائـش العنـب والفراولـة وبعـض زهـور البنفسـج‪ ،‬رأى والدتـه هنـاك تـروي‬ ‫نباتـات الغاردينيـا بأكـر حنـا ٍن يمكنـك أن تتخيلـه‪ ،‬حـى الغاردينيـا استسـلم ْت لـل‬ ‫هـذه الرقـة‪.‬‬ ‫‪ -‬أمي هل صحيح أن رغباتنا يجب أن تروى بالندى؟‬ ‫مجلة ورق | العدد الثاني ‪ -‬نيسان ‪٢٠٢١‬م‬ ‫‪ 142‬اتحاد الكتاب والأدباء السوريين الأحرار‬

‫‪ -‬بلى وإلا لذبلنا مثل هذه الأزهار‪ ،‬نحن نحتاج لمن يهتم بنا‪ ،‬لكن أخبرني هل تنوي تركنا؟‬ ‫كانت تعرف ما يجول بخاطره‪.‬‬ ‫‪ -‬كل الذيـن يدرسـون يذهبـون إلى الجامعـة في النهايـة‪ ،‬لذا يجـب أن أرحـل‪ ،‬ثـم شـعر‬ ‫بالخجـل مـن أمـه وأردف ‪:‬‬ ‫أعدك بأن أجلب معي ورود د ّوار الشمس التي تعجبك في كل زيارة ‪.‬‬ ‫في خيبة أم ٍل تأملت ُه ‪ ،‬ثم تنهد ْت‪ ،‬وأردفت أخبرني في أي فرع من الجامعة سوف تسجل ؟‬ ‫‪ -‬في علـم الفلـك‪ ،‬أريـد أن أدرس النجـوم والكواكـب‪ ،‬فهنـاك تكمـن أحلامنـا وإلى‬ ‫هنـاك تحلـق أمانينـا‪.‬‬ ‫ً‬ ‫‪ -‬حسنا ألن تودع خالك؟‬ ‫بالطبع! في نهاية هذا الشهر‪ ،‬سأذهب إليه ومن ثم أتوجه إلى المدينة‪.‬‬ ‫ارتسـ َم شـب ُح ابتسـام ٍة على وجههـا وهي تنظـر إليـه‪ ،‬وهي تقـول في نفسـها‪ :‬لقـد كبر َت‬ ‫بسرعـة يـا سـعيد ‪ ،‬سـتذهب بعيـداً عـي‪ ،‬وكيـف يُعـ ُد طعامـه بنفسـ ِه‪ ،‬يغسـ ُل ملابسـ ُه‬ ‫ً‬ ‫جاهـ ٌز‬ ‫هـو‬ ‫هـل‬ ‫بنفسـه‪،‬‬ ‫مـزله‬ ‫ينظـ ُف‬ ‫بنفسـه‪،‬‬ ‫حقا؟‬ ‫كي‬ ‫دموعـه‪،‬‬ ‫إخفـاء‬ ‫محـاولاً‬ ‫عائلتـه‬ ‫سـعي ٌد‬ ‫و ّدع‬ ‫الانتظـار‪،‬‬ ‫هـو‬ ‫آخـراً‬ ‫ً‬ ‫يحمـ ُل‬ ‫ألـ ٌم‬ ‫الـودا ُع‬ ‫ألمـا‬ ‫تكبـ َت‬ ‫أن‬ ‫والدتـه‬ ‫تسـتط ْع‬ ‫لـم‬ ‫الآخـر‪،‬‬ ‫الطـرف‬ ‫على‬ ‫أمـا‬ ‫تماسـكه‪.،‬‬ ‫ويثّبـ َت‬ ‫ً‬ ‫يبـدو‬ ‫لا‬ ‫ضعيفـا‪،‬‬ ‫دموعهـا‪ ،‬واشـت َد نحيبهـا‪ ،‬وأجهشـت بالبـاء‪ .‬وكذلـك والده الذي غلبتـه دمعـة أو اثنتـن‪.‬‬ ‫ً‬ ‫مـى متجهـا نحـو قريـة خـاله‪ ،‬وهـو يفكـر بالمدينـ ِة وبالمسـتقب ِل الذي ينتظـره‪ ،‬كان‬ ‫خـاله مـن أعـ ِز أقربائـه عليـه‪ ،‬لطالمـا جلـ َب له الهدايـا عندمـا كان صغـراً‪ ،‬واصطحبـه‬ ‫اتحاد الكتاب والأدباء السوريين الأحرار ‪143‬‬ ‫مجلة ورق | العدد الثاني ‪ -‬نيسان ‪٢٠٢١‬م‬

‫ّ‬ ‫في نزهـا ٍت إلى حقـول القمـ ِح و السـناب ِل‪ ،‬وعلمـه الأحـرف لأنـه كان المتعلـم الوحيـد في‬ ‫العائلـة‪ ،‬كان يقطـ ُن في قريـ ٍة بعيـد ٍة عـن قريتهـم‪ ،‬عندمـا وصـل إلى قريـ ِة خـالهِ‪ ،‬بعـد‬ ‫جهـد جهيـد ‪،‬لـم يجـده‪ ،‬أخـره أهـل القريـة أنـه ذهـب إلى المدينـة‪ ،‬وربمـا يعـود بعـد‬ ‫يــوم أو يومــن‪ ،‬قــرر أن ينتظــر في مــزل خــاله إلى حــن يرجــع‪ ،‬اســتلقى على السريــر‬ ‫المهـرئ‪ ،‬وغلبـه النـوم مـن شـدة الإرهـاق‪ ،‬وكانـت ليلـ ٌة مـن دون أحـام‪.‬‬ ‫قبـل بـزوغ الشـمس بفـرة وجـزة اسـتيقظ ‪ ،‬جلـس على طـر ِف الفـراش متأمـاً‬ ‫ضــوء ال َّســ َحر المندلــ ِع مــن النافــذة الصغــرة‪ ،‬فــر َك عينيــه وأحــ ّس بألــم طفيــف في‬ ‫ـذة‬ ‫الناف‬ ‫ـو‬ ‫نح‬ ‫ـه‬ ‫اتج‬ ‫ـرا ُه‪،‬‬ ‫اع‬ ‫ـ ٌم‬ ‫مبه‬ ‫ـعو ٌر‬ ‫ش‬ ‫خ ـاله‪،‬‬ ‫ـيء‬ ‫م‬ ‫ـر‬ ‫يتنظ‬ ‫ـه‬ ‫أن‬ ‫ـر‬ ‫ّ‬ ‫ـم‬ ‫ث‬ ‫رجلي ـه‪،‬‬ ‫تذك‬ ‫المطلـة على الشـارع والحقـول المحيطـة بـه كانـت مـن بـن أشـجار الصنوبـر القاتمـة‬ ‫تتـرب الريـاح‪ ،‬كل شي ٍء يـوحي بأنـه يـوم عادي‪ ،‬لـم يقـر ْر سـعيد بعـد مـاذا سـيفعل‪،‬‬ ‫وبينمـا هـو هكـذا ‪ ،‬دوى صـوت انفجـا ٍر شـدي ٍد هـ َز أرجـا َء القريـ ِة‪ ،‬تلتـه صيحـا ٌت مـن‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫انفجـاراً‬ ‫سـم َع‬ ‫يلبـ ْث‬ ‫الرجـا ُل‬ ‫وضجـ ٌة‬ ‫ثـم‬ ‫وثالثـا‪،‬‬ ‫ثانيـا‪،‬‬ ‫أن‬ ‫لـم‬ ‫والنسـا ُء‪.‬‬ ‫أحدثهـا‬ ‫الأولاد‪،‬‬ ‫خـرج‬ ‫ـ ِب‪.‬‬ ‫والرع‬ ‫ـ ِة‬ ‫الرهب‬ ‫ـر ِط‬ ‫ف‬ ‫مـن‬ ‫يرتجـ ُف‬ ‫ـدأ‬ ‫وب‬ ‫أذنيـ ِه‪،‬‬ ‫في‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ـمع‬ ‫يس‬ ‫يعـد‬ ‫لـم‬ ‫طنينـا‬ ‫إل‬ ‫مـن البيـت بجنـو ٍن‪ ،‬فأصابتـه الرجفـة مـن هـول المشـهد‪ ،‬د ٌم يُغـر ُق الطرقـات‪ ،‬أنـا ٌس‬ ‫يصيحـون ويهرعـون إلى أبنائهـم أو بيوتهـم أو أي مـا ٍن آمـ ٍن‪ ،‬فجـو ٌة هائلـ ٌة في الأر ِض‪،‬‬ ‫بقربهـا مـا يشـبه الأشـاء‪ ،‬هـ ّم سـعيد بالركـ ِض لسـبب مجهـو ٍل‪ ،‬ربمـا غريـز ُة البقـا ِء‪،‬‬ ‫دفعتـه ولا يعـرف إلى أيـن يذهـب‪ ،‬كان يرتعـ ُد ويتعرقـ ُل في كل خطـوة‪« ،‬هـل أحلـم؟»‬ ‫لا وقت للسؤا ِل الآن! يجب أن أجد مكاناً يأويني‪.‬‬ ‫شــظي ٌة‬ ‫اندفعــت‬ ‫ســعيد‪،‬‬ ‫مــن‬ ‫ً‬ ‫المــرة‬ ‫هــذه‬ ‫كان‬ ‫بأكملهــا‪،‬‬ ‫القريــة‬ ‫خــ ّض‬ ‫رابــ ٌع‬ ‫دو ٌي‬ ‫قريبــا‬ ‫وأصابـ ْت ذراعـ ُه فتلـ ّوى ألمـاً وكاد أ ّن يسـق َط‪ ،‬لكنـه أكمـل طريقـه بمشـق ٍة جاهـاً أيـن يذهب‪.‬‬ ‫مجلة ورق | العدد الثاني ‪ -‬نيسان ‪٢٠٢١‬م‬ ‫‪ 144‬اتحاد الكتاب والأدباء السوريين الأحرار‬

‫أن‬ ‫دون‬ ‫ـ َد‬ ‫صع‬ ‫كتفـ ِه‪.‬‬ ‫مـن‬ ‫يفـو ُر‬ ‫والد ُم‬ ‫ـا‬ ‫إليه‬ ‫فركـ َض‬ ‫ً‬ ‫أش‬ ‫ت ّحمـ ُل‬ ‫ـ ًة‬ ‫عرب‬ ‫أبـر‬ ‫ـخاصا‪،‬‬ ‫يعلـم وجهتهـا أو مـن فيهـا‪ ،‬انطلقـت الحافلـة خـار َج القريـ ِة‪ ،‬فيهـا سـبعة أشـخا ٍص ‪،‬‬ ‫رجـ ٌل‬ ‫لاحـظ‬ ‫شيء‪،‬‬ ‫كل‬ ‫مـن‬ ‫ً‬ ‫العربـة‬ ‫إلى‬ ‫طريقهـم‬ ‫وجـدوا‬ ‫غربـا ٌء‬ ‫أنهـم‬ ‫الواضـح‬ ‫مـن‬ ‫هربـا‬ ‫الدم الذي يندفـق مـن كتـ ِف سـعي ٍد‪ ،‬فقـ ّدم له قطعـة مـن الملابـس الـي جلبهـا معـه‪،‬‬ ‫وســاعده على ربطهــا لمحاولــة وقــف النزيــف‪ ،‬لــم يتفــوه أحــ ٌد بكلمــ ٍة‪ ،‬كان الجميــع‬ ‫ً‬ ‫سـرجعون‬ ‫هـل‬ ‫حقيقـة‪،‬‬ ‫كان‬ ‫للتـ ٍو‬ ‫حـدث‬ ‫مـا‬ ‫أن‬ ‫أحـ ٌد‬ ‫يصـد ْق‬ ‫لـم‬ ‫جـرى‪،‬‬ ‫ممـا‬ ‫مصدومـا‬ ‫إلى قريتهـم مجـدداً؟ مـاذا عـن خـا ِل سـعيد؟ مـاذا عـن عائل ِة سـعيد؟ مـاذا عن مسـتقبل‬ ‫سـعي ٍد؟ مـاذا عـن سـعي ٍد نفسـه؟ يبـدو أن كل هـذا قـد ضـاع وتحطـم‪ ،‬ويبـدو أن الأمور‬ ‫لـن ترجـ َع كمـا كانـت أبـداً‪.‬‬ ‫إنهـا سـاعة الرحيـ ِل‪ ،‬السـاعة الأليمـة والبـاردة الـي ُيضعهـا الليـل لـل المواعيـد‪،‬‬ ‫بعـد سـاعا ٍت عديـد ٍة مـن الذهـاب إلى وجهـ ٍة مجهولـ ٍة‪ ،‬وأمـ ٍل كاذ ٍب في العـودةِ إلى القريـ ِة‪،‬‬ ‫َعلِـم مـن في العربـة أنهـم سـوف يذهبـون إلى مـا ٍن ليبيتـوا فيـه بضعـة أيـا ٍم‪ ،‬ليجمعـوا‬ ‫شـتاتهم المبعـر‪ ،‬ويسـتوعبوا مـا حصـل‪ ،‬ومـن ثـم ينطلقـون إلى مـا ٍن آخـر‪ ،‬مجهـو ٍل‪.‬‬ ‫بعدمــا وصلــوا‪ ،‬رأوا المــان‪ ،‬مجموعــ ٌة مــن الخيــام المصطفــة قــرب بعضهــا‪ ،‬أنــا ٌس‬ ‫آخــرون يبــدو أنهــم عانــوا نفــس الفاجعــ ِة‪ ،‬أولا ٌد يجوبــون هنــا وهنــاك‪ ،‬غــر داريــن‬ ‫بحقيقــة كل هــذا‪ ،‬إنــه المخيــم ‪.‬‬ ‫سر ْت رعـد ٌة في كيـان سـعي ٍد عندمـا أيقـن أنـه خـر كل شيء‪ ،‬مكـث الجميـع في‬ ‫هـذا المخيـم مـا يقـارب الثلاثـة أيـام‪ ،‬كان سـعي ٌد يشـارك خيمـ ًة مـع رجلـن آخريـن‬ ‫وأدرك جيـداً أن لا عـودة‪ ،‬وأن المخيـم هـو مصـره‪.‬‬ ‫اتحاد الكتاب والأدباء السوريين الأحرار ‪145‬‬ ‫مجلة ورق | العدد الثاني ‪ -‬نيسان ‪٢٠٢١‬م‬

‫مـ ّر ْت سـن ٌة عصيبـ ٌة على سـعيد في المخيـم‪ ،‬لـم يسـمع فيهـا أي أخبـا ٍر عـن عائلتـه‬ ‫أو خـاله أو قريتـه‪ .‬وفي أحـد الأيـام‪ ،‬أتـت إلى المخيـم عـدة سـيارا ٍت خـرج منهـا أنـا ٌس‬ ‫أتضـح أنهـم مـن منظمـة خيريـة‪ ،‬غايتهـا افتتـاح مدرسـة للأطفـال‪ ،‬وقـع الاختيـار على‬ ‫ســعيد ليكــون أحــد المدرســن؛ فــرح لأنــه كان يريــد أن يمــي وقتــه في شيء غــر‬ ‫الانتظ ـار‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫فيهـا‬ ‫يواجـه‬ ‫الـي‬ ‫الأولى‬ ‫المـرة‬ ‫إنهـا‬ ‫‪،‬‬ ‫ذاكرتـه‬ ‫في‬ ‫محفـوراً‬ ‫النهـار‬ ‫ذلـك‬ ‫بـي‬ ‫جديـا‬ ‫شـيئا‬ ‫لوحـده‪ ،‬على الهوينـا كان يجـوب شـوارع المخيـم الـي غطاهـا الـردم والغبـار‪ ،‬يسـر والحز ُن‬ ‫يعتـر قلبـه‪ ،‬كان المـاضي يطفـو مجـدداً كرواسـب منصهـرة‪ ،‬وكان ينتقـل مـن ذكـرى إلى‬ ‫ذكـرى‪ .‬هـل في الحيـاة أسـخف مـن أن تـدعى سـعيد؟‬ ‫بعـد سـن ٍة أخـرى مـن التدريـس‪ ،‬بغـض النظـر عـن أسـئلة الأطفـا ِل حـول حـركات‬ ‫ً‬ ‫وجهـه الغريبـة‪ ،‬عرضـت عليـه المنظمـة منصبـا أعلى؛ لأنـه كان مـن أفضـل المدرسـن‪،‬‬ ‫ولإظهــاره كفــاءةً عاليــ ًة في عملــه‪ ،‬وتقــد منصبــاً رفيعــاً في المنظمــة‪ ،‬وأصبــح يتلــى‬ ‫وتصريـ َح‬ ‫ـف ٍر‬ ‫س‬ ‫ـواز‬ ‫ج‬ ‫له‬ ‫أح ـروا‬ ‫فق ـد‬ ‫ـم‪،‬‬ ‫المخي‬ ‫ـارج‬ ‫خ‬ ‫ـش‬ ‫للعي‬ ‫وانتق ـل‬ ‫ـداً‪،‬‬ ‫جي‬ ‫ً‬ ‫راتب‬ ‫ـا‬ ‫خـرو ٍج مـن البـد‪ ،‬في هـذا الوقـت تلـى خـر وفـاة خـاله قـرب قريته‪...‬لطالمـا‬ ‫ً‬ ‫كان غارقـا في التفكـر بعائلتـه‪ ،‬وخـاله والأسـوأ مـن كل هـذا‪ ،‬أنـه لـم يكـن يعلـم‬ ‫إن كانـوا على قيـد الحيـاة‪ ،‬أم لا‪ ،‬هـوى بـه الحـزن‪ ،‬وتمكـن مـن روحـه‪.‬‬ ‫بعدمـا خـرج مـن المخيـم‪ ،‬حصـل على جـواز سـف ٍر خـاص بـه‪ ،‬وتـزوج ورزق بطفلـ ٍة‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫رجـاً‬ ‫ً‬ ‫سـيار ًة‬ ‫بـه‪،‬‬ ‫مـر‬ ‫الذي‬ ‫كل‬ ‫فرغـم‬ ‫معروفـا‪،‬‬ ‫ناجحـا‬ ‫وأصبـح‬ ‫وبيتـا‪.‬‬ ‫واشـرى‬ ‫جميلـ ٍة‪،‬‬ ‫بالإضافــة إلى مرضــه افتتــح شركتــه الخاصــة وغــدا رجــل أعمــا ٍل مشــهو ٍر‪ .‬واســتثمر‬ ‫معظـم مـاله في مسـاعدة الأطفـال والمي ّتمـن في المخيمـات والمـاجئ‪ .،‬فقـد افتتـح لهـم‬ ‫مجلة ورق | العدد الثاني ‪ -‬نيسان ‪٢٠٢١‬م‬ ‫‪ 146‬اتحاد الكتاب والأدباء السوريين الأحرار‬

‫بهـا‪،‬‬ ‫يحـ ْظ‬ ‫لـم‬ ‫كالـي‬ ‫حيـا ًة‬ ‫لهـم‬ ‫ليوفـر‬ ‫يمكنـه‬ ‫مـا‬ ‫أقـى‬ ‫وعمـل‬ ‫للرعايـة‪،‬‬ ‫ودوراً‬ ‫ً‬ ‫مدارسـا‬ ‫كان يريـد أن تكـون لهـم فـر ٌص ومسـتقب ٌل كي لا يعانـوا مثلمـا عانى‪.‬‬ ‫لـم يصلـه أي خـ ٍر عـن عائلتـه‪ ،‬ولا عـن قريتـه‪ .‬هـل نسـوه؟ هـل يغفـرون له مـا‬ ‫فعـل؟ هـل خذلهـم؟ لـم يُـرد سـعيد أن يعلـم الحقيقـة‪ .‬فيكـي أن خـاله قـد تـوفي وهـو‬ ‫لـم يـره‪ ،‬لهـذا لـم يسـتطع أن يسـأل أحـداً عـن عائلتـه؛ لأنـه لا يريـد لهـم أن يكونـوا‬ ‫مجـرد خـر وفـاة‪.‬‬ ‫ريـاح الكآبـة لا تـزال تجرفـه‪ ،‬أعاصـر الأحـام لا تـزال تنهـال عليـه‪ .‬يسـمع صوتهـم‬ ‫في صوتـه المتألـم‪ ،‬ضحـات أمـه القديمـة‪ ،‬أحاديـث والده القديمـة‪ ،‬بـكاء إخوتـه‪ ،‬حمـل‬ ‫ابنتـه إلى السـيارة‪ ،‬متقبـاً الواقـع الذي سـوف يصدمـه بالحقيقـة‪ ،‬أورا ٌق جافـ ٌة خريفيـ ٌة‬ ‫في‬ ‫ـرق‬ ‫يح‬ ‫ذهـو ٌل‬ ‫مـن‬ ‫لهـ ٌب‬ ‫غـره‪،‬‬ ‫يجـد‬ ‫لـم‬ ‫الذي‬ ‫ابنتـه‬ ‫بحـب‬ ‫ً‬ ‫روحـه‪.‬‬ ‫في‬ ‫ـوم‬ ‫تح‬ ‫متشـبثا‬ ‫ذاتـه‪ ،‬ذهـب سـعيد إلى قريتـه آمـاً أن يلـى هنـاك مـن يعيـد له سـعادته‪.‬‬ ‫اتحاد الكتاب والأدباء السوريين الأحرار ‪147‬‬ ‫مجلة ورق | العدد الثاني ‪ -‬نيسان ‪٢٠٢١‬م‬

‫جاهد بصمت واستشهد بصمت‬ ‫نور الهدى سيد عيسى‬ ‫في رحــاب ذلــك البيــت العــربي القديــم‪ ،‬وفي غرفــ ًة مــن غرفــه ال َّصغــرة‪ ،‬المفعمــة‬ ‫برائحـة الأجـداد والياسـمين و الجـدرا ِن الطينيـ ِة‪ ،‬ومـع إشراقـة يـو ٍم شـتو ٍّي بـار ٍد‪ ،‬وفي‬ ‫سـاعات الفجـ ِر الأولى ُو ِل طفـ ٌل ملائكـ ُّي ال ّطلـ ِة‪ ،‬في وجهـه إشراقـ ُة حيـاة‪ ،‬وفي قسـماته‬ ‫ملامـ ُح رجولـ ٍة مبكـر ٍة‪ ،‬هـو أصغـ ُر أطفـا ِل تلـك العائلـ ِة وآخـ ُر العنقـو ِد‪ ،‬كمـا كانـوا‬ ‫يطلقـون عليـه‪.‬‬ ‫كان طفـ ٌل جميـ ُل ال ُمح ّيـا‪ ،‬بـ ّي الطلعـ ِة‪ ،‬ظهـرت عليـه آيـا ُت ال ُرشـ ِد منـذ الصغـر‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ذكا ًء‪.‬‬ ‫عينــاه‬ ‫تتــألأ‬ ‫ً‬ ‫مـا إن بلـغ ال َّسـنتين حـ َّى تـوفي والده بعـد صرا ٍع طويـ ٍل مـع المـر ِض‪ ،‬فعـا َش‬ ‫يتيمـا‬ ‫بـن أفـراد أسرتـه المشـبعة بالحزن والحرمـان‪ ،‬لـم يفتـه دلال عائلتـه ومحاولاتهـم ال َدائمة‬ ‫لتعويضـه عـن مـرارة الفقـد‪ ،‬مـى على طريـق اليتـم يحـاول جـر قسـوته‪ ،‬لكـ َّن اليتـم‬ ‫كان أقـوى منـه إذ أطبـق عليـه دائرتـه عندمـا انـزع أمـه منـه وهـو على أعتـاب دراسـته‬ ‫الثانويـة‪ ،‬بينمـا كان يحـاول فتـح بـاب مسـتقب ٍل جديـ ٍد ينسـيه قهـ َر الأيـام‪ ،‬لك َّنـه كان‬ ‫أقــوى مــن أ ّن يستســل َم لهــا‪ ،‬جــ َّد ودرس وتفــ َّوق إلى أن نــال ال َّشــهادة الثانويــة بــأعلى‬ ‫درجاتهــا‪ ،‬فاختــار دراســة اللغــة الإنكليزيــة الفــرع الذي طالمــا حلُــم بــه‪ ،‬التحــق‬ ‫بالجامعـة وتفـوق في سـنواتها الأولى وعندمـا بـي له عام واحـد فقـط لتحقيـق الحلـم‬ ‫والتخـرج‪ ،‬ثـارت براكـن ال َّثـورة في بـده تنـادي بالحريـة وإسـقاط نظـام الاسـتبداد‪،‬‬ ‫مجلة ورق | العدد الثاني ‪ -‬نيسان ‪٢٠٢١‬م‬ ‫‪ 148‬اتحاد الكتاب والأدباء السوريين الأحرار‬

‫عـا صـوت الحـ ِّق‪ ،‬وانطلقـت المظاهـرات الشـعبية‪ ،‬فـان مـن أوائـل المشـاركين فيهـا‪،‬‬ ‫تحـ َّدى المـوت مـرا ٍت عديـدة‪ ،‬وواجـه بطـش ال َظل َمـ ِة بروحـه وجسـده‪ ،‬ولكـ َّن اليـد‬ ‫إذ حمتـه مـن المـوت في ك ّل مـرة‪ ،‬بـدأ خـوف أهلـه‬ ‫ً‬ ‫عليـه‬ ‫الإلهيـة كانـت تحميـه دائمـا‪،‬‬ ‫لاسـ َّيما أنَّـه ابـن أسر ٍة مناضلـ ٍة ومعروفـ ٍة بكرههـا لهـذا النظـام المسـتبد منـذ سـنوات‬ ‫ً‬ ‫طويلـة‪ ،‬لـم يكـن الخـوف عليـه مـن المـوت‪ ،‬بـل كان خوفـا مـن اعتقـال مرعـ ٍب‪ ،‬يخسر‬ ‫فيـه الإنسـان ك ّل شيء قبـل أن يخـر روحـه‪ ،‬وبعـد مشـاورا ٍت طويلـة قامـت عائلتـه‬ ‫حـ َّى وجـد عمـاً ممتـازاً‪ ،‬وأجـوا ًء رائعـ ًة‬ ‫في بـ ٍد آخـ ٍر‪ ،‬لكـ َّن الجميـع كان يشـكر‬ ‫إن وصـل‬ ‫عـرب ٍي مجـاو ٍر‪ ،‬ومـا‬ ‫بتهريبـه إلى بـ ٍد‬ ‫أصبح ـت‬ ‫مـن قلـب العائلـة‬ ‫للعيـ ِش‪ .‬قطعـ ٌة‬ ‫الله على نجاتـه مـن الاعتقـال‪ ،‬لـم يطـل شـعو ُر العائلـة بالراحـة لأجلـه‪ ،‬فهاتـف مـن‬ ‫رقـم غريـب لأختـه سرق فرحتهـم‪ ،‬كانـت المكالمـة كصاعقـ ٍة أخبرهـم فيهـا أنَّـه عاد إلى‬ ‫سـورية‪ ،‬وفسـطاط المسـلمين‪ ،‬سـألته أختـه‪ :‬مـا السـبب؟‬ ‫فأجابها بك ّل شجاعة ومروء ٍة وثق ٍة‪:‬‬ ‫و هــل يليــق بي أن أتــرك الشــباب في بــدي يُقتلــون بــد ٍم بــار ٍد‪ ،‬و النســاء تعتقــ ُل‬ ‫وتغتصــ ُب‪ ،‬والأطفــا ُل يُذبحــون لأعيــش بعيــداً في هنــاء ٍة وسرور؟!! «‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ســاد الصمــت وســيطر الخــوف على الجميــع‪ ،‬جادلــوه‪ ،‬قالــوا‪ « :‬مازلــت شــابا في‬ ‫مقتبـل الحيـاة‪ ،‬شـبابك يسـتحق السـعادة والأمـان»‪ ،‬فـان ر َّده الوحيـد‪ « :‬السـعادة‬ ‫سـعادة الثـورة والربـاط»‪ ،‬رفـض بعـض أفـراد أسرتـه تصرفـه‪ ،‬لك َّنهـا إرادة الله أرادت‬ ‫ً‬ ‫له أن يســر في طريــق الحــق والنضــال‪ ،‬منــذ أن خــرج مــن بيتــه مــودعا طفولتــه‪،‬‬ ‫وسـنوات شـبابه القصـرة‪ ،‬وذكريـات المـاضي‪ ،‬لـم يـره أحـ ٌد مـن أفـراد عائلتـه‪ ،‬ك ّل ما‬ ‫كان يصلهـم منـه صـوت متقطـع فيـه الكثـر مـن الشـوق والحنـن‪ ،‬والأمـل بلقـاء‬ ‫اتحاد الكتاب والأدباء السوريين الأحرار ‪149‬‬ ‫مجلة ورق | العدد الثاني ‪ -‬نيسان ‪٢٠٢١‬م‬

‫قريــب بعــد تحقيــق الحلــم المنتظــر لشــع ٍب أتعبتــه ســنوات طويلــة مــن الظلــم‬ ‫والقهـر والخنـوع‪.‬‬ ‫أصبـح الحلـم بعودتـه هاجـس أسرتـه ومؤنـس لياليهـم‪ ،‬تخيلـوه دائمـا عائـداً إليهـم‬ ‫أرض‬ ‫في‬ ‫رفاقـه‬ ‫مـع‬ ‫ج َّسـدها‬ ‫الـي‬ ‫والتضحيـ ِة‬ ‫البطولـ ِة‬ ‫قصـص‬ ‫لهـم‬ ‫يـروي‬ ‫بينهـم‬ ‫ً‬ ‫جالسـا‬ ‫الغوطــة الحــرة‪ ،‬لكــ َّن الحلــم طــال أربعــة أعــوام‪ ،‬وفي ليلــة مباركــة‪ ،‬حــدث مــاكان‬ ‫تخشـاه قلوبهـم فتدفـع خاطـره عنهـا مذعـورة مسـتعيذة‪،‬‬ ‫جـاء البشـر إلى أهلـه ليخبرهـم أن ولدهـم فـذة كبدهـم قـد نـال شرف الشـهادة على‬ ‫جبهـة مـن جبهـات العـزة والكرامـة في ح ّي جويـر الدمشـي‪ ،‬هـو وخمسـ ٌة مـن رفاقِـه في‬ ‫طريـق الجهـاد‪ ،‬وأن مقـرة جماعيـة في زملـا ض َّمـت جسـده الغـض مـع الآخريـن‪.‬‬ ‫علـت صيحـات التَّكبـر في البيـت‪ ،‬و نمـت زنابـق الحيـاة مضرجـ ًة بدمـاء الكرامـ ِة‬ ‫والعـزةِ‪ ،‬وبقـدر مـا كان الحـزن عظيمـاً كان الفخـ ُر بـه أعظـم‪ ،‬لـم يكـن استشـهاده‬ ‫بـا‬ ‫رحـل‬ ‫أنَّـه‬ ‫الوحيـد‬ ‫حزنهـم‬ ‫الشـهيد‪،‬‬ ‫أهـل‬ ‫فهـم‬ ‫لعائلتـه‪،‬‬ ‫ً‬ ‫عيـداً‬ ‫كان‬ ‫بـل‬ ‫ً‬ ‫وعرسـا‬ ‫مؤلمـا‬ ‫قـ ٍر يمكنهـم زيارتـه كلمـا اشـتعلت نـار الاشـتياق‪.‬‬ ‫مجلة ورق | العدد الثاني ‪ -‬نيسان ‪٢٠٢١‬م‬ ‫‪ 150‬اتحاد الكتاب والأدباء السوريين الأحرار‬


Like this book? You can publish your book online for free in a few minutes!
Create your own flipbook