Important Announcement
PubHTML5 Scheduled Server Maintenance on (GMT) Sunday, June 26th, 2:00 am - 8:00 am.
PubHTML5 site will be inoperative during the times indicated!

Home Explore مجلة ورق | العدد الثاني - نيسان ٢٠٢١

مجلة ورق | العدد الثاني - نيسان ٢٠٢١

Published by feeqdesign, 2021-05-28 12:16:47

Description: مجلة أدبية ثقافية فكرية فصلية إلكترونية
يصدرها إتحاد الكتاب والأدباء السوريين الأحرار

Keywords: شعر,نثر,أدب,مجلة فكرية,مجلة أدبية,إتحاد الكتاب

Search

Read the Text Version

‫اتحاد الكتاب والأدباء السوريين الأحرار ‪51‬‬ ‫مجلة ورق | العدد الثاني ‪ -‬نيسان ‪٢٠٢١‬م‬

‫راب ًعا‬ ‫القصة‬ ‫مجلة ورق | العدد الثاني ‪ -‬نيسان ‪٢٠٢١‬م‬ ‫‪ 52‬اتحاد الكتاب والأدباء السوريين الأحرار‬

‫مدين ُة الأروا ِح ال َّذابلة‬ ‫بقلم‪ :‬أسامة آغي‬ ‫كانـ ْت ث َّمـ َة شـطآ ٌن تتز َيّـ ُن بال َحـ ْو ِر وأشـجارِ الغـر ِب وال ّطرفـ ِة‪ ،‬وقـر َب ال ّشـطآ ِن‪ ،‬كانـ ْت‬ ‫بسـاتي ٌن تضـ ُّج بأشـجارِ التُّ َّفـا ِح ال َّصغـ ِر والمشـم ِش البـد ِّي وحكايا ِت الجـ َّدا ِت ع ْن سـاحر ٍة‬ ‫إذا نظـر ْت إليـ َك سـتصيب َك رعشـ ُة رو ٍح‪ ،‬وتصـ ُر عصفـوراً‪ ،‬ور ّبمـا حكايـ ًة منسـ َّية‪.‬‬ ‫كا َن النَّـا ُس يمـ ُّرو َن في ال َّشـوار ِع المكشـوف ِة أمـا َم سـيا ِط ال َّشـم ِس‪ ،‬فتهـد ُل مـ ْن بعيـ ٍد‬ ‫حناجـ ُر تبتـد ُع «الموليـا»‪ ،‬والموليـا كانـ ْت ذا َت يـو ٍم صب َّيـ ًة نافـر َة النَّهديـ ِن‪ ،‬جميلـ َة ال ُم َح ّيـا‪،‬‬ ‫لك َّنهـا في لحظـ ِة غضـ ٍب‪ ،‬صـار ْت مواويـ َل عـ ْن وجـ ٍع وعشـ ٍق وانتظـارِ حصـا ٍد‪.‬‬ ‫للغاب ِة‪.‬‬ ‫ال ِّذ ْئ ِب‬ ‫احتلا ِل‬ ‫قب َل‬ ‫ما َت‬ ‫ّ‬ ‫أبي‬ ‫ذلك‬ ‫لي‬ ‫قا َل‬ ‫ولدي‪،‬‬ ‫يا‬ ‫رو ُحنا‬ ‫هي‬ ‫الموليا‬ ‫الي‬ ‫وقلـ ُت لنفـي‪ :‬الموليـا هي مـن طـ ِن الفـرا ِت وقـ َت الفيضـا ِن‪ ،‬ومـن ُجـر ِح عشـتا َر‪،‬‬ ‫وهي تمـ ُّر حزينـ ًة على مـا َجـرى لمـاري‪.‬‬ ‫البكاء‪.‬‬ ‫َ‬ ‫وهي‬ ‫ماري‪،‬‬ ‫تشب ُه‬ ‫ال ُّزو ِر‬ ‫فدي ُر‬ ‫لد َّي‪،‬‬ ‫المد ُن‬ ‫اختلط ِت‬ ‫كيف‬ ‫ُ‬ ‫لا‬ ‫لك ِّن‬ ‫أغرقها‬ ‫أعرف‬ ‫مــن‬ ‫ً‬ ‫المرم َّيــ ِة‬ ‫المــو ِت‬ ‫حانــ ِة‬ ‫في‬ ‫الفرنــ َّي‬ ‫العســك َر‬ ‫تراقــ ِص‬ ‫لــم‬ ‫الــ ُّزو ِر‬ ‫وديــ ُر‬ ‫قريبــا‬ ‫ضفــا ِف النَّهــ ِر ال َّصغــرِ‪ ،‬ولــ ْم تَــ ْر ِم بأوجا ِعهــا في المــا ِء‪ ،‬في وقــ ٍت كا َن أبنا ُؤهــا يعشــقو َن‬ ‫عبــو َر النَّهــ ِر الكبــرِ‪ ،‬وهــ ْم يرســمو َن على صفحــ ِة المــاءِ أفــ َق قــاد ِم الأيَّــام‪.‬‬ ‫لك َّنــي‪ ،‬حــ َن ولجــ ُت المدينــ َة بخ َّفــ ِة ال ِّظــ ِّل‪ ،‬وكان برفقــي رجــ ٌل عجــو ٌز‪ ،‬يضــ ُع على‬ ‫اتحاد الكتاب والأدباء السوريين الأحرار ‪53‬‬ ‫مجلة ورق | العدد الثاني ‪ -‬نيسان ‪٢٠٢١‬م‬

‫وقلـ ُت‬ ‫ال َّشـم ِس‪،‬‬ ‫ع َّبـا ِد‬ ‫أزهـا ِر‬ ‫وجـ ِع‬ ‫مـ ْن‬ ‫حارتـ ِن‬ ‫مـل َء‬ ‫َض ِح ْكـ ُت‬ ‫أحمـ َر‪،‬‬ ‫ً‬ ‫رأ ِسـ ِه‬ ‫طربوشـا‬ ‫للعجـو ِز‪ :‬أنـ َت شـاع ُرنا الجميـ ُل‪ ،‬ولكـ ْن ُقـ ْل لي كيـ َف حـد َث هـذا ال َّدمـار؟‪ ،‬وقـ ْل ل ْي‬ ‫َمـ ْن رسـ َم النهايـا ِت له؟‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وته َّد َم ْت‪،‬‬ ‫تداعـ ْت‬ ‫ً‬ ‫بحـز ٍن‬ ‫يتأ َّمـ ُل‬ ‫وهـو‬ ‫الأفـ ِق‪،‬‬ ‫في‬ ‫العجـو ُز‬ ‫ال َّشـاع ُر‬ ‫نظـ َر‬ ‫وشـوارعا‬ ‫بيوتـا‬ ‫حـ ٍن‬ ‫منـ ُذ‬ ‫عـر ْت‬ ‫طائـرا ٌت‬ ‫حر َق ْتهـا‬ ‫مجهولـ ًة‬ ‫ً‬ ‫وال َخ َشـ ِب‪،‬‬ ‫ال َح َجـ ِر‬ ‫أكـوا ُم‬ ‫أغلق ْتهـا‬ ‫وجثثـا‬ ‫سـما َء المدينـ ِة‪.‬‬ ‫َصديـي‪،‬‬ ‫يـا‬ ‫ً‬ ‫ليسـ ْت‬ ‫هـذهِ‬ ‫ال ُفـراتي»‪:‬‬ ‫«مح َّمـد‬ ‫اسـ ُم ُه‬ ‫وكا َن‬ ‫العجـو ُز‬ ‫ال َّشـاع ُر‬ ‫قـا َل‬ ‫حربـا‬ ‫الحيـاة‪.‬‬ ‫يكرهـون‬ ‫أنَّهـم‬ ‫ويبـدو‬ ‫ح ٍّي‪،‬‬ ‫شي ٍء‬ ‫ِّ‬ ‫سـ ْح ٌق‬ ‫ه َي‬ ‫بـ ْل‬ ‫لـل‬ ‫رتـ ٌل‬ ‫الأفـ ِق‬ ‫في‬ ‫فارت َسـ َم‬ ‫عيـي‪،‬‬ ‫عـن‬ ‫لحظـ ٍة‬ ‫في‬ ‫غا َب‬ ‫برفقـي‪،‬‬ ‫كا َن‬ ‫َّ‬ ‫الفـرات ُّي‬ ‫مح َّمـ ُد‬ ‫الي‬ ‫مـاني‪.‬‬ ‫ِمـ ْن‬ ‫أتب َّي ْنـ ُه‬ ‫لـم‬ ‫ً‬ ‫ش‬ ‫ـم‬ ‫منه‬ ‫واحـ ٍد‬ ‫ك ُّل‬ ‫يحمـ ُل‬ ‫عسـك ٍر‪،‬‬ ‫مـن‬ ‫طويـ ٌل‬ ‫ـيئا‬ ‫اقتربــ ُت منهــم كظــ ٍّل باهــ ٍت‪ ،‬كانــ ْت وجو ُه ُهــم خشــن َة الملامــ ِح‪ ،‬وثيا ُب ُهــم مغــ َّرة‪،‬‬ ‫وعيو ُن ُهـم تبـو ُح بفـو ٍز صغـ ٍر‪ ،‬كفـوزِ طفـ ٍل بقطعـ ِة حلـوى‪ ،‬اختلسـها في لحظـ ِة انشـغا ِل‬ ‫بائـ ِع الحلـوى بقامـ ِة امـرأ ٍة م َّياسـ ِة ال َقـ ِّد‪ ،‬عـ َر ْت مـ ْن أما ِمـه‪.‬‬ ‫بيتي‪.‬‬ ‫حا َل‬ ‫أتف َّق َد‬ ‫أن‬ ‫ينبغي‬ ‫ّ‬ ‫رت ِل‬ ‫من‬ ‫ً‬ ‫أم ُّر‬ ‫أنا‬ ‫و‬ ‫لنفسي‬ ‫قل ُت‬ ‫اللصو ِص‪:‬‬ ‫قريبا‬ ‫كانــ ِت المدينــ ُة لحظــ َة اقتحــام َي الــ ّ ّر ِّي لهــا خاليــ ًة مــن النَّبــ ِض والنــا ِس والقطــط‬ ‫المنزل َّيـ ِة‪ ،‬وكانـ ْت رصاصـا ٌت تـ ُّز فـو َق رأسي وتنبئُـي‪ ،‬أ َّن ق َّناصـاً لا يـزا ُل يتشـ َّب ُث بـأ ِّي‬ ‫شي ٍء يتحـ َّر ُك ليصطـا َد ُه‪ .‬همـ َس ل ْي صديـي ال َّشـاع ُر مح َّمـ ُد الفـرات ُّي‪ :‬سـنتح َّد ُث بصـو ٍت‬ ‫خفيــ ٍض‪ ،‬كي لا تصطا َدنــا عيــو ُن الق َّناصــن‪.‬‬ ‫مجلة ورق | العدد الثاني ‪ -‬نيسان ‪٢٠٢١‬م‬ ‫‪ 54‬اتحاد الكتاب والأدباء السوريين الأحرار‬

‫ولك ْن‬ ‫وأكـر‪،‬‬ ‫خائفـو َن‬ ‫بـ ْل‬ ‫لي‪:‬‬ ‫وقـا َل‬ ‫ال َّشـاع ُر‬ ‫ضحـ َك‬ ‫ً‬ ‫لسـ ُت‬ ‫لل َّشـاع ِر‪:‬‬ ‫قلـ ُت‬ ‫خائفـا‪.‬‬ ‫ال َكـ َدرِ؟‪.‬‬ ‫كثي َر‬ ‫ال َّصفـا ِء‪،‬‬ ‫شـحي َح‬ ‫ً‬ ‫النَّهـ ُر‬ ‫يمـ ُّر‬ ‫لمـاذا‬ ‫ل ْي‬ ‫قـ ْل‬ ‫حزينـا‪،‬‬ ‫يغســ ُل‬ ‫حــ َن‬ ‫القمــ ِر‪،‬‬ ‫ضــو ِء‬ ‫عــن‬ ‫فكــرةً‬ ‫أو‬ ‫ُمقنعــاً‪،‬‬ ‫ً‬ ‫أمتلــ ُك‬ ‫لحظتئــ ٍذ‪،‬‬ ‫أ ُك‬ ‫لــ ْم‬ ‫جوابــا‬ ‫ضيــا ُؤ ُه ذؤابــا ِت شــج ِر ال َحــورِ‪ ،‬فتتكــ َّر ال ُّظلمــ ُة قــر َب ال ِّضفــا ِف‪.‬‬ ‫كا َن عقــ َي مشــغولاً ببيــي وبحارتِنــا‪ ،‬وحــ َن ولجناهــا‪ ،‬ك َّنــا نَعتــي أكــوا َم البيــو ِت‬ ‫صر ْفــ ُت‬ ‫َّ‬ ‫الي‬ ‫ال َّشــار َع‬ ‫ليــ َس‬ ‫كأنَّــ ُه‬ ‫فال َّشــار ُع‬ ‫غريبــاً‪،‬‬ ‫كا َن‬ ‫شي ٍء‬ ‫ك ُّل‬ ‫ونهبــ ُط‪،‬‬ ‫ال ُمد َّمــرةِ‪،‬‬ ‫بيوتِـه‪.‬‬ ‫أصحـا ِب‬ ‫ووجـو َه‬ ‫أبنيتـ ِه‪،‬‬ ‫زخرفـا ِت‬ ‫وأتأ َّمـ ُل‬ ‫أبوابَـ ُه‪،‬‬ ‫أعـ ُّد‬ ‫وأنـا‬ ‫ً‬ ‫عمـر َي‬ ‫مـن‬ ‫أعوامـا‬ ‫كنـ ُت مشـدوهاً ور َّبمـا كنـ ُت ضائعـاً‪ .‬وكا َن ال َّشـاع ُر الفـرات ُّي لا يـزا ُل يتلـو على نف ِسـ ِه‬ ‫قصيـد ًة جديـدةً ُو ِ َل ْت في التَّـ ِّو مـن هـذا ال َّدمـار‪ .‬قلـ ُت لـروح َي ر ّبمـا كنـا نحتـا ُج إلى‬ ‫هـذا الوجـ ِع لتغتسـ َل أروا ُحنـا ِمـ ْن أدرانْهـا‪ .‬ر َّد ال ُفـرات ُّي عل َّي بغضـ ٍب وقـال‪ :‬كيـ َف تسـم ُح‬ ‫لمخ ِّيلتِـ َك أ ْن ترسـ َم سـب َب البـا ِء بهـذهِ ال َّطريقـة؟‪.‬‬ ‫ضحــ ٍك‬ ‫موجــ ُة‬ ‫اعترتْــي‬ ‫طوابِ ِقــ ِه‬ ‫بــ َن‬ ‫بيــي‬ ‫يضــ ُّم‬ ‫َّ‬ ‫البنــاءِ‬ ‫إلى‬ ‫ْ‬ ‫وحــ َن‬ ‫الي‬ ‫وصلنــا‬ ‫مفاجئــ ٍة جعلــ ْت عيــ ّي ال َّشــاع ِر الفــرات ِّي تجحظــا ِن بشــ َّد ٍة فقــا َل ل ْي‪:‬‬ ‫مـا الذي يُ ْض ِحـ ُك َك أيُّهـا ال َّر ُجـ ُل‪ ..‬قلـ ُت‪ :‬ش ُّر ال َبلِ َّيـ ِة!‪ .‬قـا َل‪ :‬ولك َّنهـا ليسـ ْت بل َّيـ ٌة بـ ْل‬ ‫ولاد ٌة‪ .‬ق ْلـ ُت بته ُّكـ ٍم‪ :‬ولاد ٌة ِمـ َن الخـا ِ َصةِ‪ ،‬وحاولـ ُت جاهـداً أن أتذ َّكـ َر َمـ ْن سـ َّى ق َّص َتـ ُه‬ ‫بهـذا الاسـم‪.‬‬ ‫وحجارتُهـا‪،‬‬ ‫وحدي ُدهـا‬ ‫إسـمن ُتها‬ ‫طـا َر‬ ‫كيـف‬ ‫ُ‬ ‫أحـ ٌد‬ ‫فـا‬ ‫ُشفـ ٍة‬ ‫بـا‬ ‫بيـ َي‬ ‫كا َن‬ ‫يعـرف‬ ‫لا بـ ْل كيـ َف طـار ِت الأبـوا ُب والنَّوافـ ُذ‪ ..‬قلـ ُت للفـرات ِّي بـإصرا ٍر‪ :‬هـذا ليـس بيـي‪ .‬قـا َل‬ ‫ً‬ ‫َمـ ْن‬ ‫بيـ ُت‬ ‫إذا؟‪.‬‬ ‫الفـرات ُّي‪:‬‬ ‫اتحاد الكتاب والأدباء السوريين الأحرار ‪55‬‬ ‫مجلة ورق | العدد الثاني ‪ -‬نيسان ‪٢٠٢١‬م‬

‫أكتافهـم‬ ‫على‬ ‫يحملـو َن‬ ‫وهـ ْم‬ ‫العسـك ِر‬ ‫ِمـ َن‬ ‫مجموعـ ٌة‬ ‫بيـ َي‬ ‫ِمـ ْن‬ ‫َخـ َر َج‬ ‫َّ‬ ‫تلـك‬ ‫في‬ ‫اللحظـ ِة‬ ‫بـا‬ ‫ً‬ ‫يـر ُّش‬ ‫منهـم‬ ‫ً‬ ‫رأيـ ُت‬ ‫ثـم‬ ‫وكتـ َي‬ ‫وثلاجـ َي‬ ‫تلفـاز َي‬ ‫فرأيـ ُت‬ ‫أغـراضي‪..‬‬ ‫سـائلا‬ ‫واحـدا‬ ‫لـو ٍن على مـا ت َّبـى ويـرمي بعـو ِد ثقـا ٍب فيشـتع ُل البيـ ُت بالنَّـار‪.‬‬ ‫نـزو ُر‬ ‫ك َّنـا‬ ‫حـ َن‬ ‫َ‬ ‫وتذ َّكـر ُت‬ ‫الحمـراءِ‬ ‫بأسـنانِها‬ ‫بيـي‬ ‫تلتهـ ُم‬ ‫وهي‬ ‫لل َّنـارِ‬ ‫ص َّف ْقـ ُت‬ ‫حالـا‬ ‫قبـو َر موتانـا فنشـع ُل الأشـوا َك في ليلـ ِة الخامـ ِس عـ َر مـ ْن شـعبان‪.‬‬ ‫وحــن التفــ ُت إلى مــا ِن صديــ َي العجــوزِ لأهمــ َس له بصــو ٍت خفيــ ٍض لا يســم ُع ُه‬ ‫ْ‬ ‫قمــراً‬ ‫ً‬ ‫وجــ ْد ُت‬ ‫بعــد‪.‬‬ ‫يــزغ‬ ‫لــ ْم‬ ‫ترصــدا ِن‬ ‫وعينــاهُ‬ ‫جــدا ٍر‬ ‫على‬ ‫معلقــا‬ ‫صديــي‬ ‫العســك ُر‬ ‫مجلة ورق | العدد الثاني ‪ -‬نيسان ‪٢٠٢١‬م‬ ‫‪ 56‬اتحاد الكتاب والأدباء السوريين الأحرار‬

‫زيتون المعتقل وزيتون أم خالد‬ ‫بقلم محمد الغانم‬ ‫بـ ُّت منـذ سـنوات أتأ ّخـر في فطـوري‪ ،‬وهي عادة تـكاد تكـون مكتسـبة ومـن وحي‬ ‫وبـركات بـل‪ -‬سـيئات‪ -‬الـزوح واللجـوء نتيجـة السـهر حـى الفجـر‪.‬‬ ‫إ ّن فطـوري المعتـاد لا يخلـو مـ ْن الزيتـون سـ َّيما الزيتـون الأخـر‪ ،‬و َمـ ْن مثـي لديـه‬ ‫مــن زيتــون المباركــة أم خــالد‪ ،‬واليــوم وبعــد تنــاول إفطــاري (تفكهنــت) على صحــ ٍن‬ ‫مـن الزيتـون‪ ،‬ومـع الانتهـاء بـدأت بِ َعـ ِّد النـوى فوجدتهـا (‪ )28‬وكل مـا أحتاجـه اليـوم‬ ‫إلى خمـ ٍس أخـرى لأصنـع منهـا ُسـ ّب َح ًة‪ ،‬وهي ُسـ ّب َحة قصـرة تعـدل إيمانيـاتي وتقصـري‪،‬‬ ‫وليسـت بالقطـع َك ُسـ ّب َحة أمي الـي يصـل عددهـا (‪ )101‬نـواة‪.‬‬ ‫أترك إفطاري الذهبي وأعود بكم إلى ذكرياتي مع زيتون المعتقل‪.‬‬ ‫للزيتـون أيـام الاعتقـال ذكريـات‪ ،‬وسأرسـم لكـم بالكلمـات بعـض المشـاهدات ولـن‬ ‫تكـون على الإطـاق ببلاغـة الواقـع الذي عشـناه‪.‬‬ ‫زارنـا الزيتـون خـال فـرة الاعتقـال الأخـرة ثـاث مـرات‪ ،‬بواقـع زيـارة واحـدة كل‬ ‫شـهرين‪ ،‬وكانـت بمجملهـا زيـارات سريعـة خاطفـة يغلـب عليهـا النظـر عـن بعـد‪.‬‬ ‫أذكـر مـ َّرة وقـد سـئمت مـن سـوء طـي البرغـل وهـو الوجبـة اليوميـة شـبه الوحيـدة‪،‬‬ ‫وليتـه برغـل أخـذ حقـه مـن النـار أو زاره وتخلـل حباتـه القليـل مـن ال َّسـمن النبـاتي أو‬ ‫زيـت القطـن والصويـا أو زيـت المعـدن أو حـ ّى مـا ح ّرمـه الـرع مـن شـحوم بعـض‬ ‫اتحاد الكتاب والأدباء السوريين الأحرار ‪57‬‬ ‫مجلة ورق | العدد الثاني ‪ -‬نيسان ‪٢٠٢١‬م‬

‫الحيوانـات‪ ،‬أذكـر أن الجـ ّاد إيـاد‪ -‬لا حفظـه الله‪ -‬دخـل مبتسـ ًما على غـر عادتـه وبيـده‬ ‫كيـس مـن النايلـون تسـبح بداخلـه ح ّبـات مـن الزيتـون‪ ،‬وأ ّمـا المـاء فلونـه أصفـر على‬ ‫أخــر ويعلــوه العفــن بلونــه الأســود على أبيــض وقــام بتســليم العهــدة الإياديــة إلى‬ ‫اللئيـم رئيـس المهجـع‪ ،‬ومـا أن أغلـق الجـاّد علينـا البـاب حـى تفتحـت أسـاريرنا‬ ‫ووقفنـا فرحـن على أرجلنـا‪ ،‬ومـن شـدة فرحنـا شـهقنا‪ -‬زيتـون يـا إلـي‪!-‬‬ ‫تحلقنـا حـول رئيسـنا الخبيـث لكنـه نَه َرنـا بـأن عـودوا إلى أماكنكـم قبـل أ ّن أنـادي‬ ‫طريقتــه‬ ‫على‬ ‫بالتوزيــع‬ ‫هــو‬ ‫بــدأ‬ ‫وبعدهــا‬ ‫الخاطــر‪،‬‬ ‫مكســوري‬ ‫ُع ْدنــا‬ ‫إيــاد‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫على‬ ‫الجــاد‬ ‫بحيـث أعطـى كل واحـد م ّنـا (‪ )5‬ح ّبـات مـن الزيتـون وخـ ّص زبانيتـه برشـو ٍة وإضافـات‬ ‫مـن الفلفـل وقشـور الليمـون كي يكسـب وِ َّد ُهـم‪ ،‬وأمـا مـاء الزيتـون فقـد سـمح لنـا‬ ‫بــأن نَــ ُد َّس ُخبزتنــا اليابســة بــه بح ًثــا عــن الملوحــة والحموضــة‪ ،‬والســعيد م ّنــا مــن‬ ‫افتقــده رئيــس المهجــع برشــفة أو بقــرة ليمــون وإن بــدت متهالكــة‪ ،‬وهكــذا فقــد‬ ‫تبخــرت فرحتنــا بقــدوم الضيــف الجديــد وبقينــا ننتظــره إلى أن زارنــا بعــد شــهرين‪،‬‬ ‫وقبـل الخـروج ولـم تكـن زيارتـه الأخـرة بأحسـن حـال مـن زياراتـه الأولى‪.‬‬ ‫ربمـا لا تصدقونـي إن قلـت لكـم بـأني بـ ُّت بعـد خـروجي أعشـق الزيتـون عشـ ًقا‬ ‫لقداسـته أولاً ومـن ثـ َّم لمـا تـرك في نفـي هنـاك مـن ألـم وأوجـاع‪.‬‬ ‫أعشق الزيتو َن وآ َلُ وأصحابَ ُه وما َء ُه وليمونَ ُه ونواهُ سيما زيتونات أختي أم خالد‪.‬‬ ‫مجلة ورق | العدد الثاني ‪ -‬نيسان ‪٢٠٢١‬م‬ ‫‪ 58‬اتحاد الكتاب والأدباء السوريين الأحرار‬

‫الشعب يريد‬ ‫بقلم جهان سيد عيسى‬ ‫أخرجـوا الجميـع مـن المدينـة‪ ،‬لـم يبقـوا فيهـا أحـدا حـى العصافـر أخرجوهـا… النـاس‬ ‫والمسـلحين والحيوانـات‪ ،‬فهـم قـد سـمعوا أنـه حـى حيواناتهـم تـرخ «الشـعب يريـد‬ ‫إسـقاط النظـام»‪ ...‬كـروا أعلامهـم الخـراء‪ ،‬ومسـحوا كل عبـارات الحريـة المكتوبـة‬ ‫على الجـدرا …ن أربعـة أعـوام وهـم يحلمـون باسـتعادتها‪ ،‬وهـا هـم اليـوم قـد اسـتعادوها‬ ‫وأخرجـوا أهلهـا وأحرارهـا منهـ …ا رقصـوا وشربـوا وعربـدوا ورفعـوا أعلامهـم الملطخـة‬ ‫بالأحمــر‪ ،‬وعندمــا انتصــف ليلهــم وبلــغ ســكرهم مــداه توزعــوا بيــوت أهــل المدينــة‬ ‫وأس َّرتِهــم؛ ونامــوا‪ ،‬وعنــد الفجــر اســتيقظوا على أصــوات تهــدر في الشــوارع‪« .‬الشــعب‬ ‫يريــد إســقاط الظــام «‪ ...‬ظنــوا الصــوت صــار حلمــا بــل كابوســا‪ ..‬عركــوا عيونهــم‬ ‫وأكملــوا نومهــم‪ ،‬لكــن الصــوت صــار أقــوى… فزعــوا ووثبــوا مــن أسرتهــم المسروقــة…‬ ‫فتحـوا الأبـواب فـإذا الشـوارع تغـص بجثـث الشـهداء خرجـوا مـن قبورهـم وملـؤوا‬ ‫الشـوارع وهـم يهتفـون… «الشـعب يريـد إسـقاط النظـام… الشـعب يريـد إسـقاط النظـام»‬ ‫اتحاد الكتاب والأدباء السوريين الأحرار ‪59‬‬ ‫مجلة ورق | العدد الثاني ‪ -‬نيسان ‪٢٠٢١‬م‬

‫أنا وج َّدتي والحمار‬ ‫بقلم‪ :‬د‪ .‬عيسى ضيف الله حداد‬ ‫في أعـوا ِم الخمسـينا ِت مـن ال َقـ ْر ِن المـاضي‪ ،‬ك َّنـا في قريتِنـا في حـوران‪ ،‬كا َن لدينـا حمـا ٌر‬ ‫يعرفُــ ُه‬ ‫َّ‬ ‫لــم‬ ‫والداني‪،‬‬ ‫القــاصي‬ ‫ممــ َّ ٌز‬ ‫نهيــ ٌق‬ ‫له‬ ‫ال ِّطبــا ِع‪،‬‬ ‫شر َس‬ ‫البُنيــ ِة‪،‬‬ ‫قــو َّي‬ ‫اللــو ِن‪،‬‬ ‫أبيــ َض‬ ‫يتـوا َن قـ ُّط عـن َلطـي‪ ،‬وغـري مـن ال ِّص ْب َيـ ِة‪ ،‬وإلقـائي مـراراً أرضـاً مـن على ظهـ ِرهِ‪.‬‬ ‫ال ِّريـ ِف‬ ‫بحيـاةِ‬ ‫ً‬ ‫ضـا َق‬ ‫وقـد‬ ‫دمشـق)‪،‬‬ ‫(مـن‬ ‫َي َت َد ْم َشـ َق‬ ‫أ ْن‬ ‫أبي‪،‬‬ ‫فيـه‬ ‫قـ َّر َر‬ ‫مـا‬ ‫زمـ ٌن‬ ‫أتى‬ ‫ذرعا‬ ‫الحـوران ِّي البائـ ِس‪ ،‬فـا نهـ َر ولا شـج َر‪ ..‬حـ َّى ولا مطر‪.‬‬ ‫عم َد أبي إلى بي ِع ما نمل ُك‪ ،‬من عن ٍز وغن ٍم وحمارِنا الف ِّظ ال ِّطباع‪.‬‬ ‫غاد ْرنــا القريــ َة‪ ،‬جــدتي ودجاجاتُهــا رفضــوا ال َّرحيــل‪ :‬و َمــ ْن يحــر ُس ال َّدا َر؟!‪ ،‬قالــ ْت‬ ‫محمـود‬ ‫الراحـ َل‬ ‫شـاع َرنا‬ ‫َ‬ ‫أ ْن‬ ‫دو ِن‬ ‫و ِمـ ْن‬ ‫خفيـ ٍض‬ ‫بصـو ٍت‬ ‫تتمتـ ُم‬ ‫ـ ْت‬ ‫وأردف‬ ‫جـدتي‪،‬‬ ‫تعـرف‬ ‫درويــش (إ َّن البيــو َت تمــو ُت برحيــ ِل أهلهــا)‪..‬‬ ‫ولا سوى‪.‬‬ ‫نفسي‬ ‫على‬ ‫أعث ُر‬ ‫فيها‬ ‫قريتي‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ِّ ً‬ ‫كن ُت‬ ‫بعال ِم‬ ‫متعلقا‬ ‫في أ َّو ِل فرص ٍة مدرس َّي ٍة سنح ْت لي‪ ،‬عد ُت ُمسرعاً والغبط ُة تغم ُرني‪ ،‬إلى قريتي ومهب ِط رأسي‪.‬‬ ‫بفر ٍح عار ٍم استقبل ْتني ج َّدتي‪ ،‬ض َّم ْتني بحنا ٍن‪ ،‬ط ِف َق ْت تح ِّدثُني ع َّما لديها من أخبا ٍر وأفكار‪.‬‬ ‫فجـأةً تملَّ َكهـا ال َّضحـ ُك‪ ،‬وحـن سـيطر ْت على ذاتِهـا‪َ َ ،‬ش َعـ ْت تقـ ُّص عل َّي أفعـا َل ذا َك‬ ‫الحمـا ِر ال َّشـيطان (كمـا در َجـ ْت تدعـوه)‬ ‫مجلة ورق | العدد الثاني ‪ -‬نيسان ‪٢٠٢١‬م‬ ‫‪ 60‬اتحاد الكتاب والأدباء السوريين الأحرار‬

‫قالـ ْت‪ :‬صبيحـ َة اليـو ِم التّـالي لمغادرتكـم‪ ،‬فوجئـ ُت بالحمـا ِر على بـا ِب ال َّدارِ‪ ،‬يد َف ُعـ ُه‬ ‫برأ ِسـ ِه كأنَّـ ُه يـو ُّد اقتحا َمـ ُه‪ ،‬وأخـ َذ ينهـ ُق ويرفـ ُس الأر َض بحافِـ ِرهِ‪ ،‬أرد َفـ ْت تحـي والتأثُّـ ُر‬ ‫بـا ٍد على ُم َّياهـا‪ ،‬دمعـ ٌة حـ َّرى أو اثنتـن سـالتا‪ ..‬خر ْجـ ُت إليـ ِه‪ ،‬فت ْحـ ُت له البـا َب‪ ،‬وبسرع ِة‬ ‫ْ‬ ‫لأ ٍي‪،‬‬ ‫دو ِن‬ ‫ـن‬ ‫م‬ ‫ـ ِه‬ ‫مرب ِط‬ ‫إلى‬ ‫ـع) عا َد‬ ‫هـذا التَّشـبي ِه البدي‬ ‫على‬ ‫قـد اعتـاد ْت‬ ‫الـر ِق (وكانـ ْت‬ ‫يلـزم‪.‬‬ ‫ظهـرهِ َق َّد ْمـ ُت لهُ مـا‬ ‫على‬ ‫بحنـا ٍن ر َّبـ ُت‬ ‫دلـ َف وسـك َن‬ ‫ال َجـ ِّر‬ ‫بقـ َّوةِ‬ ‫سـح َب ُه‬ ‫ال َّرجـ ُل‬ ‫أرا َد‬ ‫وحينمـا‬ ‫دارنـا‪،‬‬ ‫إلى‬ ‫لجـو َء ُه‬ ‫قـ َد َر‬ ‫وقـد‬ ‫ً‬ ‫صاح ُبـ ُه‬ ‫جـا َء‬ ‫باحثـا‪،‬‬ ‫ً‬ ‫(أطلـ َق‬ ‫الفعلـة‬ ‫تلـك‬ ‫أطلـ َق‬ ‫بـل‬ ‫يكتـ ِف‬ ‫ولـم‬ ‫ونهـ َق‪،‬‬ ‫ولب َطـ ُه‪،‬‬ ‫قفـا ُه‬ ‫الحمـا ُر‬ ‫لهُ‬ ‫أدا َر‬ ‫ريحـا)‪.‬‬ ‫لـم يسـتط ْع ال َّرجـ ُل َجـ َر الحمـا ِر‪ ،‬تد َخ ْلـ ُت ر َّبـ ُّت على ظهـ ِرهِ‪ ،‬ف َسـ َك ْن‪ ،‬ثـ َّم ُق ْدتُـ ُه إلى‬ ‫حيـ ُث يرغـ ُب ال َّرجـ ُل‪.‬‬ ‫ـراً‬ ‫كب‬ ‫ّ َّ ً‬ ‫م‬ ‫وكان‬ ‫ـ ُه‪،‬‬ ‫صاح ُب‬ ‫وعا َد‬ ‫ـالي‪..‬‬ ‫التَّ‬ ‫ـو ِم‬ ‫الي‬ ‫في‬ ‫الأمـ ُر‬ ‫ـ َّر َر‬ ‫تك‬ ‫ـ َّدتي‪:‬‬ ‫ج‬ ‫ـتكم ُل‬ ‫تس‬ ‫ـاكا‬ ‫في القريـة‪ ..‬لديـ ِه الخـ ُر الكثـ ُر‪ ..‬وقـد قـ َّد َم للحمـا ِر ك َّل مـا طابـ ْت له نف ُسـ ُه مـن تـ ٍن‬ ‫وحشـائ ٍش وقشـورِ البطيـ ِخ والعلـ ِف وال َّشـعيرِ‪ ،‬عاملـ ُه بلطـ ٍف كبـ ٍر‪ ..‬ور َّبـ َت على ظهـ ِرهِ‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وخ َّصـ َص‬ ‫بفخامتِـه‪.‬‬ ‫لائقـا‬ ‫مربطـا‬ ‫لهُ‬ ‫لــم يُقــ ِّدر الحمــا ُر مــا َح َصــ َل عليــ ِه مــن نِ َعــ ٍم‪ ،‬وفضــل حيــا َة التَّق ُّشــ ِف في مرب ِطــ ِه‬ ‫الأ َّو ِل‪ ،‬تكــ َّر َر الحــا ُل‪ ،‬وســا َر على هــذا المنــوا ِل‪ ،‬حــ ّى يئِــ َس منــ ُه صاح ُبــ ُه‪.‬‬ ‫يـأتي‬ ‫عرينِـ ِه‪،‬‬ ‫في‬ ‫سـ ِّيداً‬ ‫حما ُرنـا‬ ‫أصبـ َح‬ ‫أثـ ِرهِ‬ ‫على‬ ‫جـ َّدتي‪،‬‬ ‫مـع‬ ‫و ِّديَّـاً‬ ‫ً‬ ‫صاح ُبـ ُه‬ ‫َع َقـ َد‬ ‫اتفاقـا‬ ‫مرب َطـ ُه في دا ِرنـا حالمـا تنتـي مها ُّمـ ُه‪َ ،‬د َر َج ال ّصاحـ ُب على حمـ ِل العلـ ِف إلى دا ِرنـا‪ ،‬تقـو ُم‬ ‫جـ َّدتي بدو ِرهـا في إقنـا ِع الحمـا ِر على الإتيـاِن بوظيفتِـ ِه لدى ال َّرجـ ِل‪.‬‬ ‫قل ُت متل ِّهفاً‪ :‬أي َن هو الآن؟‪.‬‬ ‫اتحاد الكتاب والأدباء السوريين الأحرار ‪61‬‬ ‫مجلة ورق | العدد الثاني ‪ -‬نيسان ‪٢٠٢١‬م‬

‫قال ْت‪ :‬في مرب ِط ِه في التَّ َّبان‪.‬‬ ‫إل َّي‪،‬‬ ‫ناظـراً‬ ‫واسـتدا َر‬ ‫الحمـا ُر‬ ‫نهـ َق‬ ‫ً‬ ‫َمنظـراً‬ ‫كان‬ ‫التَّبـا َن‪،‬‬ ‫إلى‬ ‫دلفـ ُت‬ ‫قفـ ْز ُت‪،‬‬ ‫ً‬ ‫رائعـا‪،‬‬ ‫مـرعا‬ ‫منه‪.‬‬ ‫ضاحـ ٍك‬ ‫كتعبـ ٍر‬ ‫ال ُعليـا‪،‬‬ ‫شـف َت ُه‬ ‫ً‬ ‫رافعـا‬ ‫للمــ َّرةِ الأولى كان بي َننــا ســا ٌم‪ ،‬ور ّبــ ُّت وبكيــ ُت وهم ْســ ُت في أذنــه وذاتي‪ :‬حمارنــا‬ ‫وطــ ٌّي مخلــ ٌص متعصــ ٌب شــوفين ٌي (حســ َب التَّعبــرِ المتــداو ِل لدى ُمــر ِّوج ِّي الانبطــاح)‬ ‫نحــ ُن تركنــا الدا َر وهــو يرعاهــا‪.‬‬ ‫دروي ـش‪،‬‬ ‫ـود‬ ‫محم‬ ‫قصيـد ُة‬ ‫إل َّي‬ ‫ـداعى‬ ‫تت‬ ‫هـ ِذهِ‬ ‫ـا‬ ‫أيا ِمن‬ ‫في‬ ‫حما ِرنـا‬ ‫حكايـ َة‬ ‫ـ ُر‬ ‫َّ‬ ‫عندم ـا‬ ‫أتذك‬ ‫مك ِّيفـاً إيَّاهـا‪ ،‬قائـاً فيـه‪ :‬لمـاذا تركـ َت الحمـا َر وحيـداً يـا أبي‪ ..‬وال َّدار‪!...‬‬ ‫مجلة ورق | العدد الثاني ‪ -‬نيسان ‪٢٠٢١‬م‬ ‫‪ 62‬اتحاد الكتاب والأدباء السوريين الأحرار‬

‫طيور بلا أجنحة‬ ‫بقلم القاصة شذا برغوث‬ ‫كمـن يقـ ُف على سرا ٍط أقـ ُف ‪/‬أخـاف مـن لجـ ِة الحـز ِن في بحـر شـو ٍق ليـس له قـرار‪..‬‬ ‫( إذا مـا أشـوفكم شـيفيد عمـري وإذا ابتسـم دمعـاتي تجـري )‪.‬‬ ‫(مصـ ُر‬ ‫القويـة‬ ‫المتحـرة‬ ‫المثقفـ ِة‬ ‫دور‬ ‫تمثيـل‬ ‫أتعبـي‬ ‫أكابـره‪/‬‬ ‫ً‬ ‫أذر ُف‬ ‫وحـدي‬ ‫‪/‬‬ ‫دمعـا‬ ‫الشـبا ِب إلى سـف ٍر واغـرا ٍب‪ .‬المهـ ُّم أن يكونـوا بخـر)‪.‬‬ ‫أريـد أن أكـون مثـل أمي وهي خلـ َف مكنـ ِة الخياطـة تمـارس هوايتهـا المزدوجـة وهي‬ ‫تدنـدن ( أتمـى أنـا طـر وعنـدي جنـاح يأخـذني وعليكـم يوديـي‪ ..‬شـلون ارتـاح‬ ‫وانتـم يـا لبعيديـن أبـد بغيابكـم مـا نامـت العـن ) ودموعهـا مطـ ٌر يبلـل مـا تخيـ ُط‬ ‫ويحـرني ارتبـا ُط الخياطـة بالبـاء‪.‬‬ ‫أدوخ مـن اللـ ِف والدوا ِن في طرقـات الحديقـة الذابلـة‪ ..‬أتصنـ ُع التأمـ َل‪ ..‬الله الجميـل‬ ‫يحوطـي بأشـجاره الخـراء وقمـره الواسـع الأحمـر وزقزقـة الأطفـال النازحـن الهاربـن‬ ‫مـن صخـب الرصـاص وغبـار المـوت إلى صخـب المراجيـح الصدئـة‪...‬‬ ‫*الأولاد المدخنـون وأكـوام رجـال مشـعثون يتحلقـون على العشـب حـول ورق اللعب‬ ‫يتبادلـون الأحاديـث عـن المصائـب وأمهـات صغـرات يحاكـن الجمـال بخربشـات على‬ ‫وجوههـن بأحذيـة مسـتهلكة ذات كعـوب عاليـة مائلـة‬ ‫* عنــاصر أمــن الحديقــة الضجــرون يصطــادون العصافــر بالبواريــد ويتجولــون‬ ‫اتحاد الكتاب والأدباء السوريين الأحرار ‪63‬‬ ‫مجلة ورق | العدد الثاني ‪ -‬نيسان ‪٢٠٢١‬م‬

‫بالموتسـيكلات السريعـة المزعجـة في ممـرات الحديقـة *السـيارة البيضـاء بمسـجلها ذي‬ ‫الصـوت الذي يعلـو على صـوت الأذان بـأغا ٍن عجيبـة طائفيـة مسـتفزة وصبايـا صغـرات‬ ‫يســتجدين الحــب مــن شــباب خائفــن بــات همهــم الأكــر عبــور الحواجــز بســام‬ ‫والأمهـا ُت السـمينات المربربـات يترججـ َن في جلابيبهـن الكاحلـة‪ ..‬وأنـا التائهـة الدائخـة‬ ‫أرسـم على وجـي ابتسـام ًة متعبـة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫* قانــون الجــذ ِب * أنــت كاذب بالتأكيــد لأن مــا أرســمه على شــفتي يبــى مرســوما‬ ‫فقــط‪ ..‬لا يتغلغــ ُل ف َّي‪.‬‬ ‫بحجـم‬ ‫ضئيلـة‬ ‫الحصـار‪..‬‬ ‫ديـ ِر‬ ‫مـن‬ ‫قادمـ ًة‬ ‫جـود‬ ‫حفيـدتي‬ ‫ُ‬ ‫شـجرة‪..‬‬ ‫فـرع‬ ‫على‬ ‫*‬ ‫تـزغ‬ ‫قطـة تقضـم الأوراق الخـر المملحـة بالـراب‪ ..‬أغـ ُّص بلقمتهـا‪ ..‬تهـرب عينـاي صـوب‬ ‫ًً‬ ‫بــردى أنشــد مــاءه المتهــادي حزينــا رزينــا إلى المجهــول تثقلــه مخلفــات المتنزهــن‬ ‫وتخلفهـم‪..‬و سـواد يحـار في مصـدره‬ ‫*يـراءى لي هـاني بوجهـه الوديـع المـدور يعـارك التيـار‪ ...‬يمـد ذراعـن لا تطـالان‬ ‫زوجتـ ُه الحلـوة البعيـدة الغارقـة في معامـات الظلـم والغبـاء ولغـة لا تتق ُنهـا‪ ..‬أتمسـك‬ ‫بقلــي الذي يهــوي ليطــا َلُ ويضمــ ُه بعــد طــول غيــاب ‪...‬يســافر بــه النهــر بعيــداً إلى‬ ‫اللامــان‪..‬‬ ‫*بردى لم تق ُس عل ّي مثلهم؟!‬ ‫*يقبـ ُل ذاك الصديـق الذي أصـ ُّب إليـه همـومي‪ ..‬أتصنـ ُع ابتسـامة يُكشـف زيفهـا‬ ‫وأكشـف مـا يثقلـه مـن همـوم‪ ..‬خـر ام هـاني؟‬ ‫‪ -‬أفر بوجهي صوب جهة خامسة ‪-‬‬ ‫مجلة ورق | العدد الثاني ‪ -‬نيسان ‪٢٠٢١‬م‬ ‫‪ 64‬اتحاد الكتاب والأدباء السوريين الأحرار‬

‫_في أخبار عن الشباب؟‪..‬‬ ‫_ يطرق على وجعي‪ ..‬فأجيبه‪.‬‬ ‫محمـد مـازال بانتظـار البحـر الذي يخبئـه المهربـون في جيوبهـم‪ ..‬يبادلونـه بـالدولارات‬ ‫ً‬ ‫العصيـة واللئيمـة‪ ..‬لـرمي بأحلامـه إلى عروسـة بحـر شـقراء تسـافر بـه غربـا‪ ..‬محمـد‬ ‫الحنــون الذي يرفــض الســفر مــا لــم أصــ ِل له صــاة الاســتخارة‪ ،‬أســتخير بــن بُعــده‬ ‫و َفقـده‪.‬‬ ‫يا الله الرحيم أنجدني كي لا أق َع من على السراط‪.‬‬ ‫يا الله الرحيم خير َك يغمرني لكني جحودة‪..‬‬ ‫أولادي بخـر وأنـا بخـر وأبوهـم بخـر وسـوريا بخـر‪ ..‬كفـاك أيهـا الخـر لا تـزد‪ ،‬طفـح‬ ‫بـك الـر والبحـر والأرصفة‪..‬‬ ‫فســع ُد الجميــل في أقــاصي الأرض ينهــل الخــر بلغــة صعبــة وعينــاه الخضراوتــان‬ ‫تلونهمـا الوحشـة بألـوان غريبـة‪ ..‬سـع ُد الجميـل الصغـر وحيـداً في مـزل منفـرد بعيـد‪..‬‬ ‫( ألـو أمي شـلون أطبـخ الـل‪...‬؟ )‪..‬‬ ‫‪ ( -‬سعود ما بدها شي سهلة )‬ ‫‪ ( -‬أمي شكون اخبار أخواتي؟ )‪.‬‬ ‫‪( -‬كلنا بخير مابي مشكلة الحمد لله )‪.‬‬ ‫‪ ( -‬أمي افتحي سكايب بدي أشوف يمان)‬ ‫اتحاد الكتاب والأدباء السوريين الأحرار ‪65‬‬ ‫مجلة ورق | العدد الثاني ‪ -‬نيسان ‪٢٠٢١‬م‬

‫《يمان حفيدي الذكي الرائع المعجون بالفرح‪.》..‬‬ ‫‪ (-‬خالو ثعد ثلونك ديبلي بئرة ذغيره )‪.‬‬ ‫‪ ( -‬يمااان حبيب خالو تسوا هولندا وأوربا كلها‪ ..‬يلعن أبو الغربة)‪..‬‬ ‫‪...‬أبتعـد عـن مجـال الصـورة كي لا يـرى إلا الفـرح‪ ..‬أشـر بأصبـي لـأب كي يصمـت‬ ‫‪..‬كي يكتـم حزنـه‪ ..‬يبلـع كلامـه ( آخ والله يـا أبـي مـا أظـن أشـوفكم أنـوب‪ ..‬لا حـول‬ ‫ولا قـوة إلا بـالله )‪.‬‬ ‫‪ ( -‬أمي وين أبوي )‬ ‫‪ ( -‬أبوك نام حبيبي قال سلمولي على سعد )‬ ‫‪ ( -‬شلون صحته؟ )‬ ‫‪ -‬ممتازة!! ‪..‬‬ ‫الترجمة الحرفية؛《رجلاه متورمتان وعصاه اتعبها التوكؤ》‬ ‫دج‪ ...‬يمااان انتبه لا تدوس البلور‪..‬‬ ‫‪ ( -‬الله معك سعدو انكسرت كاسة المي )‬ ‫‪ ( -‬تتذكرين أمي المثل الديري‪َ ..‬م واتكبى! )‬ ‫‪ ( -‬إي نعم ابني مي واتكبى ويامن يلمه )‪.‬‬ ‫***النهاية‪..‬‬ ‫مجلة ورق | العدد الثاني ‪ -‬نيسان ‪٢٠٢١‬م‬ ‫‪ 66‬اتحاد الكتاب والأدباء السوريين الأحرار‬

‫الساعة الواحدة ليلاً‪ ..‬موعد جرعات الحنان والدعم النفسي والفرح الكاذب‪..‬‬ ‫*ألو امستردام‬ ‫*ألو اسطنبول‬ ‫*ألو فنسن‬ ‫*ألو دير الزور ‪ ..‬ألو‪ ..‬ألو‪ ..‬ألو‪...‬‬ ‫طن ن ن ن ن ‪..‬‬ ‫فصلت الشبكة‬ ‫اتحاد الكتاب والأدباء السوريين الأحرار ‪67‬‬ ‫مجلة ورق | العدد الثاني ‪ -‬نيسان ‪٢٠٢١‬م‬

‫انتظار‬ ‫بقلم‪ :‬عبد الله أبو ك ّشة‬ ‫كانـ ْت تنتظـ ُر وصـو َلُ ك َّل مسـا ٍء لتعتـي يديـ ِه كأرجوحـ ٍة طفول َّيـ ٍة حالمـ ٍة‪ ،‬وتغ ِّطـي‬ ‫بضفائ ِرهــا ال َّصغــرةِ جبي َنــ ُه ال ُم ْت َعــ َب‪ ،‬كأشــ َّع ِة شــم ٍس ربيع َّيــ ٍة حانيــ ٍة‪ ،‬وتلتقــ َط ِمــ ْن‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫ً‬ ‫ك َّف ْيـ ِه‬ ‫يبنيـ ِه‬ ‫الي‬ ‫ال َّصغـ ِر‬ ‫لبيتِـ ِه‬ ‫وصـو ِلِ‬ ‫كعـادةِ‬ ‫الحلـوى‪،‬‬ ‫ِمـ َن‬ ‫قطعـا‬ ‫صغـر ٍة‬ ‫كعصفـور ٍة‬ ‫بأحـا ِم البُ َسـ َطاء‪ ،‬لتأمـ ِن قوتِـ ِه اليـوم ِّي‪.‬‬ ‫لك َّنـ ُه هـذهِ ال َمـ َّرةِ تأ َّخـ َر‪ ،‬وطـا َل انتظـا ُرهُ وطلعـ ْت أكـ ُر مـن شـم ٍس ولـم يعـ ْد‪ ،‬وهي‬ ‫تنتظـ ُر ذلـك الموعـ َد ال ّطفـول َّي ال ُمنت َظـ َر‬ ‫وقالوا لها‪ :‬إنَّ ُه لن يعو َد لأنَّ ُه غاد َر الحياة‪.‬‬ ‫لك َّنها بقي ْت تنتظ ُر دو َن أ ْن تستوع َب مساح ُة طفولتِها معنى كلم ِة (أنَّ ُه مات)‬ ‫هـو‬ ‫طفـول ٍّي‬ ‫حلـ ٍم‬ ‫في‬ ‫ُ َم َّيـاُه‬ ‫رؤيـ َة‬ ‫تنتظـ ُر‬ ‫بقيـ ْت‬ ‫أنَّهـا‬ ‫َّ‬ ‫الجميلـ ُة‬ ‫ضفائ ُرهـا‬ ‫وكـر ْت‬ ‫إلا‬ ‫أكـ ُر ِمـ ْن أ ْن يعيـ ِه الآخـرون‪...‬‬ ‫مـا أصعـ َب الانتظـار للقـا ٍء لـن يتح َّقـق‪ ،‬لعزيـ ٍز ذهـ َب ولـن يعـو َد لأنَّـ ُه غاد َر حياتَنـا‬ ‫يعيـ ُش‬ ‫لك َّنـ ُه‬ ‫ً‬ ‫مجـازاً‬ ‫ي ُ َسـ َّى‬ ‫والانتظـار‪.‬‬ ‫القلـ ِب‬ ‫مسـاحا ِت‬ ‫في‬ ‫(موتـا)‬ ‫وهـذا‬ ‫رجعـ ٍة‪،‬‬ ‫بـا‬ ‫مجلة ورق | العدد الثاني ‪ -‬نيسان ‪٢٠٢١‬م‬ ‫‪ 68‬اتحاد الكتاب والأدباء السوريين الأحرار‬

‫أصوات‬ ‫بقلم محاسن سبع العرب‬ ‫عليهـا‬ ‫قمـاش‬ ‫قطعـة‬ ‫أمـامي‬ ‫فـارداً‬ ‫جلسـ ُت‬ ‫ً‬ ‫الجـدار‬ ‫بمحـاذاة‬ ‫و‬ ‫الرصيـف‪،‬‬ ‫على‬ ‫تمامـا‬ ‫بضاعـي المتواضعـة‪ ،‬كنـت قـد فقـدت بـري إثـــ َر مـرض طفـولي ‪ ،‬لكـي اعتـدت على‬ ‫‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫لجعـي‬ ‫جـداً‬ ‫كا ٍف‬ ‫أخبـار‬ ‫مـن‬ ‫أسـمعه‬ ‫فمـا‬ ‫ذلـك‪،‬‬ ‫ومـكـتـئـبــا‬ ‫حزينـا‬ ‫الاتجاه‪،‬‬ ‫بهذا‬ ‫آتون‬ ‫النظام‬ ‫جنود‬ ‫من‬ ‫ً‬ ‫بأن‬ ‫يقول‬ ‫بعيد‬ ‫من‬ ‫صو ٌت‬ ‫بعضا‬ ‫أو اعتقال‬ ‫مو ٍت‬ ‫من‬ ‫ً‬ ‫بالأرض‬ ‫ترتطم‬ ‫وأقدا ٍم‬ ‫وهل ٍع‬ ‫خو ٍف‬ ‫صوت‬ ‫ت َــبـ َعـ ُه‬ ‫هربا‬ ‫وقف ُت لألملم بضاعتي وأركض باتجاه صوت الهروب الجماعي‪،‬‬ ‫وصلـي صـوت أحذيـة الجنـود العسـكرية تقترب مـي‪ ،‬كانـت تقتر ُب بشـد ٍة‪ ،‬تسـمر ُت‬ ‫مـر‬ ‫ثـم‬ ‫ً‬ ‫بجانـي‬ ‫أصبـح‬ ‫الصـوت‪،‬‬ ‫اقـر َب‬ ‫للهـرب‪،‬‬ ‫مجـالاً‬ ‫هنـاك‬ ‫يعـد‬ ‫لـم‬ ‫مـاني‪،‬‬ ‫في‬ ‫تمامـا‪،‬‬ ‫مـن أمـامي‪ ،‬تركـي خلفـه ومـى ‪.‬‬ ‫كان الجنديــان يتحدثــان‪ ،‬شــمم ُت رائحتهــم حــن مــروا‪ ،‬ابتعــد الصــوت عــي‪ ،‬بــدأ‬ ‫يتـاشى ثـم اختـى‬ ‫ابتسم ُت وقل ُت في نفسي ‪ :‬م ّن الأعمى بيننا ؟؟‬ ‫اتحاد الكتاب والأدباء السوريين الأحرار ‪69‬‬ ‫مجلة ورق | العدد الثاني ‪ -‬نيسان ‪٢٠٢١‬م‬

‫َحا ْس‬ ‫بقلم فيصل عكلة‬ ‫وتًلتم ُس‬ ‫على سـف ِح جبـ ِل ال ّزاويـ ِة الجنـوب ِّي‪،‬‬ ‫ال ّد بـف َءدةُمـواند ُأعـختُة ّيمهــانالركيـبيِرفتـإد ِلن ِ(ب ا َلكجفنرـنوببـ ِّي‪،‬ل)تَغمفــنو‬ ‫الغـر ِب‪( ،‬كفرومة )مـ َن ال ّش ِق‪.‬‬ ‫وتحيـ ُط بهـا الآثـا ُر الرومان ّيـ ُة وهي ُخربـ ُة حـاس ( َشـنشراح) وال ُر َب ّيعـ ُة مـن الشـما ِل‪،‬‬ ‫وإلى الـ ّر ِق ال ًشـمال ٍي خربـ ُة فـار ِس وإلى الـ ًر ِق ال ًجنـوب ٍي بسـاتي ُن « ِحنـاك» الأثريـ ُة ‪.‬‬ ‫وقـ ْد ُذكـرت البـ ّد ُة في معجـ ِم ال ُبـدا ِن لياقـو ِت الحمـو ِّي‪ ،‬وذلـك بعـ َد تحريـ ِر الم ّنطقـ ِة‬ ‫مـن الت ّتـا ِر وال َمغـو ِل‪ ،‬وفي العـر الحديـث‪.‬‬ ‫يعمـ ُل أبنـا ُء البـدةِ في ال ّزراعـ ِة‪ ،‬حيـ ْث تحيـ ُط بهـا حقـو ُل ال ّزيتـو ِن والتّـ ِن وال ِعنـ ِب‬ ‫ّ‬ ‫ميـاهِ‬ ‫على‬ ‫تعيـ ُش‬ ‫الـي‬ ‫الخضـارِ‬ ‫وبعـ َض‬ ‫الحبـو َب‬ ‫ويزرعـو َن‬ ‫بالم ْعصـ ِم‪،‬‬ ‫ال ِّسـوا ُر‬ ‫ُييـ ُط‬ ‫كمـا‬ ‫الأمطـارِ لافتِقارهـا إلى الميـاهِ ‪.‬‬ ‫ونتيجـ ًة لضعـ ِف موار ِدهـا الطبيعيـ ِة‪ ،‬ا ّتـ َه أبنا ُؤهـا نحـو ال ِدراسـ ِة لتأمـ ِن مسـتقبلِهم‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫كافــ ِة‬ ‫ومــن‬ ‫ال ُعليــا‪،‬‬ ‫وال ّدراســا ِت‬ ‫ال ّجامع ّيــ ِة‪،‬‬ ‫ال ّشــهادا ِت‬ ‫َحلــ ِة‬ ‫مــن‬ ‫المئــا ُت‬ ‫فيهــا‬ ‫الاختصاصــا ِت‪ ،‬وقــد وصلــت إلى درحــ ٍة قياســ ّي ٍة على مســتوى ال ِجــوا ِر!‬ ‫وفي الفـرةِ الماضيـ ِة الـي سـبق ْت انطـا َق ثـورة الكرامـ ِة‪ ،‬ظهـ َر َتـ ّو ٌل نـوع ّي بتوجـه‬ ‫الأهـالي نحـو الصناعـ ِة‪ ،‬وتـ ّم افتتـا ُح عـد ٍد مـن معامـ ِل الـ ّرادا ِت و»البلاسـتيك» ومـوا ِد‬ ‫مقبـولاً‪.‬‬ ‫اقتصاديًـا‬ ‫ّ‬ ‫رخـا ًء‬ ‫أبنا َءهـا‬ ‫منـ َح‬ ‫الي‬ ‫الأمـ ُر‬ ‫البنـا ِء‪،‬‬ ‫مجلة ورق | العدد الثاني ‪ -‬نيسان ‪٢٠٢١‬م‬ ‫‪ 70‬اتحاد الكتاب والأدباء السوريين الأحرار‬

‫يتمـ ّ ُز أبنـا ُء البـدةِ على العمـو ِم بالالـزا ِم الديـ ِّي والرزانـ ِة والهـدو ِء وال ِّدقـ ِة في اختيـا ِر‬ ‫الألفـا ِظ‪ ،‬والحصافـ ِة في التـ ّر ِف حـى ُض َب بهـم المثـ ُل مـن ال ّجـوارِ‪.‬‬ ‫ومــع بدايــ ِة ثــورةِ الحر ّيــ ِة شــارك ِت البــد ُة مــع انطلاقــ ِة ال َثــورةِ‪ ،‬وكا ِن لهــا َســبق‬ ‫ثُ ّلـ ٌة‬ ‫َ‬ ‫مـن‬ ‫خـر َج‬ ‫ِمسـكين‪،‬‬ ‫ال ّشـي ِخ‬ ‫في‬ ‫النظـا ُم‬ ‫يرتك ُبهـا‬ ‫مجـزر ٍة‬ ‫أو ِل‬ ‫ومـ َع‬ ‫الأولى‪،‬‬ ‫ال ّصيحـ ِة‬ ‫أبنائِهـا في الثامـ ِن عـ َر مـن ال ّشـه ِر الثالـ ِث مـن عا ِم ‪ 2011‬ل َيصدحـوا بمـل ِء حناجر ِهـم ‪:‬‬ ‫بال ّدم بال ّرو ِح نفدي ِك يا درعا ‪ ،‬بال ّرو ِح بال ّد ِم نفدي َك يا شهيد!‬ ‫الكبــ ِر‬ ‫م ّســج ِدها‬ ‫مــن‬ ‫جمعــ ٍة‬ ‫ك ّل‬ ‫في‬ ‫َيرجــو َن‬ ‫الســلّم ّي‪،‬‬ ‫َ‬ ‫أبنا ُؤهــا‬ ‫وتابــ َع‬ ‫ِحراكهــم‬ ‫وهــم يصيحــو َن للحر ّيــ ِة والكرامــ ِة‪ ،‬ويحملــو َن أ ّغصــا َن الز ّيتــو ِن ولافتاتِهــم الجميلــ ِة‪،‬‬ ‫ويتو ّجهـو َن إلى َكفرنبـل‪ ،‬يلتقـو َن مـع أبنائِهـا‪ ،‬ومـع َمـن يحـ ُر مـن ري ِفهـا الغـرب ِّي‪،‬‬ ‫وينحــد ُر الج ّمــ ُع الهــادر كالســي ِل العــار ِم اتجــا َه معــ ّرةِ النعمــا ِن‪ ،‬يصدحــو ِن بأهاز ّيهــم‬ ‫بــأ َّن الشــع َب الســور ّي واحــ ٌد‪.‬‬ ‫و ِلبدأ بعد قلي ٍل قواف ُل الشهدا ِء والمصابي ِن!‬ ‫ـ ٍل‬ ‫ق ّت‬ ‫ـن‬ ‫م‬ ‫ـا ًدا‬ ‫فس‬ ‫ـا‬ ‫فيه‬ ‫وعا َث‬ ‫ـ ُش‪،‬‬ ‫الجيّ‬ ‫ـا‬ ‫َ‬ ‫ـوا ِر‪،‬‬ ‫الج‬ ‫ّ‬ ‫ـن‬ ‫م‬ ‫ـا‬ ‫كغي ِره‬ ‫ـا ْس‬ ‫َح‬ ‫دخله‬ ‫بـدا ِت‬ ‫وتدمـ ٍر واعتقـا ٍل وتشريـ ٍد لأهلِهـا‪ ،‬وبـدأ ِت المعانـاة‪ ،‬وتوقفـ ِت حركـ ُة الحيـاةِ حـى أتى‬ ‫فجــ ُر التحريــ ِر‪ ،‬وطــر ِد الحواجــ ِز مــن المنطقــ ِة‪ ،‬وقــد دفعــ ِت القريــ ُة ث ّلــ ٌة مــن زهــرا ِت‬ ‫ّ‬ ‫ثم ًن‬ ‫!‬ ‫ـ ِة‬ ‫للحري‬ ‫ـا‬ ‫ومصـا ٍب‪،‬‬ ‫ـهي ٍد‬ ‫ش‬ ‫ـن‬ ‫ب‬ ‫ـباب ِها‪،‬‬ ‫ش‬ ‫وبـدأ ِت مرحلـ ٌة جديـد ٌة مـن الق ّصـ ِف الجـو ِّي‪ ،‬والصـاروخ ّي على البـدةِ الثائـرةِ‪ ،‬الأمـ ُر‬ ‫الذي أ ّدى إلى تدمـ ِر قسـ ٍم كبـ ٍر منهـا‪ ،‬واستشـها ِد وإصابـ ِة العديـ ِد ِمـ ْن أبنائِهـا‪ ،‬ونـزو ِح‬ ‫القسـ ِم الأعظـ ِم مـن أهلِهـا ‪.‬‬ ‫اتحاد الكتاب والأدباء السوريين الأحرار ‪71‬‬ ‫مجلة ورق | العدد الثاني ‪ -‬نيسان ‪٢٠٢١‬م‬

‫كمـا شـار َك أبنا ُؤهـا في ك ِّل التشـكيلا ِت‪ ،‬والأعمـا ِل التحريريـ ِة الـي جـر ْت في المنطق ِة‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫في‬ ‫الحسـن ُة‬ ‫والسـمع ُة‬ ‫الط ّيـ ُب‬ ‫الأثـ ُر‬ ‫لهـم‬ ‫وكا َن‬ ‫سـور ّيا‪،‬‬ ‫أر ِض‬ ‫امتـدا ِد‬ ‫على‬ ‫الجبهـا ِت‬ ‫كل‬ ‫في‬ ‫و‬ ‫تلـ َك المواجهـا ِت ‪.‬‬ ‫َ‬ ‫شـاركوا‬ ‫الذيـن‬ ‫اللاجئـ َن‬ ‫آلاف‬ ‫البـد ُة‬ ‫اح َتضنـ ِت‬ ‫الجـوارِ‬ ‫بـدا ِت‬ ‫نـزو ِح‬ ‫وأثنـا َء‬ ‫أهلهـا‬ ‫السـك َن ولقمـ َة العيـ ِش‪ ،‬حـى وصـ َل الأمـ ُر ببعـ ِض أبنـا ِء البـدةِ إلى تـ ّر ِك مسـاك َنهم‬ ‫بمـا فيهـا للضيـو ِف النازحـ َن‪ ،‬و َراحـوا يشـاركو َن أقربا َءهـم السـكن ‪.‬‬ ‫يقو ُل أه ُل َحا ْس ‪:‬‬ ‫إنّنـا نسـتذك ُر بعـ َض التضحيـا ِت الـي قدم ْتهـا حـا ُس الصمـو ِد‪ ،‬لا نمـ ُّن على أحـ ٍد‪،‬‬ ‫ونعتـ ُر أ َّن مـا ق ّدم ْتـ ُه جـز ًءا مـن واجبِهـا‪ ،‬وأنّهـا سـتبقى بـإذ ِن الله اسـ ًما على ُمسـ ّى‪،‬‬ ‫صامــد ًة ومســت ّمر ًة في تقديــ ِم التضحيــا ِت مهمــا َع ُظمــ ِت‪ ،‬حــى تُرفــر ُف رايــ ُة ال ّســا ِم‬ ‫والحر ّيــ ِة والكرامــ ِة خ ّفاقــ ًة في ســماءِ الوطــ ِن‪ ،‬ك ِّل الوطــ ِن‪.‬‬ ‫مجلة ورق | العدد الثاني ‪ -‬نيسان ‪٢٠٢١‬م‬ ‫‪ 72‬اتحاد الكتاب والأدباء السوريين الأحرار‬

‫درويش ما بعد الحدث‬ ‫بقلم الكاتبة ألماز علو‬ ‫كطائـر مبتـل أخـذت الورقـة الملقـاة في الزاويـة القصيـة مـن الغرفـة تهـز بفعـل‬ ‫تيـار هـوائي تـرب مـن النافـذة المقابلـة‪ ،‬في حـن افترشـت السـجادة العجميـة مجموعـة‬ ‫مـن الأرانـب والحمامـات وهي بكامـل بياضهـا‪ ،‬حيـث لـم تكـن قـد تلوثـت بخطـى‬ ‫القلـم بعـد‪ ،‬أربـع سـاعات مضـ ْت وأحمـد مـا يـزال رهـن الأفـار الـي لا تتـم‪ ،‬بـدت‬ ‫كل الكلمـات مكسـورة الأعنـاق مشـوهة النوايـا أمـام مـا يحـاول إيصـاله‪ ،‬وذلـك منـذ‬ ‫أن عاد مـن الاجتمـاع مـع رفاقـه والذي انتـى إلى قـرار كتابـة مجموعـة مـن اللافتـات‬ ‫العــام‬ ‫مــرور‬ ‫بمناســبة‬ ‫الشرفــات‬ ‫على‬ ‫لتُعلــق‬ ‫ومؤثــراً‪،‬‬ ‫ً‬ ‫بعــداً‬ ‫لكلماتهــا‬ ‫يكــون‬ ‫عميقــا‬ ‫الأول على نجـاح الثـورة‪ ،‬لكنـه لـم يكـن بـأي حـال مـن الأحـوال قـادراً على التركـز‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ومـا زاد مـن تشـتته هـو الحركـة المسـتمرة لـوالده جيئـة وذهابـا بـن الغـرف‪ ،‬بشـل‬ ‫عشـوائي وكثـر الاضطـراب كدجاجـة ُضبـت على رأسـها‪ ،‬لذا خـرج إلى الشرفـة قافـزاً‬ ‫ـ ٍق‬ ‫عمي‬ ‫ب َن َفـ ٍس‬ ‫ـه‬ ‫أعقب‬ ‫وأعتق ـه‬ ‫ـيكارته)‬ ‫س‬ ‫ـن(‬ ‫م‬ ‫ً‬ ‫ن َفس‬ ‫ـحب‬ ‫س‬ ‫أن‬ ‫ـد‬ ‫وبع‬ ‫ـه‪،‬‬ ‫أوراق‬ ‫ـوق‬ ‫ف‬ ‫ـا‬ ‫مـن الفـراغ حـوله‪ ،‬كانـت رائحـة الدم والبـارود والأتربـة مـا تـزال تمـأ الهـواء‪ ،‬ووجـوه‬ ‫مـن رحلـوا‪ ،‬مـا تـزال ترصدنـا باسـمة مـن خلـف كل حجـر‪ ،‬ولكـن عـدم احتمـال أن‬ ‫تـزداد كل تلـك الصـور والروائـح كثافـة بعـد أن انتهـت الحـرب جعلتـه يجـازف بسـحب‬ ‫لمـح‬ ‫ً‬ ‫يسـتدير‬ ‫أن‬ ‫وقبـل‬ ‫الشرفـة‬ ‫مـن‬ ‫السـيكارة‬ ‫عقـب‬ ‫ألـى‬ ‫وثالـ ٍث‪،‬‬ ‫ثـا ٍن‬ ‫ن َفـ ٍس‬ ‫مغـادرا‬ ‫خيـالاً يقـف بجانبـه‪ ،‬يرصـده بهـدوء وسـكون مرعـ ٍب‪ ،‬فالتفـت ببـط ٍء‪ ،‬كان ذاك مجـرد‬ ‫امتـداد لخيـال الأب الواقـف في الجهـة الخلفيـة ناظـراً إلى الأرض باسـتحياء لطيـف‪،‬‬ ‫اتحاد الكتاب والأدباء السوريين الأحرار ‪73‬‬ ‫مجلة ورق | العدد الثاني ‪ -‬نيسان ‪٢٠٢١‬م‬

‫بـدا كطفـل مذنـب لا يجـد طريقـة مناسـبة للإفصـاح عـن خطـأه ‪،‬ثمـة ابتسـامة كادت‬ ‫ً‬ ‫أن تعلـن عـن نفسـها على الشـفاه‪ ،‬تداركهـا أحمـد قبـل أن تفلـت مدعيـا رصانـة بـدت‬ ‫مشـبوهة لعيـي الأب عندمـا وجـه إليـه سـؤاله منقـوص الجديـة ‪:‬‬ ‫ـ ما الخطب يا أبي‬ ‫تملمــل الأب قليــاً قبــل أن يقــول ‪:‬لقــد طلــب منــا مديــر المصنــع ارتــداء أجمــل‬ ‫حللنــا لمناســبة مــا تحــدث عنهــا ســتحل غــداً‬ ‫ـ حسنا يا أبي فلتفعل‬ ‫ـ سـأفعل ‪ ...‬سـأفعل ولكـن ثمـة مشـلة صغـرة‪ ،‬تعلـم بأنـه ليـس لدي سـوى طقـم‬ ‫ً‬ ‫واحـد مقبـول نـوعا مـا وهـو خـاص للمناسـبات‪ ،‬في الحقيقـة هنالـك ثقـب عنـد الركبـة‬ ‫ًً‬ ‫بحاجـة لإصـاح‪ ،‬إنـه كبـر نـوعا مـا وملفـت للنظـ ِر وبمـا أنـك عملـت خياطـا أثنـاء‬ ‫تواجـدك في الغربـة لفـرة فهـا أصلحتـه لي بحيـث يصبـح غـر مـرئي؟‬ ‫ـ ولم لا تطلب من أمي إصلاحه هي أيضا تتقن الخياطة‪ ،‬إن لم نقل أفضل مني بكثير‬ ‫ـ أعلم ذلك ولكني صراحة لا أستطيع أن أطلب منها هذا‬ ‫ًً‬ ‫كان مـا يـزال ينظـر إلى الأرض وهـو يتكلـم ‪،‬أغلـق أحمـد عينـا مضيقـا الأخـرى و‬ ‫بهـزة رأس تنـم عـن التشـكيك تسـاءل‪:‬‬ ‫ـ لماذا؟‬ ‫ـ بصراحـة الثقـب ناتـج عـن جمـرة (أركيلـة) سـقطت عليـه عندمـا كنـت في سـهرة‬ ‫مـع الأصدقـاء‪ ،‬تعلـم كيـف صـادرت والدتـك كل مظاهـر المتعـة في المـزل بعد استشـهاد‬ ‫مجلة ورق | العدد الثاني ‪ -‬نيسان ‪٢٠٢١‬م‬ ‫‪ 74‬اتحاد الكتاب والأدباء السوريين الأحرار‬

‫أخـوك وعمـك معتـرة الفـرح خطيئـة والسـهر مـع الأصدقـاء جريمـة لا تغتفـر‪ ،‬كانـوا‬ ‫ً‬ ‫قــد ألحــوا علي آنــذاك وأنــا لــم أرفــض ‪،‬حســنا أرجــو ألا تعتقــد بــأن ألــي لا يــوازي‬ ‫ألمهـا‪ ،‬ولكـي كنـت بحاجـة لأن أتوقـف عـن الانحيـاز المسـتمر للوجـع ولـو لبرهـة‪ ،‬لـم‬ ‫أخبرهـا آنـذاك ولا نيـة لي لأن أفعـل الآن‪ ،‬تعلـم كـم سـيؤلمها هـذا‪.‬‬ ‫قـال الكلمـة الأخـرة مرفقـة بنظـرة تـرج صامـت‪ ،‬ربـ َت أحمـد على كتـف والده ـ لا‬ ‫تقلـق سـأصلحه لـك‪.‬‬ ‫لـم يـرد الأب بـيء‪ ،‬اكتـى بسـحب (سـيكارة) مـن جيبـه وضعها بـن شـفتيه ودون‬ ‫أن يشـعلها غادر الشرفـة عائـداً إلى الغرفـة حيـث تجلـس زوجتـه منحنيـة على كتـاب مـا‬ ‫تقـرأه‪ ،‬بسـكون مـر فأخـذ يتابـع معهـا الكلمـات‪.‬‬ ‫أمـا أحمـد فقـد عاد إلى غرفتـه محـاولاً متابعـة العمـل الذي كان قـد بـدأه منذ الصبـاح‪ ،‬لا‬ ‫يعـرف لمـاذا أضحـت كل العبـارات قـاصرة عـن تأديـة أي قصـد مـذ قـرر منحهـا معـى مـا ؟‬ ‫بعـد جهـد لا يسـتهان بـه‪ ،‬و بعـد الكثـر مـن الأوراق الملوثـة والممزقـة التي اسـتقرت‬ ‫جانـب العصفـور المبتـل في الزاويـة ذاتهـا انتـى بـه الأمـر إلى اللاجـدوى‪ ،‬أسـند ظهـره‬ ‫إلى الجـدار مسـتعيداً الحديـث الدائـر بينـه وبـن والده منـذ قليـل‪ ،‬حقيقـة لـم يكـن‬ ‫يجــد في نفســه ميــاً لتصديــق روايــة الأب ‪،‬فالمــرأة الــي تعاملــت مــع حزنهــا بتلــك‬ ‫الطريقـة المغايـرة لمـا هـو متعـارف عليـه عـن تعامـل الأمهـات مـع موضـوع الفقـد‪،‬‬ ‫كان‬ ‫ربمــا‬ ‫سراً‪،‬‬ ‫ممارســته‬ ‫تتوجــب‬ ‫ً‬ ‫عمــاً‬ ‫المتعــة‬ ‫في‬ ‫تــرى‬ ‫أن‬ ‫الممكــن‬ ‫غــر‬ ‫مــن‬ ‫مشــينا‬ ‫الأب هـو مـن يـراه هكـذا فحـاول التخفيـف مـن وطـأة شـعوره بالذنـب مـن خـال‬ ‫المبالغـة في وصـف رد فعـل الأم إن هي علمـت بالأمـر‪.‬‬ ‫ً‬ ‫بــدا الاحتمــال الثــاني أكــر ترجيحــا‪ ،‬وبمــا أن الأفــار كانــت تمــر بحالــة مــن‬ ‫اتحاد الكتاب والأدباء السوريين الأحرار ‪75‬‬ ‫مجلة ورق | العدد الثاني ‪ -‬نيسان ‪٢٠٢١‬م‬

‫ً‬ ‫الاسـتعصاء فقـد فضـل الانشـغال ببنطـال والده الذي أخـذ منـه وقتـا ليـس بالقليـل‬ ‫ً‬ ‫دافعــا بــه إلى الإغفــاء القــري وهــو نصــف جالــس‪.‬‬ ‫لـم يكـن يشـبه ذلـك النـوع مـن الشـتاءات الذي يكتـي ببعـ ٍض مـن حطـب في‬ ‫ًً‬ ‫مدفـأة ونوافـذ وأبـواب موصـدة‪ ،‬إنمـا كان شـتاء أرعنـا وقحـا يتسـلل خـال إي ثقـ ٍب‬ ‫ً‬ ‫وبزحــف على الجــد العــاري للوجــوه والأيــدي مســتخدما غوايــة البيــاض ليســوقها في‬ ‫النهايـة إلى عجـ ٍز تـا ٍم عـن الحركـة‪ ،‬مـع هـذا لـم تجـد الأم فيـه مـرر مـرراً للامتنـاع‬ ‫عـن إقامـة أربعينيـ ٍة لابنهـا الشـهيد بنصـب خيمـة العـزاء على طبقـة سـميكة مـن الثلج‪.‬‬ ‫في اليـوم الأخـر ومـع خـروج أخر شـخص مـن تحـت الخيمـة سـارعت الأم للجلوس‬ ‫مـع زوجهـا بعـد أن بـي وحـده طالبـة مـي أيضـاً القـدوم‪ ،‬ودون مقدمـات تقدمـت‬ ‫انحنـت إلى الأمـام قائلـ ًة‪:‬‬ ‫أريد كتباً‪ ،‬كل ما يتيسر لكم من كتب‪ ،‬وأقصد حرفياً كل ما يتيسر‬ ‫‪.‬‬ ‫تهذي‬ ‫بأنها‬ ‫م ّنا‬ ‫ً‬ ‫نرد‬ ‫لم‬ ‫ظنا‬ ‫يـردد أحمـد في منامـه مسـتعيداً كرؤيـة تفاصيـل ذلـك اليـوم بينمـا بنطـال والده مـا‬ ‫يـزال بـن يديـه ‪ ،‬ولكنهـا اسـتقامت في جلسـتها متابعـة ‪:‬‬ ‫لطالمـا أخـرني آزاد أنـه بالقـراءة وحدهـا نسـتطيع رؤيـة الأمـور خـارج إطـار الحجم‬ ‫ً‬ ‫المعطـى لهـا والذي يكـون غالبـا بقياسـات ليسـت دقيقـة ومبالـغ فيهـا‪ ،‬علي أن أقـرأ‪،‬‬ ‫ً‬ ‫لأني إن واظبـت على رؤيـة مصيبـي وفقـا لحجمهـا مـن منظـور الألـم الذي لا يتـوانى‬ ‫ً‬ ‫عـن النفـخ فيهـا يومـا بعـد يـوم‪ ،‬فـإن هـذا سـيقتلني بـا شـك‪ ،‬هنـا تأكدنـا بأنهـا‬ ‫ً‬ ‫أكـر صحـوا مـن أي وقـ ٍت مـى‪ ،‬كانـت تتكلـم بثقـة وإصرار لا يمكـن أن يكـون لأم‬ ‫مجلة ورق | العدد الثاني ‪ -‬نيسان ‪٢٠٢١‬م‬ ‫‪ 76‬اتحاد الكتاب والأدباء السوريين الأحرار‬

‫يرشـح قلبهـا ألمـا منـذ أربعـن يـوم ‪،‬تابعـت قائلـة‪:‬‬ ‫ـ لدي أطفال ما زالوا بحاجة لي‬ ‫ابتسـم أحمـد عنـد تذكـر هـذه الجملـة‪ ،‬عـن أي أطفـال تتحدثـن يـا أمي‪ ،‬كبيرهـم‬ ‫قـى شـهيداً برصاصـة قنـا ٍص بينمـا كان عائـدا مـن الجامعـة ‪،‬وأختـان اخـرت لهـن‬ ‫فقط‪.‬‬ ‫أنـا‬ ‫هـو‬ ‫لـك‪،‬‬ ‫تبـى‬ ‫مـا‬ ‫كل‬ ‫خيـاراً‪،‬‬ ‫الهجـرة‬ ‫بعـده‬ ‫ليختـارا‬ ‫بعـد‬ ‫آوانـه‬ ‫يحـن‬ ‫لـم‬ ‫ً‬ ‫زواجـا‬ ‫في اليــوم الثــاني عاد الأب إلى المــزل محمــاً بكميــة هائلــة مــن الكتــب والمجــات‬ ‫القديمـة‪ ،‬حـى قصـص الأطفـال لـم يتـوان عـن إحضارهـا‪ ،‬كانـت الأم تطلـع على الكتب‬ ‫المكومـة أمامهـا‪ ،‬فلسـفة‪ ،‬تاريـخ‪ ،‬روايـات ‪،‬قصاصـات مقتطعـة مـن مجـات وجرائـد‬ ‫محظـورة وووو‪ ،‬عندمـا وجهـت تلـك النظـرة المتسـائلة والموشـاة بـيء مـن الدهشـة إلى‬ ‫ً‬ ‫والدي‪ ،‬رفـع كتفيـه كمـن يقـول‪ :‬حسـنا أنـت مـن قـال كل مـا توفـر‬ ‫كان بـن الكتـب ثمـة كتابـن أحدهمـا بعنـوان ‪ :‬الطـرق الشرعيـة للنـاح ‪ ،‬والآخـر‬ ‫بعنـوان كيـف تمتـع زوجتـك في الفـراش‬ ‫ً‬ ‫كان الكتابـان لابـن أخيـه المـزوج حديثـا و قـد أعطـاه إياهمـا في محاولـة للتخلـص‬ ‫منهمـا قبـل أن تكتشـفهما الزوجـة‪ ،‬ابتسـمت الأم بخبـث ثـم رتبـ ْت كتبهـا‪ ،‬وبـدأت‬ ‫رحلـة إدمانهـا على القـراءة‪.‬‬ ‫دعونـا نعـود إلى الأب درويـش‪ ،‬فهـو رجـل درويـش في الخمسـن مـن عمـره‪ ،‬قـى‬ ‫عشريــن ســنة منهــا عامــاً في مصنــع للنســيج‪ ،‬لــم يبــد تحــزاً إلى أي طــر ٍف مــن‬ ‫الأطـراف‪ ،‬أو حـى اهتمامـا بالحـدث بالمعـى السـياسي أو القـومي أو حـى الإنسـاني‪ ،‬كل‬ ‫همـه كان الحفـاظ على أبنائـه الأربعـة خـارج موازيـن اللعبـة على اختـاف مسـمياتها‪،‬‬ ‫اتحاد الكتاب والأدباء السوريين الأحرار ‪77‬‬ ‫مجلة ورق | العدد الثاني ‪ -‬نيسان ‪٢٠٢١‬م‬

‫دون أن يفلـح على أيـة حـال ‪،‬أمـا حزنـه على ابنـه وأخيـه الشـهيدين فقـد تعامـل معـه‬ ‫ًً‬ ‫كمـا يفـرض برجـل مثلـه أن يفعـل‪ ،‬يبكيهمـا سرا مدعيـا في العلـن بأنـه مـن الحكمـة‬ ‫الـرضى بالقضـاء‪ ،‬في اليـوم السـابق لحادثـة البنطـال كان صاحـب المعمـل قـد طلـب مـن‬ ‫العمـال الاجتمـاع في السـاحة وذلـك قبـل انتهـاء الدوام الرسـي بسـاعة‪ ،‬حيـث وقـف‬ ‫ً‬ ‫على منصـة خشـبية محـاضرا ‪:‬‬ ‫ً‬ ‫ـ تعرفـون مـا مررنـا بـه جميعـا ‪،‬لـن أتحـدث عـن مـا مـى فكلنـا على أتـم الدرايـة بـه‬ ‫ًً‬ ‫ًً‬ ‫وكلنـا لنـا منـه نصيـب‪ ،‬إن كان أحبابـا فقدناهـم أو أمـوالا خسرناهـا أو تـردا وشـتاتا‬ ‫بـن هنـا وهنـاك عشـناه ‪.‬‬ ‫حـى تلـك اللحظـة لـم يتمكـن درويـش من الخـروج بفكـرة واضحـة عمـا يتحدث‬ ‫المديـر‪ ،‬ولكنـه واظـب على متابعـة الخطـاب باهتمـام قائلاً لنفسـه ‪:‬‬ ‫ـ طالما توجد منصة وكلمات لا نفهمها فلابد وأن يكون الأمر على قدر كبير من الأهمية‬ ‫ًً‬ ‫أمـا صاحـب المصنـع الذي توقـف فجـأة عـن الـكلام ملوحـا بيـده كمـن يطـرد ذبابـا‬ ‫ً‬ ‫لا مرئيـا يتجـول أمـام ناظريـه‪ ،‬وذلـك بعـد أن انتبـه إلى الأفـواه المفتوحـة على مداهـا‪،‬‬ ‫ً‬ ‫والعيـون المحدقـة ببلاهـة إليـه فقـد تابـع مكتفيـا‬ ‫بقول ‪:‬‬ ‫ً‬ ‫ـ حســنا‪ ،‬لــن أطيــل عليكــم بعــد غــد الســاعة الثامنــة صباحــا أرجــو مــن الجميــع‬ ‫التواجـد هنـا وهـو يرتـدي أجمـل حللـه‪ ،‬إنهـا مناسـبة تسـتحق الاحتفـاء بهـا والتزيـن لأجلها‪.‬‬ ‫تـكاد السـاعة تبلـغ العـاشرة صباحـاً ول ّمـا يهتـدي أحمـد بعـد إلى عبـارة تناسـب‬ ‫الحـدث يعلقهـا على شرفـة مـزله‪ ،‬أو بمعـى آخـر لـم يتمكـن مـن الاهتـداء إلى طريقـة‬ ‫مجلة ورق | العدد الثاني ‪ -‬نيسان ‪٢٠٢١‬م‬ ‫‪ 78‬اتحاد الكتاب والأدباء السوريين الأحرار‬

‫ناجعـة يسـتطيع مـن خلالهـا ضبـط كل مـا يختلـج في رأسـه مـن أفـار وفي قلبـه مـن‬ ‫ً‬ ‫مشـاعر ضمـن سـياق منظـم ‪ »،‬أحـام المـوتى» كانـت هـذه الجملة تـزرع جمجمتـه صعودا‬ ‫ً‬ ‫وهبوطـا دون توقـف‪ ،‬بـأي وسـيلة يـا تـرى يسـتطيع اختصـار أحـام مـن رحلـوا أثنـاء‬ ‫عبورهـم تلـك المسـافة الفاصلـة بـن هاتـف ورصاصـة‪ ،‬بـن انتظـار وقنبلـة‪ ،‬داخـل‬ ‫ً‬ ‫بضـع كلمـات‪ ،‬عبثيـة محاولاتـه البارحـة وأيضـا اليـوم أصابتـه بإرهـاق غـر مسـبوق‬ ‫خاصـة وأنـه اضطـر للاسـتيقاظ منـذ الخامسـة صباحـا بسـبب الضجيـج الذي نـره‬ ‫درويـش في المـزل بينمـا كانـت الأم تواظـب على تكـرار جملـة ‪:‬‬ ‫ـ اخلد إلى النوم أرجوك ما زال الوقت مبكراً جداً‬ ‫أمـا درويـش فقـد كان مـراً على أنـه يجـب أن يبـدو بأجمـل حالاتـه‪ ،‬ولا وقـت كاف‪،‬‬ ‫ً‬ ‫كـر طبقـا وهـو يحـر الفطـور‪ ،‬أحـرق يـده وهـو يكـوي الطقـم ‪،‬في النهايـة استسـلم‬ ‫أحمـد ووالدتـه واسـتيقظوا مكرهـن ‪.‬‬ ‫عندمـا‬ ‫الأحيـان‪،‬‬ ‫أكـر‬ ‫ً‬ ‫تـارة‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫جيئـ ًة‬ ‫الشرفـة‬ ‫يسـر‬ ‫أحمـد‬ ‫كان‬ ‫ومتأففـا‬ ‫مدخنـا‬ ‫وذهابـا‬ ‫ً‬ ‫لمــح والده يركــض في الشــارع متلفتــا حــوله بخــو ٍف‪ ،‬دخــل درويــش إلى المــزل وبعــد‬ ‫أن أجـرى سـراً سريعـاً لـ َد َرج ولأبـواب الجـران ‪ ،‬جـذب زوجتـه مـن ذراعهـا بحركـة‬ ‫ً‬ ‫سريعـة‪ ،‬موجهـا في الوقـت ذاتـه إيمـاءة مـن رأسـه إلى أحمـد تدعـوه هـو الآخـر للدخـول‬ ‫إلى الغرفـة‪ ،‬أغلـق البـاب وأسـدل السـتائر وبعـد أن جلـس وسـط الغرفة متخـذا وضعية‬ ‫القرفصـاء تنهـد بعمـق وبصـوت أقـرب إلى الهمـس بـدأ حديثـه ‪:‬‬ ‫ـ عل َّي إخباركم بما حدث معي اليوم‪،‬كل ما أرجوه ألا نضطر للرحيل مرة أخرى‬ ‫ً‬ ‫تعرفــون أن صاحــب المعمــل طلــب منــا الحضــور صباحــا‪ ،‬افترضــت أننــا بصــدد‬ ‫ً‬ ‫التحضـر لاحتفـال مـا عندمـا رأيـت الجميـع مجتمعـا في السـاحة الأماميـة للمعمـل إلا‬ ‫اتحاد الكتاب والأدباء السوريين الأحرار ‪79‬‬ ‫مجلة ورق | العدد الثاني ‪ -‬نيسان ‪٢٠٢١‬م‬

‫أن توقعـاتي لـم تكـن في مكانهـا‪ ،‬فبعـد دقائـق قليلـة توقـف بـاص كبـر في السـاحة‪،‬‬ ‫اصطــف الجميــع بانتظــام متبادلــن ابتســامات وديــة‪ ،‬هنــا انحــى بجســده إلى الأمــام‬ ‫ً‬ ‫مخفضـا مـن صوتـه درجـة ‪ :‬نعـم أقصـد مبتسـمين بالمعـى الحـرفي للكلمـة‪ ،‬عاد ليعـدل‬ ‫مــن جلســته‪ ،‬صعــدوا البــاص بهــدوء كل في دوره‪ ،‬دون تدافــع أو تملــ ًق ‪ ،‬لا أخفيكــم‬ ‫ً‬ ‫سرا عندهــا بــدأ القلــق والشــك يرســم خيوطــه الأولى في داخــي‪ ،‬على كل أخذونــا إلى‬ ‫مـان هـو مدرسـة أغلـب الظـن‪ ،‬لـم يكـن المشـهد يختلـف كثـراً مـن حيـث الوجـوه‬ ‫ً‬ ‫المبتسـمة والنظـام‪ ،‬أعطونـا أوراقـا فيهـا أسـماء لا أعرفهـا قالـوا إنهـا لمرشـحين وعلينـا‬ ‫أن نختـار أحدهـم ‪ ،‬هنـا بـدأ ألـف فـأر بالتجـول في صـدري‪ ،‬عاد للهمـس مـرة أخـرى ‪:‬‬ ‫ـ لم يكن اسم سيادته بينهم‬ ‫ـ ولكن يا أبي‬ ‫ـ أمسكت الأم بيد أحمد ‪ :‬دعه يكمل يا بني‬ ‫سألت درويش بتعاطف ‪ :‬ما الذي فعلته بعدها‬ ‫لـن‬ ‫بـأني‬ ‫ً‬ ‫قلـت‬ ‫خداعنـا‪،‬‬ ‫يسـتطيعون‬ ‫بهـذا‬ ‫أنهـم‬ ‫يعتقـدون‬ ‫الحمـى‬ ‫ابتسـ َم‬ ‫مصرحـا‬ ‫أنتخـب سـوى سـيادته ‪.‬‬ ‫ضحــك البعــض في سره وبعضهــم ضحــك علانيــة‪ ،‬أمــا أنــا فقــد بقيــت مــراً على‬ ‫موقــي حــى تقــدم إلي شــاب يافــع‪ ،‬المقلــق أنــه هــو الآخــر كان يبتســم ‪ ،‬ذاك النــوع‬ ‫مـن الابتسـامات الذي يسـبق المصائـب‪ ،‬حاولـت بـكل طاقـي لملمـة مـا تسـاقط مـي‬ ‫مـن أعصـاب وأنفـاس‪ ،‬أمـا الشـاب فقـد قـال لي بهـدوء ‪ :‬عليـك أن تتوقـف عـن ذكـر‬ ‫ً‬ ‫سـيادته‪ ،‬يبـدو أنـك رجـل درويـش‪ ،‬اسـمع يـا عـم‪ ،‬ادخـل إلى تلـك الغرفـة‪ ،‬مشـرا إلى‬ ‫مجلة ورق | العدد الثاني ‪ -‬نيسان ‪٢٠٢١‬م‬ ‫‪ 80‬اتحاد الكتاب والأدباء السوريين الأحرار‬

‫غرفـة صغـرة صنعـت مـن سـتائر أسـدلت على شـل مربـع‪ ،‬هنـاك ضـع إشـارة بجانـب‬ ‫هـذا الاسـم‪ ،‬ثـم عـد إلى منزلـك ‪ ،‬وهـذا مـا فعلتـه بالضبـط‪ ،‬الاسـم الذي حـدده لا أعرف‬ ‫لمـن يعـود‪ ،‬لابـد وأنهـا أحـد ألاعيبهـم لتوريطنـا بسـحب اعترافـات غـر معلنـة منـا‪.‬‬ ‫ـ هل سيم ُر الأم ُر على خير ؟‬ ‫ربتـت الأم كتفـه ‪ :‬لا تقلـق لـن يكـون الأمـر أفضـل حـالاً ممـا هـو عليـه اليـوم‬ ‫‪ ،‬اذهـب للنـوم لقـد اسـتيقظ َت باكـراً لا بـد وأنـك متعـب ‪،‬توجـه درويـش إلى غرفتـه‬ ‫ببـطء‪ ،‬الثقـل في قلبـه حـول جسـده إلى كتلـة بالـاد تجـر نفسـها‪ ،‬مـا أخبرهـم إيـاه‬ ‫لـم يكـن الحقيقـة كاملـة‪ ،‬ثمـة جـزء اسـتحى مـن ذكـره‪ ،‬عندمـا خـرج مـن الغرفـة‬ ‫المخصصــة لــإدلاء بالأصــوات اندفــع بــكل طاقتــه لاجتيــاز القاعــة بــأسرع وقــت‬ ‫ًً‬ ‫في مكانـه‬ ‫مـن الخلـف‪ ،‬تجمـد‬ ‫أن يـداً أدركتـه ممسـكة بكتفـه‬ ‫ممكـن‪ ،‬إلى‬ ‫مبتلعـا ريقـا‬ ‫ً‬ ‫جافـا‪ ،‬في تلـك اللحظـة عـرت ذاكرتـه كل الوجـوه الـي ودعهـا والـي قضـت دون أن‬ ‫تحظـى حـى بـوداع ‪ ،‬قـال في نفسـه ‪ :‬حسـناً إلى الجحيـم هـل سـيكون الأمـر أسـوأ ممـا‬ ‫كان‪ ،‬التفـت بثقـة ليتفاجـأ بوجـه فتـاة لهـا ملامـح ناعمـة تبتسـم برفـق‪ ،‬آخ مـن تلـك‬ ‫الابتسـامات لكـم تخيفـي ‪:‬‬ ‫ـ ما الخطب يا ابنتي‬ ‫ً‬ ‫ـ ذاك الشاب الواقف هناك‪ ،‬مشيرة بيدها إلى الشاب الذي حدد له اسما يختاره قبل قليل‬ ‫ً‬ ‫أحـس درويـش بأنـه قـد داس عمليـا في مسـتنقع مـن الرمـال المتحركـة وعليـه أن‬ ‫يحسـب حركاتـه بحـذر كإجـراء دفـاع ّي‪ ،‬وكاسـتباق للكارثـة‪ ،‬سـارع للحديـث دون أن‬ ‫يمنـح الفتـاة فرصـة للمتابعـة ‪:‬‬ ‫اتحاد الكتاب والأدباء السوريين الأحرار ‪81‬‬ ‫مجلة ورق | العدد الثاني ‪ -‬نيسان ‪٢٠٢١‬م‬

‫ـ ذاك الشـاب هـو مـن دفعـي خلـف السـتارة بعـد أن أشـار إلى الاسـم الذي يتوجـب‬ ‫ً‬ ‫علي انتخابــه‪ ،‬أنــا رجــل درويــش حــى أني لا أعلــم مــا دعــوى وجــودي هنــا أصــا‪،‬‬ ‫صاحـب المعمـل هـو مـن طلـب منـا الحضـور‪ ،‬وقـد فعلنـا تعرفـن لقمـة العيـش‪....‬‬ ‫ً‬ ‫ـ حسـنا يـا عـم ولكـن الشـاب هنـاك طلـب مـي أن أعطيـك الهويـة الـي كنـت‬ ‫قـد نسـيتها معـه‪.‬‬ ‫ســحب الهويــة مــن يــد الفتــاة بخجــل‪ ،‬ومــى بــرأس يــزداد انحنــاء مــع كل خطــوة‬ ‫يخطوهـا‪ ،‬رغـم كل شيء لـم يكـن قـادراً على الشـعور بالاطمئنـان لمـا يحـدث‪ ،‬طـوال حياتـه‬ ‫الماضيـة لـم يخـض محنـة الاختيـار هـذه‪ ،‬كانـوا يزجـون بهـم في الباصـات عنـد حلـول اليوم‬ ‫المحـدد ثـم يفرغونهـم في السـاحات العامـة ليهتفـوا ويمجـدوا ويتقافـزوا أمـام الكامـرات‬ ‫كالقـردة المدربـة‪ ،‬بعدهـا يعـود كل إلى مـزله مـع وجبـة مـن الفـول الطـازج فرحـا بعطلته‬ ‫ليـوم إضـاف ّي‪ ،‬أمـا البـاقي فقـد كان هنـاك مـن يتكفـل بـه‪ ،‬لـم يحصـ ْل أن تجـرأ أحـد على‬ ‫السـؤال عـن مـا بعـد ‪ ،‬ألا يكـون اسـم سـيادته بينهـم ‪ ،‬وأن يكـون ثمـة مرشـحين غـره‬ ‫ً‬ ‫أمـر فـاق اسـتيعابه‪ ،‬وزاده ارتبـاكا ‪ ،‬اسـتلقى على فراشـه متسـائلا مـرة أخـرى‬ ‫ـ هل سيمر الأمر على خير ؟‬ ‫ً‬ ‫السـاعة الواحـدة تمامـا‪ ،‬ثمـة لافتـة ترفـرف على شرفـة مـزل درويـش كتـب عليهـا‬ ‫بخـط كبـر وصـارخ كفضيحـة‬ ‫خلصوا الدراويش من مخاوفهم قبل كل شيء‪.‬‬ ‫مجلة ورق | العدد الثاني ‪ -‬نيسان ‪٢٠٢١‬م‬ ‫‪ 82‬اتحاد الكتاب والأدباء السوريين الأحرار‬

‫اتحاد الكتاب والأدباء السوريين الأحرار ‪83‬‬ ‫مجلة ورق | العدد الثاني ‪ -‬نيسان ‪٢٠٢١‬م‬

‫خام ًسا‬ ‫ضيف العدد‬ ‫مجلة ورق | العدد الثاني ‪ -‬نيسان ‪٢٠٢١‬م‬ ‫‪ 84‬اتحاد الكتاب والأدباء السوريين الأحرار‬

‫مؤسـس اتحـاد الكتـاب والأدبـاء السـوريين الأحـرار‬ ‫الشـاعر محمـد إقبـال ب ّلـو‬ ‫وقعهــا حــاضراً حــى اللحظــة‪ ،‬يومهــا‬ ‫أجرى الحوار‪ :‬عبد القادر ح ّمود‬ ‫عرفنـا أنـه الشـاعر الشـاب محمـد إقبـال‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الشــاعر محمــد إقبــال بلــو‪ ،‬القــادم‬ ‫مـن مدينـة عنـدان المجـاورة لحلـب مـن‬ ‫بلـو‪ ،‬وكان ذلـك مفتـاح معرفـة وصداقـة‬ ‫جهــة الشــمال‪ ،‬والــي بزغــت كإحــدى‬ ‫أعــى قــاع الثــورة منــذ بدايتهــا‪ ،‬هــذه‬ ‫واكتشـاف لشـاعر يملـك ناصيـة الموهبـة‬ ‫المدينــة الصغــرة إذا مــا تحدثــت كتــب‬ ‫الجغرافيــا والكبــرة عندمــا يتحــ َّدث‬ ‫باقتــدار‪ ،‬وكان أن بــدأت الثــورة بحراكهــا‬ ‫الزمــن‪ ،‬لا تجعلنــا نتفاجــأ إن احتضنــت‬ ‫الســلمي أولاً ومــا تــاه مــن أحــداث‬ ‫طفولـة شـاعر وسـارت بهـا نحـو الطريـق‬ ‫داميـة‪ ،‬يومهـا كانـت لقاءاتنـا تتـ ّم في أحد‬ ‫الــي نحتتهــا الموهبــة وغ َّذاهــا الإصرار‪...‬‬ ‫مقـاهي حلـب‪ ،‬وكانـت الأحاديـث برمتهـا‬ ‫يعـود لقـائي الأول بالشـاعر إلى مطلـع‬ ‫ً‬ ‫عام ‪2010‬م‪ ،‬في افتتـاح المركـز الثقافي الجديد‬ ‫عـن الحـدث الذي رأيت في الشـاعر حماسـا‬ ‫منقطـع النظـر للمـي فيـه ومواكبتـه‪،‬‬ ‫وتتالــت المحطــات عقــب ذلــك‪ ،‬وغادر‬ ‫ً‬ ‫الشــاعر عنــدان وحلــب مكرهــا‪ ،‬وبعــد‬ ‫أن حــ َّط في تركيــا غادرهــا إلى ألمانيــا‪،‬‬ ‫وخـال ذلـك طـرح فكـرة تأسـيس اتحـاد‬ ‫الكتــاب والأدبــاء الســوريين الأحــرار‪،‬‬ ‫بمدينــة عنــدان مســقط رأس الشــاعر‪،‬‬ ‫فــان المؤســس بحــق‪ ،‬وعلى كل حــال‬ ‫ً‬ ‫فلـل لحظـة مـن لحظـات مسـرته قصـة‬ ‫وكنــت مشــاركا في أمســية الافتتــاح‪،‬‬ ‫يومهــا تقــ َّدم شــاب لتقديــم المشــاركين‬ ‫بكلماتــه الطيبــة الرقيقــة والــي مــازال وتفاصيــل سنســتجلي بعــض معالمهــا مــا‬ ‫أمكــن مــن خــال هــذا الحــوار معــه‪...‬‬ ‫اتحاد الكتاب والأدباء السوريين الأحرار ‪85‬‬ ‫مجلة ورق | العدد الثاني ‪ -‬نيسان ‪٢٠٢١‬م‬

‫بداية الأمر هل يمكننا أن نتعرف على الشاعر محمد إقبال بلو؟‬ ‫‪ -‬أكتـب الشـعر وأعمـل في الصحافـة‪ ،‬مـن مدينـة عنـدان في ريـف حلـب ولدت عام‬ ‫ّ‬ ‫‪1978‬م‪ .‬لأب شـاعر هـو الشـاعر الراحـل حسـن بلـو‪ ،‬ولي مجموعتـان شـعريتان‪:‬‬ ‫ ‪(1.‬رحيق الغمام) صادرة عن ملتقى الحكايا الأدبي عام ‪2011‬م‪.‬‬ ‫ ‪2.‬سـارين‪ :‬صـادرة عـن دار المثقـف الجزائريـة للنـر والتوزيـع عام ‪2019‬م‪ ،‬كتـب‬ ‫تقديمهـا الاسـتاذ الشـاعر عبـد القـادر حمـود‪.‬‬ ‫‪ -‬ما يزيد عن خمسمائة مقال ومادة صحفية في صحف ورقية ومواقع الكترونية عربية‪.‬‬ ‫‪ -‬مؤلفان جاهزان للنشر ولم تتم طباعتهما حتى اللحظة هما‪:‬‬ ‫ ‪1.‬مذكـرات بقـرة سـورية‪ :‬حوالي سـبعين قصـة إنسـانية جميعهـا منشـورة في الصحف‬ ‫الورقيـة والمواقـع الالكترونيـة العربيـة‪ ،‬تـم جمعها في كتـاب لنشرهـا قريبا‪.‬‬ ‫مجلة ورق | العدد الثاني ‪ -‬نيسان ‪٢٠٢١‬م‬ ‫‪ 86‬اتحاد الكتاب والأدباء السوريين الأحرار‬

‫ ‪2.‬الاســتعباد الخــي للمــرأة الســورية – ريــف حلــب نموذجــا‪ :‬وهــو سلســلة مــن‬ ‫المقـالات تتحـدث عـن تفاصيـل دقيقـة يحـ ّرم المجتمـع الريـي السـوري الكشـف‬ ‫عنهـا‪ ،‬وتتعلـق بمعانـاة المـرأة السـورية والانتهـاكات المريعـة الـي تتعـرض لهـا‪.‬‬ ‫‪ -‬مؤسس موقع (زي بوست)‪ ، 2019 )sot.eip moc( ،‬وهو موقع اجتماعي أدبي‪.‬‬ ‫‪ -‬وردت في دراسـة أدبيـة عـن مجموعـة (رحيـق الغمـام) في موسـوعة أدبـاء مـن حلـب‬ ‫في النصـف الثـاني مـن القـرن العشريـن الصـادرة عـن وزارة الثقافـة السـورية عام ‪2011‬م‪.‬‬ ‫‪ -‬مقيم منذ عام ‪2015‬م في مدينة دوسلدورف الألمانية‪.‬‬ ‫نحـن نعلـم أنكـم مـن أوائـل مـن طـرح فكـرة تأسـيس اتحـاد يضـم الأدبـاء المؤيديـن‬ ‫لثـورة الكرامـة السـورية‪ ،‬فمـا هي قصـة التأسـيس؟‬ ‫بعــد انــدلاع الثــورة الســورية ضــد النظــام الحاكــم الذي قابــل شــبابها بالقتــل‬ ‫والسـجن والتنكيـل والتعذيـب‪ ،‬اسـتغربت مواقـف مئـات الكتـاب والأدبـاء الذيـن كنت‬ ‫أعتقدهـم مـن أصحـاب المثـل وقيـم العدالـة والحريـة‪ ،‬إذ وقـف العديـد منهـم في صـف‬ ‫النظــام الســوري وغــدا تاجــر كلمــة لدى الحاكــم‪ ،‬كمــا أحزنتــي عــرات القصائــد‬ ‫الـي تجاهلـت معانـاة الشـعب السـوري وغضـت النظـر عـن جرائم النظـام الذي يسـيطر‬ ‫على البـاد منـذ عـرات السـنين بقـوة القمـع والإرهـاب‪ ،‬حينهـا فكـرت بـرورة إيجـاد‬ ‫منظمــة مجتمــع مــدني تضــم الأدبــاء والكتــاب الســوريين الأحــرار‪ ،‬ليكونــوا بديــاً‬ ‫عـن اتحـاد كتـاب النظـام الذي يسـبح له ولأزلامـه ليـل نهـار‪ ،‬فبـدأت بدعـوة الأدبـاء‬ ‫الذيـن كنـت أثـق بهـم في تلـك المرحلـة‪ ،‬بـل الذيـن أثـق بهـم وتمكنـت مـن التواصـل‬ ‫معهـم‪ ،‬فعـدد كبـر مـن الأدبـاء لـم يكـن بالإمـان حينهـا التواصـل معهـم‪ ،‬وهكـذا‬ ‫اتحاد الكتاب والأدباء السوريين الأحرار ‪87‬‬ ‫مجلة ورق | العدد الثاني ‪ -‬نيسان ‪٢٠٢١‬م‬

‫تـم تأسـيس اتحـاد الكتـاب والأدبـاء السـوريين الأحـرار بعـدد مـن الأدبـاء لا يتجـاوز‬ ‫أصابـع اليديـن‪ ،‬ثـم بـدأ العـدد يـزداد ليصبـح بالمئـات‪ ،‬فـان ذلـك الكيـان الذي كنـت‬ ‫أعتقـد أن مـن واجـي العمـل على إنشـائه وتطويـره وذلـك في شـهر آب مـن عام ‪2011‬م‪.‬‬ ‫من الحراك السلمي نبدأ‪ ،‬ما هو دوركم في تلك المرحلة؟‬ ‫كنــت كمــا مئــات الآلاف مــن الســوريين أعتقــد بــأن النظــام الذي يقتــل شــعبه‬ ‫لمجـرد أنـه طالـب بفسـحة بسـيطة مـن الحريـة وبقـدر قليـل مـن العدالـة‪ ،‬لا يمكـن‬ ‫له أن يسـتمر في الحكـم‪ ،‬فشـاركت في الحـراك السـلمي والتظاهـر‪ ،‬كمـا سـ َّخرت قلـي‬ ‫وهـو السـاح الوحيـد الذي أملـك لمحاربـة هـذا النظـام وفضـح سـلوكياته‪ ،‬سـواء مـن‬ ‫خـال النتـاج الأدبي أو مـن خـال المقـالات والتقاريـر الصحفيـة الـي كتبـت ونـرت‬ ‫المئـات منهـا في صحـف مختلفـة‪.‬‬ ‫ماذا عن المراحل اللاحقة‪ ،‬مراحل القتل والدمار؟‬ ‫كنـت أعتقـد منـذ البدايـة بـأن المعركـة العسـكرية مـع النظـام السـوري خـاسرة‬ ‫لا محالـة‪ ،‬وأننـا بحاجـة لاسـتمرار الحـراك السـلمي على الرغـم مـن الكـم الهائـل مـن‬ ‫الإجـرام الذي حـدث بحـ ِّق السـوريين‪ ،‬لكنـي أيقنـت بـأن الخسـائر سـتكون أقـل مـن‬ ‫خســائر المعركــة العســكرية‪ ،‬كمــا اعتقــدت بــأن اســتمرار الحــراك الســلمي ســيحقق‬ ‫نتيجـة أقـل سـوءاً إن لـم تكـن أفضـل‪ ،‬وبالفعـل حـدث مـا كنـت أخشـاه إذ حصـل‬ ‫النظـام السـوري على المـرر لجرائمـه الـي يرتكبهـا‪ ،‬بـل أثبـت صـدق ادعاءاتـه بـأن‬ ‫الثـورة ليسـت سـلمية‪ ،‬على الرغـم مـن أنهـا كانـت كذلـك في شـهورها الأولى‪ ،‬لكـن‬ ‫النظــام وجــد مــا يســاعده على الإنــكار‪ .‬وللأهميــة فمــا ذكرتــه لا يعــي أنــي كنــت‬ ‫مجلة ورق | العدد الثاني ‪ -‬نيسان ‪٢٠٢١‬م‬ ‫‪ 88‬اتحاد الكتاب والأدباء السوريين الأحرار‬

‫ًً‬ ‫ضـد الحـراك الثـوري المسـلح‪ ،‬بـل تعاملـت معـه أدبيـا وصحفيـا تعامـل المنـاصر المؤيـد‬ ‫له‪ ،‬فـي ثـورة كالثـورة السـورية لا يمكـن لـك أن تكـون مـع جـزء منهـا وضـ ّد جـزء‬ ‫آخـر‪ ،‬أنـت لا بـد أن تكـون معهـا كاملـة أو ضدهـا بالكامـل‪ ،‬على أن تنتقـد الأخطـاء‬ ‫ً‬ ‫وتفضـح الانتهـاكات الـي تخللتهـا‪ ،‬والـي تحـدث غالبـا ضمـن الفـوضى العارمـة الـي‬ ‫َّ‬ ‫تســود مناطــق الانتفاضــات الشــعبية‪ ،‬مــن قبــل ثلــة مــن المجرمــن الذيــن يعملــون‬ ‫لصالـح النظـام سـواء بمعرفتهـم أو دونهـا‪.‬‬ ‫الشـهداء أيقونـة الثـورة السـورية فهـل لـك أن تحدثنـا عـن شـهداء الثـورة مـن الأدبـاء‬ ‫الذيـن دفعـوا حياتهـم ثمـن الكلمـة الحـرة؟‬ ‫قـدم اتحـاد الكتـاب والأدبـاء السـوريين الأحـرار شـهداء عـدة‪ ،‬كان الكاتـب محمـد‬ ‫نمـر المـدني رحمـه الله أولهـم‪ ،‬وقـد سـارع بالانضمـام إلى الاتحـاد فـور تأسيسـه‪ ،‬ليعتقـل‬ ‫بعدهـا ويتـم قتلـه تحـت التعذيـب‪ ،‬ثـم الشـاعر الشـهيد خـالد الخلـف الذي قتـل بغـارة‬ ‫جويـة في معـر بـاب الهـوى الحـدودي‪ ،‬ليليـه الشـهيد الإعـامي محمـد أحمـد تيسـر‬ ‫بلــو والذي استشــهد أثنــاء التغطيــة الميدانيــة لإحــدى المعــارك مــع النظــام بالقــرب‬ ‫مـن المخابـرات الجويـة في حلـب‪ .‬هـؤلاء الأبطـال الذيـن قدمـوا أرواحهـم فـداء للحـق‬ ‫والحقيقــة‪ ،‬هــم الذيــن يحــق لهــم أن يوصفــوا بأنهــم كتــاب ســورية وأدباؤهــا الأحــرار‬ ‫وليـس أولئـك الذيـن فضلـوا العبوديـة والارتـزاق‪ ،‬ورغـم قدسـية الشـهداء هنـاك مـن‬ ‫يماثلهــم في ذلــك‪ ،‬فأدبــاء ســورية الذيــن وقفــوا إلى جانــب الحقيقــة وحريــة الشــعب‬ ‫رغــم وجودهــم في مناطــق خطــرة لا يمكــن للمــرء الحــر فيهــا أن يأمــن على نفســه‪،‬‬ ‫هـؤلاء أبطـال حقيقيـون يسـتحقون كل إجـال وتعظيـم‪.‬‬ ‫اتحاد الكتاب والأدباء السوريين الأحرار ‪89‬‬ ‫مجلة ورق | العدد الثاني ‪ -‬نيسان ‪٢٠٢١‬م‬

‫هنـاك كيانـات أدبيـة مختلفـة تأسسـت في ظـل الثـورة كروابـط واتحـادات وملتقيات إلى‬ ‫مـا هنالـك مـن مسـميات‪ ،‬مـا رأيكـم في هـذا المشـهد‪ ،‬وهـل قـدم للثـورة مـا ينسـجم‬ ‫مـع حجـم تضحيـات الشـعب السـوري‪ ،‬ونبـل أهـداف الثـورة؟‬ ‫هـذا موضـوع سـوري عام شـائك‪ ،‬فمـا حـدث بخصـوص المنظمـات المدنيـة الأدبيـة‬ ‫والثقافيـة يشـابه مـا حـدث ضمـن المؤسسـات الإغاثيـة والإعلاميـة‪ ،‬بـل وحـى ضمـن‬ ‫التشــكيلات العســكرية المعارضــة‪ ،‬وكل ذلــك يعــر عــن فشــل ذريــع ســقطت بــه‬ ‫المعارضــة الســورية‪ ،‬الــي تحــ َّول ولاء معظــم تشــكيلاتها إلى ولاء للممــول‪ ،‬ولاء لمــن‬ ‫يدفــع‪ ،‬ولاء لــدول بالتــالي‪ ،‬ولهــذا تشــتت الجميــع‪ ،‬حــى الكلمــة وأصحابهــا غــدوا في‬ ‫شــتات‪ ،‬ثــورة بحجــم وزخــم الثــورة الســورية لا يمكــن أن تصــل إلى المرحلــة الــي‬ ‫نعيشــها إلا باســتهتارنا جميعــا دون اســتثناء‪.‬‬ ‫أول منظمـة مجتمـع مـدني تأسسـت في سـورية بعـد الثـورة‪ ،‬اتحـاد الكتـاب والأدبـاء‬ ‫السـوريين الأحـرار‪ ،‬تـا ذلـك تأسـيس تشـكيلات ثقافيـة أخـرى‪ ،‬طرحـت فكـرة الدمج‬ ‫ً‬ ‫منـذ سـنوات مـن قبـل جهـة ثقافيـة‪ ،‬كنـت حينهـا رئيسـا للاتحـاد‪ ،‬فوافقنـا موافقـة‬ ‫مبدئيـة‪ ،‬لاعتقادنـا بـرورة ذلـك‪ ،‬لتكـون المفاجـأة أن تلـك الجهـة مـع احـرامي لـل‬ ‫القامـات الأدبيـة الحـرة الـي تضمهـا‪ ،‬فرضـت علينـا شروطـا مجحفـة تـكاد أن تلـي‬ ‫ً‬ ‫هـذا‬ ‫بـأ َّن‬ ‫ً‬ ‫أكـون‬ ‫وقـد‬ ‫حينهـا‪-‬‬ ‫للموضـوع‬ ‫تقديـري‬ ‫فـان‬ ‫ً‬ ‫اتحادنـا‬ ‫ابتلاعا‬ ‫مخطئـا‪-‬‬ ‫تمامـا‪،‬‬ ‫ً‬ ‫وليـس اندماجـا‪ ،‬فرفضنـا بعـد التشـاور مـع أعضـاء المكتـب التنفيـذي والتصويـت على‬ ‫قـرار الرفـض‪.‬‬ ‫عـن علاقـة الشـاعر محمـد إقبـال بلـو بثـورة الحريـة والكرامـة‪ ،‬مـاذا تحدثنـا وأنـت‬ ‫ًً‬ ‫الذي عـر طريقـا طويـا مـن حلـب إلى تركيـا فألمانيـا؟‬ ‫مجلة ورق | العدد الثاني ‪ -‬نيسان ‪٢٠٢١‬م‬ ‫‪ 90‬اتحاد الكتاب والأدباء السوريين الأحرار‬

‫مازالـت ثـورة الشـعب السـوري هاجـي الأكـر‪ ،‬ومازالـت جـزءاً مـي ومازلـت‬ ‫ً‬ ‫جـزءا منهـا‪ ،‬في أواخـر عام ‪2011‬م صرت مطلوبـا لعـدة فـروع أمنيـة تابعـة للنظـام‪ ،‬كمـا‬ ‫تــ َّم طــردي مــن وظيفــي في مؤسســة ميــاه حلــب‪ ،‬وبقيــت محــاصراً في عنــدان لعــدة‬ ‫شــهور‪ ،‬وفي مطلــع نيســان ‪2012‬م علمــت بــأن قــوات النظــام الســوري ســوف تقتحــم‬ ‫مدينتنـا الصغـرة‪ ،‬ولا يمكـن لي المغـادرة لأي اتجـاه سـوى الغـرب حيث تركيـا‪ ،‬فغادرت‬ ‫لأسـبوعين مـع عائلـي‪ ،‬ثـم عـدت لأرى بأنهـم قـد احرقـوا مـزلي الذي عملـت لبنائـه‬ ‫عـرة أعـوام وأقمـت فيـه لعامـن‪ ،‬كمـا أحرقـوا كل مـا لدي مـن مقتنيـات ثمينـة أهمها‬ ‫أعمـال والدي الشـعرية الضخمـة‪ ،‬تلـك النسـخة الوحيـدة الـي تتضمـن مئـات القصائـد‬ ‫الـي لـم تنـر أيـة واحـدة منهـا‪ ،‬وكيـف سـينشر رحمـه الله تلـك القصائـد الـي يحـي‬ ‫معظمهـا عـن قيـم الحريـة والعدالـة والديمقراطيـة والـي تفضـح النظـام الحاكـم منـذ‬ ‫اسـتلامه السـلطة‪.‬‬ ‫عـدت إلى تركيـا وبقيـت أمـارس عمـي الثقـافي والصحـي الذي كان جـزءا مـن الثورة‬ ‫السـورية‪ ،‬ثـم عـدت مـرة أخـرى كانـت خلالهـا المعـارك على أشـدها في عام ‪2013‬م‪ ،‬فلـم‬ ‫ً‬ ‫أجـد آذانـا صاغيـة لمـا أقـوله بالمطلـق ولا حـى مـن أهـي وعائلـي ومـن كنـت أتوقـع‬ ‫ً‬ ‫اسـتجابتهم‪ ،‬فغـادرت أيضـا‪ ،‬لأعـود بعـد شـهور مـرة أخـرى‪ ،‬هـذه المـرة قمـت بتأسـيس‬ ‫أول مجلـس إدارة مدنيـة في سـورية‪ ،‬حظـي هـذا الإنجـاز باهتمـام إعـامي واسـع كونـه‬ ‫كان بدايـة‪ ،‬ليتـم إفشـال المجلـس مـن قبـل مـن أسـس لأجلهـم‪ ،‬فغـادرت ولـم أعـد‪،‬‬ ‫بقيــت في تركيــا حــى عام ‪2015‬م‪ .‬ولــم أشــأ مغــادرة تركيــا‪ ،‬فــي الحقيقــة مــا قدمــه‬ ‫الشـعب الـركي الطيـب ومـا قدمتـه الحكومـة التركيـة لنـا مـن رعايـة وتسـهيلات ليـس‬ ‫بالقليــل‪ ،‬ومــا اكتســبته مــن خــرات في هــذه المرحلــة كان مهمــا جــداً‪ ،‬إلى أن بــدأت‬ ‫أتعـرض للتهديـدات مـن أشـخاص وجهـات أسـوأ مـا في الأمـر أنـي لـم أتمكـن مـن‬ ‫اتحاد الكتاب والأدباء السوريين الأحرار ‪91‬‬ ‫مجلة ورق | العدد الثاني ‪ -‬نيسان ‪٢٠٢١‬م‬

‫تحديـد هويتهـم‪ ،‬لكنـي توقعـت أن لعمـي الصحـي دوراً في تلـي تلـك التهديـدات‪ ،‬لـن‬ ‫ً‬ ‫أتهـم أحـدا لكـن لدي تصـور عـن ذلـك‪ ،‬تطـورت التهديـدات إلى محـاولات اعتـداء‬ ‫حقيقيــة لســت بصــدد تفصيلهــا‪ ،‬مــا اضطــرني إلى المغــادرة إلى أوروبــا‪ ،‬إذ عرفــت أن‬ ‫مرحلـة جديـدة مـن الاغتيـالات قادمـة‪ ،‬ولا بـد انكـم تذكـرون مرحلـة ‪2016‬م و‪2017‬م‪،‬‬ ‫وكـم اغتيـل فيهـا مـن ناشـطين وصحفيـن‪.‬‬ ‫نعلـم بأنكـم مـن أوائـل مـن حملـوا لغـة الثـورة ومفـردات المـوت والرصـاص و (الآر‬ ‫بي جي) في قصائدهــم ونقلوهــا بتحــ ٍّد وإصرار إلى المنابــر في ظــل هيمنــة النظــام‪ ،‬مــاذا‬ ‫تحدثنـا عـن تلـك المرحلـة‪ ،‬وأيـن أنـت منهـا الآن؟‬ ‫ً‬ ‫نعـم‪ ،‬فالفكـر لا يحتـاج (آر بي جي) ولا يحتـاج مدفعـا ولا بندقيـة‪ ..‬الفكـر يـا حبيبتي‬ ‫ً‬ ‫حـب يفـوق حبنـا‪ ،‬أريـد أن أروي حادثتـن لا أنسـاهما مطلقـا عـن ذلـك في بدايـات‬ ‫الثـورة‪ ،‬فـي إحـدى المـرات في نـادي التمثيـل العـربي بحلـب‪ ،‬ألقيـت بعـض القصائـد‬ ‫ً‬ ‫القصــرة الــي تــم نشرهــا في ســارين‪ ،‬كانــت نصوصــا شــبه صريحــة واضحــة المعالــم‬ ‫والمواقـف‪ ،‬أعجـب بهـا العلامـة محمـود فاخـوري رحمـه الله‪ ،‬صافحـي ورمقـي بنظـرات‬ ‫حزينــة لــن أنســاها‪ ،‬كانــت عيونــه تتوقــع لي المصــر الأســود‪ ،‬أراد أن يقــول شــيئا لــم‬ ‫يتمكـن مـن قـوله‪.‬‬ ‫والحادثــة الثانيــة عام ‪2011‬م في بدايــات الثــورة الســورية‪ ،‬إذ أقمــت حفــل توقيــع‬ ‫ً‬ ‫لمجموعــي رحيــق الغمــام في المركــز الثقــافي في عنــدان‪ ،‬وخلافــا للمتوقــع كان عــدد‬ ‫الحاضريـن يبلـغ ضعـف أعـداد المقاعـد يومهـا‪ ،‬قبـل بـدء الحفـل طلـب مـي مديـر‬ ‫المركـز أن ألـي قصائـد مـن المجموعـة الشـعرية لا مـن خارجهـا فرفضـت‪ ،‬ثـم طلـب‬ ‫مـي مسـؤولو الحـزب أن ألـي مـن المجموعـة ذاتهـا لا مـن خارجهـا فرفضـت‪ ،‬ثـم طلب‬ ‫مجلة ورق | العدد الثاني ‪ -‬نيسان ‪٢٠٢١‬م‬ ‫‪ 92‬اتحاد الكتاب والأدباء السوريين الأحرار‬

‫مــي صديــق ذلــك فرفضــت‪ ،‬أخــرني جميعهــم أن اخبــاراً وصلــت إلى مفــرزة الأمــن‬ ‫العسـكري بأنـي سـألقي قصائـد مناهضـة للنظـام‪ ،‬بـدأت بالإلقـاء وكان عنـاصر الأمـن‬ ‫ً‬ ‫حاضريـن طبعـا‪ ،‬بعـد قليـل خرجـوا‪ ،‬خـرج وراءهـم عنـاصر الحـزب‪ ،‬والأطـرف أن مدير‬ ‫ً‬ ‫المركـز الثقـافي خـرج أيضـا‪ ،‬وبعـض مؤيـدي النظـام خرجـوا‪ ،‬فلـم يبـق في القاعـة سـوى‬ ‫ثـوار عنـدان‪ ،‬ومجموعـة علمـت بهـا فيمـا بعـد كانـت قـد تطوعـت بالحضـور لحمايـي‬ ‫مـن الاعتقـال في حـن حـاول عنـاصر الأمـن ذلـك‪.‬‬ ‫حقيقـة أنـا مازلـت أنـا‪ ،‬ومازالـت الثـورة السـورية قضيـي حـى تنتـر أو أمـوت‪،‬‬ ‫ً‬ ‫قــد يبــدو أســلوبي مختلفــا عــن الســابق‪ ،‬وذلــك ناتــج عــن تجــارب عديــدة وخــرات‬ ‫كثـرة تعلمتهـا خـال عـر سـنوات‪ ،‬بـدأت أعي مؤخـراً أن الثـورة السـورية يجـب أن‬ ‫ًً‬ ‫تكـون ثـورة علينـا أولا‪ ،‬ثـورة ضـد المفاهيـم‪ ،‬ثـورة توعويـة تقلـب الموازيـن تمامـا‪،‬‬ ‫علينـا أن نخـرج مـن القفـص الذي أدخلنـا إليـه هـذا النظـام‪ ،‬لننجـح في محاربتـه‪ ،‬ولـن‬ ‫يتمكـن مـن الانتصـار مـن هـو داخـل القفـص‪ ،‬أحـاول منـذ سـنوات كـر القفـص‪،‬‬ ‫سـنكسره كلنـا معـا وسـننتصر على هـذا النظـام الإرهـابي الدمـوي‪ ،‬فسـورية لا يمكـن‬ ‫ً‬ ‫أن تكـون أرضـا للإرهـاب‪ ،‬ولا يمكـن أن يقبـل السـوريون بذلـك‪.‬‬ ‫ثمـة حركـة أديبـة واكبـت الثـورة‪ ،‬مـا رأيكـم بهـا‪ ،‬ومـا تقييمكـم لهـذا الحـراك الأدبي‬ ‫بشـل عام‪ ،‬والحـراك الشـعري بشـل خـاص؟‬ ‫ًً‬ ‫رغـم أنـه وكمـا يقـال كان حـراكا خجـولا‪ ،‬إلا أنـه بالـغ الأهميـة‪ ،‬فلنتحـدث عـن‬ ‫البدايـة‪ ،‬معظـم الشـعارات الثوريـة الـي تـم ترديدهـا في المظاهـرات كتبهـا شـعراء وأدباء‬ ‫محل ّيـون‪ ،‬كان كل شـاعر يكتـب هتافـات لمتظاهـري منطقتـه‪ ،‬بـل وأناشـيد وأغان كاملة‪،‬‬ ‫وهـذا حـدث في معظـم المـدن والبـدات السـورية‪ ،‬قـد تكـون الحركـة الأدبيـة المنظمـة‬ ‫اتحاد الكتاب والأدباء السوريين الأحرار ‪93‬‬ ‫مجلة ورق | العدد الثاني ‪ -‬نيسان ‪٢٠٢١‬م‬

‫ضعيفـة‪ ،‬وربمـا لـم تكـن بمسـتوى تضحيـات الشـعب السـوري وعظمـة ثورتـه‪ ،‬لكن‬ ‫ً‬ ‫الحركـة غـر المنظمـة كان لهـا دور كبـر في السـر جنبـا إلى جنـب مـع الثـورة الشـعبية‬ ‫ً‬ ‫العظيمـة‪ ،‬أمـا ضعـف النـر فأسـبابه أن النـر أصبـح اليـوم مكلفـا بالنسـبة للشـاعر‬ ‫أو الكاتــب‪ ،‬فــا مــان لديــه للنــر ســوى مواقــع التواصــل الاجتمــاعي‪ ،‬ربمــا أيضــا‬ ‫ً‬ ‫ضعـف دور الكلمـة عندمـا اشـتد أزيـز الرصـاص‪ ،‬فجنـون الرصـاص لـم يبـق مجـالا‬ ‫لعاقـل كاتـب أديـب مفكـر أن يتحـدث‪ ،‬وإن تحـدث فـا جمهـور له سـوى العـرات ممـن‬ ‫يشـبهونه‪ ،‬ثورتنـا لـم تنجـب شـاعر ثـورة وهـذا مرتبـط بأنهـا لـم تنجـب قائـد ثـورة أو‬ ‫مجلـس قيـادة ثـورة‪ ،‬ثـم إن الظـروف القاهـرة الـي رافقـت هـذه الفئة مـن النـاس‪ ،‬الفئة‬ ‫الـي لا تمتلـك سـوى كلمتهـا وقلمهـا جعلهـم في أضعـف موقـف‪ ،‬باعتقـادي لا يمكـن‬ ‫أن نجـد أنفسـنا أكـر مـن ذلـك‪ ،‬فمـا مـ َّر بـه السـوريون كلهـم في الداخـل والخـارج كان‬ ‫ًً‬ ‫مذهـا‪ ،‬وأرى أن مـا أنجـز ثقافيـا رغـم ضآلتـه‪ ،‬جيـد ضمـن ظـروف كهـذه‪.‬‬ ‫مـا هي المهمـة المناطـة بالقصيـدة المواكبـة للثـورة السـورية ؟ وهـل تتفاعـل في رحلتهـا‬ ‫إلى المتلـي؟‬ ‫ً‬ ‫ســأجيب على هــذا الســؤال جوابــا لــن يعجــب‪ ،‬القصيــدة الثــورة رغــم أنــي أراهــا‬ ‫في موقـف هزيـل‪ ،‬إلا أنـي أؤمـن بأهميتهـا كشـاهد وموثـق للمرحلـة‪ ،‬فالشـعر ديـوان‬ ‫ً‬ ‫العـرب‪ ،‬وهـو ديـوان الحـروب والثـورات أيضـا‪ ،‬تطـور القصيـدة السـورية خـال سـنوات‬ ‫ً‬ ‫الثــورة لا يمكــن تجاهلــه مطلقــا حــى على صعيــد الشــل وانتقــاء المفــردات الــي‬ ‫تأثـرت بشـل هائـل بمجريـات الأحـداث‪ ،‬وتطورهـا هـذا جعلهـا أكـر قـدرة على حمـل‬ ‫الأحـداث بـن كلماتهـا بأريحيـة أكـر‪ ،‬حـى أن ظاهـرة جديـدة قـد نشـأت وسـميت‬ ‫بسـخرية (ظاهـرة الـل شـعراء) هـذه الظاهـرة الـي يراهـا البعض مشـلة المشـكلات في‬ ‫مجلة ورق | العدد الثاني ‪ -‬نيسان ‪٢٠٢١‬م‬ ‫‪ 94‬اتحاد الكتاب والأدباء السوريين الأحرار‬

‫القصيـدة السـورية‪ ،‬أعتقـد بانهـا تطـ ّور جيـد جعـل كل مـن يمتلـك القـدرة على الكتابة‬ ‫أو‬ ‫حداثـة‬ ‫لنقـل‬ ‫أو‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫شـئنا‬ ‫مـا‬ ‫لنسـ ِّمها‬ ‫القصيـدة‪،‬‬ ‫يكتـب‬ ‫أن‬ ‫يحـاول‬ ‫السـليمة‬ ‫شـعرا‪،‬‬ ‫نـرا‬ ‫غـر ذلـك‪ ،‬لكـن ذلـك كلـه سيسـاهم في توثيـق المعانـاة السـورية‪ ،‬هـذا التوثيـق الذي‬ ‫قـد يسـتنبط غيرنـا منـه الحكمـة ويحصـل على نتائـج يبـي عليهـا مسـتقبلاً‪.‬‬ ‫أمـا المتلـي‪ ،‬فـي الوقـت الراهـن غـر موجـود بالمطلـق‪ ،‬السـوري يريـد خـزاً ولا‬ ‫مـازوت‬ ‫يريـد‬ ‫السـوري‬ ‫نعـم‬ ‫مـازوت‪،‬‬ ‫يريـد‬ ‫شـعراً‪،‬‬ ‫يريـد‬ ‫ولا‬ ‫ً‬ ‫يريـد‬ ‫شـعراً‪،‬‬ ‫يريـد‬ ‫أمانـا‬ ‫ولنذهـب بقصائدنـا إلى الجحيـم‪ ،‬أو لنخبئهـا لأولادنـا وأحفادنـا ليعرفـوا مـن خلالهـا مـا‬ ‫حـدث وكيـف كان تصورنـا وفهمنـا له‪.‬‬ ‫الصـوت العـربي الباهـت تجـاه الثـورة السـورية لـم يقـف حائـاً أمـام بعـض الشـعراء‬ ‫العـرب المؤيديـن لثـورة الكرامـة‪ ،‬فمـا رأيكـم بهـذا السـياق؟‬ ‫لـن أطيـل هنـا‪ ،‬لكنـي أعتقـد بـأن أصـوات الشـعراء العـرب كانـت باهتـة أكـر مـن‬ ‫أصـوات أنظمتهـم‪ ،‬وكل مـا سـمعناه مـن قصائـد منـاصرة للثـورة السـورية كانـت حالات‬ ‫ً‬ ‫خاصـة فرديـة ولـم تكـن ظاهـرة عامـة بالمطلـق‪ ،‬بـل على العكـس تمامـا فقبـل الثـورة‬ ‫السـورية كان لدي العـرات إن لـم نقـل المئـات مـن الأصدقـاء الشـعراء مـن مختلـف‬ ‫الدول العربيـة‪ ،‬معظمهـم ابتعـد عـي منـذ إعـاني موقـي مـن الحـراك الشـعبي السـلمي‪،‬‬ ‫وهـذا لا ينـي شـعور الشـعب السـوري بالامتنـان لهـؤلاء الذيـن كنبـوا له وعنـه‪ ،‬إثـر‬ ‫موقفهــم الصــادق المنــاصر للمظلومــن والمضطهديــن‪ ،‬بــل على العكــس فالســوريون‬ ‫ً‬ ‫أوفيـاء لـل مـن قـدم لهـم كلمـة أو موقفـا أو حـى دعاء‪.‬‬ ‫اتحاد الكتاب والأدباء السوريين الأحرار ‪95‬‬ ‫مجلة ورق | العدد الثاني ‪ -‬نيسان ‪٢٠٢١‬م‬

‫ّ‬ ‫متى يكتب محمد إقبال بلو قصيدته؟‬ ‫أكتـب القصيـدة عندمـا تـولد فكـرة‪ ،‬باعتقـادي لا قصيـدة دون فكـرة‪ ،‬فيمـا سـبق‬ ‫كان الشـاعر يكتـب مئـات القصائـد الذاتيـة الـي يحـي فيهـا عن نفسـه وعن مشـاعره‬ ‫وأحاسيسـه ومعاناتـه وفرحـه وألمـه وأملـه‪ ،‬اليـوم وبوضـوح شـديد أرى بـأن هـذا النـوع‬ ‫مـن الشـعر قـد اندثـر أو أن عليـه ان يندثـر‪ ،‬نحـن في عـر لا يمكـن لـك بـل لا يحـق‬ ‫لـك أن تهـدر وقـت قـارئ بقصيـدة لا تحمـل فكـرة‪ ،‬فوقتـه ليـس كوقتـه فيمـا مـى‪،‬‬ ‫القصيـدة يجـب أن تكـون كثيفـة قصـرة محملـة بالأفـار بلغـة سـهلة إلى متوسـطة‪،‬‬ ‫حـن أتمكـن مـن ذلـك أكتـب‪ ،‬وحـن أجـد أنني سـأحكي عـن نفـي وأسـهب أتوقف‪،‬‬ ‫فـا أريـد حـى لأبنـائي أن يهـدروا وقتهـم في قـراءة شـعر غـر مفيـد‪ ،‬وهـذه نظـرة قـد‬ ‫ً‬ ‫يراهـا البعـض أنهـا ليسـت نظـرة شـاعر أصـا‪ ،‬فالشـاعر إنسـان بطبعـه ميـال للحديـث‬ ‫عـن نفسـه وكتابـة ذاتـه‪ ،‬مـات داخـي هـذه الشـاعر‪ ،‬الشـعر دون فكـرة هـدر للكلمـات‪.‬‬ ‫ماذا عن النزوح‪ ،‬والتهجير‪ ،‬والاغتراب ؟ وهل تأثر الأدب بتلك المؤثرات؟‬ ‫العوامــل المذكــورة في الســؤال ســاهمت بشــل كبــر ومتمــز في تطويــر القصيــدة‬ ‫السـورية باعتقـادي‪ ،‬فالتجـارب المريـرة الـي عانى منهـا معظـم السـوريين كان لهـا دو‬ ‫مهـم في تلويـن القصيـدة بذلـك اللـون‪ ،‬حـى أن الـزوح المتكـرر وحالـة عدم الاسـتقرار‬ ‫أنجبـت القصيـدة الكثيفـة والقصـرة‪ ،‬تلـك القصيـدة الـي تشـبه مـان الإقامـة وزمنها‬ ‫القصـر والمتغـر‪ ،‬ورغـم اسـتقرار البعـض في دول أخـرى إلا أن حالـة التوتـر الداخـي‬ ‫ً‬ ‫مازالــت تطــى وشــعور عــدم الاســتقرار واقــراب أوان الرحيــل الذي أصبــح ملاصقــا‬ ‫ً‬ ‫للســوري أو للشــاعر الســوري بــات طاغيــا في القصيــدة‪ ،‬إذ لــم نعــد نــرى قصائــد‬ ‫ً‬ ‫تتضمـن مئـات الأبيـات كمـا السـابق‪ ،‬وصـارت القصيـدة حامـا للفكـرة‪ ،‬سـواء كانـت‬ ‫مجلة ورق | العدد الثاني ‪ -‬نيسان ‪٢٠٢١‬م‬ ‫‪ 96‬اتحاد الكتاب والأدباء السوريين الأحرار‬

‫نفـق‬ ‫في‬ ‫أمـل‬ ‫عـن‬ ‫ً‬ ‫أو‬ ‫حـ ّل‪،‬‬ ‫لإيجـاد‬ ‫بـاب‬ ‫طـرق‬ ‫أو‬ ‫أخـرى‬ ‫لمعانـاة‬ ‫ً‬ ‫أو‬ ‫معانـاة‬ ‫بحثـا‬ ‫وصفـا‬ ‫لا نهايـة مضيئـة له‪ ،‬كمـا أن السـوداوية باتـت طاغيـة‪ ،‬في زمـن أسـود بالفعـل‪ ،‬في زمـن‬ ‫ً ًً ً‬ ‫كهـذا لا يمكـن للشـاعر إلا ان يكتـب حدثـا‪ ،‬ظرفـا‪ ،‬ألمـا‪ ،‬تاريخـا‪.‬‬ ‫مـا هي القصيـدة الأثـرة لديكـم والـي سـتختارها لمجلـة (ورق) الصـادرة عـن اتحـاد‬ ‫الكتـاب والأدبـاء السـوريين الأحـرار؟‬ ‫‪( -‬ريحة) مطر‬ ‫(ريحِ ْة) مط ْر‬ ‫ُم ْس َت ْف ِعلُ ْن‬ ‫م ْتفاعلن‬ ‫م َتفاعلن‬ ‫لا وز َن يكـ ُر مـا يشـ ُّع مـن الخريطـ ِة عابـراً بحـر اللجـوءِ مـن الفـرات إلى الشـمال إلى‬ ‫الـرودةِ والصقيـ ْع‬ ‫الدفات ِر‬ ‫ْ‬ ‫على‬ ‫عبرا‬ ‫قد‬ ‫والإنسان‬ ‫فالشع ُر‬ ‫بحوركم‬ ‫فوق‬ ‫يم ّر‬ ‫اللجوءِ‬ ‫بح ُر‬ ‫ِجل‬ ‫ك ّسا كل السطو ِر وم ّزقا ك ّل الور ْق‬ ‫ريحِ ْة مطر وينك يا تشري ِن الـ (خمسطعش ْر) ِسن ْي‬ ‫يـا شـه َر خيبَتِنـا الذي طـ ّ ْرت نسـما ِت الخريـ ِف على جبـاهِ المتعبـ َن وب ِ ْسـ َتها أقن ْع َتهـا أ ّن‬ ‫الحـرار َة ذاتهـا أ ّم الصقيـ ِع وأ ّن أورا َق الصنوبـ ِر لا تمـو ْت‬ ‫في بيتنا شج ُر ال ّصنوب ِر يبتس ْم‬ ‫اتحاد الكتاب والأدباء السوريين الأحرار ‪97‬‬ ‫مجلة ورق | العدد الثاني ‪ -‬نيسان ‪٢٠٢١‬م‬

‫ويخي ُط ك َّل ثيابنا بالإبرةِ الخضرا ْء‬ ‫أ ّم على ماكينـ ٍة يدو ّيـ ٍة رجل ّيـ ٍة كانـت تخيـ ُط الحـ ّب تَـ ْد ُرزه بخيطـا ٍن مـن الرمـا ِن والدراق‬ ‫والزيتـون والكينـا‬ ‫تق ّب ُل فيه أيدينا‬ ‫مفاعلتن‬ ‫مفاعيلن‬ ‫وك ْم ضا َع الشقا فينا‬ ‫على فستانها الزعلا ْن‬ ‫يهيم بدمعتي نجما ْن‬ ‫ً‬ ‫ك ُّفها‬ ‫فصارت‬ ‫مشطا‬ ‫وقلبي طار في (عندان)‪1‬‬ ‫على فستانها الزعلا ْن‬ ‫س ِك ْر ُت بريح ِة القرآ ْن‬ ‫ريحِ ْة مط ْر‬ ‫مستفعلن‬ ‫متفاعلن‬ ‫متفاعلن‬ ‫داس ْت جحاف ُل جندكم قلبي ف ُج ّن البرع ُم المخلوق من َحلَمات ور ْد‬ ‫داست جحافلكم جميع دفاتري‬ ‫داست (بين الحلم والطين)‬ ‫مجلة ورق | العدد الثاني ‪ -‬نيسان ‪٢٠٢١‬م‬ ‫‪ 98‬اتحاد الكتاب والأدباء السوريين الأحرار‬

‫داست (كلمات للحب والحرية)‬ ‫داست (إلى إقبال)‪2‬‬ ‫داست كرام َتنا وأحرق ِت النخي ْل‬ ‫بض ُع نخلا ٍت صغير ْة‬ ‫فاعلاتن فاعلاتن‬ ‫َ‬ ‫ف ِعلاتن‬ ‫َف ِعلا ْت‬ ‫بضع نخلا ٍت صغير ْة‬ ‫ال ّصفي ْر‬ ‫مو ِج‬ ‫على‬ ‫ً‬ ‫هاجر ْت‬ ‫ريحا‬ ‫ربما عند الحدو ِد استبدلت ذاك الإبا ْء‬ ‫بحذا ْء‬ ‫أو طلا ْء‬ ‫أو لدرء البرد عن زند الشتا ْء‬ ‫وأبي مازال في المقبرة الغربي ِة المزدحم ْة‬ ‫الركا ْم‬ ‫بين‬ ‫ِشعره‬ ‫عن‬ ‫ً‬ ‫باحثا‬ ‫وأني‬ ‫عنه‬ ‫الكتابة‬ ‫ورثْ ُت‬ ‫ّ‬ ‫يقولون‬ ‫أن‬ ‫فعو ْل‬ ‫فعو ُل‬ ‫َ‬ ‫فعولن‬ ‫الصرامي‬ ‫تح َت‬ ‫المروء َة‬ ‫يري ُق‬ ‫إل ٍه‬ ‫بك ّل‬ ‫كفر ُت‬ ‫ّ‬ ‫عنه‬ ‫الكتابة‬ ‫ورثت‬ ‫وأن‬ ‫لك ريحِ ْة مطر والله وح ّق ال ِّشع ْر ريحة مط ْر ِو ْصلِ ْت م ِن الأورا ْق‬ ‫عط ِر القصائد من بواري ِد الغض ْب أقوى وأقوى م ِن العشا ْق والأشوا ْق‬ ‫اتحاد الكتاب والأدباء السوريين الأحرار ‪99‬‬ ‫مجلة ورق | العدد الثاني ‪ -‬نيسان ‪٢٠٢١‬م‬

‫ريحِ ْة مطر وك ّل الحني ْن القل ْب كل ْه اِستع ْر‬ ‫(تبكين ويستعر الألق الوحش ّي‬ ‫تنوء حنايا الصدر بآلام الحرما ِن‬ ‫يتواثب شو ُق الهمسا ِت‬ ‫فيجرح كال ّسي ِف القاط ِع وج َه الصم ِت المخبو ِء‬ ‫يح ّط ُم جدران ال ّصبر يف ّج ُر أنا ِت الكتما ِن)‪3‬‬ ‫َف ِعلُ ْن فعلن َف ْعلُ ْن فعلن‬ ‫يا ليت قصائدنا المخنوقة تصر ُخنا تبص ُقنا في وج ِه القرصا ِن كر ّش ِة مل ْح‬ ‫فوق الجر ْح‬ ‫يا ذاك الوط ُن المقتو ُل أما م ْن ُص ْب ْح؟‬ ‫وأخـراً‪ ،‬بمـا أن الاتحـاد منظمـة مجتمـع مـدني ثقافيـة تُعنى بشـؤون الكتابـة الإبداعية‬ ‫والفكـر والبحـوث‪ ،‬تضـم كتابـاً سـوريين آمنـوا بالقيـم الكـرى الـي تبنتهـا الثـورة‬ ‫الســورية في الحريــة والعدالــة وحقــوق الإنســان‪ ،‬فمــا هي رؤيتكــم عــن مســتقبل‬ ‫الاتحـاد وتقييمكـم للوضـع القائـم ومقترحاتكـم للمسـتقبل؟‬ ‫أعتقــد بــأن الخطــوة الأولى والــي باتــت هامــة جــداً‪ ،‬وألــوم نفــي على التقصــر‬ ‫فيمـا مـى في العمـل عليهـا‪ ،‬هي طـرح مبـادرة لتوحيـد كل الكيانـات الأدبيـة السـورية‬ ‫المنـاصرة للثـورة السـورية‪ ،‬المنـاصرة فقـط‪ ،‬والعمـل بشـل جـدي على إنجـاز ذلـك‪ ،‬كمـا‬ ‫أقــرح العمــل على اســتقطاب المواهــب الأدبيــة الشــابة والاعتنــاء بهــا وإظهارهــا على‬ ‫وسـائل الإعـام المتاحـة‪ ،‬والتوجـه نحـو الأطفـال خاصـة أولئـك الذيـن في سـ ّن المراهقـة‪،‬‬ ‫مجلة ورق | العدد الثاني ‪ -‬نيسان ‪٢٠٢١‬م‬ ‫‪ 100‬اتحاد الكتاب والأدباء السوريين الأحرار‬


Like this book? You can publish your book online for free in a few minutes!
Create your own flipbook