Important Announcement
PubHTML5 Scheduled Server Maintenance on (GMT) Sunday, June 26th, 2:00 am - 8:00 am.
PubHTML5 site will be inoperative during the times indicated!

Home Explore لغتنا الجميلة 2018-2020

لغتنا الجميلة 2018-2020

Published by Noire Ltd, 2020-05-16 06:20:41

Description: لغتنا الجميلة 2018-2020

Search

Read the Text Version

‫الطالبة ‪ /‬جودى رأفت‬ ‫رسوم ‪ .‬د‪ /‬هند الفلافلى‬ ‫‪51‬‬

52

‫حب الأصدقاء‬ ‫بقلم‪ :‬جودى رأفت‬ ‫في يوم من الايام دخلت المعلمة الي الفصل متحمسه ‪ ،‬وقامت بتحية الطلاب وطلبت ان يخرج كل‬ ‫واحد منهم ورقة ويكتب عليها قائمة بأسماء زملائه في الفصل مع ترك مسافة بين كل اسم وأخر‪،‬‬ ‫ثم طلبت منهم أن يقوموا بكتابة أجمل شئ يمكن قوله عن كل زميل في هذه المسافة الخالية‪،‬‬ ‫وأخبرتهم المعلمة انها سوف تجمع الاوراق بعد نهاية اليوم الدراسي‪.‬‬ ‫وبالفعل بدأ كل طالب يحضر ورقته ويكتب فيها ما طلبته المعلمة‪ ،‬وفي النهاية جمعت المعلمة كل‬ ‫الاوراق وكتبت اسم كل طالب في ورقة منفصلة وتحته قائمة بكل ما كتبه عنه زملائه‪ ،‬ثم اعطت‬ ‫كل طالب وطالبة الورقة التي تحمل ما كتبه عنه اصدقائه في الفصل ‪.‬‬ ‫بعد مرور وقت قصير بدأت ابتسامه عريضة تظهر علي وجوه الجميع وهم يقرؤون الاوراق‪،‬‬ ‫وتردد في انحاء الفصل عبارات بنبرة سعيدة مثل‪ -:‬حقا!! لم اكن اعرف اني محبوب لهذه الدرجة‬ ‫من زملائي!‬ ‫مر اليوم ونسي الطلاب أمر الأوراق ولكن الاختبار أتي ثماره ونتائجه المراده حيث كان الجميع سعيد‬ ‫ومسرور من نفسه ومن الآخرين ايضا‪ ،‬وكبرت تلك المجموعة من الطلاب ‪ ،‬وانتقلوا من صف الي‬ ‫صف وتخرجوا من المدرسة ‪.‬‬ ‫وبعد مرور سنوات طويلة صار احد هؤلاء الطب ضابط وقتل في حربه ضد الإرهاب حضرت‬ ‫المعلمة الجنازة وكانت هذه المرة الاولي التي تري فيها جنديا في كفن عسكري‪ ،‬لقد كان وسيما‬ ‫وجميلا وامتلأت الجنازة بأصدقاء هذا الضابط القدامى من المدرسة‪.‬‬ ‫وأحاطوا بالنعش وهم يتمنون له الرحمة والمعفرة ‪.‬‬ ‫وكانت المعلمة تدعوا له بالرحمة‪ ،‬فجاء اليها زميل له وسألها \"‬ ‫هل انت معلمة احمد لمادة اللغة العربية ـ أومأت بالإيجاب‪.‬‬ ‫فقال زميله ‪ :‬كان احمد يتحدث عنك كثيرا ‪ ،‬بعد انتهاء الجنازة جاء والد احمد ووالدته للتحدث‬ ‫مع المعلمة وطلبوا منها أن تأتي معهم حتي يعرضوا عليها شيئا ما ‪ ،‬ثم قام والده بإخراج ورقتين‬ ‫من محفته عليهم شرائط لاصقة ويبدو عليهم القدم وأثر السنوات واضحا عليهم للغاية ثم اعطي‬ ‫هذه الاوراق للمعلمة وقال لها انهم وجدوا هذه الورقة عندما قتل ‪ ،‬تعرفت المعلمة عل الفور عل‬ ‫الاوراق فقد كانت هي قائمة الصفات الطيبة التي كتبها الزملاء في احمد‪.‬‬ ‫عندما اخبرتهم المعلمة بالأمر اخذت والدة احمد تبكي بحرارة وهي تقول‪ :‬نشكرك كثيرا علي فعل‬ ‫هذا‪ ،‬كما ترين كان احمد يعتبرها ثروته ‪.‬‬ ‫‪53‬‬

‫بداء باقي زملاء احمد القدامي يتجمعون حول المعلمة ويخبرونها‬ ‫ايضا ان كل واحد منهم لا يزالون حتي الان يحتفظون بهذه القائمة‪.‬‬ ‫فرحت المعلمة جدا بهذا السلوك وعلمت ان مجهودها لم يذهب هباء‪.‬‬ ‫العبرة من القصة ‪-:‬‬ ‫جميل أن نخبر من نحبهم بذلك ‪ ،‬ونشعرهم بمدي اهميتهم ‪ ،‬ونعبر لهم عل مكانتهم وأنهم مهمون‬ ‫واستثنائيون في حياتنا‪.‬‬ ‫دعونا نخبرأصدقائنا أنهم يعنون الكثير لنا‪ ،‬قبل فوات الاوان ‪.‬‬ ‫‪54‬‬

‫للطالب‪ /‬أحمد ياسر فاروق‬ ‫رسوم‪ :‬د‪ .‬جمـــال الخشـــن‬ ‫‪55‬‬

56

‫رحلة نور‬ ‫بقلم‪ :‬أحمد ياسر‬ ‫كانت السماء تغطيها السحب والأشجار تهتز من قوة الرياح وتنفض أوراقها بينما كان المعزون‬ ‫يتوافدون للدعاء إلى المتوفي‪ ...‬بعد لحظات جاء الحانوتي وفتح باباً من الحديد كان مدفوناً في الأرض‬ ‫تحت أوراق الشجر المتساقط ثم حمل هو ومساعده المتوفي ووضعوه في غرفة تحت الأرض‪ .‬وبدأ‬ ‫في قراءة بعض آيات القرآن الكريم والأدعية للمتوفي ثم أقفل الحديدي بإحكام وبعدها قدم واجب‬ ‫العزاء وانصرف هو ومساعده‪.‬‬ ‫وبعد نصف ساعة تقريباً كانت المدافن خاوية من الناس ليس بها إلا فتى ذو خمسة وعشرون‬ ‫ربيعاً‪ ,‬نحيف الجسم‪ ,‬أبيض الوجه والبشرة على عكس شعره الذي كان شديد السواد وعيناه التي‬ ‫تملأها الدموع‪ ,‬وتجلس بجواره على الكرسي الخشبي فتاه جميلة ذات عيون زرقاء وشعر بني‬ ‫مسترسل طويل وبشرة بيضاء نضرة تبكي بحرقة وشدة على المتوفي فهو والدهما‪...‬‬ ‫أخذ راضي أخته أمال وانصرفا باكيين بدموع ممزوجة بماء المطر الغزير‪ .‬وفي الطريق أخذ‬ ‫راضي يتذكر والده في أيامه الأخيرة‪ .‬حيث كان مريضاً لا يقدر على الحركة لكن يتكلم بعض‬ ‫الكلمات من فترة إلى أخرى ثم ينام في سبات عميق‪...‬‬ ‫ما كان طريق العودة إلى المنزل طويلاً‪ ,‬وبمجرد دخولهما البيت انهالت أمال في البكاء‪ ,‬فنظر إليها‬ ‫راضي وأدرك أنها أول مرة تدخل البيت ووالدها ليس بالداخل‪ .‬كان بيتاً صغيراً به أربع حجرات‬ ‫ويحتوي على أثاث بسيط ذو ذوق غاية في الأناقة والجمال‪ .‬دخل الابن غرفة أبيه وبدأ في استرجاع‬ ‫ذكرياته مع أبيه وأدرك أن الأب لا مثيل له حتى إذا كان شديداً أحياناً في التعامل ولكن هذا من‬ ‫خوفه على ابنه وليس لأنه قا ٍس‪.‬‬ ‫وفجأة‪ ...‬تذكر هذا الصندوق الذي أعطاه والده إياه قبل وفاته وقال له‪\" :‬لا تفتحه يا بني إلا عندما‬ ‫ألاقي ربي‪ \".‬وبالفعل ظل هذا الصندوق في غرفة راضي ولم يفتحه‪...‬‬ ‫أخذ راضي الصندوق خارج غرفته ليفتحه وفي هذه اللحظات لاحظت أمال من باب حجرتها راضي‬ ‫وهو يفتح الصندوق وكانت ليست من عاداته الاحتفاظ بالأشياء في الصناديق ولاحظت أيضاً أن‬ ‫الصندوق من ( أنتيكات ) أبيها فخرجت من غرفتها لكي تعرف ما سر هذا الصندوق وسألت‬ ‫أخاها‪\" :‬ما هذا الصندوق يا أخي ؟؟\" فأجاب راضي‪\" :‬هذا هو الذكرى الوحيدة الباقية من أبي‪,‬‬ ‫فقد طلب مني عدم فتحه حتي يتوفاه الله\"‪ .‬وحينها بدأ راضي في فتح الصندوق الخشبي فوجد‬ ‫فيه ورقة على شكل رسالة مكتوبة بخط يد الأب فقرأها بصو ٍت عا ٍل‪\" :‬أبنائي الأعزاء‪ ,‬عندما تقرأوا‬ ‫هذه الرسالة سأكون ملاقي ربي وربكم فادعوا لي بالرجمة والمغفرة‪ .‬هذه ليست وصية ولكم حق‬ ‫‪57‬‬

‫الإختيار في تنفيذها من عدمه‪ ...‬ولكني أردت أن أذكركما بأن هذه البلاد التي نعيش فيها ليست‬ ‫ببلدنا وليست بمسقط رأسنا وكما تعلما نحن غرباء نعيش فيها حتى إذا كنا نحمل جنسية هذا‬ ‫البلد إلا وأنه ليس بموطننا الأصلي ولقد سافرت بكما من ( بلدنا ) بعد أن توفيت أمكما بعد صراع‬ ‫طويل مع المرض بسبب عدم وجود إمكانيات طبية ولا أماكن للعلاج على مدار الحرب الدامية‬ ‫والمستمرة في ( وطننا )‪ ...‬أنا الذي سافرت بكما من ( بلدنا ) في الماضي ابتغا ًء لحياة أفضل وأنا الذي‬ ‫أطلب منكما الآن الرجوع إليها لأن بعد وفاتي ستشعران بالغربة أكثر بسبب عدم وجودي‪ .‬هاجرنا‬ ‫إلى هنا لكي أحميكما وتعيشا حياة هنيئة‪ ,‬ولكن نحن هنا مجرد لاجئين يحملون جنسية بلد ليست‬ ‫ببلدهم وبالرغم من هذا كله إلا وأننا نتعرض إلى أسوأ أنواع العنصرية والإهانة فأدركت حينها‬ ‫أن أعيش في بلدي دون أمان أشرف بكثير من أن أعيش خارجها مهاناً‪ ...‬فإذا عزمتما العودة فابحثا‬ ‫عن نور في ( بلدنا ) ستجدانها في منزل صديقي شمس الذي كنت أحدثكما عنه وعنوانه مكتوب‬ ‫في ظهر الورقة‪ .‬وتذكرا أن لكما حرية الاختيار ولكن إذا قررتما البقاء أو الرحيل فيجب عليكما أن‬ ‫تتفقا على نفس القرار\"‪.‬‬ ‫كانت هذه آخر كلمات رسالة والدهما التي قرأها راضي بدهشة كبيرة بسبب طلب والده المفاجئ‪...‬‬ ‫في هذه الأحيان نظر لأخته قائلاً‪\" :‬أظنك تعرفين رأيي حيال هذا الطلب\" فردت قائلة‪\" :‬ولكن هذا‬ ‫طلب أبي الوحيد‪ ,‬فلم لا نلبيه ؟؟\" أجاب راضي‪\" :‬يا أختاه‪ ,‬قال أبي بأن لنا حرية الاختيار وأنا كراضي‬ ‫( راضي ) بالوضع على ما هو عليه‪ ...‬بالإضافة إلى أنني لا أعرف ما الذي يخفيه القدر عند الرجوع\"‪.‬‬ ‫قالت أمال‪\" :‬يا راضي‪ ,‬مهما كان سوء القدر إذا عدنا سيكون أهون بكثير من العيش هنا في بلد‬ ‫غريب وسنظل نصرف من مال والدنا حتى ينفذ وأنت لا تملك مصدر دخل ثابت حيث بغ أسابيع‬ ‫من تعيينك في أي عمل يأتي صاحبه ويقوم بالاستغناء عنك لأن الأولوية في العمل لمواطني هذا‬ ‫البلد وأصحاب هذه الأرض ولكن بالنسبة إلينا فمكاننا هو الهامش نعم يا راضي نحن مهمشون‪,‬‬ ‫نحن بدون وطن وبدون انتماء إلا إذا كنت تسمي من جاءوا إلى الجنازة اليوم أهل ويعوضون عن‬ ‫الوطن‪ ...‬بلى يا أخي فإنهم يشاركوننا نفس همومنا ليس أكثر\"‪ .‬قاطعها راضي قائل ًا‪\" :‬أنا مستمر‬ ‫في عملي منذ شهر وتأكدي أن هذه المرة سأظل في عملي ونعيش كما نتمنى\"‪ .‬قالت أمال‪\" :‬إنها‬ ‫ليست بمسألة عيشة وراحة كما تظن‪ ,‬ولكنها مسألة العيش مرفوع الرأس شامخاً وهنا كما تعلم‬ ‫إذا رفعت رأسك ل ُضبت عليها لتخفضها‪ ...‬مع الرغم أنني معترضة على هذا القرار ولكن سأترك‬ ‫الأيام تثبت لك صحة حديثي‪ .‬بعد هذا النقاش الطويل‪ ,‬انصرف كل منهما إلى حجرته للراحة بعد‬ ‫يوم صعب ومرهق‪.‬‬ ‫بعد بضعة أيام عاد راضي إلى المنزل من العمل مبكراً فتعجبت أمال وسألته‪\" :‬لماذا أتيت باكراً‬ ‫‪58‬‬

‫اليوم ؟؟\" رد راضي بصوت حزين‪\" :‬كنت على حق يا أمال هذا ليس مكاننا ولا وطننا‪ ,‬لقد تعرض‬ ‫المصنع الذي أعمل فيه إلى أزمة مالية فقرر صاحب المصنع إلى إجراء تصفية حسابات بعض العمال‬ ‫وكما توقعت فأنا من ضمنهم لقد استغنى عني صاحب العمل‪ ...‬لعل ( بلدنا ) الأصل تكون أفضل‬ ‫مأوي وأحسن م َحل‪ \".‬واست أمال أخاها قائلة‪\" :‬لا تحزن يا أخي فبإذن الله سنعود إلى ( وطننا )‬ ‫سالمين آمنين ونعيش فيه حياة كريمة\"‪.‬‬ ‫بعد ثلاث ليا ٍل‪ ...‬كان قد استعد الأخوان للعودة إلى ( بلدهما )‪ .‬وفي المساء‪ ,‬ركبا على متن الطائرة‬ ‫ونفسهما ُمشبعة بالآمال‪ ,‬لا تفارق نور أو الرسالة ذهنهما‪ ...‬وفي هذه الأحيان بدأت الأرض بالابتعاد‬ ‫شيئاً فشيئاً حتي حلقت الطائرة وركبت متن الرياح‪.‬‬ ‫بعد سفر استغرق يوماً كامل ًا وصلت الطائرة إلى مطار ( وطنهما ) المشتاق إليهما بسلام وأمان‬ ‫في الصباح بسبب فارق التوقيت بين البلدين‪ ...‬أخذ راضي وأخته حقائب السفر من فوق سير‬ ‫الحقائب ثم استقلا سيارة أجرة من أمام بوابة المطار متجهة إلى عنوان منزل شمس صديق‬ ‫والدهما‪ .‬وفي الطريق كانت نافذة السيارة تطل على أجمل المناظر وأبهاها من طبيعة خلابة وسماء‬ ‫صافية وشمس مشرقة وأشجار يافعة بالرغم من الدمار الذي أصاب البلاد منذ سنوات حتي وقتنا‬ ‫الحالي‪ ...‬نظر السائق إلى راضي وأمال وشعر بأنهما غريبان عن هذا البلد فسألهما‪\" :‬هل أنتما من‬ ‫( بلدنا ) ؟؟\" أجابه راضي‪\" :‬نعم‪ ,‬نحن من هنا وهذه ( بلدنا ) الأصل ولكننا أمضينا في الغربة أكثر‬ ‫من نصف عمرنا\"‪ .‬قال السائق‪\" :‬بالرغم من الذين هاجروا من البلد والدمار الذي ح َّل بها إلا وأنها‬ ‫من أجمل بلاد العالم وشعبها من أكثر شعوب العالم قوة وصبراً‪ ,‬هنا كلنا سند وعون لبعضنا البعض‬ ‫وليس المهم من أين أتيت ولا من أنت ومن تتبع ولكن المهم هو أن أظل عونك وأمد يد المساعدة‬ ‫في أي وقت\"‪ .‬استمع راضي إلى هذه الكلمات وهو يتحسر على عدم العيش في بلده وبين هؤلاء‬ ‫الناس الكرماء‪ .‬في هذا الوقت‪ ,‬كانت تنظر أمال من النافذة متمنية لو كان والدها ما زال على قيد‬ ‫الحياة ومعها في هذه الرحلة‪.‬‬ ‫وبعد ساعة‪ ,‬وصلت السيارة أمام منزل شمس فقال لهم السائق‪\" :‬هذا هو العنوان المدون في‬ ‫الورقة\"‪ .‬سأله راضي‪\" :‬لم ألحظ عداد الكيلومترات‪ ,‬فكم الأجرة ؟؟\" فرد السائق ضاحكاً‪\" :‬ليس لدينا‬ ‫عداد ولكن اعتبر هذه الرحلة مجانية فهي أول رحلاتك هنا‪ ...‬لا أظن أن هناك سائقين هكذا في‬ ‫الغربة‪ ,‬وتعمدت أيضاً أن أريك عظمة هذا الشعب وأثبت لك أنه من أكرم شعوب العالم بهذا‬ ‫المثال الصغير من شخص فقير مثلي\"‪ .‬ثم انطلق بالسيارة دون أن يسمع رد راضي‪ ...‬كان منزل‬ ‫شمس منزلاً صغيراً خشبياً بسيطاً ويصدر منه صوت الصغار يغنون والكبار يضكحون‪ .‬تقدم راضي‬ ‫وأخته شيئاً فشيئاً نحو الباب وبدأ راضي بطرق الباب حيث كان لا يوجد جرس‪ ...‬بعد طرق استمر‬ ‫‪59‬‬

‫فترة وجيزة فتحت لهما فتاه صغيرة تشبه الملائكة في برائتها وجمالها‪ .‬سألها راضي‪\" :‬هل هذا منزل‬ ‫شمس ؟؟\" فهزت رأسها بالإيجاب وأشارت لهما بالدخول‪.‬‬ ‫دخل راضي وأمال فوجدا هذا المنزل البسيط دافئاً بالفرحة والمرح حيث لا يوجد إلا كرسي واحد‬ ‫في المنزل يجلس عليه عجوز ذو شعر أبيض ولحية بيضاء خفيفة‪ .‬بينما كان الجميع يلتفون حوله‬ ‫كبار وصغار جالسين على الأرض ليستمعوا لقصصه عن أصدقائه القدامى الذين رحلوا إلى ربهم‬ ‫أو الذين رحلوا عن بلدهم‪ ...‬انضم راضي وأمال إلى الجالسين ولم يرهما العجوز فمن الواضح أنه‬ ‫كفيف‪ .‬وبدأ يحكي عن صديقه بدر الذي سافر مع أولاده راضي وأمال‪ .‬فنظر الأخ والأخت لبعضهما‬ ‫البعض‪ ,‬فهذه هي قصتهما وأدركا أن هذا العجوز هو شمس صديق والدهما‪ .‬وبعد أن انتهى‬ ‫شمس من الحديث‪ ,‬خرج صوت من الجالسين مشيراً إلى راضي وأمال‪\" :‬من أنتما ؟؟ ومن أين أتيتما‬ ‫؟؟\" رد راضي مبتسماً‪\" :‬أنا راضي بن بدر وهذه أختي أمال ونحن أصحاب القصة التي كان يقصها‬ ‫العم شمس\"‪ .‬نزلت هذه العبارات على شمس كالماء البارد وشعر بهزة في جسده وتذكر أن بدر‬ ‫كان قد قال له‪\" :‬إذا أتى إليك أبنائي فاعلم أني قد رحلت عن دنياكم‪ \".‬وهذه كانت آخر رسالة بينهم‬ ‫قبل أن تنقطع أخباره‪ .‬قال شمس بكلمات متقطعة‪\" :‬لقد توفى أعز صديق لي وأنا أدين له بالعرفان‬ ‫على مدار حياتي ولم وأنسه حتي عندما سافر ولا عندما انقطعت أخباره فاقتربا يا أبنائي أنتما أبناء‬ ‫صديقي العزيز وأبنائي أيضاً فأنا لم أتزوج\"‪.‬‬ ‫جاء موعد الغداء‪ ,‬ولاحظ راضي أن الجميع يشارك في الطعام ولا يوجد طمع أو جشع رغم فقرهم‬ ‫الشديد‪ .‬بينما كان الكل سعيد بالوافدين الجديدين إلا وأن الفتاة التي فتحت لأمال وراضي الباب‬ ‫كانت لا تبتسم قط‪ ,‬وتحدق النظر إلى أمال وعيناها تملأها دموع خفية‪ .‬فذهبت إليها أمال‬ ‫وسألتها‪\" :‬ما الذي بك يا صغيرة ؟؟\" فجذبت الفتاه السلسلة وفتحت الدلاية وأخرجت منها صورة‬ ‫لفتاه تشبه أمال‪ .‬فتعجبت أمال من هذا الشبه وسألتها‪\" :‬لمن هذه الصورة ؟؟\" فرد عليها صوت من‬ ‫الجالسين قائل ًا‪\" :‬هذه أخت شروق فهي قد فقدتها في إحدى غارات الحرب الدامية والقاسية‪ ,‬ومنذ‬ ‫هذا الحين هي صامتة لا تتفوه بكلمة وقال الأطباء إن هذا من آثار الصدمة فكانت أختها هي‬ ‫التي تشجعها على الغناء فصوت شروق جبلي قوي‪ ,‬وهي ليست الوحيدة هنا المتضررة من الحرب‬ ‫فهناك العم شمس أيضاً فقد بصره في إحدى المعارك ولكن الحمد لله على كل شيء نحن راضون‬ ‫طالما هذه الأرض سالمة وسنفديه حتى الموت\"‪ .‬هزت هذه الكلمات جسد راضي وأمال وأشعلت‬ ‫روح الانتماء وقيمة هذه الأرض لديهما وحبهما لها‪.‬‬ ‫بعد الغداء‪ ,‬التف مرة أخرى الصغار والكبار حول العم شمس‪ .‬كانت أمال تريد أن تسأل العم‬ ‫شمس سؤالاً منذ أن دخلت البيت هي وأخوها فقالت بصوت عا ٍل‪\" :‬يا عم شمس‪ ,‬كيف دخلت أنا‬ ‫‪60‬‬

‫وأخي هنا وجلسنا دون أن يسألنا أحد من أنتما ؟؟ لقد ُسئلنا بعد أن جلسنا واستمعنا لحديثك\"‪.‬‬ ‫رد العم شمس مبتسماً‪\" :‬يا ابنتي هذا البيت مفتوح لأهل البلد كلهم‪ ...‬فهو يسمي بيت الشعب‪.‬‬ ‫ويأتي كل جمعة من كل أسبوع الأهالي لنشارك بعضنا البعض الحياة بحلوها ومرها\"‪ .‬نظرت أمال‬ ‫إلى هذا العجوز وأدركت مدى عظمة ذلك الرجل‪ .‬وكانت كلما تنظر إلى الفتاة البكماء تجدها‬ ‫تنظر إليها هي الأخرى‪ ,‬فابتسمت لها أمال وذهبت إليها وتحدثت معها قائلة‪\" :‬أنا لم أر أمي منذ‬ ‫زمن بعيد وكنت في الرابعة من عمري حينها‪ ,‬وبعد وفاة والدي شعرت أنا وأخي بأننا وحدنا في‬ ‫هذه الدنيا الصعبة حتى وصلنا إلى هنا وأمضينا معكم بضعة ساعات‪ ,‬فأدركنا أننا نملك كنزاً وهو‬ ‫الوطن‪ .‬وأنا كنت أتمنى لو أن يكون لي أخت مثلك هكذا\"‪ .‬فابتسمت شروق وأخذتها بين ذراعيها‪.‬‬ ‫وبعد أسبوعين‪ ,‬خرج راضي إلى السوق في الصباح الباكر لشراء غداء يوم الجمعة من هذا الأسبوع‪.‬‬ ‫وبعد أن انتهى من الشراء وضع يده في جيبه ليدفع ثمن المشتريات‪ .‬فحدث ما لم يكن متوقعاً‪...‬‬ ‫سقطت رسالة أبيه على الأرض فإذا به يتذكر نور‪ ,‬سبب رجوعهما إلى ( بلدهما ) وقد نسى هو‬ ‫وأمال هذه الرسالة بسبب انشغالهما بالعم شمس وأهل البلدة‪ .‬فعاد مسرعاً إلى المنزل وتفاجأ‬ ‫بأن شروق تتكلم‪ ...‬نعم تتكلم مع أختها أمال التي احتضنتها الأسبوعين الماضيين وأعطتها الحنان‬ ‫والحب اللذين كانت تفتقدهما وتم شفاؤها بحمد الله وحلت أمال محل أختها في تشجيعها على‬ ‫الغناء مرة أخرى‪.‬‬ ‫ففرح الجميع عندما وصلوا إلى بيت العم شمس وسمعوا شروق وهي تتحدث مرة أخرى‪ .‬وفي‬ ‫هذه الأحيان كان راضي قد ذكر أخته بالهدف من رجوعهما لوطنهما‪ .‬فقررا أن يسألا العم شمس‬ ‫عن نور بعد الغداء‪.‬‬ ‫انتهى الكل من الغداء والتفوا حول العم شمس كالعادة واستغل راضي هذه الفرصة وسأل العم‬ ‫شمس‪\" :‬من نور يا عمي ؟؟\" رد عليه شمس قائلاً‪ :‬نور!! عمن تسأل ؟؟\" فأخرج راضي الرسالة‬ ‫وقرأها أمام الجميع وبعد أن انتهى‪ ...‬قال العم شمس ‪ -‬الذي استمع إلى حديث راضي بإنصات‬ ‫‪\" : -‬يا بني‪ ,‬أنت لم تسألني كيف علمت بوفاة بدر بمجرد أنني علمت بوجودكما‪ \".‬نظر راضي إلى‬ ‫أمال وابتسم وقال‪\" :‬كيف يا عم شمس ؟؟\" رد العم‪\" :‬أرسل لي والدك هذه الرسالة وهي كانت‬ ‫آخر رسالة قبل أن تنقطع أخباره وقال لي‪\" :‬إذا أتى إليك أبنائي فاعلم أني قد رحلت عن دنياكم\"‪.‬‬ ‫وبالنسبة إلى نور فهي ليست بفتا ٍة‪ ...‬انظر حولك ستجد النور\"‪.‬‬ ‫في هذه اللحظات‪ ,‬رجع راضي بذاكرته إلى الوراء وتذكر كل المواقف التي حدثت معه هو وأخته‬ ‫منذ ركوبهما سيارة الأجرة‪ ...‬النافذة التي تطل على أجمل المناظر وأبهاها‪ ,‬كرم سائق سيارة الأجرة‬ ‫رغم فقره واحتياجه للمال‪ ,‬مشاركة الطعام بين الكل رغم الجوع والفقر‪ .‬وحب هذا الشعب لأرضه‬ ‫‪61‬‬

‫والدفاع باستبسال عن وطنه‪.‬‬ ‫وبدورها رجعت أمال بذاكرتها إلى الوراء حيث عظمة العم شمس في أن يستضيف جميع أهل‬ ‫البلدة دون مقابل فالحب هو الذي يجمعهم‪ ,‬وحيث فرحة الأهالي عندما تكلمت شروق مرة‬ ‫أخرى‪ ,‬وعن فرحة شروق نفسها وبساطتها و احتياجها إليها وإلى ابتسامتها المبهجة‪ .‬قطع هذا‬ ‫التفكير سؤال العم شمس عندما قال‪\" :‬هل عرفتما إذاً من هي نور ؟؟\"‬ ‫وتبدأ رحلة نور مع شروق الشمس والشعب راض و متطلع بأمال عالية تصل إلى البدر في السماء‪...‬‬ ‫‪62‬‬

‫رسوم ‪ .‬د‪ /‬أشرف مهدى‬

64

‫بقلم‪ :‬ﭼنا محمد سعيد‬ ‫طـــارق وأ ُذنيــــه !‬ ‫هيَّا ياطارق ه َّيا استيقظ لقد حان موعد المدرسة !! ياطارق ياطاروق هيَّا يا حبيبي سوف تتأخر‬ ‫ألم تسمعني ؟!!‬ ‫لن أذهب الي المدرسة لا أحب المدرسة لا أريد أن أتعلم أرجوكي لا أريد لا أريد يا أمي ‪.‬‬ ‫هذا ما اعتادات عليه أ َّم طارق يوم َّيا ك ّل صباح منذ اليوم الأول من المدرسة لقد ُولِد طارق في يوم‬ ‫من أيام الشتاء الباردة لأم ّـِ حنونه وأ ُُّب رائع كان يوم مولده يوم عيد لأبويه ‪ ،‬كيف لا ووالديه‬ ‫انتظرا هذا الحدث السعيد لأكثر من ثلاث سنوات !! ‪.‬‬ ‫جده وبكاء خالته‬ ‫كان شديد الشبه لأبيه ولكنه أخذ لون ونعومه شعر أ ّمه و ضحكة‬ ‫شاهدوا طارق لأول مرة وسط ضحكات‬ ‫وأنف ع ّمه هذا كان تعليق أفراد العائلة عندما‬ ‫وتعليقات وسعادة غامرة ملأت المكات شيئا واحدا ملحوظا ومميزا فيه ألا وهو أذنيه كانت تبدو‬ ‫كبيرة نوعا ما بالنسبة لحجم راسه الصغير ‪ ....‬كل هذا لم يكن شيئا هاما لأبويه وعائلته بل كان في‬ ‫عينهم شيئا جميلا ومميزا له ‪....‬‬ ‫يوما بعد يوم وعاما بعد عام كبر طارق وأصبح عنده الان اربع سنوات كان طفلا شقيا ومرحا يملأ‬ ‫المكان ضحك ولعب وسعادة ‪ ،‬الي أن أتي ذلك اليوم الذي كان فيه طارق مع أبيه في السوق لشراء‬ ‫بعض الأغراض للبيت ‪ ،‬وعند محل بيع الطيور والدواجن والبيض وقف ولد أخر مع أمه وأخذ‬ ‫ينظر لطارق ويضحك ويقول له أذنان شبه أذنين هذا الارنب وهذا الأرنب عنده أذنين مثل أذنيك‬ ‫!! أستغرب طارق لهذا التعليق !! وأخذ ينظر للارنب ويراقبه ثم عاد الي منذله ووقف أمام المراه‬ ‫وكانت هذه أول مرة في حياة طارق يقف أمام المراة ويحدق في أذنيه ويفحصها وينظر لهما‬ ‫ويتذكر ذلك الارنب ويسترجع كلام ذلك الطفل وبدأفي البكاء !!‪.‬‬ ‫لاحظت ذلك أمه وسألته وعرفت منه ما يحزنه ويبكيه فأحتضنته وقبلته وقالت له لا عليك بهذ‬ ‫الكلام ان أذنيك جميلتان وهما من صنع الله وعليك أن تحمد الله علي تمام الخلقة وأنا أحبك‬ ‫كما أنت ووالدك أيضا وجميع أفراد عائلتنا وأصدقائنا هدأ طارق واحتضن أمه وذهب لالعابه‬ ‫والوانه والابتسامة علي شفتيه وكانت هذه هي الوقفة الأولي لطارق مع أذنيه حيث تبعها بعد‬ ‫ذلك عده أحداث حصلت له في المدرسة ففي اليوم الاول له في المدرسة ذهب طارق مع والديه‬ ‫متحمسا وفخورا بنفسه سعيدا للغايه ها هو كبر وأصبح له حقيبتة الخاصة بالمدرسة يضع فيها‬ ‫الوانه المفضلة وكرساته ذات الاوان الزاهيه وأقلامه الجميلة وعصيره وسندوتشاته المحببه اليه ‪...‬‬ ‫وقد كان دوما يحلم بذلك اليوم وبتمني أن يذهب الي المدرسة ويسأل أمه يوميا ويلح في السؤال‬ ‫‪65‬‬

‫متي أذهب الي المدرسة ؟؟‬ ‫متي أكبر وأذهب الي المدرسة ؟!‬ ‫وقد تحققت أمنيته أخيرا وذهب الي المدرسة والفرحة تملأ قلبه والسعادة تغمر وجهه ‪..‬‬ ‫ما أجملك ياحبيبي هكذا كانت تقول له أمه وتردد له وهي تلتقط له الصور الفوتوغرافية‬ ‫للذكري ‪ ..‬في الطابور لاحظ طارق نظرات زميله هاني وهمسه لبقية الزملاء وضحكهم كلما نظرو‬ ‫اتجاهه ‪ ..‬وتعالت الضحكات وذادت النظرات وسط ذهول طارق وتعجبه الي ان سألهم ما سبب‬ ‫ذلك الضحك والهمس والاحاديث الجانبية ‪ ...‬رد عليه هاني باندفاع كعادته فهو ولد معروف عنه‬ ‫الشقاوة والحدة والغلاظة قائلا له ما اسمك ؟‬ ‫وما ان اجابه طارق حتي صاح بصوت عاليا ياصاحب أذنين الفيل !! وتعالي الضحكات بين الزملاء‬ ‫والزميلات وأخذو يرددون طارق وأذنين الفيل ‪ ..‬ما أكبر تلك الاذنين !! ‪.‬‬ ‫عندها شعر طارق بالخجل الشديد وتذكر موقفه القديم في السوق الخضار فاضطربت مشاعره‬ ‫وأخذ يبكي ويبكي ‪ ..‬هنا لاحظت المعلمة بكاء طارق فأخذته واستفسرت منه عن سبب حزنه‬ ‫وبكائه لكنه من شده خجله رفض أن يذكر السبب واكتفي بالصمت ونظرات الحزن تملأ عينيه ‪...‬‬ ‫عاد طارق الي منزله وهو شارد الذهن سارح في تفكيره لا يلعب ولا يضحك كعادته استغرب والديه‬ ‫وسألاه عن يومه أجاب كان يوما عاديا ولم يذكر لهم ما يحزنه ويشغل باله !!‪.‬‬ ‫في اليوم التالي حدث له مثل ما حدث في اليوم الاول واستمرت الايام والاسابيع ومازال الوضع‬ ‫كما هو بل بزداد سوءا ويزداد رفض طارق واصراره علي عدم الذهاب الي مدرسة وأصبح شديد‬ ‫الانطواء وتبدل حاله من ولد نشيط يحب الضحك واللعب الي طفل صامت حزين منطوي بل‬ ‫الامر لم يقتصر علي ذلك فقط بل أثر بشكل سلبي علي دراسته أصبح مهملا لدروسه وليس لديه‬ ‫رغبة في الاستذكار وعمل الواجبات المنزلية لم يعد طارق كالسابق وكرهه للمدرسة يزداد يوما بعد‬ ‫يوم وهاني ورفاقه مستمرون في سخريتهم وتعلياتهم السخيفة الي ان اتي ذلك اليوم الذي بدل حياه‬ ‫طارق رأسا علي عقب !!‬ ‫عندما عاد الي منزله ومعه نتيجة نصف العام وكانت درجاته ضعيفة للغاية وبينه وبين الرسوب في‬ ‫كل مادة درجة او اثنتان هنا صدم والديه بتلك النتيجة اكتفت الام بالنظرات الحزينة له والخصام‬ ‫‪ ...‬ولكن اباه قام بتوبيخه بشده وعنف بسبب تقصيره واهماله !!‬ ‫بكي طارق وأجهش في البكاء وأخذ يبكي بدون انقطاع ودموعه منهمره ويردد هاني والزملاء هم‬ ‫السبب أصبحت لا أطيق المدرسة بسببهم سئمت من سخريتهم بسبب أذناي سئمت من تلك‬ ‫التعليقات الجارحه ‪ ...‬سئمت من ضحكاتهم الغبية‬ ‫‪66‬‬

‫لماذا يفعلون معي ذلك ؟؟!‬ ‫ان أذني من خلق ربي ليس لي يد في ذلك ‪ ...‬لماذا يفعلون معي كل هذا ؟؟! لماذا ينادون عليا دائما‬ ‫بصاحب أذني الفيل ؟!! انني اكرهم واكره الذهاب الي المدرسة بسببهم‪ ....‬ذهل الاب والام لما‬ ‫سمعاه وتأثرا تأثرا شديدا وعلامات الدهشة والصدمة ترسم علي وجوهم لم يكن لديهم ادني معرفه‬ ‫بمعاناه طارق خلال النصف الاول الدراسي ‪ ،‬وجدا الان التفسير المناسب لعدم رغبته في الذهاب‬ ‫الي المدرسة وكسله عن اداء واجباته وانطوائه وحزنه وشروده ‪ ،‬ياه طارق !! يابني كل هذا تكتمه‬ ‫داخلك ؟؟ هكذا كان بردان ابوه داخلهما ! قال له أبوه أسألتك التي ذكرتها وسألتها لنا الان قد‬ ‫أجبت عنها في بداية كلامك معنا !! انك تملك اذنين لم تختارهم بل الله عز وجل هو من خلقهم ‪..‬‬ ‫سبحانه وتعالي له في خلقة شؤؤن ‪ ...‬لم يجعلنا كلنا متشابهون بل خلقنا مختلفين في لون البشرة‬ ‫وقصر وطول القامه وملامح الوحه و السمنه والنحافة وغير ذلك ‪..‬لكل واحد منا ميزه ميزها الله‬ ‫له ‪ ..‬وقد ميزك الله سبحانه وتعالي بتلك الاذنين ‪ ..‬نعم انهم كبيرتان نوعا ما ولكنهم جميلتين وليس‬ ‫لك يد يا بني في شكلهم بل يجب عليك أن تحمد الله سبحانه وتعالي لانك تسمع بهما ‪ ..‬ماذا تقول‬ ‫يا طارق فيمن ولد وهو أصم لايسمع أو اعمي لايري أو أبكم لايتكلم او ولد بدون يد أو أصابع !!‬ ‫يابني احمد الله علي ما أنت فيه وكن فخورا بذاتك ممتنا لله عز وجل علي تمام الخلقة ‪ ..‬شاكرا‬ ‫له في كل وقت وحين ‪..‬‬ ‫أما ذملائك فان لي معهم تصرف أخر !! صمت الجميع وساد الهدوء واحس طارق بالرضا في قلبه‬ ‫ونام ليلته هذه مطمئنا شاكرا الله علي نعمته العظيمة نادما علي تقصيره في دروسه واعدا نفسه‬ ‫بأنه سيجتهد وسيبذل قصاري جهده ليصبح من المتفوقين نهايه العام الدراسي ‪ .‬ذهب معه والده‬ ‫الي المدرسة في صباح اليوم التالي و قابل مدير المدرسة واشتكي له مما يحدث ومن معاناة ابنه‬ ‫مع زملائه في الفصل ومن ضعف درجاته بسبب عدم حبه للمدرسة !! وتنمر زملائه عليه !! وعد‬ ‫المدير والد طارق بأن الموضوع سيكون محض اهتمامه وشكره علي حسن تربيته لابنه وسوف‬ ‫يقوم بتلقين زملائه درسا لن ينسوه مدي الحياه !! جلس المدير مع الاخصائيه الاجتماعيه ومع‬ ‫مدرسين الفصل وشرح لهم معاناة طارق وتنمر زملائه عليه وسخريتهم الدائمة من أذنيه واتفقوا‬ ‫علي اقامة مسابقة في مادة اللغة العربية وهي وهي عبارة عن موضوع تعبير يعبر فيه الطالب عن‬ ‫ذاته ‪ ..‬ويكتب عن نفسه بكل صدق وموضوعيه يتحدث عن مميزاته ومواهبه وهويته و احلامه‬ ‫وعن عيوبه ايضا ومشكلاته وامنياته وسوف تناقش تلك الموضوعات بعد اسبوع من الان بين زملاء‬ ‫الفصل والمدرسين للتقييم وابداء الاراء واختيار الفائز وبعد مرور الاسبوع استعد جميع الطلاب‬ ‫متحمسين وبدا طالب تلو الاخر في التحدث عن نفسه وأمنياته واحلامه ومشكلاته تعمد مدرس‬ ‫‪67‬‬

‫اللغة العربية ان يترك طارق للنهايه حتي يستجمع شجاعته عند الالقاء ويترك الخجل جانبا أخذ‬ ‫يستمع طارق والمدرسون للتلاميذ فمنهم من قال انه كان يتمني ان لا يلبس نظارة النظر‪ ،‬ومنهم‬ ‫من قال انه يتمني ان يصبح لاعب كرة ماهر مثل محمد صلاح ولكن جسمه الممتليء لايساعده‬ ‫علي الجري وهناك زميلة قالت ان مشكلتها شعرها الخشن فهي لاتستطيع ان تسرحه بالطريقة‬ ‫التي تحبها حتي هاني عنده مشكله يتمني لو انه يستطيع التخلص منها انه لا يستطيع نطق‬ ‫حرف الراء بشكل سليم وهذا شيء يخجل منه جدا وجاء الدور علي طارق تحدث عن امنياته‬ ‫واحلامه وتكلم عن نفسه ثم قال عن مشكلته مع اذنيه وخجله منهما ولكنه ادرك انها نعمة من‬ ‫الله وشكر وفضل اله عليه لانه يسمع بهما وهنا لاحظ الجميع عدم تطرق طارق لسخرية زملائه‬ ‫وعدم شكواه منهم كأنه اراد ان يلقنهم درس ويعرفهم بخطئهم دون تجريح لمشاعرهم !! خجل‬ ‫زملائه في تلك اللحظة من انفسهم وقاموا واعتذروله وطلبو منه ان يسامحهم علي ما فعلوه‬ ‫معهم منذ بدايه العام الدراسي وحين ذلك وقف هاني وقال في خجل انا اسف يا طارق سأعترف‬ ‫لك الان عن سبب سخريتي منك ان اذناك كبيرتان حقا ولكن هذا ليس عيب فيك انني كنت‬ ‫اريد ان اهرب من نطق اسمك ان حرف الراء يسبب لي حرجا شديدا حيث انني لا استطيع ان‬ ‫انطقه بالشكل السليم فكنت اقول لك ياصاحب اذني الفيل بدا من مناداتك باسم طارق !! أنا‬ ‫اسف ارجو ان تسامحني ياصديقي ابتسم طارق له وقال له لا عليك دعنا نبدا الان صفحة جديده‬ ‫يسود بيننا الحب والتعاون والاخاء ‪ ..‬صفق جميع التلاميذ لهذه اللحظة السعيدة ولأخلاق طارق‬ ‫الجميله واعجب المدرسون بما حدث فقد وصلت الرسالة لهم !!واعلنو نتيجة المسابقة وكان الفائز‬ ‫هو الفصل كله كل تلاميذ الفصل فائزون وجائزتهم هي القيام برحلة لهم جميعا مجانية الي مدينه‬ ‫القاهرة لزيارة معالمهم والتعرف علي حضارتها ‪ ..‬وكان هذا بسبب شجاعتهم واعترافهم بعيوبهم‬ ‫وخطئهم ولروح الحب والتسامح التي اصبحت بينهم ‪ ..‬ومن يومها اصبح طارق طالبا مجتهدا‬ ‫وتحسنت درجاته واصبح من الاوائل علي فصله وازداد حبه للمدرسة ولزملائه وفي النهاية ليتنا‬ ‫جميعا تتحلي بالصفات الجميله والاخلاق الفاضلة التي حثت عليها جميع الاديان السماوية فكلنا‬ ‫اخوة علي هذه الارض لا داعي للسخرية والاستهزاء والتنمر علي الاخرين حتي لايسود بيننا‬ ‫الكراهيه والبغضاء بل نريد جميعا نشر المحبة والاخوة بين الانسانية كلها ‪..‬‬ ‫‪68‬‬

69

70

‫عالم بلا سرطان‬ ‫بقلم‪ :‬سارة سامح‬ ‫كانت تسير وسط الحدائق الجميلة و تستنشق الهواء النقي الذي كان يداعب طرحتها و تسمتع‬ ‫بمناظر الخضرة الخلابة ‪ ،‬لفت انتبهاها ولد يجلس وحيداً و يبدو علي وجهه مظاهر الضيق ‪.‬‬ ‫فذهبت إليه و قالت له بصوتها الرقيق ‪:‬‬ ‫‪ -‬هل تسمح لي بالجلوس ؟‬ ‫نظر إلي عينيها الواسعتين المبهرتين بضيق و هز رأسه بإيجاب ‪ ،‬فابتسمت إليه و سألته ‪:‬‬ ‫‪ -‬ما اسمك ؟‬ ‫فأجابها بلهجة بائسة‪:‬‬ ‫‪ -‬اسمي حازم ‪ ،‬و انت ؟‬ ‫‪ -‬اسمي خديجة‬ ‫و أكملت بنفس ابتسامتها الجميلة‪:‬‬ ‫ ‪ -‬كنت أسير و رأيتك جالساً وحيداً و يبدو عليك مظاهر الضيق فجأت لأسألك ماذا بك ؟‬ ‫اعتدل إليها و قال لها بنفس لهجته البائسة ‪:‬‬ ‫ ‪ -‬هل يمكن لأحد أن يجلس في هذا المكان ولا يحزن !‬ ‫\"أدركت وقتها أنه أصيب بالمرض منذ وقت قريب و هذة هي أول أيامه في مستشفي السرطان\"‬ ‫‪ ،‬فقالت مستجيبة ‪:‬‬ ‫‪-‬يجب عليك ألا تكون بهذه السلبية بل يجب عليك أن تتحلي بالأمل في هذة الدنيا‪.‬‬ ‫‪-‬قال لها‪ :‬ما حدث لي حينما علمت بمرضي غير أحوالي ‪.‬‬ ‫‪ -‬عليك بالإيمان فقد كنت مثلك و لكن إيماني استطاع أن يغير نظرتي للحياة و قررت أن أهزم‬ ‫المرض‪.‬‬ ‫كان منبهراً بطريقة كلامها و ردود أفعالها التي تشبهه في بعض الأوقات ‪ ،‬و كانت هي لا تعلم كم‬ ‫من الوقت مضي و هي تتحدث معه و تحاول أن تعطيه أمل في الحياة ‪،‬و قاطع كلامها صوت الآذان‬ ‫فقالت له‪ :‬هذا آذان العصر هيا بنا للصلاة ‪.‬‬ ‫في السابعة مسا ًء ‪ ،‬ذهب حازم لخديجة كي يراها ‪ ،‬عند الباب توقف ‪،‬ليتابع المشهد ‪ ،‬ويسمع صوتها‬ ‫الحنون و هي بتقرأ القرآن الكريم ‪،‬عندما رأته قالت ‪:‬‬ ‫\"صدق الله العظيم\"‪ .‬و أغلقت المصحف‪.‬‬ ‫قال‪ :‬لا أود أن أزعجك بل جئت لأطمئن علي ِك أعلم أنك كنت تأخذين جلسة العلاج من وقت‬ ‫قصير‪.‬‬ ‫‪-‬أنا الحمدالله بخير‪،‬تفضل‪.‬‬ ‫‪-‬أحب أن أشكرك كلامك أعطاني أمل في الحياة مرة أخري‪.‬‬ ‫‪71‬‬

‫‪-‬لا شكر علي واجب أنه واجبي‪.‬‬ ‫‪-‬صوتك حلو ما شاء الله في تلاوة القرآن‪.‬‬ ‫قالت مبتسمه‪ :‬شكراً‪،‬إنها من عاداتي بعد كل جلسة أجلس و أقرأ القرآن كي أشكر ربنا و أدعوا الله‬ ‫أن يشفيني و يشفي كل مريض‪.‬‬ ‫أثناء حديثهم سمعوا طرق علي الباب ‪ ,‬دخل ثلاث سيدات ألقوا التحية عليهم و أخذوا يسألوا‬ ‫عن خديجة و عن أحوالها و دعوا لها بالشفاء العاجل و راحة البال و السعادة مثلما كانت هي‬ ‫سبب في سعادة كل واحد منهم و غيرهم كثيراً و أخذوا يحكوا لحازم عن خديجة و عن ما فعلت‬ ‫معهم من مساعدة مادية و معنوية و عن مواقفها الحسنة و أنها كانت لا تبخل عليهم بوقتها أو‬ ‫بأموالها ‪ ،‬كان مبهوراً بما يسمعه عنها و كان يزيد إعجابه بها ثانية تلو الأخري و كان مستعجب‬ ‫من أن بنت في هذا السن تفعل كل ذلك!‬ ‫جلس في غرفته يفكر فيها و في كل الأفعال التي تفعلها رغم أنها لا تملك إلا ستة عشر عاماً‪ .‬كيف‬ ‫تفعل كل هذا؟ ما هذة الشخصية الغريبة ! لا يعلم‪.‬‬ ‫كان هناك شئ بداخله يجعله يهتم بمعرفة كل شئ عنها و عن تفاصيل حياتها و عن شخصيتها‬ ‫أكثر و أكثر‪.‬‬ ‫استيقظت خديجة من النوم علي آذان الفجر و بعد أن أتمت صلاتها خرجت لتري منظر النور و‬ ‫هو يشق الظلام لكي يعم الضوء ‪ ،‬فرأته جالساً في الشرفة يتأمل في السماء ‪ ،‬كان المنظر جميلاً ‪،‬‬ ‫ترتجف له المشاعر فرحاً ‪ ،‬ترتاح عيناك للنظر إليه ‪ ،‬فنظر إليها و بدأوا يتحدثون و كان يسألها‬ ‫عن الناس الذي رآهم أمس ‪ ،‬أخذت تقص عليه قصص هؤلاء الأشخاص و غيرهم من أناس قابلتهم‬ ‫أثناء وجودها في الجمعية الخيرية قبل دخولها المستشفي ‪ ،‬أخذ يسأل عن تفاصيل حياتها و سألها‬ ‫‪ :‬كيف استطاعت تحمل كل هذة المتاعب ؟‬ ‫قالت‪ :‬أنني نشأت وسط عائلة ُمتدينة يعرف كل منهم ربه و يعملوا بكلامه ‪ ،‬تربيت منذ صغري‬ ‫علي فعل الخير و مساعدة الغير و حب الناس ‪ ،‬كان دائماً والدي يقول لي \" اعلمي يا بنيتي أن‬ ‫الطريق الموصلة للحق –سبحانه‪ -‬ليست مما يقطع بالأقدام و إنما يقطع بالقلوب\" و أيضاً كان‬ ‫يقول \"أن الحياة فانية ولابد لها من نهاية فلابد من إرضاء الله\"‪ .‬كان يسمعها و ينظر إلي وجهها‬ ‫الخجول و هو مبتسم و يشعر أنه يتحدث مع ملاك جاء ليأخذه من يده إلي دنيا أخري ‪ ،‬دنيا‬ ‫يسود فيها الخير فقط ‪ ،‬يسود فيها الحب و الأمل و التفاؤل ‪ ,‬جاءت لتقربه إلي الله‪.....‬‬ ‫قال لها و قد ارتسمت علي وجنتيه ملامح الأمل‪:‬‬ ‫‪-‬ما الشئ الذي تتمنيه الآن يا خديجة ؟‬ ‫قالت و هي تنظر بعينيها الجميلة له بنظرة تفاؤل‪:‬‬ ‫‪-‬أود أن أري العالم بلا سرطان‪.........‬‬ ‫بدأ كل منهما يتقرب لبعضهما أكثر وأكثر و قررا أن يهزما المرض سوياً و أن يذهبوا كل يوم للأطفال‬ ‫الأصغر منهم سناً لكي يلعبوا معهم و يعطون لهم أمل و سعادة ‪ ،‬أخذت بيده إلي عالم آخر ‪ ،‬عالم‬ ‫‪72‬‬

‫لم يراه من قبل ‪ ،‬عالم كبير غير عالمه الصغير الضيق ! كانت دائماً تقول له \" لا شئ في الدنيا أكبر‬ ‫من الإرادة \"‪.‬‬ ‫عاش حازم أجمل أيام حياته مع خديجة ‪ ،‬كان يستمتع معها بكل لحظة في حياته‪ ،‬كان دائماً منبهراً‬ ‫بها و بتفاصيلها و حنيتها ‪ ,‬كان يشعر بالآمن عندما ينظر إليها و إلي ابتسامتها الرقيقة‪.‬‬ ‫وفي يوم ارتفعت درجة حرارة خديجة جداً و كان الدكتور يكشف عليها و حازم سوف يقتله القلق‬ ‫عليها في الخارج ‪ ،‬و فجأة فتح الباب و ظهر الدكتور و هو يقول ‪ :‬شدوا حيلكم‪....‬البقاء لله‪....‬‬ ‫لقد احترق كل شئ ‪ ,‬اختفي كل شئ من أمامه فجأة بدون أي مقدمات ‪ .‬لحظات مرت علي حازم‬ ‫كأنها سنين ‪ ,‬اتجه إليها ‪ ،‬بكاها بحرقة ‪ ,‬صرخ لفراقها بقوة ‪ ,‬ضمها إليه محاولاً إيقاظها ‪ ,‬حاول‬ ‫الجميع سحبه و لكنه نهر الجميع و طلب منهم الخروج ‪ ,‬و أخذ يحدثها و يقول ‪ :‬تركتيني وحيداً‬ ‫‪ ,‬كنت الأمل الوحيد لي في هذة الحياة ‪ ,‬لقد تعاهدنا أن نهزمه سوياً ها هو الآن قد هزمك‪.‬‬ ‫بعد أن انتهت مراسم العزاء ‪ ,‬ذهب حازم إلي غرفته و حاول أن ينام مرة أخري فأبي النوم أن يزوره‬ ‫ثانياً‪ ,‬خرج للشرفة ليري الناس يتحركون في كل مكان كأن شيئاً لم يكن‪.‬‬ ‫الحياة لا تتوقف علي مغادرة من نحب إنما تكون أصعب ‪ .‬رأها فأحبها ‪ ,‬لم يتمني غيرها و لن‬ ‫يعيش بدونها يوماً واحداً منذ أن عرفها‪.‬‬ ‫ظل جالساً في غرفته يتذكرها بكل تفاصيلها ‪ ,‬يتذكر كيف كان حضورها طاغياً علي المكان ‪ ,‬و كيف‬ ‫كان وجودها يدب الحياة فيه ‪ .‬تذكر كلماتها له و حنانها عليه و كأنها والدته ‪ .‬لا يعلم لماذا تركته‬ ‫‪ ,‬لا يعرف ماذا حدث لأن تفارقه مبكراً كهذا ‪ .‬وعدته دائماً أن تظل بجانبه لكنها لم تفعل ‪ .‬دخل‬ ‫حازم في حالة اكتئاب و كان رافضاً العلاج نهائياً ‪ ,‬أصبحت الحياة مملة خالية من البهجة بطيئة‬ ‫‪ ,‬قاتله لكل الأحلام التي خطط لها مع خديجة في يوم ما ‪ .‬لم يكن يتخيل أنه سيعشقها هكذا أو‬ ‫يحبها كل هذا الحب الذي أنساه كل شئ مضي‪.‬‬ ‫و فى يوم و هو جالس وحيداً حزيناً ‪ ،‬سمع اَذان صلاة المغرب فتحرك و قام توضأ و صلى المغرب‬ ‫‪ ،‬بكى كثيراً و هو يدعو لها فى صلاته ‪ .‬و بعد أن انتهى من صلاته تذكر جملتها له \" لا شئ فى‬ ‫الدنيا أكبر من الإرادة \" ‪.‬‬ ‫قرر وقتها أنه سوف يقوم مرة أخرى و يتحدى المرض و يحقق لها حلمها \" عالم بلا سرطان \"‬ ‫رجع حازم يأخذ العلاج ويحضر الجلسات وهو يملك إرادة و عزيمة ‪ ،‬كان عندما يمل ويتعب‬ ‫يتذكرها و يتذكر حلمها الذى يريد أن يحققه ‪ ،‬فينهض من جديد و يقاوم مرة أخرى ‪ ،‬مرت الأيام‬ ‫والشهور على حازم بشكل طبيعى يشوبها بعض الذكريات الحزينة على فراق من أحب ‪ ،‬كان دائماً‬ ‫يزور الأطفال كما تعود أن يفعل معها ‪ ،‬كان يقرأ القرآن بعد كل جلسة علاج ويدعو ربنا أن يشفيه‬ ‫و يشفى كل مريض و يدعو لها بالرحمة ‪.‬‬ ‫فى يوم استيقظ حازم فنظر فى ساعته فوجدها الخامسة والفجر يوشك أن يؤذن ‪ ،‬فقام من فراشه‬ ‫وتوضأ و صلى ركعتين لله‬ ‫و جلس يقرأ القرآن و بعد أن انتهى من القراءة ذهب ليرى أصدقائه و يتناول الإفطار معهم ‪.‬‬ ‫‪73‬‬

‫و فجأة يدخل عليهم الطبيب بوجه بشوش مبتسم ليخبره بأسعد خبر فى حياته ‪ ،‬خبر كان ينتظره‬ ‫من فترة طويلة ‪ \" .......‬خبر شفائه \"‬ ‫فرح حازم فرحاً شديداً و أقبل عليه الجميع بسعادة وفرح لتهنئته و أخبروه بأنهم سوف يشتاقون‬ ‫له كثيراً وأنه له فضل عظيم عليهم لقد غير أفكارهم من الاستسلام للمرض و حالة الضياع و خيبة‬ ‫الأمل و بعث الأمل الجديد لحياتهم‬ ‫شكر حازم أصدقائه و وعدهم بأنه سوف يأتى إليهم من حين لآخر ليطمئن عليهم ‪ ،‬ومنذ هذه‬ ‫اللحظة قرر حازم أنه يبدأ مرحلة جديدة فى حياته ‪ ،‬مرحلة كلها صعاب و عقوبات لكنه كان يملك‬ ‫يقيناً بأنه سوف يجتاز كل ذلك لكى يحقق حلم خديجة ‪.‬‬ ‫خرج حازم من المستشفى و عاد إلى بيته وأسرته و رجع إلى مدرسته وبدأ يأخذ دروسه ويذاكرها‬ ‫بإتقان ‪.‬‬ ‫كان متميز دراسياً يعمل بجد ويسهر الليالى ‪ ،‬و بالفعل التحق حازم بكلية الطب وكله حماس و‬ ‫حيوية ‪.‬كان يحضر محاضراته بشغف و اهتمام ‪.‬‬ ‫كان دائماً يتذكر خديجة ‪ ،‬كانت دائما صورتها حاضرة أمامه و ظل يذهب إلى المستشفى و يزور‬ ‫أصدقائه و يعطيهم الأمل دائماً ‪.‬‬ ‫لن يكتفى بالمحاضرات فقط بل كان يقوم بعمل أبحاث حول علاج جديد للسرطان ويتابع كل‬ ‫جديد في مجال دراسته ‪ .‬وهو فى السنة الثالثة فى كليته ‪ ،‬استضافت الجامعة وفد من كبار الأطباء‬ ‫من جميع أنحاء العالم ‪ ،‬فكانت فرصة لحازم ليقدم لهم بحثه الذي نال إعجابهم و عرضوا عليه‬ ‫تكملة أبحاثه بالخارج في منحة دراسية ليكمل دراسته و كانت هذة أول خطوة في تحقيق حلمه‬ ‫ومن خلالها تعرف علي كثير من الباحثين الذين كانوا يملكون إمكانيات كإضافة لتكملة أبحاثه و‬ ‫كان الأساتذة المشرفون علي ابحاثه منبهرين بعلمه ‪.‬‬ ‫فكان لا يمل أبداً وكان يملك إرادة عظيمة حتى كون فريق يساعده ‪ ،‬كان الفريق كله مجتهداً‬ ‫مثله فكانوا يتقدمون بسرعة هائلة ‪ ،‬وكانوا يملكون عزيمة قوية ‪ ،‬عندما كان ييأس أحدهم كان‬ ‫الباقي يشجعه ويعطيه الأمل ‪ ،‬كان يرى حازم في داخلهم روح خديجة الجميلة ‪ ،‬كانوا هما العوض‬ ‫بالنسبة له ويعوضوه عن فراقها ‪ ،‬مرت شهور وسنين على حازم وهو مستمر في أبحاثه ودراسته مع‬ ‫فريقه الذي كان يمثل له الجزء الأكبر في حياته ‪.‬‬ ‫وفي يوم نزل حازم من السيارة بخطوات ثابتة نحو الحلم الكبير ‪ ،‬ثم لحق به أحمد وطارق وسليم‬ ‫وليلى ومريم وباقي الفريق ‪ ،‬الذين أطلقوا على أنفسهم نظرا لاختلاف أعمارهم اسم \"ألوان\" ‪ ،‬كان‬ ‫حلما واحدا نقيا جمعهم ‪ .....‬حلماً كان بعيداً ‪ ،‬لطالما بذلوا له جهداً كبيراً من أجل جني ثماره اليوم ‪.‬‬ ‫تقدم الفريق ودخل وسط تصفيق الحضور من جميع أنحاء العالم ‪ ،‬رافعين هاماتهم وجلسوا‬ ‫بأماكنهم كالبنيان المرصوص في تناغم وتلاحم وهم يتوجون حلمهم الكبير ‪ ،‬بدأ المؤتمر وأخذوا‬ ‫يتحدثون عن بحثهم وعن العلاج الذي توصلوا اليه ‪ ،‬كان الجميع منبهراً بهم وكان السرور يعم‬ ‫المكان كله ‪ ،‬وكان حازم سعيدا سعادة لم يشعر بها من قبل وتذكر خديجة وقال في سره محدثا‬ ‫نفسه ‪ ،‬ها هو ال َان قد تحقق حلمك ‪ ،‬كم اشتقت الي ِك !‬ ‫‪74‬‬

‫ِب ِصلة‬ ‫لا َي ُم ُت‬ ‫للواقع‬ ‫بقلم شهـد تـامـر‬ ‫رسوم م‪.‬م إيهاب كشكوشة‬

76

‫لا يمت للواقع بصلة‬ ‫بقلم‪ :‬شهد تامر‬ ‫ها هي تفيق من على سريرها بخصلات شعرها المبعثرة‪.‬‬ ‫تستقيظ في يوم جديد مليء بالتفاؤل والإشراق لم تكن تحلم به قبل عدة أشهر‪.‬‬ ‫\"حور\" ابنة الثالثة والعشرين؛ وحيدة والديها‪ ،‬كل من يراها يقع في سحرها؛ فهي فاتنة الجمال‪.‬‬ ‫كل من يراها يُسحر بجمالها‪ .‬عيونها الخضراء؛ تلك الأعين المائلة للون العشب النق ّي في حدائق‬ ‫الجنة‪ ،‬وخصلات شعرها الذهبية الذي يشبه سنابل القمح في الحقول المصرية‪\" .‬حور\" طالبة في‬ ‫كلية الهندسة‪ ،‬وهي – أي ًضا ‪ -‬موظفة في إحدى الشركات العالمية‪.‬‬ ‫قامت من سريرها متجهة نحو النافذة الصغيرة بغرفتها المتميزة التي تصف شخصيتها‪ ،‬فتحت‬ ‫نافذتها لتدع أشعة الشمس اللامعة تداعب خصلات شعرها‪.‬‬ ‫اليوم هو الجمعة؛ إجازتها الأسبوعية‪ ،‬وقد قررت أن تقضيها في البيت على غير عادتها‪ ،‬فـ\"حور\"‬ ‫إنسان اجتماع ّي ج ًدا ‪ -‬خاصة ‪ -‬الفترة الأخيرة؛ لكي تشغل أوقاتها‪ ،‬ولكن لا يمنع ذلك أن تختلي‬ ‫بنفسها وروحها من حين لآخر‪ .‬كما أنها لم تكتب منذ الكثير (زمن)؛ فقررت أن تقضي يومها مع‬ ‫كتابها وقلمها؛ فهما خير صديق‪.‬‬ ‫ها هي تضع كوب الشاي الأخضر الذي تعشقه‪ ،‬وتبدأ بتشغيل موسيقتها الهادئة‪ ،‬صوت فيروز‬ ‫الذي تعشقه‪ ،‬ثم‬ ‫استعدت للبداية‪..‬‬ ‫ جلست بمكتبها الصغير الذي تعتبره منبع كل شيء جميل! هو عالمها الصغير الذي تحبه‬ ‫وتشعر بالدفء بمجرد الجلوس خلفه‪.‬‬ ‫قررت قبل البدء بالجديد أن تقرأ قلي ًل مما كتبته ساب ًقا‪ ..‬لتبدأ بقراءة تلك القصص والشخصيات‬ ‫الصغيرة؛ بعضها خيالية وبعضها موجود هنا بجانبها‪ .‬شخصيات عانت الكثير‪ ،‬وتعاني‪ ،‬لكنهم ما زالوا‬ ‫يستمرون بالحياة لا مفر لهم! بعض تلك الحكايات لم تكتمل بعد‪ ،‬وبعضها انتهى‪ ،‬لكن كل منهم‬ ‫يتخذ حي ًزا في عقلها وخيالها‪.‬‬ ‫فتحت المذكرات الصغيرة التي لا يجرؤ على لمسها أحد‪..‬‬ ‫الصفحة الأولى‪:‬‬ ‫ [هي الآن ترى نفسها شخ ًصا بدأ بالتغير‪ ..‬بدأت تصبح امرأة جديدة متزنة أكثر نضو ًجا‪،‬‬ ‫تبذل كامل جهدها لملء وقت فراغها في عمل أشياء نافعة‪ ..‬تكف عن التفكير في هؤلاء الأشخاص‬ ‫الذين لم يعد لهم مكان في حياتها‪ ..‬الآن‪ ،‬هي أكثر جرأة من قبل؛ فقد كانت خجولة ومنكمشة‪،‬‬ ‫تخاف التعاملات الآدمية البسيطة؛ البيع والشراء والتكلم‪ ،‬حتى مع أشخاص جدد‪ .‬هي الآن‬ ‫تستطيع الذهاب لأماكن كثيرة اعتادت فيها على اصطحاب رفيق لها؛ خوفًا من مواجهة أ ّي شيء‪.‬‬ ‫أصبحت أكثر مسؤلية‪ ،‬أكثر ثقة‪ ،‬أكثر جرأة‪ ،‬أكثر شجاعة‪ ،‬وأكثر قوة من ذي قبل‪..‬‬ ‫والآن فى طريقها لتصبح تلك الـ \"‪\"strongindependentwoman‬التي تحلم بها منذ نعومة‬ ‫‪77‬‬

‫أظافرها‪ ،‬لتستطيع مقاومة هذا المجتمع وحدها‪ ،‬واقفة على قدميها بقوة وإرادة!]‬ ‫انتهت من الأولى‪ ..‬تطويها متجهة للصفحة الثانية دون إضاعة أية لحظة!‬ ‫الصفحة الثانية‪:‬‬ ‫[تخاف كثي ًرا التحدث أمام العامة‪ ..‬ليس لقلة ثقتها بنفسها؛ لكنها تخشاهم! تخشى هذا العالم‬ ‫الخارج ّي المؤلم الذي يعبث بنفسها‪ .‬ذلك العالم الذي لطالما كرهته‪ ،‬وتمنت لو لم تكن هنا‪ .‬ليس‬ ‫لظروف حياتها؛ ‪-‬مسكنها‪ ،‬أو أ ّي شيء من تلك العوامل التي يقيس بها الناس مدى سعادة‬ ‫حيواتهم‪ -‬بل لهذا الزمان‪ ..‬تلك الحياة المليئة بالكذب‪ ،‬والحقد‪ ،‬والكراهية‪ ،‬والحسد‪ ،‬والغرور وكل‬ ‫هذه الصفات التي يتطبع بها البشر في هذا الزمان‪.‬‬ ‫لطالما تمنت أن تعيش في زمن من الأزمان الذهبية التي قرأت عنها كثي ًرا‪ ،‬ولقبتهم بجنة الأرض؛ زمن‬ ‫السيتينات والسبعينات‪ .‬فهي رقيقة لدرجة أنها لا تستطيع أن تتكلم وتتعامل معهم‪ .‬هي نقية‬ ‫لدرجة أنها لا تفهم تلك التعابير والمصطلحات المنحدرة‪ .‬تكره تلك الألفاظ البذيئة التي يتلفظون‬ ‫بها‪.‬‬ ‫هي تحب السلام والحب‪ ..‬التعاملات النق ّية دون الحاجة \"للمصالح الشخصية\"‪ .‬تحب الهدوء‬ ‫والسكينة‪ ..‬الليل والبحر ونسيمهما م ًعا‪..‬‬ ‫دائمًا ما كانوا يقولون لها إنها تعيش \"على القمر\"؛ لكثرة شرودها‪ .‬لكنهم لم يعلموا أنها تهرب بخيالها‬ ‫من ذلك العالم الذى تستصعب العيش به‪ ،‬لتذهب بعقلها وروحها لعالمها الخاص الذي صنعته لها‪.‬‬ ‫مكانها الذي لا يمت للواقع بصلة! ]‬ ‫الصفحة الثالثة‪:‬‬ ‫[كانت تمشي في طريقها دون الالتفات لأحد‪ .‬حافظت على كل شيء حتى يوم لقائهما؛ يوم وقوعها‬ ‫في تلك الهاوية‪ .‬لطالما وصفت يوم لقائهما بالهاوية! فذلك هو اليوم الذي بدأت فيه التخلي عن‬ ‫مبادئها لأجله‪ .‬هو فقط من استطاع اختراق ذلك الحاجز العالي الذي ش ّيدته منذ سنوات‪ .‬كان‬ ‫جميعهم يهابونها‪ ،‬يخافون حتى التحدث معها؛ فهم يعلمون جي ًدا أن التحدث معها أو عنها‬ ‫بطريقة غير لائقة ليس له إلا نتيجة واحدة!!‬ ‫ولكن‪ ..‬هو فقط من تجرأ! هو فقط من استطاع تخطي جميع الحواجز التي وضعتها للبشر‬ ‫أجمعين دون أ ّي تمييز‪ .‬منذ اللحظة الأولى سحرها بنظراته‪ ،‬حديثه‪ ،‬مظهره‪ ..‬كل شيء يقتلها! هو‬ ‫فقط من استطاع دخول قلبها ليتربع بداخله‪.‬‬ ‫خائفة منه وعليه! خائفة منه على روحها ونفسها‪ ،‬خاشي ًة أن يكسرها كالسابقين‪ .‬وخائفة من‬ ‫فقدانه‪..‬‬ ‫كانت واثقة أنها لا تريد سوى نجاحها في حياتها المهنية حتى دخوله حياتها‪ ..‬أو‪ ..‬حتى اقتحامه‬ ‫لها بمعنى أدق‪] !!..‬‬ ‫بدأت عيناها تتغرغر بالدموع‪ ،‬لا تعلم هل ح ًقا عانت تلك الشخصيات؟ أم أنها قد بالغت في‬ ‫الوصف؟! ولكن دون انتظار إجابة على سؤالها قررت أن تكمل القراءة حتى النهاية‪.‬‬ ‫‪78‬‬

‫الصفحة الرابعة‪:‬‬ ‫[هذا الشعور الذي يخلط بين الموسيقى ومياه البحر وصفاء السماء‪ ..‬تلك نسمات الهواء الباردة‪..‬‬ ‫بجانبه من جديد!‬ ‫اليوم هو تتويج لذلك الحب الأبد ّي الذي كانت تؤمن أنه سيأتهيا يو ًما‪ ..‬تشعر بنفسها فوق‬ ‫الجميع؛ وكأنها فراشة ملونة الجناحين تحلق في سماء عالية في يوم مشمس وجميل من أيام الربيع‬ ‫المتفتحة‪.‬‬ ‫فقد اعترف لها حبيبها بمشاعره الصادقة التي تبادله مثلها ‪].................‬‬ ‫الصفحة الخامسة‪:‬‬ ‫[كل هذا الصمت الذي يسود السيارة‪ ..‬ما هو إلا عواصف داخلية‪ ..‬صراعات بين قلوب وعقول لا‬ ‫تهدأ! ذكريات تترد أمام أعينهم! كل منهم يدور برأسه ألف فكرة وفكرة!‬ ‫يظهرون جمي ًعا ساكنين؛ ولكن في الحقيقة جميعهم مشغول في حرب قاسية‪ .‬لكنها حروب مختلفة‬ ‫تخص كل واحد منهم‪] .‬‬ ‫الصفحة السادسة والأخيرة‪:‬‬ ‫[لا نستطيع العودة كما كنا‪ ،‬أو حتى إلى جزء مما كنا! لماذا بدأنا من الأساس؟ لماذا؟! لماذا أصررنا‬ ‫أن نصبح م ًعا لعدة أيام مقابل سنين من الفراق؟!‬ ‫لماذا لا نستطيع العودة كالسابق؟! هل صعب لتلك الدرجة‪ ..‬هل يُكوى قلب كل منا؟ أم أن قلبى‬ ‫فقط من يحترق من الألم؟ يحترق ويحرق روحى معه‪ ..‬حتى بكائي كل ليلة لم يعد يطفئ تلك‬ ‫النيران‪.‬‬ ‫لم أعد أستطيع تقبل ذلك الوضع‪..‬‬ ‫أنا أحترق‪ ..‬كشمعة تحترق لتضيء تلك الظلمات التي تركتني بها!‬ ‫أنا أحترق‪ ..‬كنجمة تحترق لتضيء ليلتي الكئيبة التي تركتني بها!‬ ‫أنا أحترق‪ ..‬كحطب يحترق ليمدني بالحرارة لأدفئ من ذلك البرد الذي تركتني فيه!‬ ‫لماذا لم تعد لتأخذني من جديد؟‪ ..‬لماذا لم ت ِف بوعودك لي؟!‬ ‫آراك تقف بجانبي على بعد عدة\" سنتيمترات\"‪ ،‬ولكني لم أعد أستطيع الشعور بحرارة قلبك مثل‬ ‫البداية‪ ،‬لم أعد أشعر بالدفء‪ ..‬تتجاهلني بطريقة تعذبني!‬ ‫انظر إل ّي! هل يعجبك حالي؟! انظر إل ّي! هل تعجبك تلك العيون المنتفخة من كثرة البكاء؟!‬ ‫انظر لجسدي!‪ ..‬ذلك الجسد الهزيل الذي لم يعد يستطيع التحرك من بعدك‪ .‬أصبحت ضعيفة‬ ‫من دونك‪.‬‬ ‫أنا أتألم! أقسم لك أنني أتالم من تجاهلك لي أكثر من أ ّي شيء آخر‪ ..‬ذلك التجاهل الذي يقتلني‬ ‫كل ليلة‪ ،‬وكأنني أظن أنني سأرتاح لأستيقظ صبا ًحا بكل التعب مجد ًدا‪ ،‬وكأننى مقيدة لا أستطيع‬ ‫الفرار‪ ..‬مسجونة لحبك‪ ..‬معذبة لا أستطيع المقاومة‪ ..‬روحى تألمني!]‬ ‫انتهت من صفحات مذكراتها‪ ،‬وعلى وجهها تسيل الدموع؛ فقد شعرت من جديد بكل كلمة‪ ،‬وكل‬ ‫‪79‬‬

‫حرف قد كتبته‪.‬‬ ‫\"ست صفحات تحمل ست شخصيات‪ ..‬شخصيات قد عانت واجتازت معاناتها‪ ،‬وشخصيات لا تزال‬ ‫في مآزقها لم تعثر على باب للخروج بعد‪\".‬‬ ‫كانت تلك هي أولى كلمات صفحتها السابعة! قررت تحليل كل شخصية منهن‪..‬‬ ‫\" الصفحة الأولى لامرأة عانت من الكثير‪ ،‬لكنها بدأت حديثًا في الالتفات لنفسها ومستقبلها‪ .‬بدت‬ ‫في خواطري شابة ساعية للمستقبل‪ .‬قوية ذات شخصية ناجحة‪.‬‬ ‫أما الثانية؛ فلأخرى لا تمتلك ك ّم شجاعة الأولى؛ بل لا زالت طفلة‪ ،‬أو ربما مراهقة ترهب العالم‪،‬‬ ‫ربما – أي ًضا‪ -‬م ّرت بتجارب أليمة جعلتها انطوائية لا تريد الجراح! ولكن ‪ -‬حبيبتي ‪ -‬لا تعلم أن‬ ‫هذا واقع لا مفر منه!‬ ‫والثالثة لفتاة ُسحرت ما زالت تقاوم تريد أن تبقى صامدة‪ ،‬ولكنها معلّقة على شرف هاويتها التي‬ ‫ستقع فيها الآن‪ ..‬أو لاح ًقا‪\" ..‬فقط\" هو الوقت الذي سيحكم‪.‬‬ ‫أما الرابعة؛ فهي امراة وقعت في هاويتها‪ ،‬وانتهت من عذاب التفكير لتقع بعذاب من نوع آخر؛‬ ‫امراة عاشقة لا يمكن مقارنتها بأحد‪ .‬ولكن من الواضح عدم اكتمال قصتها!‬ ‫أما الخامسة؛ فتحكي حكاية مختلفة‪ ،‬فهي تحكي حكاية شعب بأكمله‪ ،‬وليس شخص! تمثّل رأس كل‬ ‫واحد من هؤلاء الجالسين فى عربة \"الترام\" صامتين‪ ،‬كل منهم على وجهه آثار الزمن وما فعله به‪.‬‬ ‫كل منهم لديه عالم لا يعلم عنه الجالس بجانبه!‬ ‫أما السادسة؛ فأبئسهم! امرأة محطمة ح ًقا‪ ،‬لا تستطيع القيام مرة أخرى؛ تعانى آلام الفراق والهجر‪،‬‬ ‫تريد مساعدة‪ ..‬ولكن في الغالب هي وحيدة‪ ..‬أم أختارت أن تكون وحيدة؟!‪ ..‬لا أعلم!‬ ‫ولكن كل ما أعلمه‪ ..‬أنهن كلهن شخصية واحدة لا غير!‬ ‫كلهن أنا!‬ ‫أنا من كنت مراهقة تخاف الحياة وتخشاها‪ ،‬لأنتقل لأصبح تلك الناجحة بعملها والكاتبة الساعية‬ ‫للنجاح في مجالها! تلك المرأة التي تعشق أن تتمعن في التدقيق بوجوه البشر والناس بلا هدف أو‬ ‫غاية محددة‪ ..‬فقط‪ ..‬للكتابة والتخيّل‪ .‬وإذ فجأ ًة وجدتني أتمعنن في وجه ذلك الأمير ذي الحصان‬ ‫الأبيض الذي قابلته في طريقي‪ ،‬لأقع في تلك الهاوية التي كنت أخشاها كثي ًرا منذ مراهقتي‪ .‬وها أنا‬ ‫بدل أن أقع فقد طرت في السماء العالية من شدة عشقي وفرحي! ولكن‪..‬‬ ‫ولكن قد جاءت الصاعقة لتقضي بي أر ًضا‪ ،‬تضربنى بقوة‪ ،‬وتجعلني أنسى معنى السعادة والحب‬ ‫وكل شيء‪ ..‬لا أتذكر سوى الألم والحزن والفقدان‪ .‬أبكى كل ليلة على وسادتي لأنام‪.‬‬ ‫ولكن ها قد حان الوقت لأكتب القصة السابعة‪ ..‬أعلم أنها لن تكون الأخيرة‪ ،‬ولكن أظن أنها‬ ‫الناجحة حتى الآن!‬ ‫اليوم السادس من شهر يناير في السنة الجديدة‪ ..‬أعلم أنها ستكون بداية موفقة‪ ..‬سأنجح وأسعى‬ ‫إلى النهاية‪ .‬لن أسعى لنسيان الماضي‪ ،‬بل – فقط ‪ -‬بالاقتباس منه في كتاباتي‪ ،‬سأكتب كيف يمكننا‬ ‫التعلم من الأمس والتقدم غ ًدا‪ .‬أما اليوم فسأكتفي بشرب شاي َي الأخضر‪ ،‬والاستماع لموسيقاي‬ ‫المفضلة؛ لأرتاح مما حدث في سنواتي السابقة\"‬ ‫‪80‬‬

‫تركت قلمها بعد انتهاء قصتها؛ لتكمل شايها الأخضر الدافئ‪ ،‬وهي تستمع إلى فيروز‪.‬‬ ‫\"صباح ومسا‪ ..‬شي ما بينتسى‬ ‫تركت الحب ‪ ..‬وأخذت الأسى‬ ‫شو بدي دور‪ ..‬لشو عم بدور على غيره‬ ‫في ناس كثير‪ ..‬لكن بيصير ما في غيره؟\"‬ ‫‪81‬‬


Like this book? You can publish your book online for free in a few minutes!
Create your own flipbook