الطالبة /جودى رأفت رسوم .د /هند الفلافلى 51
52
حب الأصدقاء بقلم :جودى رأفت في يوم من الايام دخلت المعلمة الي الفصل متحمسه ،وقامت بتحية الطلاب وطلبت ان يخرج كل واحد منهم ورقة ويكتب عليها قائمة بأسماء زملائه في الفصل مع ترك مسافة بين كل اسم وأخر، ثم طلبت منهم أن يقوموا بكتابة أجمل شئ يمكن قوله عن كل زميل في هذه المسافة الخالية، وأخبرتهم المعلمة انها سوف تجمع الاوراق بعد نهاية اليوم الدراسي. وبالفعل بدأ كل طالب يحضر ورقته ويكتب فيها ما طلبته المعلمة ،وفي النهاية جمعت المعلمة كل الاوراق وكتبت اسم كل طالب في ورقة منفصلة وتحته قائمة بكل ما كتبه عنه زملائه ،ثم اعطت كل طالب وطالبة الورقة التي تحمل ما كتبه عنه اصدقائه في الفصل . بعد مرور وقت قصير بدأت ابتسامه عريضة تظهر علي وجوه الجميع وهم يقرؤون الاوراق، وتردد في انحاء الفصل عبارات بنبرة سعيدة مثل -:حقا!! لم اكن اعرف اني محبوب لهذه الدرجة من زملائي! مر اليوم ونسي الطلاب أمر الأوراق ولكن الاختبار أتي ثماره ونتائجه المراده حيث كان الجميع سعيد ومسرور من نفسه ومن الآخرين ايضا ،وكبرت تلك المجموعة من الطلاب ،وانتقلوا من صف الي صف وتخرجوا من المدرسة . وبعد مرور سنوات طويلة صار احد هؤلاء الطب ضابط وقتل في حربه ضد الإرهاب حضرت المعلمة الجنازة وكانت هذه المرة الاولي التي تري فيها جنديا في كفن عسكري ،لقد كان وسيما وجميلا وامتلأت الجنازة بأصدقاء هذا الضابط القدامى من المدرسة. وأحاطوا بالنعش وهم يتمنون له الرحمة والمعفرة . وكانت المعلمة تدعوا له بالرحمة ،فجاء اليها زميل له وسألها \" هل انت معلمة احمد لمادة اللغة العربية ـ أومأت بالإيجاب. فقال زميله :كان احمد يتحدث عنك كثيرا ،بعد انتهاء الجنازة جاء والد احمد ووالدته للتحدث مع المعلمة وطلبوا منها أن تأتي معهم حتي يعرضوا عليها شيئا ما ،ثم قام والده بإخراج ورقتين من محفته عليهم شرائط لاصقة ويبدو عليهم القدم وأثر السنوات واضحا عليهم للغاية ثم اعطي هذه الاوراق للمعلمة وقال لها انهم وجدوا هذه الورقة عندما قتل ،تعرفت المعلمة عل الفور عل الاوراق فقد كانت هي قائمة الصفات الطيبة التي كتبها الزملاء في احمد. عندما اخبرتهم المعلمة بالأمر اخذت والدة احمد تبكي بحرارة وهي تقول :نشكرك كثيرا علي فعل هذا ،كما ترين كان احمد يعتبرها ثروته . 53
بداء باقي زملاء احمد القدامي يتجمعون حول المعلمة ويخبرونها ايضا ان كل واحد منهم لا يزالون حتي الان يحتفظون بهذه القائمة. فرحت المعلمة جدا بهذا السلوك وعلمت ان مجهودها لم يذهب هباء. العبرة من القصة -: جميل أن نخبر من نحبهم بذلك ،ونشعرهم بمدي اهميتهم ،ونعبر لهم عل مكانتهم وأنهم مهمون واستثنائيون في حياتنا. دعونا نخبرأصدقائنا أنهم يعنون الكثير لنا ،قبل فوات الاوان . 54
للطالب /أحمد ياسر فاروق رسوم :د .جمـــال الخشـــن 55
56
رحلة نور بقلم :أحمد ياسر كانت السماء تغطيها السحب والأشجار تهتز من قوة الرياح وتنفض أوراقها بينما كان المعزون يتوافدون للدعاء إلى المتوفي ...بعد لحظات جاء الحانوتي وفتح باباً من الحديد كان مدفوناً في الأرض تحت أوراق الشجر المتساقط ثم حمل هو ومساعده المتوفي ووضعوه في غرفة تحت الأرض .وبدأ في قراءة بعض آيات القرآن الكريم والأدعية للمتوفي ثم أقفل الحديدي بإحكام وبعدها قدم واجب العزاء وانصرف هو ومساعده. وبعد نصف ساعة تقريباً كانت المدافن خاوية من الناس ليس بها إلا فتى ذو خمسة وعشرون ربيعاً ,نحيف الجسم ,أبيض الوجه والبشرة على عكس شعره الذي كان شديد السواد وعيناه التي تملأها الدموع ,وتجلس بجواره على الكرسي الخشبي فتاه جميلة ذات عيون زرقاء وشعر بني مسترسل طويل وبشرة بيضاء نضرة تبكي بحرقة وشدة على المتوفي فهو والدهما... أخذ راضي أخته أمال وانصرفا باكيين بدموع ممزوجة بماء المطر الغزير .وفي الطريق أخذ راضي يتذكر والده في أيامه الأخيرة .حيث كان مريضاً لا يقدر على الحركة لكن يتكلم بعض الكلمات من فترة إلى أخرى ثم ينام في سبات عميق... ما كان طريق العودة إلى المنزل طويلاً ,وبمجرد دخولهما البيت انهالت أمال في البكاء ,فنظر إليها راضي وأدرك أنها أول مرة تدخل البيت ووالدها ليس بالداخل .كان بيتاً صغيراً به أربع حجرات ويحتوي على أثاث بسيط ذو ذوق غاية في الأناقة والجمال .دخل الابن غرفة أبيه وبدأ في استرجاع ذكرياته مع أبيه وأدرك أن الأب لا مثيل له حتى إذا كان شديداً أحياناً في التعامل ولكن هذا من خوفه على ابنه وليس لأنه قا ٍس. وفجأة ...تذكر هذا الصندوق الذي أعطاه والده إياه قبل وفاته وقال له\" :لا تفتحه يا بني إلا عندما ألاقي ربي \".وبالفعل ظل هذا الصندوق في غرفة راضي ولم يفتحه... أخذ راضي الصندوق خارج غرفته ليفتحه وفي هذه اللحظات لاحظت أمال من باب حجرتها راضي وهو يفتح الصندوق وكانت ليست من عاداته الاحتفاظ بالأشياء في الصناديق ولاحظت أيضاً أن الصندوق من ( أنتيكات ) أبيها فخرجت من غرفتها لكي تعرف ما سر هذا الصندوق وسألت أخاها\" :ما هذا الصندوق يا أخي ؟؟\" فأجاب راضي\" :هذا هو الذكرى الوحيدة الباقية من أبي, فقد طلب مني عدم فتحه حتي يتوفاه الله\" .وحينها بدأ راضي في فتح الصندوق الخشبي فوجد فيه ورقة على شكل رسالة مكتوبة بخط يد الأب فقرأها بصو ٍت عا ٍل\" :أبنائي الأعزاء ,عندما تقرأوا هذه الرسالة سأكون ملاقي ربي وربكم فادعوا لي بالرجمة والمغفرة .هذه ليست وصية ولكم حق 57
الإختيار في تنفيذها من عدمه ...ولكني أردت أن أذكركما بأن هذه البلاد التي نعيش فيها ليست ببلدنا وليست بمسقط رأسنا وكما تعلما نحن غرباء نعيش فيها حتى إذا كنا نحمل جنسية هذا البلد إلا وأنه ليس بموطننا الأصلي ولقد سافرت بكما من ( بلدنا ) بعد أن توفيت أمكما بعد صراع طويل مع المرض بسبب عدم وجود إمكانيات طبية ولا أماكن للعلاج على مدار الحرب الدامية والمستمرة في ( وطننا ) ...أنا الذي سافرت بكما من ( بلدنا ) في الماضي ابتغا ًء لحياة أفضل وأنا الذي أطلب منكما الآن الرجوع إليها لأن بعد وفاتي ستشعران بالغربة أكثر بسبب عدم وجودي .هاجرنا إلى هنا لكي أحميكما وتعيشا حياة هنيئة ,ولكن نحن هنا مجرد لاجئين يحملون جنسية بلد ليست ببلدهم وبالرغم من هذا كله إلا وأننا نتعرض إلى أسوأ أنواع العنصرية والإهانة فأدركت حينها أن أعيش في بلدي دون أمان أشرف بكثير من أن أعيش خارجها مهاناً ...فإذا عزمتما العودة فابحثا عن نور في ( بلدنا ) ستجدانها في منزل صديقي شمس الذي كنت أحدثكما عنه وعنوانه مكتوب في ظهر الورقة .وتذكرا أن لكما حرية الاختيار ولكن إذا قررتما البقاء أو الرحيل فيجب عليكما أن تتفقا على نفس القرار\". كانت هذه آخر كلمات رسالة والدهما التي قرأها راضي بدهشة كبيرة بسبب طلب والده المفاجئ... في هذه الأحيان نظر لأخته قائلاً\" :أظنك تعرفين رأيي حيال هذا الطلب\" فردت قائلة\" :ولكن هذا طلب أبي الوحيد ,فلم لا نلبيه ؟؟\" أجاب راضي\" :يا أختاه ,قال أبي بأن لنا حرية الاختيار وأنا كراضي ( راضي ) بالوضع على ما هو عليه ...بالإضافة إلى أنني لا أعرف ما الذي يخفيه القدر عند الرجوع\". قالت أمال\" :يا راضي ,مهما كان سوء القدر إذا عدنا سيكون أهون بكثير من العيش هنا في بلد غريب وسنظل نصرف من مال والدنا حتى ينفذ وأنت لا تملك مصدر دخل ثابت حيث بغ أسابيع من تعيينك في أي عمل يأتي صاحبه ويقوم بالاستغناء عنك لأن الأولوية في العمل لمواطني هذا البلد وأصحاب هذه الأرض ولكن بالنسبة إلينا فمكاننا هو الهامش نعم يا راضي نحن مهمشون, نحن بدون وطن وبدون انتماء إلا إذا كنت تسمي من جاءوا إلى الجنازة اليوم أهل ويعوضون عن الوطن ...بلى يا أخي فإنهم يشاركوننا نفس همومنا ليس أكثر\" .قاطعها راضي قائل ًا\" :أنا مستمر في عملي منذ شهر وتأكدي أن هذه المرة سأظل في عملي ونعيش كما نتمنى\" .قالت أمال\" :إنها ليست بمسألة عيشة وراحة كما تظن ,ولكنها مسألة العيش مرفوع الرأس شامخاً وهنا كما تعلم إذا رفعت رأسك ل ُضبت عليها لتخفضها ...مع الرغم أنني معترضة على هذا القرار ولكن سأترك الأيام تثبت لك صحة حديثي .بعد هذا النقاش الطويل ,انصرف كل منهما إلى حجرته للراحة بعد يوم صعب ومرهق. بعد بضعة أيام عاد راضي إلى المنزل من العمل مبكراً فتعجبت أمال وسألته\" :لماذا أتيت باكراً 58
اليوم ؟؟\" رد راضي بصوت حزين\" :كنت على حق يا أمال هذا ليس مكاننا ولا وطننا ,لقد تعرض المصنع الذي أعمل فيه إلى أزمة مالية فقرر صاحب المصنع إلى إجراء تصفية حسابات بعض العمال وكما توقعت فأنا من ضمنهم لقد استغنى عني صاحب العمل ...لعل ( بلدنا ) الأصل تكون أفضل مأوي وأحسن م َحل \".واست أمال أخاها قائلة\" :لا تحزن يا أخي فبإذن الله سنعود إلى ( وطننا ) سالمين آمنين ونعيش فيه حياة كريمة\". بعد ثلاث ليا ٍل ...كان قد استعد الأخوان للعودة إلى ( بلدهما ) .وفي المساء ,ركبا على متن الطائرة ونفسهما ُمشبعة بالآمال ,لا تفارق نور أو الرسالة ذهنهما ...وفي هذه الأحيان بدأت الأرض بالابتعاد شيئاً فشيئاً حتي حلقت الطائرة وركبت متن الرياح. بعد سفر استغرق يوماً كامل ًا وصلت الطائرة إلى مطار ( وطنهما ) المشتاق إليهما بسلام وأمان في الصباح بسبب فارق التوقيت بين البلدين ...أخذ راضي وأخته حقائب السفر من فوق سير الحقائب ثم استقلا سيارة أجرة من أمام بوابة المطار متجهة إلى عنوان منزل شمس صديق والدهما .وفي الطريق كانت نافذة السيارة تطل على أجمل المناظر وأبهاها من طبيعة خلابة وسماء صافية وشمس مشرقة وأشجار يافعة بالرغم من الدمار الذي أصاب البلاد منذ سنوات حتي وقتنا الحالي ...نظر السائق إلى راضي وأمال وشعر بأنهما غريبان عن هذا البلد فسألهما\" :هل أنتما من ( بلدنا ) ؟؟\" أجابه راضي\" :نعم ,نحن من هنا وهذه ( بلدنا ) الأصل ولكننا أمضينا في الغربة أكثر من نصف عمرنا\" .قال السائق\" :بالرغم من الذين هاجروا من البلد والدمار الذي ح َّل بها إلا وأنها من أجمل بلاد العالم وشعبها من أكثر شعوب العالم قوة وصبراً ,هنا كلنا سند وعون لبعضنا البعض وليس المهم من أين أتيت ولا من أنت ومن تتبع ولكن المهم هو أن أظل عونك وأمد يد المساعدة في أي وقت\" .استمع راضي إلى هذه الكلمات وهو يتحسر على عدم العيش في بلده وبين هؤلاء الناس الكرماء .في هذا الوقت ,كانت تنظر أمال من النافذة متمنية لو كان والدها ما زال على قيد الحياة ومعها في هذه الرحلة. وبعد ساعة ,وصلت السيارة أمام منزل شمس فقال لهم السائق\" :هذا هو العنوان المدون في الورقة\" .سأله راضي\" :لم ألحظ عداد الكيلومترات ,فكم الأجرة ؟؟\" فرد السائق ضاحكاً\" :ليس لدينا عداد ولكن اعتبر هذه الرحلة مجانية فهي أول رحلاتك هنا ...لا أظن أن هناك سائقين هكذا في الغربة ,وتعمدت أيضاً أن أريك عظمة هذا الشعب وأثبت لك أنه من أكرم شعوب العالم بهذا المثال الصغير من شخص فقير مثلي\" .ثم انطلق بالسيارة دون أن يسمع رد راضي ...كان منزل شمس منزلاً صغيراً خشبياً بسيطاً ويصدر منه صوت الصغار يغنون والكبار يضكحون .تقدم راضي وأخته شيئاً فشيئاً نحو الباب وبدأ راضي بطرق الباب حيث كان لا يوجد جرس ...بعد طرق استمر 59
فترة وجيزة فتحت لهما فتاه صغيرة تشبه الملائكة في برائتها وجمالها .سألها راضي\" :هل هذا منزل شمس ؟؟\" فهزت رأسها بالإيجاب وأشارت لهما بالدخول. دخل راضي وأمال فوجدا هذا المنزل البسيط دافئاً بالفرحة والمرح حيث لا يوجد إلا كرسي واحد في المنزل يجلس عليه عجوز ذو شعر أبيض ولحية بيضاء خفيفة .بينما كان الجميع يلتفون حوله كبار وصغار جالسين على الأرض ليستمعوا لقصصه عن أصدقائه القدامى الذين رحلوا إلى ربهم أو الذين رحلوا عن بلدهم ...انضم راضي وأمال إلى الجالسين ولم يرهما العجوز فمن الواضح أنه كفيف .وبدأ يحكي عن صديقه بدر الذي سافر مع أولاده راضي وأمال .فنظر الأخ والأخت لبعضهما البعض ,فهذه هي قصتهما وأدركا أن هذا العجوز هو شمس صديق والدهما .وبعد أن انتهى شمس من الحديث ,خرج صوت من الجالسين مشيراً إلى راضي وأمال\" :من أنتما ؟؟ ومن أين أتيتما ؟؟\" رد راضي مبتسماً\" :أنا راضي بن بدر وهذه أختي أمال ونحن أصحاب القصة التي كان يقصها العم شمس\" .نزلت هذه العبارات على شمس كالماء البارد وشعر بهزة في جسده وتذكر أن بدر كان قد قال له\" :إذا أتى إليك أبنائي فاعلم أني قد رحلت عن دنياكم \".وهذه كانت آخر رسالة بينهم قبل أن تنقطع أخباره .قال شمس بكلمات متقطعة\" :لقد توفى أعز صديق لي وأنا أدين له بالعرفان على مدار حياتي ولم وأنسه حتي عندما سافر ولا عندما انقطعت أخباره فاقتربا يا أبنائي أنتما أبناء صديقي العزيز وأبنائي أيضاً فأنا لم أتزوج\". جاء موعد الغداء ,ولاحظ راضي أن الجميع يشارك في الطعام ولا يوجد طمع أو جشع رغم فقرهم الشديد .بينما كان الكل سعيد بالوافدين الجديدين إلا وأن الفتاة التي فتحت لأمال وراضي الباب كانت لا تبتسم قط ,وتحدق النظر إلى أمال وعيناها تملأها دموع خفية .فذهبت إليها أمال وسألتها\" :ما الذي بك يا صغيرة ؟؟\" فجذبت الفتاه السلسلة وفتحت الدلاية وأخرجت منها صورة لفتاه تشبه أمال .فتعجبت أمال من هذا الشبه وسألتها\" :لمن هذه الصورة ؟؟\" فرد عليها صوت من الجالسين قائل ًا\" :هذه أخت شروق فهي قد فقدتها في إحدى غارات الحرب الدامية والقاسية ,ومنذ هذا الحين هي صامتة لا تتفوه بكلمة وقال الأطباء إن هذا من آثار الصدمة فكانت أختها هي التي تشجعها على الغناء فصوت شروق جبلي قوي ,وهي ليست الوحيدة هنا المتضررة من الحرب فهناك العم شمس أيضاً فقد بصره في إحدى المعارك ولكن الحمد لله على كل شيء نحن راضون طالما هذه الأرض سالمة وسنفديه حتى الموت\" .هزت هذه الكلمات جسد راضي وأمال وأشعلت روح الانتماء وقيمة هذه الأرض لديهما وحبهما لها. بعد الغداء ,التف مرة أخرى الصغار والكبار حول العم شمس .كانت أمال تريد أن تسأل العم شمس سؤالاً منذ أن دخلت البيت هي وأخوها فقالت بصوت عا ٍل\" :يا عم شمس ,كيف دخلت أنا 60
وأخي هنا وجلسنا دون أن يسألنا أحد من أنتما ؟؟ لقد ُسئلنا بعد أن جلسنا واستمعنا لحديثك\". رد العم شمس مبتسماً\" :يا ابنتي هذا البيت مفتوح لأهل البلد كلهم ...فهو يسمي بيت الشعب. ويأتي كل جمعة من كل أسبوع الأهالي لنشارك بعضنا البعض الحياة بحلوها ومرها\" .نظرت أمال إلى هذا العجوز وأدركت مدى عظمة ذلك الرجل .وكانت كلما تنظر إلى الفتاة البكماء تجدها تنظر إليها هي الأخرى ,فابتسمت لها أمال وذهبت إليها وتحدثت معها قائلة\" :أنا لم أر أمي منذ زمن بعيد وكنت في الرابعة من عمري حينها ,وبعد وفاة والدي شعرت أنا وأخي بأننا وحدنا في هذه الدنيا الصعبة حتى وصلنا إلى هنا وأمضينا معكم بضعة ساعات ,فأدركنا أننا نملك كنزاً وهو الوطن .وأنا كنت أتمنى لو أن يكون لي أخت مثلك هكذا\" .فابتسمت شروق وأخذتها بين ذراعيها. وبعد أسبوعين ,خرج راضي إلى السوق في الصباح الباكر لشراء غداء يوم الجمعة من هذا الأسبوع. وبعد أن انتهى من الشراء وضع يده في جيبه ليدفع ثمن المشتريات .فحدث ما لم يكن متوقعاً... سقطت رسالة أبيه على الأرض فإذا به يتذكر نور ,سبب رجوعهما إلى ( بلدهما ) وقد نسى هو وأمال هذه الرسالة بسبب انشغالهما بالعم شمس وأهل البلدة .فعاد مسرعاً إلى المنزل وتفاجأ بأن شروق تتكلم ...نعم تتكلم مع أختها أمال التي احتضنتها الأسبوعين الماضيين وأعطتها الحنان والحب اللذين كانت تفتقدهما وتم شفاؤها بحمد الله وحلت أمال محل أختها في تشجيعها على الغناء مرة أخرى. ففرح الجميع عندما وصلوا إلى بيت العم شمس وسمعوا شروق وهي تتحدث مرة أخرى .وفي هذه الأحيان كان راضي قد ذكر أخته بالهدف من رجوعهما لوطنهما .فقررا أن يسألا العم شمس عن نور بعد الغداء. انتهى الكل من الغداء والتفوا حول العم شمس كالعادة واستغل راضي هذه الفرصة وسأل العم شمس\" :من نور يا عمي ؟؟\" رد عليه شمس قائلاً :نور!! عمن تسأل ؟؟\" فأخرج راضي الرسالة وقرأها أمام الجميع وبعد أن انتهى ...قال العم شمس -الذي استمع إلى حديث راضي بإنصات \" : -يا بني ,أنت لم تسألني كيف علمت بوفاة بدر بمجرد أنني علمت بوجودكما \".نظر راضي إلى أمال وابتسم وقال\" :كيف يا عم شمس ؟؟\" رد العم\" :أرسل لي والدك هذه الرسالة وهي كانت آخر رسالة قبل أن تنقطع أخباره وقال لي\" :إذا أتى إليك أبنائي فاعلم أني قد رحلت عن دنياكم\". وبالنسبة إلى نور فهي ليست بفتا ٍة ...انظر حولك ستجد النور\". في هذه اللحظات ,رجع راضي بذاكرته إلى الوراء وتذكر كل المواقف التي حدثت معه هو وأخته منذ ركوبهما سيارة الأجرة ...النافذة التي تطل على أجمل المناظر وأبهاها ,كرم سائق سيارة الأجرة رغم فقره واحتياجه للمال ,مشاركة الطعام بين الكل رغم الجوع والفقر .وحب هذا الشعب لأرضه 61
والدفاع باستبسال عن وطنه. وبدورها رجعت أمال بذاكرتها إلى الوراء حيث عظمة العم شمس في أن يستضيف جميع أهل البلدة دون مقابل فالحب هو الذي يجمعهم ,وحيث فرحة الأهالي عندما تكلمت شروق مرة أخرى ,وعن فرحة شروق نفسها وبساطتها و احتياجها إليها وإلى ابتسامتها المبهجة .قطع هذا التفكير سؤال العم شمس عندما قال\" :هل عرفتما إذاً من هي نور ؟؟\" وتبدأ رحلة نور مع شروق الشمس والشعب راض و متطلع بأمال عالية تصل إلى البدر في السماء... 62
رسوم .د /أشرف مهدى
64
بقلم :ﭼنا محمد سعيد طـــارق وأ ُذنيــــه ! هيَّا ياطارق ه َّيا استيقظ لقد حان موعد المدرسة !! ياطارق ياطاروق هيَّا يا حبيبي سوف تتأخر ألم تسمعني ؟!! لن أذهب الي المدرسة لا أحب المدرسة لا أريد أن أتعلم أرجوكي لا أريد لا أريد يا أمي . هذا ما اعتادات عليه أ َّم طارق يوم َّيا ك ّل صباح منذ اليوم الأول من المدرسة لقد ُولِد طارق في يوم من أيام الشتاء الباردة لأم ّـِ حنونه وأ ُُّب رائع كان يوم مولده يوم عيد لأبويه ،كيف لا ووالديه انتظرا هذا الحدث السعيد لأكثر من ثلاث سنوات !! . جده وبكاء خالته كان شديد الشبه لأبيه ولكنه أخذ لون ونعومه شعر أ ّمه و ضحكة شاهدوا طارق لأول مرة وسط ضحكات وأنف ع ّمه هذا كان تعليق أفراد العائلة عندما وتعليقات وسعادة غامرة ملأت المكات شيئا واحدا ملحوظا ومميزا فيه ألا وهو أذنيه كانت تبدو كبيرة نوعا ما بالنسبة لحجم راسه الصغير ....كل هذا لم يكن شيئا هاما لأبويه وعائلته بل كان في عينهم شيئا جميلا ومميزا له .... يوما بعد يوم وعاما بعد عام كبر طارق وأصبح عنده الان اربع سنوات كان طفلا شقيا ومرحا يملأ المكان ضحك ولعب وسعادة ،الي أن أتي ذلك اليوم الذي كان فيه طارق مع أبيه في السوق لشراء بعض الأغراض للبيت ،وعند محل بيع الطيور والدواجن والبيض وقف ولد أخر مع أمه وأخذ ينظر لطارق ويضحك ويقول له أذنان شبه أذنين هذا الارنب وهذا الأرنب عنده أذنين مثل أذنيك !! أستغرب طارق لهذا التعليق !! وأخذ ينظر للارنب ويراقبه ثم عاد الي منذله ووقف أمام المراه وكانت هذه أول مرة في حياة طارق يقف أمام المراة ويحدق في أذنيه ويفحصها وينظر لهما ويتذكر ذلك الارنب ويسترجع كلام ذلك الطفل وبدأفي البكاء !!. لاحظت ذلك أمه وسألته وعرفت منه ما يحزنه ويبكيه فأحتضنته وقبلته وقالت له لا عليك بهذ الكلام ان أذنيك جميلتان وهما من صنع الله وعليك أن تحمد الله علي تمام الخلقة وأنا أحبك كما أنت ووالدك أيضا وجميع أفراد عائلتنا وأصدقائنا هدأ طارق واحتضن أمه وذهب لالعابه والوانه والابتسامة علي شفتيه وكانت هذه هي الوقفة الأولي لطارق مع أذنيه حيث تبعها بعد ذلك عده أحداث حصلت له في المدرسة ففي اليوم الاول له في المدرسة ذهب طارق مع والديه متحمسا وفخورا بنفسه سعيدا للغايه ها هو كبر وأصبح له حقيبتة الخاصة بالمدرسة يضع فيها الوانه المفضلة وكرساته ذات الاوان الزاهيه وأقلامه الجميلة وعصيره وسندوتشاته المحببه اليه ... وقد كان دوما يحلم بذلك اليوم وبتمني أن يذهب الي المدرسة ويسأل أمه يوميا ويلح في السؤال 65
متي أذهب الي المدرسة ؟؟ متي أكبر وأذهب الي المدرسة ؟! وقد تحققت أمنيته أخيرا وذهب الي المدرسة والفرحة تملأ قلبه والسعادة تغمر وجهه .. ما أجملك ياحبيبي هكذا كانت تقول له أمه وتردد له وهي تلتقط له الصور الفوتوغرافية للذكري ..في الطابور لاحظ طارق نظرات زميله هاني وهمسه لبقية الزملاء وضحكهم كلما نظرو اتجاهه ..وتعالت الضحكات وذادت النظرات وسط ذهول طارق وتعجبه الي ان سألهم ما سبب ذلك الضحك والهمس والاحاديث الجانبية ...رد عليه هاني باندفاع كعادته فهو ولد معروف عنه الشقاوة والحدة والغلاظة قائلا له ما اسمك ؟ وما ان اجابه طارق حتي صاح بصوت عاليا ياصاحب أذنين الفيل !! وتعالي الضحكات بين الزملاء والزميلات وأخذو يرددون طارق وأذنين الفيل ..ما أكبر تلك الاذنين !! . عندها شعر طارق بالخجل الشديد وتذكر موقفه القديم في السوق الخضار فاضطربت مشاعره وأخذ يبكي ويبكي ..هنا لاحظت المعلمة بكاء طارق فأخذته واستفسرت منه عن سبب حزنه وبكائه لكنه من شده خجله رفض أن يذكر السبب واكتفي بالصمت ونظرات الحزن تملأ عينيه ... عاد طارق الي منزله وهو شارد الذهن سارح في تفكيره لا يلعب ولا يضحك كعادته استغرب والديه وسألاه عن يومه أجاب كان يوما عاديا ولم يذكر لهم ما يحزنه ويشغل باله !!. في اليوم التالي حدث له مثل ما حدث في اليوم الاول واستمرت الايام والاسابيع ومازال الوضع كما هو بل بزداد سوءا ويزداد رفض طارق واصراره علي عدم الذهاب الي مدرسة وأصبح شديد الانطواء وتبدل حاله من ولد نشيط يحب الضحك واللعب الي طفل صامت حزين منطوي بل الامر لم يقتصر علي ذلك فقط بل أثر بشكل سلبي علي دراسته أصبح مهملا لدروسه وليس لديه رغبة في الاستذكار وعمل الواجبات المنزلية لم يعد طارق كالسابق وكرهه للمدرسة يزداد يوما بعد يوم وهاني ورفاقه مستمرون في سخريتهم وتعلياتهم السخيفة الي ان اتي ذلك اليوم الذي بدل حياه طارق رأسا علي عقب !! عندما عاد الي منزله ومعه نتيجة نصف العام وكانت درجاته ضعيفة للغاية وبينه وبين الرسوب في كل مادة درجة او اثنتان هنا صدم والديه بتلك النتيجة اكتفت الام بالنظرات الحزينة له والخصام ...ولكن اباه قام بتوبيخه بشده وعنف بسبب تقصيره واهماله !! بكي طارق وأجهش في البكاء وأخذ يبكي بدون انقطاع ودموعه منهمره ويردد هاني والزملاء هم السبب أصبحت لا أطيق المدرسة بسببهم سئمت من سخريتهم بسبب أذناي سئمت من تلك التعليقات الجارحه ...سئمت من ضحكاتهم الغبية 66
لماذا يفعلون معي ذلك ؟؟! ان أذني من خلق ربي ليس لي يد في ذلك ...لماذا يفعلون معي كل هذا ؟؟! لماذا ينادون عليا دائما بصاحب أذني الفيل ؟!! انني اكرهم واكره الذهاب الي المدرسة بسببهم ....ذهل الاب والام لما سمعاه وتأثرا تأثرا شديدا وعلامات الدهشة والصدمة ترسم علي وجوهم لم يكن لديهم ادني معرفه بمعاناه طارق خلال النصف الاول الدراسي ،وجدا الان التفسير المناسب لعدم رغبته في الذهاب الي المدرسة وكسله عن اداء واجباته وانطوائه وحزنه وشروده ،ياه طارق !! يابني كل هذا تكتمه داخلك ؟؟ هكذا كان بردان ابوه داخلهما ! قال له أبوه أسألتك التي ذكرتها وسألتها لنا الان قد أجبت عنها في بداية كلامك معنا !! انك تملك اذنين لم تختارهم بل الله عز وجل هو من خلقهم .. سبحانه وتعالي له في خلقة شؤؤن ...لم يجعلنا كلنا متشابهون بل خلقنا مختلفين في لون البشرة وقصر وطول القامه وملامح الوحه و السمنه والنحافة وغير ذلك ..لكل واحد منا ميزه ميزها الله له ..وقد ميزك الله سبحانه وتعالي بتلك الاذنين ..نعم انهم كبيرتان نوعا ما ولكنهم جميلتين وليس لك يد يا بني في شكلهم بل يجب عليك أن تحمد الله سبحانه وتعالي لانك تسمع بهما ..ماذا تقول يا طارق فيمن ولد وهو أصم لايسمع أو اعمي لايري أو أبكم لايتكلم او ولد بدون يد أو أصابع !! يابني احمد الله علي ما أنت فيه وكن فخورا بذاتك ممتنا لله عز وجل علي تمام الخلقة ..شاكرا له في كل وقت وحين .. أما ذملائك فان لي معهم تصرف أخر !! صمت الجميع وساد الهدوء واحس طارق بالرضا في قلبه ونام ليلته هذه مطمئنا شاكرا الله علي نعمته العظيمة نادما علي تقصيره في دروسه واعدا نفسه بأنه سيجتهد وسيبذل قصاري جهده ليصبح من المتفوقين نهايه العام الدراسي .ذهب معه والده الي المدرسة في صباح اليوم التالي و قابل مدير المدرسة واشتكي له مما يحدث ومن معاناة ابنه مع زملائه في الفصل ومن ضعف درجاته بسبب عدم حبه للمدرسة !! وتنمر زملائه عليه !! وعد المدير والد طارق بأن الموضوع سيكون محض اهتمامه وشكره علي حسن تربيته لابنه وسوف يقوم بتلقين زملائه درسا لن ينسوه مدي الحياه !! جلس المدير مع الاخصائيه الاجتماعيه ومع مدرسين الفصل وشرح لهم معاناة طارق وتنمر زملائه عليه وسخريتهم الدائمة من أذنيه واتفقوا علي اقامة مسابقة في مادة اللغة العربية وهي وهي عبارة عن موضوع تعبير يعبر فيه الطالب عن ذاته ..ويكتب عن نفسه بكل صدق وموضوعيه يتحدث عن مميزاته ومواهبه وهويته و احلامه وعن عيوبه ايضا ومشكلاته وامنياته وسوف تناقش تلك الموضوعات بعد اسبوع من الان بين زملاء الفصل والمدرسين للتقييم وابداء الاراء واختيار الفائز وبعد مرور الاسبوع استعد جميع الطلاب متحمسين وبدا طالب تلو الاخر في التحدث عن نفسه وأمنياته واحلامه ومشكلاته تعمد مدرس 67
اللغة العربية ان يترك طارق للنهايه حتي يستجمع شجاعته عند الالقاء ويترك الخجل جانبا أخذ يستمع طارق والمدرسون للتلاميذ فمنهم من قال انه كان يتمني ان لا يلبس نظارة النظر ،ومنهم من قال انه يتمني ان يصبح لاعب كرة ماهر مثل محمد صلاح ولكن جسمه الممتليء لايساعده علي الجري وهناك زميلة قالت ان مشكلتها شعرها الخشن فهي لاتستطيع ان تسرحه بالطريقة التي تحبها حتي هاني عنده مشكله يتمني لو انه يستطيع التخلص منها انه لا يستطيع نطق حرف الراء بشكل سليم وهذا شيء يخجل منه جدا وجاء الدور علي طارق تحدث عن امنياته واحلامه وتكلم عن نفسه ثم قال عن مشكلته مع اذنيه وخجله منهما ولكنه ادرك انها نعمة من الله وشكر وفضل اله عليه لانه يسمع بهما وهنا لاحظ الجميع عدم تطرق طارق لسخرية زملائه وعدم شكواه منهم كأنه اراد ان يلقنهم درس ويعرفهم بخطئهم دون تجريح لمشاعرهم !! خجل زملائه في تلك اللحظة من انفسهم وقاموا واعتذروله وطلبو منه ان يسامحهم علي ما فعلوه معهم منذ بدايه العام الدراسي وحين ذلك وقف هاني وقال في خجل انا اسف يا طارق سأعترف لك الان عن سبب سخريتي منك ان اذناك كبيرتان حقا ولكن هذا ليس عيب فيك انني كنت اريد ان اهرب من نطق اسمك ان حرف الراء يسبب لي حرجا شديدا حيث انني لا استطيع ان انطقه بالشكل السليم فكنت اقول لك ياصاحب اذني الفيل بدا من مناداتك باسم طارق !! أنا اسف ارجو ان تسامحني ياصديقي ابتسم طارق له وقال له لا عليك دعنا نبدا الان صفحة جديده يسود بيننا الحب والتعاون والاخاء ..صفق جميع التلاميذ لهذه اللحظة السعيدة ولأخلاق طارق الجميله واعجب المدرسون بما حدث فقد وصلت الرسالة لهم !!واعلنو نتيجة المسابقة وكان الفائز هو الفصل كله كل تلاميذ الفصل فائزون وجائزتهم هي القيام برحلة لهم جميعا مجانية الي مدينه القاهرة لزيارة معالمهم والتعرف علي حضارتها ..وكان هذا بسبب شجاعتهم واعترافهم بعيوبهم وخطئهم ولروح الحب والتسامح التي اصبحت بينهم ..ومن يومها اصبح طارق طالبا مجتهدا وتحسنت درجاته واصبح من الاوائل علي فصله وازداد حبه للمدرسة ولزملائه وفي النهاية ليتنا جميعا تتحلي بالصفات الجميله والاخلاق الفاضلة التي حثت عليها جميع الاديان السماوية فكلنا اخوة علي هذه الارض لا داعي للسخرية والاستهزاء والتنمر علي الاخرين حتي لايسود بيننا الكراهيه والبغضاء بل نريد جميعا نشر المحبة والاخوة بين الانسانية كلها .. 68
69
70
عالم بلا سرطان بقلم :سارة سامح كانت تسير وسط الحدائق الجميلة و تستنشق الهواء النقي الذي كان يداعب طرحتها و تسمتع بمناظر الخضرة الخلابة ،لفت انتبهاها ولد يجلس وحيداً و يبدو علي وجهه مظاهر الضيق . فذهبت إليه و قالت له بصوتها الرقيق : -هل تسمح لي بالجلوس ؟ نظر إلي عينيها الواسعتين المبهرتين بضيق و هز رأسه بإيجاب ،فابتسمت إليه و سألته : -ما اسمك ؟ فأجابها بلهجة بائسة: -اسمي حازم ،و انت ؟ -اسمي خديجة و أكملت بنفس ابتسامتها الجميلة: -كنت أسير و رأيتك جالساً وحيداً و يبدو عليك مظاهر الضيق فجأت لأسألك ماذا بك ؟ اعتدل إليها و قال لها بنفس لهجته البائسة : -هل يمكن لأحد أن يجلس في هذا المكان ولا يحزن ! \"أدركت وقتها أنه أصيب بالمرض منذ وقت قريب و هذة هي أول أيامه في مستشفي السرطان\" ،فقالت مستجيبة : -يجب عليك ألا تكون بهذه السلبية بل يجب عليك أن تتحلي بالأمل في هذة الدنيا. -قال لها :ما حدث لي حينما علمت بمرضي غير أحوالي . -عليك بالإيمان فقد كنت مثلك و لكن إيماني استطاع أن يغير نظرتي للحياة و قررت أن أهزم المرض. كان منبهراً بطريقة كلامها و ردود أفعالها التي تشبهه في بعض الأوقات ،و كانت هي لا تعلم كم من الوقت مضي و هي تتحدث معه و تحاول أن تعطيه أمل في الحياة ،و قاطع كلامها صوت الآذان فقالت له :هذا آذان العصر هيا بنا للصلاة . في السابعة مسا ًء ،ذهب حازم لخديجة كي يراها ،عند الباب توقف ،ليتابع المشهد ،ويسمع صوتها الحنون و هي بتقرأ القرآن الكريم ،عندما رأته قالت : \"صدق الله العظيم\" .و أغلقت المصحف. قال :لا أود أن أزعجك بل جئت لأطمئن علي ِك أعلم أنك كنت تأخذين جلسة العلاج من وقت قصير. -أنا الحمدالله بخير،تفضل. -أحب أن أشكرك كلامك أعطاني أمل في الحياة مرة أخري. 71
-لا شكر علي واجب أنه واجبي. -صوتك حلو ما شاء الله في تلاوة القرآن. قالت مبتسمه :شكراً،إنها من عاداتي بعد كل جلسة أجلس و أقرأ القرآن كي أشكر ربنا و أدعوا الله أن يشفيني و يشفي كل مريض. أثناء حديثهم سمعوا طرق علي الباب ,دخل ثلاث سيدات ألقوا التحية عليهم و أخذوا يسألوا عن خديجة و عن أحوالها و دعوا لها بالشفاء العاجل و راحة البال و السعادة مثلما كانت هي سبب في سعادة كل واحد منهم و غيرهم كثيراً و أخذوا يحكوا لحازم عن خديجة و عن ما فعلت معهم من مساعدة مادية و معنوية و عن مواقفها الحسنة و أنها كانت لا تبخل عليهم بوقتها أو بأموالها ،كان مبهوراً بما يسمعه عنها و كان يزيد إعجابه بها ثانية تلو الأخري و كان مستعجب من أن بنت في هذا السن تفعل كل ذلك! جلس في غرفته يفكر فيها و في كل الأفعال التي تفعلها رغم أنها لا تملك إلا ستة عشر عاماً .كيف تفعل كل هذا؟ ما هذة الشخصية الغريبة ! لا يعلم. كان هناك شئ بداخله يجعله يهتم بمعرفة كل شئ عنها و عن تفاصيل حياتها و عن شخصيتها أكثر و أكثر. استيقظت خديجة من النوم علي آذان الفجر و بعد أن أتمت صلاتها خرجت لتري منظر النور و هو يشق الظلام لكي يعم الضوء ،فرأته جالساً في الشرفة يتأمل في السماء ،كان المنظر جميلاً ، ترتجف له المشاعر فرحاً ،ترتاح عيناك للنظر إليه ،فنظر إليها و بدأوا يتحدثون و كان يسألها عن الناس الذي رآهم أمس ،أخذت تقص عليه قصص هؤلاء الأشخاص و غيرهم من أناس قابلتهم أثناء وجودها في الجمعية الخيرية قبل دخولها المستشفي ،أخذ يسأل عن تفاصيل حياتها و سألها :كيف استطاعت تحمل كل هذة المتاعب ؟ قالت :أنني نشأت وسط عائلة ُمتدينة يعرف كل منهم ربه و يعملوا بكلامه ،تربيت منذ صغري علي فعل الخير و مساعدة الغير و حب الناس ،كان دائماً والدي يقول لي \" اعلمي يا بنيتي أن الطريق الموصلة للحق –سبحانه -ليست مما يقطع بالأقدام و إنما يقطع بالقلوب\" و أيضاً كان يقول \"أن الحياة فانية ولابد لها من نهاية فلابد من إرضاء الله\" .كان يسمعها و ينظر إلي وجهها الخجول و هو مبتسم و يشعر أنه يتحدث مع ملاك جاء ليأخذه من يده إلي دنيا أخري ،دنيا يسود فيها الخير فقط ،يسود فيها الحب و الأمل و التفاؤل ,جاءت لتقربه إلي الله..... قال لها و قد ارتسمت علي وجنتيه ملامح الأمل: -ما الشئ الذي تتمنيه الآن يا خديجة ؟ قالت و هي تنظر بعينيها الجميلة له بنظرة تفاؤل: -أود أن أري العالم بلا سرطان......... بدأ كل منهما يتقرب لبعضهما أكثر وأكثر و قررا أن يهزما المرض سوياً و أن يذهبوا كل يوم للأطفال الأصغر منهم سناً لكي يلعبوا معهم و يعطون لهم أمل و سعادة ،أخذت بيده إلي عالم آخر ،عالم 72
لم يراه من قبل ،عالم كبير غير عالمه الصغير الضيق ! كانت دائماً تقول له \" لا شئ في الدنيا أكبر من الإرادة \". عاش حازم أجمل أيام حياته مع خديجة ،كان يستمتع معها بكل لحظة في حياته ،كان دائماً منبهراً بها و بتفاصيلها و حنيتها ,كان يشعر بالآمن عندما ينظر إليها و إلي ابتسامتها الرقيقة. وفي يوم ارتفعت درجة حرارة خديجة جداً و كان الدكتور يكشف عليها و حازم سوف يقتله القلق عليها في الخارج ،و فجأة فتح الباب و ظهر الدكتور و هو يقول :شدوا حيلكم....البقاء لله.... لقد احترق كل شئ ,اختفي كل شئ من أمامه فجأة بدون أي مقدمات .لحظات مرت علي حازم كأنها سنين ,اتجه إليها ،بكاها بحرقة ,صرخ لفراقها بقوة ,ضمها إليه محاولاً إيقاظها ,حاول الجميع سحبه و لكنه نهر الجميع و طلب منهم الخروج ,و أخذ يحدثها و يقول :تركتيني وحيداً ,كنت الأمل الوحيد لي في هذة الحياة ,لقد تعاهدنا أن نهزمه سوياً ها هو الآن قد هزمك. بعد أن انتهت مراسم العزاء ,ذهب حازم إلي غرفته و حاول أن ينام مرة أخري فأبي النوم أن يزوره ثانياً ,خرج للشرفة ليري الناس يتحركون في كل مكان كأن شيئاً لم يكن. الحياة لا تتوقف علي مغادرة من نحب إنما تكون أصعب .رأها فأحبها ,لم يتمني غيرها و لن يعيش بدونها يوماً واحداً منذ أن عرفها. ظل جالساً في غرفته يتذكرها بكل تفاصيلها ,يتذكر كيف كان حضورها طاغياً علي المكان ,و كيف كان وجودها يدب الحياة فيه .تذكر كلماتها له و حنانها عليه و كأنها والدته .لا يعلم لماذا تركته ,لا يعرف ماذا حدث لأن تفارقه مبكراً كهذا .وعدته دائماً أن تظل بجانبه لكنها لم تفعل .دخل حازم في حالة اكتئاب و كان رافضاً العلاج نهائياً ,أصبحت الحياة مملة خالية من البهجة بطيئة ,قاتله لكل الأحلام التي خطط لها مع خديجة في يوم ما .لم يكن يتخيل أنه سيعشقها هكذا أو يحبها كل هذا الحب الذي أنساه كل شئ مضي. و فى يوم و هو جالس وحيداً حزيناً ،سمع اَذان صلاة المغرب فتحرك و قام توضأ و صلى المغرب ،بكى كثيراً و هو يدعو لها فى صلاته .و بعد أن انتهى من صلاته تذكر جملتها له \" لا شئ فى الدنيا أكبر من الإرادة \" . قرر وقتها أنه سوف يقوم مرة أخرى و يتحدى المرض و يحقق لها حلمها \" عالم بلا سرطان \" رجع حازم يأخذ العلاج ويحضر الجلسات وهو يملك إرادة و عزيمة ،كان عندما يمل ويتعب يتذكرها و يتذكر حلمها الذى يريد أن يحققه ،فينهض من جديد و يقاوم مرة أخرى ،مرت الأيام والشهور على حازم بشكل طبيعى يشوبها بعض الذكريات الحزينة على فراق من أحب ،كان دائماً يزور الأطفال كما تعود أن يفعل معها ،كان يقرأ القرآن بعد كل جلسة علاج ويدعو ربنا أن يشفيه و يشفى كل مريض و يدعو لها بالرحمة . فى يوم استيقظ حازم فنظر فى ساعته فوجدها الخامسة والفجر يوشك أن يؤذن ،فقام من فراشه وتوضأ و صلى ركعتين لله و جلس يقرأ القرآن و بعد أن انتهى من القراءة ذهب ليرى أصدقائه و يتناول الإفطار معهم . 73
و فجأة يدخل عليهم الطبيب بوجه بشوش مبتسم ليخبره بأسعد خبر فى حياته ،خبر كان ينتظره من فترة طويلة \" .......خبر شفائه \" فرح حازم فرحاً شديداً و أقبل عليه الجميع بسعادة وفرح لتهنئته و أخبروه بأنهم سوف يشتاقون له كثيراً وأنه له فضل عظيم عليهم لقد غير أفكارهم من الاستسلام للمرض و حالة الضياع و خيبة الأمل و بعث الأمل الجديد لحياتهم شكر حازم أصدقائه و وعدهم بأنه سوف يأتى إليهم من حين لآخر ليطمئن عليهم ،ومنذ هذه اللحظة قرر حازم أنه يبدأ مرحلة جديدة فى حياته ،مرحلة كلها صعاب و عقوبات لكنه كان يملك يقيناً بأنه سوف يجتاز كل ذلك لكى يحقق حلم خديجة . خرج حازم من المستشفى و عاد إلى بيته وأسرته و رجع إلى مدرسته وبدأ يأخذ دروسه ويذاكرها بإتقان . كان متميز دراسياً يعمل بجد ويسهر الليالى ،و بالفعل التحق حازم بكلية الطب وكله حماس و حيوية .كان يحضر محاضراته بشغف و اهتمام . كان دائماً يتذكر خديجة ،كانت دائما صورتها حاضرة أمامه و ظل يذهب إلى المستشفى و يزور أصدقائه و يعطيهم الأمل دائماً . لن يكتفى بالمحاضرات فقط بل كان يقوم بعمل أبحاث حول علاج جديد للسرطان ويتابع كل جديد في مجال دراسته .وهو فى السنة الثالثة فى كليته ،استضافت الجامعة وفد من كبار الأطباء من جميع أنحاء العالم ،فكانت فرصة لحازم ليقدم لهم بحثه الذي نال إعجابهم و عرضوا عليه تكملة أبحاثه بالخارج في منحة دراسية ليكمل دراسته و كانت هذة أول خطوة في تحقيق حلمه ومن خلالها تعرف علي كثير من الباحثين الذين كانوا يملكون إمكانيات كإضافة لتكملة أبحاثه و كان الأساتذة المشرفون علي ابحاثه منبهرين بعلمه . فكان لا يمل أبداً وكان يملك إرادة عظيمة حتى كون فريق يساعده ،كان الفريق كله مجتهداً مثله فكانوا يتقدمون بسرعة هائلة ،وكانوا يملكون عزيمة قوية ،عندما كان ييأس أحدهم كان الباقي يشجعه ويعطيه الأمل ،كان يرى حازم في داخلهم روح خديجة الجميلة ،كانوا هما العوض بالنسبة له ويعوضوه عن فراقها ،مرت شهور وسنين على حازم وهو مستمر في أبحاثه ودراسته مع فريقه الذي كان يمثل له الجزء الأكبر في حياته . وفي يوم نزل حازم من السيارة بخطوات ثابتة نحو الحلم الكبير ،ثم لحق به أحمد وطارق وسليم وليلى ومريم وباقي الفريق ،الذين أطلقوا على أنفسهم نظرا لاختلاف أعمارهم اسم \"ألوان\" ،كان حلما واحدا نقيا جمعهم .....حلماً كان بعيداً ،لطالما بذلوا له جهداً كبيراً من أجل جني ثماره اليوم . تقدم الفريق ودخل وسط تصفيق الحضور من جميع أنحاء العالم ،رافعين هاماتهم وجلسوا بأماكنهم كالبنيان المرصوص في تناغم وتلاحم وهم يتوجون حلمهم الكبير ،بدأ المؤتمر وأخذوا يتحدثون عن بحثهم وعن العلاج الذي توصلوا اليه ،كان الجميع منبهراً بهم وكان السرور يعم المكان كله ،وكان حازم سعيدا سعادة لم يشعر بها من قبل وتذكر خديجة وقال في سره محدثا نفسه ،ها هو ال َان قد تحقق حلمك ،كم اشتقت الي ِك ! 74
ِب ِصلة لا َي ُم ُت للواقع بقلم شهـد تـامـر رسوم م.م إيهاب كشكوشة
76
لا يمت للواقع بصلة بقلم :شهد تامر ها هي تفيق من على سريرها بخصلات شعرها المبعثرة. تستقيظ في يوم جديد مليء بالتفاؤل والإشراق لم تكن تحلم به قبل عدة أشهر. \"حور\" ابنة الثالثة والعشرين؛ وحيدة والديها ،كل من يراها يقع في سحرها؛ فهي فاتنة الجمال. كل من يراها يُسحر بجمالها .عيونها الخضراء؛ تلك الأعين المائلة للون العشب النق ّي في حدائق الجنة ،وخصلات شعرها الذهبية الذي يشبه سنابل القمح في الحقول المصرية\" .حور\" طالبة في كلية الهندسة ،وهي – أي ًضا -موظفة في إحدى الشركات العالمية. قامت من سريرها متجهة نحو النافذة الصغيرة بغرفتها المتميزة التي تصف شخصيتها ،فتحت نافذتها لتدع أشعة الشمس اللامعة تداعب خصلات شعرها. اليوم هو الجمعة؛ إجازتها الأسبوعية ،وقد قررت أن تقضيها في البيت على غير عادتها ،فـ\"حور\" إنسان اجتماع ّي ج ًدا -خاصة -الفترة الأخيرة؛ لكي تشغل أوقاتها ،ولكن لا يمنع ذلك أن تختلي بنفسها وروحها من حين لآخر .كما أنها لم تكتب منذ الكثير (زمن)؛ فقررت أن تقضي يومها مع كتابها وقلمها؛ فهما خير صديق. ها هي تضع كوب الشاي الأخضر الذي تعشقه ،وتبدأ بتشغيل موسيقتها الهادئة ،صوت فيروز الذي تعشقه ،ثم استعدت للبداية.. جلست بمكتبها الصغير الذي تعتبره منبع كل شيء جميل! هو عالمها الصغير الذي تحبه وتشعر بالدفء بمجرد الجلوس خلفه. قررت قبل البدء بالجديد أن تقرأ قلي ًل مما كتبته ساب ًقا ..لتبدأ بقراءة تلك القصص والشخصيات الصغيرة؛ بعضها خيالية وبعضها موجود هنا بجانبها .شخصيات عانت الكثير ،وتعاني ،لكنهم ما زالوا يستمرون بالحياة لا مفر لهم! بعض تلك الحكايات لم تكتمل بعد ،وبعضها انتهى ،لكن كل منهم يتخذ حي ًزا في عقلها وخيالها. فتحت المذكرات الصغيرة التي لا يجرؤ على لمسها أحد.. الصفحة الأولى: [هي الآن ترى نفسها شخ ًصا بدأ بالتغير ..بدأت تصبح امرأة جديدة متزنة أكثر نضو ًجا، تبذل كامل جهدها لملء وقت فراغها في عمل أشياء نافعة ..تكف عن التفكير في هؤلاء الأشخاص الذين لم يعد لهم مكان في حياتها ..الآن ،هي أكثر جرأة من قبل؛ فقد كانت خجولة ومنكمشة، تخاف التعاملات الآدمية البسيطة؛ البيع والشراء والتكلم ،حتى مع أشخاص جدد .هي الآن تستطيع الذهاب لأماكن كثيرة اعتادت فيها على اصطحاب رفيق لها؛ خوفًا من مواجهة أ ّي شيء. أصبحت أكثر مسؤلية ،أكثر ثقة ،أكثر جرأة ،أكثر شجاعة ،وأكثر قوة من ذي قبل.. والآن فى طريقها لتصبح تلك الـ \"\"strongindependentwomanالتي تحلم بها منذ نعومة 77
أظافرها ،لتستطيع مقاومة هذا المجتمع وحدها ،واقفة على قدميها بقوة وإرادة!] انتهت من الأولى ..تطويها متجهة للصفحة الثانية دون إضاعة أية لحظة! الصفحة الثانية: [تخاف كثي ًرا التحدث أمام العامة ..ليس لقلة ثقتها بنفسها؛ لكنها تخشاهم! تخشى هذا العالم الخارج ّي المؤلم الذي يعبث بنفسها .ذلك العالم الذي لطالما كرهته ،وتمنت لو لم تكن هنا .ليس لظروف حياتها؛ -مسكنها ،أو أ ّي شيء من تلك العوامل التي يقيس بها الناس مدى سعادة حيواتهم -بل لهذا الزمان ..تلك الحياة المليئة بالكذب ،والحقد ،والكراهية ،والحسد ،والغرور وكل هذه الصفات التي يتطبع بها البشر في هذا الزمان. لطالما تمنت أن تعيش في زمن من الأزمان الذهبية التي قرأت عنها كثي ًرا ،ولقبتهم بجنة الأرض؛ زمن السيتينات والسبعينات .فهي رقيقة لدرجة أنها لا تستطيع أن تتكلم وتتعامل معهم .هي نقية لدرجة أنها لا تفهم تلك التعابير والمصطلحات المنحدرة .تكره تلك الألفاظ البذيئة التي يتلفظون بها. هي تحب السلام والحب ..التعاملات النق ّية دون الحاجة \"للمصالح الشخصية\" .تحب الهدوء والسكينة ..الليل والبحر ونسيمهما م ًعا.. دائمًا ما كانوا يقولون لها إنها تعيش \"على القمر\"؛ لكثرة شرودها .لكنهم لم يعلموا أنها تهرب بخيالها من ذلك العالم الذى تستصعب العيش به ،لتذهب بعقلها وروحها لعالمها الخاص الذي صنعته لها. مكانها الذي لا يمت للواقع بصلة! ] الصفحة الثالثة: [كانت تمشي في طريقها دون الالتفات لأحد .حافظت على كل شيء حتى يوم لقائهما؛ يوم وقوعها في تلك الهاوية .لطالما وصفت يوم لقائهما بالهاوية! فذلك هو اليوم الذي بدأت فيه التخلي عن مبادئها لأجله .هو فقط من استطاع اختراق ذلك الحاجز العالي الذي ش ّيدته منذ سنوات .كان جميعهم يهابونها ،يخافون حتى التحدث معها؛ فهم يعلمون جي ًدا أن التحدث معها أو عنها بطريقة غير لائقة ليس له إلا نتيجة واحدة!! ولكن ..هو فقط من تجرأ! هو فقط من استطاع تخطي جميع الحواجز التي وضعتها للبشر أجمعين دون أ ّي تمييز .منذ اللحظة الأولى سحرها بنظراته ،حديثه ،مظهره ..كل شيء يقتلها! هو فقط من استطاع دخول قلبها ليتربع بداخله. خائفة منه وعليه! خائفة منه على روحها ونفسها ،خاشي ًة أن يكسرها كالسابقين .وخائفة من فقدانه.. كانت واثقة أنها لا تريد سوى نجاحها في حياتها المهنية حتى دخوله حياتها ..أو ..حتى اقتحامه لها بمعنى أدق] !!.. بدأت عيناها تتغرغر بالدموع ،لا تعلم هل ح ًقا عانت تلك الشخصيات؟ أم أنها قد بالغت في الوصف؟! ولكن دون انتظار إجابة على سؤالها قررت أن تكمل القراءة حتى النهاية. 78
الصفحة الرابعة: [هذا الشعور الذي يخلط بين الموسيقى ومياه البحر وصفاء السماء ..تلك نسمات الهواء الباردة.. بجانبه من جديد! اليوم هو تتويج لذلك الحب الأبد ّي الذي كانت تؤمن أنه سيأتهيا يو ًما ..تشعر بنفسها فوق الجميع؛ وكأنها فراشة ملونة الجناحين تحلق في سماء عالية في يوم مشمس وجميل من أيام الربيع المتفتحة. فقد اعترف لها حبيبها بمشاعره الصادقة التي تبادله مثلها ]................. الصفحة الخامسة: [كل هذا الصمت الذي يسود السيارة ..ما هو إلا عواصف داخلية ..صراعات بين قلوب وعقول لا تهدأ! ذكريات تترد أمام أعينهم! كل منهم يدور برأسه ألف فكرة وفكرة! يظهرون جمي ًعا ساكنين؛ ولكن في الحقيقة جميعهم مشغول في حرب قاسية .لكنها حروب مختلفة تخص كل واحد منهم] . الصفحة السادسة والأخيرة: [لا نستطيع العودة كما كنا ،أو حتى إلى جزء مما كنا! لماذا بدأنا من الأساس؟ لماذا؟! لماذا أصررنا أن نصبح م ًعا لعدة أيام مقابل سنين من الفراق؟! لماذا لا نستطيع العودة كالسابق؟! هل صعب لتلك الدرجة ..هل يُكوى قلب كل منا؟ أم أن قلبى فقط من يحترق من الألم؟ يحترق ويحرق روحى معه ..حتى بكائي كل ليلة لم يعد يطفئ تلك النيران. لم أعد أستطيع تقبل ذلك الوضع.. أنا أحترق ..كشمعة تحترق لتضيء تلك الظلمات التي تركتني بها! أنا أحترق ..كنجمة تحترق لتضيء ليلتي الكئيبة التي تركتني بها! أنا أحترق ..كحطب يحترق ليمدني بالحرارة لأدفئ من ذلك البرد الذي تركتني فيه! لماذا لم تعد لتأخذني من جديد؟ ..لماذا لم ت ِف بوعودك لي؟! آراك تقف بجانبي على بعد عدة\" سنتيمترات\" ،ولكني لم أعد أستطيع الشعور بحرارة قلبك مثل البداية ،لم أعد أشعر بالدفء ..تتجاهلني بطريقة تعذبني! انظر إل ّي! هل يعجبك حالي؟! انظر إل ّي! هل تعجبك تلك العيون المنتفخة من كثرة البكاء؟! انظر لجسدي! ..ذلك الجسد الهزيل الذي لم يعد يستطيع التحرك من بعدك .أصبحت ضعيفة من دونك. أنا أتألم! أقسم لك أنني أتالم من تجاهلك لي أكثر من أ ّي شيء آخر ..ذلك التجاهل الذي يقتلني كل ليلة ،وكأنني أظن أنني سأرتاح لأستيقظ صبا ًحا بكل التعب مجد ًدا ،وكأننى مقيدة لا أستطيع الفرار ..مسجونة لحبك ..معذبة لا أستطيع المقاومة ..روحى تألمني!] انتهت من صفحات مذكراتها ،وعلى وجهها تسيل الدموع؛ فقد شعرت من جديد بكل كلمة ،وكل 79
حرف قد كتبته. \"ست صفحات تحمل ست شخصيات ..شخصيات قد عانت واجتازت معاناتها ،وشخصيات لا تزال في مآزقها لم تعثر على باب للخروج بعد\". كانت تلك هي أولى كلمات صفحتها السابعة! قررت تحليل كل شخصية منهن.. \" الصفحة الأولى لامرأة عانت من الكثير ،لكنها بدأت حديثًا في الالتفات لنفسها ومستقبلها .بدت في خواطري شابة ساعية للمستقبل .قوية ذات شخصية ناجحة. أما الثانية؛ فلأخرى لا تمتلك ك ّم شجاعة الأولى؛ بل لا زالت طفلة ،أو ربما مراهقة ترهب العالم، ربما – أي ًضا -م ّرت بتجارب أليمة جعلتها انطوائية لا تريد الجراح! ولكن -حبيبتي -لا تعلم أن هذا واقع لا مفر منه! والثالثة لفتاة ُسحرت ما زالت تقاوم تريد أن تبقى صامدة ،ولكنها معلّقة على شرف هاويتها التي ستقع فيها الآن ..أو لاح ًقا\" ..فقط\" هو الوقت الذي سيحكم. أما الرابعة؛ فهي امراة وقعت في هاويتها ،وانتهت من عذاب التفكير لتقع بعذاب من نوع آخر؛ امراة عاشقة لا يمكن مقارنتها بأحد .ولكن من الواضح عدم اكتمال قصتها! أما الخامسة؛ فتحكي حكاية مختلفة ،فهي تحكي حكاية شعب بأكمله ،وليس شخص! تمثّل رأس كل واحد من هؤلاء الجالسين فى عربة \"الترام\" صامتين ،كل منهم على وجهه آثار الزمن وما فعله به. كل منهم لديه عالم لا يعلم عنه الجالس بجانبه! أما السادسة؛ فأبئسهم! امرأة محطمة ح ًقا ،لا تستطيع القيام مرة أخرى؛ تعانى آلام الفراق والهجر، تريد مساعدة ..ولكن في الغالب هي وحيدة ..أم أختارت أن تكون وحيدة؟! ..لا أعلم! ولكن كل ما أعلمه ..أنهن كلهن شخصية واحدة لا غير! كلهن أنا! أنا من كنت مراهقة تخاف الحياة وتخشاها ،لأنتقل لأصبح تلك الناجحة بعملها والكاتبة الساعية للنجاح في مجالها! تلك المرأة التي تعشق أن تتمعن في التدقيق بوجوه البشر والناس بلا هدف أو غاية محددة ..فقط ..للكتابة والتخيّل .وإذ فجأ ًة وجدتني أتمعنن في وجه ذلك الأمير ذي الحصان الأبيض الذي قابلته في طريقي ،لأقع في تلك الهاوية التي كنت أخشاها كثي ًرا منذ مراهقتي .وها أنا بدل أن أقع فقد طرت في السماء العالية من شدة عشقي وفرحي! ولكن.. ولكن قد جاءت الصاعقة لتقضي بي أر ًضا ،تضربنى بقوة ،وتجعلني أنسى معنى السعادة والحب وكل شيء ..لا أتذكر سوى الألم والحزن والفقدان .أبكى كل ليلة على وسادتي لأنام. ولكن ها قد حان الوقت لأكتب القصة السابعة ..أعلم أنها لن تكون الأخيرة ،ولكن أظن أنها الناجحة حتى الآن! اليوم السادس من شهر يناير في السنة الجديدة ..أعلم أنها ستكون بداية موفقة ..سأنجح وأسعى إلى النهاية .لن أسعى لنسيان الماضي ،بل – فقط -بالاقتباس منه في كتاباتي ،سأكتب كيف يمكننا التعلم من الأمس والتقدم غ ًدا .أما اليوم فسأكتفي بشرب شاي َي الأخضر ،والاستماع لموسيقاي المفضلة؛ لأرتاح مما حدث في سنواتي السابقة\" 80
تركت قلمها بعد انتهاء قصتها؛ لتكمل شايها الأخضر الدافئ ،وهي تستمع إلى فيروز. \"صباح ومسا ..شي ما بينتسى تركت الحب ..وأخذت الأسى شو بدي دور ..لشو عم بدور على غيره في ناس كثير ..لكن بيصير ما في غيره؟\" 81
Search