البراديغم التونسي.. مقومات النظر ومآلات العمل تأليف :محمد أمين الهبيري 1
الفهرس المقدمة الإصلاح المحمدي ،زمن الربيع الأول السنن التاريخية ،في فهم أسباب الانحطاط وعوامل الارتقاء شروط النهضة ،استراتيجيا الاقلاع الحضاري الإنحطاط القيمي ،علة النكوص إلى الجاهلية تغيير النفوس ،جوهر إرادة الشعوب معضلة التجديد ،شرط الاستئناف الحضاري مدنية الدولة ،بين تكلس التأصيل وتحجر التحديث معالجة أزمة الهوية ،لفهم خصوصية الثقافة التونسية سردية الثورة ،الانتقال الديمقراطي العسير الدولة ،عوامل القوة وعلل الضعف التخلف ،تشخيص الداء وتحليل الدواء النظام السياسي ،غموض الهوية وعسر التكريس المؤسسات الدستورية ،دعام المنظومة الديمقراطية الشباب ،كيف لهم أن ينخرطوا في السلطة ؟ القوة الإستخباراتية ،لمواجهة التهديدات الارهابية الإتحاد المغاربي ،حلم محال في واقع مضطرب معضلة الفساد ،أصل الكساد ومعطل الإعمال التخطيط الاستراتيجي ،رافد التنمية وقاطرة الإزدهار عوامل الإعتمار لتحقيق قوة الإعمار توازنات الدولة ،سياسات اقتصادية فاشلة محركات التنمية ،ثروة الموارد وافتقار الخيال المساجد ،من ركيزة العهد النبوي إلى انتكاسة العصر الحديث الخاتمة :من سنوات التيه إلى سنوات التشييد 2
معالجة أزمة الهوية ،لفهم خصوصية الثقافة التونسية ترتبط الهوية والخصوصية الثقافية بعلاقة ديالكتية تتجاوز مج ّرد علاقة النسبي بالكلي .ذلك أن الإشارة إلى الخصوصية الثقافية تتضمن تسليما بوجود هويّة محددة سواء كانت على أساس المكان أو العرق أو الطائفة أو الديانة أو اللغة وغيرها،45 من هنا فإ ّن الهو ّية الثقاف ّية لمجتم ٍع ما تعتبر القدر الثابت والجوهري والمشترك من المميّزات أوالسمات العامة التي تميّز كل حضار ٍة أو مجتمعٍ عن آخر. ك ّل فر ٍد يستمد إحساسه بالانتماء والهويّة ،ويشعر بأنه ليس مج ّرد فكرةً نكرة ،وإنما هو يشتر ٌك مع مجموع ٍة كبيرة من الأفراد في عد ٍد من المعطيات والأهداف ،إضافةً لانتمائه إلى ثقاف ٍة مركبة ( تمتزج فيها الحضارات المتعاقبة على البلاد). وفي حالة انعدام هذا الشعور بالانتماء من قبل الفرد نتيجة عد ٍد من العوامل ،سواء كانت داخل ّية أو خارجيّة ،فإنه ينشأ في أعماقه ما يطلق عليه اسم أزمة الهو ّية والتي ينتج عنها أزمة وعي تؤدي إلى ضياع تلك الهويّة بشك ٍل نهائي معلنةً نهاية وجوده. تظهر الهويّة على أنها تتغذى بالتاريخ لتشكل استجابةً مرنة متحولة مع تح ّول الأوضاع التاريخ ّية والاجتماعيّة فالهويّة نسب ّية متغيرة مع حركة التاريخ والانعطافات التي تتع ّرض لها الدولة ،مما جعل المف ّكر المغربي محمد عابد الجابري يؤكد على أن الهويّة ليست أمرا سرمديا أو ثابتا ،بل هي مرتبطة بكافة المؤثرات الخارجية ( سواء كانت علمية ،ثقافية ،توازنات دولية 46)..في هذا السياق ،تأتي الثورة كعامل أساسي من عوامل حركة التاريخ التي تؤدي بالضرورة إلى إعادة تشكيل هوية الشعب بما يتوافق ورؤية النخب الفكرية التي تأخذ بعين الاعتبار خصوصية الشعب الثقافية والانفتاح على الكونية القيمية التي تحيل إلى القواسم المشتركة بين البشر على اختلافهم العرقي والثقافي فتكون بذلك هوية الشعب متأصلة في القدم ومعت ّزة بتاريخها ومنفتحة على الحداثة ومط ّورة للمستقبل. كانت الثورة ،التي لا تكتفي بإسقاط النظام السياسي فقط بل تسقط النظام الإجتماعي والثقافي السائد في المجتمع وتعيد انتاجه بما يتوافق مع رؤية النخبة الفكرية والسياسية من خلال المشاحنات المتداولة والمتتالية ،سببا أساسيا في انبثاق النقاش حول قيم الشعب ومرتكزاته .ولو أن النخب اعتمدت فكر الحركة الإصلاحية وجعلتها مرجعية الشعب وهويته لربحت الكثير من الوقت المهدور في الانتقال الديمقراطي. وقد انكشف طغيان التيار العلماني ،الداعي للتحديث على الطريقة الغربية ونفي كل رواسب الحضارة العربية الشرقية داخل الذات العربية ،من خلال تحكمهم بأجهزة الدولة كالقضاء والإدارة وحتى الإعلام حيث جعل من هذه المنصات أداة لضرب التيارات الأخرى فقد تربت نخب اليوم داخل منظومة الأمس القائمة أساسا على الفكر الاقصائي.فأسمى غاية النخب هي أن تعادي القديم المتمثل في الدين وتطلق عليه صفة الرجعية ،لا أن يكون غايتها بناء مشروع فكري إصلاحي مشترك بين كافة التيارات المختلفة .وتأكد أنه لا يمكن للمجتمع العربي أن يستأنف دوره الحضاري بدون برنامج ثقافي مشترك واضح المعالم بين النخب الفكرية والسياسية. تعد أزمة الهوية ،بما هي مخاض فكري وسياسي واجتماعي ،أهم العوامل التي تي ّسر الانفراج الثقافي ،فمعلوم أن لكل أزمة حل ولا يمكن لهذه الأزمة أن تنفرج إلا في صورة اشتدادها وتشعبها ولذلك فهي تعتبر فأل خير على البلاد على عكس ما يتصوره البعض من أنها فأل شؤم على البلاد والعباد. .45مسألة تغيير الوعي في الفكر الإسلامي المعاصر والراهن ،عبد الباسط الغابري صفحة .21 .46موضوع ،موقع إلكتروني ،مفهوم الهوية. 28
يأتي حديثنا عن أزمة الهوية بعد أن أقدمت لجنة الحقوق والحريات على تقديم تقرير حول الحريات الفردية والمساواة وهو عبارة عن مشروع لمجتمع ذي أساسين :المساواة المطلقة والآنية بين الرجل والمرأة في كل المجالات ،والحرية المطلقة والتامة للأفراد في جميع المجالات .يستند هذا التقرير إلى التحولات الهامة التي حصلت منذ إصدار مجلة الأحوال الشخصية في الوضعية القانونية والأدوار التي يمكن للمرأة التونسية الرائدة أن تلعبها في المجتمع المتحضر في القرن الواحد والعشرين ،وإن كان يبالغ في تقدير مدى غلبة الأسرة النووية ( الفردية )على حساب العائلة الموسعة (الجماعية ) ومدى بروز الفرد المستقل عن الجماعة التقليدية بما يتيح إعادة بناء نمط مجتمعي قائم على الفردية وكسر مفهوم الجماعة47. يدافع التقرير عن تمكين المرأة ومساواتها بالرجل ودعم مكانتها داخل العائلة ،وهو هدف لا يمكن لكل تونسي مستنير إلا أن يقاسمه .ولكن تبقى كيفية تجسيم هذه الغاية المشروعة مطروحة مع الحفاظ على تماسك المجتمع وتوازنه وجعله يقبل بالتغيير مع الإطمئنان لهويته وثوابته .وهنا يكمن الإشكال.وعلى سبيل المثال ،فإن التقرير يأخذ بالاعتبار دور العوامل الاقتصادية والاجتماعية متمثلة في تنامي دور المرأة في الإنفاق على العائلة وإرتفاع مستواها التعليمي ،و لكنه تجاهل وزن ودور الانتماء الديني والموروث الثقافي والأخلاقي .هو يبحث لامحالة عن شرعية لمقاربته ومقترحاته في رؤية دينية مقاصدية ،لكن قارئه يكتشف أن المحتوى الأساسي لتأويله المقاصدي عبارة عن قيم تعتبرها النخب الحداثية عموما ذات طابع كوني .إذ يذهب المتطرفون في هذا المنحى ،ومنهم أبرز عناصر اللجنة التي وضعت التقرير إلى اعتبار منظومة الحريات الفردية والمساواة كما تجسدها المواثيق الدولية أسمى وأعلى من أي مرجعية دستورية وقانونية وطنية .هو تعسف يتناسى كون هذه القيم نتاج التطور التاريخي للغرب وثقافته ،وأن من حق البلدان والمجالات الحضارية الأخرى أن توفق بينها وبين ما تعتبره ثوابت وخصوصيات ثقافية ودينية. إن المقترحات التي تتميز بتغيير جذري في نمط عيش معين لا ينبغي لها أن تناقش وراء جدران البرلمان بصفته سلطة تشريعية صاحبة الشرعية ،بل وجب رفع الأمر لمن يعطي الشرعية نفسه أي الشعب فهو الذي يقرر إن كان يريد تغيير نمط عيشه أم لا ،إذ أنه من الناحية القانونية لا يمكن لا لرئيس الدولة ولا للجنة الحريات أن تلزم شعبا بأكمله على اتباع قانون لا يتماشى ومرجعياته الفكرية والدينية وثقافته .الأمر الذي يطرح موضوع المحكمة الدستورية التي ترفض بعض النقاط الجوهرية في تقرير اللجنة ( مشروع القانون المستقبلي ) .أما الحل العملي الديمقراطي الذي لم ولن يقبل به أعضاء اللجنة التي تدّعي الحداثة والقيم الكونية ،لا لشيء إلا لأنهم يدركون أنه لا قيمة لهم في سوق الصناديق الانتخابية فهم أقلية الأقلية وهو مشروع يخل بالنظامين السياسي والقانوني وحتى بالنظامين الاقتصادي الأسري المباشر والتعاقدي. سياسيا وظيفة رئيس الدولة هي قبل كل شيء ،وبالنص الدستوري ،الحرص على حفظ النظام القانوني بتوسط الرقابة الدستورية التي يمكن أن يدعوها لذلك (المحكمة عند إيجادها) ،وحفظ النظام السياسي بالرقابة السياسية .هذا التقرير قدم بوصفه مبادرة من رئيس الدولة ،هادف لتحقيق التناسق التشريعي مع مبدأي المساواة والحرية الواردين في الدستور الحالي ،وفي نفس الوقت ،مواصلة جهد الإصلاح التشريعي البورقيبي ،والحال أنه لو كان بورقيبة نفسه ما يزال حيا لتبرأ من هذا التقرير السخيف وذلك لتداعياته السلبية على المجتمع التونسي. أما خيانة الأمانة القانونية ،فلا تحتاج للتدليل لأن مجرد قفزه على البند الأول كاف ،فضلا عن توطئته التي اعتبرها الدستور أحد عناصره التشريعية .ومعلوم أن الإصلاح القانوني -التشريعي-الذي هو من الضرورات الدائمة في كل المجتمعات الحية .47مفهوم الجماعة؛ وحدة اجتماعية تتكون من مجموعة من الأفراد (اثنين فما فوق) يربط بينهم تفاعل اجتماعي متبادل ،وعلاقات صريحة ،بحيث يتحدد فيها دور الأفراد ،وتحكمها مجموعة من المعايير ،والقيم الخاصة التي تحدد سلوك أفرادها ،سعياً لتحقيق هدف مشترك ،وبصورة يكون فيها وجود الأفراد مشبعاً لبعض حاجات ك ّل منهم. 29
يكون مشروعا بارتكازه على ثوابت وقيم متعارف عليها في المجتمع ،إلا أن التقرير المقدم لا يمت للإصلاح القانوني بصلة ذلك أنه لا يمثل مرجعية أغلبية الشعب بل إنها تجنح إلى الأقلية)4(48. الاقتصادي الأسري؛ إذ أن توسيع التزاوج في هذه الحالة سيتوقف إذا كانت الأسرة المالكة ستصبح متساوية مع اسرة النسيب الذي سيدخل في الشراكة ندا وليس بسهم لا يلغي أولوية الأسرة المالكة التي منها البنت والتركة.ومن ث ّم ،فما سيحصل حتما هوأحد أمرين؛ إما مضاعفة العنوسة لئلا تتفتت الملكية أو تفتت الشركات الأسرية ،لأن الصهر الذي سيصبح مساويا لصهره في رأس المال – في مثال أخ وأخت ورثا أب – فيفضل أن يشارك أخوته بدل مشاركة صهره ،فينفرط عقد الأسرة لأن زوجته تريد العكس وتزداد الخلافات)5(.49 عموما ،من الضروري أن ندرك ما مقصد رئيس الدولة من إثارة موضوع كهذا يعد من ثوابت الدين أن يجعله من المواضيع المثارة في وقت عصيب تمر به البلاد التونسية .فالكل يعلم أن تونس تعاني من أزمة اقتصادية خانقة حيث بلغت نسبة المديونية 70بالمائة وعديد الإحصائيات التي تنبئ بخطر يتهدد تونس في المجال الاقتصادي .لذلك يقول نعوم تشومسكي\":استراتيجية الإلهاء هي عنصر أساسي في التحكم بالمجتمعات ،تتمثل في تحويل انتباه الرأي العام عن المشاكل الهامة والتغييرات التي تقررها النخب السياسية والاقتصادية ،يتم ذلك عبر وابل متواصل من الإلهاءات والمعلومات التافهة \"50. كشفت لنا الثورة عقم النخب الفكرية عن إدراك اللحظة التاريخية مما أدى إلى تجاوز الشباب الثائر هذه النخبة المتكلّسة برواسب الماضي وأصنام الأفكار والإيديولوجيات وقام بثورته لنيل حريته المكدّسة للثروة المادية (اقتصاد) والرمزية (الفن) أما اليوم فالرهان الحضاري لدى النخب يتمثل في تحديد هوية للشعب مما طفحت جدلية الأصالة والمعاصرة على السطح كاشفة بذلك حمق النخب وعدم فهمها لدرس الثورة. .48مبادرة الرئيس تخل بالنظامين القانوني والسياسي ،أبو يعرب المرزوقي https://abouyaarebmarzouki.wordpress.com/ .49مبادرة الرئيس تخل بالنظامين الإقتصادي الأسري المباشر والتعاقدي ،أبو يعرب المرزوقي https://abouyaarebmarzouki.wordpress.com/ .50استراتجيات التحكم و التوجيه و التضليل العشر ،تشومسكي (نعوم)، 30
سردية الثورة ،أو الانتقال الديمقراطي العسير51 سميت ثورات شعوب البلدان العربية بالربيع الديمقراطي العربي.وتدل هذه التسمية على شوق هذه الشعوب إلى الحرية السياسية التي تكرس مفهوم سيادة الشعب أو حكم الشعب لنفسه .فيكون هومصدر السلطة وأساس مرجعية القرار المتخذ فيها .وهو ما يكرس دمقرطة الدولة ابتداء (السلطة السياسية) ودمقرطة المجتمع انتهاء (المجتمع المدني) . تقوم فلسفة الثورة على قانونين رئيسيين توفرا في طرفي العلاقة السياسية { الحاكم والمحكوم } .أما بالنسبة للأول فهو قانون تراكم القهر المسبب من طرف الحاكم ،أي أنه يطنب في تعذيب شعبه واضطهاد حريته وقمع رأيه وهو تراكم كمي يطال جميع رعيّته ،سواء كان ذلك في التطرف باسم الإله أي الحكم الديني أو باسم الطبيعة أي الحكم الطبيعي .وقديكون تراكم القهر من طرف الطغاة (طغيان السلطة السياسية) أو من طرف الغزاة (طغيان المستعمر على المستعمر) ،ولا يمكن البتة أن يثور الشعب على هذا الطغيان إلا إذا توفر تراكم الوعي بالقهر في صفوفه وهو يمثل القانون الثاني في معادلة الثورة أي أن الشعب غيرالواعي بقضاياه ،وذلك إما من خلال فتاوى شيوخ السلطان أولا استنادا إلى ما قاله ابن تيمية: \"ستون سنة من إمام جائر أصلح من ليلة واحدة بلا سلطان\" 52أو تجهيل الشعب بغرس أفكار خاطئة ومغلوطة من خلال الإعلام ثانيا. الأول أسيء فهمه من جانبين؛ فالحداثيون اليوم يؤسسون فكرهم ألإقصائي من منطلق أن أمثال ابن تيمية قد أ ّصل للقمع وللاستبداد جاعلا من السلطان الظالم خيارا محتوما على الشعب المقهور ،وأما طائفة من الإسلاميين اتخذوا من هذه المقولة مصدرا لشرعية الطغاة ومثال ذلك الحركةالوهابية فيالسعودية التي ما انفكت تتحف الجميع ،صغارا كبارا ،عامة ونخبا بفتاوى تكرس ظلم السلطة لمن صدعوا بالحق .والغريب أن المتدبر في مقولة ابن تيمية يدرك تأكيده على أهمية إرساء الدولة وتفعيل نظامها حتى يمكن للمجتمع الإنساني أن يعيش في مجموعات متلاحمة لا أن يعيش أفرادا متفرقين وذلك تحت مظلة أعراف أو قوانين تحكمهم وتؤطرهم وفي غياب سلطان القانون ينعدم سلطان الوجود وهو ما يفضي إلى الفوضى العارمة وهذا مقصده. الثاني دور الإعلام في بناء وعي المجتمع بقضايا سامية وبقيم عليا إن توفر فيه شروط النزاهة والحياد وفي المقابل يمكن للإعلام أن يساهم في انحطاط المجتمع ثقافيا وأخلاقيا عبر برامج تافهة لا ترقى لسلم البرامج الإعلامية تقدم للرأي العام فتساهم بنشر الرذيلة بدرجة أولى لدى فئة الشباب الذين يمثلون عمود المجتمع وجذوره .وكما هو معلوم فإن الإعلام لا يؤثر على الوعي فقط ،بل يؤثر كذلك على اللاوعي وكما يقول سيجموند فرويد ،مؤسس علم النفس التحليلي\":يُمكن للاوعي الإدراكي ال ُمصاحب للعقل البشري أن يتعامل مع بني البشر دون أن يمر عبر بوابة الوعي الإدراكي\" 53وهو تفسير مبدئي يُخبرنا بإمكانية حدوث غز ٍو للأفكار الكامنة في العقل الباطن (اللاوعي) نحو تلك التي ترقُد في العقل الظاهر (الوعي)، لدرجة قد تدفع تلك الأفكار الباطنة ال ُمختزنة في اللاوعي البشري في التح َّكم في زمام العقل بأسر ِه ومنها إلى سائر ال َجسد. والأدهى في ذلك أن ما َسلف ذكره يحدث دون ح ّس إدراكي من العقل الظاهري لأ ّنَه تحت َصو َلة العقل الباطني وسطوته54. .51أ .الطلابي (محمد) ،حلقة تحديات الإنتقال الديمقراطي ،شركة رؤية للثقافة والإعلام على اليوتوب .52ابن تيمية ،مجموع الفتاوى 28/290 .53فرويد (سيجموند)، .54منصور (إسلام) ،مقال بعنوان زراعة فكرة في العقل البشري منشور في موقع مدونات الجزيرة. 31
يمكن إذا التحكم في المجتمع من خلال وسائل الإعلام سواء المقروءة أو المسموعة أو المرئية كما أن المسلسلات والأفلام تعطي إمكانية التأثر بالشخصيات المستوحاة إما من الخيال ( تمثل أفلام هوليوود التي يكون محورها أبطال خارقون الأكثر إيرادا ماليا والأكثر استمتاعا جماهيريا ضمن قائمة أصناف الأفلام ) أو من قصص واقعية وهو ما يح ّمل مسؤولية إضافية على عاتق المنتج في اختياره للصنف وللقصة أو السيناريو فهو إما سيبني قيما أو سيهدم مثلا. ينتج عن إتحاد القانونين { تراكم القهر وتراكم الوعي بالقهر } قيام الثورة التي تخ ّول للشعب المطالبة بالكرامة المتو ّلدة من قيمة العزة والشموخ التي تقود العقل والقلب وذلك لأن قيمة العزة تتفجر في وجدان الشعوب فتقودهم إلى تكريس قيم الحرية والعدل كما تخوله من هدم النظام القمعي ثم إعادة بناء نظام ديمقراطي قادر على تحقيق الأمن والاستقرار السياسي والتطور الاقتصادي والرخاء الاجتماعي والنهوض الحضاري. إذا أردنا تلخيص مقاصد الثورات أو علة قيامها وهي من بين تحديات الإنتقال الديمقراطي للدول التي حصلت فيها الثورات فيمكن حينها أن نق ّسمها إلى أربع مقاصد كبرى : -1إنتاج السلطة وإعادة توزيعها (أو الثورة السياسية) وذلك من خلال استرداد الشعب صاحب السلطة سلطته وإعادة توزيعها توزيعا عادلا بين مختلف القوى السياسية باعتماد معايير الديمقراطية التي تخلق من وهن القهر ،قوة العدل ولا تكون هذه الثورة إلا من خلال تشبيب نخبة الإرادة (السياسة) وهو ما يتوافق مع ثورة الشباب خاصة وهي الثورة التي أراد من خلالها الشباب أن يستعيد سلطته بصفة عامة ويستعيد وطنه بصفة خاصة. تجدر الإشارة ها هنا إلى أن نجاح الثورة السياسية هي التي تخ ّول النجاح في بقية الثورات المتتالية وفي فشلها أو انتكاستها تتع ّطل عملية الإنتقال الديمقراطي وهو ما يتسبب في إضاعة الوقت في أمور قد لا تنفع الحاضر ولاالمستقبل. -2إنتاج الثروة وإعادة توزيعها (أو الثورة الاقتصادية) لا تكون إعادة إنتاج الثروة إلا من خلال تطبيق العدالة الاجتماعية في السياسة الجبائية مثلا وفي توزيع الثروة .كما أن الحرية الاقتصادية قد تلعب دورا في نمو اقتصاد البلدان وتطويرها إضافة إلى ذلك نجد أن الخوصصة ،في صورة ما إذا كانت في صالح الدولة فإنها تدر عليها أرباحا طائلة .أما إذا كانت هذهالخوصصة قائمة على المحسوبية فهي تعزز حينها الأوليغارشيا الاقتصادية. -3إنتاج القيم الحاكمة وإعادة توزيعها (أو الثورة الأخلاقية) تمثل الثورة الأخلاقية إحدى دعائم المنظومة الديمقراطية بما تمكن من خلق إيتيقا اجتماعية تسعى من خلالها إلى تكريس التقوى بالتعبير القرآني أو القيم الكونية الفاضلة بالمنظور الفلسفي وبإنتاجها والسعي إلى إعادة توزيعها يمكن للمجتمع الثائر أن يؤطر تلك القيم تأطيرا قانونيا (التشريع) حتى ينال كل مخالف العقاب المستحق دون محاباة وهو ما يكرس العدل داخل المجتمع. -4إنتاج المرجعية الفكرية وإعادة توزيعها (أو الثورة الفكرية) إن المرجعية الفكرية بما تمثله من مقومات الدولة أو صورة العمران بالتعبير الخلدوني لن نتمكن من بلورتها إلا في صورة ما اهتدينا للتدبر في مقولة \" الدنيا مطية الآخرة \" فلو أخذناها في سياق تاريخي (الانتقال من الدنيا إلى الآخرة) فإننا لن نفقه مقصدها ،بل لا بد أن نأخذها في سياقها الغائي ،وهو أن أعمال الناس في الدنيا خلال الحياة يجب أن ترتقي لأن تكون موضوعا للجزاء بمعايير الآخرة55. .55المرزوقي (أبو يعرب) ،مقال بعنوان الدنيا أو مطية الآخرة ،منشور في موقعه الرسمي. 32
Search