قــرا ء ا ت نــقــد يــة فــى إبــداعــات عــربــيــة هذه مجموعة من القراءات النقدية والمجموعة الثانية منشورة في كتابى \"تأملات فكرية فى إبداعات عربية\" سيد جمعه 1
اسم الكتاب :قراءات نقدية في إبداعات عربية النــــــــوع :مقالات نقدية المـــــؤلف :سيد جمعه الطبعة الإولى 2020 :م دارالجنـــدي للنشر والتوزيع 4شارع مهدي عبدالمنعم -ارض اولاد علام -منطي شبرا الخيمه القاهره الكبرى المدير العام :عاطف الجندي تصميم الغلاف الفنان التشكيلى :إبراهيم شلبى لوحة الغلاف الفنان :د / .عماد ابو الخير رقم الإيداع 2020/22348 : الترقيم الدولى978/977/843/256/5 : جميع الحقوق محفوظة هذا المصنف مصرى ويحظر إعادة نشره أو طبعه أو ترجمته وتوزيعه او تحويله لعمل فني مرئى أو مسموع إلا بعد الحصول على موافقة المؤلف كتابيا وإلا تعرض للمسائلة القانونية 2
الإهــــــــــداء لأبى وأمى رحمهما الله أُميان لا يعرفان القراءة والكتابة ..أحسنا تربيتى وتعليمى َوقُل َّر ِّب ا ْر َح ْم ُه َما َك َما َر َّب َياني َصغي ًرا *** *** و إلى زوجتي الغالية /سميرة رمضان وإبني وبناتي إسلام \" مصطفى \" -أماني -وفاء – ليلاس 3
شــــكــر و تــقــد يــر لأصحاب فض ٍل شجعوني على إصدار هذا الكتاب م /حامد قدري ......د /عبد الرازق قدري أ /وهيبة محمد سكر شاركت بالمتابعة العملية والتحفيز فى طباعة هذا الكتاب و د / .محمد هادى الطواب أ /محمد منصور سليم 4
إهداء خاص للفنانين التشكيليين الفنان التشكيلى /إبراهيم شلبي ُمصمم الغلاف و الفنان التشكيلى /عماد عوض أبو الخير ُمبدع صورتي على الغُلاف 5
تـقـــــد يـم د /محمد الطواب لقد درجنا وتعلمنا من أساتذتنا أن الذي يقوم بكتابة المقدمة لكاتب ما ،يحمل مسؤولية جزء من محتوى الكتاب الذي يقدم له باعتبار أن التقديم هو خارطة لارشاد القارئ إلى محتوى الكتاب ،وللتعريف بالمبدع أو الكاتب والذي هو غالباً ما يكون غير معروف للقراء ولكن مشكلتي الآن في التقديم لهذا الكاتب وخاصة حين يكون كاتبه معروفاً وله شعبية طاغية وسيرة أدبية كبيرة في الأوساط الثقافية والفنية والأدبية في مصر وهذا ما يجعل مهمتي غاية في الصعوبة ،بالطبع أنا لست من هواة التملِّق والمجاملة التي تضر بالكاتب و بالكتاب أكثر م ِّما تخدمه ،و في نفس الوقت أجد حرجاً و صعوبةً بالغة في أن أتعرض لمحتوى الكتاب بشكل غير مناسب أو ملائم للمحتوى ومن المفترض أن أكتب إضاءة و رؤية صادقة وحقيقة لما يتضمنه هذا الكتاب من رؤى نقدية و تحليلة لكثير من الأعمال الفنية و الأدبية و التي صاغها أستاذنا \" سيد جمعة \" .في شكل مقالات نقدية لا تقل إبداعا عما يتناوله في كتابه من موضوعات بل بالعكس تفوق قيمتها في بعض الأحيان عما تتناوله من موضوعات صاغها آخرون. 6
في كثير من الأحيان يسعى الكتِّاب الجدد إلى اسم كبير لكتابة المقدمة لكتبهم لتكون إطلالة و فتحاً للطريق أمام القارئ لتحفيزه على قراءة هذا الإنتاج الجديد والمشكلة هنا ذات شقين أولهما أنني لست هذا الاسم الكبير الذي ُيسعى إليه (بضم الياء ) والكاتب الأستاذ سيد جمعة أيضا ً في غنى عن ذلك لأنه من كبار مبدعي ونقاد مصر ومن الذين يشار إليهم بالبنان وعندما ذكرت له ما يجول بخاطري وعن عدم منطقية أن يقدم التلميذ لكتاب أستاذه ،أخبرني أن الذي يبتغيه من ذلك هو أن يكتب المقدمة لكتابه واحداً ممن يك ِّن له كل الحب والود والإحترام ..فوجدتني أمام هذه الكلمات ليس لي من اختيار أو طريق للهرب فكتبت هذه المقدمة المتواضعة لكتاب صديقي و أستاذي والذي يستحق أن يقدم له أكبر نقاد مصر والعالم. في الغالب لا تكتب مقدمة لأي كتاب قبل أن يُقرأ النص و لكن في حالتي هذه لا أحتاج إلى قراءة النص لثقتي الكبيرة والمؤكدة بأن ما كتب في هذا الكتاب يستحق القراءة والدراسة والتعليق .ومن المعروف أيضا ً أن المقدمة يجب أن تخدم الكتاب وأن تضيف إليه بحيث تُنير طريق القارئ و ترشده إلى ما بين سطور الكتاب والتي لم يفصح عنها كاتبها بشكل مباشر كما أنها تشير إلى مواطن وبواطن الجمال والإبداع وأتمنى على الله أن أستطيع الإقتراب من ذلك. 7
و المقدمة كما يقول الكثيرون أنها عتبة للولوج إلى نص جديد غير محدد الملامح بالنسبة للقارئ و المقدمة هي خريطة للقراءة فلنتجول قليلا ً في ردهات و دهاليز ما كتبه أستاذنا سيد جمعة في كتابه الجديد إن هذا الكتاب هو غيض من فيض من إبداعات الأستاذ سيد جمعة الناقد الفني و القاص والأديب والشاعر والذ ِّواقة لكافة أنواع وأشكال الفنون التي عرفها ويعرفها الإنسان في كافة أنحاء المعمورة وبالتالي هو في كتابه هذا يتصدى بالنقد والتحليل و القراءة الفاحصة المتفحصة الباحثة عن كل ما هو جديد وجميل وجيد ومختلف ومتميز فيما يقدمه المبدعون العرب الذين تناول إبداعاتهم بين طيات هذا الكتاب الق ِّيم. الكاتب الأستاذ سيد جمعة له العديد والعديد من الدراسات النقدية و القراءات الإبداعية المنشورة في الدوريات و المجلات المتخصصة وعلى صفحات التواصل الإجتماعي والتي لا يتهافت على قرائتها الجميع و لكن أيضا ً يحرصون مشاركتها مع الآخرين حتى يفادوا بما يقدمه هذا القلم الفذ من قراءات لأعمال أدبية و روائية وشعرية وأيضا ً أعمال أخرى كثيرة من الفن التشكيلي .فهو بالفعل رجل واسع العلم والمعرفة والثقافة ويذ ِّكرنا بالعرب الأفذاذ الأوائل وبرجال عصر النهضة الذين كانوا يجمعون بين العلم والأدب والثقافة والإختراع والإبتكار والموسيقي والرياضة والفلك 8
والفن التشكيلي فقد كانوا موسوعيين يجيدون في كثير من أنواع الفنون والآداب. ولما كان هناك ضرورة مل ِّحة لاحتواء هذه القراءات بين دفت ِّي كتاب وبنا ًء على إلحا ٍح من المقربين من الأستاذ سيد جمعة ق ِّرر أن يجمع هذه القراءات في هذا الكتاب الذي اعتبره أنا شخصياً ،نموذجاً يد ِّرس لكل هواة تعاطي النقد أو التصدي له من الشباب وهو بالقطع كتاب جدير بالقراءة والدراسة والبحث وهو إضافة إلى المكتبة العربية. وكاتبنا الأستاذ سيد جمعة قام باختيار بعضاً من قراءاته النقدية لبعض المبدعين العرب المميزين بإنتاجهم المتميز والمتفرد وكان من بينهم على سبيل المثال لا الحصر: -القاص العراقي /هادي المياح وإبداعه \" حين تتنفس الأشياء\" . -الروائي المصري الدكتور /سليمان عوض وإبداعه \" إحتراق الفراشات\". -الكاتب العراقي /عبد الستار جبار وإبداعه \" وقائع ولادة في جدار\". -الروائية المصرية /سعد الزامك وإبداعها \" مشكاة التحدي\". -الروائي المصري /د .صلاح شعير وإبداعه \" العنيدة و الذئاب\". 9
-الروائية المصرية /هبة بنداري وإبداعها \" بلقيس ليست ملكة و لا شبح\". -الروائية الكويتية /شيمار بيتسكي وإبداعها \"الرقص على رؤوس الافاعي\" -الروائية العراقية /فليحة حسن -مهاجرة إلى امريكا -وإبداعها \"أكره مدينتي\" -القاص العراقي /كريم صبح وإبداعه \" مالك المقبرة -القاص العراقي /عبد الكريم الساعدي وإبداعه \" ما بعد الخريف\". -الشاعرة /جهاد نوار -القاص النوبى /اسلام صلاح -الشاعر /جمال حامد حرصت على ألا اتط ِّرق إلى محتوى الكتاب و حتى أترك للقارئ متعة القراءة و الاستمتاع بما يحويه هذا الكتاب من إبداع نقدي جديد و غير مسبوق محمد الهادي الطواب كاتب و باحث و مترجم 10
وداعا َ ..شر ِيحت ْك ِإنتهت في باريوتوبيا د /محمد هادي الط ّواب ( مصر) تُعد قصص وروايات \"الخيال العلمي\" من أقدم فنون السرد الموروثة في تاريخنا الأدبي. لك ِّن ..ربما يكون التطور التكنولوجي هو الذي وسمها بالحداثة كشكل أدبي ُمغاير للمعروف والسائد على الساحة الادبية ومن خلالها ،وبها توجهت الدراسات والأبحاث العلمية لابتكار الوسائل والوسائط والأدوات والتقنيات الحديثة في مختلف مجالات الحياة حتى أصبحت الحياة العامة للإنسان أكثر سهولة ويسر ،ولأن ال ُمبدع رساماً أو قا ِّصأً أو روائياً ساحتهم جميعاً الخيال، حتى حين تكون الواقعية هي وسيلتهم لتصوير الحياة الإنسانية على ما هي عليه ،بُغية التغيير إلى الأفضل والاحسن. ودكتورنا الكاتب والقاص /محمد الط ِّواب يُقدم -وربما للمرة الأولى -على تصني ٍف جدي ٍد من إصداراته المتنوعة فقد أصدر من قبل \"باتيستا\" ،وهي مجموعة قصص قصيرة لاقت قبولاً كبيراً ،كما أصدر كتاباً يحم ُل عنواناً \"أمثا ٌل شعبية ُمختارة ...من الشارع والحارة\" ومن الكتابين نستشع ُر رصانة الكلمة العربية ودقته في اختيارها واهتمامهُ بالرصد والتحليل للمشهد 11
الذي يدونهُ وحرصهُ أن يكون غير غاف ٍل عن ش ٍئ له أهميتهُ في المشهد السردي من ناحية ،ولدى القارئ من ناحي ٍة اُخرى ،و في مجموعة القصص المشار إليها آنفاً، يتضح جهدهُ في انتقاء حادث ما والتقاط الكامن وغير ال ُمدرك منهُ للوهلة الأولى ،و إبرازهُ للمتلقي بصور ٍة ٌيجي ُد فيها بمهارةٍ تطويع عناصر ملكاته الإبداعية . ***** إن قصص وروايات الخيال العلمي فضلاً عن مواصفاتها وتقنيتها الخاصة وكما جاء في الفقرة التالية المنقولة من ويكيبيديا: في أدب الخيال العلمي يخلق المؤلف عالماً خيالياً أو كوناً ذا طبيعة جديدة بالإستعانة بتقنيات أدبية متضمنة فرضيات أو استخدام لنظريات علمية فيزيائية أو بيولوجية أو تقنية أو حتى فلسفية .ومن الممكن أن يتخيل المؤلف نتائج هذه الظواهر أو النظريات محاولاً اكتشاف ما ستؤول إليه الحياة ومتطرقاً لمواضيع فلسفية أحيانا .وقد تتناول موضوع القيم في عالم جديد مختلف، ولكن ما يميز أدب الخيال العلمي أنه يحاول أن يبقى متسقاً مع النظريات العلمية والقوانين الطبيعية . وفي روايته التي بين أيدينا ُيمهد الكاتب لها مؤكداً أنها من وحي خياله ونافياً أي تشابه أو تقارب في الأحداث أو الأشخاص في أعما ٍل مماثلة ،ولما كان للعلم أهميته 12
في رواية تُصنف من روايات الخيال العلمي ،فقد أسس الكاتب أعمدةً وهيكل بنيانهُ السردي من خلال رسم واسم وهوية الأشخاص الذين سيصحبونا طوال الرواية الأولى الفوقيون والثانية الصفوة ،أما الثالثة فهي طبقة الناس العاديين أهم هذه شخصيات : -رقم ( )1وهو حاكم الفوقيون. -رقم ( )5وزير شئون الكون أو دولة الكوكب الفوقيون. -رقم ( )10نائب حاكم شئون الكون أو دولة الكوكب. وأشخاص آخرون يحملون أرقام 50 / 30 / 20 من قاطني البارايوتوبيا إلى أن يصل الرقم إلى 1000 العامة سكان الكاميونات وتبدأ أسماءهم أو أرقامهم من رقم مليون وواحد إلى مالانهاية ومن ينتهي أجله يرث إبنه رقمه وإما إذا رزق بمولود وهو حي يسميه أو يعطيه رقمه الأصلي على 1أو 2أو 3حسب عدد الأولاد بحيث يكون مثلاً مليون وواحد على واح ٍد أو على إتنين أو ثلاثة. الكاميونات (سكان الكوكب العاديين) ،وهؤلاء هم أبطال العمل : 13
حسن :مليون وخمسمائة -جمال :مليون وعشرين -نادر :جد حسن الجد (وهو بلا رقم سنعر ُف لماذا في سياق دوره بالقصة) -السيدة مليون و250 ألف. وأيضاً إهتم بالوصف الدقيق لمسرح الحدث نفسه العام والخاص ،فتحدث عن المكان والزمان : تدور أحداث هذه القصة عام 2220ميلادية في مكا ٍن ما على كوكب الأرض بعد أن ألغت الحروب الحواجز والحدود بين الدول وأُلغيت المطارات وأُلغيت الجمارك وأُلغيت الجوازات والتأشيرات والسفارات والبعثات الدبلوماسية واختفت وسائل النقل التقليدية من طائرات وسيارات وأتوبيسات وقطارات سكك حديدية واختفت محطات مترو الأنفاق وأصبحت وسائل المواصلات أوالإنتقالات كلها وسائل خاصة يملكها الغني والفقير والصفوة والعامة مع اختلاف المستويات واختلاف قدرات كل وسيلة مواصلات عن الأخرى باختلاف قيمة ومقدار وأهمية مالكها فالجميع الآن أو معظمهم يمتلك طائرة خاصة صغيرة يتجولون بها بين مناطق الكوكب وبسرعات كبيرة تم ِّكنهم من الإنتقال من أقصى المشرق إلى أقصى المغرب و من أقصى الشمال إلى أقصى جنوب الكوكب . 14
ول ِّما كان من الممكن أن يتخيل المؤلف نتائج بح ٍث لظواهر أو لنظريات علمية محاولاً اكتشاف ما ستؤول إليه الحياة ومتطرقاً لمواضيع فلسفي ٍة أحياناً. أو قد تتناول موضوع القيم في عالم جديد مختلف. سنج ُد أن النص احتوى هذا بصور ٍة شامل ٍة و ُمتكامل ٍة عارضاً هذه الظواهر أو التقنيات العلمية ال ُمتوقعة في القريب العاجل ومدى التأثير ال ُمباشر على الحياة بوج ٍه عام وعلى الإنسان بوج ٍه خاص من خلال إسقاطات تض ُع المتوقع في توا ٍز مع الحاضر المرفوض والمأمول تغييره ،وتحمل في ثنايا ذلك العنت والمشقة في تحقيق تغيي ٍر سلمي آمن ج ِّراء صراعٍ حا ٍد من القوى ال ُمضادة في الطرفين ،قوى تسعى للسيطرة الكاملة و\" تنميط \" الحياة بأدوا ٍت جديدة تحقق لها كامل السيطرة سواء في العالم القديم أقصد الواقع الحالي المأزوم ،أو في العالم الجديد الذي بدأت بشائرهُ مع بدايات القرن الحالي أو ال ُمستحدث أو ال ُمتوق ُع الوصول إليه خلال قر ٍن أو قرون قليلة والقرن لم يعد طويلاً بحساب آلة الزمن. لقد كان نادر \"الجد\" يمث ُل الحكمة الدائمة والمورث الحضاري للقيم الإنسانية التي أودعها الله في الإنسان قبل العقائد الدينية أوالمذاهب الإنسانية ،وصمام الأمان أمام ما يُحيكهُ أعوان الشيطان. 15
وقد كان \"حسن\" إبنه و \"جمال\" صديقهُ ،والعنصر النسائي يُمثلان \"الأمل\" الدائم في إبقاء الحياة كما أرادها الله ،بخلود نسل وذرية \"آدم\" عليه السلام. لقد أجاد كاتبنا بهذه الإسقاطات على خلفية من \"الخيال العلمي\" ،ليؤكد مهارته السردية في هذا التوصيف رواية أو قصة \"خيال علمي\" ونلمس تأثرهُ البالغ بمعاناة الإنسان الفرد في واقعه المأزوم والمرفوض وضيقهُ من السيطرة التي تُغ ُل من حريتهُ وتصف ُد إرادته وتحولهُ لآلة بشرية لا إرادة لهُ من خلال آليات ُمستحدثة توفر بل تفرض عليه أنماطاً لا بديل أو خيا ٍر أما ُم غيرها ،وكذلك رفض الكاتب لوسائل الهيمنة العالمية الطاغية من بعد الحرب العالمية الثانية مروراً بسيطر ٍة أمريكا والغرب على أكثر دول العالم وإنشاء أسماء وهمية كالعولمة والإقتصاد الموحد ...الخ لقد عكس الكاتب من خلال إسقاطاته معانتنا جميعاً ورفضنا البائس ،لكنهُ لم ُيفقدنا الأمل. 16
حينما تتنف ُس \"الأحداث \" مجموعة قصصية لـ هادي المياح (العراق ) يقول الناقد والباحث في التراث والأدب العربي د /يسري عبد الغني أسعي إلى إماطة اللثام عما يدور بخاطر المتلقي والدارس العربي من عقبات وفوضى وحيرة منهجية إزاء هذا الزخم من المناهج الغربية المعاصرة ،التي هي في أساسها غريبة عن النص العربي بما تحملهُ من خلفيا ٍت فلسفية غربية بعيدة كل البعد عن فلسفتنا ومعرفتنا العربية ،لذلك نحن في حاجة إلى مناهج نقدية عربية أصيلة لدراسة نصوصنا العربية تُراعي خصوصية المتلقي العربي وكذلك المبدع العربي. ويتساءل ...هل عالمية الإبداع والثفافة والفن وما إليها مبر ٌر لأن نُحمل نصوصنا ثقل النظريات الوافدة عليها، والتي أكثر من هذا تفرض عليها ،فرضاً بحكم التأخر الذي نعانيه على المستوى الثقافي عموما ؟ 17
تعمدت أن أشير إلى ما سبق لأن ساحة النقد العربي خاصةً بمفاهيم نقدية غربية تُلب ُس الإبداع العربي هذه المفاهيم قصراً ،وما لا يتوافق مع هذه المفاهيم لا يحقق – كما يرو َن -جديداً في ساحة الإبداع ،وربما ُيقصى أو يُشار إليه بالنقصان وعدم الإكتمال . لنقترب الآن من \" ...حينما تتنفس الأشياء\" مباشرةً ايقونات الغلاف ،من نبا ٍت وجماد وسما ٍء وفضا ٍء علوي زاخ ٌر بشهي ٍق وزفي ٍر لهذه الكائنات المألوفة والتي نألفُها من فرط سكونها صامتة ولكنها في أعماقها زاخرة بأحدا ٍث وحركا ٍت صاخبة ومكنونا ٍت ُمتعددة و ُمتباينة ،وحدهُ فقط \"المياح\" الذي يشع ُر بها وبأنفاسها واضطراباتها ،وحركاتها وصخبها الزاعق والمكتوم من خلال رص ٍد حاذق عبر 115عنواناً، يواصل به إضافاته الإبداعية التي يحملُها كراي ٍة إبداعية مخالفةٌ و ُمميزةٌ لهُ وهو على منص ٍة تتس ُع لكل الإبداعات للقامات العراقية التي تتصدر مهمة بعث الرواية والقصة العراقية من جدي. ويأتي الإهداء لثلاث ٍة كان لهم الأثر الأكبر – كما يرى ويُدرك ويق ِّدر ذلك لهم – بكلمة إهداء يستحقونه إن المائةَ والخمس عشر عنواناً ،في تنوعها يُمث ُل \"الحدث\" البطولة ال ُمطلقة لهذه المجموعة القصصية، وهذا مصدر تَم ِّيز كاتبنا هادي المياح فقد اعتدنا في 18
الغالب أن يكون \"الحدث المنتقي\" والمنتزع بحرفي ٍة بالغة من وسط الأحداث التي تزخر بها الحياةُ من حولنا، وتمثل بصور ٍة أو بأخري وجودنا في الحياة ،فوجودنا في الحياة هو ُمجموع ممارساتنا وسلوكياتنا التي تصن ُع الهيكل العام لوجودنا الذي تُمثلهُ \"الأحداث\" التي هي نتا ُج قناعاتنا ،وإدراكنا وفهمنا وتفا ُعلنا الإيجابي أو السلبي مع ُمطلق الهيكل الذي نتلبسهُ و نسميه \"الأنا\" التي تحم ُل ضمن ما تحمل أشكالنا وقيمنا وأخلاقنا وقناعاتنا و َوعينا بما حولنا وإرادتنا حرةً أو تابعة للمفهوم والكيان الجمعي الذي نتحر ُك به أو من خلاله و \"الحدث\" تعريفهُ في تصورنا ،لدي كاتبنا وفي ُمجمل قصصه القصيرة هو نتاج ابتكاري أو لنقل \"تخيل فانتازي أو درامي ،حقيقي أو غير حقيقي\" أو هو بصورة ما تجميع وتركيب من ُمتشظيات ومشاهدات \"احدا ٍث\" عديدة ومتفرقة َسمع بها أو عايشها وعاصرها ،أو هو ذلك كله معاً ،يت ُم استدعاؤها من الذاكرة الفكرية أو البصرية لديه إذن فـ \"الحدث\" في تنوعه و تبا ُينه في المائة والخمس عشر قصة قصيرة فضلاً عن أنهُ الإلتقا ٌط الجيد والمألوف من كاتبنا فهو يعك ُس الأناقة اللِّغوية السردية التي تجعلهُ كما قلنا \"البطل\" الرئيسي للقصة ،عند التأمل الفاحص للحدث ولمن شمل ُهم من العناصر البشرية أو الزماكانية وغيرها من ال ُمحركات التي يحتويها 19
\"الحدث\" وتتفاعل مع بعضها ُمحدثةُ التأثير والتفاعل بين هذه العناصر في خلق ديناميكية وحوارية دائمة بين هذه العناصر وبعضها من جه ٍة وبين القارئ نفسهُ وهو يله ُث بجدية وراء الكامن في هذا الحراك والتفاعل الناضج بين حرا ٍك تُمثلهُ هذه التعبيرات والدلالات التي تحملُها الأبجدية السردية التي يُتقنُها القاص وي َبثَها دون إفرا ٍط أو إسها ٍب أو اختزا ٍل ُمخل ُيطي ُح بقوة \"الحدث\" نفسه وتأثيرهُ المأمول إن روعة \"الحدث\" لا تق ُف عند البلاغة والطلاقة السردية فقط ،لكنها أيضاً تتمث ُل في الرؤى الفكرية والمخزون البصري ل ُمشاهدات الكاتب الباحث وال ُمنقِّ ُب بمتع ٍة عما وراء \"الحدث\" من مشاع ٍر إنساني ٍة وعن الإدراك الواعي أو غير الواعي لرد الفعل والفعل ذاتهُ في لحظة القوة أو الضعف الإنساني ،لحظة \"الزامكانية لــ \"الحدث\" وتأتي بعد هذه الرؤى والإدراك ،قوة الطرح لهذا الغير المرئي بصرياً من مشاع ٍر وإدراكا ٍت لنراهُ رأي العين على يد مبدعٍ لهُ تميزهُ الخاص على منصة ال ُمبدعين العراقيين ال ُمجددين 20
مقدمة ديوان حارس الوجع لــ محمد منصور سليم ( مصر) ليس الإبداع في الشعر إتقان جيد لمقوماته وعناصره المعروفة من جزالة اللفظ ،والصور الشعرية ،وموسيقاه التي تنساب بين قوافيه ،وشطراته ،ولا أيضا ً في القدرة على التعبير عن المشاعر والأفكار في ثنايا القصيدة، ذلك أن ما سبق هو جسد الشعر ،وقوام القصيدة. سنجد في هذا الديوان للشاعر /محمد منصور سليم قوة الإتقان في كل عناصر القصيدة الشعرية ،التي تكا ُد تقترب من إحترافية شفيفة غير مقصودة ،ذلك أنها تستقي هذه القدرة على الإتقان من مرجعية ثقافية عميقة ،فالشاعر معرو ٌف عنه أنهُ قارئ َنه ُم ليس على موائد ودواوين الشعر القديمة والحديثة فحسب ،فهي التي حسمت أمرهُ منذ البداية ليصطف في صفوف الشعراء ،ويبح ُث عن مكا ٍن غير مسبوق وغير متشابه مع غيره ،لذا َعمد وهو متجه لبناء قصيدته ،إلى إزاحة َوواقياصًفهامنجاانلبتاً،عث لرت،بقيو فضايمننفةُ لسهُالل ُححسظةن قراءاته السابقة قريبةً وسياجاً الإستقامة في ُمضيه لبناء قصيدته ،وهو أيضاً صاحب لمحة وبصيرة تعينه على الخيار الجيد لأدواته من 21
ناحية ،وبين تجارب السابقين من ناحية أخرى ،فلا يشطـُط ،ولا ينزلق لكنه يُحسن الوقوف والتأمل للصورة التي يسعى أن يكون عليها مع قصيدته على منصة الشعر وبين الشعراء . سنجد أيضاً تميزاً خاصاً به ،ففي أدواته الشعرية -التي ذكرنا بع ُضها – يتمثل في ثراء قاموسه اللغوي الشعري ،وقدرته على الإنتقاء الجديد للكلمة واللفظ المناسب والأدق تعبيراً وتأثيراً في تكوين الصورة الشعرية وموسيقاها ،ذلك أنهُ في أغلب قصائده تكون الفكرة أقوي وأبرز ما في القصيدة الأمر الذي يتطلب دقة شديدة ليُبقي ال ُمتلقي محتضناً قصيدةً شعرية حتى آخر كلمة فيها ،وهذه تضاف لمقدرته الإبداعية. ففي قصيدته \"إنه الـقـدر\" يتحقق بعضاً مما ذهبنا إليه: إنه القدر \" َكتُفاح ٍة.. أسقط ْتني جاذبيتُ َها لك َّنهُ سقو ٌط يُشبهُ الصعو َد! سه ٌل في بدايته ثم تظه ُر حافةٌ 22
ومنحد ْر إنهُ القَ َد ْر \" ... وأيضا ً في مفتتح الديوان تأتي الصورة الفكرية محمولة على رفيع الإختيار من الكلمات: \"سأنثر ما تبقى مني على حق ٍل يحتضر ربما يُنبت وروداً بيضا ًء ُيسافر عط ُرها بعيداً ليرش ُد فراشةً تائهة\" ... هذه نماذج لميزة ينفر ُد بها الشاعر في قصائد ديوانه وكما ذكرت في البداية ،إتقان عناصر القصيدة الشعرية لا يُحقق لها إعتماداً بوصفها \"قصيدة\" ،لأنها تبقى منزوعاً منها صفة كونها غير ُمكتلمة لمواصفات صفة الإبداع الشعري هي وصاحبها. غير أننا ودون تع ِّنت نُصادف عند شاعرنا ُمواصفات ُمكتملة وغير منقوصة للقصيدة الشعرية لندفعهُ هو وديوانه إلى منصة الشعراء ال ُمجيدين. 23
لماذا تحترق اجنحة الفراشات د /سليمان عوض ( مصر) \"..هذا الغث الذي تطفح به الأرصفة بل والمكتبات من الروايات لا يعني ولا يهدد الرواية ،هو فقط زبد البحر الذي لا ينفع بل ولا يضر ،إنه يمثل حالة مخاض خاصة ناتجة من تداعيات عديدة منها ازدياد عشوائي من دور الطباعة والنشر ،واحتجاب النقد الب ِّناء والنقاد ،وأيضاً عطش و وله أجيال الق ِّراء القدامى لإبداعات تماثل إبداعات الر ِّواد الاوائل ،جيل ِّي الخمسينيات والستينيات كمثال ،قد نغفل أن ذاك كان عصرهم وكان وقتهم وكانت الرواية -كجنس أدبي حديث لدى العرب -حمل رغبات وطموحات أدباء ونقاد ذاك العصر إلى الإبداع وتعدد التقويم لهذه الإبداعات فبدأ العصر متوهجاً براقاً، بحسب حجم ومساحة الساحة الثقافية وكانت برمتها ساحةً واعدةً ومتهيئة لاستقبال كل جديد ،ويقيني هذا الغث الحالي بينه وفيه مطموراً يتنفس على رجاء\".... من أيا ٍم كتبت هذا التعليق ،عن حال الرواية المصرية والعربية ،والتساؤل والقلق الصامت ال ِّضاج من استاذنا ودكتورنا الباحث المتميز والراصد لكل ماهو أصيل ومعاصر في تراثنا الأدبي والفكري د /يسري عبد الغني. 24
أيا ٍم قليلة وكان بين يدي عملاً روائي لعله – بل إني كغيري على يقين أن -مثله لا زال مطموراً ،ولكنه يحم ُل البشرى أن الرواية تتنفس ولم ولن تحتضر، أتحدث عن رواية \"إحتراق الفراشات \" للكاتب القدير د /سليمان عوض. قبل أن نذهب معاً في قراءة سريعة عن الكاتب وروايته \"إحتراق الفراشات\" سأقتصد في هذه المقدمة بكلمة توصيف لهذا القلق وأسبابه عن الرواية. كان الإنتاج والثراء الإبداعي في عقدي الخمسينيات والستينيات سوا ًء في مصر أو دولنا العربية زاخماً بإبداعات ُمبدعين ر ِّواد عكفوا على توطيد آفا ٍق من الإبداعات الروائية والقصصية فتعددت معطياتهم ونتاجاتهم فكان عبد الرحمن الشرقاوي \"الأرض والشوارع الخلفية\" ،ونجيب محفوظ \"الثلاثية\" وما ُكت َب بعدها قبل وبعد النكسة . وتوفيق الحكيم \"عصفور من الشرق\" و\"عودة الروح وصولاً ليوسف إدريس \"الحرام\" و \"العيب\" ومسرحه الحداثي وكذلك من جايلهم ولا نستطي ُع حصرهم، وأيضاً من تبعهم من ُمبدعين في الرواية والقصة والشعر ،وكان ذلك ُمتزامناً مع نق ٍد ُمتميز ،و ُنقا ٍد ق ِّيموا بل وحددوا المعايير الجديدة والإضافات في هذه الإبداعات كشواه ٍد ودلالات على الإبداع في الرواية والقصة المصرية والعربية ،وذلك من خلال الدراسات 25
لنقا ٍد أمثال د /محمد مندور -ولويس عوض وعبد القادر القط ،وغيرهم ُكثر وصولاً إلى رجاء النقاش، و د /غالي شكري ،ومن لا نستطيع َحصرهم في هذه العُجالة إننا كمثقفين لازال بع ُضنا لم يُغادر هذا الإبهار ،ويعيش في أضوائه وذكرياته ،ولا يرى جديدأ َيقر ُب مما نعي ُش على ذكراهُ وبالتالي َيصع ُب علينا التقييم الموضوعي للإبداعات الحالية ،غافلين حجم وساحة إبداعات تلك الحقبة والعوامل التي تغيرت ومنها كثرة دور النشر، وغياب النقد والنقاد ،وحالة التش ِّبع التي وصل إليها بعضنا ،وعزوف الشباب عن القراءة ،ولجوئهم إلى وسائل الميديا والتواصل الحديثة التي أفرزت محاولات جديدة ومتنوعة ربما لم َيح َن بعد جني ثمارهم ،أقول هذا لأن بين الفترة و الأخرى تصادفني إبداعا ٍت راقية وعلى سبيل آخرها الكاتبة /سعاد الزامك وأخريات وآخرين بصدد ارتقائهم منصة المبدعين ال ُجدد بألوا ٍن وخصوصيا ٍت إبداعية واعدة ربما تكون هذه المقدمة طويلةً نسبياً ،لكنها بمثابة إعداد المنصة لرواية جديرة بالطواف حولها و حول فيوضاتها الإبداعية الظاهرة أو الكامنة ل ُمبدعنا القدير د /سليمان عوض 26
\"إحتراق الفراشات\" عندما أقرأ نصاً أدبياً -رواية أو قصة أو شعراً -لا تستهويني فكرة استدعاء النظريات النقدية ،أو المصطلحات الغربية كالتي يشير إليها عزوفاً أستاذنا د /يسري عبد الغني كالتفكيكية أو البنيوية أوغيرها من المصطلحات النقدية المستوردة من بيئا ٍت ثقافي ٍة ُمغاير ٍة لثقافتنا العربية ،ورغبة ً منه -بل ومنا جميعاً و بعض نُقادنا الحاليين كالدكتور /عزوز إسماعيل و أخرين - في إنشاء مذاه ٍب أو مدار ٍس نقدية ُموازية و ُمساوية لمثيلاتها في الثقافات واللغات الأخرى وليس بالضرورة ُمماثلة لها ،ذلك أن النص وال ُمبدع معاً قادرين على طرح رؤى جديرة بالبحث و تقصي الظاهر والكامن من خلال النص ذاتهُ أو قدرات ال ُمبدع في بناء كيان إبداعي يحتم ُل أوجه عديدة للقراءة ومن ث َم التقويم، والتقييم إحتراق الفراشات الغلاف تتُمث ُل فيه إحدي الفراشات في إندفاعها -وهي ُمشتعلة – لنهايتها المحتومة ،بعنوان بكلمات العنوان يُمهد لنا الكاتب بهذا العنوان الشائع عن المصير المحتوم ،حين تَض ُطر ُم ال َنار ويتوهج سعي ُرها إيذانا بأن تُلاقي كل الفراشات َنصي َبها المحتوم بالسقوط والهلاك في النار التي كان سيا ٌج من الظروف والملابسات قدرية 27
أو غير قدرية شيطانية أو إنس ِّية ،يُحاص ُر هذه الفراشات ويمنعُها من الهرب أو النجاة من الأتون ال ُمستعر ،الذي ينتظ ُر رهافة ،ورقِّة ،وبراءة فراشا ٍت ُول َدت وجاءت الحياة لنثر الحب والأمل والسلام وال ُطمأنينة والجمال بين البشر والحيوان والنبات والجماد في صورةٍ من صورالإعمار ُمسترشدة بما أتت به الأديان ،وتراث القيم والعادت الأصيلة قبل أن تدهمها أحماض العصر وإفرازت شياطين الإنس والج ِّن بالأفكار والمعتقدات، وتعبيد دروب الهلاك وتزيينها لمن حقِّت عليهم الضلالة وعدم الهدى واعتناق الهوى بعيداَ عن سبل الرشاد و يأتي الإهداء تبياناً عاماً \"إلى كل من بحث عن الإيمان فسار في طريق الشيطان إلى كل من بحث عن الهداية فسار في طريق الغواية إليكم جميعاً روايتي \" إحتراق الفراشات \" يبدأ ُمح ِّدثنا والرواي للأحداث كما سمعها -دون تقديم لنفسه – عرض نص حديث الفراشة المكلومة وهما في مكتبه لنُدرك في النهاية أنه ضابط شرطة شارك وعايش أحداث نهاية \"مذبحة إحتراق الفراشات\" بعينيه واعترف بعجزه ومن خلال جهاز عمله المنوط به أن 28
يوقف قبل أن تبدأ ما إنتهت إليه هذه المذبحة وغيرها... فق ِّدم استقالته تتأكد براعة البناء والإبداع من الكاتب في إيجاد مستويين متوازيين للأحداث ،كما جاء في عبارة د/ شاكر عبد الحميد في كتابه \"الغرابة المفهوم وتجلياته في الأدب \"بحيث يجبر النص قارئه على أن يضع في حسبانه عالم الشخصيات – الموجود داخل النص – بوصفه َعالماً من الإحياء ،وأن يتردد ذلك القارئ ويتأرجح في تفسيره للأحداث في القصة ،بين التفسيرات الطبيعية والتفسيرات الخارقة أو ما وراء الطبيعة \" وذلك من خلال شخصية \"بهاء\" التي أطلت علينا من خلال فقرا ٍت قصيرة ثم غابت موتاً تكنيكياً أراده المؤلف ،وبقى لها التأثير الممتد والفاعل في ُمجريات وأحداث القصة وبطلتها ال َفراشة \"إيمان\" ،فهو ُيلاز ُمها ويلازمنا في الفعل ورد الفعل وكأنه ذلك القرين الذي يتسربل بثوب الخفاء ماسحاً دمعةً أو راسماً بسمة مؤيداً أو رافضاً لفع ٍل فهو شخصية محورية في كل الأحداث فعلاً أو رد فع ٍل ،وقد أجاد ُمبدعنا تحريكاً لهُ رغم موتهُ وانتقالهُ من عالم الأحياء إلى عالم الأموات من بداية الرواية وإختفاؤه السريع ،تبقى الشخصية المحورية في الرواية وهي \"إيمان\" المرسومة بدقة كفراش ٍة بريئةً، طاهرة ،ونموذج مثالي للفتاة ،والمرأة عبر مراحل 29
عمرها ،وتعدد الإنكسارات التي لا تُحط ُمها أو تطي ُح بها إلى الإستسلام ،وإنما تدفعُها للقيام والمواصلة بفضل التنشئة الدينية والتربية الأسرية ال ُمعتادة والأعراف والقيم السائدة في القرى والبلاد التي لم تلوثها أدخنة ال ُمعاصرة والتمدن التي لحقت وأصابت البراءة والفطرة السليمة ،ولم ين ُج منها إلا من اعتصم بحب ٍل من الله وحب ٍل من الناس الطيبين كأبيها و ُمدرسيها ومن دار في فلكها من الشخصيات كـ ثريا ،وعايدة وأبلة فضيلة، وإسلام ،وعبد العليم ،وضابط الشرطة ،أجاد حقيقة ُمبدعنا في رسم شخصياته ،فكانت في اتسا ٍق را ٍق مع بعضها ومع الأحداث و كلغة سر ٍد ورب ٍط للأحداث في تصاعدها وتناميها وتأثيراتها حقق الكاتب بحرفية شديدة توظيف اللغة السردية فلم يسقط في إطالة أو إسرا ٍف يهدد ويوقف النبض الإنفعالي عند القارئ بل جعله مشدودأ ومواكباً ومتجاوباً مع كل المشاعر التي تعص ُف بالأشخاص في ُحزنها وفرحها ،وآمالها ،وانكساراتها ،فكانت الجمل والفقرات تبدو كأنها ُمنتقاة بعناية وبدقة ميزان الذهب، تؤكدها كلمة \"يلا يابت\" حين كان يدعو الزوج \"إبراهيم زوجته إيمان\" للفراش ،كلمة ُمختصرة ومعبرة عن مشه ٍد مألوف أوجزه الكاتب بتعبي ٍر عن التناقض الواضح في التكوين والإستواء النفسي الذي ُيميز و َيفرق بين الشخصيتين والتناقض الحاد بين تأثير الجهل والعلم بالموروث الديني والمجتمعي ،والبيئي، 30
وكان كاتبنا من الذكاء حين دعم هذه الأحداث بخلفية تداع قوة وأثر اختفاء \"العلم\" ك ُمق ِّوم وداعم رئيسي لبناء المجتمع السو ِّي من خلال الأنظمة السياسية التي دعمت الجهل وغذتهُ حتى أثمر صنوفاً من التمرد من خلال التجمعات التي تتدثر بثياب الدين ،فتُنشئ الكوادر والتنظيمات ال ُمسلحة حتى تنتهي بظهور بثور الإرهاب الذي يستمر في توحشهُ حتى يُصب ُح القتل وإراقة الدماء والسب ِّي والإغتصاب والسرقة والتدمير والإهلاك للحرث والنسل ُيماث ُل ظهور السحب ُمتجاورة في صباح كل يوم ليُعكر صفو السماء ،بدءاً من رئيس الدولة بعد مماته أو في حياته بين حرسه وقمة إنتصاراته ،وصولاً لبائعة ا ّلِ ُخضارعلى الرصيف أو المارين آمنين في الطرقات أو داخل المساجد أو مقاعد الكنائس لعل أبلغ ما بلغهُ كاتبنا في روايته هو أنها خلت من المباشرة على كل ال ُمستويات الظاهرة أو حتى الباطنة أو المستترة في دلالات َجر ْت وتداعت من حولها، مذابح وحرائق الفراشات طـــــوبـــى ....لإيمان ،وأمل ،وبهاء أبطال فراشا ٍت تحتر ْق 31
وقائع \"ولادة في جدار عبد السادة جبار ( العراق ) ِّصدر الكاتب وقائع كتابه بـ إهداء ،وشكر ...ثم إعتذار جاء فيه.. \"إلى السرب الذي انض َمم ُت له زمناً ما واليوم أغ ِّرد َخارجهُ\". َشدتني هذه العبارة فهي تَعن ِّي في غموض فحواها تَصحيحاً لموق ٍف سبق و كان. \"قليل ُو ْن ُه ِّم َمن يفعلون ذلك\" . ومن هذا المنطلق نجد تغريداته تَحملُها وقائع ُيدرك هو قبل غيره من أين بدأت ،وكيف َنم ْت ،وكيف صارت سطوراً في كتاب َعبر به َوبوقائعه ُمخلفا ورا َءهُ ذاك السرب الذي أصبح محلقاً خارجه. الكتاب يضم بين دفتيه تسع وقائع معن ِّونة كالأتي (الضفةُ الأخري -موت ُمش ِّرف -تلك الأحلام -الصديق الأمريكي -فيروس -ولادة في جدار \"عنوان الكتاب \" -القصيدة -غابة في الفضاء -وأخيرا ً ..عاشوراء في حزيران )... 32
كل الوقائع مبنية على حدث تتمحور حوله الوقائع وبشخصية رئيسة تتنوع مع تشابهها في كل الوقائع التالية لها ،شخصية تجابه قمعاً وظلماً ،وغموضاً يصلاَ بها إلى حافة الإختيار الِّ ُمر في دفاعها المستمي ُت ضد هلاك متر ِّص ٌد بها ،ل ِّكنها ،تأبى الإنهيار أو الإستسلام فتندفع إلى غير ماهو متوقع لتحقق نصراً متوقعاً ترضاه وتأنس به نجد ذلك يفعله \"أسعد\" حين ينسلخ كليةً مما تربى عليه فيقول بعد أن أخذ بثأر أخيه م ِّم ْن ظلموه وقتلوه ..يقول \"لست أنا الذي فعل ..شخص آخر في داخلي ..لم يكن أن ْت ..أو جدي ..ربما من جينات أعمق ..ولكني ل ِّم أندم ..هذا دفاع عن النوع\" كذلك فعلت النعجة \"زاجية\" في (موت ُمشرف) حين ق ِّررت مغادرة القطيع الذي يُسحق و ُينحر أمامها في الساحات والشوارع العامة ،وتُعلق الذبائح بأعمدة الكهرباء ،تحمل \"زاجية\" جنينها في بطنها وتغامر بالهروب ليلا ً ملقية ً بنفسها إلى المجهول ،فتلقي حتفُها بعد أن تلد جنينها \"نظيف\" لتبقي الحديقة الخلفية للدار لثلاث فقط (عجوز ،وخروف ،وطفل) وتبقى بق ِّية الدار لصاحب الدار يرتع فيها كما يشاء ،ألم يكن ذلك إختياراً ألا يتشابه في ما انتهت إليه الواقعة الأولى ..بعبارة \"..دفاعا ً عن النوع \" 33
يتكرر ذلك ويفعله بطل واقعة \"تلك الاحلام\" الذي راودته مفترسةُ شكوكاً عنكبوتية تصطاد فراشات ذكرياته ،ذكريات الطفولة والصبا بكل مافيها من أحلام وآمال في غ ٍد أفضل ُمنتظرا ً عبث الشكوك في ُمخ ِّيلته وهو غير قادر على دفعها أو ُمقاومتها حتى بعد الإستعانة بطبيب نفسي ٍ أو صديق ٍ نصح به الطبيب \"فالوضع الأمني انتزع الطمأنينة والثقة من القلوب والعقول \" ..فباتت الوساوس تجد لها مرتعاً خصباً ليلا ً ونهارا ً ،فأل ِّم به سقم أنهك جسده وقواه ،مع عقله، فصارت \"الهلوسة\" تجول برأسه لتنزل بالجسم الحمى التي ليس منها فواق ،بل تنتقل منه كالإنفلونزا للآخر، ليسقط صديقه \"وديع\" فيما سقط هو فيه ،مصابا ً بما ليس منه براء ،فتجاورا في الإنحدار إلى الهلاك فيقول مواسيا ً صديقه في حضور إبنته \"فضاء\" -لسنا مرضى ،لننشئ مع الأولاد أمكنة لذكريا ٍت جديدة ،ذكريات لا تمحى ..حيث الذكريات هي التاريخ ..لا تاريخ دون ذاكرة ،لا تنتمي الذكريات لأح ٍد ..بل تنتمي لأصحابها ..يجب أن لا ننسى فترد \"فضاء\" الإبنة قائلة :لن يصادر ذاكرتنا أحد وتمضي كل الوقائع بعد ذلك أبطالها يصيغون بإرادتهم -لا أقول -نهايتهم بل بطولتهم متمثلة ً دوما ً في \" ُحسن الإختيار\" ،منها الحمامة التي أطلق حريتها راعي المنزل الذي عصفت بمنزله الحمم ودكته دكا ً ،فأفرج 34
عنها لتنطلق لمكان أفضل ،تضرب الحمامة برجليها وتحرك جناحيها طائرة وفارة منتشية بحريتها فتجد نفسها أسيرة مرة اخري في فضاء تزمجر فيه أصوات كواسر ،وتملكه قوى الشر بصورة أقسي من أسر هربت منه فتمتمت كأنها تخاطب من حررها من أسرها خائف أنت من قفصك الكبير ..إلى أي فضاء اطلقتني إذا ً ..؟ \"لحقت في ربها بسرب طائرا ً في السماء يحاول مثلُها الهروب إلى حيث الأمان ،فكانت هناك حوارات بين أعضاء السرب تكشف عن خلاف في التوجهات من البدايات وحتى اختيار وسائل النجاة -من هول -ما آلت إليه الفضاءات ،حتى قائد السرب لا يعرف لا هو ولا السرب إلى أين يمضي بهم وهكذا يبدو السرب -للناظر إليه -في علوه كأنه سرب متفق على الأقل في الإتجاه ،لكن تكشف تفرقة ،عبارة هي أروع ما لُخص به المشهد والواقعة قالت حمامة حكيمة في تعقيب لها إذا كانت خراطيمهم سوداء (تقصد خراطيم الكواسر المعادية لهم) فلأمر أهون ..فهم يقصدون زيت أرضنا ..أما أصحاب الخراطيم الحمراء فهؤلاء يقصدون زيت حياتنا فترد حكيمة أخرى من حمامات السرب بأسى بالغ 35
كفى الله الشر عن الجميع ياسيدتي المبجلة ..ليس ثمة فرق بين هؤلاء وأولئك فقصدهم سيان تراخت الأجنحة ،وتسلل الإضطراب إلى الرؤس الصغيرة أنتجتها غريزة الخوف ...لتنتهي الواقعة باقتراب فصيل الكواسر كثيرا ً ..ولم يتخذ السرب قراراً بعد ...ويختم الكاتب و لرحلة الحمام بقية ولعل الكاتب هنا ج ِّسد محور الوقائع والمجموعة القصصية في هذه الواقعة \"غابة في الفضاء \" ...يقصد أن حتى الفضاء الذي قد يكون ملاذاً للهرب فإنه بات غابة ككل الغابات زاخراً بألوان وأنواع المتضادات ونمضي معه بعد هذه النماذج لنقترب أكثر فأكثر في (فيروس -و ولادة في جدار -والقصيدة ،و عاشوراء في حزيران ) حين شرع الكاتب لأفكار أكب ٍر وأوض ٍح نقترب إلى عم ٍق ما حاصر َسمتها وقائع رصد عليه في إقامة جداراً وط ِّوق الإنسان العراق ِّي في حقبة لا يغفلها تاريخ الراصد لهذا الشق الغير بسيط الذي نال العراق أرضاً وشعبا ً إن الإتكاء على هذا الجدار قد يقدم لنا ولادة جديدة تنشق من جدار كاتبنا القدير ،إذا ما تردد وعلا الصوت بكلماته التي أنهي بها كتابه 36
\"لن تخدعنا الرايات ..ولا الكلمات ..ولا رفع المصاحف على الحراب\" نختم ونقول لا حاجة لنا إلى التنويه بعبقرية السرد ودقتها فضلاً عن التقنية المختارة لعرض الواقعة في إيجاز مكتمل في عمقه ومحتواه لغةً وتعبيراً ،وهما من أدواته التي تعكس مقدرةً وتميزاً يم ِّيز كتاباته وإعتلاؤه الدائم إلى قمم التعبير حيث مكانه ومكانته بين مبدع ِّي العراق والعرب. 37
بلقيس \" ليست ملكة ولا شبحا هبة بنداري( مصر) “ما بين بلقيس واخواتها سباح ٍة في الأعماق“ سـ ،جـ قبل ان نمضي معاً إلى قراءة لأعمال الروائية ال ُمبدعة هبة بنداري ..نتوقف قليلاً للتعريف بشخصيتها صدر لها رواية \"نفور الظباء\" 2014م رواية \"أنثي في ثياب رجل\" 2015م رواية \"بلقيس \" 2016م. نـفـو ر ا لـظـ َبـا ء روايتُها الأولى ( 2014م ) ،وبطلتها تحم ُل اسم \" شادن\" ،وشادن تعني \"الظبي الصغير النافر\" ،نعر ُف اأنلأُهاول أىوفليإالبصناداء ٍرواللهسا،ردالالرلغواويةي،تتوماثلب ُلناءفيالهاعاامللرهاو،ماقنسيصةة الحب الأول في حياة أي إنسان ،والذي في الغالب يبدأ بالصدفة - ،وكثيرا ما تكون ال ُصدفة هي ال ُمتوقع وليس كما ُيشاعُ غير ال ُمتوقع – الح ُب الذي يوثقه القلب الأخضر المتعطش للحب الأول ،وتتداعى له كل 38
الأحداث لينشأ الكيان ال ُمبهر لأي قصة ح ٍب تجمع بين إثنين جمعهما الحب الأول ،وظفت الكاتبة الأحداث، وهيأت المسرح بأشخا ٍص وعلاقا ٍت ،تُسه ُم في تصاعد هذا الحب ،وم ْن تشابُكها ودرجات التقارب ،والتفاعل بينها يتنامى إيقاع البناء الدرامي ،ويتِّسق في هارمونية الرومانسية التي وفرتها الكاتبة من خلال قوة السرد واللغة المناسبة ،وأبيات الشعر المنتقاة والمعروفة لشعراء الرومانسية ،والمعروفة لدى المتلقي ُمثقفاً أو غير مثق ٍف مكتفية بأسماء الشعراء الموسومون برومانسية الحب تعبيراً ،شادن ،ورءوف يسكنان فيلتان متواجهتان ،لا يعرف أي منهما الآخر ،تلعب الصدفة دورها فيتعارفانُ ،هما يبدوان ُمختلفان من تأثير نشأة وتربية ك ٍل منهما ،وهذا طبيعي ،فليس هناك تطاب ٌق بين البشر ،ومساحات الإختلاف في الغالب مرن ٍة ،عوامل عديدة تسه ُم في مرونتها ،لتحقق عند درجة ما دائرة تفضي إلى التكامل الذي يحقق الإستواء في الحياة األحشداخ ٍثصيطةبيللعيإنةساسان،ر نعلمت ُفسيهذأانجييدداًخ بلوكلضاًومحٍنمنشادخلنالو رءوف دائرة الإتلاف والمحبة ال ُمحاط بسياج التكامل لاكتمال شخصية كل منهما ليمضيا معاً بأما ٍن لحياة ينعما فيها بالحب. وهكذا نجحت الكاتبة من خلال العناصر الروائية المعروفة ،أن تق ِّد ُم لنا تجربتها الأُولى ،محققة درجة \"جيد\". 39
أنـثي فـي ثــيـا ب ر جـ ٍل الرواية الثانية للكاتبة (2015م ) ،ربما هي شهقة ذات حدين ،الأُولى شهقة تؤكد دور الأنثى في مرحلة تحول ُمجتمعي جديد تُساه ُم ضغوطاً ُمتعددةٍ في تقليص دور المرأة ومشاركاتها في الحياة المجتمعية فالظروف الإقتصادية تدفعها لمواصلة كفاحها مع الرجل وظروف أخري تُنسيها دورها كـ \"أنثى\" وبين هذين العاملين والظرفين ال ُمتضدان تتداعى اُسس الحياة العادية وال ُمفترضة لإعمار الحياة ،فجأت \"الرواية\" لتأكيد دورالمرأة في ال ُمجتمع الذي َيس ُم الحياة بالطابع \"الذكوري\" من خلال احتكاك وتنامي المؤثرات ال ُمجتمع ِّية التي ظن الجمي ُع أن الزمن طواها، وتجاوزها ،وفي محاولة تقليص حركة الإذعا ٍن والتقاعس من المرأة نفسها ،وشد ِّ عزمها لمواجهة ما يمكن أن نسميه أو يج ُد لها العلماء والمتخصصون والباحثون توصيفاً يض ُع هذا بين قوسين باعتباره مرحلة ً أو مفصلاً آن ِّيا في تطور المجتمع العرب ِّي والمصر ِّي على وجه الخصوص ،أما الشهقة الأخرى، فربما تتمث ُل في الشعور بغياب ُعنص ٍر يتسق مع حالة المرأة في هذا الحراك المجتمعي ،ألا وهو عنصر المشاعر الصادقة في حياة الإنسان ،والمرأة على وجه الخصوص ،فإذا كانت المشاعر الإنسانية واحدةً لدى البشر ،فإن درجاتها ُمتباينة في القوة والضعف والحدة والإختزال والإحساس ..الخ 40
فـ \" لُبنى\" ،بطلة هذه القصة ،والتي تدور معها وحولها الأحداث ،تجس ُد المرأة الثائرة والرافضة لإرتداء ثوب الأنوثة ،ثوب \"الحريم\" ثوب امرأة الظل في المجتمع الذكوري ،مها كان تأثريها المعروف ،وجبروتها وقوتها في حمل وتوجيه مسئوليات الأسرة رجالاً ونسا ًء كباراً وصغاراً مهما كانت درجات القرابة أو العمر ،هي تفه ُم هذا وتعيه جيداً من خلال أسرتها والبيئة التي نشأت فيها ،تعل ُم بوضوح قوة المرأة في إدارة المجتمع الصغير والمجتمع الكبير \"الوطن\" ،لكنها ترفض أن تكون ظلاً أو مح ِّركاً يعم ُل بلا صو ٍت ومن وراء ستا ٍر، فهي تسعى بنفسها إلى أهدافها ،ولا أحد يختا ُر لها أهدافها ،ولا مواقفُها ،برعت الكاتبة في تجسيد شخصية \"لبنى\" ورصدت لنا َحركاتَها ومشاعرها في حالات العلو والإنحسار في كل المواقف التي تمر بها ،مع تنامي الأحداث ،ودرام ِّيتها المحبوكة والموظفة لبناء التكامل الروائي الداعم للشخصيات نفسها والمؤدي لترابط جاذ ٍب للمتلقي من خلال إيقاعٍ سردي تجيدهُ الكاتبة بحرفية قوية في اللغة ،وعبارات الحوار دون أن تسق ُط أو تنزل ُق في هاوية التبسيط ال ُمخل بقوة الحدث وتأثيراتهُ أو الشخصية نفسها ،و هذا يُمث ُل كما ذكرنا القدرة التي تمتل ُكها الكاتبة كمبدع ٍة وروائية حققت قدراً أكبرتميزت به في روايتها الثانية وبتقدير \"جيد جداً\" 41
بـلـقـيـس الرواية الثالثة (2016م ) ،راوايةً ُمختلفةُ تخر ُج منها الإبداع كمبدعٍ، إلى ساحة الكاتبة من عباءة الكاتبة وبها \"بلقيس\" قفزت أو امرأةٍ)، الموسوم الجنس (رجلاً غير بها الكاتبة إلى عمل إبداع تجاوزت به مراحلها السابقة بخطوا ٍت واسع ٍة ُمحققةً طفرة في كل عناصر الرواية المعروفة والتي بدأت بها العملين السابقين ،بلقيس اسم الرواية واسم البطلة هنا أيضاً يحم ُل دلالا ٍت تاريخية حيث أنهُ اُس ٌم غير دارج ،وله جذوره التراثية ،كملكة حاكمة ،لها من القوة والتأثير ما هو معروف ،ومن الغموض مازال يكتنفهُ ،فما بين الحقيقة التاريخية الموثقة في ُكتب التاريخ ،ومابين الأسطورة المتوارثة كان هذا خيا ُر الكاتبة لإسم قصتها ،وما بينهما تجري وقائع وأحداث قصتنا \"بلقيس\" ومن خلال بناء درامي، َش ِّد ْت هيكلهُ بقدر ٍة واقتدا ٍر روائية تجاوزت بدايات الإحتراف بخطوا ٍت كبير ٍة ،ودعمت هذا الهيك ٍل بدعائم عناصر السرد اللغوي ال ُمميز للكاتبة ،وأيضا ً عنصر الحوار ال ُمحترف والنابض بمثل قوة الحدث واتسا ٍق مع الشخصيات ذاتها الناطقة به ،فلا نشع ُر على طول الرواية وكثافة الأحداث بوجود را ٍو أو مؤل ٍف ،وتلك من براعة الكاتبة وتميزها في هذا العمل ،ولعل من أكبر وأهم درجات التميز الذي حققته الكاتبة في هذه الرواية ،ويكاد يكون منه هذه الوثبة التي تحققت ،هو عنصر الغموض والقدرة على الإمساك به حتى قرب 42
نهاية الرواية ،تعايش ال ُمتلقي مع الأحداث ُمحاولاً الإمساك بخي ٍط يقوده إلى بصي ٍص يكش ُف به عن هذا الغموض ويقلل علامات الاستفهام والتساؤل ال ُمصاحب له منذ بداية الرواية ،لك ِّن الكاتبة باقتدار لا تدعُ الكاتب َيم ُل ،أو تق ُل لديه درجات التساؤل وحدة الإنبهار ،كي َيعر ُف من تكون \"بلقيس\" هذه بطلة القصة ؟ ،من خلال الغموض الذي ُيحي ُط بها ،ويحي ُط بنا ونح ُن نتابع رحلة بطل القصة \"محمود\" عبر مراحل التواصل معها للتعرف عليها وتواصلنا نح ُن أيضاً معه َو ك ِّم الأحداث الغامضة وال ُمتشابكة وال ُمثيرةُ أيضاً أيضا ً قدرة الكاتبة في توظيف المعلومات الطبية والسلوكيات المصاحبة للمرض النفسي ،وآليات التفاعل معه ومع إعراضه ،ومراحل العلاج والمهارية الدقيقة في تتبع مراحل المرض حتى اكتمال الشفاء التام للمريض ومن خلال الطبيب ال ُمعالج في \"بلقيس\" حققت الكاتبة قفزتها الهائلة و َدعمت ثباتها َك ُمبدع ٍة في مجال الرواية بدرجة تجاوزت أيضا ً درجة \"جيد جداً\" وقاربت الإمتياز ملحوظة \"تعمدت ألا أتتبع سير الأحداث أو الأشخاص بالإقتراب \"زووم\" منها لأترك للمتلقي شغف القراءة لهذه الأعمال 43
الخريف يلملم أوراقه -وقطعة صغيرة من الشيكولاتة مجموعات قصصية: علي حسن ( مصر) في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي ،إختار الروائي والقاص /إحسان عبد القدوس من بين من جايلهُ من رفاقه كـ \"يوسف السباعي\" ،ومحمد عبد الحليم عبد الله ،وأمين يوسف غراب وغيرهم كروائيين وقصاصين ُعرف عنهم ُكتاب للرومانسية وهو أيضا ً ُيحتس ُب منهم، وكانت كتاباتهم تدور في دوائر الطبقة الوسطى ،وهي الطبقة التي كانت تقود المجتمع في ذلك الوقت ،قبل أن تختفي تماماً بعد ثورة ،52غير أن إحسان ،ح ِّلق إلى أعلى قليلا ً ،إلى الطبقة الأرستقراطية ،فتناول باقتدا ٍر و ُجرأ ٍة ما لم َيسبقهُ إليه أحد ،تناول الجانب المستور والمخف ِّي في العلاقات الإجتماعية لهذه الطبقة التي كانت تضوي تحت الأضواء ،وكأنه دخل غرف نومهم من النافذة أو فتح عليهم الباب وهم نيام ،ككل خلق الله البشر بسراويلهم أو بدونها ! ودون تجميلات زائفة على الوجه او خلف بريق الأرواب الحريرية الناعمة 44
هذا ما فعله إحسان عبد القدوس في بعض أو أكثر قصصه ومنها روايت ِّي \"لا أنام -النظارة السوداء\"، وغيرها....الخ و ُعرف عنه وشاع أنهُ ُيمثل بإبداعاته بين ال ُمبدعين العرب ،أنه امتداداً للحرية والفكرالوجودي والذي ساد وانتشرت بعد أن إنتهت وهدأت أجواء ما بعد الحرب العالمية الثانية في أوروبا في مصر والشرق الأوسط، وظهور حركات الإستقلال السياسي والتمرد المجتمعي على القيود والأفكار التي كانت سائدة والرغبة في \"الحراك\" والتغيير هكذا مثل عبد القدوس من خلال إبداعاته التي انتشرت وروجتها فيما بعد السينما أفلاماً أكثر من أي كاتب آخر إننا الآن أمام ظاهرة ُمماثلة إبداعياً وفكرياً ،فكاتبنا القاص المتميز /علي حسن إختار لنفسه وبقو ٍة مساراً خاصا ً به يُمث ُل بين المبدعين على الساحة حالياً ما فعله إحسان عبد القدوس منذ أكثر من 75عالماً إختار أن يقف َز ُمباغتاً وفاتحاً غرف نوم طبقةً يغف ُل البعض عنها وهي الطبقة والشريحة \"الدنيا\" من مجتمعنا الذي لا شريحة عدا ُهما .ما يسمى طبقة النخبة أو الصفوة، و ُيمثلها رجال الأعمال ومن يدور في أفلاكهم من الموظفين والحراس والعمال...الخ والذين يتشبهون بهم في سلوكياتهم وانتشال ما يمكنهم من وسائل الترف والسلوكيات حتى لا يسقطوا أو يتهاووا من مداراتهم 45
التي اعتادوها ،والطبقة الأخرى وهي طبقة الحرفيين والبسطاء الذين يكتفون بما يصلهم ويبقيهم على قيد الحياة ،أما ترفهم فهو الجلوس على المقاهي إلى آخر الليل ليعودوا إلى مضاجعهم ليوم جديد ُمشابه يترعون منه نصيبهم اليومي المعتاد من الشقى والتعب \"للقمة العيش\" لأسرهم ،هذه طبقة أخرى لها أسرارها ومكنوناتها الخاصة ،بل وشديدة الخصوصية والتي َيتحرون أن لا َيعر ُف بها أحد ،وإن كانت سلوكياتهم تفضحهم ،ومع ذلك لا يُبالون ،بعكس الطبقة الأخرى التي تكش ُف سلوكياتها بل وتتباهى بها ،وتسعد ويسرها أن تُذاع عنهم ،هذه الطبقة حمل معهُ أستاذنا الكاتب كل ما َي ِّدعمهُ من أساليب وأدوا ٍت للغوص في أوحال هذه الطبقة فالرائحة تزكم الأنوف ،والصور مقززة، والسلوكيات ُمنفرة ،فلا تتسق مع قيم أو شرع أو حتى عادات وتقاليد نزل إليها كاتبنا بكامل أدواته ،وبخرائطه المباشرةً إلى أماكن العفن ،و ُمستنقعات الرذيلة والفجر والفُحش ،يلتقط بعيناهُ ،و َيرك ُم أقبح ما يراه فوق بعضه، سنرى ونقرأ ما ُيدهشنا ،وكثيراً منهُ يزك ُم اُنوفنا، وتغ ُض منه أبصارنا ،ولا تقبلهُ آذاننا بل تعا ُف النفس منهُ فقد لا تتصور وجودهُ بهذه الحدة ،لكن حرفيته وعبقريته وأدواته وما انتقاهُ لنا يؤكد صدق غوصه وحقيقة ودقة ما التقطهُ في مجموعته القصصية الأولى قطعة صغيرة من الشيكولاتة 16قصة سبق أن تناولتها من شهور، 46
ومجموعته القصصية \"الخري ُف يلملم أوراقه \" 15 قصة وحين تذهب الدهشة الأولى ،وتستقر الحقائق ،وتتلاشى فكرة الخيال ،ندر ُك أن كاتبنا يأخذنا إلى ما نُغ ُض الطرف عنه ونتجاهله ،رغم رؤيتنا لهُ رأيي العين ،لكن كأن الأمر لا يُعنينا ،لكنه أراد أن ينبهنا لسنا بعيدين ولا ما يحدث بعيداً عنا ،ويوماً ما قد يلم ُس و \"يلطش\" أحذيتنا وملابسنا وسلوكياتنا وعلاقاتنا ،ذلك أن عند الإنهيار لا يوجد مجتمعا ً من طبق ٍة أو طبقتين أو أكثر، ذلك محرر عليه ُمبدعنا وأجاد فيه .عبقرية ال ُمبدع، وإبداعاته تمثل الأجراس التي يسبق غيره إليها ليدقها، منبهاً قديماً قالوا عن إحسان أن أدبه مكشوف ،ونحن نقول أن أدب أديبنا /علي حسن إن بدأ مكشوفاً في تناولهُ فإنه لا ُيعري المستور 47
\" أبوة ركوة\" من ملامح القن ٍص و الإبداع السردي لـلكاتب محمد إبراهيم عبد العاطي ( مصر) هذا ما كتبهُ أديبنا ُمنهياً به مجموعته القصصية \"أبـوركـوة\" \" ...إنني في خلوتي تظهر لي عرائس الأفكار ،تأخذني فوق جناحيها إلى أعلى أُمارس لُعبة الإبداع منفصلاً عن إيقاع العادي ،ومنفلتاً من المكرور ،أعي ُد صياغة اللحظات في ألق الحزن والفرح ،أمر من ثقب لحظ ٍة منضغط ٍة مأسوية إلى رحاب ٍة لا أعرف متى تنتهي حتى أفي ُق. إنني محمد عبد العاطي ذلك العامل البسيط أعود إلى همي الذاتي مرة أخرى ..آخذ دائما ً من الناس ،وأح ُب مرةٍ أخرى فيهم همومهم ،سقطاتهم ..فرحهم ،..دائما هناك ما يحلو لي أن اُسميه الحدوتة في كل شئ – كل شئ -هو حدوتة لها بداية ولها نهاية ..لها \"تكة\" خاصة أحاول البح ُث عنها 48
حتى الآن أشع ُر بأنني لم أفرغ ما بداخلي ..دائما هناك \"حرقة\" الكتابة .وهذا أيضا ً ما سوف ُندركهُ ونحن نقرأ في هذه المجموعة القصصية الأولى لكاتبنا والتي تتكون من 24قص ٍة قصيرة لا تتجاوز أطول قصة صفحتان من الحجم الصغير ،لكنها أدبياً قصصاً جديرة بالأحتفاء وقراءات ُمتعددة لها العنوان أبو ركوة – وهو إسم إحدى قصص المجموعة -والركوة لغويا هي \"إناء صغير من جل ٍد ُيشر ُب فيه الماء ،كما جاء بالمعجم الوجيز إصدار وزارة التربية والتعليم ولكن العامة أطلقوا إسم \"الركوة\" على ما يوقد فيه النار للتدفئة أو غير ذلك من استخدامات وفي العادة تصحب الركوة سهرة لتبادل الحكي و تبادل الهموم والأفراح ،والنكات والذكريات ..الخ ،وبهذا العنوان سيضعنا من خلال هذه المجموعة أمام اهتماته الخاصة التي أشرنا إليها عاليه وتمث ُل ا ّلِهم الفكري في بحثه عن ث ِّم تبقى منهُ إليها ،ومن الذي يم ُر أو الثقب \"التكة\" العصر أُسوة بمتلازمات \" ُمتلازمة\" \" الكتابة، \"حرقة النفسية التي تلح ُق بالبعض وغلاف المجموعة البسيط ربما يُشي ُر \"الجمل\" إلى الجهد والصبر الذي تحملهُ الكاتب ليقدم تجرب ٍة ناجحة لعام ٍل بسيط حيث يقول: \"وحيداً كنت أواجه ما بداخلي في انبها ٍر غامض .. ُمتسلحاً بذاتي العارية تماماً – في ذلك الوقت – من كل 49
Search
Read the Text Version
- 1
- 2
- 3
- 4
- 5
- 6
- 7
- 8
- 9
- 10
- 11
- 12
- 13
- 14
- 15
- 16
- 17
- 18
- 19
- 20
- 21
- 22
- 23
- 24
- 25
- 26
- 27
- 28
- 29
- 30
- 31
- 32
- 33
- 34
- 35
- 36
- 37
- 38
- 39
- 40
- 41
- 42
- 43
- 44
- 45
- 46
- 47
- 48
- 49
- 50
- 51
- 52
- 53
- 54
- 55
- 56
- 57
- 58
- 59
- 60
- 61
- 62
- 63
- 64
- 65
- 66
- 67
- 68
- 69
- 70
- 71
- 72
- 73
- 74
- 75
- 76
- 77
- 78
- 79
- 80
- 81
- 82
- 83
- 84
- 85
- 86
- 87
- 88
- 89
- 90
- 91
- 92
- 93
- 94
- 95
- 96
- 97
- 98
- 99
- 100
- 101
- 102
- 103
- 104
- 105
- 106
- 107
- 108
- 109
- 110
- 111
- 112
- 113
- 114
- 115
- 116
- 117
- 118
- 119
- 120
- 121
- 122
- 123
- 124
- 125
- 126
- 127
- 128
- 129
- 130
- 131
- 132
- 133
- 134
- 135
- 136
- 137
- 138
- 139
- 140
- 141
- 142