Important Announcement
PubHTML5 Scheduled Server Maintenance on (GMT) Sunday, June 26th, 2:00 am - 8:00 am.
PubHTML5 site will be inoperative during the times indicated!

Home Explore 25 قاعدة في فنون التعامل مع الآخرين

25 قاعدة في فنون التعامل مع الآخرين

Published by literaryeditor.m, 2022-11-06 09:14:41

Description: إن العلاقة التي تربط الناس بعضهم ببعض لا تقوم على رابطة الدم فحسب , بل إن هناك روابط أخرى تجمع الناس وتؤلف بينهم وترفع من مستوى وحجم تعاملهم , فهناك ( مثلا ً) رابطة الفكرة والمبدأ , ورابطة العمل والوظيفة , ورابطة الصداقة والصحبة , ورابطة الجنس والعرق , والرابطة التجارية والاقتصادية....إلخ .

Search

Read the Text Version

‫‪25‬‬ ‫قاعــدة في فنــون التعامــل‬ ‫مــع الآخريــن‬ ‫تأليف‬ ‫محمد حامد محمد‬

‫‪ 25‬قاعدة في فنون التعامل مع الآخرين‬ ‫المقدمة‬ ‫الحمــد للــه والصــاة والســام عــى رســول اللــه وعــى آلــه‬ ‫وصحبــه ومــن والاه وبعــد‪...‬‬ ‫الإنســان اجتماعــي بطبعــه يحــب تكويــن العلاقــات وبنــاء‬ ‫الصداقــات ‪ .‬والفطــرة الســليمة تمــج الانعــزال التــام وتســتهجن‬ ‫الانطــواء وترفــض الانقطــاع عــن الآخريــن ‪ .‬والملاحــظ أن الفــرد‬ ‫مهــا كان انطوائيــاً فإنــه يســعى لتكويــن علاقــات مــع الآخريــن‬ ‫وإن كانــت محــدودة ويصعــب بــل ربمــا يســتحيل عليــه الانكفــاء‬ ‫عــى الــذات والاســتغناء عــن الآخريــن ‪ .‬ولقــد أشــارت بعــض‬ ‫الدراســات إلى أن المديــر يقــي ‪ %80‬مــن وقتــه في الاتصــال‬ ‫والتعامــل مــع الآخريــن ‪.‬‬ ‫إن اللــه تعــالى قــرر مبــدأ التعامــل بــن النــاس وجعلــه‬ ‫ضرورة بشريــة وســنة كونيــة بــل بــ ّن في كتابــه الكريــم أن مــن‬ ‫أسرار خلــق الإنســان وتصنيــف البــر إلى أمــم وشــعوب هــو أن‬ ‫يتحقــق الاتصــال والتعــارف بينهــم لــذا قــال تعــالى ﴿يَٰٓأَيُّ َهــا‬ ‫‪3‬‬

‫‪ 25‬قاعدة في فنون التعامل مع الآخرين‬ ‫ٱل َّنــا ُس ِإنَّــا َخلَقۡنَٰ ُكــم ِّمــن َذكَــ ٖر َوأُنثَــ ٰى َو َج َعلۡنَٰ ُكــمۡ ‌ ُشــ ُعوبٗا‬ ‫َوقَبَآئِــ َل لِتَ َعا َرفُــ ٓواْۚ ِإ َّن أَكۡ َر َم ُكــمۡ ِعنــ َد ٱللَّــ ِه أَتۡقَ ٰى ُكــمۡۚ ِإ َّن ٱللَّــ َه‬ ‫َعلِيــ ٌم َخ ِبــ ‪ٞ‬ر ‪[ ﴾٣١‬الحجــرات‪]31 :‬‬ ‫إن العلاقــة التــي تربــط النــاس بعضهــم ببعــض لا تقــوم عــى‬ ‫رابطــة الــدم فحســب بــل إن هنــاك روابــط أخــرى تجمــع النــاس‬ ‫وتؤلــف بينهــم وترفــع مــن مســتوى وحجــم تعاملهــم فهنــاك (‬ ‫مثــا ً) رابطــة الفكــرة والمبــدأ ورابطــة العمــل والوظيفــة ورابطــة‬ ‫الصداقــة والصحبــة ورابطــة الجنــس والعــرق والرابطــة التجاريــة‬ ‫والاقتصادية‪....‬إلــخ ‪.‬‬ ‫وتعتــر رابطــة العقيــدة هــي أجــ ّل واســمى هــذه الروابــط‬ ‫بــل ى نبالــغ إذا قلنــا أنهــا تفــوق رابطــة الــدم والنســب لــذا يقــول‬ ‫الشــاعر ‪:‬‬ ‫عــــذب تـــحـــدر مـــن غـــمـــا ٍم واحــــ ٍد‬ ‫إن يـخـتـلـف مــــاء الــغــمــام فـمـاؤنـا‬ ‫ديـــــــــن أقمناه مقـــــــــــام الوال ِد‬ ‫أو يــفــتــرق نـــســـب يـــؤلـــف بيننا‬ ‫ويقول أبو تمام ‪:‬‬ ‫ولــقــد ســبــرت الـــنـــاس ثـــم خبرتهم وبـــلـــوت مـــا وصـــفـــوا مـــن الأســبــاب‬ ‫وإذا المـودة أقرب الأنـــــــــــــسـاب‬ ‫فـــــإذا الـــقـــرابـــة لا تـــقـــ ِّرب قـاطـعـاً‬ ‫إن التعامــل مــع الآخريــن مهــارة لا يحســنها كثــر مــن النــاس‬ ‫فــرب كلمــة طائشــة تخــرج مــن الفــم تفســد صفــاء العلاقــة بــن‬ ‫أخويــن متحابــن وربمــا يصــل الحــال إلى أكــر مــن ذلــك بكثــر ‪.‬‬ ‫لــذا ينبغــي أن يكــون الإنســان عــى حــذر ويقظــة دائمتــن‬ ‫‪4‬‬

‫‪ 25‬قاعدة في فنون التعامل مع الآخرين‬ ‫عنــد تعاملــه مــع الآخريــن وإلا فربمــا يقــع في مــا لا يحمــد عقبــاه‬ ‫إن هــذا الموضــوع مــن أكــر الموضوعــات أهميــة وصعوبــة في‬ ‫نفــس الوقــت لأنــه يتعامــل مــع هــذا الكائــن البــري المعقــد ‪.‬‬ ‫ولقــد حاولــت في هــذه الدراســة المتواضعــة أن أتنــاول بعــض‬ ‫الفنــون والأســاليب والقواعــد التــي ينبغــي للإنســان أن ينتبــه لهــا‬ ‫كي يســتطيع أن يكســب مــودة الآخريــن ويقــي نفســه مصــارع‬ ‫الســوء الناتجــة عــن التعامــل غــر الموفــق مــع النــاس ‪.‬‬ ‫ولا أزعــم أننــي أتيــت بمــا لم يــأت بــه الأولــون كــا لا أزعــم‬ ‫أن هــذه الدراســة هــي دراســة جامعــة مانعــة ولكنهــا محاولــة‬ ‫أرجــو أن تكــون موفقــة وأن ينفــع بهــا كل مــن اطلــع عليهــا ‪.‬‬ ‫المؤلف‬ ‫‪5‬‬

‫‪ 25‬قاعدة في فنون التعامل مع الآخرين‬ ‫‪-1‬اصبر لكل مصيبة وتجلد‬ ‫عندمــا يتعامــل الإنســان مــع النــاس فإنــه يتعــرض إلى العديــد‬ ‫مــن العقبــات و المشــكلات ‪ ،‬فقــد يتعــرض إلى كلمــة جارحــة ‪ ،‬أو‬ ‫مكيــدة ماكــرة ‪ ،‬أو فظاظــة من ِّفــرة ‪ ،‬وربمــا يتعــرض إلى إيــذاء‬ ‫شــديد أو ابتــاء طويــل في مالــه أو دينــه أو عرضــه أو بدنــه ‪ .‬لــذا‬ ‫ينبغــي أن يتحــى المــرء بالصــر الجميــل ‪ ،‬ويحتســب كل ذلــك عنــد‬ ‫اللــه تعــالى ‪ ،‬ويكــر مــن الاســتعانة بــه عــى مصائــب الدهــر ‪.‬‬ ‫والابتــاء ســنة ماضيــة إلى يــوم القيامــة ‪ ،‬لــذا يقــول اللــه‬ ‫تعــالى ‪َ ﴿ :‬ولَ َنبۡلُ َونَّ ُكــمۡ َحتَّــ ٰى ‌نَعۡلَــ َم ‌ٱلۡ ُم َٰج ِه ِديــ َن ِمن ُكــمۡ‬ ‫َوٱل َّٰص ِ ِبيــ َن َونَبۡلُــ َواْ أَخۡبَا َر ُكــمۡ﴾ [محمــد‪]13 :‬‬ ‫ويقــول اللــه تعــالى ‪َ ﴿ :‬وإِن تَصۡ ِبــ ُرواْ َوتَتَّ ُقــواْ فَــ ِإ َّن َٰذلِــ َك ِمــنۡ‬ ‫‌ َعــزۡ ِم ٱلۡأُ ُمــو ِر ﴾ [آل عمــران‪]681 :‬‬ ‫ويقــول اللــه تعــالى ‪َ ﴿‌ :‬وٱسۡتَ ِعي ُنــواْ ِبٱل َّصــبۡ ِر َوٱل َّصلَــ ٰو ِةۚ َو ِإنَّ َهــا‬ ‫لَ َك ِبــ َر ٌة إِ َّل َعــ َى ٱلۡ َٰخ ِشــ ِعي َن ‪[ ﴾٥٤‬البقــرة‪]54 :‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪ 25‬قاعدة في فنون التعامل مع الآخرين‬ ‫ويقـول اللـه تعـالى ‪َ ﴿‌ :‬وٱصۡب ِــرۡ ‌نَفۡ َسـ َك َمـ َع ٱلَّ ِذيـ َن يَدۡ ُعـو َن‬ ‫َربَّ ُهــم ِبٱلۡ َغــ َد ٰو ِة َوٱلۡ َعــ ِ ِّي يُ ِريــ ُدو َن َوجۡ َهــ ُهۥۖ َو َل تَــعۡ ُد َعيۡنَــا َك‬ ‫َعنۡ ُهـمۡ تُ ِريـ ُد ِزي َن َة ٱلۡ َحيَ ٰو ِة ٱل ُّدنۡيَاۖ َو َل تُ ِطـعۡ َمنۡ أَغۡفَلۡنَا قَلۡبَ ُهۥ‬ ‫َعــن ِذكۡ ِرنَــا َوٱتَّبَــ َع َه َوىٰــ ُه َو َكا َن أَمۡ ُر ُهۥ فُ ُرطٗــا ‪[ ﴾٨٢‬الكهــف‪:‬‬ ‫‪]82‬‬ ‫ويقــول اللــه ويقــول اللــه تعــالى ‪َ ‌﴿ :‬ولَ َنبۡلُ َونَّ ُكــم ِبــ َيۡ ٖء ِّمــ َن‬ ‫ٱلۡ َخــوۡ ِف َوٱلۡ ُجــو ِع َونَــقۡ ٖص ِّمــ َن ٱلۡأَمۡ َٰو ِل َوٱلۡأَن ُفــ ِس َوٱلثَّ َمــ َٰر ِتۗ‬ ‫َوبَــ ِّ ِر ٱل َّٰص ِ ِبيــ َن ‪ ٥٥١‬ٱلَّ ِذيــ َن إِ َذآ أَ َٰص َبتۡ ُهــم ُّم ِصي َبــ ‪ٞ‬ة قَالُــ ٓواْ إِنَّــا لِلَّــ ِه‬ ‫َو ِإنَّــآ إِ َلۡ ِه َٰر ِج ُعــو َن ‪ ٦٥١‬أُ ْولَٰٓ ِئــ َك َع َلۡ ِهــمۡ َصلَــ َٰو ‪ٞ‬ت ِّمــن َّربِّ ِهــمۡ‬ ‫َو َرحۡ َمــ ‪ٞ‬ةۖ َوأُ ْولَٰٓ ِئــ َك ُهــ ُم ٱلۡ ُمهۡتَــ ُدو َن ﴾ [البقــرة‪]751-551 :‬‬ ‫وعــن أبي يحيــى صهيــب بــن ســنان رضي اللــه عنــه ‪ ،‬عــن‬ ‫النبــي صــى اللــه عليــه وســلم قــال ‪ :‬عجبــا لأمــر المؤمــن ‪ ،‬إن أمــره‬ ‫كلــه لــه خــر ‪ ،‬وليــس ذلــك لأحــد إلا للمؤمــن ‪ ،‬إن إصابتــه سراء‬ ‫شــكر فــكان خــ ًرا لــه ‪ ،‬وإن أصابتــه ضراء صــر فــكان خــ ًرا لــه‬ ‫«‪.‬رواه مســلم ‪.‬‬ ‫وعــن أبي ســعيد الخــدري رضي اللــه عنــه عــن النبــي صــى‬ ‫اللــه عليــه وســلم قــال ‪ :‬أشــد النــاس بــا ًء الأنبيــاء ثــم الأمثــل‬ ‫فالأمثــل ‪ ،‬يُبتــى الرجــل عــى حســب دينــه ‪ ،‬فــإن كان في دينــه‬ ‫صلبــاً اشــتد بــاؤه ‪ ،‬وإن كان في دينــه رقــة ابتُــى عــى حســب‬ ‫دينــه ‪ ،‬فــا يــرم البــاء بالعبــد حتــى يتركــه يمــي عــى الأرض‬ ‫مــا عليــه خطيئــة «‪.‬رواه أحمــد والترمــذي ‪.‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪ 25‬قاعدة في فنون التعامل مع الآخرين‬ ‫ويقــول عمــر بــن الخطــاب رضي اللــه عنــه ‪ « :‬وجدنــا خــر‬ ‫عيشــنا بالصــر «‪ .‬وقــال أيضــا ‪ « :‬أفضــل عيــش أدركنــاه بالصــر‬ ‫‪ ،‬ولــو أن الصــر كان مــن الرجــال كان كريمــاً «‪.‬‬ ‫و قــال عــى بــن أبي طالــب رضي اللــه عنــه ‪ :‬ألا إن الصــر‬ ‫مــن الإيمــان بمنزلــة الــرأس مــن الجســد ‪ ،‬فــإذا قطــع الــرأس بــار‬ ‫الجســد ‪ ،‬ثــم رفــع صوتــه فقــال ‪ :‬ألا إنــه لا إيمــان لمــن لا صــر‬ ‫«لــه»‪ .‬وقــال أيضــا ‪ « :‬الصــر مطيــة لا تكبــو «‪.‬‬ ‫وقــال الحســن ‪ :‬الصــر كنــز مــن كنــوز الخــر لا يعطيــه اللــه‬ ‫إلا لعبــد كريــم عنــده «‪.‬‬ ‫وقــال عمــر بــن عبــد العزيــز ‪ « :‬مــا أنعــم اللــه عــى عبــد‬ ‫نعمــة فانتزعهــا منــه ‪ ،‬فعاضــه مكانهــا الصــر إلا كان مــا عوضــه‬ ‫خــرا مــا انتزعــه»‪.‬‬ ‫وكان بعــض العارفــن في جيبــه رقعــة يخرجهــا كل وقــت‬ ‫ينظــر فيهــا ‪ ،‬وكان فيهــا ‪ « :‬واصــر لحكــم ربــك فإنــك بأعيننــا»‪.‬‬ ‫وقــال عمــر بــن الخطــاب رضي اللــه عنننــه ‪ « :‬لــو كان الصــر‬ ‫و الكــر بعيريــن لم أبــال أيهــا ركبــت «‪.‬‬ ‫وقــال يونــس بــن زيــد ‪ :‬ســألت ربيعــة بــن أبي عبــد الرحمــن‪:‬‬ ‫مــا منتهــى الصــر ؟ قــال ‪ « :‬أن يكــون يــوم تصيبــه المصيبــة مثلــه‬ ‫قبــل أن تصيبــه «‪.‬‬ ‫ويقول أبو العتاهية ‪:‬‬ ‫‪8‬‬

‫‪ 25‬قاعدة في فنون التعامل مع الآخرين‬ ‫واعـــلم بــأن الــمــرء غـيـر مخلد‬ ‫اصـــبر لـــكل مصيــــبة وتجل ِد‬ ‫وتـــرى المنـــة للعــــباد بمرصد‬ ‫أو مـا تـــرى أن المصــــائب جمة‬ ‫هــــذا سـبـيـل لــســت فــيــه بــأوحــد‬ ‫ومـــن لــم ُيـصـب مـمـن تـــري بمصيبة‬ ‫فـــاذكـــر مــصــابــك بــالــنــبــي محمد‬ ‫فـــــــإذا ذكـــــرت مـحـمـ ًدا ومـصـابـه‬ ‫فــــإن الــصــبــر فـــي الــعــقــبــى سليم‬ ‫ويقول الشاعر ‪:‬‬ ‫ولا مــــات فــــات تــرجــعــه الــهــمــوم‬ ‫فـــــدم صـــــــــبــــ ًرا فـــضـــر لا يــــدوم‬ ‫فـــا تـــجـــزع لـــريـــب الـــدهـــر واصــبــر‬ ‫وتـــقـــضـــي بـــعـــد ذلـــــك مــــا تــــروم‬ ‫فـــمـــا جـــــزع بــمــغــن عـــنـــك شــيــ ًئــا‬ ‫وخــــــان مـــواصـــــــل وجــــفــــا حـمـيـم‬ ‫إذا ضـــاقـــت بــــك الأيــــــــام قـــهـــ ًرا‬ ‫فــمــا أمـــســـى الــهــمــوم ولا الـغـمـوم‬ ‫فــبــالــصــبــر الــجــمــيــل تـــنـــال أجـــــ ًرا‬ ‫فــكــم مـــن مـحـنـة عـظـمـت ودامــــت‬ ‫وضـــاقـــت بـمـا بـــه الـــصـــدر الـرحـيـب‬ ‫أتـــــى فـــــــرج الإلـــــــه لـــهـــا صــبــا ًحــا‬ ‫وأرســــــت فـــي مـكـانـهـا الـخـطـــوب‬ ‫ولا أغـــنـــى بـحـيـــلـتـه الأريـــــــب‬ ‫وقال أبو حاتم ‪:‬‬ ‫يـمـن بــه اللطيـــف المستـــجيب‬ ‫إذا اشـتـمـلـت عـلـى الــبــؤس القلوب‬ ‫صــبر الــكــريــم فـإنـــــه بـــــك أعلم‬ ‫وأوطـــــــنـت الـمـــــكـاره واطمــأنت‬ ‫تـشـكـو الـرحـيـم إلـــى الــــذي لا يرحم‬ ‫ولـم تـــــر لانكشــاف الضـر وج ًها‬ ‫أتــــــــاك عـلـى قـنـــوط مـنـــــك غـوث‬ ‫صــبر الكــرام فـــــإن ذلــك أحـزم‬ ‫ويقول الشاعر ‪:‬‬ ‫وإذا عـــرتـك بليــة فـاصـــبـر لها‬ ‫وإذا شــكــوت إلــــى ابــــن آدم إنـمـا‬ ‫ويقول آخر ‪:‬‬ ‫وإذا بـلـيـت بــعــســرة فــاصــبــر لها‬ ‫‪9‬‬

‫‪ 25‬قاعدة في فنون التعامل مع الآخرين‬ ‫تشكو الـرحـيـم إلـــى الـــذي لا يرحم‬ ‫لا تــشــكــون إلــــى الــعــبــاد ‪ ،‬فـإنـمـا‬ ‫وطــــب نــفــســا إذا حــكــم الــقــضــاء‬ ‫ويقول الشافعي‪:‬‬ ‫فــمــا لـــحـــوادث الـدنـيـــــــا بــقاء‬ ‫وشــيــمــتــك الــســمــاحــة و الـسـخـاء‬ ‫دع الأيـــــــــام تـــفـــعـــل مـــــا تـــشـــاء‬ ‫وكــــم عـيـــــب يـغـطـيـــه الــســخــاء‬ ‫ولا تـــــجـزع لـحـادثـــــة الليـالي‬ ‫ولا عــســر عــلــيـــــك ولا رخـــاء‬ ‫وكــــن رجــــا عــلــى الأهـــــــوال جـلـدا‬ ‫فــــــــإن شــمــاتــــــــة الأعــــــدا بـــاء‬ ‫يــــــغطي بالسماحة كـل عيـــب‬ ‫مـــا فـــي الـــنـــــــار لــلــظـــــمــآن مـــــاء‬ ‫ولا حـــــزن يـــــــــــدوم ولا ســـــرور‬ ‫وليــس يــزيــد فـي الـــرزق العنـاء‬ ‫ولا تـــــــــرى الأعـــــــــادي قـــــط ذلا‬ ‫فـأنـــــت و مـــالـك الـدنـيـــا ســـــواء‬ ‫ولا تـــــرجـو الــســمــاحــة مـــن بخيل‬ ‫فـــا أرض الـلـــه واســـــعــة ولكــن‬ ‫ورزقــــــــك لـيـس ينقــصه التــأني‬ ‫إذا نـــــزل الــقــضــا ضـــــاق الـفـضـــاء‬ ‫إذا مـــا كـنـــــت ذا قــلــب قـنـــوع‬ ‫ومـــن نـــــزلـت بـسـاحـتـــــه المنايـا‬ ‫يـــكـــون وراءه فـــــــــــــــرج قــريــب‬ ‫وأرض الـــلـــه واســـــــعـــة ولـكـــــن‬ ‫ويــــأتــــي أهـــلـــه الـــنـــائـــي الــغــريــب‬ ‫وقال آخر‪:‬‬ ‫عــســى الـــهـــم الـــــذي أمــســيــت فيه‬ ‫فـــيـــأمـــن خــــائــــف ويــــغــــاث عـــان‬ ‫‪10‬‬

‫‪ 25‬قاعدة في فنون التعامل مع الآخرين‬ ‫‪ -2‬فبما رحمة من الله لنت لهم‬ ‫نقصــد بهــذه القاعــدة تغليــب التعامــل الإيجــابي عــى التعامــل‬ ‫الســلبي ‪ ،‬والرحمــة عــى الشــدة ‪ ،‬والقــرارت التــي تجلــب المنفعــة‬ ‫و الخــر للآخريــن عــى القــرارات التــي فيهــا مضرتهــم وإيقــاع‬ ‫الــر بهــم ‪.‬‬ ‫إن بعــض النــاس يميلــون إلى الفظاظــة و الرفــض و الشــدة‬ ‫و القســوة وربمــا الإضرار بالآخريــن مــن أجــل أن يثبتــوا وجودهــم‬ ‫وهيمنتهــم وســلطانهم فيخافهــم النــاس ويذلــوا بــن أيديهــم ‪ ،‬ولا‬ ‫شــك أن هــذا مــرض نفــي ابتــى بــه بعــض المســؤولين‪.‬‬ ‫إن هــذ الســلوك يــؤدي إلى نفــرة المــرؤوس مــن رئيســه‬ ‫وبغضــه لــه ‪ ،‬وعــدم الرغبــة و الحماســة في تنفيــذ قرارتــه أو‬ ‫إخــاص النصيحــة لــه ‪ ،‬ولهــذا يقــول اللــه تعــالى ﴿‌فَ ِبــ َا ‌ َرحۡ َمــ ٖة‬ ‫ِّمــ َن ٱللَّــ ِه لِنــ َت لَ ُهــمۡۖ َولَــوۡ ُكنــ َت فَظًّــا َغ ِليــ َظ ٱلۡقَــلۡ ِب َلن َف ُّضــواْ‬ ‫ِمـنۡ َحوۡلِـ َكۖ فَـٱعۡ ُف َعنۡ ُهـمۡ َوٱسۡتَغۡ ِفـرۡ لَ ُهـمۡ َو َشـا ِورۡ ُهمۡ ِف‬ ‫ٱلۡأَمۡ ِرۖ فَـ ِإ َذا َعـ َزمۡ َت فَتَـ َوكَّلۡ َعـ َى ٱللَّـ ِهۚ إِ َّن ٱللَّـ َه يُ ِحـ ُّب ٱلۡ ُمتَ َو ِكّ ِلـ َن﴾‬ ‫‪11‬‬

‫‪ 25‬قاعدة في فنون التعامل مع الآخرين‬ ‫[آل عمــران‪]951 :‬‬ ‫ويقــول الرســول صــى اللــه عليــه وســلم ‪ « :‬إن الرفــق لا يكــون‬ ‫في شيء إلا شــانه « وعــن جريــر بــن عبــد اللــه رضي اللــه عنــه‬ ‫قــال ‪ :‬ســمعت رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم يقــول ‪ « :‬مــن‬ ‫يحــرم الرفــق يحــرم الخــر كلــه «‪.‬‬ ‫ويقــول حــاد بــن مســلمة ‪ :‬مــر رجــل أســبل إزاره )إشــارة إلى‬ ‫التكــر ) عــى صلــة بــن أيــم ‪ ،‬فهــم أصحابــه أن يأخــذوه بشــدة‬ ‫فقــال ‪ :‬دعــوني أنــا أكفيكــم ‪ ،‬ثــم قــال للرجــل ‪ :‬يــا ابــن أخــي إن لي‬ ‫إليــك حاجــة ‪ ،‬فقــال الرجــل ‪ :‬ومــا حاجتــك يــا عــم ؟ قــال‪ :‬أحــب‬ ‫أن ترفــع إزارك ‪ ،‬فقــال ‪ :‬نعــم ‪ ،‬حبــا و كرامــة ‪ ،‬فرفــع إزاره ‪ ،‬فقــال‬ ‫صلــة لأصحابــه لــو قرعتمــوه لقــال ‪ :‬لا ‪ ،‬ولا كرامــة ‪ ،‬وشــتمكم ‪.‬‬ ‫و قــال محمــد بــن زكريــا الغــابي ‪ :‬هــدت عبــد اللــه بــن محمــد‬ ‫بــن عائشــة ليلــة وقــد خــرج مــن المســجد بعــد المغــرب يريــد منزلــه‬ ‫‪ ،‬وإذا غــام مــن قريــش ســكران قــد قبــض عــى امــرأة فجذبهــا ‪،‬‬ ‫فاســتغاثت ‪ ،‬فاجتمــع النــاس يضربونــه ‪ ،‬فنظــر إليــه بــن عائشــة‬ ‫فعرفــه ‪ ،‬فقــال للنــاس ‪ :‬تنحــوا عــن ابــن أخــي ‪ ،‬ثــم قــال ‪ :‬إلى‬ ‫يــا ابــن أخــي ‪ ،‬فاســتحي الغــام فجــاء إليــه فضمــه إليــه ثــم قــال‬ ‫لــه ‪ :‬امــض معــي ‪ ،‬فمــي معــه حتــى صــار إلى منزلــه فأدخلــه‬ ‫الــدار ‪ ،‬فقــال لبعــض غلمانــه ‪ :‬بيتــه عنــدك فــإذا أفــاق مــن ســكره‬ ‫فأعلمــه بمــا كان منــه ولا تتركــه ينــرف حتــى تأتينــي بــه ‪ ،‬فلــا‬ ‫أفــاق مــن ســكره أعلمــه بمــا كان منــه فاســتحي منــه وبــي ‪ ،‬وهــم‬ ‫‪12‬‬

‫‪ 25‬قاعدة في فنون التعامل مع الآخرين‬ ‫بالانــراف فقــال الغــام ‪:‬‬ ‫قــد أمــر ســيدي أن تأتيــه ‪ ،‬فأدخلــه عليــه ‪ ،‬فقــال لــه ابــن‬ ‫عائشــة ‪ :‬أمــا اســتحيت لنفســك ؟ أو مــا اســتحيت لشرفــك ؟ أمــا‬ ‫اســتحيت مــن ولــدك ؟ فاتــق اللــه وانــزع عــا انــت فيــه ‪ ،‬فبــي‬ ‫الغــام منكســا رأســه ثــم رفــع رأســه وقــال ‪ :‬عاهــدت اللــه عهــدا‬ ‫يســألني عنــه يــوم القيامــة أني لا أعــود للــرب ‪ ،‬ولا لــيء مــا‬ ‫كنــت فيــه ‪ ،‬وأنــا تائــب ‪ ،‬فقــال ابــن عائشــة ‪ :‬أدن منــي ‪ ،‬فقبــل‬ ‫رأســه وقــال ‪ :‬أحســنت يــا بنــي ‪ ،‬فــكان الغــام بعــد ذلــك يلزمــه و‬ ‫يكتــب عنــه الحديــث ‪ ،‬وكان ذلــك ببركــة الرفــق ‪.‬‬ ‫و جــاء رقيــق (غــام) لأبي ذر وقــد كــر رجــل شــاة فقــال لــه‬ ‫‪:‬مــن كــر رجــل هــذه ؟ فقــال الغــام ‪ :‬أنــا فعلتــه عمــدا لأغيظــك‬ ‫فتضربنــي فتأثــم ‪ ،‬فقــال ‪ :‬أبــو ذر ‪ :‬لأغيظــن مــن حرضــك عــى‬ ‫غيظــي فأعتقــه في ســبيل اللــه ‪.‬‬ ‫وتجــدر الإشــارة هنــا إلى انــه قــد يضطــر الإنســان ( أحيانــا)‬ ‫أن يتعامــل بشــدة ‪ ،‬وأن يتخــذ القــرار الأكــر قســوة و حزمــا مــن‬ ‫أجــل مصلحــة يقدرهــا ‪ ،‬وهــذا الأمــر مطلــوب ( ولكــن ليــس دائمــا‬ ‫)‪ .‬ولــذا يقــول الشــاعر‪.‬‬ ‫فـقـسـا لـــيـــزدجـــروا ومـــن يـــك راحــ ًمــا فـلـيـقـس أحـــيـــانـــا عــلــى مـــن يـرحـم‬ ‫‪13‬‬

‫‪ 25‬قاعدة في فنون التعامل مع الآخرين‬ ‫‪ -3‬أمسك عليك هذا‬ ‫نعــم ‪ ،‬امســك عليــك هــذه الجارحــة الخطــرة ‪ ،‬ألا وهــي‬ ‫جارحــة اللســان ‪ ،‬حيــث يقــول اللــه تعــالى ﴿ َّمــا‌يَلۡ ِفــ ُظ ِمــن قَــوۡ ٍل‬ ‫إِ َّل لَــ َديۡ ِه َر ِقيــ ٌب َع ِتيــ ‪ٞ‬د ‪[ ﴾٨١‬ق‪]81 :‬‬ ‫إن للســان خطــورة عظمــي ‪ ،‬إذ بــه يســلم الإنســان في الدنيــا‬ ‫و الاخــرة و بــه يعطــب ‪ ،‬وبــه يقــدم و بــه يؤخــر ‪ .‬ولا نبالــغ إذا قلنــا‬ ‫ان غالبيــة قواعــد التعامــل مــع الآخريــن متعلقــة باللســان ‪.‬‬ ‫لــذا ينبغــي للمســلم أن يــدرك أهميــة اللســان ‪ ،‬وأن يــزن‬ ‫الكلمــة قبــل النطــق بهــا ‪ ،‬وأن يســخر هــذا العضــو لكســب قلــوب‬ ‫الاخريــن و التأثــر عليهــم ‪ .‬وقبــل هــذا وذلــك ينبغــي أن يعــي أنــه‬ ‫محاســب عــى مــا يتفــوه بــه لســانه و مؤاخــذ عــى ذلــك عــن اللــه‬ ‫تعــالى ‪.‬‬ ‫عــن أبي هريــرة رضي اللــه عنــه ‪ ،‬عــن النبــي صــى اللــه‬ ‫عليــه وســلم قــال ‪ « :‬مــن كان يؤمــن باللــه و اليــوم الآخــر قليقــل‬ ‫‪14‬‬

‫‪ 25‬قاعدة في فنون التعامل مع الآخرين‬ ‫خــرا أو ليصمــت «‪.‬‬ ‫وعــن أبي هريــرة رضي اللــه عنــه قــال ‪ :‬ســئل رســول اللــه‬ ‫صــى اللــه عليــه وســلم عــن أكــر مــا يدخــل النــاس الجنــة ‪ ،‬فقــال‪:‬‬ ‫« تقــوي اللــه حســن الخلــق « وســئل عــن أكــر مــا يدخــل النــاس‬ ‫النــار ‪ ،‬فقــال ‪ « :‬الفــم و الفــرج «‪.‬‬ ‫وقــال عبــد اللــه بــن ســفيان الثقفــي ‪ :‬قلــت يــا رســول اللــه‬ ‫حدثنــي بأمــر أعتصــم بــه فقــال ‪ « :‬قــل ربي اللــه ثــم اســتقم «‬ ‫قلــت ‪ :‬يــا رســول اللــه مــا أخــوف مــا تخــاف عــي ؟ فأخــذ بلســانه‬ ‫وقــال ‪ « :‬هــذا»‪.‬‬ ‫وعــن أبي هريــرة رضي اللــه عنــه ‪ ،‬أنــه ســمع النبــي صــى‬ ‫اللــه عليــه وســلم يقــول ‪ « :‬إن العبــد ليتكلــم بالكلمــة مــا يتبــن فيهــا‬ ‫‪ ،‬تــزل بهــا قدمــه في النــار أبعــد مــا بــن المــرق و المغــرب «‪.‬‬ ‫ويقــول رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم ‪ « :‬أتــدرون مــا‬ ‫المفلــس ؟ قالــوا ‪ :‬المفلــس فينــا مــن لا درهــم لــه ولا متــاع ‪ ،‬فقــال‪« :‬‬ ‫إن المفلــس مــن أمتــي مــن يــأتي يــوم القايمــة بصــاة و صيــام وزكاة‬ ‫‪ ،‬يــأتي وقــد شــتم هــذا ‪ ،‬وقــذف هــذا ‪ ،‬وأكل مــال هــذا ‪ ،‬وســفك‬ ‫دم هــذا ‪ ،‬وضرب هــذا ‪ ،‬فيعطــي هــذا مــن حســناته و هــذا مــن‬ ‫حســناته ‪ ،‬فــإن فنيــت حســناته قبــل أن يقــي مــا عليــه أخــذ مــن‬ ‫خطاياهــم فطرحــت عليــه ثــم طــرح في النــار «‪.‬‬ ‫وقــال محمــد بــن واســع لمالــك بــن دينــار ‪ « :‬يــا أبــا يحيــى ‪،‬‬ ‫حفــظ اللســان أشــد عــى النــاس مــن حفــظ الدينــار و الدرهــم «‪.‬‬ ‫‪15‬‬

‫‪ 25‬قاعدة في فنون التعامل مع الآخرين‬ ‫وقــال الحســن ‪ :‬تكلــم قــوم عنــد معاويــة رحمــه اللــه ‪ ،‬والأحنــف‬ ‫بــن قيــس ســاكت ‪ ،‬فقــال لــه معاويــة ‪ :‬مــا لــك يــا أبــا بحــر لا تتكلــم‬ ‫فقــال لــه ‪ « :‬أخــي اللــه إن كذبــت ‪ ،‬وأخشــاك إن صدقــت «‪.‬‬ ‫و قــال الحســن رضي اللــه عنــه ‪ « :‬مــن كــر كلامــه كــر كذبــه‬ ‫‪ ،‬ومــن كــر مالــه كــرت ذنوبــه ‪ ،‬ومــن ســاء خلقــه عــذب نفســه ‪.‬‬ ‫ورأي أبــو الــدرداء امــرأة ســليطة اللســان فقــال ‪ « :‬لــو كانــت‬ ‫هــذه خرســاء كان خــرا لهــا «‪.‬‬ ‫وروي مالــك بــن أنــس ‪ :‬أن عمــر بــن الخطــاب رضي اللــه‬ ‫عنــه رأي أبــا بكــر رضي اللــه عنــه وهــو يمــد لســانه بيــده فقــال لــه‪:‬‬ ‫مــا تصنــع يــا خليفــة رســول اللــه ؟ قــال ‪« :‬هــذا أوردني المــوارد«‪.‬‬ ‫وروي كذلــك أن امــرأة نظــرت إلى فــوج امــرأة ميتــة فقذفتهــا‬ ‫في عرضهــا ‪ ،‬فلصقــت يدهــا في فــرج تلــك الميتــة ‪ ،‬فــا اســتطاعوا‬ ‫أن ينتزعوهــا ‪ ،‬فأرســلو في طلــب الإمــام ‪ ،‬فجــاة فقــال للمــرأة ‪ :‬مــا‬ ‫قلــت ‪ ،‬فأنكــرت في أول الأمــر أنهــا قالــت شــيئا ثــم اعترفــت بمــا‬ ‫قالــت ‪ ،‬فأمــر بإقامــة الحــد عليهــا ‪ ،‬وحــد القــذف ثمانــن جلــدة ‪،‬‬ ‫فلــا جلــدت انتزعــت يدهــا مــن جســد المــرأة ‪.‬‬ ‫ويقول الإمام الشافعي ‪:‬‬ ‫وحـــظـــك مـــوفـــور و عـــرضـــك صين‬ ‫إذا شـئـت أن تحيا سليما مــن الأذى‬ ‫فــكــلــك عــــــورات و لــلــنــاس ألـسـن‬ ‫لـسـانـك لا تــذكــر بـــه عــــورة امــــرىء‬ ‫فـصـنـهـا وقـــل يـــا عـيـن لـلـنـاس أعـيـن‬ ‫وعــيــنــك إن أبـــــدت إلـــيـــك مـسـاويـا‬ ‫وفـــــارق ولـــكـــن بــالــتــي هـــي أحـسـن‬ ‫وعـامـل بمعروف و سـامـح مـن اعتدي‬ ‫‪16‬‬

‫‪ 25‬قاعدة في فنون التعامل مع الآخرين‬ ‫إن الــــكــــذوب لـبـئـس خـــا يصحب‬ ‫ويقول صالح بن عبد القدوس‪:‬‬ ‫فــالــمــرء يـسـلـم بـالـلـسـان و يعطب‬ ‫ثـــــرثـــــارة فــــي كــــل نــــــاد تـخـطـب‬ ‫ودع الـــكـــذوب فــا يـكـن لــك صاحبا‬ ‫واحــفــظ لـسـانـك واحـــتـــرز مــن لفظه‬ ‫وزن الـــكـــام إذا نـطـقـت ولا تكن‬ ‫كـــامـــك حــــي و الـــســـكـــوت جــمــاد‬ ‫ويقول الشاعر‬ ‫فـصـمـتـك عـــن غــيــر الـــســـداد ســـداد‬ ‫تـكـلـم وســــدد مـــا اسـتـطـعـت فـإنـمـا‬ ‫فــــإن لـــم تــجــد قــــولا ســـديـــدا تـقـولـه‬ ‫ولـيـس يـمـوت الـمـرء مـن عـثـرة الرجل‬ ‫ويقول آخر‪:‬‬ ‫يـــمـــوت الــفــتــي مـــن عـــثـــرة بـلـسـانـه‬ ‫ومــا يــروي في أثــر الكلمــة وخطورتهــا أن هنــاك قبيلــة‬ ‫تســمي قبيلــة « أنــف الناقــة « و كان أصحابهــا يخجلــون مــن هــذه‬ ‫التســمية و مــن الانتســاب إلى هــذه القبيلــة ‪ ،‬فذهــب أحدهــم‬ ‫إلى الحطيئــة فأخــره بالأمــر ‪ ،‬فقــال الحطيئــة بيتــا واحــدا مــن‬ ‫الشــعر جعلــت هــذه القبيلــة ترفــع رأســها بــن العــرب ‪ ،‬حيــث قــال‪:‬‬ ‫قـــوم هــم الأنــــف و الأذنـــــاب غيرهم فـمـن يــســوي بــأنــف الــنــاقــة الـذنـبـا‬ ‫‪17‬‬

‫‪ 25‬قاعدة في فنون التعامل مع الآخرين‬ ‫‪-4‬العلم مغرس كل فخر فافتخر‬ ‫العلــم صفــة رئيســية لــكل مــن يريــد قيــادة الآخريــن و‬ ‫توجيههــم و كســب قلوبهــم ‪ ،‬فالجهــل لا يــأتي بخــر ‪ ،‬لــذا يقــول‬ ‫عمــر بــن عبــد العزيــز رضي اللــه عنــه ‪ « :‬مــن عمــل بغــر علــم كان‬ ‫مــا يفســد أكــر مــا يصلــح «‪.‬‬ ‫ولقــد أثنــى اللــه تعــالى عــى العلــاء فقــال ‪﴿‌ :‬يَرۡفَــعِ ‌ٱللَّــ ُه‬ ‫‌ٱلَّ ِذيــ َن‌ َءا َم ُنــواْ ِمن ُكــمۡ َوٱلَّ ِذيــ َن أُوتُــواْ ٱلۡ ِعــلۡ َم َد َر َٰجــ ٖتۚ َوٱللَّــ ُه ِبَــا‬ ‫تَعۡ َملُــو َن َخ ِبــ ‪ٞ‬ر﴾ [المجادلــة‪]11 :‬‬ ‫و قـال تعـالى ‪‌﴿ :‬قُـلۡ ‌ َهـلۡ ‌يَسۡتَـ ِوي ‌ٱلَّ ِذيـ َن ‌يَعۡلَ ُمـو َن َوٱلَّ ِذيـ َن‬ ‫َل يَعۡلَ ُمــو َنۗ ِإ َّنَــا يَتَ َذ َكّــ ُر أُ ْولُــواْ ٱلۡأَلۡبَٰــ ِب ﴾ [الزمــر‪]9 :‬‬ ‫وبــن الرســول صــى اللــه عليــه وســلم فضــل العلــاء فقــال‪:‬‬ ‫« فضــل العــالم عــى العابــد كفضــي عــى أدناكــم ‪ ،‬إن اللــه و‬ ‫ملائكتــه ‪ ،‬وأهــل الســاوات و الأرض حتــى النملــة في جحرهــا و‬ ‫حتــى الحــوت ليصلــون عــى معلمــى النــاس الخــر «‪.‬‬ ‫‪18‬‬

‫‪ 25‬قاعدة في فنون التعامل مع الآخرين‬ ‫إن الإنســان يحتــاج إلى قــدر كبــر مــن المعلومــات و الثقافــة‬ ‫كي يســتطيع قيــادة الآخريــن ‪ ،‬وربمــا يضطــر إلى تنــاول بعــض‬ ‫الحقائــق العلميــة أو الوقائــع التاريخيــة أو المســتجدات السياســية‬ ‫مــن أجــل فــض نــزاع أو حــل مشــكلة أو إقنــاع مخالــف أو إفحــام‬ ‫خصــم ‪.‬‬ ‫إن العقــاء مــن النــاس لا يثقــون ولا يقــدرون حــق التقديــر‬ ‫إلا أصحــاب العلــم ‪ ،‬لــذا يقــول أبــو الأســود ‪ « :‬ليــس شيء أعــز‬ ‫مــن العلــم ‪ ،‬الملــوك حــكام عــى النــاس ‪ ،‬والعلــاء حــكام عــى‬ ‫الملــوك «‪.‬‬ ‫ويقول الشاعر ‪:‬‬ ‫إن الأكـــابـــر يـحـكـمـون عـلـى الـــوري وعـــلـــى الأكــــابــــر يــحــكــم الـعـلـمـاء‬ ‫ويقــول الحســن البــري ‪ « :‬مــوت العــالم ثلمــة في الإســام‬ ‫لا يســدها شيء مــا اطــرد الليــل و النهــار «‪.‬‬ ‫ويقول الشاعر ‪:‬‬ ‫ولــيــس أخـــو عـلـم كـمـن هـــو جـاهـل‬ ‫تـعـلـم فـلـيـس الـــمـــرء يـــولـــد عـالـمـا‬ ‫صـغـيـر إذا الـتـفـت عـلـيـه الـجـحـافـل‬ ‫فــــإن كـبـيـر الـــقـــوم لا عــلــم عـنـده‬ ‫ولــيــس أخـــو عـلـم كـمـن هـــو جـاهـل‬ ‫وإن صـغـيـر الـــقـــوم إن كـــان عالما‬ ‫صـغـيـر إذا الـتـفـت عـلـيـه الـجـحـافـل‬ ‫فــــإن كـبـيـر الـــقـــوم لا عــلــم عـنـده‬ ‫كــبــيــر إذا ردت إلـــيـــه الـمـحـافـل‬ ‫وإن صـغـيـر الـــقـــوم إن كـــان عالما‬ ‫‪19‬‬

‫‪ 25‬قاعدة في فنون التعامل مع الآخرين‬ ‫عــلــى الـــهـــدي لــمــن اســتــهــدي أدلاء‬ ‫ويقول علي بن أبي طالب ‪:‬‬ ‫والـــجـــاهـــلـــون لأهــــل الــعــلــم أعــــداء‬ ‫الـــنـــاس مــوتــى واهــــل الـعـلـم أحـيـاء‬ ‫مـــا الــفــخــر إلا لأهــــل الــعــلــم إنـهـم‬ ‫وقــــدر كـــل امـــــرىء مـــا كـــان يحسنه‬ ‫فـــفـــز بــعــلــم تــــع حـــيـــا بــــه أبــــدا‬ ‫ولــــــــو ولــــــدتــــــه آبــــــــــاء لـــئـــام‬ ‫ويقول الشافعي‪:‬‬ ‫يـــعـــظـــم أمـــــــره الــــقــــوم الــــكــــرام‬ ‫كــــراعــــي الــــضــــأن تـتـبـعـه الـــســـوام‬ ‫رأيـــــــت الـــعـــلـــم صـــاحـــبـــه كــريــم‬ ‫ولا عـــــرف الــــحــــال ولا الـــحـــرام‬ ‫ولــــيــــس يـــــــزال يـــرفـــعـــه إلـــــى أن‬ ‫ويــــتــــبــــعــــونــــه فــــــي كــــــل حــــال‬ ‫فـــلـــولا الــعــلــم مـــا ســـعـــدت رجـــال‬ ‫ويقــول إبراهيــم بــن مســعود الألبــري وهــو يعــظ ابنــه أبــا‬ ‫بكــر قصيــدة طويلــة ‪:‬‬ ‫إلـــــى مــــا فـــيـــه حـــظـــك لــــو عـقـلـتـا‬ ‫أبــــــا بـــكـــر دعــــوتــــك لــــو أجــبــت‬ ‫مـــطـــاعـــا غــــن نــهــيــت وإن أمـــرتـــا‬ ‫إلــــــى عـــلـــم تــــكــــون بـــــه إمـــامـــا‬ ‫ويـــهـــديـــك الـــطـــريـــق إذا ضـلـلـتـا‬ ‫ويــجــلــو مــــا بـعـيـنـك مــــن غـشـاهـا‬ ‫ويـــكـــســـوك الـــجـــمـــال إذا عـريـتـا‬ ‫و تــحــمــل مــنــه فـــي نـــاديـــك تـاجـا‬ ‫ويـــبـــقـــي ذكــــــره لــــك إن ذهــبــتــا‬ ‫يـــنـــالـــك نـــفـــعـــه مــــا دمــــــت حـيـا‬ ‫تــصــيــب بــــه مـــقـــاتـــل مــــن أردتـــــا‬ ‫هـــو الــغــضــب الــمــهــنــد لــيــس ينبو‬ ‫‪20‬‬

‫‪ 25‬قاعدة في فنون التعامل مع الآخرين‬ ‫خـفـيـف الـحـمـل يــوجــد حـيـث كنت‬ ‫و كـــنـــز لا تــــخــــاف عـــلـــيـــه لـصـا‬ ‫و يــنــقــص إن بــــه كـــفـــا شــــددت‬ ‫يــــزيــــد بـــكـــثـــرة الإنـــــفـــــاق مـنـه‬ ‫لآثــــــــرت الـــتـــعـــلـــم واجــــتــــهــــدت‬ ‫فــلــو قـــد ذقــــت مـــن حـــلـــواه طعما‬ ‫ولا دنــــيــــا بــــزخــــرفــــهــــا فـتـنـتـا‬ ‫ولــــم يـشـغـلـك عــنــه هــــوى مـطـاعـا‬ ‫ولا دنــــيــــا بـــزيـــنـــتـــهـــا كــلــفــتــا‬ ‫ولا ألــــهــــاك عـــنـــه أنــــيــــق روض‬ ‫ويـــكـــتـــب عـــنـــك يـــومـــا إن كـتـمـتـا‬ ‫ســيــنــطــق عـــنـــك عــلــمــك فــــي مـــاء‬ ‫إذا بــالــجــهــل نــفــســك قـــد هـدمـتـا‬ ‫و مــــا يــغــنــيــك تــشــيــيــد الــمــبــانــي‬ ‫ويـــنـــقـــص إن بــــه كـــفـــا شــــددت‬ ‫يــــزيــــد بـــكـــثـــرة الإنـــــفـــــاق مـنـه‬ ‫لأثــــــــرت الـــتـــعـــلـــم واجــــتــــهــــدت‬ ‫فــلــو قـــد ذقــــت مـــن حـــلـــواه طعما‬ ‫ولا دنــــيــــا بــــزخــــرفــــهــــا فـتـنـتـا‬ ‫ولــــم يـشـغـلـك عــنــه هــــوى مـطـاعـا‬ ‫ولا دنــــيــــا بـــزيـــنـــتـــهـــا كــلــفــتــا‬ ‫ولا ألــــهــــاك عـــنـــه أنــــيــــق روض‬ ‫ويـــكـــتـــب عـــنـــك يـــومـــا إن كـتـمـتـا‬ ‫ســيــنــطــق عـــنـــك عــلــمــك فــــي مـــاء‬ ‫إذا بــالــجــهــل نــفــســك قـــد هـدمـتـا‬ ‫ومـــــا يــغــنــيــك تــشــيــيــد الــمــبــانــي‬ ‫لــعــمــرك فـــي الــقــضــيــة مـــا عـدلـتـا‬ ‫جـعـلـت الـــمـــال فــــوق الــعــلــم جهلا‬ ‫ســـتـــعـــلـــمـــه إذا طــــــه قــــرأتــــا‬ ‫و بــيــنــهــمــا بـــنـــص الــــوحــــي بـــون‬ ‫لأنـــــت لــــــواء عــلــمــك قــــد رفــعــت‬ ‫لـــئـــن رفــــــع الـــغـــنـــي لـــــــواء مـــال‬ ‫لأنــــت عــلــى الـــكـــواكـــب قـــد جلستا‬ ‫لــئــن جــلــس الــغــنــي عــلــى الـحـشـايـا‬ ‫لأنـــــت مـــنـــاهـــج الـــتـــقـــوي ركــبــتــا‬ ‫وإن ركـــــب الـــجـــيـــاد مــســومــات‬ ‫‪21‬‬

‫‪ 25‬قاعدة في فنون التعامل مع الآخرين‬ ‫(‪ )5‬رضا الناس غاية لا تدرك‬ ‫نعــم ‪ ،‬رضــا النــاس غايــة لا تــدرك ‪ ،‬إذ لا يســتطيع الإنســان إن‬ ‫يــرضي جميــع النــاس ‪ ،‬فــإن هــو أرضى الصالحــن لربمــا ســخط‬ ‫عليــه الطالحــون ‪ ،‬وإن هــو أرضي الرؤســاء لربمــا غضــب منــه‬ ‫المرؤوســون ‪ ،‬وإن حــاول إرضــاء الأغنيــاء لربمــا كرهــه الفقــراء‪.‬‬ ‫وهكــذا ‪ ،‬يصعــب عــى الإنســان أن يــرضي الجميــع ‪ ،‬والســبب‬ ‫في ذلــك الأختــاف الأفهــام ‪ ،‬والعقــول ‪ ،‬والنفــوس و الأهــواء و‬ ‫المصالــح ‪.‬‬ ‫يرغــب بعــض النــاس ‪ ،‬بــل يســتميت بعضهــم ‪ ،‬في طلــب‬ ‫رضــا جميــع النــاس ‪ ،‬وهــذا أمــر يــكاد يكــون مســتحيلا ‪ ،‬لــذا‬ ‫فــإن الصــواب في هــذا الأمــر أن يســعي المــرء في إرضــاء اللــه عــز‬ ‫وجــل وتحقيــق الحــق ‪ ،‬ثــم يحــرص عــى التلطــف مــع الآخريــن ‪،‬‬ ‫والإحســان في معاملتهــم مــا اســتطاع إلى ذلــك ســبيلا ‪ ،‬وبعدهــا‬ ‫لــرضي مــن يــرضي وليســخط مــن يســخط ‪ ،‬فالحــق أحــق أن‬ ‫يتبــع ‪ ،‬ورضــا اللــه خــر مــن رضــا البــر ‪ ،‬ومــن رضي اللــه عنــه‬ ‫‪22‬‬

‫‪ 25‬قاعدة في فنون التعامل مع الآخرين‬ ‫أرضي عنــه النــاس ‪ ،‬ومــن ســخط اللــه عليــه أســخط عليــه النــاس‪.‬‬ ‫إن رضــا اللــه هــو الميــزان الــذي ينبغــي أن نــزن بــه ســلوكنا‬ ‫وأعمالنــا ‪ ،‬فكــن مــع اللــه يكــن اللــه معــك ‪.‬‬ ‫‪23‬‬

‫‪ 25‬قاعدة في فنون التعامل مع الآخرين‬ ‫‪ -6‬و من ذا الذي ترضي سجاياه‬ ‫كلها ‪.‬‬ ‫عــى الإنســان وهــو يتعامــل مــع الآخريــن أن يــدرك أن‬ ‫النقــص مــن طبيعــة البــر ‪ ،‬وأن الكــال للــه تعــالى ‪ ،‬والعصمــة‬ ‫لنبيــه صــى اللــه عليــه وســلم لــذا فليــس مــن العيــب أن يخطــىء‬ ‫الفــرد إذا مــا اجتهــد وبــذل جميــع الأســباب التــي بــن يديــه ‪،‬‬ ‫ولكــن الخطــأ الأكــر أن ينظــر الإنســان إلى الاخريــن و كأنهــم‬ ‫ملائكــة معصومــون مــن الخطــأ و منزهــون عــن التقصــر و الزلــل‪.‬‬ ‫يقــول بعــض علــاء البلغــاء ‪ « :‬لا يزهدنــك في رجــل حمــدت‬ ‫ســرته ‪ ،‬وارتضيــت و تيرتــه ‪ ،‬وعرفــت فضلــه ‪ ،‬وبطنــت عقلــه ‪،‬‬ ‫عيــب خفــي تحيــط بــه كــرة فضائلــه ‪ ،‬أو ذنــب صغــر تســتغفر لــه‬ ‫قــوة وســائله ‪ ،‬فإنــك لــن تجــد مــا بقيــت مهذبــا لا يكــون فيــه عيــب‬ ‫ولا يقــع منــه ذنــب ‪.‬‬ ‫ويقــول الخطيــب البغــدادي ( وفي روايــة ابــن كثــر في البدايــة‬ ‫‪24‬‬

‫‪ 25‬قاعدة في فنون التعامل مع الآخرين‬ ‫و النهايــة ج‪ 9‬ص‪ 106‬أنهــا مقولــة التابعــي ســعيد بــن المســيب )‪:‬‬ ‫“ ليــس مــن شريــف ولا عــالم ولا ذي فضــل إلا وفيــه عيــب‬ ‫‪ ،‬ولكــن مــن النــاس مــن لا ينبغــي أن تذكــر عيوبــه ‪ ،‬فمتــي كان‬ ‫فضلــه أكــر مــن نقصــه وهــب نقصــه لفضلــه “‪.‬‬ ‫ويقول ابن الرومي ‪:‬‬ ‫يـــلـــم بــعــيــن أو يــــكــــدر مــشــربــا‬ ‫هـم الـنـاس و الـدنـيـا ولا بـد مـن قذي‬ ‫الـمـهـذب فــي الـدنـيـا ولـسـت المهذبا‬ ‫ومــــن قــلــة الإنــــصــــاف أنــــك تبتغي‬ ‫ويقول النابغة الذبياني ‪:‬‬ ‫عــلــى شــعــث أي الـــرجـــال الـمـهـذب‬ ‫ولـــســـت بـمـسـتـبـق أخـــــا لا تـلـمـه‬ ‫ويقول بشار بن برد ‪:‬‬ ‫ومـــن ذا الـــذي تـرضـي سـجـايـاه كلها كـفـي الـــمـــرء نـبـا أن تـعـد معايبه‬ ‫وقــال بعــض الحكــاء ‪ « :‬لا صديــق لمــن أراد صديقــا لا عيــب‬ ‫فيــه « وقيــل لانــو روان ‪ :‬هــل مــن احــد لا عيــب فيــه ؟‬ ‫قال ‪ « :‬من لا موت له «‪.‬‬ ‫إن اللــه تعــالى يحاســب النــاس يــوم القيامــة بهــذا الميــزان‬ ‫‪ ،‬لــذا يقــول جــا وعــا ‪﴿ :‬فَ َمــن ثَ ُقلَــتۡ َم َٰو ِزي ُنــ ُهۥ فَأُ ْولَٰٓ ِئــ َك‬ ‫ُهــ ُم ٱلۡ ُمفۡلِ ُحــو َن ‪َ ٢٠١‬و َمــنۡ َخ َّفــتۡ َم َٰو ِزي ُنــ ُهۥ‌فَأُ ْولَٰٓ ِئــ َك‌ٱلَّ ِذيــ َن‬ ‫‌ َخــ ِ ُر ٓواْ ‌أَن ُف َســ ُهمۡ ِف َج َه َّنــ َم َٰخلِــ ُدو َن﴾ [المؤمنــون‪]301-201 :‬‬ ‫ويقــول الإمــام الذهبــي في كتابــه القيــم « ســر أعــام النبــاء «‬ ‫عنــد ترجمتــه للقفــال الشــاشي ‪ « :‬قــال أبــو الحســن الصفــار ‪:‬‬ ‫‪25‬‬

‫‪ 25‬قاعدة في فنون التعامل مع الآخرين‬ ‫ســمعت أبــا ســهل الصلعــوكي ‪ ،‬وقــد ســئل عــن تفســر أبي بكــر‬ ‫القفــال ‪،‬الشــاشي ‪ « :‬قــال أبــو الحســن الصفــار ‪ :‬ســمعت أبــا‬ ‫ســهل الصلعــوكي ‪ ،‬وقــد ســئل عــن تفســر أبي بكــر القفــال ‪،‬‬ ‫فقــال ‪ :‬قدســه مــن وجــه ‪ ،‬ودنســه مــن وجــه ‪ :‬أي دنســه مــن جهــة‬ ‫نــره للاعتــزال «‪.‬‬ ‫قلــت ( أي الذهبــي) ‪ :‬قــد مــر موتــه ‪ ،‬والكــال عزيــز ‪ ،‬وإنمــا‬ ‫يمــدح العــالم بكــرة مــا لــه مــن الفضائــل ‪ ،‬فــا تدفــن المحاســن‬ ‫لورطــة ‪ ،‬ولعلــه رجــع عنهــا ‪ ،‬وقــد يغفــر اللــه لــه باســتفراغه الوســع‬ ‫في طلــب الحــق ‪ ،‬ولا قــوة إلا باللــه «‪.‬‬ ‫وقــد وضــع الإمــام الســبكي رحمــه اللــه في طبقــات الشــافعية‬ ‫« قاعــدة ذهبيــة في هــذا البــاب ‪ ،‬إذ قــال ‪ :‬الصــواب عندنــا أن مــن‬ ‫تثبــت إمامتــه وعدالتــه ‪ ،‬وكــر مادحــوه ومزكــوه ‪ ،‬ونــدر جارحــوه‬ ‫‪ ،‬و كانــت هنــاك قرينــة دالــة عــى ســبب جرحــه ‪ ،‬مــن تعصــب‬ ‫مذهبــي أو غــره ‪ ،‬فإنــا لا نلتفــت إلى الجــرح فيــه ‪ ،‬ونعمــل فيــه‬ ‫بالعدالــة ‪ ،‬وإلا فلــو فتحنــا هــذا البــاب أو أخذنــا تقديــم الجــرح‬ ‫عــى إطلاقــه ‪ ،‬لمــا ســلم لنــا أحــد مــن الأئمــة ‪ ،‬إذ مــا مــن إمــام إلا‬ ‫وقــد طعــن فيــه طاعنــون ‪ ،‬وهلــك فيــه هالكــون «‪.‬‬ ‫ويقــول الإمــام ابــن تيميــة ناصحــا تلميــذه ابــن القيــم ‪ « :‬واعلــم‬ ‫أن مــن قواعــد الــرع و الحكمــة أيضــا ان مــن كــرت حســناته و‬ ‫عظمــت و كان لــه في الإســام تأثــر ظاهــر فإنــه يحتمــل لــه مــا لا‬ ‫يحتمــل لغــره ‪ ،‬ويعفــي عنــه مــالا يعفــى عــن غــره ‪ ،‬فــإن المعصيــة‬ ‫خبــث ‪ ،‬والمــاء إذا بلــغ قلتــن لم يحمــل الخبــث «‪ ( .‬القلــة هــو إنــاء‬ ‫‪26‬‬

‫‪ 25‬قاعدة في فنون التعامل مع الآخرين‬ ‫مــن الفخــار يــرب منــه )‪.‬‬ ‫ويقــول ابــن رجــب الحنبــى رحمــه اللــه في كتابــه « القواعــد»‬ ‫(ص‪ « : )3‬و المنصــف مــن اغتفــر قليــل خطــأ المــرء في كثــر‬ ‫صوابــه «‪.‬‬ ‫وقــال الذهبــي رحمــه اللــه تعــالى في ترجمــة الفضيــل ‪« :‬‬ ‫قلــت‪:‬إذا كان مثــل كــراء الســابقين قــد تكلــم فيهــم الروافــض‬ ‫و الخــوارج‪ ،‬و مثــل الفضيــل يتكلــم فيــه ‪ ،‬فمــن الــذي يســلم مــن‬ ‫ألســنة النــاس ‪ ،‬لكــن إذا ثبتــت إمامــة الرجــل وفضلــه ‪ ،‬لم يــره‬ ‫مــا قيــل فيــه ‪ ،‬وإنمــا الــكلام في العلــاء مفتقــر إلى وزن بالعــدل‬ ‫و الــورع ‪.‬‬ ‫‪27‬‬

‫‪ 25‬قاعدة في فنون التعامل مع الآخرين‬ ‫‪ -7‬إذا أردت أن تطاع فأمر بالمستطاع‬ ‫يقــول اللــه تعــالى ‪‌َ ﴿ :‬ل ‌يُ َكلِّــ ُف ‌ٱللَّــ ُه ‌نَفۡ ًســا إِ َّل ُوسۡ َع َهــاۚ لَ َهــا‬ ‫َمــا كَ َســ َبتۡ َو َع َلۡ َهــا َمــا ٱكۡتَ َســبَتۡۗ َربَّ َنــا َل تُ َؤا ِخذۡنَــآ إِن‬ ‫نَّ ِسـي َنآ أَوۡ أَخۡطَأۡنَـاۚ َربَّ َنـا َو َل تَحۡ ِمـلۡ َع َلۡنَـآ إِصۡ ٗرا َكـ َا َح َملۡتَـ ُهۥ‬ ‫َعــ َى ٱلَّ ِذيــ َن ِمــن قَبۡلِ َنــاۚ َربَّ َنــا َو َل تُ َح ِّملۡنَــا َمــا َل طَاقَــ َة لَ َنــا ِبــ ِهۦۖ‬ ‫َوٱعۡ ُف َع َّنــا َوٱغۡ ِفــرۡ لَ َنــا َوٱرۡ َحمۡنَــآۚ أَنــ َت َموۡلَ ٰى َنــا فَٱن ُصۡنَــا َعــ َى‬ ‫ٱلۡقَـوۡ ِم ٱلۡ َكٰ ِف ِريـ َن﴾ [البقـرة‪]682 :‬‬ ‫ويقــول اللــه تعــالى ‪َ‌﴿ :‬ل ‌تُ َكلَّــ ُف ‌نَــفۡ ٌس ‌إِ َّل ‌ ُوسۡ َع َهــاۚ ﴾‬ ‫[البقــرة‪]332 :‬‬ ‫ويقــول تعــالى ‪َ ﴿‌ :‬و َل ‌تَقۡ َربُــواْ ‌ َمــا َل ‌ٱلۡيَ ِتيــ ِم ِإ َّل ِبٱلَّ ِتــي ِهــ َي‬ ‫أَحۡ َسـ ُن َحتَّ ٰى يَبۡلُ َغ أَ ُشـ َّد ُهۥۚ َوأَوۡفُواْ ٱلۡ َكۡ َل َوٱلۡ ِمي َزا َن ِبٱلۡ ِقسۡ ِطۖ‬ ‫َل نُ َكلِّـ ُف نَفۡ ًسـا ِإ َّل ُوسۡ َع َهـاۖ َو ِإ َذا قُلۡتُمۡ فَٱعۡ ِدلُواْ َولَوۡ َكا َن َذا قُرۡ َ ٰبۖ‬ ‫َو ِب َعــهۡ ِد ٱللَّــ ِه أَوۡفُــواْۚ َٰذلِ ُكــمۡ َو َّصىٰ ُكــم ِبــ ِهۦ لَ َعلَّ ُكــمۡ تَ َذ َّكــ ُرو َن‬ ‫‪[ ﴾٢٥١‬الأنعــام‪]251 :‬ويقــول اللــه تعــالى ‪َ ﴿ :‬وٱلَّ ِذيــ َن َءا َم ُنــواْ َو َع ِملُــواْ‬ ‫‪28‬‬

‫‪ 25‬قاعدة في فنون التعامل مع الآخرين‬ ‫ٱل َّٰص ِل َٰحــ ِت َل نُ َكلِّــ ُف نَفۡ ًســا إِ َّل ‌ ُوسۡ َع َهــآ ‌أُ ْولَٰٓ ِئــ َك أَصۡ َٰحــ ُب‬ ‫ٱلۡ َج َّنــ ِةۖ ُهــمۡ ِفي َهــا َٰخ ِلــ ُدو َن﴾ [الأعــراف‪]24 :‬‬ ‫مــا ســبق يتأكــد لنــا أن لــكل إنســان طاقــة معينــة وقــدرة‬ ‫محــدودة لا يســتطيع تجاوزهــا ‪ ،‬وإذا طلــب منــه مــا لا يســتطيع‬ ‫اضطــر إلى التقصــر ‪ ،‬وربمــا يتمــرد عــى هــذا الطلــب ‪ .‬وقــد‬ ‫يحمــل في نفســه حقــدا وبغضــا عــى الطالــب‪.‬‬ ‫إن الإنســان الفطــن هــو الــذي يتعــرف عــى إمكانيــات الآخريــن‬ ‫وقدراتهــم ثــم يطالبهــم بمــا يســتطيعون ‪ ،‬حتــى لا يجرئهــم عــى‬ ‫العصيــان و المخالفــة ولــي أيضــا لا تســوء العلاقــة بينــه و بينهــم‬ ‫‪ ،‬ولــذا نقــول إذا أردت أن تطــاع فأمــر بالمســتطاع ‪.‬‬ ‫‪29‬‬

‫‪ 25‬قاعدة في فنون التعامل مع الآخرين‬ ‫‪-8‬إني لها وغرار باتر‬ ‫يصــادف الإنســان عنــد تعاملــه مــع الآخريــن أصنافــا شــتى‬ ‫مــن البــر ‪ ،‬فهنــاك المشــجع وهنــاك المثبــط ‪ ،‬وهنــاك الدافــع إلى‬ ‫الإمــام وهنــاك الســاحب إلى الــوراء ‪ .‬و العاقــل مــن لا يســتجيب‬ ‫للمثبطــن ولا يلتفــت إلى الــوراء ‪ ،‬إذ لا خــر فيمــن لا يدعــوك‬ ‫إلى التقــدم ولا يدفعــك إلى الخــر ولا يعنيــك عــى طاعــة اللــه‬ ‫تعــالى ‪ .‬وفي ذلــك الشــاعر ‪:‬‬ ‫تـــأخـــرت أســتــبــق الــحــيــاة فــلــم أجــد لـنـفـسـي حـــيـــاة مــثــل أن أتــقــدمــا‬ ‫وقــد حاولــت زوجــة العلامــة محمــود الزمخــري ( المتــوفي‬ ‫‪538‬هــ ) واســمها تمــاضر أن تثنــي عزيمــة زوجهــا عــن المســر إلى‬ ‫حــج بيــت اللــه الحــرام ‪ ،‬فــرد عليهــا بقــوة و حــزم قائــا‪:‬‬ ‫أنـــــي لـــهـــا وغــــــــرار عـــزمـــي بــاتــر‬ ‫قــامــت لـتـمـنـعـنـي الـمـسـيـر تـمـاضـر‬ ‫رعــــد وعــيــنــاهــا الــســحــاب الـمـاطـر‬ ‫شـــامـــت عـقـيـقـة عــزمــتــي فحنينها‬ ‫وبــغــامــهــا لــيــث الـــعـــريـــن الـــزائـــر‬ ‫حـــنـــي رويـــــــدا لــــن يـــــرق لـضـبـيـة‬ ‫‪30‬‬

‫‪ 25‬قاعدة في فنون التعامل مع الآخرين‬ ‫أرخــــي قـنـاعـك يــا تـمـاضـر وامـسـحـي عــيــنــيــك صــــابــــرة فــــإنــــي صــابــر‬ ‫لـــو أشــبــهــت عـــبـــرات عــيــنــك لجة وتـــعـــرضـــت دونــــــي فـــإنـــي عــابــر‬ ‫إنـــــي لـــــذو وجـــــد كـــمـــا جـربـتـنـي صــلــب وبـــعـــض الـــنـــاس رخـــــو فـاتـر‬ ‫إن عـــن لـــي أمــــر قــلــي عـــن رفـضـه نـــــــاه وبــــــــالإقــــــــدام فــــيــــه آمــــر‬ ‫فــــإذا عــزمــت عـلـى تـــقـــارب نهضتي أمــضــي الــعــزيــمــة جــــدي الـمـتـنـاصـر‬ ‫و الـــجـــد شـيـمـة مـــن لـــه عــــرق إذا عــــدت عــــروق ذوي الـــمـــرائـــر طـائـر‬ ‫مـــــا فـــضـــل الــــمــــهــــري إلا أنـــه بــالــجــد فـــي طـــي الـــمـــراحـــل مـاهـر‬ ‫إن الإيجابيــة و الإقــدام ‪،‬وعــدم الرجــوع إلى الــوراء ‪،‬بالإضافــة‬ ‫إلى عــدم الالتفــات إلى المثبطــن و المتقاعســن ‪ ،‬كل ذلــك مــا‬ ‫ينبغــي أن يكــون عليــه المســلم عنــد تعاملــه مــع الآخريــن‪ .‬إن اللــه‬ ‫تعــالى ورســوله يدعــوان المســلمين دائمــا إلى المبــادرة والمســارعة‬ ‫والمســابقة ‪ ،‬حيــث يقــول تعــالى ‪َ ﴿‌ :‬و َســا ِر ُع ٓواْ ‌إِ َ ٰل ‌ َمغۡ ِفــ َر ٖة ِّمــن‬ ‫َّربِّ ُكــمۡ َو َج َّنــ ٍة َعرۡ ُض َهــا ٱل َّســ َٰم َٰو ُت َوٱلۡأَرۡ ُض أُ ِعــ َّدتۡ لِلۡ ُمتَّ ِقيـــ َن‬ ‫﴾ [آل عمــران‪]331 :‬‬ ‫ويقــول تعــالى ‪َ ﴿‌ :‬ســا ِب ُق ٓواْ ‌ ِإ َ ٰل ‌ َمغۡ ِفــ َر ٖة ‌ ِّمــن ‌ َّربِّ ُكــمۡ َو َج َّنــ ٍة‬ ‫َعرۡ ُض َهــا َك َعــرۡ ِض ٱل َّســ َآ ِء َوٱلۡأَرۡ ِض أُ ِعــ َّدتۡ لِلَّ ِذيــ َن َءا َم ُنــواْ ِبٱللَّــ ِه‬ ‫َو ُر ُسـ ِل ِهۦۚ َٰذلِـ َك فَـضۡ ُل ٱللَّـ ِه يُؤۡتِيـ ِه َمـن يَ َشـآ ُءۚ َوٱللَّـ ُه ُذو ٱلۡفَـضۡ ِل‬ ‫ٱلۡ َع ِظيــ ِم﴾ [الحديــد‪]12 :‬‬ ‫وعــن أبي هريــرة رضي اللــه عنــه أن رســول اللــه صــى اللــه‬ ‫عليــه وســلم « بــادروا بالأعــال فتنــا كقطــع الليــل المظلــم ‪،‬يصبــح‬ ‫الرجــل مؤمنــا ويمــي مؤمنــا ويصبــح كافــراً ‪،‬يبيــع دينــه بعــرض‬ ‫مــن الدنيــا «‪.‬‬ ‫‪31‬‬

‫‪ 25‬قاعدة في فنون التعامل مع الآخرين‬ ‫وعــن أبي هريــرة رضي اللــه عنــه أن رســول اللــه صــى اللــه‬ ‫عليــه وســلم قــال ‪« :‬بــادروا بالأعــال ســبعا ‪،‬هــل تنتظــرون إلا‬ ‫فقــرا منســياً ‪،‬أو غنــي مطغيــاً ‪ ،‬أو مرضــا مفســدا ‪،‬أو هرمــا‬ ‫مفنــدا ‪ ،‬أو موتــا مجهــزا ‪ ،‬أو الدجــال ‪ ،‬فــر غائــب ينتظــر ‪ ،‬أو‬ ‫الســاعة والســاعة أدهــى وأمــر»‪.‬‬ ‫‪32‬‬

‫‪ 25‬قاعدة في فنون التعامل مع الآخرين‬ ‫‪ -9‬من حسن إسلام المرء تركه مالا‬ ‫يعنيه‬ ‫إن العاقــل لا يقــدم عــى قــول أو فعــل إلا إذا وجــد فيــه‬ ‫كثــرا مرجــوا أو را مجتنبــا ‪ ،‬أنــه يــرك كل مــالا يعنيــه و ينشــغل‬ ‫فيــا ينفعــه ‪ .‬و الــذي يتكلــم فيــا لا يعنيــه ‪ ،‬أو يســأل مــالا يعنيــه‬ ‫‪ ،‬فإنــه يتعــرض لســخط النــاس و غضبهــم ذلــك لأنــه يتســبب في‬ ‫إحراجهــم و مضايقتهــم ‪ .‬عــن أبي هريــرة رضي اللــه عنــه قــال‬ ‫‪ :‬قــال رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم ‪ « :‬مــن حســن إســام‬ ‫المــرء تركــه مــالا يعنيــه»‪.‬‬ ‫قــال مجاهــد ‪ :‬ســمعت ابــن عبــاس رضي اللــه عنــه يقــول‬ ‫‪ « :‬خمــس لهــن أحــب إلى مــن الدهــم الموقوفــة ‪ :‬لا تتكلــم فيــا‬ ‫لا يعنيــك فإنــه فضــل ولا آمــن عليــك الــوزر ‪ ،‬ولا تتكلــم فيــا لا‬ ‫يعنيــك حتــى تجــد لــه موضعــا فإنــه رب متكلــم في أمــر يعنيــه قــد‬ ‫وضعــه في غــر موضعــه فعنــت ‪ ،‬ولا تمــار حليــا ولا ســفيها فــإن‬ ‫‪33‬‬

‫‪ 25‬قاعدة في فنون التعامل مع الآخرين‬ ‫الحليــم يقليــك و الســفيه يؤذيــك ‪ ،‬واذكــر أخــاك إذا غــاب عنــك‬ ‫بمــا تحــب أن يذكــرك بــه واعفــه بمــا تحــب أن يعفيــك منــه و‬ ‫عامــل أخــاك بمــا تحــب أن يعاملــك بــه ‪ ،‬واعمــل عمــل رجــل يعلــم‬ ‫أنــه مجــازي بالإحســان مأخــوذ بالاحــرام «‪.‬‬ ‫وقــال مــورق العجــى ‪ « :‬أمــر أنــا في طلبــه منــذ عشريــن ســنة‬ ‫لم أقــدر عليــه ‪ ،‬ولســت بتــارك طلبــه « ‪ ،‬قالــوا ‪ :‬و مــا هــو ؟ قــال‬ ‫‪ « :‬الســكوت عــا لا يعنينــي «‬ ‫وقــال عمــر بــن الخطــاب رضي اللــه عنــه ‪ « :‬لا تتعــرض لمــا لا‬ ‫يعنيــك ‪ ،‬واعتــزل عــدوك ‪ ،‬واحــذر صديقــك مــن القــوم إلا الأمــن‬ ‫‪ ،‬ولا أمــن إلا مــن خــي اللــه تعــالى ‪ ،‬ولا تصحــب الفاجــر فتتعلــم‬ ‫مــن فجــوره ‪ ،‬ولا تطلعــه عــى سرك ‪ ،‬واســتشر في أمــرك الذيــن‬ ‫يخشــون اللــه تعــالى «‪.‬‬ ‫وروي ان لقــان الحكيــم دخــل عــى داود عليــه الســام وهــو‬ ‫يــرد درعــا ‪ ،‬ولم يكــن رآهــا قبــل ذلــك اليــوم ‪ ،‬فجعــل يتعجــب‬ ‫مــا رأي ‪ ،‬فــأرادا أن يســأله عــن ذلــك فمنعتــه حكمتــه ‪ ،‬فأمســك‬ ‫نفســه ولم يســأله ‪ ،‬فلــا فــرغ قــام داود ولبســه ‪ ،‬ثــم قــال ‪ :‬نعــم‬ ‫الــدرع للحــرب ‪ ،‬فقــال لقــان ‪ « :‬الصمــت حكــم وقليــل فاعلــه «‬ ‫أي حصــل العلــم بــه مــن غــر ســؤال ‪ .‬وســئل لقــان ذات مــرة‬ ‫فقيــل لــه ‪ :‬مــا حكمتــك ؟ فقــال ‪ ( :‬لا أســأل عــا كفيــت ‪ ،‬ولا‬ ‫أتكلــف مــالا يعنينــي «‬ ‫ومــن أمثلــة الســؤال عــا لا يعنيــك أن تســأل صاحبــك فتقــول‬ ‫‪34‬‬

‫‪ 25‬قاعدة في فنون التعامل مع الآخرين‬ ‫لــه ‪ :‬هــل أنــت صائــم ؟ فــإن قــال ‪ :‬نعــم ‪ ،‬كان مظهــرا لعبادتــه ‪،‬‬ ‫فيدخــل عليــه الريــاء ‪ ،‬وإن لم يدخــل ســقطت عبادتــه مــن ديــوان‬ ‫الــر ‪ ،‬وعبــادة الــر تفضــل عبــادة الجهــر بدرجــات ‪ ،‬وإن قــال‪:‬‬ ‫لا ‪ ،‬كان كاذبــا ‪ ،‬وإن ســكت كان مســتحقرا لــك وتأذيــت بــه ‪ ،‬وإن‬ ‫احتــال لمدافعــة الجــواب افتقــر إلى جهــد و تعــب فيــه ‪ .‬فقــد‬ ‫عرضتــه بالســؤال إمــا للريــاء أو للكــذب أو للاســتحقار أو للتعــب‬ ‫في حيلــة الدفــع ‪ ،‬وكذلــك ســؤالك عــن ســائر عباداتــه ‪ ،‬وعــن كل‬ ‫مــا يخفيــه ويســتحي منــه ‪.‬‬ ‫‪35‬‬

‫‪ 25‬قاعدة في فنون التعامل مع الآخرين‬ ‫‪ -10‬خصلتان يحبهما الله ورسوله‬ ‫نعــم و اللــه ‪ ،‬إنهــا خصلتــان ‪ ،‬يحبهــا اللــه ورســوله ‪ ،‬موفــق‬ ‫مــن أوتيهــا ‪ ،‬ومحــروم مــن حرمهــا ‪ ،‬وهــا الحلــم و العفــو ‪ .‬إن‬ ‫الحلــم و العفــو خلقــان كريمــان بينهــا علاقــة وطيــدة ‪ ،‬إذ أن مــن‬ ‫يحلــم مــع الاخريــن فإنــه ( في الغالب)يعفــو عــن زلاتهــم و عثراتهــم‬ ‫‪ .‬ولكــن ليــس بالــرورة أن يتــازم هــذان الخلقــان ‪،‬فقــد يحلــم‬ ‫الإنســان ولا يعفــو أو قــد يعفــو عــن الاخريــن دون أن يحلــم معهــم ‪.‬‬ ‫إن ثمة فرق دقيق في معني كل من التحلم (كظم الغيظ)‬ ‫و الحلــم و العفــو ‪ .‬فالتحلــم هــو تصنــع الحلــم أو تكلفــه ‪،‬‬ ‫وذلــك بــأن يكظــم الإنســان غيظــه ‪ ،‬وهــذا يحتــاج إلى مجاهــدة‬ ‫شــديدة و مراغمــة للنفــس ‪.‬‬ ‫أمــا الحلــم فهــو كظــم الغيــظ دون تكلــف أو عنــاء ‪ ،‬وإنمــا‬ ‫هــو عــادة وســليقة و طبيعــة عنــد الإنســان مــن غــر تصنــع ‪،‬‬ ‫حيــث يســتقبل الإنســان عــرات الاخريــن وزلاتهــم بــرود أعصــاب‬ ‫‪36‬‬

‫‪ 25‬قاعدة في فنون التعامل مع الآخرين‬ ‫وعــدم هيجــان ‪ ،‬فــا يثــور ولا يغضــب ‪ ،‬وإن غضــب فإنــه يكتــم‬ ‫غضبــه دون تعــب أو مشــقة لأنــه تعــود عــى التحلــم و كظــم الغيــظ‬ ‫حتــى أصبــح ذلــك حلــا ‪ ،‬وهــو دليــل عــى كــال العقــل وســيطرته‬ ‫‪ ،‬وانكســار قــوة الغضــب وخضوعهــا للعقــل ‪.‬‬ ‫امــا الخلــق الثالــث وهــو العفــو و الصفــح فهــو أن يكــون‬ ‫للإنســان حقــا فيتنــازل عنــه فــا يقتــص ولا يعاقــب ولا ينتقــم‬ ‫لنفســه ‪ ،‬ولــذا فهــو مختلــف عــن الحلــم و التحلــم ‪ ،‬فالحلــم هــو‬ ‫الابتعــاد عــن الهيجــان و الانفعــال و الغضــب ‪ ،‬والعفــو هــو التنــازل‬ ‫عــن حــق النفــس و الصفــح والإحســان للآخريــن ‪.‬‬ ‫إن مــن المعلــوم بالــرورة أن الكــال للــه عــز وجــل ‪ ،‬وأن‬ ‫النقــص مــن طبيعــة البــر ‪ ،‬لــذا ينبغــي أن يتوقــع الإنســان الخطــأ‬ ‫و الزلــل مــن الاخريــن ‪ ،‬فــإن حلــم و عفــا أراح نفســه مــن هــم‬ ‫الغيــظ وشر الغضــب وحفــظ علاقتــه مــع الاخريــن ومودتهــم لــه‬ ‫‪ ،‬وإن لم يفعــل انصرمــت أواصر الخــوة و المحبــة ودب الشــقاق و‬ ‫النــزاع و الخــاف ‪.‬‬ ‫لقــد ربــط اللــه بــن مغفرتــه و الفــوز بجنتــه وبــن أولئــك الذيــن‬ ‫يتصفــون بهاتــن الصفتــن ‪ ،‬حيــث قــال تعــالى ‪َ ﴿‌ :‬و َســا ِر ُع ٓواْ ‌إِ َ ٰل‬ ‫َمغۡ ِفــ َر ٖة ِّمــن َّربِّ ُكــمۡ َو َج َّنــ ٍة َعرۡ ُض َهــا ٱل َّســ َٰم َٰو ُت َوٱلۡأَرۡ ُض أُ ِعــ َّدتۡ‬ ‫لِلۡ ُمتَّ ِقيـــ َن ‪ ٣٣١‬ٱلَّ ِذيــ َن يُن ِف ُقــو َن ِف ٱلــ َّ َّرآ ِء َوٱلــ َّ َّرآ ِء َوٱلۡ ٰكَ ِظ ِميـــ َن‬ ‫ٱلۡ َغـيۡ َظ َوٱلۡ َعا ِفيــ َن َعـ ِن ٱل َّنـا ِسۗ َوٱللَّـ ُه يُ ِحـ ُّب ٱلۡ ُمحۡ ِسـ ِني َن ﴾ [آل‬ ‫عمــران‪]431-331 :‬‬ ‫‪37‬‬

‫‪ 25‬قاعدة في فنون التعامل مع الآخرين‬ ‫ويقــول اللــه تعــالى ‪َ ﴿ :‬و َل يَأۡتَــ ِل أُ ْولُــواْ ‌ٱلۡفَــضۡ ِل ‌ ِمن ُكــمۡ‬ ‫َوٱل َّســ َع ِة أَن يُؤۡتُــ ٓواْ أُ ْو ِل ٱلۡقُــرۡ َ ٰب َوٱلۡ َم َٰســ ِكي َن َوٱلۡ ُم َٰه ِج ِريــ َن ِف‬ ‫َسـ ِبي ِل ٱللَّـ ِهۖ َولۡيَعۡفُـواْ َولۡيَصۡفَ ُحـ ٓواْۗ أَ َل تُ ِح ّبُـو َن أَن يَغۡ ِفـ َر ٱللَّ ُه لَ ُكمۡۚ‬ ‫َوٱللَّــ ُه َغ ُفــو ‪ٞ‬ر َّر ِحيــ ٌم ‪[ ﴾٢٢‬النــور‪]22 :‬‬ ‫ويقــول اللــه تعــالى ‪َ ﴿‌ :‬وأَن ‌تَعۡفُــ ٓواْ ‌أَقۡ َر ُب لِلتَّــقۡ َو ٰىۚ َو َل تَن َســ ُواْ‬ ‫ٱلۡفَـضۡ َل َبۡنَ ُكـمۡۚ إِ َّن ٱللَّـ َه ِبَـا تَعۡ َملُـو َن بَ ِصيــ ٌر﴾ [البقـرة‪]732 :‬‬ ‫ويقـول الله تعـالى ‪ُ ‌﴿ :‬خ ِذ ‌ٱلۡ َعـفۡ َو ‌ َوأۡ ُمرۡ ‌ ِبٱلۡ ُعـرۡ ِف َوأَعۡ ِرضۡ‬ ‫َعــ ِن ٱلۡ َٰج ِه ِليـــ َن﴾ [الأعــراف‪]991 :‬‬ ‫ويــروي البخــاري ومســلم أنــه وفــد عــى النبــي صــى اللــه‬ ‫عليــه وســلم الأشــج ‪ ،‬فأنــاخ راحلتــه ثــم عقلهــا ‪ ،‬وطــرح عنــه ثوبــن‬ ‫كانــا عليــه ‪ .‬وأخــرج مــن العيبــة ثوبــن حســنين فلبســهما ‪ ،‬ورســول‬ ‫اللــه يــري مــا يصنــع ‪ ،‬ثــم أقبــل يمــي إلى رســول اللــه صــى اللــه‬ ‫عليــه وســلم فقــال الرســول صــى اللــه عليــه وســلم ‪ « :‬إن فيــك‬ ‫يــا أشــج خلقــن يحبهــا اللــه ورســوله « قــال ‪ :‬مــا هــي بــأبي أنــت‬ ‫وأمــي يــا رســول اللــه ؟ قــال ‪ « :‬الحلــم و الانــاة « فقــال ‪ :‬خلقــان‬ ‫تخلقتهــا أو خلقــان جبلــت عليهــا ؟ فقــال ‪ « :‬بــل خلقــان جبلــك‬ ‫اللــه عليهــا « ‪ ،‬فقــال ‪ :‬الحمــد للــه الــذي جبلنــي عــى خلقــن‬ ‫يحبهــا اللــه ورســوله ‪.‬‬ ‫وروي الإمــام الترمــذي أن النبــي صــى اللــه عليــه وســلم‬ ‫خطــب في النــاس عــر يــوم مــن الأيــام فــكان مــا قالــه لهــم ‪« :‬‬ ‫إن بنــي آدم خلقــوا عــى طبقــات شــتى ‪ :‬ألا وإن منهــم البطــىء‬ ‫‪38‬‬

‫‪ 25‬قاعدة في فنون التعامل مع الآخرين‬ ‫الغضــب سريــع الفــىء ‪ ،‬و السريــع الغضــب سريــع الفــىء فتلــك‬ ‫بتلــك ‪ .‬ألا وإن منهــم بطــىء الفــىء سريــع الغضــب ‪ ،‬ألا و خيرهــم‬ ‫بطــىء ‪ .‬الغضــب سريــع الفــىء ‪ ،‬ورهــم سريــع الغضــب بطــىء‬ ‫الفــىء ‪ .‬ألا وإن منهــم حســن القضــاء حســن الطلــب ‪ ،‬ومنهــم سىء‬ ‫القضــاء ‪ ،‬حســن الطلــب ‪ ،‬ومنهــم سىء الطلــب حســن القضــاء‬ ‫فتلــك بتلــك ‪ .‬ألا وإن منهــم سىء القضــاء سىء الطلــب ‪ .‬ألا و‬ ‫خيرهــم الحســن القضــاء الحســن الطلــب ومنهــم سيء القضــاء‬ ‫حســن الطلــب ومنهــم سىء الطلــب حســن القضــاء فتلــك بتلــك ‪.‬‬ ‫ألا وإن منهــم سىء القضــاء سيء الطلــب ‪ .‬ألا وخيرهــم الحســن‬ ‫القضــاء الحســن الطلــب ‪ .‬وشرهــم سيء النضــاء سيء الطلــب ‪.‬‬ ‫ألا وإن الغضــب جمــرة في قلــب ابــن آدم ‪ ،‬أمــا رأيتــم إلى حمــرة‬ ‫عينيــه وانتفــاخ أوداجــه ‪ .‬فمــن أحــس بــىء مــن ذلــك فليلصــق‬ ‫بــالأرض ( أي فليبــق مكانــه وليجلــس ) ‪.‬‬ ‫ويــروي الإمــام أبــو داود أن رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‬ ‫قــال ‪ « :‬مــن كظــم غيظــا وهــو يســتطيع أن ينفــذه دعــاه اللــه يــوم‬ ‫القيامــة عــى رؤوس الخلائــق حتــى يخــره في أي الحــور شــاء «‪.‬‬ ‫وقــال رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم ‪ « :‬ثــاث و الــذي‬ ‫نفــي بيــده لــو كنــت حلافــا لحلفــت عليهــن ‪ :‬مــا نقــص مــال مــن‬ ‫صدقــة فتصدقــوا ‪ ،‬ولا عفــا رجــل عــن مظلمــة يبتغــي بهــا وجــه‬ ‫اللــه إلا زاده اللــه عــزا يــوم القيامــة ‪ ،‬ولا فتــح رجــل عــى نفســه‬ ‫بــاب مســألة إلا فتــح اللــه عليــه بــاب فقــر «‪.‬‬ ‫وعــن عائشــة رضي اللــه عنهــا قالــت ‪ « :‬مــا رأيــت رســول‬ ‫‪39‬‬

‫‪ 25‬قاعدة في فنون التعامل مع الآخرين‬ ‫اللــه صــى اللــه عليــه وســلم منتــرا مــن مظلمــة ظلمهــا قــط مــالم‬ ‫ينتهــك مــن محــارم اللــه ‪ ،‬فــإذا انتهــك مــن محــارم اللــه شيء كان‬ ‫أدهــم في ذلــك غضبــا ‪ ،‬و مــا خــر بــن أمريــن إلا اختــار أيسرهــا‬ ‫مــا لم يكــن إثمــا «‪.‬‬ ‫وعمــر بــن الخطــاب رضي اللــه عنــه قــال ‪ « :‬مــن اتقــي اللــه‬ ‫لم يشــف غيظــه ‪ ،‬ومــن خــاف اللــه لم يفعــل مــا يشــاء ‪ ،‬ولــولا‬ ‫يــوم القيامــة لــكان غــر ماتــرون ‪ .‬وقــال كذلــك ‪ « :‬تعلمــوا العلــم و‬ ‫تعلمــوا للعلــم الســكينة و الحلــم ‪.‬‬ ‫واجتمــع ســفيان الثــوري وأبــو خزيمــة اليربوعــي و الفضيــل‬ ‫بــن عيــاض فتذاكــروا الزهــد ‪ ،‬فأجمعــوا عــى أن أفضــل الأعــال‪:‬‬ ‫الحلــم عنــد الغضــب ‪ ،‬والصــر عنــد الجــزع ‪ .‬وقــال بعضهــم ‪:‬‬ ‫« شــتمت فلانــا مــن أهــل البــرة فحلــم عــى فاســتعبدني بهــا‬ ‫زمانــا « وقــال الحســن ‪ « :‬اطلبــوا العلــم وزينــوه بالوقــار و الحلــم «‪.‬‬ ‫وقــال أكثــم بــن صيفــي ( وهــو حكيــم العــرب في الجاهليــة ‪،‬‬ ‫وأحــد المعمريــن ‪ ،‬عــاش زمنــا طويــا ‪ ،‬وأدرك الإســام ‪ ،‬فخــرج‬ ‫قاصــدا المدينــة ليســلم فــات في الطريــق في الســنة التاســعة‬ ‫للهجــرة ) ‪ « :‬دعامــة العقــل الحلــم ‪ ،‬وجــاع الأمــر الصــر ) ‪.‬‬ ‫وقــال معاويــة بــن أبي ســفيان رضي اللــه عنــه ‪ « :‬لا يبلــغ‬ ‫العبــد مبلــغ الــرأي حتــى يغلــب حلمــه جهلــه و صــره شــهوته‬ ‫ولا يبلغ ذلك إلا بقوة العلم «‪.‬‬ ‫وقــال كذلــك معاويــة لعمــرو بــن الأهتــم ( وهــو عمــرو بــن‬ ‫‪40‬‬

‫‪ 25‬قاعدة في فنون التعامل مع الآخرين‬ ‫ســنان ‪ ،‬شــاعر ‪ ،‬وســيد و خطيــب في الجاهليــة والإســام ‪ ،‬تكلــم‬ ‫بــن يــدي النبــي فقــال الرســول صــى اللــه عليــه وســلم ‪ « :‬إن مــن‬ ‫البيــان لســحرا» تــوفي ســنة ‪57‬هــ ) أي الرجــال أجــع ؟ فقــال ‪ :‬مــن‬ ‫رد جهلــه بحلمــه ‪ ،‬قــال ‪ :‬أي الرجــال أســخي ؟ فقــال ‪ :‬مــن بــذل‬ ‫دنيــاه لصــاح دينــه ‪.‬‬ ‫وروري أن معاويــة بــن أبي ســفيان رضي اللــه عنــه قــال‬ ‫لعرابــة بــن أوس ( وهــو مــن ســادات المدينــة ‪ ،‬أدرك النبــي وأســلم‬ ‫صغــرا ‪ ،‬وفــد الشــام في أيــام معاويــة ‪ ،‬وتــوفي بالمدينــة نحــو ‪60‬‬ ‫هــ) بــم ســدت قومــك يــا عرابــة ؟ قــال ‪ « :‬يــا أمــر المؤمنــن كنــت‬ ‫أحلــم عــن جاهلهــم ‪ ،‬وأعطــي ســائلهم ‪ ،‬وأســعي في حوائجهــم ‪،‬‬ ‫فمــن فعــل فعــى فهــو مثــى ‪ ،‬ومــن جــاوزني فهــو خــر منــي ‪ ،‬ومــن‬ ‫قــر عنــي فأنــا خــر منــه ‪.‬‬ ‫وســب رجــل ابــن عبــاس رضي اللــه عنــه فلــا فــرغ قــال ‪،‬‬ ‫يــا عكرمــة هــل للرجــل حاجــة فنقضيهــا ؟ فنكــس الرجــل رأســه‬ ‫واســتحي ‪.‬‬ ‫وعــن عــي بــن الحســن بــن عــى بــن أبي طالــب أنــه ســبه‬ ‫رجــل ‪ ،‬فرمــى إليــه بخميصــة كانــت عليــه ‪ ،‬وأمــر لــه بألــف درهــم‬ ‫‪ ،‬فقــال بعضهــم ‪ :‬جمــع لــه خمــس خصــال محمــودة ‪ :‬الحلــم‬ ‫وإســقاط الأذي ‪ ،‬وتخليــص الرجــل مــا يبعــد مــن اللــه عــز وجــل‬ ‫‪،‬وحملــه عــى النــدم والتوبــة ‪ ،‬ورجوعــه إلى مــدح بعــد الــذم ‪،‬‬ ‫اشــري جميــع ذلــك بــىء مــن الدنيــا يســر ‪.‬‬ ‫‪41‬‬

‫‪ 25‬قاعدة في فنون التعامل مع الآخرين‬ ‫وقــال رجــل لجعفــر بــن محمــد ‪ :‬قــد وقــع بينــي وبــن قــوم‬ ‫منازعــة في أمــر ‪ ،‬وإني أريــد أن أتركــه فأخــى أن يقــال لي ‪ :‬إن‬ ‫تــركك لــه ذل ‪ ،‬فقــال جعفــر ‪ :‬إنمــا الذليــل الظــالم ‪.‬‬ ‫وقال الأحنف بن قيس ‪ « :‬لست بحليم ولكنني أتحلم «‬ ‫وقــال بعــض العلــاء ‪ « :‬الحلــم أرفــع مــن العقــل ‪ ،‬لأن اللــه‬ ‫تعــالى تســمى بــه «‪.‬‬ ‫ومــر المســيح بــن مريــم عليــه الســام بقــوم مــن اليهــود ‪،‬‬ ‫فقالــوا لــه را ‪ ،‬فقــال لهــم خــرا ‪،‬فقيــل لــه ‪ :‬إنهــم يقولــون شرا‬ ‫وأنــت تقــول خــرا ؟ فقــال ‪ « :‬كل ينفــق مــا عنــده «‪.‬‬ ‫وقــال لقــان لابنــه ‪ « :‬يــا بنــي لا تذهــب مــاء وجهــك بالمســألة‬ ‫ولا تشــف غيظــك بفضيحتــك ‪ ،‬واعــرف قدرتــك تنفعــك معيشــتك«‬ ‫وقــال لقــان أيضــا ‪ « :‬ثلاثــة لا يعرفــون إلا عنــد ثلاثــة ‪ ،‬لا‬ ‫يعــرف الحليــم إلا عنــد الغضــب ‪ ،‬ولا الشــجاع إلا عنــد الحــرب‬ ‫ولا الأخ إلا عنــد الحاجــة إليــه «‪.‬‬ ‫وضرب رجــل قــدم حكيــم فأوجعــه فلــم يغضــب ‪ ،‬فقيــل لــه‬ ‫في ذلــك فقــال ‪ :‬أقمتــه مقــام حجــر تعــرت بــه فذبحــت الغضــب ‪.‬‬ ‫وقــال محمــود الــوراق ( وهــو محمــود بــن حســن ‪ ،‬شــاعر‪،‬‬ ‫أكــر عــره في المواعــظ و الحكــم ‪ ،‬تــوفي عــام ‪225‬هــ)‬ ‫وإن كـــثـــرت مــنــه عــلــى الــجــرائــم‬ ‫سـألـزم نفسي الصفح عـن كـل مذنب‬ ‫شــريــف و مــشــروف و مـثـلـى مـقـاوم‬ ‫و مـــا الـــنـــاس إلا واحـــــد مـــن ثـاثـة‬ ‫‪42‬‬

‫‪ 25‬قاعدة في فنون التعامل مع الآخرين‬ ‫وأتـــبـــع فــيــه الـــحـــق و الـــحـــق لازم‬ ‫فـــأمـــا الـــــذي فـــوقـــي فـــأعـــرف قـــدره‬ ‫إجـــابـــتـــه عـــرضـــي وإن لام لائـــم‬ ‫وأمـــا الـــذي دونـــي فغن قــال صنت عن‬ ‫تفضلت إن الـفـضـل بـالـحـلـم حاكم‬ ‫وأمــــا الــــذي مـثـلـى فـــإن زل أو هفا‬ ‫وقال عمرو بن على ‪:‬‬ ‫إذا نـــطـــق الـــســـفـــيـــه فــــا تـجـبـه فـــخـــيـــر مــــن إجـــابـــتـــه الـــســـكـــوت‬ ‫ســـكـــت عــــن الــســفــيــه فـــظـــن أنـــي عـيـيـت عـــن الـــجـــواب و مـــا عييت‬ ‫وكان أبــو بكــر الصديــق رضي اللــه عنــه ينفــق عــى مســطح بــن‬ ‫أثاثــة ( أمــة بنــت خالــة أبي بكــر الصديــق ‪ ،‬تــوفي عــام ‪ 34‬هــ)‬ ‫لقرابتــه ‪ ،‬فلــا تكلــم مســطح عــى عائشــة رضي اللــه عنهــا في‬ ‫حادثــة الإفــك ‪ ،‬أقســم أبــو بكــر أن لا ينفــق عــى مســطح ‪ ،‬فأنــزل‬ ‫اللــه تعــالى قولــه ‪َ ﴿ :‬و َل يَأۡتَــ ِل أُ ْولُــواْ ‌ٱلۡفَــضۡ ِل ‌ ِمن ُكــمۡ َوٱل َّســ َع ِة‬ ‫أَن يُؤۡتُــ ٓواْ أُ ْو ِل ٱلۡقُــرۡ َ ٰب َوٱلۡ َم َٰســ ِكي َن َوٱلۡ ُم َٰه ِج ِريــ َن ِف َســ ِبي ِل‬ ‫ٱللَّـ ِهۖ َولۡيَعۡفُـواْ َولۡيَصۡفَ ُحـ ٓواْۗ أَ َل تُ ِحبُّـو َن أَن يَغۡ ِفـ َر ٱللَّـ ُه لَ ُكـمۡۚ َوٱللَّ ُه‬ ‫َغ ُفــو ‪ٞ‬ر َّر ِحيــ ٌم﴾ [النــور‪]22 :‬‬ ‫فقال أبو بكر ‪ :‬نعم نحب ذلك ‪ ،‬وعاد إلى الإنفاق عليه ‪.‬‬ ‫و عــن ابــن عمــر رضي اللــه عنــه عــن أبي بكــر الصديــق‬ ‫رضي اللــه عنــه أنــه قــال ‪ « :‬بلغنــا أن اللــه يأمــر مناديــا يــوم‬ ‫القيامــة فينــادي ‪ :‬مــن كان لــه عنــد اللــه شيء فليقــم ‪ ،‬فيقــوم أهــل‬ ‫العفــو ‪ ،‬فيكافئهــم اللــه بمــا كان مــن عفوهــم عــن النــاس «‪.‬‬ ‫ودخــل رجــل عــى عمــر بــن عبــد العزيــز رضي اللــه عنــه‬ ‫فجعــل يشــكو إليــه رجــا ظلمــه ‪ ،‬ويقــع فيــه ‪ ،‬فقــال لــه عمــر ‪:‬‬ ‫‪43‬‬

‫‪ 25‬قاعدة في فنون التعامل مع الآخرين‬ ‫إنــك إن تلقــى اللــه و مظلمتــك كــا هــي خــر مــن أ تلقــاه وقــد‬ ‫اقتصصتهــا ‪.‬‬ ‫وعــن مبــارك بــن فضالــة قــال ‪ :‬وفــد ســوار بــن عبــد اللــه (‬ ‫وهــو قــاضي مــن تميــم ‪ ،‬لــه شــعر رقيــق و علــم بالفقــة و الحديــث‬ ‫‪ ،‬مــن اهــل البــرة ‪ ،‬تــوفي ســنة ‪245‬هــ ) في وفــد مــن أهــل‬ ‫البــرة إلى أبي جعفــر ‪ ،‬قــال ‪ :‬فكنــت عنــده إذ أتي برجــل فأمــر‬ ‫بقتلــه ‪ ،‬فقلــت ‪ :‬يــا أمــر المؤمنــن ألا أحدثــك حدييثــا ســمعته‬ ‫مــن الحســن ؟ قــال ‪ :‬و مــا هــو ؟ قلــت ‪ :‬ســمعته يقــول ‪ :‬إذا كان‬ ‫يــوم القيامــة جمــع اللــه عــز وجــل النــاس في صعيــد واحــد حيــث‬ ‫يســمعهم الداعــي و ينفذهــم البــر ‪ ،‬فيقــوم منــاد فينــادي ‪ :‬مــن‬ ‫لــه عنــد اللــه يــد فليقــم ‪ ،‬فــا يقــوم إلا مــن عفــا ‪ ،‬فقــال ‪ :‬واللــه‬ ‫لقــد ســمعته مــن الحســن ؟ فقلــت ‪ :‬و اللــه لقــد ســمعته منــه ‪،‬‬ ‫فقــال ‪ :‬خلينــا عنــه ‪.‬‬ ‫وقــال معاويــة رضي اللــه عنــه ‪ « :‬عليكــم بالحلــم و الاحتــال‬ ‫حتــى تمكنكــم الفرصــة ‪ ،‬فــإذا أمكنتكــم فعليكــم بالصفــح و‬ ‫الإفضــال «‬ ‫وروي أن راهبــا دخــل عــى هشــام بــن عبــد الملــك فقــال‬ ‫للراهــب ‪ :‬أرايــت ذا القرنــن ‪ ،‬أكان نبيــا ؟ فقــال ‪ :‬لا ‪ ،‬ولكنــه إنمــا‬ ‫أعطــي مــا أعطــي بأربــع خصــال كــن فيــه ‪ :‬كان إذا قــدر عفــا ‪،‬‬ ‫وإذا وعــد وفي ‪ ،‬وإذا حــدث صــدق ولا يجمــع شــغل اليــوم لغــد ‪.‬‬ ‫وقــال بعضهــم ‪ « :‬ليــس الحليــم مــن ظلــم فحلــم حتــى إذا‬ ‫‪44‬‬

‫‪ 25‬قاعدة في فنون التعامل مع الآخرين‬ ‫قــدر انتقــم ولكــن الحليــم مــن ظلــم فحلــم حتــى إذا قــدر عفــا «‪.‬‬ ‫وروي أن ســارقا دخــل خبــاء عــار بــن يــاسر بصفــن ‪ ،‬فقيــل‬ ‫لــه ‪ :‬اقطعــه فإنــه مــن أعدائنــا ‪ ،‬فقــال ‪ :‬بــل اســر عليــه لعــل اللــه‬ ‫يســر عــى يــوم القيامــة ‪.‬‬ ‫وقــال الفضيــل ‪ :‬مــا رأيــت أزهــد مــن رجــل مــن أهــل خراســان‬ ‫‪ ،‬جلــس إلى في المســجد الحــرام ‪ ،‬ثــم قــام ليطــوف فسرقــت‬ ‫دنانــر كانــت معــه فجعــل يبــي ‪ ،‬فقلــت ‪ :‬أعــى الدنانــر تبــي ؟‬ ‫فقــال ‪ :‬لا ‪ ،‬ولكــن مثلتنــي وإيــاه بــن يــدي اللــه عــز وجــل فــأشرف‬ ‫عقــي عــى إدحــاض حجتــه فبــكائي رحمــة لــه ‪.‬‬ ‫وكتــب ابــن المفقــع إلى صديــق لــه يســأله العفــو عــن بعــض‬ ‫إخوانــه فقــال ‪ « :‬فــان هــارب مــن زلتــه إلى عفــوك ‪ ،‬لائــذ منــك‬ ‫بــك ‪ ،‬واعلــم أنــه لــن يــزداد الذنــب عظــا إلا ازداد العفــو فضــا«‪.‬‬ ‫وأتي عبــد الملــك بــن مــروان بأســاري ابــن الأشــعث ( وهــو‬ ‫عبــد الرحمــن بــن محمــد ‪ ،‬تــوفي عــام ‪85‬هــ ‪ ،‬وهــو أمــر وقائــد‬ ‫شــجاع ‪ ،‬أرســله الحجــاج بجيــش لغــزو بــاد الــرك ‪ ،‬فثــار عــى‬ ‫الحجــاج ‪ ،‬ونشــبت بينهــا حــروب انتهــت بمقتلــه ) فقــال لرجــاء‬ ‫بــن حيــوة ( وهــو عــالم وواعــظ وشــيخ أهــل الشــام في عــره ‪،‬‬ ‫وهــو الــذي أشــار عــى ســليمان بــن عبــد الملــك ب اســتخلاف‬ ‫عمــر بــن عبــد العزيــز ) ‪ :‬مــا تــري ؟ قــال ‪ :‬إن اللــه تعــالى قــد‬ ‫أعطــاك مــا تحــب مــن الظفــر ‪ ،‬فأعــط اللــه يحــب مــن العفــو ‪،‬‬ ‫فعفــا عنهــم ‪.‬‬ ‫‪45‬‬

‫‪ 25‬قاعدة في فنون التعامل مع الآخرين‬ ‫وروي أن زيــادا أخــذ رجــا مــن الخــوارج فأقلــت منــه ‪ ،‬فأخــذ‬ ‫أخــا لــه فقــال لــه ‪ :‬إن جئــت بأخيــك وإلا ضربــت عنقــك فقــال ‪:‬‬ ‫أرايــت إن جئتــك بكتــاب مــن أمــر المؤمنــن تخــى ســبيلى ؟ قــال‬ ‫‪ :‬نعــم ‪ ،‬قــال ‪ :‬فأنــا آتيــك بكتــاب مــن العزيــز الحكيــم وأقيــم عليــه‬ ‫شــاهدين إبراهيــم و مــوسى ‪ ،‬ثــم تــا قولــه تعــالى ﴿أَمۡ لَــمۡ يُ َن َّبــأۡ‬ ‫ِ َبــا ‌ِف ‌ ُص ُحــ ِف ُمو َســـ ٰى ‪َ ٦٣‬و ِإبۡ َٰر ِهيــ َم ٱلَّــ ِذي َو َّ ٰفٓ ‪ ٧٣‬أَ َّل تَــ ِز ُر‬ ‫َوا ِز َر ‪ٞ‬ة ِوزۡ َر أُخۡ َر ٰى ﴾ [النجــم‪]83-63 :‬‬ ‫فقــال زيــاد‪ :‬خلــوا ســبيله ‪ ،‬هــذا رجــل لقــن حجتــه ‪ ،‬وقيــل‬ ‫مكتــوب في الإنجيــل ‪ « :‬مــن اســتغفر لمــن ظلمــه فقــد هــزم الشــيطان‬ ‫وقال ابن الرومي ‪:‬‬ ‫وودك مـــقـــبـــول بـــأهـــل ومـــرحـــب‬ ‫فـــعـــذرك مــبــســوط الـــذنـــب مـقـدم‬ ‫لــــدي مـــقـــام الـــكـــاشـــح الـمـتـكـذب‬ ‫ولــــو بـلـغـتـنـي عــنــك أذنـــــي أقـمـتـهـا‬ ‫خـلـيـا إذا مـــا الــقــلــب مـــا يتقلب‬ ‫فـلـسـت بـتـقـلـيـب الــلــســان مـصـارمـا‬ ‫وقال بعض شعراء هذيل ‪:‬‬ ‫فـــبـــعـــض الأمـــــــر تــصــلــحــه بـبـعـض فـــــإن الــــغــــث يــحــمــلــه الــســمــيــن‬ ‫ولا تـــعـــجـــل بـــظـــنـــك قـــبـــل خـبـر فــعــنــد الـــخـــبـــر تــنــقــطــع الــظــنــون‬ ‫تــــري بــيــن الــــرجــــال الــعــيــن فضلا وفــيــمــا أضــــمــــروا الــفــضــل الـمـبـيـن‬ ‫كـــلـــون الــــمــــاء مـشـتـبـهـا ولـيـسـت تـــخـــبـــر عــــن مــــذاقــــتــــه الـــعـــيـــون‬ ‫وجلــس عبــد اللــه بــن مســعود رضي اللــه عنــه في الســوق‬ ‫يبتــاع طعامــا ‪ ،‬فابتــاع ثــم طلــب الدراهــم وكانــت في عمامتــه ‪،‬‬ ‫فوجدهــا قــد حلــت قــال ‪ :‬حلــت وإنهــا لمعــي ‪ ،‬فجعلــوا يدعــون عــى‬ ‫‪46‬‬

‫‪ 25‬قاعدة في فنون التعامل مع الآخرين‬ ‫مــن أخدهــا ‪ ،‬ويقولــون ‪ :‬اللهــم اقطــع يــد الســارق الــذي أخذهــا‬ ‫‪ ،‬اللهــم افعــل بــه كــذا ‪ ،‬فقــال عبــد اللــه بــن مســعود ‪ :‬اللهــم إن‬ ‫كان حملــه عــى أخذهــا حاجــة فبــارك لــه فيهــا ‪ ،‬وإن كان حملتــه‬ ‫جــراءة عــى الذنــب فاجعلــه آخــر ذنوبــه ‪.‬‬ ‫وقــال مالــك بــن أوس بــن الجدثــان ‪ :‬غضــب عمــر بــن‬ ‫الخطــاب رضي اللــه عنــه عــى رجــل وأمــر بضربــه فقلــت ‪ :‬يــا أمــر‬ ‫المؤمنـن ‪ُ ﴿ :‬خـ ِذ ٱلۡ َعـفۡ َو َوأۡ ُمرۡ ِبٱلۡ ُعـرۡ ِف ‌ َوأَعۡ ِرضۡ ‌ َعـ ِن ‌ٱلۡ َٰج ِه ِلي َن‬ ‫﴾ [الأعــراف‪ ، ]991 :‬فــكان عمــر يقــول ‪ « :‬خــذ العفــو‪ »...‬فــكان‬ ‫يتأمــل في الآيــة ‪ ،‬وكان وقافــا عنــد كتــاب اللــه مهــا تــي عليــه ‪،‬‬ ‫كثــر التدبــر فيــه ‪ ،‬ثــم خــى الرجــل ‪.‬‬ ‫وأمــر عمــر بــن عبــد العزيــز رضي اللــه عنــه بــرب رجــل‬ ‫ثــم قــرأ قولــه تعــالى ‪ « :‬والكظمــن الغيــظ» ‪ ،‬فقــال لغلامــه ‪ :‬خــل‬ ‫عنــه ‪.‬‬ ‫وفي كفــر المصيلحــة بمــر ‪ ،‬بلــد عبــد العزيــز بــاا فهمــي (‬ ‫وهــو ســياسي مــري ورئيــس حــزب الحــرار الدســتوري ‪1870 ،‬‬ ‫– ‪ )1948‬حدثــت مشــادة بــن الدعــاة إلى اللــه وبــن أفــراد عائلــة‬ ‫الباشــا ‪.‬‬ ‫وعــى إثــر هــذه المشــادة توجــه بعــض الدعــاة مــن هــذه‬ ‫البلــدة إلى القاهــرة وقدمــوا إلى الأســتاذ حســن البنــا رحمــة اللــه‬ ‫شــكواهم ‪ ،‬ثــم قالــوا ‪ :‬إنــه بعــد ذلــك لا يســتحب لفضيلتكــم أن‬ ‫تقومــوا بريــارة عبــد العزيــز باشــا فهمــي عنــد حضوركــم للبلــدة ‪.‬‬ ‫‪47‬‬

‫‪ 25‬قاعدة في فنون التعامل مع الآخرين‬ ‫وكان مــن عــادة الأســتاذ البنــا أنــه إذا نــزل بلــدا فإنــه يبــدأ‬ ‫بزيــارة عمدتهــا أو كبيرهــا ‪ .‬وبعــد أن اســتمع فضيلتــه منهــم‬ ‫صرفهــم و نصحهــم أن يلتزمــوا الحكمــة و الصــر ‪.‬‬ ‫و مضــت الأيــام واعتــزم الأســتاذ البنــا زيــارة كفــر المصيلحــة‬ ‫‪ ،‬فانطلــق إليهــا ‪ ،‬فلــا وصــل طلــب مــن الســائق التوجــه إلى دار‬ ‫عبــد العزيــز باشــا فهمــي (كالعــادة) ولم يســتطع الســائق إلا تنفيــذ‬ ‫طلــب الأســتاذ ‪ .‬وأخــذت الدعــاة الدهشــة ‪ ،‬ولكــن الموكــب ســار‬ ‫حتــى وصــل إلى دار الباشــا الــذي كان هــو وعائلتــه يتشــككون في‬ ‫هــذه الزيــارة بعــد الــذي حــدث ‪ .‬فلــا وصــل إلى الباشــا اســتقبله‬ ‫و عائلتــه اســتقبالا كريمــا ‪ ،‬وودعــوه وداعــا لائقــا ‪.‬‬ ‫وفي المســاء ‪ ،‬ازدحــم الــرادق ‪ ،‬وكان في الحضــور نفــر‬ ‫مــن أولئــك الذيــن جــاءوا ليؤججــوا نــران الفتنــة ‪ ،‬ويصيــدوا في‬ ‫المــاء العكــر ‪ .‬ووقــف حســن البنــا خطيبــا ‪ ،‬وحلــق بالنــاس جميعــا‬ ‫في عــالم جديــد ‪ ،‬بعيــدا كل البعــد عــا يجــول في خاطرهــم ‪،‬‬ ‫حتــى بلــغ غايتــه وربــط بــن القلــوب بربــاط الإســام ‪ ،‬ثــم أذهــب‬ ‫عــن النفــوس كيــد اليطــان حيــث قــال ‪ :‬أنــه جــاء إليــه منــذ مــدة‬ ‫وفــد مــن هــذه القريــة ‪ ،‬وحدثــوه عــن المشــادة التــي حدثــت بــن‬ ‫الدعــاة و بــن عائلــة عبــد العزيــز باشــا فهمــي ‪ ،‬ولكــن الدعــاة‬ ‫كــا تعلمــون يصــدرون في كل تصرفاتهــم عــن عقيــدة و شريعــة ‪،‬‬ ‫ولا يحتكمــون إلى هــوي ولا يقــادون إلى شــهوة كــا قــال تعــالى‬ ‫‪َ ﴿ :‬و َل يَجۡ ِر َم َّن ُكــمۡ َش َن ٔـَــا ُن قَــوۡ ٍم َعــ َ ٰٓى ‌أَ َّل ‌تَعۡ ِدلُــواْۚ ٱعۡ ِدلُــواْ ُهــ َو‬ ‫أَقۡ َر ُب لِلتَّــقۡ َو ٰىۖ﴾ [المائــدة‪ ]8 :‬لهــذا حــن جئــت إلى هــذا‬ ‫‪48‬‬

‫‪ 25‬قاعدة في فنون التعامل مع الآخرين‬ ‫البلــد الطيــب كان لابــد أن أدخــل البلــد مــن البــاب ‪ ،‬ولا يمكــن أن‬ ‫أدخلــه مــن الشــباك ‪ ،‬والبــاب الوحيــد لهــذا البلــد هــو منــزل عبــد‬ ‫العزيــز باشــا فهمــي ‪.‬‬ ‫وبوقــوف الأســتاذ البنــا عنــد هــذه الكلــات الحكيمــة‬ ‫الشــافية تعالــت الهتافــات مــن النــاس جميعــا ‪ ،‬تصافحــت الأيــدي‬ ‫وزالــت العــداوة ‪ ،‬وربــط اللــه بــن القلــوب «‪.‬‬ ‫وأخــرا نــود أن نذكــر في هــذا المقــام بعــض الأمــور التــي‬ ‫تعــن المــرء عــى التحــي بهذيــن الخلقــن ( الحلــم و العفــو) عنــد‬ ‫تعاملــه مــع الآخريــن ‪ ،‬وهــي ‪:‬‬ ‫ • تدبــر فضــل الحلــم و العفــو وأجرهــا عنــد اللــه‬ ‫تعــالى ‪.‬‬ ‫ • إدراك أن للحلــم و العفــو عاقبــة كريمــة وشرف‬ ‫رفيــع في الدنيــا وأن زوالهــا عــن المــرء خســارة كبــرة في الدنيــا‬ ‫قبــل الاخــرة ‪.‬‬ ‫ • قــراءة ســرة أهــل الحلــم و العفــو و الســعي للاقتــداء‬ ‫بهــم و التــأسي بأفعالهــم ‪.‬‬ ‫ • مجالســة أهــل الحلــم و العفــو و مصاحبتهــم ‪،‬‬ ‫فالصاحــب ســاحب ‪.‬‬ ‫ • تصنــع الحلــم و العفــو حتــى يصبحــا ســجية ‪ ،‬فإنمــا‬ ‫العلــم بالتعلــم و الحلــم بالتحلــم ‪.‬‬ ‫‪49‬‬

‫‪ 25‬قاعدة في فنون التعامل مع الآخرين‬ ‫ • أن يجعــل المســلم غضبــه للــه ولرســوله ولدينــه ‪،‬‬ ‫فيســتعيض بهــذا الغضــب عــن الغضــب للــذات وللدنيــا‪.‬‬ ‫ • الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم‪.‬‬ ‫ • الاغتســال و الوضــوء ‪ ،‬فالغضــب نــار ولا يطفــىء‬ ‫النــار إلا المــاء ‪.‬‬ ‫ • تغيــر طبيعــة الوقــوف و الجلــوس ‪ ،‬فــإن كان الإنســان‬ ‫قائمــا جلــس ‪ ،‬وإن كان جالســا اســتلقي ‪.‬‬ ‫ • الاســتزادة مــن العلــم ‪ ،‬فالعلــم نــور يقــود صاحبــه‬ ‫إلى كل خــر ويدعــوه إلى كل خلــق كريــم ‪.‬‬ ‫‪50‬‬


Like this book? You can publish your book online for free in a few minutes!
Create your own flipbook