اليوم النبوي َع ِرجت روحه إلى الملأ الأعلى ،وغشيته أنوار حجاب النور الإلهي؛ فهو ينظ ُر إلى عرش ربه بار ًزا ،ويناجيه خال ًيا به ،ف َح ْم ُده لربه أبلغ الحمد ،وثنا ُؤه عليه أعظم الثناء ،ودعا ُؤه له أجمع الدعاء ،ولا عجب؛ فهو الذي ُأسري به حتى خرقت له ال َّسبع ال ِّطباق ،وارتفع إلى مستوى يسم ُع فيه َر ِصيف الأقلام(.)232 فكان أعلم الخلق بالله ،وأكملهم إيما ًنا ،وأصدقهم يقينًا ،وقال ،وص َد َق وب َّر« :إن أتقاكم وأعلمكم بالله لأنا»(.)233 فإذا قام إلى صلاته استفتحها استفتا َح المع ِّظ ِم لربه ،المح ِّب له والمشتاق إليه، فاستفتا ُحه جوامع التعظيم والحمد والثناء. فمن فواتح صلواته إذا قام من الليل« :الله َّم ر َّب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل ،فاط َر السماوات والأرض ،عالمَ الغيب والشهادة ،أنت تحك ُم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون ،اهدني لما اخ ُتلف فيه من الحق بإذنك ،إنك تهدي َمن تشاء إلى صراط مستقيم»(.)234 (23ينظر« :مسند أحمد» ( ،)21288و«صحيح البخاري» ( ،)3342 ،349و«صحيح مسلم» ( ،)163و«صحيح ابن حبان» (.)7406 وصريف الأقلام..... : (23ينظر« :مسند أحمد» ( ،)24319 ،23682و«صحيح البخاري» ( ،)20و«سنن أبي داود» ( ،)2389و«صحيح ابن خزيمة» (.)2926 (23ينظر« :مسند أحمد» ( ،)25225و«صحيح مسلم» ( ،)770و«سنن أبي داود» (،)767 و«جامع الترمذي» ( ،)3420و«سنن ابن ماجه» ( ،)1357و«مختصر قيام الليل» لمحمد بن نصر المروزي (ص ،)113و«سنن النسائي» ( ،)1625و«صحيح ابن خزيمة» ( ،)1153و«صحيح ابن حبان» ( ،)2600و«سنن البيهقي» ( ،)5/3و«الدعوات الكبير» للبيهقي (.)425 اليوم النبوي 101
اليوم النبوي ومنها« :الله َّم لك الحم ُد ،أنت ُنو ُر السموات والأرض و َمن فيه َّن، ولك الحم ُد ،أنت َق ِّي ُم السموات والأرض و َمن فيه َّن ،ولك الحم ُد أنت َملِ ُك السموات والأرض و َمن فيه َّن ،ولك الحم ُد ،لك ُم ْلك السموات والأرض و َمن فيه َّن ،ولك الحم ُد ،أنت الح ُّق ،ووعدك الح ُّق ،ولقا ُؤك ح ٌّق ،وقو ُلك ح ٌّق، والجنة ح ٌّق ،والنار ح ٌّق ،والنبيون ح ٌّق ،ومحم ٌد صلى الله عليه وآله وسلم ح ٌّق، والساعة ح ٌّق ،الله َّم لك أسلم ُت ،وبك آمن ُت ،وعليك توكل ُت ،وإليك أنب ُت، وبك خاصم ُت ،وإليك حاكم ُت ،فاغف ْر لي ما ق َّدم ُت وما أ َّخر ُت ،وما أسرر ُت، وما أعلن ُت ،أنت إلهي ،لا إله غيرك ،أنت المق ِّدم ،وأنت المؤ ِّخر ،لا إله إلا أنت، ولا حو َل ولا ق َّو َة إلا بالله»(.)235 ومنها« :و َّجه ُت وجهي للذي فط َر السماوات والأرض حني ًفا ،وما أنا من المشركين ،إ َّن صلاتي و ُن ُسكي ومحَ ْ َياي ومماتي لله ر ِّب العالمين ،لا شري َك له ،وبذل َك أمر ُت ،وأنا من المسلمين ،الله َّم أنت الملِ ُك ،لا إله إلا أنت؛ أنت ربيِّ وأنا عب ُدك، ظلم ُت نفسي ،واعترف ُت بذنبي ،فاغف ْر لي ذنوبي جمي ًعا ،إنه لا يغف ُر الذنو َب إ اَّل أنت ،واهدني لأحسن الأخلاق ،لا يهدي لأحسنها إِ َاّل أنت ،واصر ْف عنِّي س ِّيئها لا يصر ُف عنِّي س ِّيئها إِ اَّل أنت ،لبيك وسعديك ،والخي ُر ك ُّله في يديك ،والش ُّر (23ينظر« :مسند أحمد» ( ،)3368 ،2710و«صحيح البخاري» (،)7499 ،1120 و«صحيح مسلم» ( ،)769و«سنن أبي داود» ( ،)771و«جامع الترمذي» (،)3418 و«سنن ابن ماجه» ( ،)1355و«مختصر قيام الليل» لمحمد بن نصر المروزي (ص،)113 و«سنن النسائي» ( ،)1619و«صحيح ابن خزيمة» ( ،)1152 ،1151و«مسند أبي عوانة» ( ،)2233-2227و«صحيح ابن حبان» ( ،)2597و«الدعاء» للطبراني (،)753 و«الدعوات الكبير» للبيهقي ( ،)421و«شرح السنة» للبغوي (.)950 اليوم 102النبوي
اليوم النبوي ليس إليك ،أنا بك وإليك ،تبارك َت وتعالي َت ،أستغفرك وأتو ُب إليك»(.)236 ثم إذا قرأ فإنه يقرأ قراءة متر ِّسلة مر َّتلة ،لا يم ُّر بآية رحمة إِلاَّ سأل ،ولا آية عذاب إلا استعاذ ،ولا آية تسبيح إلا س َّبح(.)237 وكان إذا قام أطال قيامه؛ قال ابن مسعود رضي الله عنه« :صلي ُت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليل ًة ،فلم يزل قائماً حتى همم ُت بأمر سوء» .قيل :وما همم َت به؟ قال« :همم ُت أن أقعد وأذر النب َّي صلى الله عليه وآله وسلم»(.)238 وقد يطي ُل القراءة ويق ِّلل الركعات ،وقد يقتصد في القراءة ،فيزيد في (23ينظر« :مسند الطيالسي» ( ،)147و«مسند أحمد» ( ،)803 ،729و«صحيح مسلم» ( ،)771و«سن أبي داود» ( ،)760و«جامع الترمذي» ( ،)3423 ،3421و«الآحاد والمثاني» ( ،)1993و«سنن النسائي» ( ،)897و«مسند أبي يعلى» ( ،)574و«صحيح ابن خزيمة» ( ،)462و«صحيح ابن حبان» ( ،)1771و«الدعاء» للطبراني ( ،)494و«سنن البيهقي» ( ،)32/2و«الدعوات الكبير» للبيهقي ( ،)72وما سيأتي في القول في ركوعه وسجوده صلى الله عليه وآله وسلم. (23ينظر« :مسند أحمد» ( ،)23311 ،23261و«صحيح مسلم» ( ،)772و«سنن ابن ماجه» ( ،)1351و«تعظيم قدر الصلاة» لمحمد بن نصر المروزي ( ،)315و«سنن النسائي» ( ،)1664 ،1009و«صحيح ابن خزيمة» ( ،)684 ،542و«مسند أبي عوانة» (،)1706 و«سنن البيهقي» ( ،)309/2وما تقدم في قراءته صلى الله عليه وآله وسلم في الفجر. (23ينظر« :مسند أحمد» ( ،)4199 ،3766 ،3646و«صحيح البخاري» (،)1135 و«صحيح مسلم» ( ،)773و«سنن ابن ماجه» ( ،)1418و«مختصر قيام الليل» لمحمد بن نصر المروزي (ص ،)130-129و«مسند أبي يعلى» ( ،)5165و«صحيح ابن خزيمة» ( ،)1154و«صحيح ابن حبان» ( ،)2141و«سنن البيهقي» (.)8/3 اليوم النبوي 103
اليوم النبوي الركعات ،ولم تزد صلاته بالليل على ثلاث عشرة ركعة(.)239 وكان يطيل ركوعه ،فكان ركوعه قري ًبا من قيامه(.)240 وكان يقول في ركوعه« :ال َّله َّم لك ركع ُت ،وبك آمن ُت ،ولك أسلم ُت، وعليك توكل ُت ،أنت ربيَ ،خ َش َع لك سمعي وبصري ودمي ولحمي وعظمي وعصبي لله ر ِّب العالمين ،سبحان ذي الجبروت والكبرياء والعظمة»(.)241 وكان يكث ُر أن يقو َل في آخر حياته في ركوعه وسجوده« :سبحانك الله َّم ربنا وبحمدك ،الله َّم اغف ْر لي» .فسألته عائشة رضي الله عنها عن ذلك؟ فقال: «أخبرني ربيِّ أني س َأ َرى علام ًة في أمتي ،فإذا رأي ُتها أكثر ُت من قول :سبحان الله وبحمده ،أستغفر الله وأتوب إليه .فقد رأي ُتها :ﱹﭱﭲﭳﭴﭵ (23ينظر« :مسند أحمد» ( ،)26358 ،25447 ،24116 ،24073و«صحيح البخاري» ( ،)3569 ،1170 ،1147و«صحيح مسلم» ( ،)738 ،737و«سنن أبي داود» (،)1341 و«جامع الترمذي» ( ،)439و«مختصر قيام الليل» لمحمد بن نصر المروزي (ص-120 ،)121و«سنن النسائي» ( ،)1697و«صحيح ابن خزيمة» ( ،)2304 ،1166و«مسند أبي عوانة» ( ،)3052و«صحيح ابن حبان» ( ،)2430و«سنن البيهقي» ( ،)495/2و«فتح الباري» (.)21/3 (24ينظر« :مسند أحمد» ( ،)23367و«صحيح مسلم» ( ،)772وما تقدم في قراءته صلى الله عليه وآله وسلم مترسلة مرتلة. (24ينظر« :مسند أحمد» ( ،)23980 ،960و«صحيح مسلم» ( ،)771و«سنن أبي داود» ( ،)873و«مختصر قيام الليل» لمحمد بن نصر المروزي (ص ،)183-182و«سنن النسائي» ( ،)1052 ،1051 ،1049و«صحيح ابن خزيمة» ( ،)607و«المعجم الكبير» للطبراني ( ،)530-525و«سنن البيهقي» ( ،)310/2وما تقدم في استفتاحه صلى الله عليه وآله وسلم« :وجهت وجهي.»... اليوم 104النبوي
اليوم النبوي ﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁ ﮂﮃﮄﮅﮆﱸ [النصر .)242(»]3-1:وكان هذا إيذانا بدنو أجله ،وقرب لحوقه بال َّرفيق الأَ ْعلىَ . وكان يطيل سجوده قري ًبا من ركوعه ،ويبتهل فيه إلى ربه بأنواع المسألة ،فهو الذي قال« :أقر ُب ما يكون العب ُد من ربه وهو ساجد ،فأكثروا الدعا َء»(.)243 وكان يقول في سجوده« :الله َّم لك سجد ُت ،وبك آمن ُت ،ولك أسلم ُت، وأنت ربي ،سجد وجهي للذي خلقه ،وص َّوره فأحس َن ُص َوره ،وش َّق سمعه وبصره ،فتبارك اللهُ أحس ُن الخالقين ،الله َّم اغفر لي ذنبي كلهِ ،د َّق ُه و ِج َّله ،وأ َّوله وآ ِخ َره ،وعلانيته ورسَّ ه ،الله َّم إنيِّ أعو ُذ برضا َك من س َخطِ َك ،وب ُمعافات َك من ُع ُقوبتِ َك ،وأعو ُذ ب َك من َك ،لا ُأ ْح يِص ثنا ًء عليك ،أن َت كما أثني َت على نفسك، (24ينظر« :مسند أحمد» ( ،)25567 ،24685و«صحيح البخاري» (،)4968 ،817 و«صحيح مسلم» ( ،)484و«سنن أبي داود» ( ،)877و«سنن ابن ماجه» ( ،)889و«مختصر قيام الليل» لمحمد بن نصر المروزي (ص ،)182و«سنن النسائي» ( ،)1047و«صحيح ابن خزيمة» ( ،)605و«مسند أبي عوانة» ( ،)1885-1881و«صحيح ابن حبان» (،1929 ،)1930و«الدعاء» للطبراني ( ،)604-600و«الدعوات الكبير» للبيهقي (،)2662 و«سنن البيهقي» ( ،)109/2و«شرح السنة» للبغوي (.)6180 (24ينظر« :مسند أحمد» ( ،)9461و«صحيح مسلم» ( ،)482و«سنن أبي داود» (،)875 و«تعظيم قدر الصلاة» لمحمد بن نصر المروزي ( ،)297-295و«سنن النسائي» (،)1137 و«صحيح ابن حبان» ( ،)1928و«الدعاء» للطبراني ( ،)613-611و«سنن البيهقي» ( ،)110/2وما تقدم في إطالته صلى الله عليه وآله وسلم الركوع. اليوم النبوي 105
اليوم النبوي س ُّبو ٌح ق ُّدو ٌس ،ر ُّب الملائكة وال ُّروح»(.)244 ويا لله لهذا النبي الكريم وهو يخافت ربه في سكون الليل بهذه النجوى، ويذكر ربه هذا الذكر المفعم بالتق ِّديس والتعظيم والتأ ُّله والاستكانة ،أي أفق علوي تع ُرج إليه روح هذا النبي وتس ُمو إليه أشواقه وهو يذكر هذا الذكر ويتب َّتل لربه هذا التب ُّتل! لكأن جبال الأرض تصغي إليه ،ونجوم السماء تنظر إليه ،ثم تتناجى وتقول هذا الذي أنزل عليه :ﱹﭼ ﭽﭾﭿﮀ ﮁ ﱸ [المزمل.]8: ولا يزال نب ُّيك صلى الله عليه وآله وسلم يقطع آناء الليل بين قراءة خاشعة ومسألة ضارعة وتسبيح قدسي ،إلى أن يبقى سدس الليل. يبي ُت يجافي جن َبه ع ْن فِ َرا ِشه إذا استثق َل ْت بالمشركي َن المضاج ُع فإذا أتم قيامه وأراد أن ُيوتر أيقظ زوجه ل ُتوتر معه(.)245 (24ينظر« :مسند أحمد» ( ،)25655 ،24312 ،24063و«صحيح مسلم» (،486 ،483 ،)487و«سنن أبي داود» ( ،)879 ،878 ،872و«جامع الترمذي» ( ،)3493و«سنن ابن ماجه» ( ،)3841 ،1054و«مختصر قيام الليل» لمحمد بن نصر المروزي (ص ،)182و«سنن النسائي» ( ،)1134 ،1128 ،1127 ،1100 ،169و«صحيح ابن خزيمة» (،655 ،654 ،)673-671و«مسند أبي عوانة» ( ،)1880 ،1608و«صحيح ابن حبان» (،1931 ،1899 ،)1978 ،1933و«الدعاء» للطبراني ( ،)607 ،582و«المستدرك» ( ،)263/1و«سنن البيهقي» ( ،)110 ،87/2( ،)127/1و«شرح السنة» للبغوي ( ،)620وما تقدم في استفتاحه صلى الله عليه وآله وسلم« :وجهت وجهي ،»...وقوله في الركوع« :اللهم لك ركعت.»... (24ينظر« :مسند أحمد» ( ،)25697 ،25696 ،25599 ،24236و«صحيح البخاري» ( ،)997 ،512و«صحيح مسلم» ( ،)744 ،512و«سنن أبي داود» ( ،)711و«سنن النسائي» ( ،)759و«صحيح ابن خزيمة» ( ،)824 ،823و«مسند أبي عوانة» (،1419 ،)1420و«صحيح ابن حبان» ( ،)2344و«سنن البيهقي» (.)128 /1 اليوم 106النبوي
اليوم النبوي وكان ُيوتر بثلاث ركعات ،يقرأ في الأولى :ﱹﮟﮠﮡﮢﱸ ،وفي الثانية :ﱹ ﭑ ﭒ ﭓ ﱸ ،وفي الثالثة :ﱹ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔﱸ. وكان يضيف إليها أحيا ًنا :ﱹ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﱸ ،وﱹ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃﱸ(.)246 وكان يقول في آخر وتره« :الله َّم إني أعوذ برضاك من سخطِ َك ،وبمعافاتِ َك من عقوبتك ،وأعو ُذ ب َك من َك ،لا ُأ ْح يِص ثنا ًء علي َك ،أن َت كما أثني َت على نفسك»(.)247 فإذا فرغ من وتره قال« :سبحا َن ال َمل ِك الق ُّدوس ،سبحا َن المل ِك الق ُّدوس، سبحا َن ال َمل ِك الق ُّدوس» .يطي ُل الثالث َة ويمد بها صوته(.)248 (24ينظر« :مسند الطيالسي» ( ،)548و«مسند أحمد» (-15354 ،2725 ،2720 ،)25906 ،15362و«سنن أبي داود» ( ،)1423و«جامع الترمذي» (،)463 ،462 و«سنن ابن ماجه» ( ،)1173-1171و«مختصر كتاب الوتر» لمحمد بن نصر المروزي (ص ،)303 ،291و«سنن النسائي» ( ،)1733-1729 ،1702-1699و«صحيح ابن حبان» ( ،)2442و«المستدرك» ( ،)521 ،520 ،357/2( ،)305/1و«سنن البيهقي» ( ،)38-37/3و«الدعوات الكبير» للبيهقي (.)436 ،435 (24ينظر« :مسند الطيالسي» ( ،)125و«مسند أحمد» ( ،)1295 ،957 ،751و«مسند عبد بن حميد» ( ،)81و«سنن أبي داود» ( ،)1427و«جامع الترمذي» ( ،)3566و«سنن ابن ماجه» ( ،)1179و«سنن النسائي» ( ،)1747و«مسند أبي يعلى» ( ،)275و«الدعاء» للطبراني ( ،)751و«المستدرك» ( ،)306/1و«سنن البيهقي» ( ،)29/3و«الدعوات الكبير» للبيهقي (.)437 (24ينظر« :مسند الطيالسي» ( ،)548و«مسند أحمد» ( ،)15362-15354و«مختصر كتاب الوتر» لمحمد بن نصر المروزي (ص ،)303و«سنن النسائي» (،1732 ،1729 ،1701 ،1699 ،)1733و«الدعوات الكبير» للبيهقي ( ،)436 ،435وما تقدم في قراءته من صلاة الوتر. اليوم النبوي 107
اليوم النبوي وقد كان نب ُّيك صلى الله عليه وآله وسلم يص ِّيل في حجرته التي زوى عنها ترف العيش و َن ِعيم الدنيا ،فر َّبما صلىَّ على الخُ ْمرة ،وهي َح ِصير صغير بقدر ما يسجد عليه ،وربما صلىَّ ولا فراش له إلا فراش زوجه ،فيص ّيِل وهي معترضة أمامه ،ولم يكن في بيوته مصابيح ،فإذا أراد أن يسجد غمزها ،فتكف رجليها عن موضع سجوده ،فإذا قام بسطتها(.)249 وربما خرج فصلىَّ في المسجد أحيا ًنا قليلة ،وكأنما يفعل ذلك لأمر عارض، أحسبه خشية أن يوقظ زوجته بصلاته إذا صلىَّ عندها وهي نائمة ،فيص ِّيل في المسجد ،فقد قالت عائشة رضي الله عنها :فقد ُت النب َّي صلى الله عليه وآله وسلم ليل ًة في الفراش ،فالتمس ُته ،فوقع ْت يدي على بطن قدميه وهما منصوبتان في المسجد،وهويقول«:الله َّمأعو ُذبرضاكمنسخطك،وبمعافاتكمنعقوبتك، وأعو ُذ ب َك من َك ،لا ُأ ْح ِيص ثنا ًء علي َك أن َت كما أثني َت على نفسك»(.)250 (24ينظر« :مسند الطيالسي» ( ،)1731 ،1648و«مسند أحمد» (،5660 ،2426 ،)26808 ،26578 ،25489 ،25163 ،25148و«صحيح البخاري» (،381 ،379 ،)1209 ،382و«صحيح مسلم» ( ،)512و«سنن أبي داود» ( ،)656و«جامع الترمذي» ( ،)331و«سنن ابن ماجه» ( ،)1028و«سنن النسائي» ( ،)738 ،168و«مسند أبي يعلى» ( ،)6884 ،4888و«صحيح ابن خزيمة» ( ،)1007و«صحيح ابن حبان» (،2312 ،)2348 ،2346 ،2342و«سنن البيهقي» (.)421 ،264/2( ،)128/1 (25ينظر« :مسند أحمد» ( ،)25655و«صحيح مسلم» ( ،)486و«سنن أبي داود» (،)879 و«سنن ابن ماجه» ( ،)3841و«مختصر قيام الليل» لمحمد بن نصر المروزي (ص،)181 و«سنن النسائي» ( ،)169و«صحيح ابن خزيمة» ( ،)654و«صحيح ابن حبان» (،)1932 و«سن البيهقي» ( ،)126/1و«الدعوات الكبير» للبيهقي ( ،)219وما تقدم من قوله في سجوده. اليوم 108النبوي
اليوم النبوي وقالت أي ًضا :فقد ُته ذا َت ليل ٍة ،فظنن ُت أنه ذهب إلى بعض نسائه ،فتح َّسس ُت، ثم رجع ُت ،فإذا هو راكع أو ساجد ،يقول« :سبحانك وبحمدك ،لا إله إلا أن َت» .قالت :فقل ُت في نفسي :بأبي أنت وأمي يا رسو َل الله ،أنا في شأن ،وأنت في شأن آخر(.)251 (25ينظر« :مسند أحمد» ( ،)25180 ،25178و«صحيح مسلم» ( ،)485و«سنن النسائي» ( ،)3962 ،3961و«مسند أبي عوانة» ( ،)1820و«الدعاء» للطبراني ( ،)605و«شرح السنة» للبغوي (.)619 اليوم النبوي 109
اليوم النبوي اليوم 110النبوي
خطوات في �سكون الليل وربما خرج في الليل وقت التهجد إلى بيت ابنته فاطمة وزوجها علي عليهم السلام ،فيطرقهما ويناديهماَ « :ألاَ تقومان فتصليان؟» .قال عل ٌّي رضي الله عنه: فقل ُت :يا رسو َل الله ،إنما أنفسنا بيد الله ،فإذا شاء أن يبعثنا بعثنا .فانصرف رسو ُل الله صلى الله عليه وآله وسلم حين قل ُت له ذلك ،ولم َي ْر ِجع إل َّي شي ًئا، ثم سمع ُته وهو ُم ْدبِر يضرب على فخذه ،ويقول« :ﱹﭛﭜﭝﭞ ﭟﱸ [ ]»(.)252 وكان في آخر حياته يخرج في الليل إلى ال َب ِقيع ،فيدعو لهم ،وكان أول ذلك ما أخبرت به عائش ُة رضي الله عنها قالت :لما كانت ليلتي التي كان النب ُّي صلى الله عليه وآله وسلم فيها عندي ،انقل َب فوض َع ردا َءه ،وخلع نعليه فوض َع ُهما عند رجليه ،و َب َس َط َط َرف إزاره على فراشه فاضطجع ،فلم يلب ْث إلا َر ْي َثما ظ َّن أن قد (25ينظر« :مسند أحمد» ( ،)705 ،571و«صحيح البخاري» ( ،)7347 ،1127و«صحيح مسلم» ( ،)775و«مختصر قيام الليل» لمحمد بن نصر المروزي (ص ،)100و«سنن النسائي» ( ،)1612 ،1611و«مسند أبي يعلى» ( ،)366و«صحيح ابن خزيمة» (،)1140 ،1139 و«مسند أبي عوانة» ( ،)2209-2206و«سنن البيهقي» (.)500/2 اليوم النبوي 111
اليوم النبوي رقد ُت ،فأخذ ردا َءه ُروي ًدا ،وانتعل ُروي ًدا ،وفتح الباب فخرج ،ثم َأ َجا َفه ُروي ًدا، فجعل ُت ِد ْر ِعي في رأسي ،واختمر ُت وتقنَّع ُت إزاري ،ثم انطلق ُت على إِ ْث ِره. حتى جاء ال َب ِقي َع ،فقام فأطا َل القيا َم ،ثم رفع يديه ثلا َث مرا ٍت ،ثم انحرف فانحرف ُت ،فأسر َع فأسرع ُت ،ف َه ْر َو َل ف َه ْر َو ْل ُت ،ف َأ ْح رَ َض َف َأ ْح رَ ْض ُت( ،)253فسبق ُته فدخل ُت ،فليس إلا أن اضطجع ُت فدخل ،فقال« :ما لك يا عائ ُشَ ،ح ْش َيا َرابِي ًة( .»)254قالت :قل ُت :لا شيء .قال« :ل ُت ْخبريني ،أو ليخبرنيِّ اللطي ُف الخب ُير». قالت :قل ُت :يا رسو َل الله ،بأبي أنت وأمي ..فأخبر ُته ،قال« :فأن ِت السوا ُد الذي رأي ُت أمامي؟» .قل ُت :نعم .ف َل َه َدني( )255في صدري لهد ًة أوجعتني ،ثم قال: «أظنن ِت أن حَيِي َف اللهُ عليك ورسو ُله» .قالتَ :م ْهما يك ُت ِم النا ُس يع َل ُمه الل ُه ،نعم. قال« :فإ َّن جبري َل أتاني حين رأي ِت ،فناداني فأخفاه منك ،فأجب ُته فأخفي ُته منك، ولم يكن يدخل عليك وقد وضع ِت ثيابك ،وظنن ُت أن قد رقد ِت ،فكره ُت أن أوقظ ِك ،وخشي ُت أن تستوحشي ،فقال :إن ربك يأم ُرك أن تأت َي أهل ال َب ِقيع؛ فتستغف َر لهم». قالت :قل ُت :كيف أقو ُل لهم يا رسو َل الله؟ قال« :قولي :السلا ُم على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ،ويرح ُم الل ُه المستقدمي َن منا والمستأخري َن ،وإ َّنا إن شاء الل ُه بكم للاحقون»(.)256 ..... (25 ..... (25 ..... (25 (25ينظر الحديث الذي بعده. اليوم 112النبوي
اليوم النبوي ثم كان بعد ذلك يخرج كل ليلة من آخر الليل إلى ال َب ِقيع ،فيقول« :السلا ُم عليكم دار قوم مؤمنين ،وأتاكم ما توعدون ،غ ًدا مؤ َّجلون وإنا إن شاء الله بكم لاحقون ،الله َّم اغفر لأهل َب ِقيع ال َغ ْر َقد»(.)257 ويالله لهذا النب ِّي الذي َيسرْ ُ ُب في سكون الليل ليقف أما َم قبور أصحابه الذين َق َض ْوا نحبهم قبل أن يروا نص َر الله والفتح ودخو َل الأفواج في دين الله، َم َض ْوا إلى ربهم في وقت ال ِق َّلة وال ِّش َّدة والصبر وال َّأ ْل َوا ِء والمصابرة ،ف َأ ْف َضوا إلى ربهم ،لم يتع َّجلوا شي ًئا من أجورهم. ثم ها هو صلى الله عليه وآله وسلم لم تشغله أفوا ُج الوافدين عليه ،ولا مشاغ ُل انفساح ُرقعة الإسلام بين يديه ،فإذا هو يقتص من وقت راحته وسكونه وق ًتا يقف فيه أمام قبورهم ،يستعيد ِذ ْكرى أطيافهم المباركة ،باس ًطا يديه في مو ِقف دعاء ووفاء. كان صلى الله عليه وآله وسلم ُيوش ُك أن يو ِّد َع الدنيا ،فجع َل يو ِّد ُع الأموا َت والأحيا َء قبل أن يلحق بال َّرفيق الأعلى وال َم َح ِّل الأَ ْسنَى. (25ينظر« :مسند الطيالسي» ( ،)1532و«مسند أحمد» (،)25855 ،24801 ،8878 و«صحيح مسلم ( ،)974و«سنن أبي داود» ( ،)3237و«سنن ابن ماجه» (،)1546 و«سنن النسائي» (396 ،2039 ،2037؟؟) ،و«مسند أبي يعلى» (،4758 ،4619 ،4593 ،)4831و«صحيح ابن حبان» ( ،)4523 ،3172و«الدعاء» للطبراني ( ،)2146و«سنن البيهقي» (.)249/5( ،)78/4 اليوم النبوي 113
اليوم النبوي اليوم 114النبوي
�إغفاءة ال�َّس َحر فإذا تدافعت ساعا ُت الليل ،ولم يب َق من الليل إلا ُصبا َب ُته الأخير ُة ،و ُس ُد ُسه الأخي ُرَ ،أ َوى رسو ُل الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى فراشه؛ ليريح البد َن الشري َف بعد َس ْب ِح لي ٍل طوي ٍلِ ،ذ ْك ًرا وصلا ًة ودعا ًء وتعاه ًدا للأقارب الأحياء، وللأصحاب الأموات ،ف َي ْه َج ُع هجع ًة يجَ ِ ُّم بها ب َد َنه بعد القيام ،ويه ِّيؤه لاستقبال صلاة الصبح وعمل النهار بنشاط وإقبال ،فتتق َّصف ُسويع ُة ال َّس َحر ونب ُّيك صلى الله عليه وآله وسلم مستغرق في نومه ،تقو ُل ُأ ُّمنا عائش ُة رضي الله عنها« :ما َأ ْل َفى رسو َل الله صلى الله عليه وآله وسلم ال َّس َحر عندي إلا نائماً »(.)258 ويظ ُّل صلى الله عليه وآله وسلم في نومته تلك حتى َي ْص َد َع نو ُر الفجر ظلم َة الليل؛ و َي ْص َد َع أذا ُن بلا ٍل سكو َن المدينة ،فيستيق ُظ رسو ُل الله صلى الله عليه وآله وسلم ،ويبتد ُئ يو ٌم نبو ٌّي جدي ٌد ،مع َّط ٌر بأنفاس النب َّوةُ ،منَ َّور بأنوار ال ِّرسالة. (25ينظر« :مسند الطيالسي» ( ،)1585و«مسند أحمد» ( ،)25698 ،25278و«صحيح البخاري» ( ،)1133و«صحيح مسلم» ( ،)742و«سنن أبي داود» ( ،)1318و«مسند أبي يعلى» ( ،)4662و«صحيح ابن حبان» ( ،)2637و«سنن البيهقي» (.)3/3 اليوم النبوي 115
اليوم النبوي اليوم 116النبوي
قراءة لليوم النبوي اليو ُم النبو ُّي يش ِّكل َم ْق َط ًعا عمود ًّيا للحياة النبوية العريضة ،يتجلىَّ لنا من خلاله باقة من ال ِّدلالات العميقة: -1أن هذا اليوم النبوي هو الوعاء الزماني للإنجازات الكبرى التي تح َّققت على يد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ،فلم َيعر ِف التاريخ إنجا ًزا تح َّقق على يد بشر كالإنجاز الذي تح َّقق على يد هذا الرسول الكريم العظيم. -2ألم يلف ْت نظ َرك ش َّد َة الوضوح إلى درجة ال ُّسطوع في حياته صلى الله عليه وآله وسلم اليومية ،فليس في حياته زوايا مظلمة أو حلقات مفقودة ،بل كل حاله َجِي ٌّل ظاهر باهر ،حتى إنا نعلم حاله في بيته إذا أغلق بابه ،وحاله على فراشه إذا نام مع أهله ،وصوت َن َف ِسه إذا نام ،وأول ما يقول إذا استيقظ. لقد شعر ُت وأنا أتت َّبع برنامج اليوم النبوي أني أعر ُف عن نبيي أكثر مما أعرف عن أبي الذي ولدني ،فف ًدى له نفسي وأمي وأبي؛ فقد كان صلى الله عليه وآله وسلم ُمشرْ َ َق الحياة ،كان نب ًّيا يمشي تحت الشمس. -3ي َّتضح من هذا اليوم أن أعمق عباداته صلى الله عليه وآله وسلم وأكثرها اليوم النبوي 117
اليوم النبوي استغرا ًقا ،هي عبادات السر التي كان يفعلها في بيته وفي سكون الليل ،والتي لزمها وداوم عليها حتى لقي ربه. وتلك دلالة من دلالات النبوة؛ إذ لا يمكن أن يكون هذا التب ُّتل المستغرق المنتظم ،والذي استمر عليه عمره كله ،صني ًعا ُم َّد ًعى ولا ُم َت َق َّولاً -وحاشاه صلى الله عليه وآله وسلم -لكنه دلالة على يقين صادق وإيمان عميق بما يقوله صلى الله عليه وآله وسلم ويب ِّلغه. -4يلفت نظ َرك إلى حد الإدهاش أن هذا النب َّي الذي تلقى بشائر الله له أنه قد ُغ ِف َر له ما تق َّدم من ذنبه وما تأ َّخر ،هو أكث ُر الناس استغفا ًرا؛ فهو َيستقبل َصبِيح َة كل يوم بالاستغفار مائة مرة ،و ُي َع ُّد له في المجلس الواحد أكثر من مائة مرة« :أستغفر الله ،وأتوب إليه» .ثم يستغفر ر َّبه بضراعة وخشوع في صلاته الليلية« :ال َّله َّم اغف ْر لي ما ق َّدم ُت ،وما أخر ُت ،وما أسرر ُت ،وما أعلن ُت ،وما أنت أعل ُم به منِّي ،أن َت المق ِّدم ،وأنت المؤ ِّخر ،لا إله إلا أنت»(.)259 يستغف ُر هذا الاستغفار ،وهو الذي ُغ ِف َر له ما تق َّدم من ذنبه وما تأخر ،وهو المعصوم أن يقارف ذن ًبا أو يكسب إثماً ،ماذا نقول نحن؟! أوقات حياتنا لا تكاد تفلت من وقوع في خطأ ،أو مقارفة لخطيئة ،اللهم ُغ ْف ًرا. ُ -5يلاَ حظ لهَ َ ُج النب ِّي صلى الله عليه وآله وسلم بال ِّذكر؛ بحيث تستشعر أن هذا النبي الكريم يعيش حالة من الحب والشوق لله عز وجل ،وكأنه يتراءى جلا َل ربه ،فلا يفترُ لسانه عن ذكره ،فهو أول ما ينطق به إذا استيقظ ،وآخر ما تتح َّرك به شفتاه إذا نام ،يستقبل بالذكر َص َباحات نهاره ،و َم َساءات ليله، (25تقدم تخريجه في موضعه. اليوم 118النبوي
اليوم النبوي ولا يزال لسانه َر ْط ًبا بذكر الله فيما بين ذلك كله ،إنه الاستحضار العميق لمعاني العبودية والحب لله عز وجل. -6نلاحظ تبكير النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى أداء الصلوات في أول وقتها ،إلا العشاء ،فربما تراخى فيها قليلاً . -7حدي ُث النب ِّي صلى الله عليه وآله وسلم إلى أصحابه يكون عقب الصلوات ،فكثي ًرا ما يكون بعد الفجر والظهر؛ لأن النا َس في حال نشاط وراحة ،فهاتان الصلاتان مسبوقتان بنوم الليل وقيلولة الضحى ،ويتح َّدث ناد ًرا بعد العصر والعشاء؛ لأن النا َس في حال كلال وحاجة إلى الراحة ،ولم ُينقل أنه تح َّدث بعد المغرب؛ لأن الناس بعدها بحاجة إلى عشائهم؛ فلذا يبادر بها في أول وقتها ،ولا يطيل القراءة فيها ،ولا يتح َّدث بعدها. -8التوازن في أداء الحقوق ،والتوازن في استيعاب مناشط الحياة؛ فأداؤه لعباداته ،وبلاغه لرسالاته ،وقيامه بحقوق أهله ،وعشرته لأصحابه ،ومراعاة حق نفسه ،وغير ذلك من متطلباته؛ كل ذلك يسير متواز ًيا متواز ًنا ،من غير أن َت َرى تقصي ًرا في ح ٍّق أو إخلالاً بواجب ،وإنما الاستيعاب المتوازن للحقوق الخاصة والعامة ،بحيث ترى في حياته التطبيق العملي ل َوصاته يوم قال« :إ َّن لجسد َك عليك ح ًّقا ،وإ َّن لعين َك علي َك ح ًّقا ،وإ َّن لزوج َك عليك ح ًّقا ،وإ َّن لضيف َك عليك ح ًّقا ،وإ َّن لولد َك عليك ح ًّقا ،وإ َّن لصديق َك عليك ح ًّقا»(.)260 (26ينظر« :مسند أحمد» ( ،)26308 ،6867 ،6832و«صحيح البخاري» (،1968 ،)6139 ،1975 ،1974و«صحيح مسلم» ( ،)1159و«سنن أبي داود» (،1369 ،)2432و«جامع الترمذي» ( ،)2413 ،748و«سنن النسائي» ( ،)2391و«مسند أبي اليوم النبوي 119
اليوم النبوي وقد َأعطى ك َّل ذي ح ٍّق ح َّقه. ُ -9يلاَ حظ أن حياته مزدحمة وحافلة ،ولكنها ليست متو ِّترة ولا مرتبكة؛ فبرغم كثرة المشاغل وازدحامها ،فإن ن ْف َسه هادئة مسترخية ،فلا تجد اضطرا ًبا ولا تو ُّت ًرا ،وإذا نظرت إليه في حا ٍل ظنن َت أن ليس له عمل قبلها ولا بعدها، فحاله في بيته لا تدل على أن أعباء الحياة ومشاغلها تنتظره في الخارج ،وجلوسه مع أصحابه لا َي ُد ُّل َك أنه في حال تح ُّفز أو قلق لعمل آخر ينتظره؛ فهو مقبل عليهم بك ِّله ،مستر ٍخ بنفسه معهمَ ،ي َس ُع ُهم جمي ًعا حس ُن خلقه ،وكأن عمله الوحيد هو هذا المجلس الذي هو فيه ،إن هذه حالة استواء نفسي تستوعب الأعمال دون أن تتوتر أو ترتبك. -10نلاحظ أن حياته صلى الله عليه وآله وسلم حياة ُم َر َّتبة وليست َرتِيبة، فهي مر َّتبة ،ولكنها أي ًضا َم ِر َنة ،بحيث تسمح بالتم ُّوج تب ًعا لمقتضيات الحال؛ فليس في حياته فوضى وارتباك ،وليس في حياته َر َتابة و رَ َصامة ،ولكن ترتيب ومرونة؛ فوقت الصلوات وقت مح َّدد ير ِّتب ما بينها ،ومجل ُسه صلى الله عليه وآله وسلم يمكن أن يطول ويقصر بحسب مستجدات الأحوال ،وبذلك تح َّققت في حياته إيجابيات التنظيم ،وتخ َّلص من سلبيات ال َّر َتابة و ِح ِّد َّية الصرامة. -11نلاحظ في حياته صلى الله عليه وآله وسلم َع َفوية الحياة وبساطتها، فحياته صلى الله عليه وآله وسلم بعيدة عن التواقر المتك َّلف والجدية الصارمة. يعلى» ( ،)7242 ،898و«صحيح ابن خزيمة» ( ،)2144و«صحيح ابن حبان» (،316 ،)3571و«المستدرك» ( ،)60/4و«سنن البيهقي» ( ،)299 ،275/4و«فتح الباري» (.)218/4( ،)39/3 اليوم 120النبوي
اليوم النبوي ولكن للعفوية والبساطة حضورها ،فهو الذي يبتهج مع البهجة ،ويأنس مع الأُنس ،ويتو َّثب في نشوة الفرح ،حتى يسقط رداؤه ليتل َّقى حبي ًبا جاء بعد طول غياب( ،)261ويسير في طريقه ثم يحيد إلى شاب يسلخ شاة ،فيحسرِ عن ذراعه؛ ليرُ ِ َيه كيف يحُ ْ ِس ُن ال َّس ْلخ( ،)262ويم ُّر برجل يطبخ لحماً في ُب ْرمة ،فيقول: «إن كانت نضجت فأطعمنا»(.)263 إن هذه ال َع َفو َّية في التعامل مع الناس َح َّطمت كل الحواجز ،بحيث أفضى إليهم بقلبه ،و َأ ْف َض ْوا بقلوبهم إليه ،وشعروا أنهم مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم أبنا ٌء مع أ ٍب لهم. -12الأُ ْنس والبهجة حاضرة في بيته؛ فقد كان في بيته َض ُحو ًكا َب َّسا ًما، حاضر ًة في مجلسه؛ ففيه ُفسحة لل ُّط ْر َفة الجميلة والمداعبة ال ُم ْؤنِسة ،وحاضر ًة في حياته ،فهو الذي يخرج وينظر إلى الحبشة وهم يلعبون في المسجد ،فيستمتع بمنظر لهوهم مؤ ِّصلاً ،ويدعو زوجه لتشاركه ُأ ْنس المنظر ،ثم يقول مؤ ِّصلاً لهذا الهَ ْدي« :العبوا بني َأ ْرفِدة؛ حتى تعلم اليهود والنصارى أن في ديننا َسعة»(.)264 لقد كان في دينه َسعة ،وفي حياته َسعة لل ُأ ْنس والبهجة. -13قوة العلاقة العاطفية الزوجية ،وإشباع هذه العاطفة ،التي تظهر في مناولة قدح الماء ،ومناولة لقمة الطعام ،والمؤانسة في الحديث الليلي ،والتعاهد (26 (26تقدم تخريجه في موضعه. (26تقدم تخريجه في موضعه. (26 اليوم النبوي 121
اليوم النبوي بالزيارة النهارية ،والمشاركة في ِم ْهنة البيت ،والتواصل الزوجي الحميم على فراش الزوجية وتحت لحافها. -14تف ُّهمه ل ِف َطر الناس وحاجاتهم ومشاغلهم ،حتى في أدائه للعبادة، فكان أقصر الناس صلاة إذا صلىَّ بالناس ،مع أنه كان أطولهم صلاة إذا صلىَّ لنفسه ،وكان يدخل الصلاة وهو يريد إطالتها ،فيسمع بكاء الصب ِّي فيخ ِّففها؛ لمَِا يعلم من َو ْج ِد أمه(.)265 -15صلاته بالليل هي أعمق صلاته حضو ًرا واستغرا ًقا وتل ُّذ ًذا بالمناجاة؛ بل هي حالة من حالات التج يِّل الروحي والاستغراق العبادي. -16يمكن تقسيم فترات النشاط إلى ثلاث فترات: فترة النشاط والحيوية والصفاء في قيام الليل؛ لأن قيامه للتهجد هو بعد أطول فترة نوم ينامها في نصف الليل الأول ،فكأنما كان يستجمع صفو نشاطه لهذا الحال؛ إذ صلاته هي راحته و ُق َّرة عينه ،ثم بعد الفجر؛ إذ هي َتعقب إغفاءة السحر ،فيص ّيِل الفجر ويذكر ربه ،ثم يجلس لأصحابه وع ًظا وتعليماً وتربية، ثم بعد صلاة الظهر؛ إذ هي تعقب القيلولة ،فيص ّيِل الظهر ويخطب إن كان قد حدث أمر ،أو يجلس لأصحابه يح ِّدثهم ويقضي حوائجهم. -17يلاحظ أن الصلوات هي فواصل الأوقات ،فالوقت يقسم إلى وحدات زمنية تفصلها الصلوات. -18يمكن تقسيم برنامج اليوم النبوي تقسيماً تقريب ًيا على النحو التالي: (26 اليوم 122النبوي
اليوم النبوي أ -الفجر ،وفيه :يستيقظ لصلاة الفجر بعد نومة ال َّس َحر ،فيص ِّيل الفجر، ويمكث في مصلاَّ ه مع أصحابه إلى طلوع الشمس ،ثم يقوم بجولة صباحية على زوجاته ،ثم يجلس في أول الضحى مع أصحابه في المسجد ،وهذا مجلس ذكر وعلم وتربية ،ثم يقوم أحيا ًنا بزيارات بعد هذا المجلس ،فربما زار ُبنَ َّياته ،أو زار بعض أصحابه ،وربما ذهب لقضاء بعض شأنه الخاص. فإذا تعالى الضحى ،فإنه وقت النوم والقيلولة ،ف َي ِقيل قبل صلاة الظهر، وهذه النومة إراحة للبدن ،و َم َدد لقيام الليل. ب -الظهر :يستيقظ لصلاة الظهر ،فيص ِيّل الظه َر ،فإن كان ح َد َث أم ٌر َخ َط َب بعد صلاة الظهر ،وأكث ُر خطبِه في هذا الوقت ،ثم يعود إلى بيته فيص يِّل ال ُّسنة الراتبة ،ثم يخرج فيجلس إلى أصحابه ،أو يذهب لقضاء بعض شأنه ،فقد كان ما بين الظهر والعصر وقت عمل وقضاء حاجات. ج -العصر :يص ِّيل العصر في أول وقتها ،ثم يقوم بعد صلاة العصر بجولة مسائية على زوجاته وربما اجتمعن له في بيت التي هو عندها ،وكأنما ما بين العصر والمغرب وقت استرخاء ُأسرَ ي في الغالب. د -المغرب :يص ِّيل المغرب في أول وقتها ،ثم يتع َّشى ،ويبقى في بيته ،وهذا هو وقت تناول الوجبة الرئيسية ،وهي وجبة العشاء. هـ -العشاء :يص ّيِل العشاء ،ثم يعو ُد إلى بيته ،فيس ُمر مع أهله ،وربما ذه َب في زيارات لبعض الأنصار ،أو َس َمر مع أبي بكر وعم َر في بيت أبي بكر رضي الله عنهما؛ للتشاور في شؤون الدولة وقضايا المسلمين ،ثم يعود بعد سمره إلى اليوم النبوي 123
اليوم النبوي بيته ،فينام إلى منتصف الليل ،ويستيقظ إذا انتصف الليل ليص يِّل صلاة الليل، وهو في ِذروة نشاطه بعد أطول نومة ،فيستمر في حاله هذه من الصلاة والمناجاة بقدر ثلث الليل ،حتى إذا لم يبق إلا سدس الليل عاد إلى فراشه ليستريح ويغفي إغفاءة ال َّس َحر إلى صلاة الفجر. *** اليوم 124النبوي
اليوم النبوي اليوم النبوي 125
Search
Read the Text Version
- 1
- 2
- 3
- 4
- 5
- 6
- 7
- 8
- 9
- 10
- 11
- 12
- 13
- 14
- 15
- 16
- 17
- 18
- 19
- 20
- 21
- 22
- 23
- 24
- 25
- 26
- 27
- 28
- 29
- 30
- 31
- 32
- 33
- 34
- 35
- 36
- 37
- 38
- 39
- 40
- 41
- 42
- 43
- 44
- 45
- 46
- 47
- 48
- 49
- 50
- 51
- 52
- 53
- 54
- 55
- 56
- 57
- 58
- 59
- 60
- 61
- 62
- 63
- 64
- 65
- 66
- 67
- 68
- 69
- 70
- 71
- 72
- 73
- 74
- 75
- 76
- 77
- 78
- 79
- 80
- 81
- 82
- 83
- 84
- 85
- 86
- 87
- 88
- 89
- 90
- 91
- 92
- 93
- 94
- 95
- 96
- 97
- 98
- 99
- 100
- 101
- 102
- 103
- 104
- 105
- 106
- 107
- 108
- 109
- 110
- 111
- 112
- 113
- 114
- 115
- 116
- 117
- 118
- 119
- 120
- 121
- 122
- 123
- 124
- 125