أبو يعرب المرزوقي أو حقيقة ما في القرآن من معرفة وقيمة الأسماء والبيان
المحتويات 2 -الفصل الأول 1 - -الفصل الثاني 9 - -الفصل الثالث 17 - -الفصل الرابع 23 - -الفصل الخامس 29 - -الفصل السادس 36 - -الفصل السابع 42 - -الفصل الثامن 48 - -الفصل التاسع 55 - -الفصل العاشر 61 - -الفصل الحادي عشر 70 - -الفصل الثاني عشر 78 -
-- هذه المحاولة التي خصصتها لمسألة جوهرية اعتبرها أهم ما توصلت إليه في محاولة قراءة القرآن قراءة فلسفية وسميت ما في القرآن الكريم من كلام على المعرفة والقيمة بالسبابة الوجودية استعارة على الدور التوجيهي بالإشارة التذكيرية لما فيه من شروط النظر والعقد في المعرفة ومن شروط العمل والشرع في القيمة من مقومات تحررنا من خرافة الإعجاز العلمي ومن علل انحراف علوم الملة كلها وضرورة تجاوزها لأنها لم تعد صالحة لتحقيق شروط استئناف الأمة لدورها الكوني دون أن يكون ذلك قطيعة مع مرجعيتيها أي القرآن والسنة. ولست غافلا عما سيعاب علي من جرأة على وصف علوم الملة الغائية الخمسة -التفسير وما يؤسسه من فروع أربعة اثنين نظريين هما الكلام والفلسفة واثنين علميين هما الفقه والتصوف-بكونها ليست علوما أصلا فضلا عن كونها محرفة لكل دلالات القرآن الكريم وما يشير إليه في توجيه الإنسان عامة والمسلم خاصة لشروط تعمير الارض والاستخلاف فيها. كما سيعاب علي وصف علومها الأداتية الخمسة -اللغة والمنطق والتاريخ والرياضيات والوسميات بكونها بدائية أو أي لم مستوى تأسيس العلمية الأولى. ولا أعجب من ذلك .فليس من اليسير أن تقبل جماعة مراجعة ذاتها لفهم علل انحطاطها خاصة إذا ساد على فكرها البحث عن العلل العرضية ونسيان العلل الذاتية للأمر نفسه وخاصة كذلك لما يأتي هذا الأمر ممن قد يتهم بكونه ليس مختصا في ما تصوروه علوما لدنية وهو محض تخريف حول ما لا يعلم بصريح نص القرآن :الغيب. وصحيح أن للأعداء دورا في ما حل بنا .لكن من يبحث عن الداء في الجرثومة والفيروس وينسى فقدان المناعة يكون بحثه قاصرا حتما .فما كان يمكن للأعداء أن يوقفوا فاعلية النظر والعقد في المعرفة أو فاعلية العمل والشرع في القيم لو كانت هذه الفاعليات فاعليات سليمة .لكنها في الحقيقة سقيمة لأنها جعلت أمر فصلت 53نهيا وجعلت نهي آل عمران 7 أمرا حتى تؤسس لوساطة في التربية ووصاية في الحكم .وكلتاهما نهى الله عنها رسوله أبو يعرب المرزوقي 1 الأسماء والبيان
-- ناهيك عمن يدعون وراثته في الغاشية{ :فذكر إنما أنت مذكر ( )21لست عليهم بمسيطر (.})22 وقد أفهم من يسأل عن البديل أو يتهمني بأني بدأت بالهدم قبل البديل. والجواب: .1النقد وتجاوز الذات ليس هدما لأني لم أقل مثل من يرون أن الماضي مضى وانتهى بل هو عندي من جنس طبقات الأرض يبقى دائما جزءا مقوما للأرض ولا يمكن الاستغناء عنه. .2لم أنس تقديم البديل دون قطع مع المبدل منه وتلك هي السنن التاريخية التي يشير إليها القول إن للأمة في كل قرن مجدد أو مجددون يصلحون شأنها وهو ما يؤكده ابن خلدون عند تمييزه بين التاريخ القصير والتاريخ المديد. ومع ذلك فسأخصص هذه المحاولة لبيان فيم العلوم الغائية منحرفة وفيم العلوم الأداتية لم تتجاوز المستوى الأول من التدرج نحو العلمية ثم البديل الذي لا يقطع مع المبدل منه في حالتي علوم الغاية وعلوم الآلة مع تأسيسهما على العلم الرئيس أو المؤسس لها جميعا أي في التفسير ونفي الإعجاز العلمي .وأبدأ بحسم مسألة الأعجاز العلمي لأنها هي الأصل في تحريف علوم الغاية وفي هزال علوم الآلة .ومن ثم فهي العلة الأساسية في الانحطاط الذي جعل الأمة تفشل في مهمتي الإنسان في الدنيا كما حددهما القرآن الكريم: .1فشلت في تعمير الأرض لأنها إلى الآن ما زالت تعيش على ما تنتجه الطبيعة ولا دور لها في تحقيق شروط قيامها العضوي والروحي. .2وفشلت في الاستخلاف فيها لأنها ما زالت إلى الآن خاضعة لقانون التاريخ الطبيعي (الضرورة) ولا دور لها في تحقيق شروط القانون الخلقي (الحرية). ذلك أن فقدان أدواتهما فشل يثبته مآلنا الحالي .والعلة هي الجهل بجوهر الإسلام في المحددين لشروط نجاح رسالته كما حددها القرآن أو تجاهله لزيغ في القلب وطلبا للفتنة: أبو يعرب المرزوقي 2 الأسماء والبيان
-- .1نظرية المعرفة التي حررت الفكر الإنساني من وهم القول بالمطابقة بمعنى توهم علم الإنسان محيطا بالوجود. .2نظرية القيمة التي حررت الإرادة الإنسانية من وهم القول بالمطابقة بمعنى توهم عمل الإنسان محيطا بالمنشود. فالذين يزعمون القرآن فيه اعجاز علمي يضمرون أن الوحي فيه علم الغيب فضلا عن الخلط بين الغائب والغيب (فالمستقبل غائب لكنه ليس غيبا لأن الغيب هو المحجوب بالجوهر وليس بالزمان) .وهذا الضمير علته تناسي أن الرسول يذكر المخاطبين بشيء معلوم نسوه ولا يعلمهم بشيء يجهلونه وإلا لما فهموه .ويكون الرسول قد كذب عندما قال في حجة الوداع اللهم إني بلغت .فما الذي يمكن أن يكون قد بلغه إذا كان في الرسالة أعجاز علمي يتكلم على ما صرنا نعلمه الآن؟ فتكون الرسالة إذن ألغاز بالنسبة إليهم مرتين: .1بالقول إنه تذكير وليس تعليما لجديد. .2بالقول إن فيه ما لا يمكن أن يشرحه لهم. ولما كان القرآن رسالة من مرسل هو الله إلى مرسل إليه هو الإنسان وكان الرسول ينفي أن يكون قادرا على معرفة الغيب وكان مضمون الرسالة تذكيرا بمنسي وليس تعليما لمجهول وكان الطريقة التبليغ هي الخطاب باللسان العربي فإن كل زعم بوجود علم معجز فيه من أوهام الخطأ الذي جعل علوم الملة محرفة. وبذلك تتبين علة التحريف الذي أنسبه إلى علوم الملة الغائية الخمسة (التفسير والكلام والفلسفة والفقه والتصوف) وهزال علومها الألية الخمسة (الوسميات أو السيميوتكس واللسان والمنطق والتاريخ والرياضيات) .فأما التحريف فهو بين لكل ذي بصيرة :فهم قد عكسوا أمر فصلت 53فجعلوه وكأنه نهي .وعكسوا نهي آل عمران 7فجعلوه وكأنه أمر. هذا من حيث الغائية .أما من حيث الآلية فتبع لذلك لأنها صارت أقوالا. أبو يعرب المرزوقي 3 الأسماء والبيان
-- ولو كان لي سلطان على المنهج التربوي العام في دار الإسلام لاكتفيت في التعليم الرسمي الذي تتكفل به الدولة على هذه العلوم الأداتية الخمسة ولاعتبرت العلوم الغائية مجالات اختصاص يختارها المتعلم أو أهله أو من سيستعمله من المؤسسات العمومية والخاصة للإنتاجين الاقتصادي والثقافي والسياسي والديني إلخ ...بحيث تكون كلها من مجالات المجتمع الاهلي وليس من مجالات الدولة. فيكون المشترك بين كل الاختصاصات أو العلوم الآلية هي الأهم لأنها هي التي تجعل كل ما عداها ممكنا وهي التي ينبغي أن تكون على نفقة الدولة في التوقيت الرسمي المخصص للتكوين والباقي يكون على نفقه الأهل الذين يريدون تكوين أبنائهم للمهن المعينة في نظام تقسيم العمل يتقاسمونها مع من سيستعملهم في مشروعاته الاقتصادية أو الثقافية أو السياسية .ويكون ذلك في توقيت متنوع بحسب الاختصاصات وخارج النظام الرسمي رغم وجوب خضوعه لمراقبته باعتباره الساهر على الصالح العام إذا كان سلطة شرعية ومؤهلة للسهر عليه. وأبدأ بالأخطر والذي هو نسف تام لثورة الإسلام :كيف حرفوا آل عمران .7فهي تعتبر تأويل المتشابه-أي ما له صلة بالغيب-دليل مرضين يقضيان على شروط قيام الأمم والحضارات: .1زيغ القلوب أي طلب الباطل بدل الحقيقة بادعاء العلم بالغيب تأويلا للمتشابه. .2ابتغاء الفتنة أي طلب الصراع بين البشر في ما لا يعلمونه بدل التلاحم الأخوي. يعني بصورة صريحة الوقوع في ما سمته سورة العصر الخسر .فزيغ القلوب وابتغاء الفتنة هما بالضبط طلب الخسر برفض شروط الاستثناء منه .وهي أربعة شروط: • اثنان يتعلقان بالفرد • واثنان يتعلقان بالجماعة. أبو يعرب المرزوقي 4 الأسماء والبيان
-- فالفرد يتحرر من الخسر بالإيمان والعمل الصالح .والجماعة تتخلص منه بالتواصي بالحق والتواصي بالصبر .وكلهم بحاجة للأصل أي الوعي بالخسر الممكن إذا لم تتحقق هذه الشروط. والإيمان والعمل الصالح علاج زيغ القلوب والتواصي بالحق والتواصي بالصبر علاج الفتنة .هم إذن بقلب نهي آل عمران 7فضلوا زيغ القلوب وابتغاء الفتنة بمجرد نقل \"الواو\" في الآية من دلالة الاستئناف إلى دلالة العطف فجعلوا من يدعون الرسوخ في العالم قادرين على تأويل للمتشابه محيط مثل الله. وليس هذا هو المشكل :فحتى لو لم يحرفوا الآية فإن مرض زيغ القلوب وابتغاء الفتنة سيوجد لأن الامر يتعلق بمرض عرض وكلاهما موجود في كل الحالات .المشكل هو أنهم بهذا أصبحوا يقولون بعكس نظرية المعرفة التي تتماشى مع القرآن :القول بالمطابقة المعرفية أي نسبة العلم المحيط إلى الإنسان. وإذا قالوا بالمطابقة المعرفية وكانت هذه أساس العقائد فمن الطبيعي أن يستنتجوا المطابقة القيمية التي هي أساس الشرائع .فيصبح الموقف حتما قولا بأن الإنسان له علم محيط بالموجود وعمل تام بالمنشود .ولا يبقى للحدين القرآنيين معنى :يصبح الإنسان غنيا عن الحاجة إلى ما يتعالى عليه في الموجود وفي المنشود. والدين جوهره هذا الوعي بما يتعالى على الإنسان إما عقدا بوجود الله ووحدانيته وتفرده بالمطلق المعرفي عقدا في الموجود لأنه هو صاحب الخلق وتفرده بالمطلق القيمي شرعا في المنشود لأنه صاحب الأمر .ومن ثم فلا علم إنساني إلا اجتهاد غير محيط شرط الإيمان ولا عمل إنساني إلا جهاد غير كامل شرط العمل الصالح. والنتيجة هي قلب فصلت 53بالتبع .ذلك ان من يقلب آل عمران 7سيغرق في الكلام في ما لا معنى للكلام فيه غير الزيغ والفتنة والثرثرة التي لا تحقق تعميرا ولا استخلافا بل هي تتحول إلى معرفة تهديمية تسبح في الكلام التافه حول ما هو حكر على الله .لكنه يستعمل لسيطرة الدجالين على الإنسان. أبو يعرب المرزوقي 5 الأسماء والبيان
-- وعندئذ يفسرون فصلت 53بمعنى الوعظ والإرشاد .وبدلا من أن تكون الآيات التي يرينها الله في الآفاق وفي الانفس والتي تبين حقيقة القرآن منطلق الإنسان للبحث فيها باعتبارها هي قوانين الطبيعة وسنن التاريخ تحولت إلى دجل المفسرين حول الإعجاز في النص بعد أن يكتشفه العلم في الطبيعة والتاريخ. وكانت النتيجة أشبه بما يفيده المثل الصيني :بدلا من أن ينظروا في ما تشير إليه السبابة لم يروا إلا السبابة .القرآن يقول حقيقتي هي أني \"سبابة\" تشير إلى حيث ينبغي أن تبحثي عن حقيقتي ليس في تفسير كلامي بجهلكم بل في ما أريكم إياه من آيات في الآفاق (العالم) وفي أنفسكم (أي الإنسان). والقرآن يقول :الآيات التي يريكم الله إياها في الآفاق وفي الأنفس نوعان :آيات الخلق وهي قوانين طبيعية وآيات الامر سنن تاريخية .والقوانين الطبيعية يقول لنا إنها رياضية فيزيائية تعلم بالتجربة .والسنن التاريخية يقول لنا هي سياسية خلقية تعلم بالتجربة كذلك .وكلاهما يعلم بالبحث العلمي. ولو كان القرآن فيه قوانين علمية وسنن تاريخية لكان شرحه كافيا ولاستغنينا عن البحث العلمي والعمل على علم وهما معنى التكليف الذي نتمكن بتحقيقه إثبات الأهلية للاستخلاف .ومن يفهم معنى القوانين ينبغي أن يكون غبيا حتى يتصور أنها قابلة للقول بكلام طبيعي فيخلط بين التوجيه إلى طلبها وحضورها المغني عنه .فالعلم قبل أن يصبح شيئا يبدأ بأن يصنع لغة تقول ذلك الشيء :وذلك هو معنى إعطائنا أسماء كل شيء أي القدرة على تسمي الأشياء كلها. وكون العلوم بعد اكتشافها تثبت أن القرآن قد قال الحق في التوجيه لا يعني أنه يتضمن ما يتم اكتشافه بل هو يتضمن شروط اكتشافه التي هي وظيفة التذكير التوجيهي لما جهز به الإنسان من نظر وعقد شرطين لاكتشاف قوانين الطبيعة ومن عمل وشرع شرطين لاكتشاف سنن التاريخ .والتوجيه المصيب هو معنى أن التحقق الذي ينتج عن جهد الإنسان اجتهادا لطلب الحقيقة بالتواصي بالحق وجهادا لتحقيقها بالتواصي بالصبر يثبت أن القرآن أبو يعرب المرزوقي 6 الأسماء والبيان
-- حق ولا يثبت أنه يتضمن المطلوب من الإنسان البحث عنه في الآفاق والأنفس وإلا لكانت هذه غير ضرورية كما توهم من تركها وخاض في ما نهت عنه آل عمران .7 والفرق كبير بين القول إن رؤية الآيات التي تتجلى في الآفاق والأنفس تثبت أن القرآن حق وبين القول إن هذه الآيات علمها حاصل بعد في آيات القرآن النصية .لو كان ذلك كذلك لكان البحث العلمي والعمل على علم غير ضروريين بل يكفي شرح النص لمعرفتها والعمل بها .ولست بحاجة لإثبات استحالة ذلك ليس بالقرآن وحده بل وكذلك بالتاريخ: فلا أحد اكتشف قانون واحد من قوانين الطبيعة أو سنة واحدة من سنن التاريخ بشرح ألفاظ القرآن لأن من خاصيات أي لغة طبيعية أنها تحتمل الكثير من التأويلات التي لا يمكن أن تكون صوغا لقوانين علمية حتى بعديا فضلا عن أن تكون قبليا. والقرآن يقول لنا إن الخلق بقدر وهو يقال رياضيا .ولا يمكن أن يقال رياضيا من دون شرطين أولهما إبداع الرياضيات والثاني ملاحظة سلوكه تجريبيا .قد يسبق القول الرياضي التجريب لكنه يبقى فرضيا ولا يصبح علما إلا متى أيدته التجربة على الأقل في مرحلة من مراحل التجريب ومراحلها لا تتناهى بسبب لا تناهي تقدم الإدراك التجريبي الناتج عن تقدم تطبيق النظريات على آلات تحقيقه .ما في القرآن إذن ليس إعجازا علميا بل هو \"سبابة\" تشير من منطلق رؤية حول طبيعة خمسة أشياء لا يمكن من دونها تحقيق ما كلف به الإنسان أي مهمتي الإنسان في تعمير الأرض والاستخلاف فيها: .1طبيعة العالم الطبيعي (الخلق) وهي ذات قوانين رياضية فيزيائية مستقرة. .2طبيعة العالم التاريخي (الأمر) وهو ذو سنن سياسية خلقية مستقرة. .3طبيعة المعرفة وهي اجتهادية لا متناهية التجدد .وهي تاريخية. .4وكل ذلك يجري في تاريخ العمل الإنساني طبيعة العمل وهو جهادي متواصل سعيا إلى المنشود. .5ويوحد كل هذه الرؤى طبيعة علاقة الإنسان بالعالم وعلاقته بعلاقته بالعالم. أبو يعرب المرزوقي 7 الأسماء والبيان
-- ومعنى ذلك أن للإنسان مستويين يناظران الخلق والامر .فعلمه بالخلق هو مصدر حياته العضوية وعمله بالأمر هو مصدر حياته الروحية .وذلك هو تبين حقيقة القرآن التي هي مضمون الرسالة والتي لا تعلمنا بشيء جديد بل تذكرنا بشيء مرسوم في كياننا ونغفل عنه .ففي كياننا العضوي علاقة بينة بالطبيعة إن لم نحترمها يحصل التدمير بدل التعمير. وفي كياننا الروحي علاقة بينة بالتاريخ إن لم نحترمها يكون الخسر بدل الاستخلاف. أبو يعرب المرزوقي 8 الأسماء والبيان
-- لست أشك في أن الكثير سيعجب :كيف تجعل القرآن مجرد \"سبابة\" تشير إلى أمور ليست فيه بل هي خارجه؟ فيوضع سؤالان لا بد من حسمهما: • السؤال الأول :ماذا تسمي هذه الإشارة التي تؤدي إلى النتائج التي يتوصل إليها العلم ولا يخالفها إذا لم تكن علما كليا؟ • السؤال الثاني أعسر من الأول .فلم لا يمكن اعتبارها من الأعجاز العلمي وهي بهذا المعنى أسمى من العلم الجزئي؟ والجواب عن السؤال الأول بالعلم الكلي قد يؤيده اعتبار الرسالة تذكيرا فتعرف نفسها بكونها تشير إلى ما تذكر به باعتباره ما في كل علم من فطري لدى الإنسان ولا يحتاج للاكتشاف بالبحث العلمي لأنه شرطه .لكن في تلك الحالة لا يبقى اعجازا يختص به القرآن بل كل من يقول بفطرية المبادئ يمكن أن ينسب إلى نفسه هذا الاعجاز. لذلك تحتم الجواب علن السؤال الثاني وهو نفي الإعجاز العلمي عن ذلك واعتباره استراتيجية لتحقيق شروط قيام الإنسان مرسوما في كيانه العضوي والروحي والأول تحتمه علاقته بالطبيعة والثاني علاقته بالتاريخ والقرآن نبه إلى ذلك تنبيها ينفي أن يكون أمرا يغني عما ينبه إليه بما يوجد في التنبيه الإشاري :هو يكتفي التنبيه إليه وهو معنى فذكر إنما أنت مذكر ليست عليهم بمسيطر واعتبار ما يذكر به موجود في الآفاق وهو الوجود الأعيان وفي الأنفس وهو الموجود في الأذهان. إذا القرآن هو نفسه الذي يصف نفسه بكونه \"سبابة\" تشير إلى مشار إليه يوجد خارج النص المشير :فصلت ( )53وكان من غير المعقول أن يرسل أحد لأحد رسالة ما فيها يقتصر على ما فيها فمعنى ذلك أن الرسالة صارت بغير موضوع .فالرسالة ينبغي أن يكون ما فيها متعلقا بالإشارة إلى ما ليس فيها وهي تشير إليه وتوجه إليها انتباه المرسل إليه .القرآن سبابة بهذا المعنى :والسبابة هنا استعارة طبعا .وطبيعي أن يكون الأمر كذلك. أبو يعرب المرزوقي 9 الأسماء والبيان
-- فالرسالة هي من مستخلف إلى خليفة وهي أيضا شبه رسالة تكليف بمهمة وتذكير بشروط القيام بها .الإنسان الخليفة المرسل إليه يتلقى أوامر من الله المستخلف المرسل .ولذلك فهو تذكير بالمهمة مصحوب بأوامر ونواه وتوجيه الانتباه إلى المهمة وشروط تحقيقها أو ما عليه القيام به .وما عليه القيام به لا يكفي لعلمه وللعمل به على علم مجرد تفسير نص الرسالة لغويا وتأويلها بعكس ما نصحت به المرسل إليه :هي نصحته بعدم تأويل المتشابه والغيب وطلبت منه الاقتصار على الشاهد. السؤال الثاني أعسر لأن الإشارة إلى طبيعة الطبيعة وطبيعة التاريخ وطبيعة علم الطبيعة وطبيعة علم التاريخ أو نظرية المعرفة ونظرية القيمة كلها حقائق يمكن نسبتها إلى العلم والكلام فيها في عصر الرسول يبدو من الإعجاز العلمي بل وحتى في عصرنا لأن هذه المسائل هي جوهر الفكر الفلسفي الذي يظنه الكثير مختلفا بالجوهر عن الفكر الديني للجهل بالفكرين .ألست بذلك متناقضا عندما أزعمه وأنفي الإعجاز؟ ولأشرح علة عسر الجواب بسب عسر المسألة الثانية :كيف أنفي الاعجاز العلمي عن القرآن وأضع في ما سميته استعاريا سبابة تشير إلى حيث يمكن اكتشاف قوانين العلم دون أن اعتبر تلك الإشارة علما أو على الأقل مشروطة بعلم قد يكون من طبيعته مغايرة للعلم الذي أنفيه فنكون قد أبقينا على الأعجاز فيه؟ الا أكون بذلك قد وقعت في ما أتوهم أني قد هربت منه :فـ\"السبابة\" التي تشير لا تشير بجهل بل هي تشير بعلم بل وأكثر هي تشير بعلم شارط لكل علم ما يمكن أن يعتبر الإعجاز فيه أكبر وأعسر على التسليم به من الإعجاز الذي يدعيه القائلون بالإعجاز العلمي العادي .فالدليل لا يجهل ما يدل عليه .ولكن قبل أن أجيب فلأذكر القارئ أن هذه الإشكالية ليست خاصة بالدين بل هي أيضا اشكالية الفلسفة في علاقتها بالعلم وبالعمل. أبو يعرب المرزوقي 10 الأسماء والبيان
-- فلنر كل حلتها الفلسفة قبل أن نتكلم عن الحل الديني في القرآن .وللفلسفة حلان بحسب نوعي نظرية المعرفة ونظرية القيمة أي بما يشبه المصادرة المؤقتة على المطلوب .وبصورة أدق هي حلتها بقلب العلاقة بين الدليل والمدلول .فمنطقيا الدليل يسبق المدلول .ومعنى ذلك أننا نستنتج المدلول انطلاقا من الدليل .لكن الفلسفة عكست فجعلت المدلول شرطا في الدليل. كيف ذلك؟ من أراد أن يرى ذلك يعمل بصورة حية فليقرأ ميتافيزيقا أرسطو .كيف يؤسس شروط العلم وشروط المعلوم؟ ويمكن أن نقرأ التأسيس الأرسطي ضربين من القراءة: .1ما بعد الطبيعة معرفة بعدية لأنه يبدو قد أسسها على خمسة علوم سابقة الوجود عليها هي الطبيعيات والرياضيات والمنطقيات والحواريات والنسقيات .فهذه جميعا سابقة الوجود على كتاب ما بعد الطبيعة. .2لكنه لا يعتبرها علما بحق ما لم تجد في ما بعد الطبيعة تأسيسها ذلك أن طبيعة موضوع أي علم مشروطة في بدايته وإذن فعلم \"ماهية\" الماهيات وجوديا سابق .وطبيعة منهج أي علم مشروط في بدايته وإذن فعلم \"منطق\" المنهج معرفيا سابق. وبلغة فلسفية حديثة (كنطية خاصة) لا يمكن تصور معرفة بعدية من دون معرفة قبلية. وبلغة دينية لا يمكن تصور شيء من دون أن يكون له أصل فطر عليه الإنسان في كيانه العضوي والروحي. هناك إذن نقلة من تأسيس استقرائي على تجربة سابقة إلى تأسيس استنتاجي على غير سابق تجربة .فتكون النسبة بين المنتقل منه إلى المنتقل إليه كالنسبة بين الدليل والمدلول. صار المدلول دليل الدليل .وكل العلوم تعمل بهذه الطريقة :تبدأ استقرائية وتنتهي استنتاجية والعلة أنها تتفطن للأساس. والأساس الذي تتفطن إليه تكتشف أنه مرسوم في طبائع الأشياء وهو سابق على ما اكتشفته بالاستقراء بمعنى أن ما يجعل الاستنتاج ممكنا مرسوم في المدلول وإلا لاستحال على أبو يعرب المرزوقي 11 الأسماء والبيان
-- الدليل أن يتحقق .فما كان للاستقراء أن يحصل لو لم يكن في الأشياء ثوابت تجعلها قابلة للتصنيف الاستقرائي الذي نبدأ به. وبذلك تنقلب العلاقة فيصبح ما ظنناه بعديا قبليا :الميتافيزيقا توصلنا إليها بعديا لكنها في الحقيقة قبلية .ولذلك قال ابن سينا قولته الشهيرة :من المفروض أن يكون اسم ما بعد الطبيعة \"ماقبل الطبيعة\" أي إنها علم شرط الإمكان الوجودي للطبيعة وعلم شرط الامكان الـمعرفي لعلمها :ما قبل الطبيعة \"سبابة\" مشيرة. لن تجد في ما بعد الطبيعة قوانين علمية رياضية تجريبية في الطبيعة ولاسنن سياسية خلقية في التاريخ بل تجد إشارة إلى طبيعتها وإلى طريقة اكتشافها أو بصورة أدق إلى الحيز الذي توجد فيه والذي هو بنى قبلية وليست قوانين علمية ولا سنن سياسية :إنها رؤية إشارية لنظام العالم الطبيعي والتاريخي. فإذا عدنا إلى القرآن الآن فماذا نجد؟ ليس هو سبابة مشيرة فحسب بل هو يشير إلى هذا النظام باعتباره مصدر كل أدلته على وجود الله ووحدته وعلى إيجاده العالمين الطبيعي والتاريخي وعلى علاقته بهما وعلى منزلة الإنسان فيهما وعلى شروط تحقيقها لمقتضيات هذه المنزلة أي دوره معمرا ومستخلفا. قد يتصور البعض أني بهذه المقارنة أرد الدين إلى الفلسفة واعتبر النبي مجرد فيلسوف فيكون القرآن من تأليف الرسول مثلما أن الميتافيزيقا من تأليف أرسطو .وقبل أن أرد على هذا الاتهام المعقول فلأنظر في النوع الثاني من العلاج الفلسفي الحديث لأن ما ذكرته هو العلاج القديم الذي عرفه فلاسفتنا. فالعلاج الجديد لم يكن في متناول فلاسفتنا القدامى الذين قبلوا بالحل الأرسطي القائل بالمطابقتين معرفيا مع الموجود وقيميا مع المنشود وضميرهما طبعا هو الإنسان مقياس كل شيء موجوده ومعدومه ومرغوبه فيه ومرغوبه عنه .لكن المدرسة النقدية تجاوزت هذه الرؤية الساذجة وأعني بها فكر الغزالي وابن تيمية وابن خلدون .فهم ثلاثتهم لم ينفوا أبو يعرب المرزوقي 12 الأسماء والبيان
-- العلاج القديم رغم أنهم قلبوه راسا على عقب .اعتبروا ذلك فيه شيء من صحة الصورة إذا اعتبرناه نسبيا إلى الإنسان واستثنينا منه ما يتجاوزه. وثلاثتهم يعتبرون كل هذا الحل الأرسطي مبني على ضرورة قطع التسلسل للشروع في تأسيس نظام الوجود والمنشود والمعرفة والعمل .ومن ثم فلا بد من خمسة أسس مسلمة تجعل الإنسان مقياس كل شيء موجوده ومعدومه: .1لابد من ماهيات .2ومبادي مطابقة لها .3وعلم مطابق للموجود .4وعمل مطابقة للمنشود. .5وشرط ذلك أن يكون الإنسان مقياس كل شيء وما مكنهم من دحض هذه الرؤية التي هي اساس الفلسفة القديمة والوسيطة كلها والتي بإنهائها انتهت هذان الفلسفتان هو أن ذلك يكون كذلك لو قبلنا فرضيتين كلتاهما لا دليل عليها: .1ان العالم الشاهد هو العالم الوحيد الممكن وأن ما وراءه من جنسه وليس عالما آخر مختلف عنه تماما. .2أن هذه الفرضية الأولى تكون مقبولة لو كان الإنسان هو المقياس للموجود معرفيا وللمنشود قيميا. لكن الإنسان يعلم أو ينبغي أن يعلم أنه ليس مقياسا لا للموجود ولا للمنشود :وهذا هو جوهر الرسالة الدينية إذا فهمت سلبيا بمعنى أنه يحد من العقل والإرادة الانسانيين بمجرد ألا ينفي إمكان عقل وإرادة غير محدودين وهو معنى الربوبية .ومن هنا كانت الفرضيات الثلاث لتجاوز القول بالمطابقة استمدادا من رؤية القرآن الكريم للمفهوم ا لحد الذي يبين الممكن والممتنع في المعرفة الإنسانية: أبو يعرب المرزوقي 13 الأسماء والبيان
-- .1فرضية الغزالي :طور ما وراء العقل (في المنقذ) ونقد الميتافيزيقا في تهافت الفلاسفة. .2وفرضية ابن تيمية :نظرية الماهية مثل الأسماء لا تدل وليست حقيقة الشيء والتصورات لامتناهية ومن ثم فقطع التسلسل تحكمي. .3واخيرا فرضية ابن خلدون :الوجود لا يرد للإدراك والمنشود لا يرد للإرادة. .4وثلاثتها يمكن اعتبارها نابعة من المفهوم الحد المطلق أو مفهوم الغيب الذي ينفي الإحاطة العلمية على غير الله صاحب الخلق والأمر. .5وتلك هي الثورة التي أنسبها إلى القرآن وهي مضاعفة :فهي تتعلق بالعلم والموجود وبالقيمة المنشود. والتعلق بالموجود هو سر عدم فهم المعتزلة لهذه الثورة في مستوى العلم والزعم بتقديم العقل على النقل لظنهم أن العلم العقلي غني عن النقل وتوهمهم أن النقل يعني علما صادرا عن الوحي في حين أنه كل مضمون معرفي لا يمكن أن ينتج عن مجرد التفكير العقلي بل لا بد له من المضمون التجريبي. والتعلق بالمنشود هو سر عدم فهمهم لهذه الثورة في مستوى المنشود لهذه الثورة في مستوى القيمة والزعم بأن العقل يحسن ويقبح لظنهم أن المنشود متعين في الموجود كما فهموه في الخطأ الأول .لكن المنشود ليس فيه بل هو في أمر مشترك بين ما في الموجود وما في الحرية الإنسانية المتعالية على ما يحرره مما يقتصر على إدراكه منه فيرفعه إلى ما ينسبه إلى ربه من أمر متعال على علم الإنسان بقيم الأشياء والافعال وهو معنى التشريع السماوي. وهذا النوع الثاني من فهم اشكاليتي نظرية المعرفة Epistémologieونظرية القيمية Axiologieهو ما تدرجت إليه العلوم والفلسفة الحديثة رغم أن هيجل وماركس قد أنكصا الفلسفة عندما عادا إلى القول بالمطابقة في النظر وعقل الموجود وفي العمل وإرادة المنشود .لكن العلم خاصة تشبث بالرؤية التي تقر بوجود نظام طبيعي وتاريخي وترفض أن تحصرهما في رؤى الإنسان .فتكون الحصيلة أمرين: أبو يعرب المرزوقي 14 الأسماء والبيان
-- .1الإنسان مهما فعل لا يستطيع ألا يؤمن بوجود النظامين وبقابلية الطبيعة لعلم العقل الإنساني والتاريخ لعمل الإرادة الإنسانية. .2والإنسان مهما توهم لا يمكنه أن يدعي علمه محيطا بالموجود وعمله محيطا بالمنشود .وفي ذلك اقتراب مما تشير إليه السبابة القرآنية. وهو ليس علما محيطا بالموجود ولا عملا محيطا بالمنشود بل هو اعتقاد بأن الموجود قابل للعلم الإنساني النسبي والمنشود قابل للعمل الإنساني النسبي وأن الإنسان مجهز بما يجعله يحقق الممكن له من علم الموجود والممكن له من عمل المنشود بالحدود الممكنة له وهي تقتضي وجود النظامين وشرطهما. ولما كان ذلك شرط العلم والعمل فلا يمكن أن يكون صادرا عن العلم والعمل بل هو مرسوم في كيان الإنسان وهو الفطري الذي يدل الإنسان على شروط بقائه العضوي والروحي .والفلسفة عندما تدرك ذلك تصبح هي بدورها قائلة بأن هذه السبابة المشيرة تشير إلى ما يملكه الإنسان وغفل عنه ولا تعبر عن علم بقوانين الطبيعة أو بسنن التاريخ التي ينبغي طلبها بالبحث العلمي والتجربة من مجراهما الذي يدكره الإنسان بما جهز به من أدوات الإدراك. وما يملكه الإنسان وغفل عنه هو ما يسميه القرآن الفطرة التي فطر الله الناس عليها وهو ما ينسونه ويغفلون عنه .ولا يمكن معرفة قوانين الطبيعة وسنن التاريخ بمجرد شرح ألفاظ القرآن أو الاستبطان .والعلاج الأول هو ما يدعيه من يبحث عنها في التفسير والتأويل .والعلاج الثاني هو ما يدعيه من يبحث عنها في ما يسمى بالكشف الصوفي. وكلاهما لا يقدم ولا يؤخر .فالمفسرون يسقطون تأويلاتهم على ما هو معلوم ولا يكشفون قوانين علمية .وذلك يفعل المتصوفة :فكل تخريف ابن عربي معلوم عند من له دراية بالأدبيات الفلسفية وخاصة بعد أن انحطت وامتزجت بالخرافة والتوظيف الباطني (مثل علم النفس الأرسطي وعلم الفلك البطليموسي). أبو يعرب المرزوقي 15 الأسماء والبيان
-- وتعليمه مجرد تذكير به وليس تعليما لأمر يجعله لأنه مرسوم في كيانه وفي كيان العالمين الطبيعي والتاريخي :ما قدمته هنا ليس شيئا آخر غير تفسير فصلت 53على أساس آل عمران .7هذه تبين الحد أو نظام الغيب وتلك تبين الوجهة أو نظام الشاهد. أبو يعرب المرزوقي 16 الأسماء والبيان
-- وبهذا المعنى فإن تصديق الرسول يعني تصديقه في أنه لم يخف شيئا مما كلف بتبليغه ولم يكن تبليغه ناقصا بيانا وبينونة ومن ثم فكل ما يعتقد أنه كان غير قابل للفهم عند نزول الرسالة وتؤيده الرسالة وسنة الرسول ليس منها .ولولا ذلك لما كان للسنة شرعية: شرعيتها أنها تشهد لأمانة الرسول مبلغا. والمؤمنون به ممن عاشوا عصره لا يحتاجون لشهادة ومن تلقوا منهم بعد وفاته لا يحتاجون لشهادة .ومن تلقوا من هؤلاء الذين تلقوا ممن تلقوا ممن عاصروه كذلك .وتلك الأجيال الثلاثة التي تقبل شهادتهم في سنته .وهم في الحقيقة ثلاثة مع أصل هو شهادة النبي نفسه وضمانة القرآن لها جميعا. فأما شهادة الرسول فهو شهادته في حجة الوداع .وأما ضمانة القرآن فهي وصفه للرسول. وأما الأجيال الثلاثة فهي عقلية: • من صاحب الرسول تجربة حية درجة أولى. • من صاحب من صاحبهم حية درجة ثانية • وكل من يأتي الثالثة يكون راويا لتجربة لم يعشها ولم يعايش من عاشها ولا من عايش من عاشوها. وبذلك نحسم إشكالية شروط صحة الحديث: .1شهادة القرآن في الرسول أنه أمين ومن ثم فحديثه بلاغها التام. .2شهادة الرسول في الاستشهاد بها في حجة الوداع اللهم إني بلغت. .3الجيل المعاصر للرسول. .4الجيل المعاصر لمعاصريه. .5الجيل الذي عاصر معاصريه. والرواة هم من لم يعش التجربة ولم يعايش من عاشوها .وهذا الأمر يتعلق بخاصيات دور السبابة .لم يكن لهم مفسرون ولا فقهاء ولا متصوفة ولا متكلمون ولا فلاسفة يعكسون أبو يعرب المرزوقي 17 الأسماء والبيان
-- أمر فصلت 53ونهي آل عرمان 7بل كانوا فعلا يسعون إلى تأكيد طلب آيات الله في الآفاق وفي الأنفس ويبتعدون عن زيغ القلوب وابتغاء الفتنة مطبقين حرفيا سورة العصر بمقوماتها الخمسة. كانوا يعلمون أن عكس فصلت 53وآل عمران 7هو الخسر .ومنه العمل بالشرطين المتعلقين باستثناء الفرد منه أعني الإيمان والعمل الصالح وباستثناء الجماعة منه أعني التواصي بالحق (الاجتهاد) والتواصي بالصبر (الجهاد) .والاجتهاد طلب للحق دون ادعاء الإحاطة والجهاد سعي لتحقيقه دون ادعاء الكمال. وطلب الحق دون ادعاء الإحاطة هو مبدأ التربية التي أمر النبي بألا يكون فيها إلا مذكرا وليس وسيطا بين المؤمن وربه ومبدأ الحكم الذي أمر النبي فيه بألا يكون فيه إلا منظما وليس وصيا بين المؤمنين وأمرهم الذي هو شورى بينهم .وذلك هو ما يسمى سنة الرسول في التعمير والاستخلاف. وما أسميه تحريفا لعلوم الملة الغائية الخمسة ولعلومها الآلية الخمسة هو الابتعاد عن هذه التربية وهذا الحكم شرطي التعمير والاستخلاف .وهذا ما سأحاول بيانه من خلال بيان أن شرح آيات القرآن بمعنى آيات المصحف لا يمكن أن يحقق ذلك ولذلك فهو قد حقق علوما زائفة ليست المطلوب من رسالة كونية. ولو جردنا القرآن من الحشو الذي أضافه المتكلمون والفلاسفة والفقهاء والمتصوفة لبقي ما بلغه الرسول وما لم يكن بحاجة لغير دور المعلم بالمعنى الذي يكون فيه {ّإنما أنت مذكر} وليس صاحب السلطة الذي يستمدها من الزعم أنه يؤول القرآن ليجد فيه ما القرآن نفسه قال إنه يوجد في الآفاق وفي الأنفس. وما بلغه الرسول هو الاستدلال بالنظامين الطبيعي والتاريخي الأول للتوجيه نحو إحكام الخلق والثاني للتوجيه نحو حكمة الأمر .لكنه لم يعطي قوانين الفلك مثلا بل اكتفي بالكلام على دلالة نظامه على الإحكام ولم يحدد سنن التاريخ بل اكتفى بالكلام على دلالة نظامه على الحكمة .وهذا هو مضمون النص. أبو يعرب المرزوقي 18 الأسماء والبيان
-- وانطلاقا من هذا المضمون الذي سميته سبابة أو رؤية قبلية للنظامين ولقدرة الإنسان على اعتبارهما دالين على الإحكام والحكمة وعلاقتهما بشروط بقائه يمكن للإنسان أن يصل بالبحث العلمي في النظام الطبيعي الذي يشير القرآن إلى طبيعته والنظام التاريخي الذي يشير إلى طبيته أن يعمر ويخلف. وهكذا فقد وصلنا إلى بيت القصيد: كيف انحرفت علوم الملة الغائية الخمسة؟ ولماذا لم تتطور علومها الآلية الخمسة؟ أم بصورة أدق لماذا فشلت علوم الملة في تحقيق شروط التعمير وشروط الاستخلاف؟ أو بصورة أزيد دقة لماذا لم تكن تربيتنا مبدعة لهذه الشروط المعرفية وحكما مبدعا للشروط القيمية؟ ولأسأل: .1هل من اتبع الرسول قبل الدولة من أخضع لإكراه الدين أيا كانت طبيعته؟ .2هل يجد أحد في فلسفة سياسة الفقهاء والمتكلمين شيئا مما نجده في دستور الرسول؟ .3هل نجد شيئا من قيم حجة الوداع في علمهم أو في عملهم؟ .4هل نحد في التربية \"إنما أنت مذكر\" أم البحث عن دور الوسيط؟ .5وهل نحد في الحكم \"لست عليهم بمسيطر\" أم البحث عن دور الوصي؟ أين ذهبت هذه المعاني والقيم التي ربي عليها الأجيال التي أسست لدولة الإسلام التي تتبع دستور حكمها وأسلوه كما حددته الشورى 38رغم ما انتهت به التجربة من مآل الفتنة الكبرى لأن بناء المؤسسات لم يكتمل؟ فالدستور التعددي بكل معاني الكلمة كان في البداية وهو يؤسس التعايش بين الأديان ولعدم الإكراه في الدين .وقيم حجة الوداع والتربية دون وساطة والـحكم دون وصاية. ما الذي غير ذلك كله فأصبح كل ما يحدث هو نقيضه المطلق الإكراه والوحدانية وعدم القيم والوساطة في التربية والوصاية في الحكم؟ أبو يعرب المرزوقي 19 الأسماء والبيان
-- ماذا حدث ليحصل فشل التعمير والاستخلاف؟ ذلك ما لا يمكن تفسيره لا بالصليبيين ولا بالمغول ولا بالأتراك ولا بالمماليك ولا بالاستعمار الأوروبي ولا بثمراته التي هي فساد الحكام واستبدادهم وانحطاط النخب بنوعيهم التأصيليين والتحديثيين بل لابد من بحث في أعماق أعماق العلوم الغائية الخمسة التي انحرفت وقصور علوم الآلة التي جمدت. وإذا كانت علوم الملة الغائية قد أفسدت التربية والحكم أي تكوين الإنسان العقلي والقيمي في النظر والعقد وفي العمل والشرع وجعلته عاجزا عن التعمير عامة والتعمير بقيم الاستخلاف خاصة فإن علوم الآلة أفسدت العقل من أصله لأنه أصبح لا يتجاوز الآلات البدائية العاجزة عن اكتشاف أسرار الطبيعة والتاريخ. هذه هي فرضيتي وما كنت لأصل إليها لولا مغامرة العودة إلى قراءة القرآن بعين كان الكثير من زملائي قد فقأوا ما يناظرها لأنهم بلعوا كذبة التعارض بين الدين والفلسفة وادعاء العقلانية بالمعنى الذي يجعل العقل ذا بصر حديد عند كل مدع للتفلسف البليد: لكن العقل يدري بمحدوديته دون أمل في غيره. ومعنى ذلك أني لم أعد للقرآن لظني أنه يوجد طريق أخرى غيره بما في ذلك في الوحي .والدليل هو أن القرآن بخلاف من يريد اعتباره مثل الكتب الأخرى وقيس الإسلام عليها لا يعتمد على غير العقل بمعنى أنه لا يستدل بالخوارق بل بالنظام في العالم الطبيعي والتاريخي أو في الإنسان العضوي والروحي. سيحتج على كلامي لكن القرآن يتكلم على معجزات الرسل الآخرين وعلى ذاته بوصفه معجزة الرسالة الخاتمة .وطبعا ما قلته لا ينكر ذلك .لكن المحتج لا ينبغي أن ينكر أن الرسول كلما حاججوه بالخوارق رد بأنها غير ضرورية وهي للتخويف وليست للإقناع ومعجزته هي بالذات القرآن من حيث هو خطاب النظام. ثم إن تاريخ الرسالة وخاصة في مرحلة الرسول نفسه لم تعتمد على معجزات بل على أفعال ذات استراتيجية عقلية لتحقيق غايات سياسية خلقية بتربية الاحرار وتمكينهم من أبو يعرب المرزوقي 20 الأسماء والبيان
-- أدوات الفعل التاريخي .فالنبي نفسه كان مربيا وقائدا سياسيا وقائدا عسكريا .وهو يعمل بما يقتضيه التعمير والاستخلاف كإنسان. أما كلامه على الرسالات الأخرى ومعجزاتها فذلك رواية تحترم معتقدات الآخرين وليست بالضرورة دالة على اعتناقها أو على حجيتها فضلا عن حدوثها الفعلي لأن القرآن ليس تاريخا بل هو في كلامه عن الأديان الأخرى لا يهدف إلا إلى اثبات امرين :نقد التحريف وبيان كونية القيم التربوية والسياسية .وإذا كان يعتبر التعدد الديني شرطا في مبدئين أساسين في رؤيته الدينية: .1التسابق في الخيرات حتى يختار الإنسان بعد تبين الرشد من الغي دينه من بين الأديان الموجودة والتي لأصحابها نفس الحقوق في دولة التعدد الديني بمقتضى ثلاث آيات قرآنية صريحة (البقرة 62والمائدة 69والحج ..)17 .2عدم الإكراه في الدين لأنه مشروك بتبين الرشد من الغي وهذا مشروط بالحرية الفكرية والعقدية فإن نقده يقتصر على التحريف الذي يمس الجوهر العقدي .ولا يمكن اشتراط تبين الرشد من الغي من دون حرية فكرية. والجمع بين الحريتين يعني حرية الضمير .لذلك فأنا لا أعتقد أن أحدا له نزر من العقل يمكن أن يصدق أن الإسلام يمثله من نراهم من \"العلماء\" والدعاة الذين هم أذل خلق الله في خدمة من هم أذل منه خدمة لحاميهم ضد شعوبهم وضد الإسلام الذي يحاربونه أكثر مما يحاربه أعداؤه حتى يعطوا عربونا عن ولائهم لأعدائه ويبقون في إهانة المسلمين. ومثلهم من يزعمون تمثيل الحداثة .هم يمثلون صورتها التي ورثوها عن الاستعمار ويواصلون العمل بها باعتباره علمائه .وهم إذن أذل ممن يدعون تمثيل الإسلام .وهذان النوعان من النخب هم من سميتهم بالكاريكاتورية :كاريكاتور التأصيل وكاريكاتور التحديث .أما حقيقة القيم الكونية فهي واحدة في الدين وفي الفلسفة إذا لم يحرفهما الانحطاط والتوظيف من قبل الاستبداد والفساد سوء كان ذلك عندنا أو في الغرب. أبو يعرب المرزوقي 21 الأسماء والبيان
-- وقد يحتج أحد بالقول إنك تقيس علماء اليوم على علماء الأمس .لكن إذا اعتبرنا أن الماضي فيه الأفاضل وهذا لا شك فيه كالحال في كل العصور لكن من حدد التاريخ الفكري والتربوي والسياسي لم يكن الأفاضل من العلماء سواء كانوا يدعون تمثيل الدين أو تمثيل الفلسفة .فكما في عصرنا ليس للأفاضل ناقة ولا جمل في حال دار الإسلام ومن يسيطر عليها الآن باسم الدين أو باسم التحديث .وبقاء الانحطاط حتى بعد قرنين من ادعاء النهوض يشهد لفرضيتي لا عليها. وكيفما كان الأمر فالفرضية لا معنى لها إذا لم يقع إثباتها بالحجة المنطقية أولا وبالحجة التاريخية ثانيا أي بالعقل وبالنقل لأن الفصل بينهما من أهم أعراض هذا الداء الذي نتكلم عليه .فـمحرفو الديني والفلسفي يزعمون أن الأول نقلي والثاني عقلي لكأنه يوجد نقلي دون العقلي وعقلي دون النقلي. أبو يعرب المرزوقي 22 الأسماء والبيان
-- للمرة الألف أذكر بأن المقابلة عقلي نقلي علتها وهمان: .1الأول الظن أن ما يسمونه النقلي يدرك أمورا يعجز العقل عن إدراكها ويعتبرونها رمز الوحي .وهذا كذب على الوحي على الأقل كما يصوره القرآن .فالوحي إذا تكلم على الغيب يكون كلاما عن إخبار الله النبي يه .فلا يبقى غيبا وعليه تبليغه. .2والثاني الظن بأن ما يسمونه عقليا غني عن النقل وأن مجرد التصور كاف ليكون المرء حاصلا على علم الموضوع .وهذا أيضا كذب على العقل على الأقل كما يقتضيه العلم الفعلي .فمضمون المعرفة الذي يبدأ فرضيا لا يصبح مضمونا بحق ما لم يستمد من النقل عن الموجود الفعلي في الأشياء. ولما كان عليه تبليغه وإلا فهو ليس أمينا فإنه إذن في متناول العقل المخاطب به ومن ثم فلا يوجد في القرآن غيبا قابلا للعلم حتى من النبي وإلا فهو لم يبلغ وهو قد قال اللهم إني بلغت ولما كان صادقا ولا ينطق عن الهوى فكلامه حاسم .وما هو غيب لا يعلمه النبي كما في الروح وفي القيامة مثلا. هذا في ما يخص الوهم الأول. أما الثاني فلو كان بوسع العقل الاستغناء عن النقل لكان يعلم دون حاجة لنقل يستمد من معلومات حول موضوع علمه ولكان لا فرق بين العلم والحلم ولكان التخيل وحده كافيا للمعرفة لو صدقنا أن إدراك المعطيات الموضوعية التي هي مضمون العلم ليس نقليا أي مستمدا من الوجود الفعلي للأشياء لكان التشكيل المنطقي أو الرياضي وحده كافيا .لكن الأمر أبعد غورا من ذلك .فالعقل مستحيل أن يخطو خطوة من دون عقيدتين يبدآن على الأقل فرضيا وهما: .1أولا الإيمان بأن للموضوع الذي يريد علمه قوانين أو قابل للصياغة القانونية. .2وثانيا أن الإنسان له القدرة على اكتشاف هذه القوانين أو على وضعها بصورة تطابق ما يفترضه في الموضوع من قوانين. أبو يعرب المرزوقي 23 الأسماء والبيان
-- لكن الوهم الثاني وهم العقل في مقابل النقل علته أعمق حتى من ذلك :فهم يزعمون أن العقل يدرك الموجود على ما هو عليه وضمير ذلك أن العلم العقلي محيط وأن صورة الإنسان عن الوجود مطابقة للوجود ومن ثم فما عليه الوجود بكامله هو في متناول عقل الإنسان .وهو تأليه ذاتي ضمني دليل سفاهة لا علم. ولذلك فكل فلاسفتنا لا يختلفون عن حداثيينا في هذا الاعتقاد الساذج بالإحاطة والزعم بأن الدين صورة شعبية عن الحقيقة العقلية ومن ثم فلا بد من تصديق العقل وتكذيب قول الوحي بالغيب الذي لا يدعي الوعي أكثر من وجوده دون الزعم بأن القرآن فيه علمه وإلا لملمناه لأن القرآن رسالة موجهة إلينا. اخبار الوحي للإنسانية بوجود الغيب ليس علما بمضمونه بل هو حد لوهم الإنسان بالإحاطة .اخبارنا بوجود الغيب يساوي اخبارنا بأن علمنا محدود وبأنه نسبي وبأن الإنسان الذي توهم علمه مطلقا يتأله فيصبح طاغية يدعي أن علمه وإرادته وقدرته وحياته ورؤاه هي عين ما يريده لله فيدعي الألوهية. الغيب إذن \"مفهوم حد\" يغير جذريا نظرية المعرفة بنفي المطابقة والمحافظة على الفرق بين إدراكنا للوجود وحقيقة الوجود المطلقة التي لا يدركها إلا الله ما يعني أن علمنا اجتهاد وليس علما نهائيا وهو اجتهاد متأصل لا يتوقف وليس له نهاية لأنه عين علاقة عقلنا المتناهي بالوجود اللامتناهي. ورمز الوجود اللامتناهي في القرآن هو كلمات الله التي لا تكفي فيها بحار العالم كلها حبرا حتى لو تضاعفت بما لا يتناهى من المضاعفة .ومعنى ذلك أنه لا يوجد علم إنساني أبو يعرب المرزوقي 24 الأسماء والبيان
-- نهائي أو كامل أو حتى قريب من الكمال \"ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء\" الشيء هذا الذي نعلمه لامتناهي الصغر. علوم الملة محرفة إذن بمعنيين: • أولا لأنها تركت ما أمرت به فصلت 53وانشغلت بما نهت عنه آل عمران 7 • وثانيا لأنها توهمت أن علمها مطابق كما ورثت ذلك عن الفلاسفة وليس اجتهادا ذا تاريخية وتطور بحسب تجويد العلوم المساعدة أو علوم الآلة التي بقيت لغوية حتى بثورة الجرجاني. وأبشع صورة عن هذا الانحراف عنتريات الرازي في ما يزعم غاية التعالم في التفسير. ولو كان القرآن بحاجة لذلك لما كان رسالة للإنسان عامة سواء كان عالما باللغة مثله أو جاهلا بها مثلي أو حتى أعجمي يكفي أن تنقل له المعاني العامة التي كلف الرسول بتبليغها وتعليمها للجاهليين جهلا وجهالة. ولذلك فالعلوم الغائية الخمسة (التفسير والعلوم الفرعية المبنية عليه أي العلمان النظريان كلاما وفلسفة والعلمان العمليان فقها وتصوفا) لم تتجاوز الثرثرة حول ما نهت عنه آل عمران 7والاهمال الكامل لما أمرت به فصلت :53تأويل المتشابه واغفال آيات الله في الآفاق والأنفس لتبين حقيقة القرآن. وكل ذلك بالتشقيق اللفظي لنص القرآن تشقيقا غايته استخراج هذه العلوم المزعومة منه .ودليل عدم الصدق حتى في هذا هو أنهم في الفقه مثلا اضطروا إلى فقه وضعي متنكر إما باعتماد القياس أو الاستحسان إلى أن وصلوا إلى حيلة الحيل كلها أعني المقاصد إما لسد الذرائع أو لفتحها حسب رغبة المستبدين. توهموا أن كلمات الله اللامتناهية توجد بين دفتي المصحف وأن القصد هو المعاني اللامتناهية لدلالات الالفاظ المتناهية والمحدودة الواردة فيه في حين أنها هي ما أعنيه بالسبابة التي توجه الإنسان نحو ما يحقق به وظيفتيه: أبو يعرب المرزوقي 25 الأسماء والبيان
-- .1تعمير الأرض باعتبارها مصدر حياته وعلة بقائه. .2الاستخلاف بما جهز به للتعامل مع العالم بقيم الإسلام. ولست أول من أدرك سفاسف الفقهاء والمتكلمين .فإحياء علوم الدين كان أول محاولة لبيانها وخاصة في الفقه الذي صار مهنة من ليس له مهنة وفي الكلام الذي يتحول إلى مرض نفسي يشبه ما نرى عليه المعلقين الصحفيين العرب الذين يعتبرون جهلهم وصلفهم المماحك براعة جدلية وهي غباوة ونذالة خلقية .والغزالي قال أكثر. لكن ما يوجه إليه الله الإنسان بما يريه من آياته في الآفاق وفي الانفس هو لات ناهي الخلق والامر وهو ما عليه الاجتهاد والجهاد لمعرفة بعض ما يستطيع علمه منه بالبحث العلمي فيه وليس في تشقيق الكلام والتأويل .والمشكل أن الفلاسفة تعاملوا مع الفلسفة نفس التعامل :شرح لفظي ذروته الشروح الرشدية التي توهم بأنها علم وهي في الحقيقة تقليد ببغاوي لرؤية ساذجة للطبيعة وللتاريخ: .1فالطبيعة والتاريخ لا يمكن أن يفهما بالقيس على تكنولوجيا الهيلومورفية للصناعات البدائية رغم أن العكس ممكن .فيمكن أن نعتبر التكنولوجيا فيها محاكاة لمجرى الظاهرات الطبيعية استنادا إلى معرفة فوانينها ثم تطبيقها في صنع ما يماثلها .لكن تصور الطبيعة صانعة ليس شيئا آخر غير اعتبار الإنسان مقياس كل شيء. .2والمحرك الأول لعالم ما فوق القمر الذي يحرك ما دونه لا يمكن أن يكون \"نرجسي\" لا يخرج من ذاته اعجابا بجمالها ثم تتوالد عنه العقول المحركة للأفلاك حتى لو طورها أبن رشد فاعتبر النموذج السياسي تفسيرا بديلا من الفيض الأفلاطوني المحدث للعقول المحركة. ولا يظنن أحد أن فلاسفة عصرنا بين الحداثيين العرب أفضل من فلاسفتنا في القرون الوسطى .الفرق الوحيد أن أرسطو عوضه غيره من المحدثين الغربيين وخاصة ماركس أبو يعرب المرزوقي 26 الأسماء والبيان
-- بالنسبة لأدعياء التقدمية والاشتـراكية والقومية وهلم جرا من \"الإية\" في المصادر الصناعية التي هي الصناعة الوحيدة التي أفلحوا فيها طنا أنها صنع مفاهيم. وتجد الكثير منهم مصدقا لخرافة الفلسفة تصنع المفاهيم .والله لو قالها أحد في القرون الوسطى لقبلت منه لأنها فعلا لم يكن لها إلا صنعة صنع الألفاظ ظنا أنها مفاهيم .لكن المفاهيم لا يصنعها إلا العلم والفن: .1فالعلم يصنع مفاهيم القوانين العلمية والرؤيوية. .2والفن يصنع مفاهيم السنن الذوقية وخاصة الـخلقية. ولم يصنع فيهما مفاهيم إلا من كانوا مبدعين من العلماء والفنانين وبعضهم فهم الفلسفة بهذا المعنى .لكن معلمي الفلسفة ليسوا فلاسفة بل هم في نسبة الرواة إلى الشعراء .لا يوجد وراء ذلك غيره .المفاهيم لا تصنع خارج معمل مضاعف هو معمل علاقة الإنسان بالطبيعة ومعمل علاقته بالتاريخ .ولهما وجودان: .1الأول في الآفاق أي خارج الأنفس أو في الأعيان. .2والثاني داخل الأنفس أي في الأذهان. وإذا لم يوجد الوجه الأول يصبح الثاني ثرثرة وإذا لم يوجد الثاني يصبح الأول تقليدا بليدا تخفيه الألفاظ .وبذلك تصبح مجالات الإبداع خمسة لا تتعداها :أحدها هو الغاية وهو القدرة سواء كانت مادية في علاقة بالطبيعة مصدرا لقيام الإنسان العضوي ويرمز إليها الاقتصاد أو روحية في علاقة بهذه العلاقة وبالتاريخ مصدرا لقيام الإنسان الروحي ويرمز إليها الثقافة .وهو إذن مجال مهمل أو ما تعلق به عقيم. ولا أحتاج لطويل استدلال .فما عليه الأمة من عيش على ما تعيش عليه القبائل البدوية في بداية تاريخ الإنسانية أي ما تنتجه الطبيعة مباشرة وكان قديما ثمراتها الظاهرة وأصبح بفضل العلم الغربي مخزونات أعماقها وموادها المحولة بالعلم من قبل غيرنا لأننا ورثنا أرضا صارت عنية بفضل علم غيرنا. أبو يعرب المرزوقي 27 الأسماء والبيان
-- والعلاقتان بين الإنسان والطبيعة وبينه وبين التاريخ علاقتان كلتاهما مضاعفة :فردية وجماعية .والعلاقة الجماعية هي الوسيط الضروري بين الطبيعة والفرد لأنه من دونها لا يستطيع البقاء بموجب القانون البايولوجي (التوالد) والشروط البيئية أولا (شرط الرعاية :الطفل الإنساني بحاجة للأسرة مثلا أكثر من جميع الكائنات الحية الاخرى) والعضوية (شرط الحماية :الفرد الإنساني من دون الجماعة لا يستطيع أن يحمي نفسه لا من الإنسان الآخر ولا من ا لحيوانات مثلا) ثانيا. وقد ورثنا تاريخا ليس لنا فيه دور لأننا نعيش بخيانته وباستعمال معالمه للسياحة وليس لتكون دافعا للإبداع العلمي والتقني .صحيح أن لنا ناطحات السحاب .لكنها لا تنطحها بتقنياتنا بل بمستورداتنا ومن ثم فتاريخ العمارة عندنا لا يعتبر عن علم ولا عن تقنية بل عن بيع الخام مقابل الجاهز للعاجز. وهذه الغاية القدرة المادية والقدرة الروحية لها أربعة شروط مضاعفة مثلها وهي المجالات الباقية .فلها شرطان مضاعفان يؤديان دولة العلة الفاعلة وهما السياسة حكما ومعارضة والمعرفة طبيعية وإنسانية .فمن دون ذلك لا يمكن أن توجد قدرة مادية ولا روحية في أي جماعة إنسانية حرة وليت تابعة مثلنا. ولها كذلك علتان غائيتان هما الرؤية والذوق .فمن دون رؤية دينية وفلسفية ومن دون ذوق جمالي ووجودي لا يمكن لأي امة حرة أن يكون لها قدرة روحية أو مادية وهي إذا استوردت الرؤية والذوق صارت تابعة روحيا بعد التبعية المادية وتلك حالنا حاليا. وموضوع فكرنا هو غرقنا في الاختيار بين التبعيات. أبو يعرب المرزوقي 28 الأسماء والبيان
-- سبق فعالجت العلوم الغائية الخمسة ولن أعود إليها .ويكفيني الكلام على الاشكالية التي يدور حولها الجدل والذي جعلها ترد إلى قلب أمر فصلت 53إلى نهي ونهي آل عمران 7 إلى أمر ما جعلها تتحول إلى كلام دال على زيغ في القلب وابتغاء الفتنة وليست قولا في شروط تعمير الأرض بقيم الاستخلاف. فالعلمان المتعلقان بالنظر والعقد أي الكلام والفلسفة بين أنهما لم يتجاوزا مرض القلوب وابتغاء الفتنة لأنهما لم يؤسسا لأي معرفة علمية تمكن من تعمير الأرض .وأقصى ما كرراه شروح لفلسفة ارسطو التي بلغت الجمود قبل الإسلام بقرون ولم يكن بوسعها أن تؤسس لشروط تعمير الأرض .لكن هذه الفلسفة التي تصوروها علما نهائيا (الفارابي العلم تم ولم يبق إلا أن يتعلم ويعلم) أعمتهم عن تجاوز الأموات واكتشاف الحي بنقد ينطلق من المبدأ القرآني \"التصديق والهيمنة\". والعلمان المتعلقان بالعمل والشرع أي الفقه والتصوف دون العملين المتعلقين بالنظر والعقد تجاوزا لسطحيات الكلام في موضوعهما بسبب الاعتقاد بأن العلم الإنساني محيط والعمل الإنسان تام وأن الإنسان يعلم الوجود على ما هو عليه والمنشود على ما ينبغي أن يكون عليه بخلاف القول القرآني الصريح أن الدنيا نفسها فضلا عن علمنا بها ليست هي الحقيقة وقيم أعمالنا يعسر أن تكون مطابقة لما ننشده. وإذا جمعت هذه الانحرافات الأربعة حول الإيمان والعلم بين الكلام والفلسفة وحول القانون والأخلاق بين الفقه والتصوف اكتشفت التحريفات التي حصلت لتفسير القرآن الكريم بخلاف ما أمرت به فصلت 53وما نهت عنه آل عمران .7وهذا هو أصل كلامي على عقمها النظري والعملي في التعمير والاستخلاف .وما سأهتم به الآن بعد هذا التذكير هو العلوم الآلية الخمسة وسأحاول النظر في أبعادها في الفصول الموالية: .1اللغة .2والمنطق أبو يعرب المرزوقي 29 الأسماء والبيان
-- .3والتاريخ .4والرياضيات .5وأصلها جميعا أي الوسميات (السيميوتكس أو نظرية الرمز). ورغم كثرة المجلدات في اللغة والتاريخ خاصة فإنها بقيت بدائية بسبب ما وصفت في العلوم الغائية الخمسة .ولنضرب مثالين ضروريين للكلام والفقه .والمثالان هما الآن من ممضوغات أدعياء النقد الحديث أعني: .1التأويل في علاقة باللغة والمنطق بين الفلاسفة والمتكلمين حول علاقة الإيمان والعلم. .2والحديث في علاقة بالتاريخ بين الفقهاء والمتصوفة حول علاقة القانون بالأخلاق. وقلما استعملت علوم الملة الرياضيات والسيميوتيكس .فالرياضيات بقيت عملية أساسا وليست نظرية وهو اكتفوا بالموجود .والسيميوتيكس (الوسميات) لم تكن موجودة حتى عند اليونان وهو علم لم يعرف قبل القرن التاسع عشر رغم كونه ذا صلة بالمنطق والرياضيات. وكما هو معلوم فالمعركة محتدمة حاليا خاصة حول متون الحديث عامة وحول البخاري خاصة .والمسألة تعنيني بخصوص المنهجية وبدائية الآلة في الصفين .ومشكل الحديث مضاعف :فهو أولا في منهجية تدوينه وهي مسألة تتعلق بعلم الآلة أو التاريخ ومشكل في نقده الحالي وهي أيضا مسألة تتعلق بعلم الآلة التاريخ لكنها تتخفى بقضية التعارض مع القرآن لكأن النقاد يؤمنون بالقرآن ويخافون عليه كما يزعم القرآنيون .وما كان ليحصل لو كانت الآلة سليمة .فالتاريخ له دائما مصدران لا ثالث لهما: .1الشيء نفسه في تعينه المادي مثل الآثار وما يكتب عليها. .2ثم الشهادات التي تصاحبها أو تكون بديلا منها إذا غابت. ودائما في يكون الاعتماد في الأولى على آلة غير تاريخية تعود إلى العلوم الطبيعية وهي فنيات التحديد الزماني بالعلامات الطبيعية مثل الكربون .وليست طريقة جديدة: أبو يعرب المرزوقي 30 الأسماء والبيان
-- فالتاريخ بالمادة الحاملة وحتى بعلامات في كيان الشيء (مثل العمر بأسنان الحيوان) معلوم قبل الكربون. والثانية تعتمد أيضا منهجا تاريخيا فرعيا هو معرفة الشهود الذين يعتمد عليهم وخاصة في حالة انعدام الأثر المادي المعتمد .وهذه الوسائل الاربع استعملت في تدوين المصحف ما يعني أن المسلمين الاول كانوا دارين بالآلات المنهجية السليمة .فالقرآن كان أثرا حيا قائما في صدور الرجال وفي الممارسات. والقرآن كان موجودا في آثار مكتوبة لكنها غير مرتبة أو غير ثابتة الترتيب عند الجميع وإلا لما اضطروا للترتيب الموحد في المصحف العثماني .فاعتمدوا الشرط الرابع وهو الرجال من ناحيتين :الكفاء العلمية أي إنهم أفضل الحفظة والأمانة الخلقية أي إن شهادتهم غير قابلة للقدح .وطبقوا شرط الشهادة. ولا يمكن أن يكون القرآن يتكلم على الكتب التي في اليهودية والمسيحية ويعلم أنها مكتوبة ومحفوظة وأن يكون القرآن يطلب كتابة أتفه معاملة اقتصادية ثم يبقى القرآن في الصدور وليس مكتوبا إلى عهد عمر .من يصدق هذه القصة؟ ومن يصدقها ونحن نعلم أن للقرآن عدة كتبة يلمي عليهم الرسول ما يتلقاه من الوحي؟ ومن يصدق خرافة العنز التي أكلت الأوراق؟ وهي كذبة مضحكة :لأن العرب حينها لم يعرفوا الأوراق كانت الكتابة إما على الجلود أو على العظام .فهل العنز تأكلهما؟ هذا من تندر اعداء القرآن ممن كانوا يهزؤون ببداوة العرب .ولا أعجب أن تكون من خرافات الباطنية .ثم إن القرآن هو بالتعقيد الذي يستحيل أن يحفظ بصورة نسقية تحافظ على تعقيداته وما يبدو فيه من تكرار وجمع بين المكي والمدني من دون وثائق كتابية خاصة وهذا الترتيب بخلاف ما يتوهم الكثير له نسق عميق من يغوص إليه يكتشف أنه ليس عدم نظام بل هو نظام خفي بديع الأسرار. أبو يعرب المرزوقي 31 الأسماء والبيان
-- وشرط الشهادة هو شهادة عدلين لهما هذين الصفتين :الكفاء المعرفية والجدارة الخلقية. ومشكل الحديث يتعلق بهذه الشروط الأربعة إذا لم نعتمد على التعريف الدقيق للحديث ما هو .فلا أظن أحدا يشك في أن المقصود بالحديث ما كان تعليما للقرآن .والرسول في حياته يميز بينه وبين ما ليس منه. فيكون ما اعتبره الرسول منه له أصل يحتكم إليه وهو القرآن الذي دون بالطريقة التي وصفنا أي إن تدوينه توفرت فيه الشروط المنهجية الاربعة ومن ثم فيمكن اعتباره أصلا لنقد ما ينسب إلى الرسول من أحاديث متعلقة بمعاني القرآن كما علمها الرسول .والباقي اجتهادات تراجع فيها هو نفسه مثل التأبير. ويمكن لهذا التقسيم الأول أن يتعلق بالكثير من الأحاديث التي ليس لها منزلة النوع الأول والتي تبقى معتبرة لأن قائلها وإن كان مجتهدا ليس كأي مجتهد .ويبقى الحكم النهائي هو الاحتكام إلى ما لا يتنافى مع القرآن أحكامه وأخلاقه .لكنها مع ذلك ليس لها الطابع الإلزامي الذي للنوع الأول لأن المرجعية القرآنية ليست صريحة فيها صراحة أي موضوع في تعليمه من أفضل معلم. والسؤال الآن :هل جماع الحديث اعتمدوا الطريقة التي اعتمدها مدونو القرآن وموحدو متنه بالشروط التي وصفت؟ طبعا لا لأن كل الشروط غائبة وخاصة إذا لم يقع التمييز الذي أشرنا إليها قبل قليل. والإشكال هو كيف يمكن تحقيق ذلك رغم شبه الاستحالة لأن تدوين الحديث تأخر كثيرا لعدم كتابته بداية حتى وإن وجد حتما بعض الأحاديث المدونة وهي قليلة إذا اعتمدنا على مستعلميها قبل حصر تدوينها. وكتابته المتأخرة لم تكن عصيانا للأمر بعدم كتابته بل لأن كتابته لم تعد ضارة بالقرآن (الخلط بين النص الإلهي وتعليمه النبوي) وعدم كتابته صارت ضارة بالتعليم وبالنص لكثرة الوضع والانتحال فكان لا بد من التدوين لسد الباب على المزيد منه مع تصفية ما حصل فيه بقدر الإمكان :وهذا هو موضوعنا. أبو يعرب المرزوقي 32 الأسماء والبيان
-- وأي معرفة تبدأ بفرضيات تتأسس عليها وتمتحنها بنتائجها بحيث إن دليل الفرضيات تال وليس سابقا عليها :إذا وافقت ما يظن حقيقة الموضوع قبلت واعتمدت فعلا وإلا فهي بحاجة إلى إعادة النظر فيها .ونحن هنا بصدد الفرض وليس التقرير. .1فرضية أولى ما معيار للفصل بين التعليم النبوي والرأي النبوي .فهذا المعيار يمكن من اعتبار القرآن موضوع التعليم هو الأصل الذي تقاس به الأحاديث وما عدى التعليم اجتهاد إنساني عادي يحتكم فيه إلى العادة. .2فرضية ثانية وهي الأصعب قبولا لكنها حتمية إذا أردنا أن نوفر البديل الوحيد الممكن من الشروط الأربعة في المنهج التاريخي :الشهادة بشرطيها .وقد حاولت أن أشير إليهما في الفصول السابقة. فالشهادة إما عيانية أو مروية عمن عاين أو عمن روى عمن عاين .وكل ما عدى ذلك ليس شهادة موثوقة لأنه لا يوجد فيها شرط العيان أو شهادة العيان .والمعاين لا بد أن يكون حاصلا على الشرطين المعرفي والخلقي لتكون شهادته شهادة عدل .ولضمان \"المشترك الذاتي \"Intersubjectifوعدم الاقتصار على الذاتية لا بد من وجود شاهدين بهذه الصفات غير متواطئين في الحالة الأولى وأربعة في الحالة الثانية وثمانية في الحالة الثالثة. لماذا هذه المتوالية الرياضية؟ لسبب بسيط: .1فالحالة شهادة عيان. .2والحالة الثانية أخذ عن شاهد عيان. .3والحالية الأخيرة رواية عن هذا الأخير راوية خالص. ولما كانت الأولى يشترط القرآن فيها شاهدين فإن الثانية ينبغي أن يكون فيها شاهدان لكل واحد من الشاهدين .وفي الثالثة لا بد أن يوجد شاهدان لكل واحد من الشهود الأربعة .وينبغي أن تتواصل المتوالية الهندسية إلى يوم تدوين الحديث .ففي كل جيل يتضاعف عدد الشهود بهذه المتوالية الهندسية :وهذا لن يبقي الكثير من الأحاديث التي ليس لها ما اشترطناه من أدلة. أبو يعرب المرزوقي 33 الأسماء والبيان
-- .4وأصل هذه الشهادات شهادة القرآن الكريم. .5الذي يدلنا على محل طلب ما يبين أن شهادته هي الحق (الآفاق والأنفس) :ومعنى ذلك أن كل ما يؤيده مجرى العادات في الآفاق والأنفس وأخلاق الرسول كما حددها القرآن خاصة فلا ينسب إليه ما ينافيهما. وبذلك فستزول العنعنات عن الأفراد حتى لو كانوا ممن عايشوا الرسول .فالشهادة لها حكم ديني ولكنه كذلك حكم فلسفي :وهو عدم الاقتصار على الفرد لأن الكلام عندئذ يكون ذاتيا ولا بد من الخروج من الذاتية بما يتفق عليه ذاتان ليكون \"المشترك الـذاتي\" وهو الوحيد حتى في العلوم الأمتن مع تخير الذاتين الشاهدتين بالصفتين العلمية والخلقية. وفي ذلك لا استثناء حتى لو كانت عائشة أم المؤمنين .وبالنسبة إلى هذا المعيار يبقى المعيار الأصلي فاعلا وهو :إذا كان الحديث متعلقا بتعليم القرآن فلا بد من شهادة القرآن بوصفه موضوع الحديث الذي يعلمه .وبهذا المعنى فإن متن الحديث يصبح يسير التحديد وقليل المضمون المشكوك فيه. ولا تزعجني كثرة الأحاديث .ذلك أني لا اعتبر موضوعا كل ما يمكن أن يكون من التعليم الرسولي للقرآن إذا كان في القرآن ما يؤيده إذ عندئذ ينعكس الدليل :فعلى من ينفي نسبته إلى الرسول أن يثبت نفيه وليس علي أن أثبت نسبته إلى الرسول لأنه من باب الممكن ما دام لا يتنافى مع القرآن .فيكون عدم بيان امتناعه كافيا. ويمكن كذلك أن تصنف الأحاديث بحسب مجالات التعليم النبوي فتصبح سهلة الرد إلى مجموعات قليلة يمكن اعتبارها عين علوم الملة الخمسة أي :صنف أحاديث التفسير وصنفا أحاديث العلمين النظريين حول الإيمان والعلم وصنفا أحاديث العلمين العليين حول القانون والأخلاق .ويمكن أن نضاعف هذه الأصناف بأن نجعل ما يقابل التفسير صنف الكلام في الآفاق والأنفس ثم صنفان يقابلان الطبيعة وما بعدها والتاريخ وما بعده .فتكون عشرة أصناف لا تعدوها. أبو يعرب المرزوقي 34 الأسماء والبيان
-- وضمن هذه الأصناف توجد تماثلات بين الأحاديث وتشاجنات قابلة للحصر النسقي الذي يجعلنا أمام شبكة من الخانات التي يمكن ملؤها واكتشاف الفراغات فيها فنتمكن من ملئها إما بما يتناسق معها من خلال اكتشاف قوانين تواليها أو يناظرها الطردي أو العكس كما حصل مثلا في تصنف العناصر الطبيعية .ولو كان لي اهتمام بهذا المجال لاكتشفت ذلك ولحسمت الأمر بصورة تلغي الكلام على الرواة من أصله. فالمحاولة ينبغي أن تنطلق من أساس متين وقد قدمه ابن القيم على أساس .فالقرآن الذي ضبط متنه بصورة متحررة من سلاسل الروايات الطويلة وخاصة من تأخرها لأن المصحف العثماني لم يتأخر كثيرا والحفظة الذين كلفوا بضبطه وتوحيده نسخه كانوا من الثقات وطبقوا قانون الشهادة التي وضعها القرآن نفسه. وأدلة الرجحان كثيرة فضلا عما حاولت تصوره من بعضها .وتكون كفاية هذه الأدلة متناسبة مع أدلة الرجحان .ويمكن أن تكون بالقياس إلى ما لنا دليل على حصوله .فتكون الأحاديث المؤيدة بالأدلة التي وصفنا سندا للأحاديث الراجحة .وبذلك فطريقة تدوين الحديث تتغير تماما وتصبح أقرب ما يكون للمنهج التاريخي السليم بحسب توفر الشروط الأربعة. لكني أشك أن ذلك قد حصل وأشك أن ذلك سيحصل ومن ثم فالجدل حول متون الحديث عديم المعنى في غياب وضع المشكل في علاقته بعلم الآلة الذي يتعلق به أعني التاريخ الذي هو علم آلة في علوم الملة وطبعا يمكن أن يكون علما غاية إذا كان القصد التاريخ للأحداث في ذاتها بصرف النظر عن وظيفتها. أبو يعرب المرزوقي 35 الأسماء والبيان
-- عندما اشترط شاهدين في كل مرة ما يؤدي إلى متوالية هندسية متصاعدة في عدد الشهود على أي حديث فليس معنى ذلك أني أشكك في الراوي ولا يعنيني كفرد بل أبحث عن شرط موضوعية الشهادة التي هي في كل معرفة \"المشترك الذاتي\" ولا تقبل عندما تكون ذاتية أعني مستندة إلى شهادة فرد مهما كان صدوقا. وهذا يعني أن أي حديث رواه شخص واحد عن الرسول لا يقبل .وأي حديث رواه راويان عن النبي عاشا مع من روياه عن النبي لا يقبل إلا بأربعة شهود اثنان لكل واحد منهما وهكذا دواليك .وبهذه الصورة يمكن الحد من الكثرة التي ليست موضوعية بمعنى مشتركة بين الذوات أو \"المشترك الذاتي\" هو الحد الأدنى من الاشتراكي بين الذوات شرط الموضوعية الممكنة إنسانيا .Intersubjective وهذا مثال مما أقصده بتجاوز جمود علوم الآلة .ولست أعني أن هذا المثال نموذجي بل هو أحد الاجتهادات الممكنة فضلا عن كونه يطبق شرط الموضوعية الممكنة إنسانيا .وقد يرى غيري غيره مما هو أفضل منه :المهم عدم الاقتصار على ما استعمل باعتماد معيار مصداقية الراوي لكأن الصادق لا ينسى ولا تختلط عليه الأمور .وقد أشار ابن خلدون إلى ما يجعل المصداقية لا تكفي عندما حدد علل الخطأ في التاريخ. ولأمر الآن إلى مشكل المشاكل هو مشكل كلامي أعني منهج التأويل أو قضية الحقيقة والمجاز .فقد سمعت مرة محاضرة لأحد الحمقى يسخر من ابن تيمية في المسألة .وهذه ثورة تيمية أهملت لأن المتكلمين يريدون تجاوز آل عمران 7للإيهام برسوخهم في العلم. لكن ابن تيمية اكتشف ما يغني عن سخف المؤولين ببيان أن الأمر لا علاقة له بالحقيقة والمجاز والمقابلة نفسها لا معنى لها لأن اللسان كله وضعي وهو عادات استعمالية وليست صلة طبيعية بحدي الدال والمدلول. واعتمد على حجتين في السخرية مثال :محلقين رؤوسكم وأصل ابن تيمية .مدعيا أن ابن تيمية أعجمي ولا يفهم ا لعربية .ويزعم أن محلقين رؤوسكم لا يمكن أن تفهم من دون أبو يعرب المرزوقي 36 الأسماء والبيان
-- مجاز وأن ابن تيمية الأعجمي لا يمكن أن يفهم ذلك لأنه ليس قرشيا لكأنه هو قرشي. ليس هذا المهم :فالرجل لا يستحي فيعتبر جهله حجة. لما يسأل نفسه :هل توجد علاقة حقيقة بين ألفاظ أي لغة ومراجعها التي تسميها؟ ما علاقة اللفظ بمرجعه الذي يحيل عليه ويسميه حقيقة؟ لو كانت هذه العلاقة حقيقة لكانت علمية ولكانت من ثم كونية أي لما اختلفت اللغات في تسميتها لما تسميه؟ هل توجد لغة لها علاقة حقيقة بما تحيل عليه؟ لو قال مثلا إن المفردات لها دلالة قابلة لأن تعتبر هي الغالبة ولعلها هي الدلالة الاولى التي استعملت فيها ثم نقلت إلى غيرها بما بينه وبينها من وجوه شبه في المسمى مكنت من نقل الاسم من المسمى الأول إلى المسمى الثاني إما بالاستعارة للشبه أو بالكناية للعلاقة السببية مثلا إلخ... فيكون معنى الحقيقة الاستعمال الغالب أو الأول ويكون معنى المجاز المعنى المنقول إليه للتشابه بين المرجعين المشار إليهما بالاسم أو باللفظ .لكن في الحالتين لا معنى لحقيقة ولا لمجاز بل المفروض القول عادات الاستعمال ويكون في هذه الحالة الاستعمال والسياق هو المحدد لذه العادات في النقل. وهو نقل العبارة كما يفيد ذلك معنى التعبير أي العبور وذلك من دلالات مجاز أي جاز من مكان إلى مكان والألمان يسمون ذلك إما التجاوز الواضع أوبرزاتسونج Übersetzung أو التجاوز الناقل ابرتراجونج .Übertragungوهو المعنى الأسلم أي إن التشابه بين المدلول يمكن من الانتقال بينهما في دلالة الدال وهذه ليست بينهما مباشرة. إنما هي تناظر بين نظام الأدلة ونظام المدلولات فتكون الدلالة ذات صلة بمنزلة الدال في منظومة الدوال وتناظرها مع منزلة المدلول في منظومة المدلولات .وهو ما ينفي كل علاقة مباشرة بين اللفظ والمعنى .العلاقة تمر حتما بهذا التناظر بين النظامين المحددين لمنزلة الدال ومنزلة مدلوله. أبو يعرب المرزوقي 37 الأسماء والبيان
-- فإذا استعملت \"أسد\" استعاريا لتسمية الشجاع بين البشر فالدلالة ليست مباشرة بين الأسد والإنسان بل هي بين منزلة الأسد في عالم الحيوان ومنزلة هذا الأنسان في عالم البشر من حيث تصنيفهما بمعيار الشجاعة أو التناظر بين العالمين من حيث القوة والسلطة .ومعيار الشجاعة هو الذي يجعل نقل اسم الأسد إلى البطل الفلاني بالاستعارة ممكنا .ولا معنى لـحقيقة أو مجاز فكلاهما مواضعة لوصف تناظر بين علاقتين في عالمين مفترضين قابلين للمناظرة دون أن نعلم طبيعة العالمين. والشجاعة ليست الأسد بل هي نوع من سلوكه .فيكون التناظر ليس بين الأسد والبطل بل بين سلوكين بهما تعرف الشجاعة والبطولة .وهذا المعنى هو قاعدة التأويل التي تجعلنا نفهم قابلية نقل اسم الأسد إلى البطل فنسمي البطل أسدا .وكل ذلك لا يكون إلا بين ما يقبل المقارنة من حيث وحدة الطبيعة. والمشكل هو الانتقال من الطبائع القابلة للمقارنة من حيث التناظر بين المنظومتين الرامزة والمرموزة إلى الطبائع التي لا تقبله كما في حالة الانتقال من الكلام على الإنسان إلى الكلام على الله .فهنا لا يمكن أن يوجد وجه شبه بين الذاتين للاستعارة أو بين افعالهما للكناية لا حقيقة ولا مجازا. ولما كانت لغة القرآن كلها تشبيهية مع نفس المماثلة فإن أي عاقل ينبغي أن يستنتج ما استنتجه ابن تيمية أن اللغة لا تعتمد على المقابلة بين حقيقة ومجاز بل هي تعتمد على استعمالات تجيزها عادات كل لغة في تنظيمها للمدلولات وللدوال وما تحدثه من تناظر بين المنظومتين فيكون الأمر تناظريا. والأمر التناظري عادات استعمالية وليس حقيقة ولا مجاز .فعندما يقول القرآن عن الجدار يريد أن ينقض فلا يمكن القول إن الإرادة حقيقة عند كلامنا على الإنسان ومجاز عند كلامنا عن الجدار بل العلة هي أن عادات الاستعمال التناظري بين المدلولات والدوال تسمح بذلك ولا علاقة للأمر بالحقيقة والمجاز. أبو يعرب المرزوقي 38 الأسماء والبيان
-- ولكل لغة من لغات الإنسان هذه الخاصية التناظرية .رغم أن نوع التناظر ليس واحدا. كل اللغات لها عادات استعمالية للتناظر لكن هذه العادات الاستعمالية مختلفة من لغة إلى لغة .القانون واحد وتعيناته مختلفة .ومثله قانون الوراثة العضوية واحد لكن الالوان والأبدان والحجوم مختلفة بين البشر. المشكل هو في العبارة وليس في ما بين حديثها من وجوه شبه حقيقي أو مجازي .لا وجود لوجوه شبه بين الله والإنسان .لكن العبارة عما بينهما من علاقة تقتضي أن تكون هذه العلاقة لا تقبل للقول إما بما يقال على الإنسان مع نفس التماثل :التناظر في مقولية العلاقة بين طرفين وليس في طبيعة طرفي العلاقة. وكنت قد ذكرت في محاولة سابقة أن الأمي الذي يجهل المعاني الرياضية يستعملها في حياته اليومية .أخذت مثال العجوز التي تعرف كم عندما من مال في صندوقها دون علم بالحساب .فهي تناظر بين حبات من سبحتها والأوراق المالية التي فيه .فتعلم كم عندما رغم أن حبات السحبة لا تشبه الأوراق المالية. ورغم جهلها بالرياضيات فهي قد استعملت علاقة التناظر بين منظومتين هما حبات السبحة وأوراق المال من حيث المقدار .ما يعنيه هو \"من حيث المقدار\" وهو أساس التناظر وهو مغن عن حقيقة ومجاز بين الطرفين أي بين حبات السبحة وأوراق المال في صندوق العجوز .فما يفيده التناظر هو ما تطلبه أي الكم دون أن يكون بين الشيئيين الذي استمد منهما التناظر الكمي محدد لطبيعتهما. ولنأخذ مثالا أوضح من ذلك :فعندما جعل الناس حركات الظل مقياسا للوقت لأنه علاقة بين حركات الأرض -وكانوا يعتقدون حركات الشمس-حول الشمس وأي حاجز للضوء ينعكس ظله في المكان فيصبح قيس المقدار المكاني للظل مقدارا لقيس الزمان هل معنى ذلك أن الزمان يشارك الظل في الطبيعة خاصة والظل لا طبيعة له لأنه علاقة بين بين علاقتين (بين حركتين وبين انعكاس على الأرض وعلى ما يدركه الإنسان من الزمان الذي هو في أبو يعرب المرزوقي 39 الأسماء والبيان
-- الحقيقة ما يعيه من مدة حياته ويعممه على الموجودات الأخرى فيموضعه ولو عكسنا فاعترناه يستبطنه لقلنا إنه يذوته) وليس شيئا ذا كيان فعلي؟ وهذه العلاقة الكمية هي مطلوب القائم بالمناظرة وليست محددة لمـنزلة الأمرين المنظر بينهما منزلتهما الوجودية بل هي تتحدد بمنزلتهما في منظومتين مطلقة الاختلاف الكيفي وقاعدة التأويل التناظري يضعها هدف المستعمل للعلاقة التناظرية .وكل إنسانية تخضع لهذا المبدأ ولغة القرآن التي هي لغة طبيعية وليس صناعية والتي تهدف إلى أن تبلغ رسالة تكون مفهومة من المرسل إليهم هي من هذا النوع. ولنا عدة أمثلة فيها شيء من هذا التنظير بهدف تحديد تناظر كمي كما يحصل دائما في كل قيس :وهو أصل كل عملة وكل كلمة .فالعملة تنظير قياسي بين أي شيء يتواضع الناس على جعله عملة تبادل والقيم التي بين البضاعة والخدمات في التبادل بين البشر .والمثال الذي أقصده هنا من نفس الطبيعة استعملها القرآن حيث جعل الأرض أساسا لوحدات قيس العوالم الأخرى :عندما يقول القرآن إن اليوم الذي يعرج فيه الروح يساوي خمسين ألف سنة مما تعدون يعني أنه اعتمد التناظر بين عالمين وقاس يوم أحدهما بيوم الثاني فجعل حركة الارض وحدة قيس دون أن يتجاوز القياس الكمي فيحدد تماثلا بين الأرض وعالم الروح. ويمكن القول إن الكلام على الله في القرآن وحدة قيسه الكلام على الإنسان :فيكون الإنسان وحدة قيس بين الذاتين في الخطاب وليس في الوجود دون أن نعلم طبيعة المجال المقيس وإن كان يمكن اعتباره «الحرية» ذروة لمقومات الحي المدرك باعتبارها شرط الإرادة والعلم والعلم والحياة والوجود مقومات للإنسان منها نزر يعيه في كيانه. وهذا لا يعني أن هذا التناظر التعبيري يفيد مماثلة بين حدي العبارة التناظرية (الله والإنسان) تتجاوز هذا المعنى أي ما يعتبره الإنسان من المقومات التي يدرك فضلها ويدرك نقصه فيا .فلا الإنسان يماثل الله ولا الله يماثل الإنسان .ولا معنى لتخريف المنزهين. أبو يعرب المرزوقي 40 الأسماء والبيان
-- ولا معنى لتخريف المشبهين .وحتى المفوضين فاختلافهم احترازي لكنه ليس مؤسس على فهم المعضلة .فالقضية هي تناظر في العلاقة من المدخلين. فلا يمكن لله أن يرسل رسالة إلى الإنسان بلغة لا يفهمها الإنسان فيخاطبه بما يمكن أن تكون عليه لغة الله لو كان لله لغة .ولا يمكن للإنسان أن يخاطب الله بغير لغته لأنه لا يعلم لغة الله ماهي بل ويعتقد أن الله يسمع لكل مخاطب أيا كانت لغته .ومن ثم فالأمر كله عادات استعمالية بحسب اللغات. وهذه العادات الاستعمالية هي ما يمكن تسميته نقلة من مدلول إلى مدلول بتبادل المنازل في منظومة المدلولات ويتبعه نفس النقلة في منزلة الدوال في منظومتها ما يعني أن معنى المعنى أمر من هذا الجنس وليس مؤسسا للمجاز في مقابل الحقيقة كما يزعم المخرفون بهذه المقابلة التي ينفيها ابن تيمية. وسآخذ أبسط مثال :فكيف نعبر عن التردد بمعنى المعنى؟ نرسم شخصا يقدم رجلا ويؤخر أخرى .فهذا رسم وله المعنى المرسوم .فكيف ننقله إلى معنى المعنى وهو التردد؟ سيقول اصحاب المقابلة حقيقة مجاز إن الرسم يقدم رجلا ويؤخر أخرى حقيقة وهو المعنى والتردد مجاز وهو معنى المعنى. والأمر لا علاقة له لا بالحقيقة ولا بالمجاز بل بترجمة بين نوعين من العبارة :واحدة راسمة لفعل والثانية مسمية لفعل .والتناظر هو بين العبارة الراسمة والمسمية .فعل التردد قابل للرسم ليس بالضرورة بتقديم رجل وتأخير أخرى بل يمكن أن يكون بتقديم يد وتأخير أخرى مثلا .هي إذن عادة استعمالية. أبو يعرب المرزوقي 41 الأسماء والبيان
-- فإذا اعتبرنا كلام الله عن نفسه بلغة القرآن كلاما اختار العادات الاستعمالية في لغة المرسل إليه لمخاطبته بما يريد تذكيره به فإن فعل التذكير هو السبابة التي تشير إلى المذكر به .وكل تأويل لفعل التذكير يعين المشار إليها به ليكون مادة أفعال الإنسان التي عليه القيام بها بمقتضى ما ذكر به. وهذا هو مجال التحريف في العلوم الغائية الخمسة .ولم يكن بالوسع تجاوز هذا التحريف من دون إعادة النظر في علوم الآلة .وقد رأينا إعادة النظر في التاريخ وفي اللسان .والآن فلننظر في علوم آلة العلوم الفلسفة خاصة لأن الأوليين هما علوم آلة العلوم الدينية :المنطق والرياضيات مجال ابن تيمية. فالقرآن حدد :التذكير فأشار إلى أن المطلوب من الإنسان موضوع تكليفه هو: .1تعمير الأرض. .2بقيم الاستخلاف. وإذن فتعمير الأرض يعتبر شرط انجاز التكليف سياسيا (التربية للتكوين العلمي والقيمي والحكم بتنظيم عملية بالتبادل الاقتصادي ثمرة العلاقة بالقوانين الطبيعية والتواصل الثقافي ثمرة العلاقة بالسنن التاريخية) وقيم الاستخلاف شرط إنجازه خلقيا وذوقيا .والمشار إليه هو فعل المعمر وفعل الخليفة وموضوع التعمير وموضوع الخلافة وما جهز به الإنسان للتعمير من نظر وعقد والخلافة من عمل وشرع .وذلك هو موضوع الامتحان الذي وضع أمامه الإنسان في فرصته الثانية بعد خروجه من الجنة. وهذه المعطيات هي مسلمات البداية ولا معنى لمحاولة قراءتها بصورة أخرى غير التي تنتسب بها إلى عالم الشهادة .فما وراء عالم الشهادة هو القصد بالغيب المحجوب وهو موضوع إيمان وليس موضوع علم .وكل طلب لما وراء عالم الشهادة الذي هو موضوع إيمان- خوض في المتشابه الذي تأويله زيغ قلوب وابتغاء فتنة-يعني ترك المأمور به (فصلت )53 والانشغال بالمنهي عنه (آل عمران.)7 أبو يعرب المرزوقي 42 الأسماء والبيان
-- وما أن أذكر اسم ابن تيمية حتى يناصبني العداء متهموه بكونه وهابيا دون علم بأن الوهابية لا علاقة لها به ولا يمكن أن تكون ذات مستوى يدرك حقيقة ما قدمه الرجل رغم أن منجزه ظل صيحة في واد مثله مثل ابن خلدون من بعده .لكني لا أولي اهتماما لسخافات سلفيي الحداثة عند نخبنا الدونكيشوتية. كيف أزعم أن المنطق والرياضيات كان يمكن أن تحدث فيهما وبهما ثورة غير مسبوقة لو سمع لابن تيمية وفهم ما كان يردده سلبا وإيجابا إزاءهما .وسأبدأ بالسلب قبل الوصول إلى الإيجاب الذي قاله في حقهما .فسلبا يكثر الناس الكلام على نقده المنطق .وهو لم ينقده بل ما ترتب عليه في نظرية العلم. ثم بعد بيان ما ترتب عليه في نظرية العلم عاد إليه كمنطق ليبين كيف يمكن أعادة تأسيسه بصورة أعم بعد تحريره من نظرية العلم التي ترتبت عليه والتي هي في الحقيقة أصله الخاطئ الذي جعله يخلط بين كونه حلا من بين الحلول لنسقية القول من حيث هو وظنه مناظر النسقية موضوع القول كموضوع علم. وبعبارة وجيزة يفهمها بيسر من له حتى مبادئ عامة حول فلسفة أرسطو :المنطق في التحليلات الأواخر فضح المنطق في التحليلات الأوائل برده إلى تأسيسه الجدلي في ما بعد الطبيعة :ما يعني أن الكلام في فساده في التحليلات الأواخر يؤدي ضرورة إلى البحث في فساد التأسيس الجدلي في ما بعد الطبيعة. ووضع المشكل بهذا الشكل هو الذي مكن ابن تيمية بإنهاء فلسفة أرسطو وبداية جديدة تمكن من رؤية ما كان الكلام والفلسفة لا يريانه في الرؤية القرآنية لنظرية المعرفة ولنظرية القيمة ومن ثم اكتشاف اهمية الطابع الاجتهادي لنظرية النظر والعلم والطابع الجهادي لنظرية العمل والقيمة ومعنى الغيب. فكل المشكل في بداية التحليلات الأواخر بالنسبة إلى ابن تيمية ليس كيف نتجنب التسلسل المدبر والدور في التأسيس بقطع الأول دون الوقوع في الثاني فحسب كما يتصورهما أرسطو لقوله بالمطابقة بل كيف نراجعهما لأنهما لا يكونان مطابقين أبدا بل هما مؤقتان أبو يعرب المرزوقي 43 الأسماء والبيان
-- دائما أو بلغة حديثة هما فرضيان لا غير .ويمكن للقطع أن يتقدم أو يتأخر بحسب الحاجة النظرية :وابن تيمية يعتبره متناسب مع أمرين: .1مع الغرض من النظرية التي تتحدد بما تريد الاستدلال عليه وبعلاقتها بما تقدم. .2مع الغرض من التعليم بحسب مستوى المتعلم إذ تختار البداية بمقتضى حاجته. وهذا نقض تام لكل ما أسسته الميتافيزيقا الأرسطية التي تعتبر القطع مطلق ووحيد وتتصور الماهيات معرفة فطرية ولا يقع فيها خطأ وهو يسميها حدسا (في غاية التحليلات الأواخر) .فـ\"الماهيات\" ليست حقائق الأشياء المطابقة لها بل هي مجرد أسماء صناعية ينبغي تغييرها بحسب الغرض المطلوب من البحث وهي دائما استقرائية وليست كلية ولا ضرورية ولا ذاتية كما يدعي التأسيس الميتافيزيقي :هي اصطلاح وظيفي من اجل الغاية المطلوبة. فيكون التأسيس الميتافيزيقي للهويات ولمبادئ العقل كلها مصطلحات أو أسماء مستمدة من قياسين خاطئين :قيس الوجود على التناسق اللغوي شرطا في الجدل والحوار واعتبار ما يدركه الإنسان من الوجود مطابقا للوجود بإطلاق وبصورة نهائية .لكنه نسبي ولا يطابقه أبدا ومن ثم فهو متغير. وقد يصبح ثابتا إذا جعلنا العناصر التي تتحدد بينها العلاقات متغيرات أو خانات خالية بوصفها مقدرات ذهنية كما في المنطق والرياضيات .وبمجرد أن نحدد قيما للمقدرات ننتقل من صرامة العلاقات المجردة بين المقدرات إلى إدراك الفرق بين المقدرات الذهنية والقيم العينية فنكتشف مشكل نظرية العلم. وهو مشكل مضاعف :مدى فاعلية فرضيات الانطلاق أو كيف \"نبدع\" الفرضيات الانطلاقية التي تقربنا من التناظر بين نظام القول ونظام موضوع القول أو بين نظام الرموز التي تعبر عن الشيء ونظام الشيء الذي نفترض أنه نظامه ولا نكتشفه بمجرد الفرض بل تجب المعاينة والتجربة .فنكتشف استحالة المطابقة. أبو يعرب المرزوقي 44 الأسماء والبيان
-- ومباشرة تسقط كل فلسفة أرسطو حتى وإن بقي المنطق الصوري الذي يعالج مقدرات ذهنية أو متغيرات غير محددة القيم .فعندما تكون إذا كان كل أ ب وكان كل ج أ فإذن كل ج ب (كلية موجبة) فلا إشكال .فمن أين نستمد قيم للمتغيرات ونضمن مطابقتها :ذلك هو مشكل العلم عديم الكلية والذاتية والضرورة. وهو وهم سماه ابن خلدون وهم الكلام والفلسفة اللذين يدعيان أن الوجود يرد إلى الإدراك .وابن تيميه سماه باسم آخر .وهو أنه لا يوجد تصور كامل للمضمون المعرفي بل كل تصور وراءه تصور أفضل منه وأدق بحسب المناسبة مع الغرض منه ضمن النظرية التي هو أحد عناصر نظامها أو بنيتها .وهذا التجويد يذهب لا متناهي لأن الإحاطة مستحيلة. ومن هنا لا بد من مراجعة مسلمات أرسطو حول الحد والبرهان. لكن لو فعلنا ذلك مع الوجود الذي يوجد في الأعيان أو الوجود الذي يختلف عما تتصوره عليه الأذهان فلا بد من أن تنقلب العلاقة فلا يبقى العلم كليا ولا ذاتيا للشيء ولا ضروريا بل هو إضافي دائما إلى فرضيات الانطلاق التي هي صنع لغة رامزة إما لما فرضنا عليه الشيء أو لما لنا عنه من معلومات. فتسقط كل الميتافيزيقا الأرسطية .ومعها الهيلومورفية .وتصبح الماهيات مجرد أسماء وليست حقائق الأشياء .وهي مصطلحات-أو لغة صناعية تقنية-غيرها ممكن .والعلم الكلي والذاتي والضروري بالمعاني التي حددها أرسطو في التحليلات الأواخر ليست حقائق بل مصطلحات تتحدد بحسب الحاجة وتتغير بمقتضاها .ولايوجد شيء كلي إلا في المقدرات الذهنية التي هي منطق رياضي لا يعنى بمضمون وجودي خارج الأذهان أو مخالفا لما تفترضه عليه الأذهان. ويعتبر ابن تيمية أن الكليات ممكنة في المعتقدات بمعنى أن المؤمن بها يضفي عليها الطابع الكلي .والفرق الوحيد بين هذين النوعين من الكلية هو الفرق بين الطابع الفرضي والوضعي في كليات المقدرات الذهنية والطابع العقدي والإيماني في المعتقدات الكلية .ولا وجود لكليات عند الاحتكام إلى الوجود الخارجي والمعطيات التجريبية التي استقرائية أبو يعرب المرزوقي 45 الأسماء والبيان
-- وناقصة دائما .العلاقة بين العلم وموضوعه الخارجي مجانسة للعلاقة بين اللغة ومرجعياتها :مواضعات اصطلاحية وليست حقائق ما يسمى بها. وإذا جمعنا الأمرين صار العلم الذي له مضمون وجودي بالضرورة فرضيا استنتاجيا مؤيدا بالتجربة .وهذا لا يمكن أن يكون علما نهائيا أو مطلقا بل هو علم تاريخي بالجوهر ونسبي بالجوهر ومن ثم فهو دائما إضافي إلى الغاية من الفرضيات الانطلاقية المتعلقة بتعريف الأشياء بحسب الفرض أو الملاحظة. وتكون النظرية هي الجهاز الذي يعتمد صورة مستمدة من المنطق الرياضي الذي ليس له مضمون وجودي أو الذي يبدع مضمونه الوجودي المطابق للبنية الرياضية المنطقية ثم يطبق على مضمون وجودي فعلي في الأعيان لا يعلم به وحده بل بما يحصله منه من معلومات مستمدة من التجريب القصدي لاختبار الفرضيات. ومرة أخرى كان ذلك صيحة في واد .ذلك أن فلسفة أرسطو اعتبرت كما قال عنها الفارابي في كتاب الحروف حقيقة نهائية وكلية وضرورية ولا بديل عنها إذ قال \"اكتمل العلم ولم يبق إلا أن يتعلم ويعلم\" .ولا مزيد على ما يقوله ابن رشد في أرسطو حتى وإن لم ننكر أنه رجل عظيم حقا .لكنه ليس معصوما. ولا أريد أن أطيل الكلام في ثورة ابن تيمية وابن خلدون لأني خصصت لهما الكثير من المحاولات .المهم عندي الآن هو أن محاولة تطوير العلوم الآلية فشلت رغم ما فيها من ثورة كان يمكن أن تفتح عهدا يكون منطلقه الرؤية القرآنية التي تجعل النظر والعقد والعمل والشرع في خدمة التعمير والاستخلاف. ولست بحاجة للكلام على العلم الآلي الأخير-علم الوسميات أو السيميوتكس-لأنه أصل العلوم الآلية الأربعة التي تكلمت عليها .فالمشكل فيه هو مشكل العلاقة بين نظام الرمز ونظام المرموز وفعل الرمز الذي نده في اللغة وفي التاريخ وفي المنطق وفي الرياضيات والذي يثبت نسبية العلم وعدم المطابقة. أبو يعرب المرزوقي 46 الأسماء والبيان
Search