أبو يعرب المرزوقي الأسماء والبيان
المحتويات 1 -الفصل الأول 1 - -الفصل الثاني 7 - -الفصل الثالث 14 - -الفصل الرابع 21 - -الفصل الخامس 27 - -الفصل السادس34 - -الفصل السابع 39 - -الفصل الثامن 44 - -الفصل التاسع 50 --الفصل العاشر55 - -الفصل الحادي عشر 61 --الفصل الثاني عشر 66 - -الفصل الثالث عشر 71 - -الفصل الرابع عشر 76 - -الفصل الخامس عشر 81 - -الفصل السادس عشر – 86 -الفصل السابع عشر 91 --الفصل الثامن عشر 96 - -الفصل التاسع عشر 101 - -الفصل العشرون 106 -
--بدأت الفصل التاسع من الكلام على \" الدولة :مفهومها وبعداها البنيوي والتاريخي\" ولمأتجاوز فيه التغريدة الثانية ووعدت بالعودة إليه .لكني مضطر لتأجيل ذلك حتى أذكربموقفي من إشكالية \"نظرية المقاصد\" لأن رحلتي إلى المغرب كانت لتكريم أحد أكبر رجالاتها :الشيخ أحمد الريسوني حفظه الله. لما كرمت بهذه الدعوة للمشاركة في التكريم عجبت شديد العجب.صحيح أن الشيخ من أصدقائي الأعزاء ،لكني أعلم أنه يعلم أني من معارضي هذهالنظرية بشدة .فكيف دعيت لهذا التكريم؟ :فهمت من الدعوة أنه ليس رمزا للعلم الديني فحسب في عصرنا بل أيضا للانفتاح الفكري الفريد.فأن أدعى مع الكثير من الزملاء الكرام لتحية رجل جمع بين النظر في المقاصد والعملبها مع العلم بموقفي منها اعتبره من علامات نضج البحث العلمي الذي يتعاون فيه الفكرانالديني والفلسفي دون الحساسية التي كانت تعتبرهما عدوين ومتنافيين .لذلك أردت أن أحرر التكامل بين الموقفين من المقاصد.لست بحاجة للتذكير بأن موقفي من المقاصد ليس جديدا فقد شرحته في الحوار الشيقالذي دار بين المرحوم الشيخ البوطي وبيني رغم ان عرضه فيه كان مجملا وليس مفصلاأو إن صح التعبير لم يعلل التعليل الوافي لأن القصد لم يكن التركيز عليه بل على شمول الأزمة لمجال اصول الفقه.كان يكفيني حينها بيان \"وفاة\" أصول الفقه ما ظل مقصورا على إشكالية الصوغ الفنيللأحكام وتوسيع مجال تطبيق النصوص المحدودة على النوازل غير المحدودة وخاصة بعدأن أصبح مجاله الأول خارجا عن سلطانه :فالدول الحديثة كلها بما فيها التي تبدو محافظة على الشريعة لا تعمل إلا بالقانون الوضعي.ومعنى ذلك أن الفقه لم يبق له إلا دور إضفاء الشرعية البعدية والشكلية لأفعال الدولةالتي تعمل حقيقة بالقانون الوضعي وليس بالفقه .وما لم نعترف بهذه الحقيقة فلا يمكنأبو يعرب المرزوقي 1 الأسماء والبيان
--أن نستأنف تأصيل الفقه ووصل ما تعمل به الدول الحديثة بالمرجعية الإسلامية .وموقفي: حل المقاصد عقيم وخطير على الإسلام.واكتفي بهذه الإشارة لأن الشيخ نفسه بدأ يشعر بأخطر استعمالاتها حتى وإن لم يحددها .ومن هذه الاستعمالات الخطيرة وتحديدها.سأنطلق في هذه المحاولة التي اشعر بأنها ضرورية لاستكمال ما بدأته مع الشيخ البوطي رحمه الله .فما الذي ألجأ مؤصلي الفقه إلى نظرية المقاصد؟ ولم هي عقيم وخطيرة؟فهذا العقم والخطر الذي توقعته من منطلق ما يترتب على علل لجوء الأصوليين إليها لايتعين فعليا إلا عندما تصبح الحركات الإسلامية قائلة به ومستعملة إياه بعد وصولها إلىالحكم .وعندئذ يتبين الخطر الناتج عن الانتقال من علاج مسألة أصولية بالجوهر إلى مسألة سياسية بالجوهر. فالمسألة الأصولية بينة للجميع ويمكن أن نحددها من جواب قاضي الرسول عن سؤاله: .1بم ستحكم؟ فبعد جوابه بالقرآن .2وإن لم تجد؟ وبعد جوابه :بسنة رسول الله .3وإن لم تجد؟ وبعد جوابه :اجتهد رأيي ولا آلو باركه الرسول ولم يعترض ولم يضف شيئا.إشكالية أصول الفقه تحددت في هذه الأسئلة وأجوبتها وخاصة في تأييد الرسول لقاضيهوعدم الاعتراض عليه .وفي الحقيقة فهذه الإشكالية هي عينها إشكالية القانون الوضعيحتى وإن كانت المرجعية مختلفة .لكنها واحدة من حيث الوظيفة القانونية .فكل قاض يحكم بالرأي دون مدونة نصوص ليس قاضيا بل دجال.وكل قاض يقتصر قضاؤه على ما فيه نص قانونيا كان أو قضاء ممن تقدم عليه من كبارالقضاة لا يستأهل اسم القاضي :فواجبه أن يبحث كما فعل قاضي الرسول في المرجعيةالأصلية (وهنا القرآن) ثم في من قضى قبله (وهنا السنة) وإن لم يجد أن يجتهد رأيه على منوالهما.أبو يعرب المرزوقي 2 الأسماء والبيان
--وهذان الشرطان في وظيفة القضاء ينتجان عن العلاقة غير المتناظرة بين النصوصوالنوازل التي يحتكم فيها للقضاء .وإذن فأصول الفقه يعالج هذه القضية المضاعفة. فسؤال كيف نقضي مشروط بـ: .1كيف نستعمل النصوص التشريعية في التطبيق. .2وكيف نجتهد في حالة غياب النصوص والسوابق القضائية. لذلك كان إشكالية تأصيل الفقه مضاعفة: .1استعمال النصوص (عندنا القرآن) والسوابق القضائية (عندنا السنة خاصة). .2استعمال الاجتهاد.والمشكل أن قاضي الرسول لم يحدد القصد بأجتهد رأيي ولا آلو .لم يتكلم على القياس ولا على الاستحسان ولا حتى على الاجماع رغم أنها جميعا مضمرة في \"أجتهد رأيي\". كيف هي مضمرة؟هي مضمرة وإلا لما اختاره الرسول للقضاء .فلا بد أن الرسول قد اختاره لعلمه بأنه فضلاعن حيازة العلم الكافي للتسليم بجوابيه الأولين (أقضي بكلام الله وبسنة رسوله) حاصل على ما يؤهله لهذه الوظائف الثلاث المضمرة: .1القياس .2الاستحسان .3الاجماع بمعنى تمثيل رأي الجماعة.رأي الجماعة هو ما تجمع عليه بأنه المعروف والمنكر ومن ثم فهي مصدر تشريع بهذا المعنى:ومعنى ذلك أن قاضي الرسول كان داريا بما تجمع عليه الجماعة من معروف ومنكر وهوحينها ما كان يسمى \"ما تجمع عليه صحابة رسول الله\" أو كل من ربي على سنته من الأمة الناشئة. فإذا اعتبرنا هذه العناصر وجدنا مراحل تكوينية الفقه وتأصيله: .1منطلق أبي حنيفة (وفيها العلاقة مباشرة بين المرجعية القرآنية واجتهاد الرأي)أبو يعرب المرزوقي 3 الأسماء والبيان
-- .2منطلق مالك بن انس (إضافة المرجعية الثانية) .3منطلق احمد بن حنبل (اكتمال المرجعية الثانية) .4منطلق الشافعي (تأسيس علم الأصول). فتكون المراحل: .1أبو حنيفة :قرآن +رأي (دور الحديث قليل) والمضمر هو أخلاق الجماعة (المعروفوالمنكر) والعلم بالمرجعية وصفات ال َحكم الأمين والعادل) .وذلك هو جواب قاضي الرسول. وما يبدو غيابا للحديث هو في الحقيقة حضور حي في أخلاق الجماعة متعينة الأحداث. .2والمرحلة الثانية :مالك بن أنس :قرآن +مزيد من الحديث +حضور صريح وليسمضمرا لأخلاق الجماعة أو لإجماعها باعتبارها هي بدورها مصدر تشريع .وهو كذلكجواب قاضي الرسول .ومع ذلك بقيت مدونة النصوص قليلة وهو ما سيلجئ الفقهاء إلى الشرط الموضوعي للقضاء الأمين والعادل أي مدونة النصوص. .3وتلك هي المرحلة الثالثة :احمد بن حنبل :كل ما تقدم مع التركيز على أهمية الحديثأي المدونة النصية التي تحد من الحكم بمجرد الرأي وتعيدنا إلى الحكم بالمرجعية وبأفضلالأحكام القضائية السابقة لأنها منسوبة إلى الرسول نفسه بوصفه قاضيا اساسا( .اقتصر على القضاء ولا أنشعل الآن بالإفتاء)والجمع يعمل الفرق بين القضاء والافتاء :فالقضاء يقضي بين نزاع بين شخصين فأكثر.والافتاء يقضي في نزاع ضمير حول فعل إما فردي أو جماعي ويكون التردد فيه متعلقابوصف الفعل وتكييفه شرعيا) .وذلك هو جوهر الفرق بين الفقه والقانون الوضعي. فالقانون الوضعي ليس له هذه الوظيفة الثانية.وحاصل القول إن المرحلة الرابعة-الشافعي-هي التي حاولت أن تستخرج من هذهالتجارب الثلاث فلسفة الشريعة أو أصول الشريعة في كتاب الرسالة وعليها بني مذهبهوجمعه بين منجزات المراحل الثلاث السابقة مع إضافة ما خلت منه .فالنظرية الجامعة جعلت صاحب \"اجتهد رأيي ولا آلو\" يألو بشروط الاجتهاد.أبو يعرب المرزوقي 4 الأسماء والبيان
--لكن الغاية (التأسيس النظري لأصول الفقه في الرسالة) التي انتهت إليها هذه المراحل الثلاث (أبو حنيفة ومالك واحمد) تفترض مرحلتين متقدمتين عليها: .1الرسول وينطلق من القرآن .2الخلفاء الراشدون ينطلقون من القرآن ومنه وسطيا بينهم وبين القرآن وكأنهم في وضعية قاضي النبي كقضاة (الفارق مثلا)وهنا تتعقد القضية :فالقرآن يجمع بين المرجعية التشريعية المرجعية القضائية .والسنةكذلك .والخلفاء الراشدون ليس لهم وظيفة تشريعية بل يقتصرون على بعدي الوظيفةالقضائية :القضاء والافتاء وفي مجالين أكبر (الوصل بين العقيدة والشريعة) وأصغر (الوصل بين الشريعة والنوازل العقدية والشرعية).والوصلان هما موضوع الفقه الاكبر بمعنى الوصل بين العقيدة والشريعة والوصل بينالشريعة والنوازل المتعلقة بالوصل الاول أي ما يناظر مدى مطابقة القانون لأساسهالدستوري (في القرآن والسنة) ولكن ليس بالمعنى القانوني فحسب بل بالمعنى العقدي كذلك .ولا علاقة للفقه الأكبر بعلم الكلام.وكون القرآن والسنة جامعا كل منهما بين التشريعين الأكبر والأصغر يجعل حضورهماالمرجعي للقانون عسير التحديد بمجرد المقارنة مع القانون الوضعي :إلا إذا وضعنا بديلامن التشريع الإلهي والنبوي التشريع الطبيعي والتاريخي أو ما ينسب إلى طبيعة الإنسان وإلى تاريخه السياسي.وذلك ممكن شكلا إذا أردنا أن نفهم وحدة البينة بصرف النظر عن العناصر التي تتعينفيها البنية :فالقرآن تشريع قانوني دستوري وتشريع قانوني عادي .وكل مفت أو قاضوإن لم يكن واعيا بذلك يعمل بمقتضاه تماما كما يعمل أي قاض في القانون الوضعي بالقانون الدستوري والقانون العادي.فبوسع أي قاض بالقانون الوضعي أن يرفض تطبيق قانون عادي إذا تبين له أنه معارضأو مناف لأحد مبادئ القانون الدستوري في دستور البلد الذي هو مطالب بتطبيق قوانينه فيأبو يعرب المرزوقي 5 الأسماء والبيان
--نوازل أهله فيكون القاضي دائما بالقوة جامعا بين القضاءين العادي والدستوري على الأقل في شكل الاعتراض على القانون العادي.أعلم أن ذلك نادر الحصول وأن ذلك من مهام القضاء الدستوري .لكن القضاء الدستوريلا يتحرك إلا بطلب من سلطة إما قاعدية أو فوقية .والقاعدية عندنا هي الحسبة.والفوقية عندنا هي الفقهاء والقضاة منهم على وجه الخصوص فتشغيل القضاء الدستوري مصدره أخلاق الجماعة وحماتها :الجماعة والعلماء.لكن الفقه الأكبر خرج من انشغال أصول الفقه بوصفه أحد عناصر موضوعه المباشر ولميبق له دور إلا بهذا المعنى المضمر .والعلة بينة :التشريع منسوب إلى الله أو إلى النبيولا يمكن الكلام على تناقض بينه وبين القرآن لأنه منه .والخلافات تتعلق بتأويل المصدرين وبالنقلة من \"لا آلو\" إلى \"آلو\".علينا إذن أن ندرس هذه النقلة من \"أجتهد رأيي ولا آلو\" إلى \"أجتهد رأيي وآلو\" أو منالاجتهاد النابع من أخلاق الجماعة وفكرها المطابقين لمعاييرها دون انفصام بين النظروالعمل (بفضل التربية النبوية) قبل التنظير إلى التنظير الأصولي الذي ساوق الانفصام بينهما وباتت المعايير موضوع خلاف.وحتى نفهم القصد :فهذا الفصام حصل كذلك في اللغة .فالذي يتعلم لغته القومية مستغنعن النحو لكن البلوغ إلى الاتقان فيها يقتضي العودة على مهارته اللسانية ليعلم قوانينهافيصبح مقوما للسانه بعلمه .والدافع الثاني في الفقه هو التباعد بين الممارسة والمعايير القانونية والخلقية.أبو يعرب المرزوقي 6 الأسماء والبيان
--يمكن القول إذن أن كل تاريخ الفقه هو محاولة الحد من \"اجتهد رأيي ولا آلو\" أو محاولةتأسيس حل معضلة التشريع التي هي دائما علاقة النصوص القانونية المتناهية بالنوازلاللامتناهية وسعيها الدائم للوصل بين هذين الحدين وصلا لا يتناهى .فمهما أضفنا إلى والنسبة تبقى لامتناهية.وفرضيتي النظرية هي أن نظرية المقاصد حتى لو سلمنا بها لن تمكن من تحقيق الحل لأنهأولا مستحيل ولأن حلها لن يكون مقبولا إلا بشرطين يجعلان الدين مجرد خدعة وظيفتهاالتغطية على الرؤية الباطنية للدين :مجرد إيديولوجيا للعامة تضفي الشرعية على إرادة المتحيلين باسم الدين.وذلك هو جوهر التحريف الذي يتكلم عليه القرآن .وطبعا فأنا أنزه كل المنظرينللمقاصد من إمام الحرمين إلى الشاطبي وخاصة الصديق أحمد الريسوني-ودليلي كتابهمقاصد المقاصد الذي يحاول فيه منع هذا المآل الممكن وخاصة عندما تصبح الأحزاب الدينية حاكمة فتبرر كل شيء بما يسمونه إكراهات الواقع.مفهوم \"فقه الواقع\" و\"إكراهات الواقع\" و\"الفقه ابن زمانه\" و \"حيثما وجدت المصلحة كانالدين\" كل هذه العبارات هي من التعليلات الصريحة لهذا الوصل بين التشريع والقانونوما يراد بهما ليكونا مجرد أداة إيديولوجية طيعة بيد من يتعلل بها ليضفي الشرعية على ما ليس له منها إلا شكلها اللفظي.ولأعين بصورة جامعة مانعة توظيفات نظرية المقاصد في الجدل الحالي بدعوى المد في عمرالفقه بحلول زائفة منطلقها تعريف خاطئ للفقه ووظائفه .فالمقاصد تهدف إما إلى تعديلالأحكام التي يظن أنها لا تتفق مع العصر أي تغيير الموجود أو لسد حاجات لا وجود لما تسدها الشريعة أي لإيجاد المعدوم.وتعديل الموجود من حدود الله وأحكامه أو حتى تعطيله يوجد عند العلماني والإسلامي:وغالبا ما ينافق الأول مدعيا حماية الدين وتحديثه والثاني يكون عادة في موقف دفاعأبو يعرب المرزوقي 7 الأسماء والبيان
--فيفعل مثله دون سوء نيته .لكن عندما يصبح الإسلامي حاكما فإنه ليس من المستبعد أن يصبح مثل العلماني داعيا لتعديل الموجود.أما إيجاد المعدوم فله نوعان يشبه ما كان يزاد بالقياس أو بالاستحسان إلخ ..أو بالمقاصدنفسها وهي تمد الفقهاء بفسحة أكبر في هذه الزيادة باسم التكيف مع التطور .وطبعا كلهذه المطالب مشروعة ولست ضد تطوير التشريع سماويا كان أو وضعيا .لكنه في الحالتين مبني على أسس خاطئة.وينتج هذا التعديل للموجود باسم التحديث أو فقه الواقع أو الاكراهات إلخ ..وكذلكإيجاد المعدوم بنفس التبريرات عن موقف باطني غير واع حصل بالتدريج لما أصبح التشريعوسيلة من وسائل اضفاء الشرعية على ما ليس بشرعي توظيفا للدين في السياسة حتى في الأنظمة التي تدعي العلمانية. والنتيجة أربعة: .1تعديل الموجود .2إيجاد المعدوم .3الموقف الباطني باسم التحديث وفقه الواقع.4التطابق مع الموقف الشيعي الذي يجعل الديني غطاء للسياسي عامة وبدلا من أن يكونالدين تحريريا وتنويريا يتحول إلى النقيض التام من ذلك .وهذا الاستغلال من نفس الطبيعة في الوهابية والتشيع.ولست أعمم على أفراد الفقهاء بل كلامي يتصل بجلهم وخاصة بمن كان منهم في خدمةالأنظمة وهم الأغلبية حتى في البلاد التي يحكمها العسكر لأن الأمر ليس مقصورا علىالبلاد التي تحكمها تقاليد القبيلة أو العسكر بغطاء ديني للاستهلاك المحلي وحداثي للخارج.وغالب الثرثرة حول الوسطية هي من هذا النوع .ذلك أنه لا توسط يمكن أن يغطي علىالاستعمال الأيديولوجي للعقائد أو للعلوم حتى وإن اختلفت معايير التمييز بين الصدقأبو يعرب المرزوقي 8 الأسماء والبيان
--والكذب في نوعي العقد الإيماني والعقد العلمي .الفرق الوحيد يكمن في يسر تبين ذلك في العلم عسره في الإيمان.وما جعلني أستأنف الكلام في المسألة بعد حواري مع الشيخ البوطي هو أن استغلال نظريةالمقاصد لتعديل الموجود وإيجاد المعدوم في الشرع لم يعد ذا دينامية عادية تنبع من الداخلبل هو صار مفروضا من الخارج كما يتبين من تدخل الغرب عامة وأمريكا خاصة في برامج تعليم المسلمين وعقائدهم وعبادتهم.وتبرير هذا التدخل يحتاج إلى نظرية المقاصد أكثر من الحاجة الذاتية لأصول الفقه كماوضعها إمام الحرمين أو الغزالي أو كما نسقها ونظمها الشاطبي أو بالطريقة التي يحاولالشيخ الريسوني احاطتها بحروز تحول دون ما وصفت من انفلات يؤدي إلى جعل الفكر السني يصبح باطنيا.قد يتصور العجلى أني ضد التطور الفقهي والقانوني .لكن الحقيقة هي أن المقاصد لاتطور الفقه بل تلغيه إذا ذهبنا بها إلى الغاية .وهي لا بد ذاهبة إلى الغاية .فهي تيسرالتحيل الفقهي وتبرر كل شيء بالمقاصد خاصة إذا كان مستعملها ليس حريصا على ما من دونه يفقد التشريع شروط الشرعية.فبصرف النظر عن المرجعية التي يستند إليها القانون-شرعيا كان أو وضعيا-يؤول الأمرقلب العلاقة بينها وبين السياسي الذي يوظفه لموقف إيديولوجي يدعي صاحبه تحديدمقاصد الشارع بمقتضى المصلحة إما بوهم معرفة مقاصد الله من التشريع (الشرعي) أو مقاصد الطبيعة (الوضعي) منه.وسأقتصر على المقاصدية الشرعية لكن نظيرتها الوضعية ممكنة ولا فرق بينهما إلابطبيعة المرجعية أو الأسس التي ينبني عليها شرعية الأمر والنهي القانونيين أو التعبيرعن الإرادة التشريعية التي تتبناها جماعة من الجماعات .وسرعان ما ينقلب المقصد إلى مجال التقنين بدل وظيفته وشروط تحقيقها.أبو يعرب المرزوقي 9 الأسماء والبيان
--فمثلا عندما يحدد المقاصديون المقاصد الضرورية (خمسة أو أكثر وهو أمر ناقشناه فيالحوار مع المرحوم البوطي) سرعان ما يهملون الأصل الجامع -فعل الحماية-ويمرونمباشرة المقاصد التي هي المجالات او ألموضوعات المحمية :حماية كذا ..يتكلمون في \"كذا\" وينسون \"حماية\".فعندما أقول \"حماية\" العقل مثلا مقصدا يضعون تحته منع المخدرات مثلا تكون الحمايةفعلا سلبيا قد ينتهي إلى مفهوم سد الذرائع أو فعلا إيجابيا قد ينتهي إلى فتحها ويهملون بمامقتضاه يكون القانون الموضوع حائزا على تأسيس يتجاوز تحكم فهمهم لإرادة المشرع إلاهيا كان أو إنسانيا.وبهذه الصورة يصبح فعل \"حمى\" غير محدد وشروط التعبير عن الإرادة الإلهية أوالإنسانية في التشريع غير محددة بل كلاهما مسلم تحدد تحديد طبيعته أو شروط أداءوظيفته وقيم الأداء فضلا عن كون الفقيه مفتيا أو قاضيا يصبح حائزا وإن إضمارا على وظيفتي التشريع والقضاء.وينتقل القاضي من وظيفة الوصل بين سلطتي التشريع والتنفيذ بالحكم الذي ينزلالتشريع بالوصل بين نص وحدث لوصفه القانوني -وهي عملية فنية خالصة-تقتضيالحصول على ثلاث مهارات (مهارة فهم النص الواصف للأفعال التي يتعلق بها وفهم الأحداث الموصوفة والوصل بين الواصف والموصوف) :ولهذا الفعل حد.فالوصل بين نص القانون الواصف والحدث الموصوف إدراج لجزئي وجودي (الحدث) فيكلي معياري يعبر عن إرادة الشارع إلهيا كان أو إنسانيا .وإذن فهو فعل ذو بعدين :تقنياهو إدراج لجزئي تحت كلي .ومعرفيا هو إدراج لجزئي إرادي تحت تعيير إرادي :وهو إذن من مجال معرفي تقينا لكن حقيقته تقييمية.ومن ثم فمجرد العلم بالنصوص والعلم بالنوازل حتى لو فرضناهما حاصلين لا يكفيانليكون المرء فقيها سواء كان بمعنى القضاء أو بمعنى الإفتاء .فلا بد من شرعية تؤسسأبو يعرب المرزوقي 10 الأسماء والبيان
--لأداء هاتين الوظيفتين اللتين لا تتعلقان بمجرد المعرفة بل بالجمع بين نظام التعيير في الجماعة وشروط تطبيقه في الأعيان.وهذا ينتسب إلى سلطتين تحيطان بالقضاء هما سلطة التشريع وسلطة التنفيذ لأن القاضييصل بين السلطتين دون أن يكون سلطة من جنسهما بل هو سلطة معرفية في نظام التعييرالذي تبنته الجماعة (شرعيا كان أو وضعيا لا يهم) معين من نظام سياسي شرعي بمقتضى ذلك النظام الذي تبنته الجماعة.وإذن فالقاضي والمفتي كلاهما وسيط \"معرفي\" في النظام التقييمي للأفعال بإدراج أعيانالاحداث في كليات المعايير ليتم الانتقال من الحكم التعييري إلى الفعل التنفيذي دون أنيكون له دور في وضع نظام التعيير النصي وفي نظام تنفيذه الفعلي .فهو مدين لسلطة التشريع بالنص ولسلطة التنفيذ بإنفاذه.فيكون فعله الواصل بين كليات النص القانوني المعيرة للأفعال وأعيان الافعال في الوجودمشروطا بنوعين من الشروط :طبيعة علمه وشرعية وظيفته .وشرعية وظيفته مضاعفة:شرعية يمكن وصفها بالسياسية وشرعية يمكن وصفها بالخلقية .والأولى هي شرعية المعبر عن إرادة الشارع والثانية عن أخلاق القاضي.وما نقوله عن القاضي نقوله عن المؤصل للفقه أو للقانون :ذلك أن للقانون أو الفقه ثلاثمستويات :التنظير والتشريع والقضاء (والافتاء الذي هو قضاء في مسائل الضمير الدينيبوصفها نزاعا ذاتيا بين المرء ونفسه سواء كان فردا عاديا أو حاكما لدولة خلال التردد في وصف شرعي لما ينوي القيام به).والتنظير في الشرائع غير التنظير في الطبائع وهو الأمر الذي يغفله القائلون بالتحسينوالتقبيح لظنهم أن الأحكام المعيارية من جنس الأحكام العلمية خلطا بين الوجودي(الأنطولوجي) والقيمي (الأكسيولوجي) من الاحكام .لا بد من التمييز بين صفات الشيء الذاتية ووصفه المعياري في أنظمة التشريع.أبو يعرب المرزوقي 11 الأسماء والبيان
--والقائلون بالتحسين والتقبيح العقليين لا يميزون بينهما فيعتبرون الوصف المعياري فيالشرائع من جنس الوصف المحايد في الطبائع من نفس الجنس .لذلك فهم يعتقدون أنالعلم بالصفات وحده كافيا ولا يرون أصل دور \"المعيار\" :فأنظمة التشريع ليست علما بالطبائع بل هي عمل بنظام تعيير للأفعال الحرة.الشرائع لا تنطبق على الطبائع من حيث هي طبائع بل على نظام معين من القيم التيتبنتها جماعة لتكون مرجعية قيمية تعير بمقتضاها أفعال الإنسان الحرة لا المضطرة.فالضرورة القانونية في الشرائع غير الضرورة القانونية في الطبائع .هذه يكفي فيها العلم وتلك لا بد فيها كذلك من شرعية للحكم فيها.وشرعية من يقضي فيها مستمدة من شرعية من له شرعية تفويضه في القضاء باسم تلكالشرعية .وهنا نأتي إلى تحديد مفهوم \"حماية\" ومفهوم \"كذا\" ومفهوم \"تعيير\" قانوني ليتمالجمع بين الشروط الضرورية لوظيفة القاضي :أن يعلم نظام التعيير وأن يعلم نظام الاحداث بمقتضاه وأن يكون مفوضا لأداء هذا الدور. والتفويض لهذا الدور يستمد شرعيته من أمرين: .1من شرعية من له شرعية التفويض بمقتضى ذلك النظام التقييمي في تلك الجماعة..2والشروط الخلقية التي يحددها ذلك النظام في أهلية من يتولى تلك الوظيفة وهي بالإضافة إلى ما ذكرنا قيمتان خلقيتان حددهما القرآن :الأمانة والعدل.لذلك فالكلام على المقاصد لتعديل الموجود من نظام التشريع الخاص بجماعة من الجماعاتأو لتوسيعه بإيجاد المعدوم فيه ليس كلاما متعلقا بمستوى فعل التنظير ولا بمستوى فعلالتشريع ولا بمستوى فعل القضاء والافتاء أي المستويات الثلاثة وكأنها من جنس فعل النظر المجرد والعلم والتطبيق.فالأفعال الثلاثة في المجال الأكسيولوجي غيرها في المجال الابستيمولوجي .لا بد من هذافي ذاك .ولعل هذا نفسه مشروط بآخر شروط ذاك أي الأخلاق .إنها علاقة الفلسفةأبو يعرب المرزوقي 12 الأسماء والبيان
--العملية بالفلسفة النظرية :فمن يقول بالتحسين والتقبيح يلغي الفرق بين الوجودي (مجال الابستمولوجيا) والقيمي (مجال الأكسيولوجيا).ولولا هذه القضية الفلسفية لما تدخلت في القضية الفقهية .فلست فقيها ولست عالم دين.لذلك فقد حرصت على عدم إدخال الحجج النقلية وهي كثيرة وكلها تؤيد الفلسفي إذاطبقنا ما يأمر به القرآن (فصلت )53وما ينهى عنه (آل عمران )7بخصوص مجال علم الإنسان وحدوده إبستيمولوجيا.أبو يعرب المرزوقي 13 الأسماء والبيان
--إن مجرد العلم بهذه الشروط والمقدمات يجعل كلام أدعياء الحداثة والأصالة على حدسواء في مسألة المقاصد ذا صلة بالحرب على السنة والحديث .ذلك أنهم يقولون بالتحسينوالتقبيح العقليين سرا أو علانية خلطا بين الطبائع والشرائع وبين قانون الضرورة في الأولى وقانون الحرية في الثانية.فحتى لو كان الحديث كله موضوعا-وهو أمر لا يصدقه عقل-فإنه يبقى أكبر دليل علىأن ابن حنبل كان أدرى الفقهاء بطبيعة علوم الشرائع :فهي ليست علما لطبائع الأشياءوليس تنكرا لهذا العلم لكنها عمل بنظام تعيير تبنته جماعة أو وضعته لتنظم بها حياتها المعيارية التي تعدل من حياتها الطبيعية.والحديث حتى لو سلمنا جدلا بأن الكثير منه منتحل دليل على أن بناء القضاء والافتاءأي التعيير المقبول من الجماعة بوصفه المعروف والمنكر عندها أعني القيم التي تعتقد حقاأو ظنا أنها تمثل ما كان يمكن أن يكون حكم الرسول فيها هو المرجعية الثانية بعد الأصل المؤسس لرؤيتها للوجود والتاريخ.فيكون ابن حنبل قد استكمل شروط النظام الذي يمثل المرجعية القيمية للجماعة بوصفهاما تعتبره ممثلا لفهمها للأصل القرآني باعتبارها ترجع كل أحكامها إلى ما تنسبه إلى المعبرعن الإرادة في مرجعيتها الأصلية أو القرآن لكأن القرآن هو الدستور والسنة هي القانون عامه وخاصه مطبقا في التاريخ.والقول إن ابن حنبل استكمل شروط النظام الذي يمثل المرجعية يعني الإيذان بنهاية العصر الأول من الفقه وبداية عصر ثان .ولهذا العصر الأول خمس مراحل هي: .1مرحلة الفقه النبوي .2مرحلة الفقه الراشدين .3مرحلة فقه جيل التابعين الأول بعد الراشدين .4المرحلة الأولى من تكون المذاهب الفقيهأبو يعرب المرزوقي 14 الأسماء والبيان
--وهذه المرحلة الأولى من تكون المذاهب تتكون من محاولة أبي حنيفة ومالك ابن أنس.والأول يكاد يقتصر على القرآن والرأي .ويمكن القول إن الثاني صاغ بصورة شبه تامةمقومات أي فقه أو أي قانون حقيقي لا يكتفي بمرجعية الجماعة الأولى بل يعتمد على مقومات أي قانون وضعيا كان أو شرعيا.وبهذا المعنى ففقه أبي حنيفة على منزلة الرجل ليس إلا بداية الإدراك بأن القانون أوالوازع الأجنبي بلغة ابن خلدون لم يعد معتمدا على الوازع الذاتي بعد نهاية عصرالتابعين الأول وأن الحاجة إلى صوغ قواعد نظام فقهي يعتمد على المرجعية الأولى خاصة واجتهاد الرأي أي \"ولا آلو\".وهو ما يعني أن المصدر الثاني (الحديث) والثالث أي اخلاق التابعين وعاداتهم(المعروف والمنكر كما تعينا في عصر الرسول) .وهذا ما أضافه مالك الذي يمكن القول إنمصادر الفقه كلها قد اجتمعت لديه ويمكن اعتباره بلغ تمام المصادر لو لم يكن علم الحديث منقوصا.وبين أن علم الحديث لا يمكن أن يكتمل لأنه في الحقيقة الوجه الثاني من الرسالةالمنزلة :فأصحه هو تعليمها النبوي وبقية درجات الصحة دالة على ما بقي منه في أذهانالأمة من آثاره المحددة للمعروف والمنكر كما عرف من تربية الجماعة وأخلاقها بوصفها الجيل الذي عاصر الرسول (الصحابة) والتابعين.أو لأقل بصورة واضحة :أن الحديث ليس مجرد مدونة من الأقوال بل هو مجموعةالأحكام التي كان الصحابة والتابعون يعتمدونه من قواعد ومبادئ يربون بها أبناءهموبناتهم ويعملون بها في حياتهم باعتباره فقه الرسول نفسه الذي نزل القرآن في التاريخ الفعلي محددا للمعروف والمنكر أي أخلاق الجماعة.والوعي بهذا التعريف كان شبه تام في فقه مالك لكن الوعي لا يكون تاما ما لم يصبحموضوعه مطلوبا لذاته بصورتين :الأولى تأسيسه كعلم والثانية تنزيله في نظرية تامةأبو يعرب المرزوقي 15 الأسماء والبيان
--للفقه .وهذا هو دور المرحلة الخامسة والأخيرة من عصر الفقه الأول وتتضمن المذهبين الثانيين :ابن حنبل والشافعي.والوعي بهذا التعريف كان شبه تام في فقه مالك لكن الوعي لا يكون تاما ما لم يصبحموضوعه مطلوبا لذاته بصورتين :الأولى تأسيسه كعلم والثانية تنزيله في نظرية تامةللفقه .وهذا هو دور المرحلة الخامسة والأخيرة من عصر الفقه الأول وتتضمن المذهبين الثانيين :ابن حنبل والشافعي.فابن حنبل جعل الحديث مطلوبا لذاته وركنا ركينا من الفقه والشافعي وجد كل المقوماتجاهزة فكان دوره وضع النظرية أو التأصيل النظري الأول للفقه بكل مقوماته .ويمكنالقول إن كل ما أتى بعده إلى أن صيغت نظرية المقاصد شروحا للرسالة وتجويدا للمقومات واساليب الفقه وليس تنظيرا يعتد به.وإذن فالعصر الثاني لم يتجاوز الفقه العصر الأول من بناء نظرية الفقه رغم أنه هوبدوره مر بخمس مراحل بدأت ترى التأسيس الثاني الذي أنسبه إلى ابن خلدون والذيحرر علوم الملة كلها من الخطأين اللذين حرفاها :قلب فصلت 53والجرأة على آل عمران 7فيها جميعا بما في ذلك الفقه.وغاية هذين الخطأين نظرية المقاصد رغم أن الكثير يعتبر ابن خلدون قائلا بها لأنهيبرز وجه شبه بين عمله وبينها ويفسر بها علل صعود الحضارات وسقوطها خاصة .لكنذلك كما سنبين من جنس استعماله مصطلح أرسطو بدلالات لا علاقة لها بعلم أرسطو .إنه استعمال للغة عصره بدلالات جديدة.ونهاية العصر الثاني من الفقه وأصوله كانت غاية نظرية المقاصد أي الشاطبي وبدايةالعصر الثالث هي نظرية ابن خلدون التي جمعت بين الوزعين اللذين يجمع بينهما الفقهومقومه الأول الوزع الذاتي ومنه تستمد شرعيته ومقومه الثاني الوزع الأجنبي أو الأحكام السلطانية التي تمثل شوكته.أبو يعرب المرزوقي 16 الأسماء والبيان
--لذلك كان الفقه مشروطا برؤية للحكم والتربية تختلف تماما عما كان حاصلا في الجماعةمنذ أن حصل قلب العلاقة بين هذين العاملين فأصبحت الشوكة مقدمة على الشرعية بدايةمن الفتنة الكبرى والحروب الأهلية التي تلتها فعطل الدستور وأصبحت الامة في حالة طوارئ منذئذ إلى الآن.فالشورى 38تعتبر الأمر أمر الذين استجابوا لربهم (طبيعة النظام) وتعتبر إدارتهبشوراهم (أسلوب الحكم) فيكون فهم التشريع المنزل أو وضعه عامة أو فيما ليس فيهتنزيل فعلا يرد إليهم لعلاج ما يحصل بينهم من حاجة إلى تحكيم وضربت مثال الانفاق من الرزق الذي هو علة النزاع الأول في اي جماعة.والفرق بين القانون والفقه هو عامل الوزع الذاتي الذي هو شرط مقوم في الثاني وغيرمقوم في الأول .لذلك كان القانون يردع ويجازي سلبا فحسب وكان الفقه يردع ويجازيإيجابا بمعنى أن فيه بعد الحسنات وليس السيئات فحسب .وطبعا عدم فهم هذا الوجه جعل الجزاء الموجب أخرويا وليس دنيويا أيضا.والغريب أن القانون بدأ يحقق الجزاء للحسنات في الدنيا بعنوان تشجيع المبادراتالخيرة التي يقوم بها المواطنون في الإنتاجين المادي (الاقتصاد) والرمزي (العلوم)المشروطين في تحقيق شروط العمران والاجتماع وعلة تأخير الفقه في هذا الوجه تأصيل الفقه حصر في شكلياته المنطقية.وتلك هي علة عدم تجاوز العصر الثاني العصر الأول الذي كان ضروريا كبداية وكانينبغي تجاوز البداية إلى ما توصل إليه ابن خلدون من اعادة ترتيب ما تقتضيه فصلت 53والتركيز على العمل بآل عمران 7بمعنى النهي عن دعوى علم الغيب الذي يترتب على عطف فعل الراسخين على ما هو محصور في علم الله.وتلك هي علة اعتراضي الأول على المقاصد :فمقاصد الشريعة يعني مقاصد الله.ومقاصده من الغيب وهو قد نهى عن تأويل المتشابه (آل عمران )7وبين الطريق إلىأبو يعرب المرزوقي 17 الأسماء والبيان
--معرفة حقيقة القرآن (فصلت )53فاعتبر العلم الإنساني بما في القرآن من حقائق لا يرى في القرآن بل في آيات الله في الآفاق والأنفس.وذلك ما فعل ابن خلدون :درس آيات الله في الآفاق والأنفس ليحدد علم العمرانالبشري والاجتماع الإنساني فيفهم شروط انتظامهما وضبطهما وبين أنها مطابقة لما حددالقرآن مبادئه التي تعود إلى المحكم فيه فتغني عن الخوض في المتشابه الذي هو دليل مرض القلوب وابتغاء الفتنة. ما المراحل التي تحدد في العصر الثاني من الفقه وأصوله؟خمس مراحل متعلقة بالعلوم الأدوات التي يحتاجها الأصولي ويمكن القول إن الإجماع حاصل على أن المرحلة الأولى استوفت البحث في الغايات .وهذه العلوم الأدوات هي: .1علم الحديث .2وعلم اللغة .3وعلم المنطق .4علم التفسير .5والغاية المقاصد.وكل هذه المقومات حاضرة في كل المراحل لكن بروز دورها ليست متساوقا بل هو متوالفي الزمان :فالحديث أولا واللغة ثانيا والمنطق ثالثا والتفسير رابعا وغاية المرحلة كانتصوغ الشاطبي لنظرية المقاصد نسقيا رغم أنها ظهرت مع بروز دور التبني الضمني لنظرية أرسطو (مع الجويني والغزالي).ويمكن القول-وهذا من المفارقات-أن تبني نظرية أرسطو وأفلاطون في القانون-سابقةلأنها هي أساس الموقف الظاهري لابن حزم :فهو يرفض كل محاولات القياس على ظاهرالنص القرآني وكل ما عدا المنصوص عنه ينتسب إلى تشريع يمكن اعتباره وضعيا لأنه لم يكن غافلا عن محدودية ظاهر النصوص في تنظيم الحياة.أبو يعرب المرزوقي 18 الأسماء والبيان
--فما يخرج عن ظاهر النصوص غير محدود في حين أن ما يشمله قليل جدا .فيكون التشريعلما لا تشمله النصوص مجال التشريع الوضعي بلغتنا الحديثة ولا يمكن قيسه على مجالالتشريع المنزل وهو الوحيد الثابت والمقدس وغير القابل للقيس عليه إلا إذا توهم الفقيه ما نهت عنه آل عمران .7وهذا التنظيم الثاني للوزع الخارجي بالقانون ليس وضعيا بالمعنى الحديث أعني أنه ليسمشروطا بنفي التشريع المنزل بل هو مطلوبه وشرطه عدم القول بمقاصد الشريعة التيإن قلنا بها فينبغي القول بأنها من الغيب الذي لا يعمله إلا الله ككل التكاليف .فلسنا نعلم من قصد الله إلا أنه خلقنا لعبادته.وعبادته -الجنس والإنس-هي حقيقتنا التي يرينها في الآفاق والأنفس :أي استعمارنا فيالأرض امتحانا لأهلية الاستخلاف التي وضع شروطها في فطره لنا بأن جعلنا أحرارا مكلفينبتعمير الأرض بقيم محددة بوضوح في القرآن ومشروطة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حدا لحقيقة الإنسان المؤمن.وقد حدد القرآن ذلك إنشاء (آل عمران )104وخبرا (آل عمران )110وجعل الحدالأول شرطا والثاني جواب شرط :إذا أمرنا بالمعروف ونهينا عن المنكر كنا خير أمة أخرجتللناس .وهذا هو موضوع الفقه وتأصيله القرآني بمعنى أن موضوع الفقه هو عين التربية التي تحقق الغاية من الخلق وتعرفها :العبادة.وهي تعرفها بكونها استعمار الإنسان في الأرض بقيم الاستخلاف .وهذا التعريف لا يجعلالفقه متحددا بالمقاصد التي لا يعلمها إلا الله بل بحقيقة الإنسان فردا وجماعة من حيثهو عابد لله بمقومات العبادة أو الإيمان كما حددتها البقرة .177وفيها حقيقة علم الفقه ومنطلق تأصيله الوجودي.أما حصر التأصيل في العلوم المساعدة التي تمكن من استخراج القوانين من النصوص فهيمهمة ثانوية وتقنية تتقدم بتقدم العلوم المساعدة ولا تعتبر من المقومات الجوهرية للفقهأبو يعرب المرزوقي 19 الأسماء والبيان
--وتأصيله .وهذا هو جوهر الخلاف بين الشيخ البوطي رحمه الله وبيني .وهو كذلك علة رفضي لنظرية المقاصد.العصر الثاني من الفقه وأصوله يتعلق بعلوم الآلة وليس بجوهر الفقه وتأصيله .فعلمالحديث وعلم اللغة وعلم المنطق وعلم التفسير ونظرية المقاصد كلها آلية وليست جوهريةللفقه وأصوله .ومعنى ذلك أن هذه الأعمال مهمة دون شك لكنها من شكليات الفقه وأصوله وليس من جوهره.وجوهر الفقه وأصوله لا يمكن أن يعلما من دون العودة إلى ما أمرت به فصلت 53ونهتعنه آل عمران 7وهو ما يمكن نسبته إلى ابن خلدون في العمل (مجال الكلام في الفقهوأصوله) .وما كان لثورة ابن خلدون في نظرية العمل أن تتحقق لو لم يسبقها ثورة في النظر أنسبها إلى ابن تيمية.أبو يعرب المرزوقي 20 الأسماء والبيان
--أبدأ الفصل الرابع من الشكوك بشرح كلمة شكوك .هي مصطلح استعمله الفلاسفةوالعلوم النابعة منها مثل الشكوك على بطليموس للتعبير عن مفهوم يوناني شهير هو\"ابوريا\" ويعني الطريق المسدودة .فـ\"أ\" علامة النفي \"وبرويا\" النفاذ أو الممر .والمعنى المؤلف منهما يعني طريق العلاج النظري المسدودة.في مقالة الدال من ما بعد الطبيعة عالج ارسطو 14شكا أو ابوريا ليؤسس \"علم\"الميتافيزيقا .وما أحاوله هنا يماثل ما حاوله أرسطو لتأسيس ما بعد الطبيعة .مسعاي هوتأسيس ما بعد الفقه معتبرا ما فعله الشافعي تأسيسا يوحد بين المصادر ويبين كيفية استعمالها أصلا لهذا العلم.ولما كان العصر الثاني لم يتجاوز هذا الفهم واكتفى بتجويده بتجويد علوم الآلة أيالحديث واللغة والمنطق والتفسير وتوقف عند المقاصد طريقا مسدودة كان من الواجبجعل الطريق سالكة بالعودة إلى ما لم يتحقق في محاولة الشافعي التي اقتصرت على توحيد المصادر كمعين للأحكام والحاجة إلى هذه الآلات.ولكن ذلك كان بقلب فصلت 53وإن بإضمار بالجرأة على آل عمران 7جرأة لم تتبينإلا عندما أصبح مفهوم المقاصد سائدا :مقاصد الشرع ينطبق عليها آل عمران .7شرطهاأن يعتبر الراسخون في العلم قادرين على تأويل المتشابه واعتبار الـ\"و\" في الآية عطفية وليست استئنافية.حل الشكوك أو الطرق المسدودة في الفقه وتأصيله جزء مقوم من نظرية الدولة فيالإسلام :من دون بيان مفهوم الشرعية الفقهية لا يمكن تأصيل الفقه .وبلغة وضعية :لايمكن تأسيس القانون من دون تحديد مفهوم الشرعية التي يستمد منها قوته الإلزامية. وهو ما يقرب من مفهوم السياسة الشرعية التيمية.وكل مشكل الفقه أن الفقهاء تصوروا ان الفقه ممكن من دون السياسة الشرعية .ولأنهمن دونها صار زجريا وليس تربية بالأساس في إطار السياسة الشرعية .ومعنى ذلك أنأبو يعرب المرزوقي 21 الأسماء والبيان
--الفقه كله وتأصيله هو فقه حالة الطوارئ التي تلت تعطيل الدستور بلغة حديثة تحول إلى وازع أجني بإطلاق وفقد بعد الوزع الذاتي.أزمة الفقه انعكست إلى تأصيله الذي اقتصر على شكليات التأصيل أو بصورة أدق علىعلوم الآلة فيه بدلا من جوهره كما تحدد في العصر الأول دون أن يطلب حقيقته لأنهاقتصر على كون الأصل هو معين الأحكام وليس ما يصبحه من طبيعة الشرعية التي تعود إلى وظيفته في نظرية السياسة الشرعية دون سواها.ومعنى ذلك أن الفقه وتأصيله يعودان إلى وظيفة القضاء بمعنييه (حكما قضائياوافتائيا) في نظام سياسي خاضع لشروط الشرعية في نظرية القرآن التي تعني بعديالسياسة :التربية والحكم على أساس الحريتين اللتين تلازم أولاهما التربية بل هي جوهرها أي حرية روحية تلغي كل وساطة بين المؤمن وربه.وهي شارطة لمفهوم الوزع الذاتي أو حرية الضمير وعلى اساسها تنبني الحرية السياسيةأو نفي الوصاية على إرادة المؤمن عدى الحرية الأولى أو العبادة التي لا وساطة فيها بينالمؤمن وربه ليكون من المستجيبين لربهم فيكون الأمر أمرهم فيسوسوه بالشورى التي معيارها التواصيين بالحق والصبر.فيكون دور القانون الأول الزجر بدل التربية التي تجعل الزجر اقل العوامل تحديداللسلوك فلا يكون الوزع الأجنبي (القانون الزاجر) مقدما على الوزع الذاتي (سلطةالضمير الخلقي) .أما السياسة المبنية على الوساطة الملغية للحرية الروحية والوصاية الملغية للحرية السياسية فالفقه.وإذن الانتقال من الدستور إلى حالة الطوارئ بعد الفتنة جعلت الفقه قانون حالةالطوارئ ولم يبق من الفقه إلا اسمه بل إن العلماء صاروا وسطاء والحكام صاروا أوصياءولم يعد الإنسان المسلم مؤمنا يعمل صالحا والجماعة جماعة متواصية بالحق ومتواصية بالصبر صار الحكم طبيعيا وليس شرعيا.أبو يعرب المرزوقي 22 الأسماء والبيان
--وهو معنى الانتقال من الخلافة النبوية إلى الملك العضوض .فالخلافة النبوية هي التيتعتبر كل المؤمنين خلفاء فرض عين والخليفة خليفة فرض كفاية بمعنى أنه مأمر منالجماعة بحضورها الدائم في دور الخلافة العامة التي تجعله خادما للجماعة نيابة عنهم في إدارة الأمر الذي هو أمرهم وليس أمره.وهذا هو معنى السياسة الشرعية :المربي ليس وسيطا والحاكم ليس وصيا بل كلاهما ينوبالجماعة في جعل التنشئة الخلقية والسياسية تنشئة تحقق الحرية الروحية (المؤمن في علاقةمباشرة بربه في كل حياته ولا تقبل أي وساطة) والسياسية (المؤمن هو صاحب الأمر فرديا وجماعيا يدير الشأن العام بالشورى).وهذا يقلب العلاقة بين الوزع الأجنبي (الآتي من خارج الذات) والوزع الذاتي (الصادرعن الضمير الخلقي والديني) فتكون الجماعة محققة لمضمون سورة العصر :فالخسر هوالجاهلية .والاستثناء منها هو مضمونها المخمس :الوعي بالخسر ثم فرديا الإيمان والعمل الصالح وجماعيا التواصيان بالحق وبالصبر.وذلك هو جوهر السياسة الشرعية المشروطة غاية للفقه وأصلا لتأسيسه وتحديد وظائفهوقيمه .وهذه السياسة الشرعية لم تطبق إلى في المرحلتين الأوليين :سياسة النبي وسياسةالراشدين الثلاث الأول لأن الرابع لم يحكم بسبب الحروب الأهلية التي بدأت مباشرة بعد الفتنة.وإذن فما حصل في التأصيل الأول كان متعلقا بالمصادر وما حدث في العصر الثاني كانمتعلقا بالآلات .وإذن فكلاهما لم يصل إلى علل مصدرية المصادر وإلى علل آلية الآلات فيالفقه الإسلامي .وهو ما يعني أن الفقه وأصوله لم يدرك حقيقته بمقتضى فصلت 53وآل عمران .7فغابت حقيقة ما في القرآن منه.فما في القرآن من الفقه هو ما طلب القرآن تبين حقيقته في الآيات التي يرينها الله فيالآفاق والأنفس وليس في شرح نص القرآن ولا في تعليم الرسول بل هو ما في هذه من قوانينأبو يعرب المرزوقي 23 الأسماء والبيان
--نكتشف مطابقتها للسنن التي طبقها الرسول باعتباره طلبها من الآفاق والأنفس كما تبين سياسته ببعديها :تربية وحكما.وقد أخذت سيد العلوم لأبين أنه قد صيغ بصورة منافية لما تقتضيه نظرية العلم ونظريةالقيمة القرآنيتين بسبب قبل دلالة الآيتين فصلت 53وآل عمران .7وبدلا من جعل ما فيالقرآن مثالا أعلى يقاس عليه ما نكتشفه في الطبيعة والتاريخ من آيات الله لنعلم به حقيقة القرآن عكسوا دلالة الآيتين.تركوا ما وجه إليه الله أمرا لفهم عالم الشهادة (فصلت )53وانشغلوا بما دعا لتجنبهنهيا أعني وهم فهم عالم الغيب (آل عمران )7فانعكست وظيفة الفقه وقيمه في تأصيلهوأصبح بالجوهر قانون حالة الطوارئ وليس سياسة قرآنية متعينة في وظائف دول قائمة على السياسة الشرعية ببعديها :التربية والحكم.وبهذا المعنى فإن عصر التأصيل المناسب لنظرية الدولة القرآنية لم يتحقق بعد وهو يبدأعندما نفهم معنى القول إن الأمة بسبب الفتنة الكبرى والحرب الأهلية عطلت الدستورفوضعت فقها للطوارئ ولم تكتشف إلا طريق فقه شرعي يطبق ما أمر به القرآن (فصلت )53وما نهى عنه (آل عمران .)7وهذا الفقه الذي هو قرآني شكلا فاقد لشرعية المثال القرآني الأعلى لأنه اعتمد نظريةمعاكسة لما أمر به القرآن لمعرفة حقيقته ولما نهى عنه حتى لا يخلط الإنسان بين حقيقتهوأمراض القلب وابتغاء الفتنة :فالغيب لا يعلمه إلا الله ومن ثم فلا يمكن أن يبنى الفقه على مقاصد لا يعلمها إلا هو.الغاية من وجودنا حددها القرآن الكريم .ولها وجهان :بالإضافة الى الله هي العبادة(خلق الجن والإنس لعبادة الله) وبالإضافة إلى الإنسان هي امتحان أهليته للاستخلافخلال تعمير الأرض .وهما وجها الأمانة التي ظلم الإنسان نفسه بحملها وكلف بها مع تجهيز روحي (غاية) وعقلي (أداة).أبو يعرب المرزوقي 24 الأسماء والبيان
--والسياسة ببعديها تربية وحكما هي الفقه وأصوله أصغره وأكبره ولا يمكن الفصل بينهماإلا في حالة واحدة هي السياسة التي تعطل الدستور وتعمل بحالة الطوارئ :والأمةالإسلامية عاشت على حالة الطواري منذ الفتنة الكبرى إلى اليوم .وكل محاولات تأسيس الفقه التي حصلت تنتسب إلى حالة الطوارئ.ولا يمكن التشكيك فيها من حيث الدور الذي أدته فهي كانت مناسبة لظرفية الطوارئولم تكن مناسبة لشروط الخروج منها والعودة إلى الدستور الذي بقي مجهولا بسبب قلبفصلت 53وآل عمران :7إذا أعدنا دلالة الآيتين كما أمر القرآن ستصبح سياسته وفقهه ممكنين فتستأنف الامة الشاهدة دورها الكوني.وإذن فالأمر لا يتعلق ببداية من عدم بل هي بداية ثانية ما كانت لتكون ممكنة من دونالبداية الأولى التي كان تاريخنا بعد الفتنة الكبرى تحريفا لها بتعطيل الدستور وفرضحالة الطوارئ التي كانت ضرورية للخروج من الحروب الأهلية فلم يحقق إلا شروط الاستعمار واقتصرت شروط الاستخلاف على القشور.وشروط الاستخلاف تنقسم إلى نوعين :شروط الحرية الروحية وشروط الحريةالسياسية .والأولى هي شروط التحرر من الوساطة الروحية والثانية هي شروط التحررمن الوصاية السياسية .وليس بالصدفة أن كانت الوساطة والوصاية قد بلغت مبلغها وأن الأمة بدأت تعي علاقة انحطاطها بهما.والفتنة الصغرى الحالية تناظر الفتنة الكبرى السابقة :فهي سياسية مدارها وظيفتيالدولة تربية وحكما في علاقة بالوساطة والوصاية .ومن المفارقات أن ما يبدو وكأنه داعيالعكس ما عكس في الفتنة الأولى هو من نفس الطبيعة :فالعلماني لا يختلف عن الباطني إلا بالأقوال .لكن الأفعال واحدة.الباطني يجعل الدين مجرد أداة إيديولوجية للحكم والعلماني باطني صريح لا يحتاجإلى الدين إيديولوجية للحكم بل يستبدله بإيديولوجيا طبعانية هي عين ما يخفيه الباطنيأبو يعرب المرزوقي 25 الأسماء والبيان
--بدين جوهرة تقية ولا تقوى .وهو يوهم أن السياسة مستقلة تماما عما يتعالى عليها وإن كانت بحاجه إلى توظيف غاياته إيديولوجيا.فالماركسي يوظف كل غايات الدين ويتصورها ضده لأنه يخلص بين الدين وتوظيفاتهالباطنية :فهو يدعي الكلام باسم الحريتين اللتين هما جوهر الإنسان كما يحدده القرآنبجعلهما إيديولوجيا وليس حقيقة بدليل أن تطبيق نظرياته حقق العكس تماما :فقد الإنسان تماما كلتى الحريتين.فالحزب وساطة كنسية والدولة وصاية سياسية وكلاهما دنيوي .حصر الإنسان في الدنيوييجعله لا يساس إلا بقوانين الطبائع أي بالقوتين المادية والرمزية أي اقتصاد الربا وثقافةالخداع المؤسسين لدين العجل عبادة لغير الله إذ هما مادة العجل وخواره :رمز الفعل (العملة) وفعل الرمز(الكلمة).أبو يعرب المرزوقي 26 الأسماء والبيان
--ليست المماثلة بين الفتنتين الكبرى والصغرى حول السياسة ودور الدين أو بين التشيعوالتسنن في الأولى وبين الاسلامية والعلمانية محض تناظر شكلي بين دين التقية(الباطنية) ودين العجل (العلمانية) بل علاقة بين تعينين لنفس الداء :ما الحائل دون الإنسان وحقيقته أي الحريتين الروحية والسياسية.ذلك هو الداء الذي رمز إليه القرآن بدين العجل الذهبي ذي الخوار .فالذهب هنا رمزلفاعلية الاقتصاد والخوار رمز لفاعلية الثقافة الحائلة دون حرية الإنسان الروحيةوالسياسية لأن أصحابهما يستعبدان البشر فتصبح مادة العجل (الاقتصاد ورمزه العملة) وخواره (الثقافة ورمزها الكلمة) أداتين للاستعباد.وهذا يعني أن القرآن لم يحكم المسلمين إلا أياما معدودات هي مدة حكم الرسولوالراشدين الثلاث الأول :وفيهما تحرر الإنسان ليس عامة بل العينة التي حصلت فيمدتهما وعند من كان ذا صلة مباشرة بتربيتهما وحكمهما أي ببعدي سياستهما لدولة الإسلام. وما عدى ذلك حالة طوارئ دائمة إلى اليوم. وهي حالة أعادت العائقين دون الحريتين: .1عائق الحرية الروحية حيث صارت التربية وساطة كنسية. .2وعائق الحرية السياسية حيث صار الحكم وصاية استبدادية غاشمة أو ملكيةعضوضة .وهذه الصيرورة المضاعفة هي ما أطلق عليه اسم حالة الطوارئ بالقياس إلى حكم الرسول والراشدين الثلاثة الأول.ويمكن اعتبار حالة الطوارئ فقهيا وقانونيا حالة الضرورات التي تبيح المحظورات فينوعي التشريع الشرعي والوضعي .ومعنى ذلك أن كل حالة يتقدم فيها دور الشوكة علىدور الشرعية سواء كان التشريع منزلا أو وضعيا هي حالة طوارئ يقل فيها دور القانون السوي يزداد دور اللاسوي منه.أبو يعرب المرزوقي 27 الأسماء والبيان
--وطبيعي أن يكون الحد من القانون السوي منزلا كان أو وضعيا نسبيا إلى دور الشوكةوالشرعية :فكلما كانت الشوكة أكثر حضورا كان الحد أكبر بسبب دور الوساطة الكنسيةفي التربية ودور الوصاية الاستبدادية في الحكم .ونظام التربية ونظام الحكم هما الإطار الذي تتعين فيه هذه الخاصية.وغاية هذا التغير أو نهايته هي عندما يصبحان محققين لما سماه ابن خلدون فساد معانيالإنسانية أي زوال ما يعبر عن الحريتين في كيانه التاريخي فرديا وجماعيا .فتنقلب الأمورإلى حد يصبح فيه دور القانون تثبيت هذا الفساد وليس التحرر منه لأن وظائف القانون تصبح أداة الدولة للقضاء على الحريتين.وهذا يصح على نوعي القانون ذي المرجعية الوضعية وذي المرجعية المنزلة عندما تصبحالمرجعية مجرد غطاء إيديولوجي لما يناقض المرجعية نفسها :فالوحي والعقل كلاهما قابلللتوظيف العجلي أي إنه يغطي على حقيقة الأفعال بخدعة الأقوال .ومربط الفرس هو التوظيف أو نقيض حقيقة الوظيفة.ذلك أن الوحي (على الاقل ما لدينا منه في القرآن) والعقل (على الاقل ما نعلمه عنطريقه) كلاهما يعتبر الشرائع بخلاف الطبائع مصدرها مفهوم الحرية الروحية والحريةالسياسية ومن ثم فهما متفقان على أن صلاح دور السياسة ببعديها التربية والحكم هو تنمية هذين الحريتين طلاحها في إعاقتهما.والحريتان ليستا من مقاصد الشريعة التي لا يعلمها إلا الله بل هما حقيقة الإنسانأوالانثروبولوجيا القرآنية أي نظرية الإنسان في القرآن بوصفه خليفة ذا علاقة مباشرةمع الله وغير مباشرة معه مجهز بالقدرة على رؤية آيات الله في الآفاق والأنفس شرطا في علم قوانينهما والعمل بها لتحقيق كيانه.فهو مجهز بهذه القدرة التي تكتشف قوانين الطبيعة (الافاق) وسنن التاريخ (الأنفس)والأولى من طبيعة رياضية بنص القرآن والثانية من طبيعة سياسية بنص القرآن .فكلأبو يعرب المرزوقي 28 الأسماء والبيان
--شيء خلق بمقدار (الطبيعي والتاريخ كذلك) لكن المخلوق الطبيعي ما يرى فيه من آيات هو قوانينه الرياضي والتاريخي قوانينه السياسية.وكلا النوعين من القوانين لا يوجد في القرآن بل في آيات الله التي يرينها في الطبيعةوفي التاريخ .وعندما نكتشفها بما جهزنا به من قدرة على ذلك ندرك حينها حقيقة القرآنما هي .هذا ما تقوله فصلت .53وعندما نبحث عن حقيقة القرآن في التأويل اللغوي لنصه متجاوزين آل عمران 7نصنع علوما زائفة.ويستحيل أن نكتشف قوانين الطبيعة وقوانين التاريخ مباشرة بالاعتماد على التجربةالحسية بل لا بد من مقومي العلم :المقدرات الذهنية علما شارطا لصوغ التجارب العلمية المستمدة مباشرة من الطبيعة أو من التاريخ .فكل علم مؤلف من بعدين: .1مقدرات ذهنية رياضية .2أو سياسية حول موضوعات مجردةوهذه المقدرات المجردة تتألف من خانات يمكن أن تملأ بمضمون وجودي يأتي من التجربةفتكون المقدرات القادرة على نظمها بصورة تعبر عنها وكأنها القالب الشكلي الذي يحولالتجربة إلى علم يمكن بالاعتماد عليه تطوير التجربة التي تبقى الحكم النهائي لفرضيات المقدرات الذهنية.وتلك هي الطريق الوحيدة لإبداع علوم الطبائع وعلوم الشرائع .والتاريخ مؤلف منالجنسين .والفقه وأصوله مقوم جوهري لعلوم الشرائع بوصفها علوم المواقف القيمية منالطبائع وأهمها ما في الإنسان من مقومات فطرية (دينيا) وطبيعية (عقليا) .وهو ما يعني أن القرآن خال من القوانين العينية بنوعيها.لكنه يشير إلى محلها وإلى كيفية الوصول إليها ويقدم بعض الأمثلة النموذجية من المحلومن السعي .وذلك هو أساس استدلاله في المسائل التي يمثل بها لنظرية المعرفة ونظريةالقيمة اللتين تحددان علاقة الإنسان بذاته وبمثله وبشروط قيامه التي هي علاقته غير المباشرة مع الله فضلا عن المباشر منها.أبو يعرب المرزوقي 29 الأسماء والبيان
-- وتلك هي وظيفة المرجعية فهي لا تحدد الجزئيات بل: .1المبادئ العامة المتعلقة بطبيعة المطلوب .2ومحل وجوده .3وطريق الوصول إليه أو منهج اكتشافه .4قيمه الأساسية ووظائفه التي تتجلى أدواره في المبادئ والمحل والطريق والقيم. وذلك هو دور القرآن الكريم الذي كانت السنة أول فهومه اللامتناهية.وما أخشاه هو أن يظن المتعجلون أني آت بما لم يأت به الاولين وكأني أشكك في قيمتهاأو في عظمة رجالاتها مدعيا أني آت لما يأت به الأولون .وهذا طبعا مفهوم .لكني لم أدعشيئا وإنما أحاول فهم طبيعة الأزمة والشكوك لا تتعلق بأحد بل هي كشف عن المعضلات التي قللت من فاعلية الفقه واصوله.وإذن فموقفي يتعارض تماما مع كاريكاتور التأصيل وكاريكاتور التحديث :فالأول يتصورأن العودة إلى الأصل ممكنة بالعودة إلى قشوره والثاني يتصور أن الحداثة ممكنه بتقليدقشورها .كلاهما في الحقيقة .والأول يريد استعادة الماضي الذاتي والثاني استعارة الماضي الغربي.والاستعادة استعارة والاستعارة استعادة والفرق بينهما هو في كون استعادة الأول استعارةمن آباء الذات واستعارة الثاني استعادة من آباء الغير .فالحداثة ماض غربي .والأصالةماض إسلامي .والجميع اليوم يعاني من إشكالية تحرير السياسة من دين العجل :مادته الذهبية وكلمته الخوارية.الأزمة التي أتكلم عليها ليس خاصة بالمسلمين وحدهم بل بالغرب كذلك لأن ما نستعيرهمنه هو الذي قتل الفقه ومات معه في آن :لأن الصراع بين أصحاب الكاريكاتورين أعماهماعن الواحد في تحريف التشريعين المنزل والوضعي .كلاهما مبني على نفي الحريتين بالوساطة الروحية والوصاية السياسية.أبو يعرب المرزوقي 30 الأسماء والبيان
--والدليل أن حال الانتخابات في المجتمعات العلمانية صار من جنس حال البيعة في المجتمعاتالإسلامية :كلاهما صار رسما بعد أن كان عينا .كلاهما يخفي آليات التربية والحكم الفعليةبرسوم من حقائقهما هي الغطاء الإيديولوجي بتوظيف الدين أو العقل في خدمة السيدين الوحيدين :المال والإيديولوجيا.كلاهما يحكمه دين العجل الذهبي ذي الخوار :كل ما في الأمر أن سلطة اليوم التي تلغيالحرية الروحية هي الأحزاب ولوبياتها ذات الخوار وسلطة اليوم التي تلغي الحريةالسياسية هي البنوك ومافياتها ذات الدينار .ما عدا ذلك واجهة يحميها القانون زجرا وتلهية عن العبودية بالهموم الدنيوية.وهذا يعني أن الأمة تعيش الآن لحظة الاستئناف المعتمد على إعادة تأسيس علوم الملةبمقتضى فصلت 53وآل عمران 7ومن ثم فلا يمكن تأسيس اي علم من علوم الملة علىالعلاقة المباشرة بين الله والإنسان لأن وظيفتها هي جعل هذه العلاقة حضورا دائما لله مع الإنسان حتى يكون حرا روحيا وسياسيا.أي إن هذه العلاقة المباشرة مع الله هي الوعي الدائم بشروط الاستثناء من الخسر فيسورة العصر وفروع هذا الوعي الأربعة :الإيمان والعمل الصالح والتواصي بالحقوالتواصي بالصبر في كل أعماله الظاهرة والباطنة في نظره وعمله وتلك هي حقيقة معاني الإنسانية التي تفسد بغياب هذه الحال الوجدانية.والإنسان لا يكون إنسانا صالح المعاني الإنسانية وغير فاسدها (بمصطلح ابن خلدون)إلا بهذا الاستثناء من الخسر .وهو به يصبح قادرا على تطبيق التوجه الذي يأمر بهالقرآن وينهى عن وهم تجاوزه حتى يصبح قادرا على رية آيات الله في الآفاق وفي النفوس. ومنها يبدأ العلم والعمل.والعلم والعمل هو الذي يجعل العلاقة غير المباشرة بالله تمر بنوعي مخلوقاته الشارطينلوجود الإنسان ولامتحان أهليته للخلافة خلال بيان استجابته لاستعماره في الارض بقيمأبو يعرب المرزوقي 31 الأسماء والبيان
--الاستخلاف .فيعلم الطبيعة والتاريخ مصدري قيامه العضوي والروحي ليعمل على علم بشروط الاستثناء من الخسر.والفقه الذي هو أسمى علوم الملة لأنه أساس شرط تحقيق مهمة الإنسان أعني شرطانتظام الجماعة في التبادل والتعاوض العادل حماية ورعاية لوجود الفرد والجماعةوالتأهل للاستخلاف لا ينبع من العلاقة المباشرة بين الله والإنسان بل من العلاقة غير المباشرة سلطانا نظريا وعمليا على الطبيعة والتاريخ.وتلك هي البداية الجديدة لتأصيل الفقه من منطلق تأصيل نظرية الدولة والسياسيةتربية وحكما في القرآن :تأصيل الفقه يمر بتأصيل السياسة والدولة .فالفقه هو أداة الجمعبين الشرعية والشوكة أو هو محاولة جعل الوازع الذاتي هو القاعدة في حياة الجماعة والوازع الأجنبي مجرد مساعدا له.والانتقال من عكس هذه العلاقة أو النكوص إليها هو المشكل في كل ما ذكرناه من شكوك:في عصر الرسول والراشدين الثلاثة الأول حصل الانتقال من الشوكة اللاشرعية (جاهليةالحالة الطبيعية) إلى الشرعية ذات الشوكة (وظيفتي الدولة المربية والحاكمة) .والفتنة حالة الطواري نكوص الأفعال دون الأقوال.والباطنية غطت عن هذا النكوص بتحريف الدين نفسه وأسست السياسية على الوساطة(كنسية شيعية أو تعليمية في الباطنية) وعلى الوصاية (الإمام المعصوم يحكم بالحق الإلهيوليس بإرادة الجماعة) .وفقهاء السنة حافظوا في الأقوال على الحريتين لكنهم قبلوا بالأفعال النافية لهما.واليوم نحن في طور الاستئناف الذي يستعيد الحريتين الروحية (لا وساطة) والسياسية(لا وصاية) لا بد من فقه يؤمن بأنه لا يتأسس مباشرة في القرآن والسنة بل فيما يترتبعلى ما فيهما من علمي الطبيعة والتاريخ بوصفهما محددين لشروط تأسيس الفقه وتأصيله بمقتضى ما يتجلى من آيات الله فيهما.أبو يعرب المرزوقي 32 الأسماء والبيان
--وإذن فالحضور الدائم للعلاقة المباشرة بين المؤمن وربه بوصفها حالة وجدانية تتحدد بهاكل افعالنا هو أصل المرجعيات بوصفه نوع حضور الله في نظرنا وعملنا للطبائع والشرائعاللتين نستمد منهما مرجعيات فقهنا وأصوله حتى نعلم حقيقة القرآن أو الحضور الدائم لله معنا وفي أفعالنا.وهذا الحضور الدائم أو العلاقة المباشرة بين المؤمن وربه هو الحرز الوحيد لكي يكونالفقه والعمل به محققا لما لا يكون الحكم والقاضي حكما أو قاضيا أمينا وعادلا .وفي هذهالحالة يكون المتنازعان كذلك جزءا لا يتجزأ من التحاكم بينهما لأن القانون الخالي من هذا المقوم سرعان ما يصبح ظالما.أخلاق القاضي والمتقاضين مقوم أساسي من الفقه واستقلاله عن سلطة التنفيذ التيتتحكم في سلطة التشريع :فما يحقق استقلال القضاء رغم أنه ليس سلطة سياسية بل سلطةتقنية ومعرفية-مشروط بهذين النوعين من الأخلاق .ففي أمة فسدت فيها معاني الإنسانية يصبح الجميع يسعى لإفساد القضاة واستغلالهم.الحضور اللفظي للشريعة لا يحرز القضاء أو الافتاء فيصبحان أداتين للظلم والتحيلوهو معنى استعمال الدين غطاء إيديولوجيا .وكل تنازل من ممثل الشرعية لممثل الشوكةخيانة لله ورسوله وهذا هو الحاصل منذ الفتنة الكبرى سواء كان الحكم دينيا أو علمانيا بالشكل :غطاء لفساد معاني الإنسانية.ومن دون علاج ذلك لا معنى لاستئناف الأمة دورها .فالإسلام يمكن أن يكون مستقبلالإنسانية إذا قمنا بما حاولت وصفه في الشكوك .ولا يمكن تحقيقه بالكاريكاتورين.فالفتنة الكبرى والفتنة الصغرى لهما نفس المآل .الأولى أدت إلى باطنية علنية في التشيع وخفية في التسنن والثانية تسعى لنفس الغاية.أبو يعرب المرزوقي 33 الأسماء والبيان
--في الفصل السادس ندرس الكيفية التي تفسد بها وظائف الحماية التي تنتج عن الاقتصارعلى الوزع الأجنبي الذي لا يصحبه الوزع الذاتي سواء كان التشريع شرعيا أو وضعيافيكون الفقه أو القانون مجرد غطاء لهذا الفساد الناتج عن الاستبداد وتحول السياسة إلى الخداع النسقي في الجماعة.وما أظنني في هذا الفاصل بحاجة إلى الخوف من ألا يفهم ما سأقول فأتهم كالعادةبالتعسير هذا إذا لم يتجرأ أحد الاميين فيشكك في قدرتي على التبليغ مسقطا غباءه وعيهعلي .فما سأقوله لا يتجاوز وصف ما يعيشه كل المسلمين من الهادي الى الاطلسي دون استثناء .وضع عام لوظائف الدولة كلها معكوسة. فوظائف الحماية انعكست تماما :فالحماية الداخلية: .1القضاء فاسد فاقد لشرطي شرعيته أي الأمانة والعدل. .2الأمن فاسد لا يحمي المواطن وخاصة المؤمن بل يخيفه ويعذبه. والحماية الخارجية: .3الدبلوماسية في خدمة حامي نوابه في محميات خاضعة له. .4والدفاع فاسد يحمي الأعداء ويستبد بالأوطان ويبلغ فساد وظائف الحماية الغاية في: .5المخابرات التي بدلا من أن تكون عينا حارسة للوطن والمواطنين صارت عينا عليهمللحكام وحماتهم الذين جعلوا أوطاننا محميات لا سيادة لها لأنها تابعة في كل شيء وخاصة في شرطي السيادة أعني القدرة على الحماية والرعاية الذاتيتين.ولا أحد من القراء بجاهل بهذا الوضع حتى وإن كان لا يستطيع فهمه لعدم إدراكعلله .وهدفي من هذه المحاولة ليس الكلام على شكوك المقاصد بل وكذلك بيان ثمراتالتحريف الذي يظن علما وما هو بالعلم لأنه آل إلى ما نراه من النتائج التي لا يمكن تفسيرها ولو جزئيا إلا بما أصف هنا.أبو يعرب المرزوقي 34 الأسماء والبيان
--وإذا كان ما قلته عن الحماية بينا للعيان ولا يحتاج إلى استدلال ولا إلى برهان فإن وضع الرعاية أسوأ بكثير .ففي تكوين الإنسان: .1التربية النظامية فاسدة لا تكون الإنسان خلقيا ولا معرفيا ومن ثم عجز الأمة على رعاية ذاتها شرطا في قدرتها على الحماية الذاتية. .2وفساد التربية اللانظامية أسوأ.وما أسميه التربية اللانظامية هو التربية المرسلة في غير المدرسة أي في كل الجماعاتالتي يتألف منها المجتمع من المسجد إلى المقهى إلى أماكن العمل إلى الفضاء العام.فمجتمعاتنا الكل يشك في الكل ما يؤدي إلى التكاذب والتخادع والتغاشش وخاصة في التطفيف والتوظيف حتى صار المصلون يتسارقون.والعلة هي فساد شروط التموين الذي هو شرط التكوين :فالمجتمع الذي لا يستطيع سد حاجات مواطنية .3المادية (الاقتصاد). .4والروحية (الثقافة) ويصبح تابعا فيهما لأنه فاقد. .5للبحث العلمي الذي يمكن من إنتاج ما يسد الحاجات بتموين ييسر التكوين يصبح مجتمعا عالة على غيره متسولا بدنيا وروحيا.وهو ما يعيد الجماعة إلى الجاهلية حتما حيث يكون الكل متربصا بالكل من أجل ضروراتالرعاية بوظائفها الخمس والحماية بوظائفها الخمس ولا يكون شيء تصوره مطابقا لواقعهبل هو عكسه تماما فتكون الأفعال مناقضة للأقوال ويصبح التفاهم بين المواطنين مبينا على سوء ظن الجميع بالجميع دائما.لا أحد يطمئن لأحد ومن ثم فالعقد الضمني للتطامن المتبادل منعدم تماما .فلا القاضيقاض ولا الأمن أمني ولا الدبلوماسي دبلوماسي ولا الجندي جندي ولا خاصة الاستعلاميوالإعلامي في خدمة هذه الوظائف هو يستخدمها لمصلحة عاجلة حتى لو حرق كل البلد: غياب الوازع الذاتي.أبو يعرب المرزوقي 35 الأسماء والبيان
--وفوق هذه الوظائف العشر توجد هيئة الحكم التي تمثلها القوى السياسية حكما ومعارضةوالرأي العام السياسي .وهذا هو محل رأس الفساد .ومع ذلك فلو قرأت الدساتيروتصفحت مدونات القوانين وضعية كانت أو شرعية لظننت أن من يحكمك هو الفاروق بعينه .لكنها رسوم بلا أعيان .كلام بلا مضمون .خدعة الخدع.من يحكم بالفعل (الأحزاب الحاكمة أو القبائل لا فرق) ومن يحكم بالقوة (المعارضاتالحزبية أو القبلية) ينطبق عليهم مفهوم شرعي واحد :إنهم محتربون .فالحرابة سرقةمسلحة .وسلاحهم وظائف الدولة .وطبعا يوجد من هو صالح بينهم .لكنه ابرة في كومة قش :عنف الدولة علته غياب الوازع الذاتي.وهذه الحال تستفزني خاصة عندما يكون برقعها الدين .فالبرقع العلماني قد لايستفزني لعلمي بأنه لا ينافق بالمعنى الديني بل يدعي أن ذلك هو منطق السياسةوالميكيافيلية وخاصة إذا طبقها صاحبها في غير بلده وهو ما تفعل القوى الاستعمارية كلها. لكن قوانا السياسية بدت ميكيافيلة الاستعمار.فكان تشويههم للإسلام وتمريرهم لحياة المسلمين بالقانون الوضعي أو بالقانون الشرعيمن أهم أدواء حضارتنا في كل عصورها باستثناء عصر النبي والراشدين الأول .وما داعش بأكثر تشويها منهم للإسلام وللفقه والقانون .والعلة مضاعفة: .1التأصيل بالعلاقة المباشرة (الرسالة) بين المؤمن وربه. .2والعجز عن التأصيل غير المباشر كما تأمر فصلت 53وتنهى آل عمران :7يجهلونعلوم الطبائع وعلوم الشرائع التي لا توجد في نص الرسالة بل فيما توجه النظر إليه .مافي الرسالة هو السبابة المشيرة للأمر الذي ينبغي علمه ليكون علما .ظنوا الموضوع هو السبابة لا ما تشير إليه.ولما فعلوا ذلك تركوا عالم الشهادة مجهولا وغرقوا في عالم الغيب المحجوب حتى لاالأنبياء .ولا عجب فهم قد اعتبروا الـ\"و\" في سابعة آل عمران عطفا للراسخين في العلمأبو يعرب المرزوقي 36 الأسماء والبيان
--على صاحب العلم المحيط فظنوا علمهم محيط يمكن أن يستخرج المشار إليه من السبابة المشيرة .فكان العلم الزائف.والجهل بالآيات التي يرينها الله في الآفاق والانفس جهل بالعلاقة بين الطبيعةوالجماعة .فهذه تستمد شروط قيامها المادي من تلك .ولا يمكن تسخير الأرض بالجهلبقوانين الطبيعة .لذلك فحتى ما فيها من ثروات لم يصبح كذلك إلا بفضل المستعمر بعد أن فقدنا كل سلطان على التعمير ولم يبق إلا التدمير.والتدمير يكون في هذه الحالة تدمير علاقة الإنسان بالإنسان لأن تدمير الطبيعة هوبدوره بحاجة إلى علم قوانينها والمبالغة في استغلالها الذي يدمرها لأن كل ما فيها ناضببالجوهر ولا يعوض إلا في التاريخ المديد التاريخ الجيولوجي .ولا شيء يضحكني أكثر من الكلام على فقه الواقع.لا أفهم كيف من لا يعلم قوانين الطبيعة الرياضية وقوانين التاريخ السياسية أن يتكلمعلى فقه الواقع .يجهلون أن الواقع لا يدرك وأن ما يدرك هو ما نعلم وأن ما نعلم بالقياسإلى ما نجهل هو في نسبة المتناهي الضئيل إلى اللامتناهي اللامحدود .وما نعلمه مشروط بنظريات ليست في متناولهم.وإذن ففي هذه الحالة يكون الفقه والقانون رماية في عماية أو يبنى على ظنون حول ماهو بالجوهر مما لا يعلم أي الغيب المحجوب .والقرآن يوجهنا لمعرفة حقيقته إلى الآفاقوالانفس ويوجهنا إليه طبيعة قوانينهما دون أعيان قوانينهما لما كان لمفهوم عالم الشهادة معنى :فهو يشهد لهذه الحقيقة.ولو كان القرآن يعتبر علم الغيب ممكنا لنا لما نهانا عن المتشابه ولما اعتبر محاولة تأويلهمرضا في القلب وابتغاء للفتنة .لكن كذب الرسوخ في العلم وكذبة وراثة الأنبياء هي التيآلت بالباحثين في علوم الملة إلى سلطة كنسية تدعي تمثيل الوحي ووراثة النبي فيما لا يملك فهو لم يؤول المتشابه.أبو يعرب المرزوقي 37 الأسماء والبيان
--النبي لا يورث لا ماديا ولا روحيا :هو المبلغ والمعلم وليس له سلطان غير سلطان القرآنوسلطان الاجتهاد في التبليغ والتعليم .وسلطان القرآن هو مرجعية سلطان الأمة المؤلفة منافراد يمكن أن تكون لهم أهلية الاستخلاف بشرطين :الحرية الروحية والحرية السياسية أي التحرر من الوساطة والوصاية.والله نفسه ينفي عن النبي الوساطة والوصاية\" :فذكر إنما أنت مذكر لست عليهمبمسيطر\" وإذن فرسالة مبنية على الحريتين وأكثر من ذلك فهو لا يأتي بأمر ليس قائما عندمخاطبيه بل يذكر بأمر قائم عندهم .فالقرآن مكتوب بعد في الفطرة ومنسي ووظيفة التنبي التذكير بها أو التحرر من الغرق في الفاني.والإيمان الصادق يتجلى عندما يشعر من يسمع تذكير النبي بصدى ما في القرآن في نفسهفيكون التناغم بينهما هو جوهر التواصل المباشر مع الله .إنها الحالة الوجدانية التي تمثلالوزع الذاتي في كل إنسان ذي بصيرة تحرر من الوساطة والوصاية وتوجه مباشرة إلى الآفاق والانفس طلبا لحقيقة القرآن.أبو يعرب المرزوقي 38 الأسماء والبيان
--حتى لا أتجنى على أحد من أعلام الفقه وأصوله لا بد في هذا الفصل السابع من الشكوكأن أشرح القصد بتعطيل الدستور القرآني وفرض حالة الطوارئ التي ما تزال سارية منذأربعة عشر قرنا .فالفقه وتأصيله لم يتجاوز تعيين أجوبة قاضي الرسول في ظرف حالة الطوارئ :تعيين أبي حنيفة فمالك فأحمد فالشافعي.والثلاثة الأول حددوا مصادر الفقه جمعا ولم يحدد طبيعة الدور الذي تؤديه بنظريةيمكن اعتبارها مؤصلة للفقه .وذلك ما يعود الفضل فيه لرسالة الشافعي .وذلك ما نسبتهإلى عصر الفقه الأول وقدمت عليه نوعين من الممارسة الفقهية كانت المصادر فيه متعينة في الرسول ثم في الراشدين الثلاثة الأول.والفرق بين هذين الحالتين السابقتين والحالات الثلاث الموالية هو الذي يحدد الفرقبين الحكم العامل بالدستور والحكم العامل بحالة الطوارئ وتعطيل الدستور الذي نتج عنالحرب الأهلية التي تلت الفتنة الكبرى .وتعطيل الدستور في الممارسة بأحكام استثنائية ينتج بالبون بينهما فصاما في القانون.لذلك فجواب قاضي الرسول دلالته مختلفة عن دلالة نفس الجواب لدى المؤسسينالأربعة :فهم مثل قاضي الرسول يجيبون عن أسئلة الرسول الثلاثة وسكوته بعد جوابالقاضي الثالث :أجتهد رأيي ولا آلو .فالحكم بالقرآن والحكم بالسنة والحكم باجتهاد الرأي في حالة العمل بالدستور غير الحكم بها في حالة تعطيله.فإذا اعتبرنا قاضي الرسول له ما للفاروق من فهم لعلاقة أحكام الدستور بأحكام تنزيلهفي علاج الظرف ودور هذه في تلك فهمنا أن الموقف المعرفي لديه هو ما أمرت به فصلت 53مع حرز ما نهت عنه آل عمران .7بمعنى أن قاضي الرسول مثله مثل الفاروق يطلبون حقيقة القرآن من آيات الله في الآفاق والانفس.أبو يعرب المرزوقي 39 الأسماء والبيان
--فإذا كان القرآن يحدد موضع البحث عن حقيقته فمعنى ذلك أنه لا يعتبر آيات النصهي المصدر المباشر لمعرفة حقيقته بل تجلي آيات الله في الآفاق والأنفس التي تبين هذهالحقيقة عندما نعلم قوانينها وسننها المتعلقة بالموضوع الذي يتعلق به البحث :النظام القانوني ووظائفه في أي جماعة بشرية.وإذن فلا بد من التمييز بين النظام القانوني الذي يحدده الدستور والنظام القانونيالذي يعطله ويقدم عليه الأحكام الاستثنائية التي تفرضها حالة الطوارئ .ومن ثمفالنظام القانوني في عهد الرسول والراشدين يعمل بأحكام مطابقة للدستور والنظام القانوني بعد الفتنة يعمل بأحكام استثنائية.وحتى أقرب الأمر إلى ذهن القارئ :كالفرق بين حالة السلم وحالة الحرب .أو كالفرقبين ما قبل 11سبتمبر وما بعدها في نظام الحريات الفردية في الولايات المتحدة .وعادةتكون حالة الطوارئ مؤقتة .لكنها عندنا ما تزال موجودة منذ الحرب الأهلية الأولى إلى اليوم في كل بلاد المسلمين.لكن الأحكام الاستثنائية تتضمن ما يشير إلى كونها استثنائية وهو سر الفصام بينالإحالة إلى الدستور مع قلب العلاقة بينه وبين الأحكام الخاصة التي صارت هي القاضيةفي أمره بدلا من أن يكون هو القاضي في أمرها .فصارت الأحكام الخاصة تقدم الخاص وتعتبره ناسخا للأحكام العامة.وبعبارة أوضح :فالحرية الدينية هي الحكم الدستوري العام في القرآن الكريم لكن فقهحالة الطوارئ اعتبر الأحكام الخاصة في القرآن ناسخة للأحكام العامة وأولت كل آياتالقرآن في ضوء هذا القلب ما جعل فلسفة القرآن الدينية والسياسية تنقلب راسا على عقب بان صار الاستثناء هو القاعدة.مثال ذلك أن الآية 48من المائدة لم يعد لها أثر في فهم علاقة الأديان بعضها بالبعضفي إطار دولة الإسلام :فالتعدد الديني فيها مقصود لذاته ولوظيفته في تأسيس الإيمان علىأبو يعرب المرزوقي 40 الأسماء والبيان
--حرية الضمير .فلذاته هو علامة الوزع الذاتي ولوظيفته هو شرط التسابق في الخيرات طلبا حرا للدين الأسمى أي الإسلام.وبذلك يمكنني القول إن المميز الأساسي للفقه وتأصيله في عصره الأول الذي وصفنا هوكونه قلب العلاقة بين القاعدة والاستثناء فجعل الاستثناء محددا لدلالة القاعدة وباتالفقه وتأصيله مؤسِسين ومؤ َسسين على نظام قانوني تحدده حالة الطوارئ الدائمة فصار الاستثناء هو القاعدة في كل أحكامه.ولذلك فصوريا لا شيء يعاب على هذا النظام وهو نظام متناسق لكنه مضمونيا عكسالنظام الذي يستند إلى الدستور ومبادئه لأنه يقلب العلاقة بين المبدئي والظرفي فيه.وذلك في أحكام الاجتهاد والجهاد والمعاملات والعبادات والعلاقات الداخلية والخارجية أي في كل ما يتعلق به النظام القانوني.وكما بينت فإن عصر الفقه وتأصيله الثاني لم يأت بجديد إلى في علوم الآلة :فتقدم علماللغة وعلم المنطق وعلم التاريخ وعلم التفسير يهدف إلى تجويد الآلة لعله يتمكن من حلمعضلة العلاقة بين النص المحدود والنوازل اللامحدودة في كل نظام قانوني .دون جدوى فكان المهرب الوحيد هو نظرية المقاصد.ونظرية المقاصد تعبر عن أمرين :اليأس من النظام القانوني الذي تحدد في عصره الأولومحاولة \"بطننة\" الفقه بأن يصبح مبنيا على وهم معرفة مقاصد الشارع والتشريع بالاعتمادعليها للإيهام بالعمل بمبادئ الإسلام المقاصدية وحينها لا يكون القرآن إلا غطاء لقانون وضعي بتقية دينية خالصة.لكن الخطأ الأساسي هو قلب فصلت 53وآل عمران 7لأن مقاصد الشارع لا يعلمها إلا هوإذ هي من الغيب وهو الوحيد الذي يعلم العودة ومن مقصده إلى شروط تحقيقه أو العلاقةبين الغاية والوسيلة في تحقيق المقصد .فهل نقول إن كل ما يحقق الغاية هو المطلوب؟ ألا يؤدي إلى منطق الغاية تبرر الوسيلة؟أبو يعرب المرزوقي 41 الأسماء والبيان
--المقاصدية هي إذن سعي لوضع نظام قانوني وضعي متنكر في شكل قانون ذي مرجعيةدينية شكلية وذلك هو جوهر الموقف الباطني الذي لا يختلف عن الموقف العلماني إلا بنوعالتنكر الديني .وهو نظام قانوني مختلف عن النظام الذي حدده العصر السابق وليس أفضل منه حتى وإن أوهم اصحابه أنه تطوير له.ولأن النظام القانوني المبني على المقاصدية هو بهذه الصفات فلا عجب أن يتقاسمهكاريكاتور التأصيل وكاريكاتور التحديث لأداء الوظائف الخمس التالية :فهو أداة تعديلالموجود من التشريعات القرآنية (مثال الإرث وتغيير بالمقاصد) وإيجاد المعدوم في التشريعات القرآنية (كل الإحداثات التشريعية).وبذلك يكون القرآن ظاهر وراءه باطن هو المعتمد ويؤسس على المقصد الذي يعلمهالشارع الإنساني والفرق بين القائلين به من السنة والقائلين به من الشيعة هو نسبة هذاالعلم للإمام وعلمه اللدني عند هؤلاء ونسبته إلى العقل عند أولئك وشرطه القول بالتحسين والتقبيح العقليين (اعتزال).وفي الحالتين يكون الإيهام باعتماد القرآن أساسا للمقاصدية تقية لأنها ذريعة لإضفاءالشرعية القرآنية على تشريع وضعي خالص لأن الأمر كله متعلق بالقدرة على اختيارالوسيلة المحققة للمقصد أي كيفية العودة من المقصد إلى الحكم الذي يحققه والذي يقتضي الإيمان أن يكون من الغيب في شرع الله.فالسر في فاعلية أي تشريع هو في هذه العلاقة بين الغاية والوسيلة في الأحكام .هبناعرفنا الغاية أو المقصد فكيف نعلم علاقته بالوسيلة التي تحققه على الوجه المناسب بكليقين؟ فعدم التناسب بينهما يمكن أن يؤدي إلى عكس المقصود لأن الطرق الموصلة إلى نفس الغاية لا متناهية.وحتى في الفلسفة فإن الحكمة كل الحكمة هي في هذه العلاقة بين الغاية والوسيلة بل هيجوهر الحكمة العملية لأن الفلاسفة يعتبرون الغايات فطرية والوسائل هي التي يحتاجأبو يعرب المرزوقي 42 الأسماء والبيان
--الإنسان أن يحددها بحذر وحكمة وتدبر .والعلة هي أن التحسين والتقبيح ليسا من جنس الوصف النظري للذاتيات في موضوع العمل.صفات الشيء الذاتية قابلة للتحديد العقلي وهي موضوع العلم النظري .لكن الحسنوالقبح الخلقيين ليسا من الصفات الذاتية المقومة للأفعال بل هي مقومة لعلاقات الفعلةوهي من ثم إضافية لما تواضعوا عليه من شروط التعامل الأقل كلفة على شروط وجود الجماعة وبقائها وهي مادة التعاقد بينهم.والتعاقد بين البشر ليس بالضرورة مصوغا في نصوص صريحة رغم أنه لا يمكن تصورعيشا مشتركا من دونه :فهو نظام قانوني قد يكون مجرد عرف .وقيمه هي المعروف والمنكروهي عقد بين البشر من دونه لا يمكن أن توجد جماعة من الأسرة فصاعدا .ولما كان علمنا غير محيط فتشريعنا الوضعي نسبي دائما.والديني بالجوهر في كل الأديان -حقيقة كانت أو مزيفة-هو الإيمان بنظام قانوني نتجعن علم محيط ينسب الله الذي هو ليس خالقا فسحب بل وآمر .الشريعة هي ما نعتقد أنهاأمر الله لخلقه المكلفين .والله يقول إن معرفة أمر الله وخلقه هي حقيقة القرآن التي ينبغي طلبها من آياته في الآفاق والانفس.وإذن فكل طلب للفقه والنظام القانوني الذي يبين حقيقة أمر الله لخلقه المكلفين لا بدأن يتوجه إلى الآفاق والأنفس أي إلى الطبيعة ذات القوانين الرياضية (تقديرا ذهنياوتجربة) والتاريخ ذي القوانين السياسية (تربية وحكما) بحسب طبيعة الموضوع ووظائفه المحققة لقيام الإنسان معمرا ومستخلفا.أبو يعرب المرزوقي 43 الأسماء والبيان
--تبين مما تقدم أنه لا معنى للكلام على النظام القانوني بوصله مباشرة بالنص القرآنيبوصفه عين العلاقة المباشرة بين المؤمن وربه بدلا من وصله بما وجه إليه النص القرآنيبوصفه علاقة غير مباشرة تشهد لحقيقة القرآن أو للعلاقة المباشرة بين المؤمن وربه :إنها آيات الله في الآفاق والأنفس.وهذا موضوع بحثنا في الفصل الثامن من الشكوك .فالنظام القانوني الذي يبين حقيقةالتشريع القرآني ليس آيات النص بل ما تشير إليه بالتوجيه الذي ورد في فصلت 53أمرافي آل عمران 7نهيا لمعرفة حقيقة القرآن الذي هو التواصل المباشر بين المؤمن وربه حول شروط قيامه معمرا للأرض ومستخلفا فيها.وذلك يعني أن النظام القانوني والخلقي (الفقه) لا يتأصل مباشرة في آيات القرآنالنصية بل فيما وجهت إليه من آيات الله في الآفاق والانفس المتعلقة بوظائف النظامالقانوني الذي يترتب على النظام المحقق لشروط استعمار الإنسان في الارض بشروط الاهلية للاستخلاف :النظام السياسي تربية وحكما.حقيقة القرآن الذي هو التواصل المباشر بين الإنسان وربه لا تعلم من منه بل هي تعلممما أشار إليه القرآن إشارة توجه الإنسان للبحث عنها فيه .وإذن فعلم الطبائع والشرائعلا يستمد من القرآن مباشرة بل مما أشار إليه محلا لآياته التي تتجلى فيها حقيقته :شروط قيام الإنسان الطبيعية والتاريخية.ومعنى ذلك أن التواصل المباشر يوجه الإنسان إلى التواصل غير المباشر الذي يتم خلالتعمير الإنسان للأرض بوصف ذلك امتحانا لأهليته للاستخلاف .وهذه الشروط هي عينمقومات كيان الإنسان المستعمر في الأرض لتحقيق شروط قيامه المادية لامتحان أهليته للاستخلاف لتحقيق قيامه الروحي.وبهذا تتحدد حقيقة القرآن دليلا مذكرا للإنسان بمقومي كيانه المادي (وشرطه تعميرالارض أو تسخيرها لقيامه المادي) وكيانه الروحي (وشرطه أن يكون ذلك التعمير خاضعاأبو يعرب المرزوقي 44 الأسماء والبيان
--لاختبار مدى أهليته للاستخلاف أو مدى تحرره مما وصفته به الملائكة ومن دعوى ابليس بعدم أهليته).والأمر هنا لا يتعلق بالغيب بل بوظائف الرسالة التي هي القرآن كما يعرف نفسه علاقةمباشرة تذكر الإنسان بأنه في امتحان دائم هو عين كيانه المادي والروحي كما يتعين فيالطبيعة التاريخ علاقة غير مباشرة مشدودة إلى ما في العلاقة المباشرة من تحديد لهويته العضوية والروحية :مستعمر ومستخلف.ولما كان مكلفا أي حرا مخيرا قادرا على تطبيق التكليف وعدم تطبيقه بات الأمر متعلقابسياسة ذاته تربية وحكما أو بنظرية الأمة ذات الدولة إطارا الامتحان لتحقيق مقوميالكيان أي التعمير والاستخلاف فإن النظام القانوني يتأسس في نظرية الدولة كما حدد القرآن مثالها أي سياسة الله للعالم.وهذا هو الدستور الذي عطل وعوض بحالة الطوارئ كما وصفت .فما هو هذا الدستور؟وكيف يتألف من الحريتين الروحية (لا وساطة بين الله والإنسان) والسياسية (لا حكمبالحق الإلهي) شرطين في الاختبار؟ :كيف يمكن أن يحاسب الإنسان إذا لم يكن حرا روحيا وحرا سياسيا لئلا يحمل مسؤولية أفعاله لوسيط ووصي فما هو هذا الدستور؟حددته الآية 38من الشورى\" :وَالَّذِينَ ا ْس َت َجا ُبوا ِل َر َبِّ ِهمْ وَ َأقَا ُموا ال ّصَ َلا َة َوأَمْرُ ُهمْ شُو َرىَٰب ْي َن ُه ْم َومِمَّا َر َز ْقنَا ُهمْ يُنفِ ُقو َن\" .العلاقة المباشرة هي الاستجابة للرب .وعلامتها إقامة الصلاة .والإشارة الواردة فيها تحدد مقومات هذا الدستور.فمرجعية الدستور هي الاستجابة إلى الرب .وطبيعته هي نسبة الأمر للجماعة .وأسلوبههو سياسته بالشورى .وأهم مجالاته هي الإنفاق من الرزق الذي هو ثمرة التعمير والذيالأمر في إدارته هو غاية الاستخلاف .وينتج عن ذلك أن النظام السياسي الذي يشير إليه القرآن وظيفته الخروج من الخسر.أبو يعرب المرزوقي 45 الأسماء والبيان
--فالمرجعية تحددها سورة العصر :وله أصل وأربعة فروع .الأصل هو وعي الإنسانبشروط الاستثناء من الخسر الذي قد يرد إليه إذا لم ينجح في اختبار أهلية الاستخلاف أوفي الحياة الدنيا تعميرا بقيم الاستخلاف :والفروع الاربعة اثنان منها متعلقان بالذات الفردية يضاف إليهما واثنان بعلاقة الذوات أو بالجماعة.فالفرد المكلف والذي يختبر ثم يحاسب كفرد يوم يأتي ربه فردا مطالب بالإيمان والعملالصالح .وبوصفه عضوا في جماعة لا بد من التواصي بالحق والتواصي بالصبر (المشاركةفي الحالتين) .ومن ثم فالاستجابة للرب في الشورى 38أصحابها هم هؤلاء .وهم أصحاب الامر وهم مطالبون بسياسته بالشورى.فلنحلل الشورى .38فهي تعرف النظام السياسي وتضعه بين حدين :المرجعية التيوصفنا والمجال الأساسي الذي بمقتضاه يمتحن الإنسان في التعمير بقيم الاستخلاف أيالإنفاق من الرزق .تنزل النظام السياسي بين نظامين أولهما علاقة الإنسان بالرب والثاني مركز علاقة الإنسان بالإنسان :الرزق.فكل علاقة بين البشر مدارها ثمرة الاستعمار في الأرض (الرزق) في ضوء علاقة الإنسانبربه المذكورة أو المنسية وبين هذين الحدين يأتي النظام السياسي والقانوني لتنظيمهذين العلاقتين المباشرة بين الإنسان وربه وغير المباشرة بين الإنسان مجال اختبار الأهلية الأساسي أي الانفاق من الرزق.ولنأت الآن إلى تعريف النظام السياسي والقانوني الذي يحقق هذه الإشارة والذي هوالمثال الأعلى الذي ينبغي أن تكون الدولة في الجماعة الصالحة مشدودة إليها بوصفه محققالاختبار الاهلية الذي يتحقق في سياسة الإنسان لوجوده الدنيوي باعتباره مستعمرا في الأرض ضرورة ومستخلفا اختيارا.واختبار الأهلية يقع بمدى تطبيق قيم الاستخلاف في أفعال التعمير وفي سياسة تمراتها.وهذا هو مضمون الآية 177من البقرة .وليحصل الاختبار لابد أن يكون النظام السياسيأبو يعرب المرزوقي 46 الأسماء والبيان
--والنظام القانوني مبنيا على شروط اختبار الأفعال الحرة التي يكون فيها الأمر أمر الجماعة المؤلفة من أفراد يمارسون الحريتين.فالآية وضعته بين الاستجابة للرب والإنفاق من الرزق .وفيه مقوما النظام السياسيوالقانوني اللذين يتوفر فيهما شرط اختبار الحريتين :طبيعة النظام وأسلوب النظام.فنسبة الأمر إلى الجماعة تحدد طبيعة النظام جمهورية (أمر الجماعة=راس بوبليكا) وأسلوب إدارته بالشورى يعني ديموقراطية.وهذه الجمهورية الديموقراطية تتأسس على مرجعية الاستجابة إلى الرب بداية وعلىاجتماعية الرزق غاية فيكون النظام القانوني المناسب لهذا النظام السياسي نظاما هدفهالوصل بين طبيعة التعمير وأهدافه وطبيعة الاستخلاف ودوره في جعل التعمير يثبت أهلية الإنسان للاستخلاف أو عدم أهليته.تأصيل النظام القانوني والخلقي أو تأصيل الفقه ينطلق من هذا التعريف للنظامالسياسي حكما (النظام القانوني) وتربية (النظام الخلقي) في جماعة مؤمنة بدلالةحددتها سورة العصر لاخراج الإنسان من الخسر الممكن خلال اختبار الاهلية في الاستخلاف كما وصفنا.وهذا يعني أن تأصيل الفقه لا يؤسس مباشرة على نص القرآن بل على ما وجهنا اليه منطلب آيات الله في الآفاق والأنفس طلبا قد ينتهي إلى تحقيق اهلية الاستخلاف وقد ينحرففيبعدنا عنا .وما نحاسب عليه هو ما نضعه من قوانين وأخلاق في سياسة الامر الذي هو أمرنا بالشورى فنحمل مسؤولية ما يترتب عليها.فإذا ناسب تشريعنا الذي نضعه بالشورى شروط اهلية الاستخلاف كان شرعيا وإن لميناسبها كان لا شرعيا .والمناسبة تتحقق بفضل صفات القانون والأخلاق التي تجعلها تحقققيم الاستخلاف وهي الأمانة والعدل في حالة الفقه والقانون .ومبدأ عدم إجماع الأمة المؤمنة على الخطأ يؤيد هذا التصور.أبو يعرب المرزوقي 47 الأسماء والبيان
Search
Read the Text Version
- 1
- 2
- 3
- 4
- 5
- 6
- 7
- 8
- 9
- 10
- 11
- 12
- 13
- 14
- 15
- 16
- 17
- 18
- 19
- 20
- 21
- 22
- 23
- 24
- 25
- 26
- 27
- 28
- 29
- 30
- 31
- 32
- 33
- 34
- 35
- 36
- 37
- 38
- 39
- 40
- 41
- 42
- 43
- 44
- 45
- 46
- 47
- 48
- 49
- 50
- 51
- 52
- 53
- 54
- 55
- 56
- 57
- 58
- 59
- 60
- 61
- 62
- 63
- 64
- 65
- 66
- 67
- 68
- 69
- 70
- 71
- 72
- 73
- 74
- 75
- 76
- 77
- 78
- 79
- 80
- 81
- 82
- 83
- 84
- 85
- 86
- 87
- 88
- 89
- 90
- 91
- 92
- 93
- 94
- 95
- 96
- 97
- 98
- 99
- 100
- 101
- 102
- 103
- 104
- 105
- 106
- 107
- 108
- 109
- 110
- 111
- 112
- 113
- 114