Important Announcement
PubHTML5 Scheduled Server Maintenance on (GMT) Sunday, June 26th, 2:00 am - 8:00 am.
PubHTML5 site will be inoperative during the times indicated!

Home Explore استراتيجية النجاح – الاستعداد للتداول السياسي السلمي - أبو يعرب المرزوقي

استراتيجية النجاح – الاستعداد للتداول السياسي السلمي - أبو يعرب المرزوقي

Published by أبو يعرب المرزوقي, 2022-06-12 20:56:06

Description: استراتيجية النجاح – الاستعداد للتداول السياسي السلمي - أبو يعرب المرزوقي

Search

Read the Text Version

‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪re nils frahm‬‬ ‫استراتيجية النجاح‬ ‫الاستعداد للتداول السياسي السلمي‬

‫استراتيجية النجاح‬ ‫الاستعداد للتداول السياسي السلمي‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬

‫محتو يات ال كتيب ‪1‬‬ ‫‪ -‬الفصل الأول ‪1 -‬‬ ‫‪ -‬الفصل الثاني ‪12 -‬‬ ‫‪ -‬الفصل الثالث ‪22 -‬‬ ‫‪ -‬الفصل الرابع ‪ -‬الحل بمقتضى مسار الإسلام السياسي الحالي ‪32‬‬ ‫‪ -‬الفصل الخامس ‪45 -‬‬ ‫‪-‬الفصل السادس ‪60 -‬‬ ‫تعليل بنية الدولة المجردة ‪66‬‬ ‫– الفصل السابع – ‪76‬‬ ‫المسألة الأولى‪ :‬عرض مقومات الثورة الإسلامية في نظر ية الدولة ‪78‬‬ ‫– الفصل الثامن – ‪84‬‬ ‫المسألة الثانية‪ :‬الممارسة السياسية‪ :‬تحرير مستعمرات فارس وبيزنطة ‪84‬‬ ‫المسألة الثالثة‪ :‬الغزالي‪ :‬فضح الباطنية يحل معضلة الوصية والاختيار ‪87‬‬ ‫– الفصل التاسع – ‪93‬‬ ‫المسألة الرابعة‪ :‬الغزالي مؤسس المدرسة النقدية في فلسفة النظر وفلسفة العمل‬ ‫‪93‬‬ ‫علاقتي بالغزالي ‪96‬‬

‫– الفصل العاشر – ‪105‬‬ ‫المسألة الخامسة‪ :‬ابن خلدون‪ :‬مؤسس منطق التعدد السياسي بمبدأ عدم التأثيم‬ ‫‪105‬‬ ‫– الفصل الحادي عشر – ‪113‬‬ ‫الحصيلة أو ثمرة المدرسة النقدية العربية ‪113‬‬ ‫الحصيلة التيمية في الفلسفة السياسية ‪118‬‬ ‫– الفصل الثاني عشر – ‪125‬‬ ‫دلالتا \"العالم\" فصلا ووصلا بينه وبين ما ورائه ‪125‬‬ ‫– الفصل الثالث عشر – ‪136‬‬ ‫المعادلة الوجودية أو حقيقة القرآن ‪145‬‬

‫‪--‬‬ ‫تونس في ‪2022.04.17‬‬ ‫هذه ثاني مرة اقلب ترتيب التحليل أبدأ بالنتيجة بوصفها التالي ثم اشفعها بالتدليل‬ ‫عليها بوصفه المقدم في غالب البحوث‪ :‬والنتيجة هي تحليل طبيعة القوى السياسية‬ ‫وتصنيفها‪ .‬والعلة هي أن القارئ غير المختص ليس له الصبر لمتابعة الانتقال من المقدمات‬ ‫إلى النتائج خاصة إذا كانت شديدة التعقيد‪.‬‬ ‫فيتهم الباحث بأنه معسر وليس ميسرا‪ .‬ولست افعل بسبب هذه التهمة التي لا تجعلني‬ ‫اتخلى عن المنهج السليم من أجل ترضية القراء‪ .‬ول كن لأن الخطاب السياسي عامة‬ ‫مقدماته هي غاياتهكفعل ونتائجه هي أدواته التي تقنع بصحة خياراته الغائية‪.‬‬ ‫وإذن فالكلام في منطق الفعل السياسي يختلف عن الكلام في منطق البحث العلمي‬ ‫لأنه من المفروض أن يكون مبنيا على ما توصل إليه البحث العلمي ليكون عملا على علم‬ ‫وليس \"حجامة في رؤوس اليتامى\" كما هو عند العرب‪.‬‬ ‫قد يعترض معترض فيقول ل كن البحث العلمي في الإنسانيات ليس لنتائجه صلابة‬ ‫البحث العلمي في الطبيعيات‪ .‬والسياسة من الاولى وليست من الثانية‪ .‬وفي الحقيقة هذه‬ ‫المقابلة تستند إلى وهمين‪ :‬تصور صلابة النتائج وعدمها مطلقين‪ .‬ل كن التقدم العلمي بين‬ ‫أنهما نسبيان في الحالتين‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪--‬‬ ‫ولما نفهم معنى الضرورة الشرطية في الطبيعيات والحر ية الشرطية في الإنسانيات نفهم‬ ‫أنهما تلتقيان في أن العلاقة بين المقدم والتالي هي دائما علاقة بين الأداة والغاية إذا‬ ‫تصورنا‬ ‫أن الطبيعة تفعل بقوانين الضرورة الشرطية وهي اعتبار العلاقة الواصلة بين ما يبدو‬ ‫علة وما يبدو معلولا تشبه العلاقة الغائية بين أداة وغاية لكأن الطبيعة تفكر إذ تفعل مثل‬ ‫الإنسان بقوانين منطقية‪.‬‬ ‫وأن الإنسان يفعل بسنن الحر ية الشرطية وهي اعتبار العلاقة الواصلة بين الاختيار‬ ‫الإنساني والطر يق الموصلة إليه تشبه العلاقة الغائية بين أداة وغاية لكأن الإنسان يفعل‬ ‫مثل الطبيعة بسنن ثابتة‪.‬‬ ‫وإذن فالضرورة الشرطية لا تختلف عن الحر ية الشرطية إلا بكون الأولى تستمد من‬ ‫الثانية منطقية العلاقة والثانية تستمد من الأولى نسقية الترابط‪ .‬وبذلك يتبين أن كلتيهما‬ ‫تخضع لقوانين ثابتة لا تتحول ولا تتبدل تماما كما يقول القرآن وذلك من المشترك بين‬ ‫الفلسفي والديني‪.‬‬ ‫فمن يعمل على علم يعمل بها ومن \"يرمي في عماية\" يصبح \"حجاما لليتامى\" وتلك هي‬ ‫احكام الفعل السياسي لمن يريد أن يفهم أنها بالجوهر استراتيجية الفعل على علم بشروط‬ ‫قيام الإنسان فردا وجماعة وليست محرد اشباع لرغبات المهوسين بالسلطة‬ ‫موضوعي اليوم هو البحث في استراتيجية القوى السياسية وخطط الاستعداد للانتقال‬ ‫من الفوضى البدائية للفاشية إلى النظام المحكم للديموقراطية ببيان استراتيجية الأولى‬ ‫‪2‬‬

‫‪--‬‬ ‫واستراتيجية الثانية سواء في السياسة الداخلية للجماعة الواحدة أو في السياسة الخارجية‬ ‫للإنسانيةكلها‪.‬‬ ‫وهذه الاستراتيجية هي تحديد الشروط الأداتية بالنظر إلى الشروط الغائية في الفعل‬ ‫السياسي الذي يحقق وظائف الدولة إن حددهما بمقتضى ما لأجله جعلت الدول وحقق‬ ‫التناسب بينهما أو يحول دون تحقيقها ودون التناسب بينها‪ .‬والخيار هو بين‪:‬‬ ‫شروط العيش المشترك السلمي في نفس الجماعة في السياسة الداخلية وبين الجماعات‬ ‫المختلفة في السياسة الخارجية‪ .‬ولا يمكن تصور السلم الداخلية ممكنة من دون السلم‬ ‫الخارجية لأن الإنسانية كلها تعمل معا تنافسا وتعاونا على تحقيق شروط قيام الإنسان‬ ‫العضوي والروحي علل العيش المشترك في الحرب الأهلية الدائمة في نفس الجماعة في‬ ‫السياسة الداخلية وبين الجماعات المختلفة في السياسة الخارجية‪.‬‬ ‫ومعنى ذلك أن الإنسانية واحدة في السلم وفي الحرب‪ .‬فكما أنه لا سلم إلا كونية فإنه‬ ‫لا حرب إلا كونية لأن الامرين يتعلقان بتقاسم المعمورة مكانها وزمانها من أجل‬ ‫شروط البقاء التي هي واحدة‪.‬‬ ‫والمشكل في الديموقراطيات الغربية هو أنها لا تؤمن بهذه الحقيقة فتجعل الشروط‬ ‫الأولى مقصورة على السياسة الداخلية وتجعل الشروط الثانية مقصورة على السياسة‬ ‫الخارجية‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪--‬‬ ‫وتلك هي العلامة الدالة دلالة قطعية على أن الغرب يعمل المعايير المزدوجة وحقيقة‬ ‫كونها ما تزال تعمل بعقلية قبلية القيم فيها مقصورة على الداخل في الافعال ولا دور‬ ‫لها خارج حدودها إلا في الأقوال‪.‬‬ ‫ل كن الإسلام يرفض هذا التمييز‪.‬‬ ‫فجوهر الرؤ ية القرآنية تعتبر البشر يةكلها جماعة واحدة وأن دولتها ال كونية هي الشرط‬ ‫الذي يمكن أن يحررها من الحرب ال كونية ليؤسس التاريخ على مبدأين هما‪:‬‬ ‫مضمون الآية الأولى من النساء التي تعتبر البشر اخوة من أم نفس واحدة وتقدم‬ ‫الرحم ال كوني على الرحم الجزئي تقديم الربوبية الواحدة على الألوهية المتعددة‬ ‫والآية الثالثة عشر من الحجرات التي تعتبر التعدد والتنوع يهدف إلى التعارف معرفة‬ ‫ومعروفا وتحصر التفاضل في التقوى بصرف النظر عن العرق والطبقة والجنس وحتى‬ ‫العقائد الدينية‪.‬‬ ‫وطبعا لا أزعم أن المسلمين طبقوا هذين المبدأين أو حتى أدركوا دلالتهما القرآنية‬ ‫لأنهم جعلوا الخاص ينسخ العام عامة في حين أنه لا ينسخه إلا في حدود علة‬ ‫التخصيص إذ لو صح هذا الفهم لما بقي في القرآن أدنى معنى للمبادئ العامة‪.‬‬ ‫وبهذا فإنه نفس سخافة ما يزعمون من أن آية السيف الغت التعددية الدينية في حين‬ ‫أنها شرط التسابق في الخيرات أولا وشرط البحث عن بين الرشد من الغي وأخيرا فهي‬ ‫ثمرة لا إكراه في الدين‪ .‬فالدولة الإسلامية بخلاف الامبراطور يات ليست دولة من بين‬ ‫الدول إلا كأمر واقع‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪--‬‬ ‫ل كنها من حيث المبدأ والرؤ ية دولة كونية تشمل البشر ية كلها بكونية القيم والمعايير‬ ‫القرآنية وهي لا تفرضها على غير المؤمنين بها بل تترك لهم حر ية الاختيار لأن الإيمان‬ ‫ينبغي أن يكون ثمرة تبين الرشد من الغي وشرطه البحث الحر عن الحقيقة وعدم الاكراه‬ ‫في الدين‪.‬‬ ‫ولما كانت ال أداة السياسية الحديثة في الغرب أي الأحزاب ما تزال بهذا المعنى الذي‬ ‫وصفت أداة تعمل بمنطق القبلية حتى وإن توسعت القبيلة لتصبح أمة أو حلفا بين أمم‬ ‫هي الشعوب التي تنتسب إلى دولهم‪ ،‬فإن ما سأتكلم عليه يتجاوز الحزبيات بمعناها الغربي‬ ‫الحالي إلى صورة أخرى لا تميز بين الداخل والخارج وتعتبر القيم كونية بمقتضى رؤ ية‬ ‫القرآن ال كريم‪.‬‬ ‫ولن أعجب إذا لم يصدق ادعياء الحداثة هذا القول لأن من ثقافته لا تتجاوز بيع‬ ‫الفريب الشعار ية من الحداثة لا يفهم أن تصنيف الأحزاب بالمعيار الذي حصل صدفة‬ ‫في برلمان الثورة الفرنسية هو الذي يجعلها لم تتجاوز القبلية القيمية فيجعل الديموقراطية‬ ‫لها بعض المصداقية في سياستهم الداخلية وجوهر النفاق في سياستهم الخارجية‪.‬‬ ‫تصنيفي ينطلق من عنوان مقدمة ابن خلدون‪\" :‬علم العمران البشري و(علم) الاجتماع‬ ‫الإنساني\"‪ .‬فهو يعرف اكتشافه العلمي الذي كان هدفه نقد التاريخ لجعله يصبح علميا‬ ‫وفلسفيا رغم كون الفلسفة كانت تعتبره غير قابل لأن يكون من علومها (أرسطو)‬ ‫بمفهومين يختلفان من حيث الغاية اختلاف عرفه ابن خلدون تعر يفا جامعا مانعا‪:‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪--‬‬ ‫ومجموعهما هو العيش المشترك السلمي في نفس الجماعة وبين الجماعات ومن ثم فهي‬ ‫معايير كونية لا يمكن تطبيقها في الداخل فحسب بل هي لا تكون فاعلة إلأ إذا طبقت‬ ‫في الداخل والخارج في آن‪.‬‬ ‫ولما كان المستوى الأول بالمعنى الخلدوني يسمى في القرآن ال كريم \"الاستعمار في‬ ‫الأرض\" والثاني يسمى \"الاستخلاف في الأرض\" فإن التلازم بينهما هو شرط العيش‬ ‫المشترك السليم داخليا وخارجيا‪.‬‬ ‫ومن دونهما تكون الجماعة الواحدة وكل الجماعات في حرب أهلية وطنية وعالمية لا‬ ‫تتوقف بسبب الحاجة إلى تقاسم المعمورة مكانها وزمانها‪.‬‬ ‫من هذا التحليل ينتج أن الأحزاب التي ينبغي أن تعتبر أدوات هذه السياسة للتداول‬ ‫على تسيير الدول قوامة لوظيفتيها رعاية تكوينية وتموينية للإنسان وحماية داخلية وخارجية‬ ‫للجماعة الوطنية والإنسانية ينبغي أن تكون مرجعيتها خاضعة لهذه المعايير التي من دونها‬ ‫لا وجود لعيش مشترك سلمي‪.‬‬ ‫ولما كانت وظائف الرعاية بفرعيها شرطها البحث العلمي واعلامه في شروط التكوين‬ ‫بفرعية أي تمكين الإنسان من القدرة على انتاج التراث والثروة والتموين بفرعيه أي‪:‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪--‬‬ ‫فإن الشعوب التي ينعدم فيها البحث العلمي واعلامه أو ينخرمان فيها كالحال عند‬ ‫العرب حتى صارت الجامعات طواعين ترحي الرغاوي لا يمكن أن تحقق دولها هذه‬ ‫الوظائف بسبب فساد قواها السياسية التي ترمي في عماية والعلمية بحثا واعلاما لا يثمران‬ ‫إلا الثرثرة التي لا تسمن ولا تغني‪.‬‬ ‫ولما كانت وظائف الحماية بفرعيها شرطها الاستعلام السياسي واعلامه ليس في شروط‬ ‫قيام القوة الحامية للدولة والجماعة بوظائف الحماية الخمسة أي القضاء والأمن والدبلوماسية‬ ‫والدفاع والاستعلام واعلامه بل وكذلك في شروط قيام الجماعة بوظائف الرعاية الخمسة‬ ‫أي التربية التراثية والتربية الانتاجية والتموين الثقافي (التراث المعرفي والذوقي) والتموين‬ ‫الاقتصادي (الثروة المادية والرمزية) فإن المسألة السياسية صالحةكانت أو فاسدة ترد‬ ‫إلى صلاح القوى السياسية وبرامجها ومرجعياتها (الأحزاب) وصلاح البحث العلمي‬ ‫واعلامه شرطا في الرعاية خاصة وصلاح الاستعلام السياسي واعلامه شرطا في الحماية‬ ‫خاصة أو فسادها‪.‬‬ ‫وتلك هي الشروط الخمسة لقوة أي جماعة أي مناعتها المادية وحصانتها الروحية‪.‬‬ ‫وهي الشروط التي يجعل غيابها شبه الكامل في بلاد العرب والمسلمين تفسيرا كافيا‬ ‫لحال الامة الذي علينا تداركه للتمكن من الاستئناف‪.‬‬ ‫ولما كانت السلطة السياسية القيمة على الشأن العام نيابة عن الجماعة الحرة وغير التابعة‬ ‫هي القوى السياسية لأن بقية القوى تعتبر من شروط فعلها الأداتية لتحقيق غاياتها‬ ‫‪7‬‬

‫‪--‬‬ ‫المادية مناعة والروحية حصانة وذلك هو معنى قوامتها فإن كل المشكل يعود إلى حقيقة‬ ‫القوى السياسية ما هي وكيف يمكن أن تكون محققة للهدف من الدولة‪.‬‬ ‫فهدف الدولة أي دولة ‪-‬هو قوامة الرعاية والحماية بالنيابة عن الشعب فرض كفاية‬ ‫ل كن الرعاية والحماية غير قوامتها ال كفائية فهي تحقيقها فرض عين‪.‬‬ ‫أما القوامة ال كفائية فهي ما ينقل قوامة الدولة من كونها متمثلة في كيان اعتباري‬ ‫هو المؤسسات والقوانين إلى كونها متعينة في من اختارهم الشعب لتمثيل إرادته تحت‬ ‫مراقبته ومحاسبته‪.‬‬ ‫وتلك هي علة الحاجة إلى التداول على السلطة حتى يكون المنحنى العام في تصاعد نحو‬ ‫تحقيق تلك الغايات بآلية التناقد المتبادل بين الحاكم والمعارض‪.‬‬ ‫فالتداول يعتمد على توازن القوى في الجماعة بين الحكم والمعارضة لأن الشعب هو الذي‬ ‫يختار من يحكم ومن يعارض بأن يقدم الأول بمعيار الترجيح الأغلبي ويبقي على الثاني‬ ‫بمعيار النقد الأقلي الذي يقد يصبح أغلبيا إذا فضل من قدمه‪.‬‬ ‫فلو طبقنا مبدأي ابن خلدون لكانت القوى السياسية تنقسم إلى التي تعتبر المشكل‬ ‫السياسي متعلقا بالاستعمار في الأرض حصرا وإلى التي تعتبر المشكل السياسي متعلقا‬ ‫بالاستخلاف فيها حصرا‪.‬‬ ‫وهما الحدان المتطرفان أولهما لا يعترف إلا بالقيم المادية والعمران الاقتصادي والثاني‬ ‫لا يعترف إلا بالقوة الروحية والاجتماع الثقافي‪.‬‬ ‫‪8‬‬

‫‪--‬‬ ‫ل كن سرعان ما يكتشف الاول أن القيم المادية نفسها بحاجة إلى التعاون أولا والتعاون‬ ‫يحتاج إلى التعاوض والتعاوض لا يمكن أن يحقق التسالم من دون عدل فيه‪:‬‬ ‫ولما كانت القيم المادية موضوع التبادل لا تمثل ثروة إلا بفضل علاقة العرض بالطلب‬ ‫فالحاجة إلى من يطلبها تقتضي توسيع السوق إلى منتجيها من العمال وإلا لن يكون‬ ‫لمنتجها سوق فإن الموقف الأول الذي يغلب على الاستعمار في الأرض يصبح متنافيا‬ ‫مع ذاته و يأخذ شيء مما يدعو إليه الموقف الثاني‪ :‬لو سمينا ذلك علاقة بين اليمين واليسار‬ ‫لكان الحزب الثالث يسار اليمين‪.‬‬ ‫ولما كانت القيم المعنو ية موضوع التواصل لا تمثل تراثا إلا بفضل علاقة الخطاب‬ ‫بالتلقي فالحاجة إلى من يفهمه يقتضي توسيع \"الأجورا\" (الساحة العامة للمشاركة في‬ ‫التواصل والتفاهم بما في ذلك حول الشأن العام وهو جوهر السياسي) وشرطها تجاوز‬ ‫الغرق في الشأن المادي عند تحرر من التبعية المادية بفضل سدها فينتج الحزب الرابع‬ ‫الذي يغير الموقف الثاني ويمكن تسميته بمين اليسار بالمصطلح السائد‪.‬‬ ‫فيكون التصنيف الخلدوني مولدا لأربعة قوى سياسية متماز ية بخياراتها القيمية وليس‬ ‫بصدفة الجلوس في مجلس نواب الثورة الفرنسية‪:‬‬ ‫‪9‬‬

‫‪--‬‬ ‫و يبقى من لا ينتسب إلى أي منها مصدرا أو معينا لمن يناوس بينها ليصبح تابعا لواحد‬ ‫منها إما لمصلحة أو لقناعة‪ .‬وهو الحزب الخامس او الوسط الذي هو في آن معين وانتهازا‪:‬‬ ‫فمن حيث هو معين هو ما يسمى بالمجموعة الصامتة وهي في العادة الغالبية التي لا يعنيها‬ ‫الشأن العام إما لأنها تعاني من مشكل في سد الحاجات لنقص أو (الفقر) لز يادة‬ ‫(الترف)‪ .‬وهما في الحقيقة متشابهان‪:‬‬ ‫كلاهما يعاني من نفس المرض ولهذه العلة فغالبا ما تكون تلك غاية فساد الشأن العام‬ ‫حتى إن ابن خلدون جعله علاقة نهاية الدول الحتمية‪.‬‬ ‫ومن حيث هو انتهازي هو حزب الذين لا دين لهم ولا مرة وهم مع الرابح في‬ ‫الانتخابات إذا احتاج إليهم وهم في الغالب من الأراذل الذين يستمدون من الحاجة‬ ‫إليهم في الأغلبيات وزنا لا يمثلونه حقا ل كن الحاجة إليهم تعطيهم وزنا في الحكومات‬ ‫المهددة بفقدان الأغلبية بسبب انسحابهم إذا رأوا في ذلك ربحا أكبر‪.‬‬ ‫‪10‬‬

‫‪--‬‬ ‫انهيت الفصل الأول من المحاولة أي النتيجة التي سأصل إليها في الفصول الموالية‪.‬‬ ‫وهي تعالج الاشكالية بالتعيين التاريخي والتطبيق على تونس خاصة‪ .‬فإلى الفصل الموالي‬ ‫إن عشنا لنشرع في عرض الاستدلال بعد عرض النتيجة‪.‬‬ ‫‪11‬‬

‫‪--‬‬ ‫تونس في ‪:2022.04.18‬‬ ‫بدأت الكلام في الفصل الأول على ثمرة البحث وغايته بعكس المعهود قبل‬ ‫الاستدلال الموصل إليها‪ .‬ل كني لم أشر إلى العامل المحير في معيار تصنيف القوى‬ ‫السياسية‪ .‬وقد أجلته إلى هذا الفصل الثاني رغم كونه هو العلة الرئيسية لقلب‬ ‫الترتيب بين الغاية والبداية في كل استراتيجية سياسة‪ .‬فهذا الأمر المحير هو المدخل‬ ‫لعرض البنية العامة التي اعتمدتها لتصنيف القوى السياسية أو الأحزاب تصنيفا‬ ‫جديدا ليس كافيا للتمييز بين القوى السياسية لأنه يبدو وكانه خاص بالرؤ ية‬ ‫الإسلامية‪.‬‬ ‫ل كنه يشملها ويشمل نقيضتها إذا اكتفينا بالحدين الأقصيين في الرؤى‬ ‫الوجودية ويشمل ما يترتب على تأثير الأولى في الثانية والثانية في الأولى وأصلها‬ ‫جميعا كما سنرى‪.‬‬ ‫لذلك فهو المحير حقا ليس لهذا الشمول فحسب بل لأنه يمثل البنية العميقة‬ ‫لكل واحدة من القوى السياسية مهما ما بدى بينها من تناقضات يجعلها تصل‬ ‫إلى حد التنافي والصراع الأبدي‪.‬‬ ‫‪12‬‬

‫‪--‬‬ ‫ولولا ذلك لقبلت باعتماد الصدفة التي حصلت في برلمان الثورة الفرنسية‬ ‫لتصنيف القوى السياسية التي حافظت على ما ورثناه من الأسماء السائدة‬ ‫لتصنيف القوى السياسية أو الأحزاب تيسيرا لفهم القصد من التصنيف الجديد‬ ‫الذي يختلف عنها شديد الاختلاف عند النظر إلى المسمى وعدم الاقتصار على‬ ‫الاسم‪.‬‬ ‫وحتى نفهم ذلك فينبغي أن نصل الامر بما يجعل القيم التي تعمل بها القوى‬ ‫السياسية الغربية ما تزال ذات ذهنية قبلية لأنها تعتبرها صالحة في الداخل تعمل‬ ‫بنقيضها في الخارج ما يفقدها طابع القيم ال كونية ويجعلها بالجوهر تؤمن‬ ‫بازدواجية المعايير والنفاق‪ :‬والمثال هو الديموقراطية وحقوق الإنسان شعارين في‬ ‫الخارج دون حقيقتهما ما ينفي عنهما ال كونية الفعلية‪.‬‬ ‫وذلك ما ينبغي استكماله حتى نفهم العلة التي تجعلها مختلفة بالجوهر لمعايير‬ ‫التصنيف الجديد الذي أساسهكونية المعايير ونفي ازدواجيتها والنفاق المصاحب‬ ‫لها‪ .‬فنفس هذه المعايير تكون قبلية أو إنسانية بمقتضى المرجعية التي تؤسسها‬ ‫وليس بحد ذاتها‪.‬‬ ‫‪13‬‬

‫‪--‬‬ ‫وفي ذلك يكمن الشمول الذي أتكلم عليه‪ :‬فال كوني يشمل الخصوصي وليس‬ ‫ما يجعلهكونيا عندما يدعي الخصوصي أنه هو الوحيد الممثل للكلي فيخرج منه‬ ‫من لا يتميز بتلك الخصوصية‪.‬‬ ‫وذلك هو أصل الخصوصية العرقية والطبقية والثقافية والجنسية فتكون‬ ‫الإنسانية مسلوبة في كل هذه الحالات لحصرها في عرق أو في طبقة أو في‬ ‫ثقافة أو في جنس ذكر أو انثى بحصر ما يزعم قيما كونية في المتميزين بإحدى‬ ‫هذه الخصوصيات‪.‬‬ ‫وهذا هو المنطق القبلي السائد في الغرب لأن القيم ال كونية خارج حدود‬ ‫جماعته ليست إلا أسماء عديمة المسمى للنفاق السياس ولا حقيقة لها‪.‬‬ ‫لذلك ففي الرؤ ية التي أصنف بها القوى السياسية بخلاف التصنيف الاتفاقي‬ ‫الذي حصل بالصدفة في مجلس نواب الثورة الفرنسية له خاصية تحديد القوى‬ ‫السياسية وتصنيفها في آن ما يعني أن معاييره ليس إضافية إلى اختلافها بمقوماتها‬ ‫‪-‬مادامت واحدة فيها جميعا وهو معنى كونها قوة سياسية‪-‬بل هي إضافية إلى‬ ‫مرجعياتها القيمية من حيث ال كونية والخصوصية‪.‬‬ ‫فكل قوة سياسية لها الأبعاد الخمسة‪-‬أي الحدين وتفاعلهما واصلهما‪-‬الأبعاد‬ ‫التي صنفت بها القوى ل كنها مختلفة إلى حد التناقض عند وصلها بالمرجعية التي‬ ‫‪14‬‬

‫‪--‬‬ ‫تؤسسها على القبلية فتجعلها مقصورة على الداخل أو على ال كونية التي تجعلها‬ ‫شاملة لجميع البشر ولا تميز بين داخل وخارج‪ :‬وتلك هي الرؤ ية ال كونية التي‬ ‫يقول بها الإسلام‪.‬‬ ‫لذلك فالمعايير التي صنفت بها القوى السياسية رغم كونها صالحة في كل قوة‬ ‫سياسية لا تصبح صالحة للمفاضلة بينها إلا عندما تكون كونية تشمل الإنسانية‬ ‫كلها وليست جزئية تقتصر على القبلية مهما اتسعت‪ .‬إنها إذن بنيةكل قوة سياسية‬ ‫أو حزب على حدة ولا تتفاضل بوجودها فيها بل بكيفه الجزئي أو ال كوني‪.‬‬ ‫ومعنى ذلك أن أي حزب كبيرا كان أو صغيرا يتألف من الصفات الخمس‬ ‫التي ميزنا بها بين القوى السياسية أي إن فيه‪:‬‬ ‫• من هو مع الموقف اليميني‬ ‫• ومن هو مع الموقف اليساري‬ ‫• ومن فهم حاجة الأول لجرعة من الثاني وهو يسار اليمين‬ ‫• ومن فهم حاجة الثاني لجرعة من الأول وهو يمين اليسار‬ ‫• ومن هو من الوسط الصامت أو الانتهازي‪.‬‬ ‫والمشكل هو‪ :‬كيف يبقى مع ذلك معيارا لتصنيف الأحزاب وهو في آن بنية‬ ‫أي حزب عامة؟‬ ‫‪15‬‬

‫‪--‬‬ ‫ذلك هو السر الخفي الذي سيمكن من تقديم الحل للإسلاميين ولخصومهم في‬ ‫آن من خلال تحديد طبيعة الخلاف بينهم ومن ثم البحث عن الحل المحقق‬ ‫لشروط التعايش السلمي بين رؤيتين للوجود متناقضتين تماما ل كنهما بمقتضى‬ ‫نص القرآن الصريح قابلتان لحل يمكن منه‪.‬‬ ‫فما يتقابل به الإسلاميون وخصومهم يتعلق بمرجعية ابستمولوجية‬ ‫وأكسيولوجية وليس بخيارات سياسية فحسب‪ .‬وفي ذلك كان القرآن ال كريم‬ ‫أبعد غورا من كل الرسالات السابقة ومن كل الفلسفات السابقة‪ .‬فهو غرضه‬ ‫الأساسي‬ ‫وهو ما لأجله وضعت هذا التعر يف الجديد للسياسي إذ اعتبرته ناتجا عن‬ ‫بعدي كيان الإنسان من حيث هما أساس علاقته بذاته وبغيره من البشر ثم‬ ‫بمحيطه الطبيعي والتاريخي وتفاعل البعدين في هذه العلاقات التي هي لحمة سدى‬ ‫الشر يعة الإسلامية وسداها‪.‬‬ ‫والأساس نجده في آية واحدة من القرآن يمكن اعتبار القرآن كله تفسيرا لها‬ ‫بما استبدل به اللجوء إلى المعجزات الخارقة للعادات والنظام في الأديان السابقة‬ ‫بالاكتفاء ببيان ما سميته المشترك بين الديني في كل دين مع الفلسفي في كل‬ ‫فلسفة‪ :‬العادات والنظام في كيان الإنسان وفي آفاقه‪.‬‬ ‫‪16‬‬

‫‪--‬‬ ‫إنها الآية الثالثة والخمسين من فصلت‪َ \" :‬سن ُرِيه ِ ْم آي َاتنِ َا ف ِي ا ْلآف َا ِق وَف ِي َأنفُسِهِ ْم‬ ‫َح ّتَ ِّى ي َت َبيَّ ِّ َن ل َه ُ ْم َأ َنّ ِّه ُ ا ْلح َ ِّ َّق َأوَل َ ْم ي َ ْك ِف ب ِرَب ِّ َك َأ َّن ِّه ُ ع َل َى كُ ِّل ش َ ْيءٍ ش َهِيدٌ\"‪ .‬وهي الآية‬ ‫التي تحدد ما أطلقت عليه اسم المعادلة الوجودية المحددة لبنية القرآن ال كريم‬ ‫العميقة‬ ‫وهي بنية ما يسميه ابن خلدون \"معاني الإنسانية\" التي تفسدها التربية والحكم‬ ‫العنيفين ‪-‬جوهر الفاشيات‪-‬إذ هما علامتا السياسة الفاشية المميزتان في مقابل‬ ‫السياسة الإنسانية التي تحددها الآية الثامنة والثلاثين من الشورى‪:‬‬ ‫فلو اعتبرنا \"الآفاق\" هي كيان العالم المحيط بالإنسان أي محيطه الطبيعي ومحيطه‬ ‫التار يخي‪:‬‬ ‫واعتبرنا \"أنفسهم\" هي كيان الإنسان العضوي والروحي المتصلين بذاته وبمحيطيه‬ ‫مباشرة وبتوسط الجماعة‬ ‫لحصلنا على العناصر التي تتألف منها المعادلة الوجودية التي تتجلى فيها آيات الل ِّه‬ ‫للإنسان من حيث هو إنسان بصرف النظر عن العرق والطبقة والثقافة والجنس‪.‬‬ ‫فيكون ما يشترك فيه جميع البشر هو المعتبر وهم يشتركون بما يرون به ما يرونه‬ ‫من آيات الآفاق والانفس أعني أن المشترك بينهم هو كونهم مجهز ين بالقدرتين‬ ‫المشتركتين بينهم جميعا أي‪:‬‬ ‫‪17‬‬

‫‪--‬‬ ‫• بالقدرة النظر ية المؤسسة لتفاعله بكيانيه مع محيطية معرفيا‬ ‫• والقدرة العملية المؤسسة لتفاعله بكيانيه معهما قيميا‬ ‫ولوجدنا حينها معنى تبين الإنسان من حيث هو إنسان يكفي أن يستعمل‬ ‫قدرتيه حتى يتبين ليرى هذه الآيات حتى يدرك معنى ال كونية التي يتضمنها‬ ‫القرآن ال كريم من حيث هو مضمون الرسالة التي تخاطبه من حيث هو إنسان‬ ‫وليس من حيث عرقه ولا طبقته ولا ثقافته ولا جنسه‪ .‬ومن ثم فالمدار‬ ‫يتجاوز الحدود السياسية التي تجعل القيم قبلية بالعرق أو بالطبقة أو بالثقافة أو‬ ‫بالجنس‪.‬‬ ‫فيكون المميز بين أساس الموقفين المحددين للقوى السياسية بأبعادها الخمسة التي‬ ‫تشترك فيها كلها أساسهما المرجعي هو الوصل بين تجهيزي الإنسان ومحيطيه‬ ‫وصلا يجعلهما يلتقيان في‪:‬‬ ‫\" َأوَل َ ْم ي َ ْك ِف ب ِرَب ِّ َك َأنَّ ِّه ُ ع َل َى كُ ِّل ش َ ْيءٍ ش َهِيدٌ\" أي في الإيمان بالرؤ ية التي تجعل‬ ‫كيان الإنسان ببعديه وكيان محيطه ببعديه كلاهما موصول بعالم متعال عليهما هو‬ ‫حقيقة الإنسان التي تتجاوز بقية الفروق بينهم‪.‬‬ ‫‪18‬‬

‫‪--‬‬ ‫وهما يحيلان إليه بما فيهما من الغيب سواء وعي الإنسان به فآمن بوجوده أو‬ ‫لم يع به فأنكر وجوده‪ :‬وذلك هو المميز للقوتين السياسيتين الحدين أي التي يصفها‬ ‫القرآن‪:‬‬ ‫• بالاستجابة الحرة للرب (الإيمان بما يتعالى على الإنسان ببعديه وعلى عالميه‬ ‫الطبيعي والتاريخي)‬ ‫• بنقيضتها التي يمكن وصفها بالاستجابة المضطرة للرب (ال كفران بما‬ ‫يتعالى مع تحييث نظير له في الإنسان ببعديه وفي عالميه)‪.‬‬ ‫ومعنى ذلك أن القوى السياسية لها حدان اقصيان هما الاستجابة الحرة‬ ‫والاستجابة المضطرة لما يتعالى على الأمر الواقع في كيان الإنسان العضوي‬ ‫والروحي وفي كيان العالم الطبيعي والتاريخي والمعيار يرد من ثم إلى الموقفين‬ ‫المعرفي والقيمي أي إلى الرؤيتين الابستمولوجيتين والأكسيولوجيتين اللتين‬ ‫تمثلان مرجعيةكل منهما‪:‬‬ ‫فالقوى السياسة التي لا تقبل الأمر الواقع الوجودي وتعتبره مكتف بنفسه‬ ‫تفصل بين ما تعمله منه وما لا تعلمه فتؤمن بوجود غيب متعال عليه وعليه‬ ‫تؤسس علمها الذي تنفي عنه الإحاطة مؤمنة بأنه فوق كل ذي عليم وعملها‬ ‫‪19‬‬

‫‪--‬‬ ‫الذي تنفي عنه التمام مؤمنة بأن قيمته لا تكفي إرادته لتحديدها‪ .‬فقد يكون ما‬ ‫تظنه خيرا شرا وما تظنه شرا خيرا‪.‬‬ ‫و يترتب على ذلك أن يكون موقفها المعرفي اجتهادي لا إطلاق فيه وموقفها‬ ‫القيمي جهادي لا تمام فيه ومن ثم فعلم الحقيقة الإنساني كله نسبي وعمل القيمة‬ ‫الإنساني كله نسبي والنسبية في الحالتين هي التي تمكن من كونية نسبية تجعلهما‬ ‫مشروطين بتحقيق شروط التعايش السلمي بين البشر رغم الاختلاف في النظر‬ ‫لإدراك الحقيقة وفي العمل لإتمام القيمة لأن العلم المحيط لل ِّه والعمل التام لل ِّه‬ ‫دون سواه‪ .‬ومن يدعيهما يتأله فيصبح طاغية إما باسم العرق أو باسم الطبقة أو‬ ‫باسم الثقافة أو باسم الجنس‪.‬‬ ‫والقوى السياسية التي يكون موقفها المعرفي قائلا بالمطابقة والاحاطة المعرفيتين‬ ‫وموقفها القيمي قائلا بالمطابقة والتمام القيمين يؤلهان الإنسان الذي يتصف‬ ‫بصفاتهم العرقية والطبقية والثقافية والجنسية فيصبحان طغاة بالجوهر ولا يمكن‬ ‫أن يتوفر لديهم العيش المشترك السليم إذ كل جماعة تدعي أنها هي ربة الحقيقة‬ ‫والقيمة المطلقتين ولا تعترف بالإنسانية إلا لذاتها وتنفيها عمن عداها‪.‬‬ ‫وتلك هي العلة في كل الحروب التي يبررها في الظاهر هذه المعتقدات ل كنها‬ ‫في الحقيقة تعود إلى الصراع من اجل الحصة في ثورة العالم ومكانه والحصة من‬ ‫‪20‬‬

‫‪--‬‬ ‫اجل الحصة في تراث العالم وزمانه بدلا من القول بالمبدأين المؤسسين للتحرر‬ ‫من هذه الصراعات أي‪:‬‬ ‫مبدأ الأخوة البشر يةكما تحدده الآية الأولى من النساء تقديما للرحم ال كوني‬ ‫الواحد (من نفس واحدة) على الرحم الجزئي المتعدد (من ام واب مختلفين)‬ ‫وللربوبية الواحدة (كل البشر مربوبين) على الألوهية المتعددة (الفروق بين‬ ‫الآلهين)‪.‬‬ ‫ومبدأ المساواة بين البشر لأن تعددهم يهدف إلى التعارف معرفة ومعروفا‬ ‫وحصر التفاضل في التقوى كما تحددهما الآية الثالثة عشرة من الحجرات‪ .‬وهي‬ ‫تعني احترام القانون الذي يسوي بينهم أمام الل ِّه يمكن أن نقيس عليه حتى‬ ‫القانون الوضعي‪.‬‬ ‫‪21‬‬

‫‪--‬‬ ‫تونس في ‪:2022.04.17‬‬ ‫استعملت مصطلحات في الفصلين الأول والثاني قد لا تكون صالحة للكلام‬ ‫على غير المسلمين لأنها كلها ذات مرجعية قرآنية حتى وإن قبلت تقديمها وكأنها‬ ‫نظير مصطلحات مشتقة من تصنيف القوى السياسية الذي حصل بالصدفة في‬ ‫الثورة الفرنسية‪ .‬ل كني سأثبت‪-‬وقد بدأت في الفصل الثاني‪ -‬أنها مع ذلك‬ ‫مصطلحات ذات دلالةكونية لأن ما تفيده بالإيجاب يفيده نفيها بالسلب من‬ ‫جنس العلاقة بين رؤ ية هيجل ورؤ ية ماركس‪.‬‬ ‫فلا يتجاوز النفي الخلاف الاسمي في المصطلح ولا يمس دلالته الفلسفية إلا‬ ‫عندما نغفل عما يقتضيه المسمى‪ .‬فحتى من لا يقول ببعدي الاكتشاف‬ ‫الخلدوني‪-‬المميز بين العمران والاجتماع‪ -‬وعلاقته ببعدي الإنسان من حيث هو‬ ‫مستعمر في الأرض ومستخلف فيها لا يمكنه ألا يميز بين القانون والمرجعية التي‬ ‫تؤسسه‪ .‬ولا يهم إن نسبها إلى الطبيعة لنفيه التعالي وقوله بالمحايثة رفضا لمفارقة‬ ‫التعالي لأن ذلك لا يغير حقيقة العلاج الذي يعود في الحالتين إلى‪:‬‬ ‫• مسألة ابستمولوجية حول الأساس المعرفي لدور العقل في التاريخ‬ ‫الإنساني‪.‬‬ ‫‪22‬‬

‫‪--‬‬ ‫• ومسألة أكسيولوجية حول الأساس القيمي لدور الإرادة في التاريخ‬ ‫الإنساني‪.‬‬ ‫فإشكال الموقف السياسي كله يكون في الحالتين متعلقا بمدى اكتفاء النظر‬ ‫والعمل اللذين يقضي بهما الإنسان في خياراته بذاتهما ليكونا كافيين للقول بعالم‬ ‫مكتف بذاته ومغنيا عما يتعالى عليه سواء كان محايثا أو مفارقا أو العكس من‬ ‫ذلك‪.‬‬ ‫فتكون الإشكالية واحدة رغم ما يبدو من تناقض بين الحلين‪ .‬ومن ثم فلا‬ ‫يمكن الحسم في معيار تصنيف القوى السياسية من دون الحسم في مرجعياتها‬ ‫المؤسسة لخياراتها وحلولها والتي تعود إلى الرؤ ية المعرفية للحقيقة (العقل) والرؤ ية‬ ‫العملية للحق (الإرادة)‪ .‬فالخلاف بين الملحد من العلمانيين وغيره متعلق بهذه‬ ‫المقابلة لأن الملحد لا يدعي أن حقوق الإنسان مثلا نزواتية بل هو يعتبرها‬ ‫حقوقا ذات أصل في الطبيعة الإنسانية التي يعتبرها مكتفية بذاتها وغنية عن‬ ‫متعال عليها هو الرب عند المؤمن‪ .‬ل كنه يميز بين الطبيعة الطابعة التي يعلل بها‬ ‫كون الطبيعة المطبوعة مطبوعة بذلك الطبع‪.‬‬ ‫وبعد هذا التوضيح الضروري لئلا يظن أني أطلق الرؤ ية القرآنية لأني مسلم‬ ‫وليس لأنها تشمل المسلم والملحد شمولا يعلل ما يقبل به الإسلام من التعدد‬ ‫‪23‬‬

‫‪--‬‬ ‫الديني والإلحاد أحد الأديان التي تؤله الطبيعة (الحج ‪ )17‬فإن ما سأقدمه ليس‬ ‫إلا مثالا ممكن لاستراتيجية تكوين القوى السياسية‪-‬الأحزاب‪-‬التي تمثل أداة‬ ‫التداول السلمي على الحكم والمعارضة‪.‬‬ ‫فهي تفترض دائما على الأقل قوتين سياسيتين كبر يين تضمنان الاستقرار مع‬ ‫هوامش تمثل معين مكمل لهما بقوى سياسية صغرى تقل أو تكثر وهي لا تتجاوز‬ ‫ثلاثة إذا كانت ذات وظيفة فعلية ولا تكرر ما عداها وهي طرفاهما والوسط بين‬ ‫ما يخلص من تطرف طرفيها بالإغناء عنهما إلا في حالات الأزمات التي تمر‬ ‫بها الجماعات أحيانا فتعود إلى تطرفيهما‪:‬‬ ‫أقصى اليمين‪:‬‬ ‫وهو المقصور على الاستعمار في الأرض والاقتصاد وتركيم الثروات ولا يؤمن‬ ‫بقيم الاستخلاف في الأرض لأن الدين عنده مجرد عبادات تستعمل أداة‬ ‫سياسية ومثاله التشيع والرؤ ية الفولتار ية للدين‪.‬‬ ‫أقصى اليسار‪:‬‬ ‫وهو المقصور على الاجتماع وتوز يع الثروة ويرفض قيم الاستخلاف لخلطه‬ ‫بين الدين الذي يرده إلى توظيفه السياسي ومثاله الماركسية واليعقوبية تسليما‬ ‫بالرؤ ية السابقة ممثلة للرؤ ية الدينية السليمة‪.‬‬ ‫‪24‬‬

‫‪--‬‬ ‫• اليمين المعدل بالبعد الاجتماعي بمعناه اليساري‪ :‬مثال الديل بعد أزمة‬ ‫‪ 29‬والرؤ ية الكاينز ية‬ ‫• اليسار المعدل بالبعد الاقتصادي بمعناه اليميني‪ :‬اليسار الحديث في أوروبا‬ ‫• الوسط بين الطرفين المعدلين وهو يناوس بينهما إذا انتظم في حزب ل كنه‬ ‫يبقى المعين الذي تصدر عنه الأربعة السابقة لأنه يمثل الأغلبية الصامتة‬ ‫التي ليس لها التزام حزبي معين ومنها تتكون الأحزاب بالتدريج ممن يخرج‬ ‫من الأغلبية الصامتة ليسهم في العمل السياسي المنتظم‪.‬‬ ‫ولما كانت القوتان السياسيتان اللتان يمكن أن تعتبرا متقاربتين من حيث الوزن‬ ‫الانتخابي والتمثيل الشعبي في تونس قد تحددتا من بداية الحركة الوطنية لأنهما‬ ‫تفرعتا عن نفس القوة التي انقسمت إلى حزبين هما‪:‬‬ ‫حزب يتقدم فيه التأصيل على التحديث دون أن يلغي الأول الثاني وهو حزب‬ ‫الثعالبي وهو الأصل ويمكن اعتباره أصل الحركة الوطنية الأول‪ .‬وهو في الحقيقة‬ ‫محاولة للنهوض دون القطيعة مع طموح لاستعادة وحدة ما لدار الإسلام كلها‪.‬‬ ‫وحزب يتقدم فيه التحديث على ال تأصيل دون أن يلغي الأول الثاني وهو‬ ‫حزب بورقيبة وقد بدأ بوصفه فرعا ثم صار أصل الحركة الوطنية الثاني ل كنه‬ ‫‪25‬‬

‫‪--‬‬ ‫بالمقارنة مع السابق يبدو قد يئس منه الاستئناف وسلم بالدولة القطر ية ربما‬ ‫بسبب محاكاة أتاتورك‪.‬‬ ‫وهما إذن يتحدان في الم كونين ويختلفان في نسبة دوريهما ويتحدان حتى في‬ ‫الاسم ولا يختلفان إلا بعبارة المقابلة بين القديم والحديث أي بتغليب المميز في‬ ‫علاقة التأصيل والتحديث دون أن يخلو أي منهما مما في الثاني‪ .‬ولما كان الحزب‬ ‫البورقيبي هو الذي حكم البلاد بعد الاستقلال وحزب الثعالبي هو الذي عارضه‬ ‫معارضة وازنة إلى بداية الاستقلال وسيطرة رؤ ية بورقيبة‬ ‫فإن المشكل الذي يعني الشعب التونسي وصار مدار كل الخلاف الجوهري‬ ‫في الرؤى هو النسب بين حظ التأصيل الذي تضاءل والتحديث الذي تزايدت‬ ‫فشروه دون حقيقته فصار ذلك عين معادلة التقابل بين البورقيبين القشور يين‬ ‫في التحديث والإسلاميين القشور يين في التأصيل وخاصة بعد ما وقع انقلاب‬ ‫ابن على وتحول الحكم إلى سلطة مافياو ية محضة‪.‬‬ ‫وقد ضم انقلاب ابن علي إلى نظام حكمه المافياوي معارضي البورقيبة‬ ‫الهامشيين اللذين كانوا يزايدون على بورقيبة إما في النعرات القومية المستوردة‬ ‫من الشرق أو في النعرات الإلحادية أي الماركسية واليعقوبية المستوردة من‬ ‫الغرب‪ .‬ثم تكونت الحركة الإسلامية التي صارت تزايد على بورقيبة بدعوى‬ ‫‪26‬‬

‫‪--‬‬ ‫التأصيل بمنطق لم يكن ذا صلة بما تتميز بيه رؤ ية الثعالبي لأنها كانت مبنية على‬ ‫أدبيات اخوانية وشيعية‪.‬‬ ‫ل كن المعارضتين الأوليين هما السند الذي مكن لابن علي واعطياه حزاما‬ ‫سياسيا مكنه من تهميش الرؤ ية البورقيبية ثم التحق بهكل السياسيين الذين لا‬ ‫رؤ ية لهم وثلاثتهم يمثلون سند الدمية الأساسي حاليا مع تدخل صريح لفرنسا‬ ‫وإيران واسرائيل بتمو يل من عرب الثورة المضادة‪.‬‬ ‫ولما كانت المز ية الوحيدة التي يمكن أن انسبها إلى قوسي النكبة التونسية الحالية‬ ‫التي فتحها الدمية وستغلق قريبا أنها وضحت هذه المعادلة فإن الاستراتيجية التي‬ ‫سأقترحها هي عين التي اقترحتها يوم قبلت الترشح مستقلا على قائمة تونس الأولى‬ ‫في حركة النهضة دون الانتساب إلى الحزب‪.‬‬ ‫ولما كان الحزب البورقيبي لم يستطع السبسي إحياءه إذ هو قد فشل في مشروعه‬ ‫لإدخاله ال كثير من معارضي بورقيبة ومن المتخلين عن الرؤ ية البورقيبية بعد‬ ‫أفول نجم صاحبها معارضيه الذين أصبحوا خدم ابن علي فيه واعتمد على مافيات‬ ‫اتحاد العمال واتحاد الأعراف ليزن ضد الإسلاميين وكانت الزغراطة كذبة‬ ‫كبيرة لا وزن لها حقا فإن قوى تونس السياسية تقبل الرد إلى تفتتين هما داء‬ ‫الوضع الدوي‪:‬‬ ‫‪27‬‬

‫‪--‬‬ ‫فتات قواعد معارضي النهضة \"قد شعر الراس\" مع عدم الوزن الانتخابي لأنهم‬ ‫لا يوحدهم مشروع موجب بل العامل الموحد الوحيد هو دعوى الحداثة‬ ‫والتقدمية وتعني التحديث العنيف بأدوات الدولة ومعارضة الإسلاميين‪.‬‬ ‫وفتات قاعدة النهضة التي انقسمت فعليا إلى ثلاثة أحزاب أي ما بقي منها‬ ‫تلاه ما انضم من شبابها إلى الائتلاف حديث النشأة وما تلاه من انشقاق‬ ‫اليائسين من الوصول إلى المسؤولية فيها بسبب تمسك جيلها الأول بال كراسي‬ ‫ورفض التداول‪.‬‬ ‫لن اقترح حلا لغير التيار الإسلامي الذي بات مهددا بالتفتت مثل اعدائه‪.‬‬ ‫ل كن كل ما اقترحه عليه يمكن أن يكون اقتراحا لأعدائهم لأن فيه تحديا قد‬ ‫يدفعهم هم بدورهم إلى تطبيقه حتى يكون لهم وزن في الرد على التحدي بما‬ ‫يماثل مشروع منع التفتت الذي اقترحه على الإسلاميين‪.‬‬ ‫ل كني لن اقترح حلا إيجابيا لتوحيدهم لأن ذلك يقتضي أن يقبلوا التداول‬ ‫السلمي فيقوموا بما يقتضيه أي التخلي عن الذهنية الاستئصالية طوعا أو كرها‪.‬‬ ‫وذلك ما قد اساعد على بيان الشروط التي ستضطرهم إليه‪ .‬فهذ الفتات مؤلف‬ ‫من الطيف المتعدد تعددا فوضو يا يتنافى مع تكوين قوة سياسية وازنة ما يجعل‬ ‫‪28‬‬

‫‪--‬‬ ‫الحزيبات التي صنعوها عديمة القاعدة المتينة فكانت نخبهم من جنس جنرالات‬ ‫الجيش الم كسيكي‪:‬‬ ‫بعضهم يدعي الحداثة والعالمية وهو أكثر نخب البلاد امية ورمزهم في‬ ‫الجامعيين عبد المجيد الشرفي وال كثير من طلبته الذين يزعمون التخصص في‬ ‫الحضارة‪.‬‬ ‫وبعضهم يدعيهما مع القومية المتذيلة لما يسمى بالمقاومة وهم عملاء إيران‬ ‫والفاشيات العربية التابعة لها وأقصى ما يحلمون به الانتساب إلى مليشيات تعمل‬ ‫عند حفتر ليبيا أو نعجة دمشق‪.‬‬ ‫وبعضهم ممن تخلوا عن الرؤ ية البورقيبية دون هذين الدعو يين وانضموا إلى‬ ‫مافيات ابن علي وقد اندس بعضهم في جل الأحزاب طمعا في ال كراسي مثل‬ ‫حزب النهضة وحزب ابن جعفر والمرزوقي والشابي‪.‬‬ ‫وجميعهم في الحقيقة تحولوا إلى خدم يعملون عند مافية ابن علي بعد أن عارضوا‬ ‫بورقيبة مزايدة عليه في الحداثة والعلمنة أو انتسبوا إلى حزبه انتسابا انتهاز يا وهم‬ ‫كل الذين عملوا مع مافية ابن علي‪ .‬وبهم تحاول عبير احياء حزبه وستفشل‬ ‫لأنها لن تكون أقدر من السبسي على ذلك‪.‬‬ ‫‪29‬‬

‫‪--‬‬ ‫فهؤلاء لا يوحدهم شيء غير مشروع تخريب تونس ما ظلوا تابعين لفرنسا‬ ‫وإيران وإسرائيل وممولين من الثورة العربية المضادة‪ .‬ولما كنت اعتقد أن تونس‬ ‫لا يمكن أن تمشي برجل واحدة فإني اعتقد أن تكوين حزب كبير يوازن‬ ‫الإسلاميين أمر ضروري‪.‬‬ ‫واعتقد ‪-‬وهذا ما يمكن أن اساعدهم به إذ لو علموه لسارعوا لهذا الحل بدل‬ ‫الانتظار الذي لن يوصلهم إلى شيء‪ .‬فلا أمل في انقلاب عسكري يعوض‬ ‫الدمية فيوصلهم إلى الحكم ولا في تدخل أجنبي كما جرت العادة لفرضهم على‬ ‫الشعب ومن ثم فهم سيضطرون للبحث عن حل يتمثل في التسليم بضرورة‬ ‫التعايش السلمي مع الإسلاميين وتحقيق شرط التداول معهم بالتوحد‪.‬‬ ‫وقد يجدوا قيادات تابعة للذين انشقوا على بورقيبة بسبب المطالبة بالتعدد‬ ‫والديموقراطية منذ بداية الثمانينات أي طيف المستيري ومزالي مثلا سيوحدهم‬ ‫إذا رأوا خصمهم الانتخابي سيزداد قوة ولن ينالوا أي امكانية للحكم من دون‬ ‫التوحد‪ .‬وإذن فما سأقترحه حتى وإن كان لا يتعلق بهم مباشرة فإنه سيكون‬ ‫دافعا كافيا ل كي يفكروا بجدية في الوحدة استعداد لشرط التداول السلمي على‬ ‫الحكم والمعارضة لأن الانقلابات لم تعد ممكنة‪.‬‬ ‫‪30‬‬

‫‪--‬‬ ‫فمنذ أن فهمت أمريكا أنه من مصلحتها أن تسود الديموقراطية ليس حبا في‬ ‫الشعوب أو إيمانا صادفا بحر يتها بل لأن ذلك هو شرط تقو ية صفها في التنافس‬ ‫مع الفاشية التي صارت تهدد منزلتها في العالم بات على الفاشيات العربية عامة‬ ‫والتونسية خاصة الاستسلام للواقع الديموقراطية وتحقيق شرط التداول على الحكم‬ ‫بالصندوق لاستحالة الانقلاب وفقدان الدور الذي كان يعتمد على السند‬ ‫الخارجي‪ .‬وإذن فمقترحي يتعلق بتوحيد الإسلاميين وجعلهم قوة يعسر تخطيها‬ ‫حتى لو اجمع كل إسلاموفوبيي العالم على مواصلة الحرب على الإسلام ودوره‬ ‫في بلاد العرب والمسلمين‪.‬‬ ‫وخاصة لأن امريكا فهمت ذلك بعد تجربة ضيعت فيها نصف قرن دون ثمرة‬ ‫إذ فشلت حتى في أقل شعوبه تمكنا من أدوات العصر‪ :‬تبين لأمريكا أن الاسلام‬ ‫عقيدة اخرو ية لتنظيم الحياة لا يمكن هزيمتها مثل الماركسية التي هي إيديولوجيا‬ ‫دنيو ية لتخريب الحياة‪.‬‬ ‫‪31‬‬

‫‪-‬‬ ‫تونس في ‪:2022.04.20‬‬ ‫الحل الذي اقترحه لتحقيق هذه القوة التي لا يمكن أن يهزمها إلا فشلها السياسي أعني‬ ‫عجزها عن اقناع الناخبين ببرنامجها المتعلق بقوامة الرعاية التكوينية والتموينية الحماية‬ ‫الداخلية والخارجية التي تمثل أربعتها بأصليها أي البحث والاعلام العلميين للأوليين‬ ‫خاصة والاستعلام والاعلام السياسيين للثانيين خاصة‪.‬‬ ‫فذلك هو شرط التداول الديموقراطي في الجماعات التي تتألف من مواطنين احرار‬ ‫وذوي كرامة بمعنى أن خصومها لن يكون بوسعهم اكتشاف بديل آخر غير المنافسة‬ ‫السياسية السلمية التي تجعل الشعب يختارهم بالمفاضلة بين البرامج السياسية‪ .‬وهو حل لا‬ ‫يمكن تأسيس القوى السياسية عليه باعتبارها أدوات تحقيق غاياته من دون تحديد‬ ‫مفهوم الإسلام السياسي في تعينه التاريخي الذي جعله ينحرف عن مدلوله في القرآن‬ ‫والسنة لعلتين عمتا كل دار الإسلام‪:‬‬ ‫العلة الأولى هي الانحطاط الذي نتج عن تحول حالة الطوارئ التي هي بلغة الإسلام‬ ‫ضرورة تبيح المحظور تحوله إلى حالة دائمة فآلت إلى الانحطاط في كل مجالات السياسة‬ ‫من حيث هي قوامة الرعاية والحماية‪ :‬علاج الضرورة السياسية التي نتجت عن الفتنة‬ ‫ال كبرى جعلها أبدية لأنها صارت قاعدة وليس استثناء‪.‬‬ ‫‪32‬‬

‫‪-‬‬ ‫العلة الثانية هي طبيعة المعارك التي اقتضتها حرب التحرير التي لم تكن ترد على‬ ‫الاستعمار الغربي باعتباره مقصورا على دوافع سياسية فحسب بل وكذلك على دوافع‬ ‫عقدية لأنه كان استعمارا يحارب الهو ية والتنوع الحضاري وكان مسنودا بنفس العلل‬ ‫التي أدت إلى الفتنة ال كبرى وما فرضته من ضرورة تبيح المحظور‪.‬‬ ‫وبهذا المعنى فقد انقسم الإسلاميون عدة انقسامات سابقة كلها مشتركة في هذين‬ ‫العلتين اللتين حالتا دون فهم الإسلام واستراتيجيته السياسية التي لا تجعل مرجعيته‬ ‫العقدية أساسا لغير قيمها فتصبح نقيض ما عرفها به الإسلام أعني استراتيجية الأدوات‬ ‫التي تحقق الغايات في الاستعمار في الأرض بقيم الاستخلاف‪.‬‬ ‫فتاريخ المسلمين كله صار مداره حول خلافات عقدية الغت حقيقة هذه العلاقة بين‬ ‫استراتيجية الأدوات التي تحقق الغايات والتي هي مدار الخلافات السياسية أعني مدار‬ ‫قوامة الرعاية ببعيدها وأصلهما والحماية ببعديها وأصلهما‪ .‬وقد تجلى ذلك خاصة في حروب‬ ‫الاستقلال مع كل الذين كانوا يعاملون المسلمين بمنطق حرب الاسترداد لهو ية سابقة‬ ‫على الإسلام من الداخل ومن الخارج‪ .‬فكلهم يريدون الانتقام من الهو ية الإسلامية‬ ‫فمكن أعداء الخارج لأعداء الداخل من تفتيت جغرافية الإسلام وتاريخه وذلك‪:‬‬ ‫من الخارج ممثلا بأوروبا (كل الجرمان) الذين تلتننوا أي الكاثوليك والأرثوذكس‬ ‫وبآسيا روسيا والهند والصين‪ .‬ومن الداخل بإحياء العرقيات والطائفيات وخاصة في‬ ‫أرض العرب وفي افر يقيا مع العرقيات التي احياها الاستعمار الفرنسي والتبشير‬ ‫الكاثوليكي‪.‬‬ ‫‪33‬‬

‫‪-‬‬ ‫ويمكن اعتبار الأمر ذا علاقة برد الفعل على موجتي الفتح الأول بقيادة عربية‬ ‫افر يقية والثاني بقيادة تركية آسياو ية رد الفعل الخارج من الكاثوليك والأرثوذكس‬ ‫ورد الفعل الداخلي من الفرس ثم كل من أرادوا احياء القوميات المتقدمة على اخراج‬ ‫الفتح الأول لبيزنطة من الإقليم وانهاء دولة فارس وعلى اخراج الفتح الثاني دولة بيزنطة‪.‬‬ ‫ولهذه العلة فإن كل محاولة لمنع عودة وحدة جغرافية الأمة وتاريخها مردها إلى‬ ‫سياسة الفرس والأرثودوكس في المشرق وسياسة اللاتين في المغرب لعلمهم بأن قلب‬ ‫دار الإسلام جغرافيا وتاريخيا هو ملتقى القارات الثلاث القديمة ودور العرب والأتراك‬ ‫قائدين للفتحين اللذين لم يتوقف أعداء الإسلام عن السعي للحسم معهم‪ .‬وقد تبين أنهم‬ ‫فشلوا وأن الاستئناف آت لا ريب فيه‪.‬‬ ‫كان متعلقا بمعركة يتقدم في التصدي للهجوم على الإسلام والهو ية الحضار ية أكثر‬ ‫من التصدي للاستعمار بمعناه السياسي بسبب ما كان بين معاني حرب الاسترداد‬ ‫وبداياته ثم تحوله إلى ما يقدم على أنه مهمة تحضير ية لتبرير السياسة الاستعمار ية المحاربة‬ ‫للهو يات الثقافية والخيارات العقدية‪.‬‬ ‫وتلك هي علةكون النضال بقي متعلقا بهذا الرهان ولم يشرع حقا في الاعتناء بالحقوق‬ ‫السياسية إلا بعد تبين الوصل الضروري بين المسألتين وتكل هي دلالة الوصل بين ثورة‬ ‫استراتيجية الأدوات السياسية الموطدة لشروط الحفاظ على الهو ية الحضار ية لأنها من‬ ‫دونها تكون عزلاء فلا تستطيع الصمود أمام الاعداء‪.‬‬ ‫‪34‬‬

‫‪-‬‬ ‫فالعدو يعلم ذلك ولذلك فهو لم لا يكتف باستهداف الأرض والثروات فحسب بل‬ ‫أراد تخريب الروح والمعتقدات‪ .‬والعلاج نقض استراتيجيته لأن ما به تصمد الروح‬ ‫والمعتقدات هو الأرض والثروات من حيث الأدوات وما به تصمد الأرض والثروات‬ ‫هو الروح والمعتقدات من حيث الغايات‪.‬‬ ‫وهي المعركة التي خسرتها الحركات الإسلامية سياسيا حتى وان استطاعت ربحتها‬ ‫حضار يا على الأقل جزئيا لأنها حمت المعتقد والهو ية التاريخية وهو نجاح لا نظير له في‬ ‫التاريخ رغم أن الاستعمار قد مكن لمن كان اقرب إليه من المستلبين لأنهم كانوا‬ ‫متمكنين اكثر من الإسلاميين من ثقافته ومن ثم من شروط الحكم الحديث بمقتضى‬ ‫تكو ينهم العصري‪.‬‬ ‫ل كنهم باستلابهم جعلوا دورهم مكملا لأهداف الاستعمار من الحرب على الهو ية‬ ‫الحضار ية لتحقيق شرعية لحكمهم تفصل بين المحميات التي أنتجها الاستعمار والأمة‪.‬‬ ‫فكان من الضروري أن يمر الإسلاميون بحقبة ضرور ية للتكوين الحديث أولا وللتمييز‬ ‫بين شروط الحكم الحديث والكلام في ما كانوا يظنونه جوهر السياسي في الإسلام فبقيت‬ ‫اهداف النضال أبعد ما يكون عن الثورة السياسية لأنها اقتصرت أو تكاد على موقف‬ ‫الدفاع عن الهو ية الحضار ية‪.‬‬ ‫واعتقد أنهم الآن فهموا ضرورة الجمع بين الأدوات والغايات لأن الشعوب العزلاء‬ ‫من الأدوات لا يمكن أن تحمي الغايات‪ .‬لأن تصور الدفاع عن الغايات موضوع‬ ‫المعتقدات الروحية من دون التمكن من الأدوات موضوع الاستراتيجيات السياسية تصور‬ ‫‪35‬‬

‫‪-‬‬ ‫أبعد ما يكون عن الدفاع الجذري عن شروط بقاء الحضارة حية وذاتية التجديد غير‬ ‫الدفاعي لأنه بتحقيق شروط القيام السياسي السوي أي الرعاية والحماية يحقق المحافظة‬ ‫على الهو ية الحضار ية و يقولها‪.‬‬ ‫آن أوان الفهم الدقيق لتجاوز ما فرضته الظرفية التي قدمت الصراع العقدي على‬ ‫الصراع السياسي حول دور الحكم الذي يقتضي فهم البنية الحقيقية لدور الأحزاب‬ ‫السياسية‪ .‬و يكفي درس الفكر السياسي عند كبار المتكلمين السنة من الأشعري إلى ابن‬ ‫خلدون مرورا بإمام الحرمين والغزالي وحتى ابن تيمية لفهم التمييز الواضع بين المستو يين‬ ‫من صمود الحضارات‪ :‬فالاستراتيجيات السياسية هدفها تحقيق الأدوات والاستراتيجيات‬ ‫العقدية هدفها تحديد الغايات‪.‬‬ ‫وقد آل عدم التمييز بينهما في الحركات السياسية الإسلامية إلى احداث ما يشبه ما‬ ‫تتحدد رؤ ية الإسلام بنفيه القطعي باعتباره علة التحر يف الديني‪ .‬فليس في مرجعية‬ ‫السياسة الإسلامية وساطة روحية للعلماء (التي هي كنسية خفية) ولا وصاية مادية‬ ‫للأمراء (وهي حكم بالحق الإلهي خفي)‪ .‬وكلاهما تحر يف للسياسة في الرؤ ية القرآنية‬ ‫والسنية وهو شبه تبن لبقايا مرحلة الانحطاط وللرؤ ية الشيعية التي هي مصدر الفتنة‬ ‫ال كبرى‪.‬‬ ‫وهما وإن بخفاء يمثلان أساس الفكر الإخواني والفكر السلفي أعني حدي الفكر السياسي‬ ‫السني الذي خسر معركة التحرير المنقوص رغم كونه هو الذي خاضها بحق وقادها‬ ‫وضحى من أجلها التضحيات الجسام ليس بوصف الإسلام كان المحرك الأساسي للجماهير‬ ‫‪36‬‬

‫‪-‬‬ ‫فحسب بل لأن الحرب لم تكن على الأرض والثورة فحسب كما يفترض أن يكون عليه‬ ‫الاستعمار بل كان يستهدف الإسلام نفسه باعتباره أساس الهو ية الحضار ية للأمة‪.‬‬ ‫وفي ذلك اشتركت رؤيتا حرب التحرير أي إنها لم تستثن من كانوا أميل إلى التحديث‬ ‫من التأصيل أعني بما في ذلك بورقيبة قبل الاستقلال وحتى بعده لأن اليسار كان اشد‬ ‫المعارضين له لهذه العلة‪ .‬فإذا طبقنا هذه المعطيات التاريخية لحركة التحرير من‬ ‫الاستعمار نجدها متحققة في الحركات الإسلامية التي تمثلها في تونس حركة النهضة‪.‬‬ ‫فهي بعد المرور بفترة التعلم الحديث عادت إلى الفعل السياسي المعارض ول كن ليس‬ ‫بعقلية ما تقدم على تلك الفترة أي إنها أبعد ما يكون عن فكر الثعالبي مثلا‪.‬‬ ‫المرحلة الأولى‪ :‬الحركات الإسلامية الأولى‬ ‫فقد جمعت الحركات الإسلامية بالإضافة إلى بقايا فكر الانحطاط في الاجتهاد الفقهي‬ ‫وفكر التشيع في استئناف دور الباطنية التاريخي فكر الفاشيات العربية التي تؤمن‬ ‫بالانقلابات العسكر ية لتوهمها أن الحكم يمكن أن يمكنها من تحقيق رؤ يتها السياسية التي‬ ‫هي بهذا المعنى عديمة الصلة برؤ ية الإسلام السياسية التي وصفت في الفصل الأول‪.‬‬ ‫فكل أجيالها التي شرعت في الصراع مع البورقيبيةكانت متأثرة بأدبيات الفكر المشرقي‬ ‫الإخواني والشيعي وبرؤى العسكر الذي يدعي القومية وليس لها بحق دراية بشروط بناء‬ ‫الدول ولم تكون جيلا له ثقافة سياسية قادرة على تكوين شروط القوة السياسية القادرة‬ ‫على الحكم بالمعنى الحديث‪.‬‬ ‫‪37‬‬

‫‪-‬‬ ‫لذلك فيمكن اليوم اعتبارها ممثلة ليمين الطيف الإسلامي الذي يحده أقصى يمينه أي‬ ‫السلفية الجهادية التي يمكن التمثيل لها بما حصل في السودان وفي الجزائر في مصر بعملية‬ ‫اغتيال أنور السادات لتأثرها بدعاية إيران‪.‬‬ ‫وقبل ذلك في أفغانستان في حركة القاعدة ول كن بمستوى حجمها لأنها لم تصل إلى‬ ‫الحكم وليس لها ما لهذه الحركات من القدرات فلم تستعمل من القوى المتصارعة في‬ ‫الإقليم لتكون رأس حربةكالتي ذكرت‪ :‬إنهم من بقي في الحركة بقيادة الغنوشي‪.‬‬ ‫المرحلة الثانية‪ :‬المنشقون عن النهضة‬ ‫أنشأ الجيل الثاني من المنتسبين إلى النهضة سابقا مجموعات تبين بالتدريج ذلك خاصة‬ ‫لما اصبحوا يعدون لمشروع حزب بدأت فكرته بعد المؤتمر العاشر إذ حصل نوع من التخلي‬ ‫ليس عن ثقافة تعتمد الأدبيات التي تكونت بها لما كانت فيها بل وكذلك عن المرجعية‬ ‫الإسلامية بحيث يمكن اعتبارها ممثلة لتيار قريب من احياء البورقيبية من حيث وهم‬ ‫الدولة الوطنية‪.‬‬ ‫ويمكن اعتبارهم يسار حركة اسلامية قطر ية تخلت عن العالمية الإسلامية ويحدهم‬ ‫على يسارهم ادعياء الحداثة العلمانية‪ .‬إنهم جماعة الانشقاق الأخير بقيادات لا يجمع بينها‬ ‫فعليا مشروع إيجابي عدى شعار الثورة على فاشية قيادة النهضة الحالية‪ .‬وهو ما يجعلها‬ ‫شديدة الهشاشة و يعسر أن يكون لها مستقبل إذا‬ ‫المرحلة الثالثة‪ :‬الائتلاف الاستقلال عن ادبيات الماضي‬ ‫‪38‬‬

‫‪-‬‬ ‫وقد أنشأ قبل الفر يق السابق الشباب الغاضب الذي لم يقبل بتنازلاتها بعد الثورة حتى‬ ‫وإن لم يكن له انتساب ماض إلى النهضة ويمكن ان نعتبره أميل إلى ثقافة بعيدة عما‬ ‫وصفت في أجيال النهضة ولعلها بشعار تحرير الثروات الوطنية والتصدي لتخريب‬ ‫الاتحاد لشروط النهوض تمثل تيارا قريبا من إحياء الثعالبية‪ :‬إنهم جماعة الائتلاف‪.‬‬ ‫المرحلة الرابعة المتوقعة‪ :‬التنافس بين هذه الم كونات الثلاث‬ ‫فهذه المراحل الثلاث الأولى مجتمعة تعتبر مرحلة الضعف الذي يعيشه الإسلام‬ ‫السياسي حاليا في تونس وقبله حصل نفس الشيء في الجزائر وأخشى أن يحصل في‬ ‫المغرب نفس الوضع‪ .‬ولم احسب طرفي الطيف الإسلام أي غاية الانحطاطين ممثلة‬ ‫بالسلفية الجهادية وبحزب التحرير‪:‬‬ ‫لذلك فهما لا في العير ولا في النفير إلا من حيث التعبير عن فوضى العقل والروح‬ ‫في غياب استراتيجية العلاقة السو ية بين أدوات السياسة وغاياتها‪ .‬ودورهما يعطل المسار‬ ‫و يضعف الإسلام السياسي أكثر مما يقو يه‪ .‬واعتقد جازما أن الحل الذي سأقترحه على‬ ‫‪39‬‬

‫‪-‬‬ ‫الإسلام السياسي في تونس هو ما سيلجأ إليه الإسلام السياسي في العالم كله لأنه هو‬ ‫شرط الاستئناف‪.‬‬ ‫المرحلة الأخيرة المتوقعة‪ :‬وهي تحديد هذه الاستراتيجية‬ ‫وإذن فالحد الأوسط في المخمس دون اعتبار الحدين الخارجين أي أقصى اليمين واقصى‬ ‫اليسار في كل قوة سياسة الحدين اللذين لا تذهب إليهما الرؤ ية الاستراتيجية التي أنوي‬ ‫تحديدها هو ما يمكن ان يمثله الائتلاف بين هذه الأقسام الثلاثة من الحركة الإسلامية‬ ‫التي تمثلها النهضة لأن توحيدها لا يمكن ان يكون إلا بشكل تجمع ائتلافي منها ثلاثتها‬ ‫مع القضم المتدرج الذي يحد من فاعلية الطرفين المعطلين‪.‬‬ ‫وذلك حسب رأي هو بلوغ الرشد السياسي الذي يعني استراتيجية الجمع بين المحلي‬ ‫والإقليمي مرحلة أولى نحو الاستئناف الإسلامي الجامع لكل دار الإسلام في ما يشبه‬ ‫فدرالية على مثال الولايات المتحدة الامريكية أو على الأقل على مثال مشروع الوحدة‬ ‫الأوروبية‪ .‬فالخلافة لم تكن أبدا دولة واحدة إلا بهذا المعنى لأنها مؤلفة من سلطانات‬ ‫يجمعها الولاء للخلافة‪.‬‬ ‫فالمراحل ا لثلاث الأولى وحال الضعف الذي انتهت اليه بتفكك حركة الإسلام‬ ‫السياسي الجدي (أي ما بقي من النهضة ومن انشق عليها والائتلاف) لا تفهم من دون‬ ‫وصلتين خفيتين‪:‬‬ ‫وصلة بين النهضو يين والمنشقين عنها والحد الأوسط ممثلا بالائتلاف لأن جل أعضائه‬ ‫شباب لم يفسدهم الطمع في ال كراسي ولهم نوع من الحنين إلى استئناف معركة التحرير‬ ‫‪40‬‬

‫‪-‬‬ ‫لاستكماله ولا يكتفون بالمسار الديموقراطي الذي يحرر المواطن بل فهموا أن استكمال‬ ‫التحرير شرطه الضروري وإن لم يكن كافيا‪.‬‬ ‫ثم بينه وبين الحدين الأخيرين أي من بقي في النهضة ومن خرج عنها لتجاوز حالة‬ ‫الضعف الذي بدأ يتجلى من تفكك قوى الإسلام السياسي في تونس بحيث إن حديه‬ ‫الاقصيين أي السلفية وحزب التحرير يمكن أن يصبحا ممثلين للفوضى التي تنهيه بمآل‬ ‫شبيه بما حصل للحزب البورقيبي‪.‬‬ ‫والوعي بضرورة الاستراتيجية الموحدة بينهم‪ .‬وبذلك يصبح المخمس مترابطا ترابطا‬ ‫يحقق مقومات البنية التي تعتمد عليها كل قوة سياسية حديثة‪ .‬فإذا اخرجنا أقصى اليمين‬ ‫واقصى اليسار إذ هما قد تحولا إلى لا شيء ليس في حضارتنا وحدها بل في العالم كله‬ ‫إذا ما استثنينا عودتهما الظرفية في حالات الأزمات الحضار ية ال كبرى كما في العالم‬ ‫الغربي حاليا فإن الوصل ينبغي أن يكون بين الثنائي الأول والائتلاف وبينه وبين الثنائي‬ ‫الأخير‪.‬‬ ‫الوصل بين النهضة والمنشقين من جهة والائتلاف من جهلة ثانيا قلبا للإسلام السياسي‬ ‫الجامع بين تحرر المواطن وتحرير الوطن بشرط اندراجه في وحدة الأمة‪.‬‬ ‫الوصل بين الائتلاف والتنافس الحالي المؤدي إلى ضعف الإسلام السياسي ومشروع‬ ‫التوحيد الذي يمكن من الوصل بين حركة تحرر المواطن (الربيع) وحركة تحرير الوطن‬ ‫في إطار وحدة الامة (مطلب الائتلاف المميز)‪.‬‬ ‫‪41‬‬

‫‪-‬‬ ‫فيكون الوصل بين اليمين الإسلامي الأصلي والمنشقين عليه من جهة والقلب الذي‬ ‫هو بداية الربط بين حركة التحرر التي يمثلها الربيع وحركة التحرير الذي ينبغي أن تعود‬ ‫لتحرير مقومات الثروة والتراث شرط السيادة المادية والروحية والوصل بينه وبين‬ ‫التفتت الناتج عن التنافس والمؤدي إلى تضاؤل دور الإسلام السياسي‪.‬‬ ‫وإذن فمشروع الوحدة الذي اقدم رؤيته بهذا المقترح هدفه استرجاع قوة الإسلام‬ ‫السياسي ليكون حقا قوة سياسية تعمل باستراتيجية سياسية تمكن الطيف الإسلامي من‬ ‫تجاوز القطيعة التي حصلت في حركة الاستئناف بسبب ما وصفت في هذا الفصل ‪.‬‬ ‫وهي وضعية ليست خاصة بتونس وحدها بل هي تشمل كل اقطار دار الإسلام‪:‬‬ ‫فيكون القلب شبيها برؤ ية الائتلاف كما أحاول صوغها جامعا بين الإسلام السياسي‬ ‫النهضوي ومحاولة الخروج عنه‪.‬‬ ‫و يكون الائتلاف بهذه الرؤ ية جامعا بين الإسلام السياسي النهضوي ومحاولة البديل‬ ‫المقوي لا المضعف‪.‬‬ ‫وإذن فالائتلاف سيمثل مركز الإسلام السياسي المستقبلي إذا حقق هذين الوصلين‬ ‫ليس في تونس وحدها بل في كل قطر منه أقطار دار الإسلام بنفس الرؤ ية فيه إذا‬ ‫راجعت حركاته الإسلامية استراتيجياتها وجمعت بين الدولة القطر ية والدولة الشاملة لكل‬ ‫اقطار الأمة ولو في شكل هدف أولا يليه المسعى لتحقيقه خلال استئناف عملية استكمال‬ ‫الاستقلال كالتي نراها في تركيا أو في باكستان‪.‬‬ ‫‪42‬‬

‫‪-‬‬ ‫فتصبح الحركة الإسلامية هي بدروها ائتلافا يستأنف الجمع بين تحرر المواطن (الربيع)‬ ‫وتحرير الوطن (حرب التحرير) فيستكمل شروط القوة المادية والروحية ويحقق المعنى‬ ‫العميق للسياسة من حيث هي قوامة الرعاية والحماية‪ .‬وذلك هو المعنى العميق لما كان‬ ‫يوحد حركة التحرير في مناخ المزاوجة بين الدولة الوطنية وما يشبه \"الولايات المتحدة‬ ‫الإسلامية\" التي تكون بديلا من الخلافة التي لم تعد مناسبة للعصر بما سيطر عليها من‬ ‫جعل حالة الطواري التي تعتبر الضرورة التي تبيح المحظور تصبح حالة دائمة فلم تعد‬ ‫صالحة لدولة ديموقراطية حديثة‪.‬‬ ‫طبعا لا ادعي أن الائتلاف في وضعه الراهن يمكن أن يصبح كما أصف هنا إذ قد‬ ‫لا يكون ذلك إلا من أماني التي لا شيء يثبت أن المنتسبين إليه سيتبنونها خاصة وهم‬ ‫إلى حد الآن لا يمثلون قوة فعلية لأن عديدهم في النظام الانتخابي الحالي لا يدل على‬ ‫قوة فعلية قمن نجح دون البواقي لا يتجاوز نائبين‪ .‬ولا أراهم قد كونوا المؤسسات التي‬ ‫يمكن أن تخرج سياسيين حقيقيين لأن الحماسة وحدها لا تصنع القوى السياسية‪ .‬كما لا‬ ‫أراهم يولون أهمية للفكر الاستراتيجي في وضع السياسات لظنهم ان الحماس وحدهكاف‪.‬‬ ‫ولهذه العلة فإن كل الإسلاميين بحاجة إلى فهم الإسلام السياسي كما يحدد القرآن‬ ‫والسنة طبيعة المرجعية القيمية التي يحتاج إليها وكما طبقه الرسول في دستور المدينة حصرا‬ ‫لدور السياسة في قوامة الرعاية والحماية لئلا تستند الدولة إلى رؤ ية تعتمد سلطة روحية‬ ‫وسيطة وسلطة سياسية وصية‪.‬‬ ‫‪43‬‬

‫‪-‬‬ ‫فتكون ثيوقراطية بخلاف ما فهمها كبار علماء الإسلام قبل الانحطاط (الغزالي وابن‬ ‫تيمية وابن خلدون) وكما عرفتها الآية ‪ 38‬من الشورى‪﴿ :‬وَالَّ ِّذِي َن ا ْست َجَاب ُوا ل ِر َ ّبِه ِ ْم و َأق َامُوا‬ ‫ال ِّ َّصل َاةَ و َأمْرُه ُ ْم ُشورَى ب َيْنَه ُ ْم وَمِمَّ ِّا رَزَقْن َاه ُ ْم ي ُنفِقُونَ﴾‬ ‫جمهور ية‪ :‬امر‪ +‬هم = راس بوبليكا‬ ‫ديموقراطية‪ :‬شورى‪ +‬بينهم= ديموقراسيا‬ ‫مرجعيتها‪ :‬الاستجابة إلى الرب هو العمل بقيم الاستخلاف وعلامته الصلاة‪.‬‬ ‫غايتها‪ :‬الاستعمار في الأرض وهو معنى الرزق والانفاق منه بقيم الاستخلاف‪.‬‬ ‫‪44‬‬

‫‪--‬‬ ‫تونس في ‪2022.04.25‬‬ ‫بينت في محاولات سابقة أن الإسلام ليس دينا من بين الأديان بل هو الديني‬ ‫في كل دين وأنه في آن الفلسفي في كل فلسفة ومن ثم فلا يمكن فهمه إلا‬ ‫بوصفه ما يشترك فيه الديني والفلسفي من الهموم المعرفية والقيمية‪ .‬فهو يعتمد‬ ‫في كل أدلته على النظام في الأفقين الطبيعي والتاريخي وفي كياني الانسان‬ ‫العضوي والروحي حتى وإن كان لا يرفض معجزات الرسل السابقين كما يوردها‬ ‫في استعراضه للماضي بمعيار التصديق والهيمنة لنقد التحر يف‪.‬‬ ‫وأهم دليل على هذا الخيار هو أن مخاطبيه يكثرون من معاجزته فيطالبونه‬ ‫بالإتيان بمعجزات تخرق العادات مثل الرسل السابقين وأهمها عندهم احياء‬ ‫الموتى فيرد عليهم بحجتين تثبتان استغناءه بالاكتفاء بمعجزة أبلغ هي وجود‬ ‫النظام‪:‬‬ ‫الأولى هي أن المعجزات لم تمنع من خوطبوا بها من ال كفر بالرسالات التي‬ ‫استعملتها ولا من تحر يفها بصورة تبتعد عما هو هدف الديني في الأديان وهدف‬ ‫الفلسفي في الفلسفات‪ :‬أي تحقيق العيش السلمي بين البشر وتحريرهم من‬ ‫الاخلاد إلى الأرض‪.‬‬ ‫‪45‬‬

‫‪--‬‬ ‫الثانية هي أن المعجزات هي للتخو يف وليست للإقناع وأن الل ِّه لم يكلفه بغير‬ ‫التذكير الذي يعتمد على الاستدلال بالآيات التي تدل على النظام وليس على‬ ‫خرقه لأن الاعجاز الحقيقي هو الحكمة التي تتجلى في النظام وليس في خرقه‪.‬‬ ‫ولهذه العلة فهو دين كوني لأن أدلته شرط فاعليتها هو كونيتها التي هي عين‬ ‫كونية النظام في الآفاق (الطبيعة والتاريخ) وفي الانفس (كيان الإنسان‬ ‫العضوي وكيانه الروحي) وهي التي تبين أن القرآن حق (فصلت ‪ :)53‬ولا‬ ‫يتضمن القرآن غيرها إلا ما ترتب في ثقافة المسلمين من اسقاط الإسرائيليات‬ ‫عليه ظنا أن ورود بعضها فيه دليل على تبنيها وليس على عرضها لنقد ما فيها من‬ ‫تحر يف‪.‬‬ ‫وسيدرك البشر هذه ال كونية لما يرون أن علاجه لمعضلات الوجود الإنساني‬ ‫يردها جميعها إلى ما يحرر الإنسانية مما ترتب عن فصل البشر بين علاجهم‬ ‫لشروط الاستعمار في الأرض عن قيم الاستخلاف فيها‪.‬‬ ‫فهذا الفصل يلغي شرط العيش المشترك السلمي بين البشر من حيث هم بشر‬ ‫وبينهم وبين العالم الطبيعي والعالم التاريخي شرطين لبقائهم وبقاء العالم خاليا من‬ ‫التلويث المادي للطبيعة والتلويث الروحي للتاريخ وهما داءا مآل الإنسانية والعالم‬ ‫بسبب هذا الفصل‪.‬‬ ‫‪46‬‬