أبو يعرب المرزوقي re nils frahm استراتيجية النجاح الاستعداد للتداول السياسي السلمي
استراتيجية النجاح الاستعداد للتداول السياسي السلمي أبو يعرب المرزوقي
محتو يات ال كتيب 1 -الفصل الأول 1 - -الفصل الثاني 12 - -الفصل الثالث 22 - -الفصل الرابع -الحل بمقتضى مسار الإسلام السياسي الحالي 32 -الفصل الخامس 45 - -الفصل السادس 60 - تعليل بنية الدولة المجردة 66 – الفصل السابع – 76 المسألة الأولى :عرض مقومات الثورة الإسلامية في نظر ية الدولة 78 – الفصل الثامن – 84 المسألة الثانية :الممارسة السياسية :تحرير مستعمرات فارس وبيزنطة 84 المسألة الثالثة :الغزالي :فضح الباطنية يحل معضلة الوصية والاختيار 87 – الفصل التاسع – 93 المسألة الرابعة :الغزالي مؤسس المدرسة النقدية في فلسفة النظر وفلسفة العمل 93 علاقتي بالغزالي 96
– الفصل العاشر – 105 المسألة الخامسة :ابن خلدون :مؤسس منطق التعدد السياسي بمبدأ عدم التأثيم 105 – الفصل الحادي عشر – 113 الحصيلة أو ثمرة المدرسة النقدية العربية 113 الحصيلة التيمية في الفلسفة السياسية 118 – الفصل الثاني عشر – 125 دلالتا \"العالم\" فصلا ووصلا بينه وبين ما ورائه 125 – الفصل الثالث عشر – 136 المعادلة الوجودية أو حقيقة القرآن 145
-- تونس في 2022.04.17 هذه ثاني مرة اقلب ترتيب التحليل أبدأ بالنتيجة بوصفها التالي ثم اشفعها بالتدليل عليها بوصفه المقدم في غالب البحوث :والنتيجة هي تحليل طبيعة القوى السياسية وتصنيفها .والعلة هي أن القارئ غير المختص ليس له الصبر لمتابعة الانتقال من المقدمات إلى النتائج خاصة إذا كانت شديدة التعقيد. فيتهم الباحث بأنه معسر وليس ميسرا .ولست افعل بسبب هذه التهمة التي لا تجعلني اتخلى عن المنهج السليم من أجل ترضية القراء .ول كن لأن الخطاب السياسي عامة مقدماته هي غاياتهكفعل ونتائجه هي أدواته التي تقنع بصحة خياراته الغائية. وإذن فالكلام في منطق الفعل السياسي يختلف عن الكلام في منطق البحث العلمي لأنه من المفروض أن يكون مبنيا على ما توصل إليه البحث العلمي ليكون عملا على علم وليس \"حجامة في رؤوس اليتامى\" كما هو عند العرب. قد يعترض معترض فيقول ل كن البحث العلمي في الإنسانيات ليس لنتائجه صلابة البحث العلمي في الطبيعيات .والسياسة من الاولى وليست من الثانية .وفي الحقيقة هذه المقابلة تستند إلى وهمين :تصور صلابة النتائج وعدمها مطلقين .ل كن التقدم العلمي بين أنهما نسبيان في الحالتين. 1
-- ولما نفهم معنى الضرورة الشرطية في الطبيعيات والحر ية الشرطية في الإنسانيات نفهم أنهما تلتقيان في أن العلاقة بين المقدم والتالي هي دائما علاقة بين الأداة والغاية إذا تصورنا أن الطبيعة تفعل بقوانين الضرورة الشرطية وهي اعتبار العلاقة الواصلة بين ما يبدو علة وما يبدو معلولا تشبه العلاقة الغائية بين أداة وغاية لكأن الطبيعة تفكر إذ تفعل مثل الإنسان بقوانين منطقية. وأن الإنسان يفعل بسنن الحر ية الشرطية وهي اعتبار العلاقة الواصلة بين الاختيار الإنساني والطر يق الموصلة إليه تشبه العلاقة الغائية بين أداة وغاية لكأن الإنسان يفعل مثل الطبيعة بسنن ثابتة. وإذن فالضرورة الشرطية لا تختلف عن الحر ية الشرطية إلا بكون الأولى تستمد من الثانية منطقية العلاقة والثانية تستمد من الأولى نسقية الترابط .وبذلك يتبين أن كلتيهما تخضع لقوانين ثابتة لا تتحول ولا تتبدل تماما كما يقول القرآن وذلك من المشترك بين الفلسفي والديني. فمن يعمل على علم يعمل بها ومن \"يرمي في عماية\" يصبح \"حجاما لليتامى\" وتلك هي احكام الفعل السياسي لمن يريد أن يفهم أنها بالجوهر استراتيجية الفعل على علم بشروط قيام الإنسان فردا وجماعة وليست محرد اشباع لرغبات المهوسين بالسلطة موضوعي اليوم هو البحث في استراتيجية القوى السياسية وخطط الاستعداد للانتقال من الفوضى البدائية للفاشية إلى النظام المحكم للديموقراطية ببيان استراتيجية الأولى 2
-- واستراتيجية الثانية سواء في السياسة الداخلية للجماعة الواحدة أو في السياسة الخارجية للإنسانيةكلها. وهذه الاستراتيجية هي تحديد الشروط الأداتية بالنظر إلى الشروط الغائية في الفعل السياسي الذي يحقق وظائف الدولة إن حددهما بمقتضى ما لأجله جعلت الدول وحقق التناسب بينهما أو يحول دون تحقيقها ودون التناسب بينها .والخيار هو بين: شروط العيش المشترك السلمي في نفس الجماعة في السياسة الداخلية وبين الجماعات المختلفة في السياسة الخارجية .ولا يمكن تصور السلم الداخلية ممكنة من دون السلم الخارجية لأن الإنسانية كلها تعمل معا تنافسا وتعاونا على تحقيق شروط قيام الإنسان العضوي والروحي علل العيش المشترك في الحرب الأهلية الدائمة في نفس الجماعة في السياسة الداخلية وبين الجماعات المختلفة في السياسة الخارجية. ومعنى ذلك أن الإنسانية واحدة في السلم وفي الحرب .فكما أنه لا سلم إلا كونية فإنه لا حرب إلا كونية لأن الامرين يتعلقان بتقاسم المعمورة مكانها وزمانها من أجل شروط البقاء التي هي واحدة. والمشكل في الديموقراطيات الغربية هو أنها لا تؤمن بهذه الحقيقة فتجعل الشروط الأولى مقصورة على السياسة الداخلية وتجعل الشروط الثانية مقصورة على السياسة الخارجية. 3
-- وتلك هي العلامة الدالة دلالة قطعية على أن الغرب يعمل المعايير المزدوجة وحقيقة كونها ما تزال تعمل بعقلية قبلية القيم فيها مقصورة على الداخل في الافعال ولا دور لها خارج حدودها إلا في الأقوال. ل كن الإسلام يرفض هذا التمييز. فجوهر الرؤ ية القرآنية تعتبر البشر يةكلها جماعة واحدة وأن دولتها ال كونية هي الشرط الذي يمكن أن يحررها من الحرب ال كونية ليؤسس التاريخ على مبدأين هما: مضمون الآية الأولى من النساء التي تعتبر البشر اخوة من أم نفس واحدة وتقدم الرحم ال كوني على الرحم الجزئي تقديم الربوبية الواحدة على الألوهية المتعددة والآية الثالثة عشر من الحجرات التي تعتبر التعدد والتنوع يهدف إلى التعارف معرفة ومعروفا وتحصر التفاضل في التقوى بصرف النظر عن العرق والطبقة والجنس وحتى العقائد الدينية. وطبعا لا أزعم أن المسلمين طبقوا هذين المبدأين أو حتى أدركوا دلالتهما القرآنية لأنهم جعلوا الخاص ينسخ العام عامة في حين أنه لا ينسخه إلا في حدود علة التخصيص إذ لو صح هذا الفهم لما بقي في القرآن أدنى معنى للمبادئ العامة. وبهذا فإنه نفس سخافة ما يزعمون من أن آية السيف الغت التعددية الدينية في حين أنها شرط التسابق في الخيرات أولا وشرط البحث عن بين الرشد من الغي وأخيرا فهي ثمرة لا إكراه في الدين .فالدولة الإسلامية بخلاف الامبراطور يات ليست دولة من بين الدول إلا كأمر واقع. 4
-- ل كنها من حيث المبدأ والرؤ ية دولة كونية تشمل البشر ية كلها بكونية القيم والمعايير القرآنية وهي لا تفرضها على غير المؤمنين بها بل تترك لهم حر ية الاختيار لأن الإيمان ينبغي أن يكون ثمرة تبين الرشد من الغي وشرطه البحث الحر عن الحقيقة وعدم الاكراه في الدين. ولما كانت ال أداة السياسية الحديثة في الغرب أي الأحزاب ما تزال بهذا المعنى الذي وصفت أداة تعمل بمنطق القبلية حتى وإن توسعت القبيلة لتصبح أمة أو حلفا بين أمم هي الشعوب التي تنتسب إلى دولهم ،فإن ما سأتكلم عليه يتجاوز الحزبيات بمعناها الغربي الحالي إلى صورة أخرى لا تميز بين الداخل والخارج وتعتبر القيم كونية بمقتضى رؤ ية القرآن ال كريم. ولن أعجب إذا لم يصدق ادعياء الحداثة هذا القول لأن من ثقافته لا تتجاوز بيع الفريب الشعار ية من الحداثة لا يفهم أن تصنيف الأحزاب بالمعيار الذي حصل صدفة في برلمان الثورة الفرنسية هو الذي يجعلها لم تتجاوز القبلية القيمية فيجعل الديموقراطية لها بعض المصداقية في سياستهم الداخلية وجوهر النفاق في سياستهم الخارجية. تصنيفي ينطلق من عنوان مقدمة ابن خلدون\" :علم العمران البشري و(علم) الاجتماع الإنساني\" .فهو يعرف اكتشافه العلمي الذي كان هدفه نقد التاريخ لجعله يصبح علميا وفلسفيا رغم كون الفلسفة كانت تعتبره غير قابل لأن يكون من علومها (أرسطو) بمفهومين يختلفان من حيث الغاية اختلاف عرفه ابن خلدون تعر يفا جامعا مانعا: 5
-- ومجموعهما هو العيش المشترك السلمي في نفس الجماعة وبين الجماعات ومن ثم فهي معايير كونية لا يمكن تطبيقها في الداخل فحسب بل هي لا تكون فاعلة إلأ إذا طبقت في الداخل والخارج في آن. ولما كان المستوى الأول بالمعنى الخلدوني يسمى في القرآن ال كريم \"الاستعمار في الأرض\" والثاني يسمى \"الاستخلاف في الأرض\" فإن التلازم بينهما هو شرط العيش المشترك السليم داخليا وخارجيا. ومن دونهما تكون الجماعة الواحدة وكل الجماعات في حرب أهلية وطنية وعالمية لا تتوقف بسبب الحاجة إلى تقاسم المعمورة مكانها وزمانها. من هذا التحليل ينتج أن الأحزاب التي ينبغي أن تعتبر أدوات هذه السياسة للتداول على تسيير الدول قوامة لوظيفتيها رعاية تكوينية وتموينية للإنسان وحماية داخلية وخارجية للجماعة الوطنية والإنسانية ينبغي أن تكون مرجعيتها خاضعة لهذه المعايير التي من دونها لا وجود لعيش مشترك سلمي. ولما كانت وظائف الرعاية بفرعيها شرطها البحث العلمي واعلامه في شروط التكوين بفرعية أي تمكين الإنسان من القدرة على انتاج التراث والثروة والتموين بفرعيه أي: 6
-- فإن الشعوب التي ينعدم فيها البحث العلمي واعلامه أو ينخرمان فيها كالحال عند العرب حتى صارت الجامعات طواعين ترحي الرغاوي لا يمكن أن تحقق دولها هذه الوظائف بسبب فساد قواها السياسية التي ترمي في عماية والعلمية بحثا واعلاما لا يثمران إلا الثرثرة التي لا تسمن ولا تغني. ولما كانت وظائف الحماية بفرعيها شرطها الاستعلام السياسي واعلامه ليس في شروط قيام القوة الحامية للدولة والجماعة بوظائف الحماية الخمسة أي القضاء والأمن والدبلوماسية والدفاع والاستعلام واعلامه بل وكذلك في شروط قيام الجماعة بوظائف الرعاية الخمسة أي التربية التراثية والتربية الانتاجية والتموين الثقافي (التراث المعرفي والذوقي) والتموين الاقتصادي (الثروة المادية والرمزية) فإن المسألة السياسية صالحةكانت أو فاسدة ترد إلى صلاح القوى السياسية وبرامجها ومرجعياتها (الأحزاب) وصلاح البحث العلمي واعلامه شرطا في الرعاية خاصة وصلاح الاستعلام السياسي واعلامه شرطا في الحماية خاصة أو فسادها. وتلك هي الشروط الخمسة لقوة أي جماعة أي مناعتها المادية وحصانتها الروحية. وهي الشروط التي يجعل غيابها شبه الكامل في بلاد العرب والمسلمين تفسيرا كافيا لحال الامة الذي علينا تداركه للتمكن من الاستئناف. ولما كانت السلطة السياسية القيمة على الشأن العام نيابة عن الجماعة الحرة وغير التابعة هي القوى السياسية لأن بقية القوى تعتبر من شروط فعلها الأداتية لتحقيق غاياتها 7
-- المادية مناعة والروحية حصانة وذلك هو معنى قوامتها فإن كل المشكل يعود إلى حقيقة القوى السياسية ما هي وكيف يمكن أن تكون محققة للهدف من الدولة. فهدف الدولة أي دولة -هو قوامة الرعاية والحماية بالنيابة عن الشعب فرض كفاية ل كن الرعاية والحماية غير قوامتها ال كفائية فهي تحقيقها فرض عين. أما القوامة ال كفائية فهي ما ينقل قوامة الدولة من كونها متمثلة في كيان اعتباري هو المؤسسات والقوانين إلى كونها متعينة في من اختارهم الشعب لتمثيل إرادته تحت مراقبته ومحاسبته. وتلك هي علة الحاجة إلى التداول على السلطة حتى يكون المنحنى العام في تصاعد نحو تحقيق تلك الغايات بآلية التناقد المتبادل بين الحاكم والمعارض. فالتداول يعتمد على توازن القوى في الجماعة بين الحكم والمعارضة لأن الشعب هو الذي يختار من يحكم ومن يعارض بأن يقدم الأول بمعيار الترجيح الأغلبي ويبقي على الثاني بمعيار النقد الأقلي الذي يقد يصبح أغلبيا إذا فضل من قدمه. فلو طبقنا مبدأي ابن خلدون لكانت القوى السياسية تنقسم إلى التي تعتبر المشكل السياسي متعلقا بالاستعمار في الأرض حصرا وإلى التي تعتبر المشكل السياسي متعلقا بالاستخلاف فيها حصرا. وهما الحدان المتطرفان أولهما لا يعترف إلا بالقيم المادية والعمران الاقتصادي والثاني لا يعترف إلا بالقوة الروحية والاجتماع الثقافي. 8
-- ل كن سرعان ما يكتشف الاول أن القيم المادية نفسها بحاجة إلى التعاون أولا والتعاون يحتاج إلى التعاوض والتعاوض لا يمكن أن يحقق التسالم من دون عدل فيه: ولما كانت القيم المادية موضوع التبادل لا تمثل ثروة إلا بفضل علاقة العرض بالطلب فالحاجة إلى من يطلبها تقتضي توسيع السوق إلى منتجيها من العمال وإلا لن يكون لمنتجها سوق فإن الموقف الأول الذي يغلب على الاستعمار في الأرض يصبح متنافيا مع ذاته و يأخذ شيء مما يدعو إليه الموقف الثاني :لو سمينا ذلك علاقة بين اليمين واليسار لكان الحزب الثالث يسار اليمين. ولما كانت القيم المعنو ية موضوع التواصل لا تمثل تراثا إلا بفضل علاقة الخطاب بالتلقي فالحاجة إلى من يفهمه يقتضي توسيع \"الأجورا\" (الساحة العامة للمشاركة في التواصل والتفاهم بما في ذلك حول الشأن العام وهو جوهر السياسي) وشرطها تجاوز الغرق في الشأن المادي عند تحرر من التبعية المادية بفضل سدها فينتج الحزب الرابع الذي يغير الموقف الثاني ويمكن تسميته بمين اليسار بالمصطلح السائد. فيكون التصنيف الخلدوني مولدا لأربعة قوى سياسية متماز ية بخياراتها القيمية وليس بصدفة الجلوس في مجلس نواب الثورة الفرنسية: 9
-- و يبقى من لا ينتسب إلى أي منها مصدرا أو معينا لمن يناوس بينها ليصبح تابعا لواحد منها إما لمصلحة أو لقناعة .وهو الحزب الخامس او الوسط الذي هو في آن معين وانتهازا: فمن حيث هو معين هو ما يسمى بالمجموعة الصامتة وهي في العادة الغالبية التي لا يعنيها الشأن العام إما لأنها تعاني من مشكل في سد الحاجات لنقص أو (الفقر) لز يادة (الترف) .وهما في الحقيقة متشابهان: كلاهما يعاني من نفس المرض ولهذه العلة فغالبا ما تكون تلك غاية فساد الشأن العام حتى إن ابن خلدون جعله علاقة نهاية الدول الحتمية. ومن حيث هو انتهازي هو حزب الذين لا دين لهم ولا مرة وهم مع الرابح في الانتخابات إذا احتاج إليهم وهم في الغالب من الأراذل الذين يستمدون من الحاجة إليهم في الأغلبيات وزنا لا يمثلونه حقا ل كن الحاجة إليهم تعطيهم وزنا في الحكومات المهددة بفقدان الأغلبية بسبب انسحابهم إذا رأوا في ذلك ربحا أكبر. 10
-- انهيت الفصل الأول من المحاولة أي النتيجة التي سأصل إليها في الفصول الموالية. وهي تعالج الاشكالية بالتعيين التاريخي والتطبيق على تونس خاصة .فإلى الفصل الموالي إن عشنا لنشرع في عرض الاستدلال بعد عرض النتيجة. 11
-- تونس في :2022.04.18 بدأت الكلام في الفصل الأول على ثمرة البحث وغايته بعكس المعهود قبل الاستدلال الموصل إليها .ل كني لم أشر إلى العامل المحير في معيار تصنيف القوى السياسية .وقد أجلته إلى هذا الفصل الثاني رغم كونه هو العلة الرئيسية لقلب الترتيب بين الغاية والبداية في كل استراتيجية سياسة .فهذا الأمر المحير هو المدخل لعرض البنية العامة التي اعتمدتها لتصنيف القوى السياسية أو الأحزاب تصنيفا جديدا ليس كافيا للتمييز بين القوى السياسية لأنه يبدو وكانه خاص بالرؤ ية الإسلامية. ل كنه يشملها ويشمل نقيضتها إذا اكتفينا بالحدين الأقصيين في الرؤى الوجودية ويشمل ما يترتب على تأثير الأولى في الثانية والثانية في الأولى وأصلها جميعا كما سنرى. لذلك فهو المحير حقا ليس لهذا الشمول فحسب بل لأنه يمثل البنية العميقة لكل واحدة من القوى السياسية مهما ما بدى بينها من تناقضات يجعلها تصل إلى حد التنافي والصراع الأبدي. 12
-- ولولا ذلك لقبلت باعتماد الصدفة التي حصلت في برلمان الثورة الفرنسية لتصنيف القوى السياسية التي حافظت على ما ورثناه من الأسماء السائدة لتصنيف القوى السياسية أو الأحزاب تيسيرا لفهم القصد من التصنيف الجديد الذي يختلف عنها شديد الاختلاف عند النظر إلى المسمى وعدم الاقتصار على الاسم. وحتى نفهم ذلك فينبغي أن نصل الامر بما يجعل القيم التي تعمل بها القوى السياسية الغربية ما تزال ذات ذهنية قبلية لأنها تعتبرها صالحة في الداخل تعمل بنقيضها في الخارج ما يفقدها طابع القيم ال كونية ويجعلها بالجوهر تؤمن بازدواجية المعايير والنفاق :والمثال هو الديموقراطية وحقوق الإنسان شعارين في الخارج دون حقيقتهما ما ينفي عنهما ال كونية الفعلية. وذلك ما ينبغي استكماله حتى نفهم العلة التي تجعلها مختلفة بالجوهر لمعايير التصنيف الجديد الذي أساسهكونية المعايير ونفي ازدواجيتها والنفاق المصاحب لها .فنفس هذه المعايير تكون قبلية أو إنسانية بمقتضى المرجعية التي تؤسسها وليس بحد ذاتها. 13
-- وفي ذلك يكمن الشمول الذي أتكلم عليه :فال كوني يشمل الخصوصي وليس ما يجعلهكونيا عندما يدعي الخصوصي أنه هو الوحيد الممثل للكلي فيخرج منه من لا يتميز بتلك الخصوصية. وذلك هو أصل الخصوصية العرقية والطبقية والثقافية والجنسية فتكون الإنسانية مسلوبة في كل هذه الحالات لحصرها في عرق أو في طبقة أو في ثقافة أو في جنس ذكر أو انثى بحصر ما يزعم قيما كونية في المتميزين بإحدى هذه الخصوصيات. وهذا هو المنطق القبلي السائد في الغرب لأن القيم ال كونية خارج حدود جماعته ليست إلا أسماء عديمة المسمى للنفاق السياس ولا حقيقة لها. لذلك ففي الرؤ ية التي أصنف بها القوى السياسية بخلاف التصنيف الاتفاقي الذي حصل بالصدفة في مجلس نواب الثورة الفرنسية له خاصية تحديد القوى السياسية وتصنيفها في آن ما يعني أن معاييره ليس إضافية إلى اختلافها بمقوماتها -مادامت واحدة فيها جميعا وهو معنى كونها قوة سياسية-بل هي إضافية إلى مرجعياتها القيمية من حيث ال كونية والخصوصية. فكل قوة سياسية لها الأبعاد الخمسة-أي الحدين وتفاعلهما واصلهما-الأبعاد التي صنفت بها القوى ل كنها مختلفة إلى حد التناقض عند وصلها بالمرجعية التي 14
-- تؤسسها على القبلية فتجعلها مقصورة على الداخل أو على ال كونية التي تجعلها شاملة لجميع البشر ولا تميز بين داخل وخارج :وتلك هي الرؤ ية ال كونية التي يقول بها الإسلام. لذلك فالمعايير التي صنفت بها القوى السياسية رغم كونها صالحة في كل قوة سياسية لا تصبح صالحة للمفاضلة بينها إلا عندما تكون كونية تشمل الإنسانية كلها وليست جزئية تقتصر على القبلية مهما اتسعت .إنها إذن بنيةكل قوة سياسية أو حزب على حدة ولا تتفاضل بوجودها فيها بل بكيفه الجزئي أو ال كوني. ومعنى ذلك أن أي حزب كبيرا كان أو صغيرا يتألف من الصفات الخمس التي ميزنا بها بين القوى السياسية أي إن فيه: • من هو مع الموقف اليميني • ومن هو مع الموقف اليساري • ومن فهم حاجة الأول لجرعة من الثاني وهو يسار اليمين • ومن فهم حاجة الثاني لجرعة من الأول وهو يمين اليسار • ومن هو من الوسط الصامت أو الانتهازي. والمشكل هو :كيف يبقى مع ذلك معيارا لتصنيف الأحزاب وهو في آن بنية أي حزب عامة؟ 15
-- ذلك هو السر الخفي الذي سيمكن من تقديم الحل للإسلاميين ولخصومهم في آن من خلال تحديد طبيعة الخلاف بينهم ومن ثم البحث عن الحل المحقق لشروط التعايش السلمي بين رؤيتين للوجود متناقضتين تماما ل كنهما بمقتضى نص القرآن الصريح قابلتان لحل يمكن منه. فما يتقابل به الإسلاميون وخصومهم يتعلق بمرجعية ابستمولوجية وأكسيولوجية وليس بخيارات سياسية فحسب .وفي ذلك كان القرآن ال كريم أبعد غورا من كل الرسالات السابقة ومن كل الفلسفات السابقة .فهو غرضه الأساسي وهو ما لأجله وضعت هذا التعر يف الجديد للسياسي إذ اعتبرته ناتجا عن بعدي كيان الإنسان من حيث هما أساس علاقته بذاته وبغيره من البشر ثم بمحيطه الطبيعي والتاريخي وتفاعل البعدين في هذه العلاقات التي هي لحمة سدى الشر يعة الإسلامية وسداها. والأساس نجده في آية واحدة من القرآن يمكن اعتبار القرآن كله تفسيرا لها بما استبدل به اللجوء إلى المعجزات الخارقة للعادات والنظام في الأديان السابقة بالاكتفاء ببيان ما سميته المشترك بين الديني في كل دين مع الفلسفي في كل فلسفة :العادات والنظام في كيان الإنسان وفي آفاقه. 16
-- إنها الآية الثالثة والخمسين من فصلتَ \" :سن ُرِيه ِ ْم آي َاتنِ َا ف ِي ا ْلآف َا ِق وَف ِي َأنفُسِهِ ْم َح ّتَ ِّى ي َت َبيَّ ِّ َن ل َه ُ ْم َأ َنّ ِّه ُ ا ْلح َ ِّ َّق َأوَل َ ْم ي َ ْك ِف ب ِرَب ِّ َك َأ َّن ِّه ُ ع َل َى كُ ِّل ش َ ْيءٍ ش َهِيدٌ\" .وهي الآية التي تحدد ما أطلقت عليه اسم المعادلة الوجودية المحددة لبنية القرآن ال كريم العميقة وهي بنية ما يسميه ابن خلدون \"معاني الإنسانية\" التي تفسدها التربية والحكم العنيفين -جوهر الفاشيات-إذ هما علامتا السياسة الفاشية المميزتان في مقابل السياسة الإنسانية التي تحددها الآية الثامنة والثلاثين من الشورى: فلو اعتبرنا \"الآفاق\" هي كيان العالم المحيط بالإنسان أي محيطه الطبيعي ومحيطه التار يخي: واعتبرنا \"أنفسهم\" هي كيان الإنسان العضوي والروحي المتصلين بذاته وبمحيطيه مباشرة وبتوسط الجماعة لحصلنا على العناصر التي تتألف منها المعادلة الوجودية التي تتجلى فيها آيات الل ِّه للإنسان من حيث هو إنسان بصرف النظر عن العرق والطبقة والثقافة والجنس. فيكون ما يشترك فيه جميع البشر هو المعتبر وهم يشتركون بما يرون به ما يرونه من آيات الآفاق والانفس أعني أن المشترك بينهم هو كونهم مجهز ين بالقدرتين المشتركتين بينهم جميعا أي: 17
-- • بالقدرة النظر ية المؤسسة لتفاعله بكيانيه مع محيطية معرفيا • والقدرة العملية المؤسسة لتفاعله بكيانيه معهما قيميا ولوجدنا حينها معنى تبين الإنسان من حيث هو إنسان يكفي أن يستعمل قدرتيه حتى يتبين ليرى هذه الآيات حتى يدرك معنى ال كونية التي يتضمنها القرآن ال كريم من حيث هو مضمون الرسالة التي تخاطبه من حيث هو إنسان وليس من حيث عرقه ولا طبقته ولا ثقافته ولا جنسه .ومن ثم فالمدار يتجاوز الحدود السياسية التي تجعل القيم قبلية بالعرق أو بالطبقة أو بالثقافة أو بالجنس. فيكون المميز بين أساس الموقفين المحددين للقوى السياسية بأبعادها الخمسة التي تشترك فيها كلها أساسهما المرجعي هو الوصل بين تجهيزي الإنسان ومحيطيه وصلا يجعلهما يلتقيان في: \" َأوَل َ ْم ي َ ْك ِف ب ِرَب ِّ َك َأنَّ ِّه ُ ع َل َى كُ ِّل ش َ ْيءٍ ش َهِيدٌ\" أي في الإيمان بالرؤ ية التي تجعل كيان الإنسان ببعديه وكيان محيطه ببعديه كلاهما موصول بعالم متعال عليهما هو حقيقة الإنسان التي تتجاوز بقية الفروق بينهم. 18
-- وهما يحيلان إليه بما فيهما من الغيب سواء وعي الإنسان به فآمن بوجوده أو لم يع به فأنكر وجوده :وذلك هو المميز للقوتين السياسيتين الحدين أي التي يصفها القرآن: • بالاستجابة الحرة للرب (الإيمان بما يتعالى على الإنسان ببعديه وعلى عالميه الطبيعي والتاريخي) • بنقيضتها التي يمكن وصفها بالاستجابة المضطرة للرب (ال كفران بما يتعالى مع تحييث نظير له في الإنسان ببعديه وفي عالميه). ومعنى ذلك أن القوى السياسية لها حدان اقصيان هما الاستجابة الحرة والاستجابة المضطرة لما يتعالى على الأمر الواقع في كيان الإنسان العضوي والروحي وفي كيان العالم الطبيعي والتاريخي والمعيار يرد من ثم إلى الموقفين المعرفي والقيمي أي إلى الرؤيتين الابستمولوجيتين والأكسيولوجيتين اللتين تمثلان مرجعيةكل منهما: فالقوى السياسة التي لا تقبل الأمر الواقع الوجودي وتعتبره مكتف بنفسه تفصل بين ما تعمله منه وما لا تعلمه فتؤمن بوجود غيب متعال عليه وعليه تؤسس علمها الذي تنفي عنه الإحاطة مؤمنة بأنه فوق كل ذي عليم وعملها 19
-- الذي تنفي عنه التمام مؤمنة بأن قيمته لا تكفي إرادته لتحديدها .فقد يكون ما تظنه خيرا شرا وما تظنه شرا خيرا. و يترتب على ذلك أن يكون موقفها المعرفي اجتهادي لا إطلاق فيه وموقفها القيمي جهادي لا تمام فيه ومن ثم فعلم الحقيقة الإنساني كله نسبي وعمل القيمة الإنساني كله نسبي والنسبية في الحالتين هي التي تمكن من كونية نسبية تجعلهما مشروطين بتحقيق شروط التعايش السلمي بين البشر رغم الاختلاف في النظر لإدراك الحقيقة وفي العمل لإتمام القيمة لأن العلم المحيط لل ِّه والعمل التام لل ِّه دون سواه .ومن يدعيهما يتأله فيصبح طاغية إما باسم العرق أو باسم الطبقة أو باسم الثقافة أو باسم الجنس. والقوى السياسية التي يكون موقفها المعرفي قائلا بالمطابقة والاحاطة المعرفيتين وموقفها القيمي قائلا بالمطابقة والتمام القيمين يؤلهان الإنسان الذي يتصف بصفاتهم العرقية والطبقية والثقافية والجنسية فيصبحان طغاة بالجوهر ولا يمكن أن يتوفر لديهم العيش المشترك السليم إذ كل جماعة تدعي أنها هي ربة الحقيقة والقيمة المطلقتين ولا تعترف بالإنسانية إلا لذاتها وتنفيها عمن عداها. وتلك هي العلة في كل الحروب التي يبررها في الظاهر هذه المعتقدات ل كنها في الحقيقة تعود إلى الصراع من اجل الحصة في ثورة العالم ومكانه والحصة من 20
-- اجل الحصة في تراث العالم وزمانه بدلا من القول بالمبدأين المؤسسين للتحرر من هذه الصراعات أي: مبدأ الأخوة البشر يةكما تحدده الآية الأولى من النساء تقديما للرحم ال كوني الواحد (من نفس واحدة) على الرحم الجزئي المتعدد (من ام واب مختلفين) وللربوبية الواحدة (كل البشر مربوبين) على الألوهية المتعددة (الفروق بين الآلهين). ومبدأ المساواة بين البشر لأن تعددهم يهدف إلى التعارف معرفة ومعروفا وحصر التفاضل في التقوى كما تحددهما الآية الثالثة عشرة من الحجرات .وهي تعني احترام القانون الذي يسوي بينهم أمام الل ِّه يمكن أن نقيس عليه حتى القانون الوضعي. 21
-- تونس في :2022.04.17 استعملت مصطلحات في الفصلين الأول والثاني قد لا تكون صالحة للكلام على غير المسلمين لأنها كلها ذات مرجعية قرآنية حتى وإن قبلت تقديمها وكأنها نظير مصطلحات مشتقة من تصنيف القوى السياسية الذي حصل بالصدفة في الثورة الفرنسية .ل كني سأثبت-وقد بدأت في الفصل الثاني -أنها مع ذلك مصطلحات ذات دلالةكونية لأن ما تفيده بالإيجاب يفيده نفيها بالسلب من جنس العلاقة بين رؤ ية هيجل ورؤ ية ماركس. فلا يتجاوز النفي الخلاف الاسمي في المصطلح ولا يمس دلالته الفلسفية إلا عندما نغفل عما يقتضيه المسمى .فحتى من لا يقول ببعدي الاكتشاف الخلدوني-المميز بين العمران والاجتماع -وعلاقته ببعدي الإنسان من حيث هو مستعمر في الأرض ومستخلف فيها لا يمكنه ألا يميز بين القانون والمرجعية التي تؤسسه .ولا يهم إن نسبها إلى الطبيعة لنفيه التعالي وقوله بالمحايثة رفضا لمفارقة التعالي لأن ذلك لا يغير حقيقة العلاج الذي يعود في الحالتين إلى: • مسألة ابستمولوجية حول الأساس المعرفي لدور العقل في التاريخ الإنساني. 22
-- • ومسألة أكسيولوجية حول الأساس القيمي لدور الإرادة في التاريخ الإنساني. فإشكال الموقف السياسي كله يكون في الحالتين متعلقا بمدى اكتفاء النظر والعمل اللذين يقضي بهما الإنسان في خياراته بذاتهما ليكونا كافيين للقول بعالم مكتف بذاته ومغنيا عما يتعالى عليه سواء كان محايثا أو مفارقا أو العكس من ذلك. فتكون الإشكالية واحدة رغم ما يبدو من تناقض بين الحلين .ومن ثم فلا يمكن الحسم في معيار تصنيف القوى السياسية من دون الحسم في مرجعياتها المؤسسة لخياراتها وحلولها والتي تعود إلى الرؤ ية المعرفية للحقيقة (العقل) والرؤ ية العملية للحق (الإرادة) .فالخلاف بين الملحد من العلمانيين وغيره متعلق بهذه المقابلة لأن الملحد لا يدعي أن حقوق الإنسان مثلا نزواتية بل هو يعتبرها حقوقا ذات أصل في الطبيعة الإنسانية التي يعتبرها مكتفية بذاتها وغنية عن متعال عليها هو الرب عند المؤمن .ل كنه يميز بين الطبيعة الطابعة التي يعلل بها كون الطبيعة المطبوعة مطبوعة بذلك الطبع. وبعد هذا التوضيح الضروري لئلا يظن أني أطلق الرؤ ية القرآنية لأني مسلم وليس لأنها تشمل المسلم والملحد شمولا يعلل ما يقبل به الإسلام من التعدد 23
-- الديني والإلحاد أحد الأديان التي تؤله الطبيعة (الحج )17فإن ما سأقدمه ليس إلا مثالا ممكن لاستراتيجية تكوين القوى السياسية-الأحزاب-التي تمثل أداة التداول السلمي على الحكم والمعارضة. فهي تفترض دائما على الأقل قوتين سياسيتين كبر يين تضمنان الاستقرار مع هوامش تمثل معين مكمل لهما بقوى سياسية صغرى تقل أو تكثر وهي لا تتجاوز ثلاثة إذا كانت ذات وظيفة فعلية ولا تكرر ما عداها وهي طرفاهما والوسط بين ما يخلص من تطرف طرفيها بالإغناء عنهما إلا في حالات الأزمات التي تمر بها الجماعات أحيانا فتعود إلى تطرفيهما: أقصى اليمين: وهو المقصور على الاستعمار في الأرض والاقتصاد وتركيم الثروات ولا يؤمن بقيم الاستخلاف في الأرض لأن الدين عنده مجرد عبادات تستعمل أداة سياسية ومثاله التشيع والرؤ ية الفولتار ية للدين. أقصى اليسار: وهو المقصور على الاجتماع وتوز يع الثروة ويرفض قيم الاستخلاف لخلطه بين الدين الذي يرده إلى توظيفه السياسي ومثاله الماركسية واليعقوبية تسليما بالرؤ ية السابقة ممثلة للرؤ ية الدينية السليمة. 24
-- • اليمين المعدل بالبعد الاجتماعي بمعناه اليساري :مثال الديل بعد أزمة 29والرؤ ية الكاينز ية • اليسار المعدل بالبعد الاقتصادي بمعناه اليميني :اليسار الحديث في أوروبا • الوسط بين الطرفين المعدلين وهو يناوس بينهما إذا انتظم في حزب ل كنه يبقى المعين الذي تصدر عنه الأربعة السابقة لأنه يمثل الأغلبية الصامتة التي ليس لها التزام حزبي معين ومنها تتكون الأحزاب بالتدريج ممن يخرج من الأغلبية الصامتة ليسهم في العمل السياسي المنتظم. ولما كانت القوتان السياسيتان اللتان يمكن أن تعتبرا متقاربتين من حيث الوزن الانتخابي والتمثيل الشعبي في تونس قد تحددتا من بداية الحركة الوطنية لأنهما تفرعتا عن نفس القوة التي انقسمت إلى حزبين هما: حزب يتقدم فيه التأصيل على التحديث دون أن يلغي الأول الثاني وهو حزب الثعالبي وهو الأصل ويمكن اعتباره أصل الحركة الوطنية الأول .وهو في الحقيقة محاولة للنهوض دون القطيعة مع طموح لاستعادة وحدة ما لدار الإسلام كلها. وحزب يتقدم فيه التحديث على ال تأصيل دون أن يلغي الأول الثاني وهو حزب بورقيبة وقد بدأ بوصفه فرعا ثم صار أصل الحركة الوطنية الثاني ل كنه 25
-- بالمقارنة مع السابق يبدو قد يئس منه الاستئناف وسلم بالدولة القطر ية ربما بسبب محاكاة أتاتورك. وهما إذن يتحدان في الم كونين ويختلفان في نسبة دوريهما ويتحدان حتى في الاسم ولا يختلفان إلا بعبارة المقابلة بين القديم والحديث أي بتغليب المميز في علاقة التأصيل والتحديث دون أن يخلو أي منهما مما في الثاني .ولما كان الحزب البورقيبي هو الذي حكم البلاد بعد الاستقلال وحزب الثعالبي هو الذي عارضه معارضة وازنة إلى بداية الاستقلال وسيطرة رؤ ية بورقيبة فإن المشكل الذي يعني الشعب التونسي وصار مدار كل الخلاف الجوهري في الرؤى هو النسب بين حظ التأصيل الذي تضاءل والتحديث الذي تزايدت فشروه دون حقيقته فصار ذلك عين معادلة التقابل بين البورقيبين القشور يين في التحديث والإسلاميين القشور يين في التأصيل وخاصة بعد ما وقع انقلاب ابن على وتحول الحكم إلى سلطة مافياو ية محضة. وقد ضم انقلاب ابن علي إلى نظام حكمه المافياوي معارضي البورقيبة الهامشيين اللذين كانوا يزايدون على بورقيبة إما في النعرات القومية المستوردة من الشرق أو في النعرات الإلحادية أي الماركسية واليعقوبية المستوردة من الغرب .ثم تكونت الحركة الإسلامية التي صارت تزايد على بورقيبة بدعوى 26
-- التأصيل بمنطق لم يكن ذا صلة بما تتميز بيه رؤ ية الثعالبي لأنها كانت مبنية على أدبيات اخوانية وشيعية. ل كن المعارضتين الأوليين هما السند الذي مكن لابن علي واعطياه حزاما سياسيا مكنه من تهميش الرؤ ية البورقيبية ثم التحق بهكل السياسيين الذين لا رؤ ية لهم وثلاثتهم يمثلون سند الدمية الأساسي حاليا مع تدخل صريح لفرنسا وإيران واسرائيل بتمو يل من عرب الثورة المضادة. ولما كانت المز ية الوحيدة التي يمكن أن انسبها إلى قوسي النكبة التونسية الحالية التي فتحها الدمية وستغلق قريبا أنها وضحت هذه المعادلة فإن الاستراتيجية التي سأقترحها هي عين التي اقترحتها يوم قبلت الترشح مستقلا على قائمة تونس الأولى في حركة النهضة دون الانتساب إلى الحزب. ولما كان الحزب البورقيبي لم يستطع السبسي إحياءه إذ هو قد فشل في مشروعه لإدخاله ال كثير من معارضي بورقيبة ومن المتخلين عن الرؤ ية البورقيبية بعد أفول نجم صاحبها معارضيه الذين أصبحوا خدم ابن علي فيه واعتمد على مافيات اتحاد العمال واتحاد الأعراف ليزن ضد الإسلاميين وكانت الزغراطة كذبة كبيرة لا وزن لها حقا فإن قوى تونس السياسية تقبل الرد إلى تفتتين هما داء الوضع الدوي: 27
-- فتات قواعد معارضي النهضة \"قد شعر الراس\" مع عدم الوزن الانتخابي لأنهم لا يوحدهم مشروع موجب بل العامل الموحد الوحيد هو دعوى الحداثة والتقدمية وتعني التحديث العنيف بأدوات الدولة ومعارضة الإسلاميين. وفتات قاعدة النهضة التي انقسمت فعليا إلى ثلاثة أحزاب أي ما بقي منها تلاه ما انضم من شبابها إلى الائتلاف حديث النشأة وما تلاه من انشقاق اليائسين من الوصول إلى المسؤولية فيها بسبب تمسك جيلها الأول بال كراسي ورفض التداول. لن اقترح حلا لغير التيار الإسلامي الذي بات مهددا بالتفتت مثل اعدائه. ل كن كل ما اقترحه عليه يمكن أن يكون اقتراحا لأعدائهم لأن فيه تحديا قد يدفعهم هم بدورهم إلى تطبيقه حتى يكون لهم وزن في الرد على التحدي بما يماثل مشروع منع التفتت الذي اقترحه على الإسلاميين. ل كني لن اقترح حلا إيجابيا لتوحيدهم لأن ذلك يقتضي أن يقبلوا التداول السلمي فيقوموا بما يقتضيه أي التخلي عن الذهنية الاستئصالية طوعا أو كرها. وذلك ما قد اساعد على بيان الشروط التي ستضطرهم إليه .فهذ الفتات مؤلف من الطيف المتعدد تعددا فوضو يا يتنافى مع تكوين قوة سياسية وازنة ما يجعل 28
-- الحزيبات التي صنعوها عديمة القاعدة المتينة فكانت نخبهم من جنس جنرالات الجيش الم كسيكي: بعضهم يدعي الحداثة والعالمية وهو أكثر نخب البلاد امية ورمزهم في الجامعيين عبد المجيد الشرفي وال كثير من طلبته الذين يزعمون التخصص في الحضارة. وبعضهم يدعيهما مع القومية المتذيلة لما يسمى بالمقاومة وهم عملاء إيران والفاشيات العربية التابعة لها وأقصى ما يحلمون به الانتساب إلى مليشيات تعمل عند حفتر ليبيا أو نعجة دمشق. وبعضهم ممن تخلوا عن الرؤ ية البورقيبية دون هذين الدعو يين وانضموا إلى مافيات ابن علي وقد اندس بعضهم في جل الأحزاب طمعا في ال كراسي مثل حزب النهضة وحزب ابن جعفر والمرزوقي والشابي. وجميعهم في الحقيقة تحولوا إلى خدم يعملون عند مافية ابن علي بعد أن عارضوا بورقيبة مزايدة عليه في الحداثة والعلمنة أو انتسبوا إلى حزبه انتسابا انتهاز يا وهم كل الذين عملوا مع مافية ابن علي .وبهم تحاول عبير احياء حزبه وستفشل لأنها لن تكون أقدر من السبسي على ذلك. 29
-- فهؤلاء لا يوحدهم شيء غير مشروع تخريب تونس ما ظلوا تابعين لفرنسا وإيران وإسرائيل وممولين من الثورة العربية المضادة .ولما كنت اعتقد أن تونس لا يمكن أن تمشي برجل واحدة فإني اعتقد أن تكوين حزب كبير يوازن الإسلاميين أمر ضروري. واعتقد -وهذا ما يمكن أن اساعدهم به إذ لو علموه لسارعوا لهذا الحل بدل الانتظار الذي لن يوصلهم إلى شيء .فلا أمل في انقلاب عسكري يعوض الدمية فيوصلهم إلى الحكم ولا في تدخل أجنبي كما جرت العادة لفرضهم على الشعب ومن ثم فهم سيضطرون للبحث عن حل يتمثل في التسليم بضرورة التعايش السلمي مع الإسلاميين وتحقيق شرط التداول معهم بالتوحد. وقد يجدوا قيادات تابعة للذين انشقوا على بورقيبة بسبب المطالبة بالتعدد والديموقراطية منذ بداية الثمانينات أي طيف المستيري ومزالي مثلا سيوحدهم إذا رأوا خصمهم الانتخابي سيزداد قوة ولن ينالوا أي امكانية للحكم من دون التوحد .وإذن فما سأقترحه حتى وإن كان لا يتعلق بهم مباشرة فإنه سيكون دافعا كافيا ل كي يفكروا بجدية في الوحدة استعداد لشرط التداول السلمي على الحكم والمعارضة لأن الانقلابات لم تعد ممكنة. 30
-- فمنذ أن فهمت أمريكا أنه من مصلحتها أن تسود الديموقراطية ليس حبا في الشعوب أو إيمانا صادفا بحر يتها بل لأن ذلك هو شرط تقو ية صفها في التنافس مع الفاشية التي صارت تهدد منزلتها في العالم بات على الفاشيات العربية عامة والتونسية خاصة الاستسلام للواقع الديموقراطية وتحقيق شرط التداول على الحكم بالصندوق لاستحالة الانقلاب وفقدان الدور الذي كان يعتمد على السند الخارجي .وإذن فمقترحي يتعلق بتوحيد الإسلاميين وجعلهم قوة يعسر تخطيها حتى لو اجمع كل إسلاموفوبيي العالم على مواصلة الحرب على الإسلام ودوره في بلاد العرب والمسلمين. وخاصة لأن امريكا فهمت ذلك بعد تجربة ضيعت فيها نصف قرن دون ثمرة إذ فشلت حتى في أقل شعوبه تمكنا من أدوات العصر :تبين لأمريكا أن الاسلام عقيدة اخرو ية لتنظيم الحياة لا يمكن هزيمتها مثل الماركسية التي هي إيديولوجيا دنيو ية لتخريب الحياة. 31
- تونس في :2022.04.20 الحل الذي اقترحه لتحقيق هذه القوة التي لا يمكن أن يهزمها إلا فشلها السياسي أعني عجزها عن اقناع الناخبين ببرنامجها المتعلق بقوامة الرعاية التكوينية والتموينية الحماية الداخلية والخارجية التي تمثل أربعتها بأصليها أي البحث والاعلام العلميين للأوليين خاصة والاستعلام والاعلام السياسيين للثانيين خاصة. فذلك هو شرط التداول الديموقراطي في الجماعات التي تتألف من مواطنين احرار وذوي كرامة بمعنى أن خصومها لن يكون بوسعهم اكتشاف بديل آخر غير المنافسة السياسية السلمية التي تجعل الشعب يختارهم بالمفاضلة بين البرامج السياسية .وهو حل لا يمكن تأسيس القوى السياسية عليه باعتبارها أدوات تحقيق غاياته من دون تحديد مفهوم الإسلام السياسي في تعينه التاريخي الذي جعله ينحرف عن مدلوله في القرآن والسنة لعلتين عمتا كل دار الإسلام: العلة الأولى هي الانحطاط الذي نتج عن تحول حالة الطوارئ التي هي بلغة الإسلام ضرورة تبيح المحظور تحوله إلى حالة دائمة فآلت إلى الانحطاط في كل مجالات السياسة من حيث هي قوامة الرعاية والحماية :علاج الضرورة السياسية التي نتجت عن الفتنة ال كبرى جعلها أبدية لأنها صارت قاعدة وليس استثناء. 32
- العلة الثانية هي طبيعة المعارك التي اقتضتها حرب التحرير التي لم تكن ترد على الاستعمار الغربي باعتباره مقصورا على دوافع سياسية فحسب بل وكذلك على دوافع عقدية لأنه كان استعمارا يحارب الهو ية والتنوع الحضاري وكان مسنودا بنفس العلل التي أدت إلى الفتنة ال كبرى وما فرضته من ضرورة تبيح المحظور. وبهذا المعنى فقد انقسم الإسلاميون عدة انقسامات سابقة كلها مشتركة في هذين العلتين اللتين حالتا دون فهم الإسلام واستراتيجيته السياسية التي لا تجعل مرجعيته العقدية أساسا لغير قيمها فتصبح نقيض ما عرفها به الإسلام أعني استراتيجية الأدوات التي تحقق الغايات في الاستعمار في الأرض بقيم الاستخلاف. فتاريخ المسلمين كله صار مداره حول خلافات عقدية الغت حقيقة هذه العلاقة بين استراتيجية الأدوات التي تحقق الغايات والتي هي مدار الخلافات السياسية أعني مدار قوامة الرعاية ببعيدها وأصلهما والحماية ببعديها وأصلهما .وقد تجلى ذلك خاصة في حروب الاستقلال مع كل الذين كانوا يعاملون المسلمين بمنطق حرب الاسترداد لهو ية سابقة على الإسلام من الداخل ومن الخارج .فكلهم يريدون الانتقام من الهو ية الإسلامية فمكن أعداء الخارج لأعداء الداخل من تفتيت جغرافية الإسلام وتاريخه وذلك: من الخارج ممثلا بأوروبا (كل الجرمان) الذين تلتننوا أي الكاثوليك والأرثوذكس وبآسيا روسيا والهند والصين .ومن الداخل بإحياء العرقيات والطائفيات وخاصة في أرض العرب وفي افر يقيا مع العرقيات التي احياها الاستعمار الفرنسي والتبشير الكاثوليكي. 33
- ويمكن اعتبار الأمر ذا علاقة برد الفعل على موجتي الفتح الأول بقيادة عربية افر يقية والثاني بقيادة تركية آسياو ية رد الفعل الخارج من الكاثوليك والأرثوذكس ورد الفعل الداخلي من الفرس ثم كل من أرادوا احياء القوميات المتقدمة على اخراج الفتح الأول لبيزنطة من الإقليم وانهاء دولة فارس وعلى اخراج الفتح الثاني دولة بيزنطة. ولهذه العلة فإن كل محاولة لمنع عودة وحدة جغرافية الأمة وتاريخها مردها إلى سياسة الفرس والأرثودوكس في المشرق وسياسة اللاتين في المغرب لعلمهم بأن قلب دار الإسلام جغرافيا وتاريخيا هو ملتقى القارات الثلاث القديمة ودور العرب والأتراك قائدين للفتحين اللذين لم يتوقف أعداء الإسلام عن السعي للحسم معهم .وقد تبين أنهم فشلوا وأن الاستئناف آت لا ريب فيه. كان متعلقا بمعركة يتقدم في التصدي للهجوم على الإسلام والهو ية الحضار ية أكثر من التصدي للاستعمار بمعناه السياسي بسبب ما كان بين معاني حرب الاسترداد وبداياته ثم تحوله إلى ما يقدم على أنه مهمة تحضير ية لتبرير السياسة الاستعمار ية المحاربة للهو يات الثقافية والخيارات العقدية. وتلك هي علةكون النضال بقي متعلقا بهذا الرهان ولم يشرع حقا في الاعتناء بالحقوق السياسية إلا بعد تبين الوصل الضروري بين المسألتين وتكل هي دلالة الوصل بين ثورة استراتيجية الأدوات السياسية الموطدة لشروط الحفاظ على الهو ية الحضار ية لأنها من دونها تكون عزلاء فلا تستطيع الصمود أمام الاعداء. 34
- فالعدو يعلم ذلك ولذلك فهو لم لا يكتف باستهداف الأرض والثروات فحسب بل أراد تخريب الروح والمعتقدات .والعلاج نقض استراتيجيته لأن ما به تصمد الروح والمعتقدات هو الأرض والثروات من حيث الأدوات وما به تصمد الأرض والثروات هو الروح والمعتقدات من حيث الغايات. وهي المعركة التي خسرتها الحركات الإسلامية سياسيا حتى وان استطاعت ربحتها حضار يا على الأقل جزئيا لأنها حمت المعتقد والهو ية التاريخية وهو نجاح لا نظير له في التاريخ رغم أن الاستعمار قد مكن لمن كان اقرب إليه من المستلبين لأنهم كانوا متمكنين اكثر من الإسلاميين من ثقافته ومن ثم من شروط الحكم الحديث بمقتضى تكو ينهم العصري. ل كنهم باستلابهم جعلوا دورهم مكملا لأهداف الاستعمار من الحرب على الهو ية الحضار ية لتحقيق شرعية لحكمهم تفصل بين المحميات التي أنتجها الاستعمار والأمة. فكان من الضروري أن يمر الإسلاميون بحقبة ضرور ية للتكوين الحديث أولا وللتمييز بين شروط الحكم الحديث والكلام في ما كانوا يظنونه جوهر السياسي في الإسلام فبقيت اهداف النضال أبعد ما يكون عن الثورة السياسية لأنها اقتصرت أو تكاد على موقف الدفاع عن الهو ية الحضار ية. واعتقد أنهم الآن فهموا ضرورة الجمع بين الأدوات والغايات لأن الشعوب العزلاء من الأدوات لا يمكن أن تحمي الغايات .لأن تصور الدفاع عن الغايات موضوع المعتقدات الروحية من دون التمكن من الأدوات موضوع الاستراتيجيات السياسية تصور 35
- أبعد ما يكون عن الدفاع الجذري عن شروط بقاء الحضارة حية وذاتية التجديد غير الدفاعي لأنه بتحقيق شروط القيام السياسي السوي أي الرعاية والحماية يحقق المحافظة على الهو ية الحضار ية و يقولها. آن أوان الفهم الدقيق لتجاوز ما فرضته الظرفية التي قدمت الصراع العقدي على الصراع السياسي حول دور الحكم الذي يقتضي فهم البنية الحقيقية لدور الأحزاب السياسية .و يكفي درس الفكر السياسي عند كبار المتكلمين السنة من الأشعري إلى ابن خلدون مرورا بإمام الحرمين والغزالي وحتى ابن تيمية لفهم التمييز الواضع بين المستو يين من صمود الحضارات :فالاستراتيجيات السياسية هدفها تحقيق الأدوات والاستراتيجيات العقدية هدفها تحديد الغايات. وقد آل عدم التمييز بينهما في الحركات السياسية الإسلامية إلى احداث ما يشبه ما تتحدد رؤ ية الإسلام بنفيه القطعي باعتباره علة التحر يف الديني .فليس في مرجعية السياسة الإسلامية وساطة روحية للعلماء (التي هي كنسية خفية) ولا وصاية مادية للأمراء (وهي حكم بالحق الإلهي خفي) .وكلاهما تحر يف للسياسة في الرؤ ية القرآنية والسنية وهو شبه تبن لبقايا مرحلة الانحطاط وللرؤ ية الشيعية التي هي مصدر الفتنة ال كبرى. وهما وإن بخفاء يمثلان أساس الفكر الإخواني والفكر السلفي أعني حدي الفكر السياسي السني الذي خسر معركة التحرير المنقوص رغم كونه هو الذي خاضها بحق وقادها وضحى من أجلها التضحيات الجسام ليس بوصف الإسلام كان المحرك الأساسي للجماهير 36
- فحسب بل لأن الحرب لم تكن على الأرض والثورة فحسب كما يفترض أن يكون عليه الاستعمار بل كان يستهدف الإسلام نفسه باعتباره أساس الهو ية الحضار ية للأمة. وفي ذلك اشتركت رؤيتا حرب التحرير أي إنها لم تستثن من كانوا أميل إلى التحديث من التأصيل أعني بما في ذلك بورقيبة قبل الاستقلال وحتى بعده لأن اليسار كان اشد المعارضين له لهذه العلة .فإذا طبقنا هذه المعطيات التاريخية لحركة التحرير من الاستعمار نجدها متحققة في الحركات الإسلامية التي تمثلها في تونس حركة النهضة. فهي بعد المرور بفترة التعلم الحديث عادت إلى الفعل السياسي المعارض ول كن ليس بعقلية ما تقدم على تلك الفترة أي إنها أبعد ما يكون عن فكر الثعالبي مثلا. المرحلة الأولى :الحركات الإسلامية الأولى فقد جمعت الحركات الإسلامية بالإضافة إلى بقايا فكر الانحطاط في الاجتهاد الفقهي وفكر التشيع في استئناف دور الباطنية التاريخي فكر الفاشيات العربية التي تؤمن بالانقلابات العسكر ية لتوهمها أن الحكم يمكن أن يمكنها من تحقيق رؤ يتها السياسية التي هي بهذا المعنى عديمة الصلة برؤ ية الإسلام السياسية التي وصفت في الفصل الأول. فكل أجيالها التي شرعت في الصراع مع البورقيبيةكانت متأثرة بأدبيات الفكر المشرقي الإخواني والشيعي وبرؤى العسكر الذي يدعي القومية وليس لها بحق دراية بشروط بناء الدول ولم تكون جيلا له ثقافة سياسية قادرة على تكوين شروط القوة السياسية القادرة على الحكم بالمعنى الحديث. 37
- لذلك فيمكن اليوم اعتبارها ممثلة ليمين الطيف الإسلامي الذي يحده أقصى يمينه أي السلفية الجهادية التي يمكن التمثيل لها بما حصل في السودان وفي الجزائر في مصر بعملية اغتيال أنور السادات لتأثرها بدعاية إيران. وقبل ذلك في أفغانستان في حركة القاعدة ول كن بمستوى حجمها لأنها لم تصل إلى الحكم وليس لها ما لهذه الحركات من القدرات فلم تستعمل من القوى المتصارعة في الإقليم لتكون رأس حربةكالتي ذكرت :إنهم من بقي في الحركة بقيادة الغنوشي. المرحلة الثانية :المنشقون عن النهضة أنشأ الجيل الثاني من المنتسبين إلى النهضة سابقا مجموعات تبين بالتدريج ذلك خاصة لما اصبحوا يعدون لمشروع حزب بدأت فكرته بعد المؤتمر العاشر إذ حصل نوع من التخلي ليس عن ثقافة تعتمد الأدبيات التي تكونت بها لما كانت فيها بل وكذلك عن المرجعية الإسلامية بحيث يمكن اعتبارها ممثلة لتيار قريب من احياء البورقيبية من حيث وهم الدولة الوطنية. ويمكن اعتبارهم يسار حركة اسلامية قطر ية تخلت عن العالمية الإسلامية ويحدهم على يسارهم ادعياء الحداثة العلمانية .إنهم جماعة الانشقاق الأخير بقيادات لا يجمع بينها فعليا مشروع إيجابي عدى شعار الثورة على فاشية قيادة النهضة الحالية .وهو ما يجعلها شديدة الهشاشة و يعسر أن يكون لها مستقبل إذا المرحلة الثالثة :الائتلاف الاستقلال عن ادبيات الماضي 38
- وقد أنشأ قبل الفر يق السابق الشباب الغاضب الذي لم يقبل بتنازلاتها بعد الثورة حتى وإن لم يكن له انتساب ماض إلى النهضة ويمكن ان نعتبره أميل إلى ثقافة بعيدة عما وصفت في أجيال النهضة ولعلها بشعار تحرير الثروات الوطنية والتصدي لتخريب الاتحاد لشروط النهوض تمثل تيارا قريبا من إحياء الثعالبية :إنهم جماعة الائتلاف. المرحلة الرابعة المتوقعة :التنافس بين هذه الم كونات الثلاث فهذه المراحل الثلاث الأولى مجتمعة تعتبر مرحلة الضعف الذي يعيشه الإسلام السياسي حاليا في تونس وقبله حصل نفس الشيء في الجزائر وأخشى أن يحصل في المغرب نفس الوضع .ولم احسب طرفي الطيف الإسلام أي غاية الانحطاطين ممثلة بالسلفية الجهادية وبحزب التحرير: لذلك فهما لا في العير ولا في النفير إلا من حيث التعبير عن فوضى العقل والروح في غياب استراتيجية العلاقة السو ية بين أدوات السياسة وغاياتها .ودورهما يعطل المسار و يضعف الإسلام السياسي أكثر مما يقو يه .واعتقد جازما أن الحل الذي سأقترحه على 39
- الإسلام السياسي في تونس هو ما سيلجأ إليه الإسلام السياسي في العالم كله لأنه هو شرط الاستئناف. المرحلة الأخيرة المتوقعة :وهي تحديد هذه الاستراتيجية وإذن فالحد الأوسط في المخمس دون اعتبار الحدين الخارجين أي أقصى اليمين واقصى اليسار في كل قوة سياسة الحدين اللذين لا تذهب إليهما الرؤ ية الاستراتيجية التي أنوي تحديدها هو ما يمكن ان يمثله الائتلاف بين هذه الأقسام الثلاثة من الحركة الإسلامية التي تمثلها النهضة لأن توحيدها لا يمكن ان يكون إلا بشكل تجمع ائتلافي منها ثلاثتها مع القضم المتدرج الذي يحد من فاعلية الطرفين المعطلين. وذلك حسب رأي هو بلوغ الرشد السياسي الذي يعني استراتيجية الجمع بين المحلي والإقليمي مرحلة أولى نحو الاستئناف الإسلامي الجامع لكل دار الإسلام في ما يشبه فدرالية على مثال الولايات المتحدة الامريكية أو على الأقل على مثال مشروع الوحدة الأوروبية .فالخلافة لم تكن أبدا دولة واحدة إلا بهذا المعنى لأنها مؤلفة من سلطانات يجمعها الولاء للخلافة. فالمراحل ا لثلاث الأولى وحال الضعف الذي انتهت اليه بتفكك حركة الإسلام السياسي الجدي (أي ما بقي من النهضة ومن انشق عليها والائتلاف) لا تفهم من دون وصلتين خفيتين: وصلة بين النهضو يين والمنشقين عنها والحد الأوسط ممثلا بالائتلاف لأن جل أعضائه شباب لم يفسدهم الطمع في ال كراسي ولهم نوع من الحنين إلى استئناف معركة التحرير 40
- لاستكماله ولا يكتفون بالمسار الديموقراطي الذي يحرر المواطن بل فهموا أن استكمال التحرير شرطه الضروري وإن لم يكن كافيا. ثم بينه وبين الحدين الأخيرين أي من بقي في النهضة ومن خرج عنها لتجاوز حالة الضعف الذي بدأ يتجلى من تفكك قوى الإسلام السياسي في تونس بحيث إن حديه الاقصيين أي السلفية وحزب التحرير يمكن أن يصبحا ممثلين للفوضى التي تنهيه بمآل شبيه بما حصل للحزب البورقيبي. والوعي بضرورة الاستراتيجية الموحدة بينهم .وبذلك يصبح المخمس مترابطا ترابطا يحقق مقومات البنية التي تعتمد عليها كل قوة سياسية حديثة .فإذا اخرجنا أقصى اليمين واقصى اليسار إذ هما قد تحولا إلى لا شيء ليس في حضارتنا وحدها بل في العالم كله إذا ما استثنينا عودتهما الظرفية في حالات الأزمات الحضار ية ال كبرى كما في العالم الغربي حاليا فإن الوصل ينبغي أن يكون بين الثنائي الأول والائتلاف وبينه وبين الثنائي الأخير. الوصل بين النهضة والمنشقين من جهة والائتلاف من جهلة ثانيا قلبا للإسلام السياسي الجامع بين تحرر المواطن وتحرير الوطن بشرط اندراجه في وحدة الأمة. الوصل بين الائتلاف والتنافس الحالي المؤدي إلى ضعف الإسلام السياسي ومشروع التوحيد الذي يمكن من الوصل بين حركة تحرر المواطن (الربيع) وحركة تحرير الوطن في إطار وحدة الامة (مطلب الائتلاف المميز). 41
- فيكون الوصل بين اليمين الإسلامي الأصلي والمنشقين عليه من جهة والقلب الذي هو بداية الربط بين حركة التحرر التي يمثلها الربيع وحركة التحرير الذي ينبغي أن تعود لتحرير مقومات الثروة والتراث شرط السيادة المادية والروحية والوصل بينه وبين التفتت الناتج عن التنافس والمؤدي إلى تضاؤل دور الإسلام السياسي. وإذن فمشروع الوحدة الذي اقدم رؤيته بهذا المقترح هدفه استرجاع قوة الإسلام السياسي ليكون حقا قوة سياسية تعمل باستراتيجية سياسية تمكن الطيف الإسلامي من تجاوز القطيعة التي حصلت في حركة الاستئناف بسبب ما وصفت في هذا الفصل . وهي وضعية ليست خاصة بتونس وحدها بل هي تشمل كل اقطار دار الإسلام: فيكون القلب شبيها برؤ ية الائتلاف كما أحاول صوغها جامعا بين الإسلام السياسي النهضوي ومحاولة الخروج عنه. و يكون الائتلاف بهذه الرؤ ية جامعا بين الإسلام السياسي النهضوي ومحاولة البديل المقوي لا المضعف. وإذن فالائتلاف سيمثل مركز الإسلام السياسي المستقبلي إذا حقق هذين الوصلين ليس في تونس وحدها بل في كل قطر منه أقطار دار الإسلام بنفس الرؤ ية فيه إذا راجعت حركاته الإسلامية استراتيجياتها وجمعت بين الدولة القطر ية والدولة الشاملة لكل اقطار الأمة ولو في شكل هدف أولا يليه المسعى لتحقيقه خلال استئناف عملية استكمال الاستقلال كالتي نراها في تركيا أو في باكستان. 42
- فتصبح الحركة الإسلامية هي بدروها ائتلافا يستأنف الجمع بين تحرر المواطن (الربيع) وتحرير الوطن (حرب التحرير) فيستكمل شروط القوة المادية والروحية ويحقق المعنى العميق للسياسة من حيث هي قوامة الرعاية والحماية .وذلك هو المعنى العميق لما كان يوحد حركة التحرير في مناخ المزاوجة بين الدولة الوطنية وما يشبه \"الولايات المتحدة الإسلامية\" التي تكون بديلا من الخلافة التي لم تعد مناسبة للعصر بما سيطر عليها من جعل حالة الطواري التي تعتبر الضرورة التي تبيح المحظور تصبح حالة دائمة فلم تعد صالحة لدولة ديموقراطية حديثة. طبعا لا ادعي أن الائتلاف في وضعه الراهن يمكن أن يصبح كما أصف هنا إذ قد لا يكون ذلك إلا من أماني التي لا شيء يثبت أن المنتسبين إليه سيتبنونها خاصة وهم إلى حد الآن لا يمثلون قوة فعلية لأن عديدهم في النظام الانتخابي الحالي لا يدل على قوة فعلية قمن نجح دون البواقي لا يتجاوز نائبين .ولا أراهم قد كونوا المؤسسات التي يمكن أن تخرج سياسيين حقيقيين لأن الحماسة وحدها لا تصنع القوى السياسية .كما لا أراهم يولون أهمية للفكر الاستراتيجي في وضع السياسات لظنهم ان الحماس وحدهكاف. ولهذه العلة فإن كل الإسلاميين بحاجة إلى فهم الإسلام السياسي كما يحدد القرآن والسنة طبيعة المرجعية القيمية التي يحتاج إليها وكما طبقه الرسول في دستور المدينة حصرا لدور السياسة في قوامة الرعاية والحماية لئلا تستند الدولة إلى رؤ ية تعتمد سلطة روحية وسيطة وسلطة سياسية وصية. 43
- فتكون ثيوقراطية بخلاف ما فهمها كبار علماء الإسلام قبل الانحطاط (الغزالي وابن تيمية وابن خلدون) وكما عرفتها الآية 38من الشورى﴿ :وَالَّ ِّذِي َن ا ْست َجَاب ُوا ل ِر َ ّبِه ِ ْم و َأق َامُوا ال ِّ َّصل َاةَ و َأمْرُه ُ ْم ُشورَى ب َيْنَه ُ ْم وَمِمَّ ِّا رَزَقْن َاه ُ ْم ي ُنفِقُونَ﴾ جمهور ية :امر +هم = راس بوبليكا ديموقراطية :شورى +بينهم= ديموقراسيا مرجعيتها :الاستجابة إلى الرب هو العمل بقيم الاستخلاف وعلامته الصلاة. غايتها :الاستعمار في الأرض وهو معنى الرزق والانفاق منه بقيم الاستخلاف. 44
-- تونس في 2022.04.25 بينت في محاولات سابقة أن الإسلام ليس دينا من بين الأديان بل هو الديني في كل دين وأنه في آن الفلسفي في كل فلسفة ومن ثم فلا يمكن فهمه إلا بوصفه ما يشترك فيه الديني والفلسفي من الهموم المعرفية والقيمية .فهو يعتمد في كل أدلته على النظام في الأفقين الطبيعي والتاريخي وفي كياني الانسان العضوي والروحي حتى وإن كان لا يرفض معجزات الرسل السابقين كما يوردها في استعراضه للماضي بمعيار التصديق والهيمنة لنقد التحر يف. وأهم دليل على هذا الخيار هو أن مخاطبيه يكثرون من معاجزته فيطالبونه بالإتيان بمعجزات تخرق العادات مثل الرسل السابقين وأهمها عندهم احياء الموتى فيرد عليهم بحجتين تثبتان استغناءه بالاكتفاء بمعجزة أبلغ هي وجود النظام: الأولى هي أن المعجزات لم تمنع من خوطبوا بها من ال كفر بالرسالات التي استعملتها ولا من تحر يفها بصورة تبتعد عما هو هدف الديني في الأديان وهدف الفلسفي في الفلسفات :أي تحقيق العيش السلمي بين البشر وتحريرهم من الاخلاد إلى الأرض. 45
-- الثانية هي أن المعجزات هي للتخو يف وليست للإقناع وأن الل ِّه لم يكلفه بغير التذكير الذي يعتمد على الاستدلال بالآيات التي تدل على النظام وليس على خرقه لأن الاعجاز الحقيقي هو الحكمة التي تتجلى في النظام وليس في خرقه. ولهذه العلة فهو دين كوني لأن أدلته شرط فاعليتها هو كونيتها التي هي عين كونية النظام في الآفاق (الطبيعة والتاريخ) وفي الانفس (كيان الإنسان العضوي وكيانه الروحي) وهي التي تبين أن القرآن حق (فصلت :)53ولا يتضمن القرآن غيرها إلا ما ترتب في ثقافة المسلمين من اسقاط الإسرائيليات عليه ظنا أن ورود بعضها فيه دليل على تبنيها وليس على عرضها لنقد ما فيها من تحر يف. وسيدرك البشر هذه ال كونية لما يرون أن علاجه لمعضلات الوجود الإنساني يردها جميعها إلى ما يحرر الإنسانية مما ترتب عن فصل البشر بين علاجهم لشروط الاستعمار في الأرض عن قيم الاستخلاف فيها. فهذا الفصل يلغي شرط العيش المشترك السلمي بين البشر من حيث هم بشر وبينهم وبين العالم الطبيعي والعالم التاريخي شرطين لبقائهم وبقاء العالم خاليا من التلويث المادي للطبيعة والتلويث الروحي للتاريخ وهما داءا مآل الإنسانية والعالم بسبب هذا الفصل. 46
Search
Read the Text Version
- 1
- 2
- 3
- 4
- 5
- 6
- 7
- 8
- 9
- 10
- 11
- 12
- 13
- 14
- 15
- 16
- 17
- 18
- 19
- 20
- 21
- 22
- 23
- 24
- 25
- 26
- 27
- 28
- 29
- 30
- 31
- 32
- 33
- 34
- 35
- 36
- 37
- 38
- 39
- 40
- 41
- 42
- 43
- 44
- 45
- 46
- 47
- 48
- 49
- 50
- 51
- 52
- 53
- 54
- 55
- 56
- 57
- 58
- 59
- 60
- 61
- 62
- 63
- 64
- 65
- 66
- 67
- 68
- 69
- 70
- 71
- 72
- 73
- 74
- 75
- 76
- 77
- 78
- 79
- 80
- 81
- 82
- 83
- 84
- 85
- 86
- 87
- 88
- 89
- 90
- 91
- 92
- 93
- 94
- 95
- 96
- 97
- 98
- 99
- 100
- 101
- 102
- 103
- 104
- 105
- 106
- 107
- 108
- 109
- 110
- 111
- 112
- 113
- 114
- 115
- 116
- 117
- 118
- 119
- 120
- 121
- 122
- 123
- 124
- 125
- 126
- 127
- 128
- 129
- 130
- 131
- 132
- 133
- 134
- 135
- 136
- 137
- 138
- 139
- 140
- 141
- 142
- 143
- 144
- 145
- 146
- 147
- 148
- 149
- 150
- 151
- 152