أبو يعرب المرزوقي re nils frahm تعثر نهوض الأمة تأ ويله التاريخي وتفسيره الفلسفي الأسماء والبيان
المحتويات 1 -الفصل الأول 1 - -الفصل الثاني 9 - -الفصل الثالث 18 - -الفصل الرابع 27 - تمهيد 27 الفصل الرابع 31 -الفصل الخامس 40 - -الفصل السادس 50 - -الفصل السابع 66 -
-- عندما كانت دول الغرب متفردة بالعلوم الحديثة وتطبيقاتها كان بوسع أدناها تكوين امبراطورية في افريقيا وآسيا والامريكتين. ومع ذلك فسقوط كل امبراطوريات أوروبا كانت حتمية لأن تنافسها على اقتسام العالم أداها إلى حربين عالميتين كانت نهاية الأخيرة منهما سيطرة مغول الشرق (روسيا السوفياتية) ومغول الغرب (الولايات المتحدة الاميركية) عليها. والصراع بين السوفيات والأمريكيين آل إلى فقدان مستعمرتي أوروبا-روسيا وأمريكا- السيطرة على العالم أو لنقبل بداية فقدان الثانية سلطانها المطلق وضياع كل سلطان للأولى لأن أمم الشرق ألأقصى التي عرفت كيف تتكافأ معهما إلى حد كبير في العلوم الحديثة وتطبيقاتها التي هي شرط بعدي القوة الحديثة أي العلوم والاقتصاد المبني على المعرفة والذكاء مع الحجم الجغرافي المناسب لشروط الرعاية والحماية. لكن المسلمين عامة والعرب خاصة بقوا في ذيل الشعوب لعدم تحقيق هذه الشروط بسبب التفتيت الجغرافي والتشتيت التاريخي الحائلين دون الحجم المناسب للرعاية والحماية شرطي السيادة. وهذا هو اللغز الذي أريد فهم علله. ذلك أنه لا يمكن أن يعلل بأسباب عرقية لأن جميع الأعراق منها من هم مسلمون. ولا يمكن أن يعلل بأسباب ثقافية لأن ثقافات كل هذه الأعراق موجودة في حضارة الإسلام. ولا بد إذن من تعليل غير هذين التعليلين المعتادين. أبو يعرب المرزوقي ولا يمكن كذلك الزعم بأن التفسير مؤلف منهما. الأسماء والبيان 1
-- وهو التفسير الضمني في نسبة الانحطاط إلى الخلافة العثمانية وخاصة عند أكثر العرب تخلفا أعني الاعراب. وتلك هي علة هذا الدس ضد تركيا حاليا والذي لا معنى له. • فأولا الخلافة لم تشمل كل دار الإسلام. • وثانيا الخلافة العثمانية لم تكن مؤلفة من الأتراك وحدهم بل هم لم يكونوا الأغلبية في الشعب حتى وإن كانت لهم الاغلبية في الحكم. هي إذن كذبة من عملاء سايكس وبقايا الصليبية والباطنية. لم يبق إلا البحث عن تفسير أعمق. ولعل ملاحظة ما يجري في الاقليم حاليا يمدنا ببداية الحل الذي لا يخص المرحلة الإسلامية من تاريخ الاقليم الذي يمثل قلب ما صار يسمى الحضارة الإسلامية بعد أن كان مركز الصراع بين الشرق الادنى (اقليمنا) والغرب الأدنى (اقليم أوروبا) أي كل حوض الابيض المتوسط كما نرى أحداثه الحالية لأن روسيا وامريكا لم يصبحا الفاعلين الأكبرين إلا في الحرب الاولى بداية وفي الحرب الثانية غاية. ولا يمكن أن نتجاوز هذين التفسيرين أو التأليف بينهما للتفسير ما لم نعتبرهما هما بدورهما ناتجين عن علل أعمق تفسر ما نريد فهمه لأنه علة لهما ولما قد يسهما فيه معه بعد حصولهما من تعليل لما حل بالمسلمين وخاصة بمركز الحضارة الإسلامية أعني اقليمنا حول الأبيض المتوسط وخاصة منذ بداية تاريخ الإسلام. وقبل ذلك لا بد من التحرر من حماقة تعريف العلوم بالخصوصيات مثل \"علم الاجتماع العربي أو الإسلامي\" وأكثر من ذلك الكلام على \"العقل العربي أو العقل الإسلامي\" أعني الموضة العجيبة في حضارة بدأت بمحاولة كان صاحبها سباقا إلى فهم التاريخ يقتضي تجاوز أبو يعرب المرزوقي 2 الأسماء والبيان
-- هذه التعريفات البدائية التي تتصور الخصوصيات موضوع البحث العلمي في حين أنها ليست إلا قيما لمتغيرات موضوعه الكوني في مجالاته المختلفة. ولعلي من المحظوظين بفضل من الله وتكريمه إذ إن من بدأ علاج هذا المشكل هو تاريخ بلدي من دار الإسلام وفكر أحد أبنائه الذي هو في آن رمز ما كانت عليه دار الإسلام من وحدة متجاوزة للحدود. إنه ابن الكثير من اقطار الإقليم باصطلاحنا الحالي بعد تفتيته وفرض الحدود. إنه حضرموتي الأصل تونسي المولد والتكوين مغربي وأندلسي استكماله جزائري موطنا خلال تأليف ثورته العلمية :إنه ابن خلدون صاحب المقدمة. فأبرز مراحل تاريخ تونس الحالية وقرطاج السابقة كان صراعا بين قرطاج وروما حول شروط قيام الجماعات والافراد قيامهم العضوي والروحي .وهو العامل الثاني الذي يعنيني للبحث في تفسير ما يجري في اقليمنا وسر تأخرنا في تحقيق ما كان ينبغي أن يكون متحققا منذ بداية تاريخ الإسلام .أما العامل الأول المتقدم عليه فهو النظرية التي عرضها الباب الأول من مقدمة ابن خلدون. ولا أخفي أن كنت أعجب لما اسمع \"علماء الاجتماع\" العرب يتكلمون على العقل العربي أو على تعريب علم الاجتماع أو أسلمته ولا أفهم علة خلطهم بين النظرية العلمية من حيث مطلوبها العلمي المجرد ومضمونها العيني أو التجريبي فيعتبرون الخصوصيات هي المطلوب في حين انها في كل علم بعض أعيان تحقق النظرية في ظرفيات ليست من جوهر النظرية العلمية إلا باعتبارها شواهد على ما في النظرية ومن قوانين كونية. والأدهى أن البعض ذهب إلى حد جعل الفلسفة التي هي الكلام في ما بعد النظر وما بعد العمل وما بعد العلوم المساعدة في النظر وفي العمل جعلوها هي بدورها تطلب الخصوصيات أبو يعرب المرزوقي 3 الأسماء والبيان
-- بدعوى المزايدة على ما بعد الحداثة والمطالبة بالحق في الاختلاف لكأنه يوجد من ينفي أن تكون الخصوصيات هي ذاك بالجوهر دون ان تكون مع ذلك مطلوب العلم والفلسفة. ولنأت الآن إلى موضوع الباب الأول من مقدمة ابن خلدون .فد وضع النظرية بتجاوز الخصوصي إلى ما فيه من كلي فردها إلى كليين يتفاعلان في الاتجاهين من أحدهما إلى الثاني ثم العكس من الثاني إلى الآخر الذي قدمه مع العكس عند العودة عكسا بعد الذهاب طردا .ولا بد هنا من بيان علة اسم مصنف الثورة الخلدونية العجيب والغريب من حيث التسمية المضاعفة. فابن خلدون سمى المقدمة \"علم العمران البشري و(علم) الاجتماع الإنساني\". فضاعف الموضوع بنحو ما وضاعف وصفه .فعندنا العمران والاجتماع موضوعا مضاعفا. وعندنا بشري وإنساني وصفا مضاعفا. ولم يذكر لا عربي ولا إسلامي رغم أن جل الأعيان المضروبة أمثلة على النظرية قيم خصوصية تمثل للكليين .فيكون إيرادها هدفه التمثيل للنظرية الكلية وليس كما ظن المرحوم عبد الرحمن بدوي مادة للاستقراء :وهو دليل على عجلته في الحكم كعادته. لو قال علم العمران الإسلامي و(علم) الاجتماع العربي\" لكان عمله ليس علميا فضلا عن أن يكون فلسفيا بل هو رؤية متخلفة تعتبر المعرفة العلمية استقرائية كما يعتقد كل الذين على ما ينسبونه إلى حضارتنا من إضافة لعلم اليونان -لكأن اليونان كانوا كما يزعمون مقتصرين على الخيال دون ملاحظة التجارب (النشار)-أو الذين يتكلمون على إسلامية المعرفة (وهم كثر) أو عروبة العلوم الإنسانية (وهم أكثر). أبو يعرب المرزوقي 4 الأسماء والبيان
-- وهو خلط عجيب من متصدرين للفكر بين النظرية وقيم متغيراتها الكلية التي تتعين بقيمها التي تشترك في محددها الكلي موضوع النظرية ذي التطبيقات المتنوعة عينا والواحدة مفهوما. ولنمر الآن إلى جوهر الثورة الخلدونية وفهمها يكفي فيه قهم الباب الأول من المقدمة. وهو بحد ذاته ثورة غير مسبوقة غيرت فلسفة التاريخ وفلسفة السياسة لأنها انبنت على فهم عميق بديل من ميتافيزيقا أرسطو. يتضمن الباب الأول خمس مسائل: • مسألتان بسيطتان هما مسألة الجغرافيا الطبيعية ودورها ومسألة كيان الإنسان الطبيعي ودوره. • واثنتان مؤلفان منهما هما فعل الأولى في الثانية وفعل الثانية في الأولى. • والمسألة الخامسة هي التي تصبح الأصل بفضل ما يحدث بين هذه المسائل الاربعة بعد تفاعلها وذلك هو موضوع هذا العلم ذي المستويين الورادين في عنوان الكتاب. والعاملان البسيطان واضحان وهما الشرط الطبيعي الخارجي لوجود الجماعة البشرية والشرط الطبيعي الذاتي للإنسان لعيشه فيه وتكيفه معه. فينتج عن لقائهما عاملان هما يحصل للإنسان من تكيف مع الطبيعي الخارجي وما يحصل للطبيعة من تكيف مع الطبيعي الداخلي للإنسان. • والاول هو أثر المناخ والغذاء. • والثاني هو أثر فعل تحصيل الغذاء والتكيف مع المناخ .فتصبح العوامل المحددة للعمران البشري والاجتماع الإنسان مترتبة على هذه العوامل الأربعة وهي موضوع العلم الجديد. أبو يعرب المرزوقي 5 الأسماء والبيان
-- ذلك هو العلم الذي أبدعه ابن خلدون بوصفه \"علم العمران البشري والاجتماع الإنساني\" وله قوانين كونية وكلية تنطبق على كل البشر .فتكون الخصوصيات أعيانا من الكليات التي تفسرها. ولعل أفضل مثال هو أن قوانين الوراثة البايولوجية واحدة لكن الخصوصيات هي اللون وحجم الجرم مثلا وهي تعينات لنفس القوانين بحسب ظرفيات التكيف مع المناخ والغذاء. فعلم البايولوجيا واحد وأعيان تحقق قوانينه بخصوصيات خاضعة لقوانينه. ونفس الامر في العلم الجديد. لكن ذلك لا يمنع من أن نكتشف قوانين من درجة أدنى تفسر خصوصيات ذات صلة بالقوانين المحددة لمفعول المناخ والغذاء في أبدان البشر ولها علاقة بعلم أسمى حتى من العلم الذي اكتشفه ابن خلدون وهو علم الفلك وكيفيات تأثير الشمس في الارض بحسب الحركتين .وكل ذلك قابل للتحديد الكمي والكيفي العلميين. ومن آثار هذه القوانين تحدث \"وحدات\" متقاربة في مناخ متماثل بعلامات مختلفة مثل سواد اللون في المناطق الحارة وحجم البدن في الأماكن الخصبة وعكسهما في عكسهما. وهي كلها ظاهرات معلولة وليست علة إلا في الظاهر وهي لا \"تفسر\" عليما بل تبرر إيديولوجيا مواقف الناس بعضهم من البعض كما يظن من \"يفسر\" التقدم والتخلف بهذه المواقف من عرق المغلوب أو من ثقافته الناتجين عما يلعو عليهما من هذه المؤثرات. وحينئذ نصل إلى ما كان ينبغي استنتاجه من ثورة ابن خلدون. فهو لم يعتبر علمه مكتملا بل طلب في غاية مصنفه بمواصلة اجتهاد لقوله إنه قد وضع اللبنات الاولى من علمه وطلب من الخلف أن يواصلوا عمل السلف باستكماله وتعديله وتجاوزه. أبو يعرب المرزوقي 6 الأسماء والبيان
-- وهو ما أريد الآن استعماله لفهم علة ما تعاني منه الامة من عجز في مجاراة العصر بعكس من كان أكثر منها تخلفا. ماذا نستنتج؟ إذا كانت الجغرافيا الطبيعية محددة للكليات التي بطلبها علمه بالمناخ والغذاء فإن طلب المناخ والغذاء من الإنسان المشدود إليهما شرطي حياة يجعلهما مطلوب كل الناس فيصبحان موضوع تنافس عليهما بما للإنسان من أدوات السيطرة على الأحياز التي تحتوي على هذه الشروط. والأحياز الطبيعية أربعة هي • المكان • والزمان • وما يترتب على تفاعلهما في الاتجاهين من الأول إلى الثاني ومن الثاني إلى الاول • ويوجد أصل يوحدها رغم كونه ينتج عنها… فكون من يوجد في المكان الأكثر ملاءمة بوجود الغذاء والماء وملاءمة للحياة بالمناخ بالطقس والماء هدف من يحيط بالمكان وتغييره بحسب تغير الزمان هو البداية الأولى في تكون الجماعات بالعمران (تحقيق الشروط المادية) والاجتماع (تحقيق الشروط الروحية) وتأسيس الدول والحضارات وشروط بقائها بعد انتهاء الترحال بحثا عن هذه الشروط. وبذلك نكتشف أن اقليمنا يجمع خاصتين تجعلانه دائما محل الصراع الكوني: • فهو أفضل الأقاليم في نظرية ابن خلدون من حيث سد الحاجتين • وهو موجود في الوسط بمعنى أنه مهدد من كل الجوانب بسبب حيازته لكل شروط الوجود العمراني والاجتماعي. أبو يعرب المرزوقي 7 الأسماء والبيان
-- فيكون هدف كل من يحيط به من أجل حيازة هذه الشروط .وهي متعددة. فلكأن ما فيه من شروط القيام العضوي وما ترتب عليها من استقرار وتكون شروط القيام الروحي يجعله هدف الجميع لأن هذه الحاجات مشتركة لجميع البشر. ويترتب عن ذلك خاصية كونية تعينت فيه :فاحتواؤه على المطلوب المشترك هي خاصيته رغم أنها كلية بمعنى أن كل من يكون في وضعه يكون هذا مصيره .وإذن فهو أنه لا يمكن ألا يكون هدف الجماعات المحيطة به. فلا يترك من دون منافسة على ما عنده. فيكون كل من يوجد حوله مجذوبا إليه وكل من يحاول المرور إلى ما يوجه خلفه من النواحي كلها مضطرا للمرور به إن لم يستطع الاستدارة من حوله. وقد يقع تهميشه في الدولة العالمية للتجارة مثلا لما يحاصر .وتلك هي العلل الخمسة التي يمكن أن تعلل شروط ازدهاره وكذلك شروط انحداره. أبو يعرب المرزوقي 8 الأسماء والبيان
-- فتكون العلل التي تفسر ما تعاني منه الأمة عامة واقليمها المركزي خاصة من انحطاط وتخلف في عصرنا مردودة إلى إشكالية الاحياز الخمسة: .1الحيز الجغرافي .2والحيز التاريخي .3وأثر الحيز الجغرافي في التاريخي أي الثروة .4وأثر الحيز التاريخي في الحيز الجغرافي أي التراث. .5الرؤية الوجودية في فهم المرجعية الروحية التي هي ما يوحد الأحياز لتصبح عين هوية الجماعة المتعينة في الجغرافيا والتاريخ والثورة والتراث. وهذه هي الأحياز المحيطة هي نصيب كل جماعة ولكل فرد منها نصيب أخذا وعطاء. ففعل الإنسان في الحيزين الطبيعيين هو ا لذي ينتج الحيزين الحضاريين ويضفي الطابع الحضاري عليهما .وهو الذي يضيف إلى الاحياز ثروته وتراثه حيزين يتحدد فيهما كيان الفرد بتوسط الجماعة حيزين صنعهما الإنسان هما يناظران المكان والزمان في وجود الإنسان. • والأول قيام الأمة المادي والاداتي • والثاني قيام وجودها الروحي والغائي. ولا يمكن لأمة أن تنجح في السيطرة على حيز المكان وحيز الزمان سيطرة تجعلها قادرة على التربية والحكم المحررين للإنسان رعاية وحماية إلا بفضل تحويل المكان إلى جغرافيا حضارية بعد أن كانت طبيعية وتحويل الزمان إلى تاريخ حضاري بعد أن كان طبيعيا. أبو يعرب المرزوقي 9 الأسماء والبيان
-- وكل فرد من الجماعة له نصيب من هذه الأحياز في كيانه الطبيعي الذي يصبح حضاريا: فبدنه هو جغرافيته الذاتية التي أصبحت حضارية بعد أن كانت طبيعية وروحه هي تاريخه الذاتي الذي أصبح حضاريا بعد أن كان طبيعيا. فتتوازى الاحياز الخارجية المحيطة بالإنسان مع الأحياز الذاتية التي هي كيان الإنسان وهو نصيبه من الأولى فعلا وانفعالا. وما بين نوعي الأحياز الخارجية والداخلية هو عين ما بين الإنسانية والعالم الطبيعي والبايولوجي من علاقات هي جوهر ما نسميه حضارة. فحيز اقليمنا الجغرافي فيه أههم ثروات العالم الأرضية والبحرية والجوية ليس اليوم فسحب بسبب ما تحت الأرض وما فوقها وبسب إحاطة كل البحار الدافئة بها وخاصة بسبب كل طاقات المستقبل وثرواتها كما كانت دائما فيه .وليس بالصدفة أن أسس أهله أدوات الوجود الإنساني الأساسية كالحرف والرقم والرياضيات والتنظيم الاجتماعي والسياسي والديني والفلسفي وأهمها الدولة. وبذلك يصبح الإقليم هو أول من صنع الحيزين الناتجين عن فعل الإنسان في الطبيعة أي حيز الثروة وحيز التراث .وبين أن هذين يتفاعلان فيكون للثروة دور في التفرغ للبحث العلمي وللتراث (تراكم الخبرة) دور في انتاج الثروة وهذان هما العاملان الثانيان بين الجغرافيا الطبيعية كيان الإنسان الطبيعي. وعلى هذه العوامل الأربعة بنى ابن خلدون كل نظريته: .1الجغرافيا الطبيعية وتحولها إلى جغرافيا حضارية (المكان خاصة) .2وكيان الإنسان الطبيعي وتحوله إلى كيان حضاري (التاريخ خاصة) .3فنتجت الثروة وهي ثمرة تحويل الجغرافيا الطبيعية إلى جغرافيا حضارية .4ونتح التراث وهو ثمرة تحويل التاريخ الطبيعي إلى تاريخ حضاري أبو يعرب المرزوقي 10 الأسماء والبيان
-- .5فتاسست الجماعات وأنظمتها السياسية أو الدول التي هي شرط الحماية والرعاية في الجماعة .وهذا هو موضوع علمه أو شبكة المفهومات الرئيسية في مصنفه بشرط فهمها ذهابا من الفصل الثاني إلى السادس وإيابا من السادس إلى الثاني. أما الباب الاول فهو تأسيس هذه الرؤية التي تتجاوز ما بعد الطبيعة اليونانية إلى ما بعد التاريخ الإسلامية .وقد شرحت فهمها ذهابا وإيابا :فإذا ذهبنا من الباب الثاني إلى الباب السادس تناقص دور عامل الجغرافيا الطبيعية التي تكون قد تحولت بصورة شبه تامة إلى حضارية (فعل الطبيعة) وتزايد دور عالم كيان الإنسان الطبيعي الذي يكون قد صار حضاريا تاما (فعل الثقافة :فعل الإنسان) وإذا عدنا كان العكس أي تزايد دور الطبيعة وتناقص دور الحضارة وتناقص دور فعل الإنسان وتزايد دور المحيط الطبيعي :فينكص الإنسان دور الإنسان إلى شبه عبد للطبيعة كما هي حال البداوة. والمثال نراه بأم العين :فـ\"أغنياء العرب\" لا يعملون شيئا مما يظن حضارة من حولهم بل هم نكصوا إلى البداوة لأن ثروتهم وتراثهم ليسا من صنعهم بل هم يعيشون على تراث انتجه الأوائل وعلى ثروة تنتجها الطبيعة وعمل غيرهم .فهم يبيعون منتوج الطبيعة الذي اكتشفه الغرب واستخرجه واحتاج إليه وحوله وباعه وجمع ثروته وسيطر على أرضه وعلى ناسه. فالغرب هو الذي صار صاحب الاحياز العربية الأربعة ليس باحتلالها فحسب بل بكونه هو الذي جعلها تصبح ثروة ولم يبق صامدا إلا التراث الذي انتجه السلف وهم بصدد الحرب عليه. وحتى المرجعية أي الإسلام فهم يحاربونها .فحربهم كلها عليه .طبعا ليس من الشعوب بل من العملاء منهم. أبو يعرب المرزوقي 11 الأسماء والبيان
-- لذلك فكل بلاد العرب محميات \"غنيها\" وفقيرها. كلها متسولة في الرعاية وتشترك مع التي تظن نفسها غنية في تسول الحماية .بحيث إن كل العرب اليوم هم أكثر شعوب المعمورة كسلا وتبعية لا يعملون ليعولوا أنفسهم ولا يجاهدون ليحموا أنفسهم .يستوردون كل شيء إما من الطبيعة أو من حضارة غيرهم فلا يبدعون شيئا بل هم عيال كما قال ابن خلدون يدينون بكل شيء لغيرهم إما للسلف أو للمستعمر وهم يعيشون عيش الانعام أو دون ذلك. نكصوا إلى دون ما كانت عليه الجاهلية التي كانت تتناهب لعيشها خارج تاريخ المعمورة. ولا شيء يستفزني أكثر مما يقدمه \"اغنياؤهم\" لفقرائهم من معونات هي إهانة للمستعين والمعين لأنها من تفضل الذليل على الاذل .إنما هم الآن يتناهبون بعضهم على بعضهم في حين أن من يجندهم في هذه اللعبة القذرة يحول دونهم وشروط القوة ويقويهم على شعوبهم لنهبها حتى يدفعوا له الجزية مقابل حامية استبدادهم وفسادهم وطغيانهم على شعوبهم. فعندما ترى بلدا ممن يتصورون أنفسهم اغنياء يقدمون عطايا لبلد من فقراء العرب فليس ذلك تراحما بينهم لأن التعاون ليس عطايا بل مشاركة في الاستثمار الراعي والحامي وإذن فهي عطايا هدفها المحافظة على الخريطة التي فرضها أعداؤهم لجعلهم عاجزين عن وحدة تمكنهم من الاستغناء عن الحماة. وقد عرف ابن خلدون الجماعات التي هذا مآلها بكونها جماعة فقد الإنسان فيها \"معاني الإنسانية\" وصار عالة على غيره في رعاية نفسه وأهله وحمايتهما وردهما إلى عاملين هما: التربية والحكم العنيفين. فمن ينكر أن المسلمين عامة والعرب خاصة تربيتهم وحكمهم منافيتان للإسلام وأفسد ما يوجد؟ فتربيتهم عنيفة بمعنى أنها مشروطة بتبعية الفرد لجماعة تابعة. أبو يعرب المرزوقي 12 الأسماء والبيان
-- وحكمهم عنيف لأنه لا يستمد شرعيته من إرادة الجماعة بل من إرادة حاميه الذي فرضه عليها. وختاما فيكفي أن نذكر أن المسلمين عامة والعرب خاصة يعيشون منذ 14قرنا في حالة طواري دائمة بسبب الحروب الأهلية التي ترتبت على الفتنة الكبرى بداية وضاعفتها الفتنة الصغرى غاية وبسبب الغزو الخارجي منذ الصليبيات فالمغوليات الشرقية الماضية فالاسترداديات فالاستعماريات فالمغوليات الغربية الحالية. جل حكام العرب إن لم يكونوا أجانب فهم من مزدوجي الجنسية ومن ثم فهم أشد عداوة من الأجانب للشعب ولحضارته. فإذا فهمنا دور الفتنة الكبرى فهمنا علاقة تراث الإسلام بتراث ما قبله الذي يحاربه: فالصفوية والصهيونية تمثلان انتقام ماض سابق يعود ليحارب الإسلام الذي هزمهم. وإذا فهمنا دور الفتنة الصغرى فهمنا علاقة تراث الإسلام بتراث يظن ما بعده الذي يحاربه :فالروس والامريكان وتوابعهما من أوروبا يعتبرون أنفسهم حضارة حديثة تحارب الإسلام الذي هزمهم في القرون الوسطى .والفتنة الكبرى رمزها الطعن في الخلافة الراشدة. والفتنة الصغرى رمزها إسقاط الخلافة في الربع الأول من القرن العشرين. 13فعل الإنسان هو تاريخه وتراثه وفعله في جغرافيته هو ثروته. وكلاهما حيز صنعه الإنسان يناظر الحيزين الطبيعيين أي المكان والزمان في وجود الإنسان. • والأول علة وجود الأمة المادية وهو رصيد بقائها في جغرافيتها وعلته. • والثاني علة وجودها الغائية وهي رصيد بقائها في تاريخها وعلته. أبو يعرب المرزوقي 13 الأسماء والبيان
-- ولا يمكن لأمة أن تنجح في السيطرة على حيز المكان وحيز الزمان سيطرة تجعلها قادرة على التربية والحكم المحررين للإنسان رعاية وحماية. وتلك هي علة عدم الاستقرار الدائم في تاريخنا الذي شتت وفي جغرافيتنا التي فتتت. فتاريخ الأمة أي تاريخ علاقتها بالطبيعة وتاريخ علاقتها بالحضارة ظلا بين فكي كماشة فكها الأول هو ما تقدم على الإسلام وفكها الثاني هو ما تأخر عنه وكلاهما يحيط به ويحاربه بالعملاء من أبنائه :فالعرب منذ قرن صاروا يؤسسون شرعية دولهم ليس عليه بل على ما قبله ثم صاروا يؤسسها على ما بعده. ولهذه العلة لا يمكن للفتنة الكبرى ممثلة بخرافتي التشيع أي الوساطة بين المؤمن وشأنه الاخروي والوصاية بين المومن وشأنه الدنيوي -معنى سلطة الأيمة الروحية والحكم بالحق الإلهي -ألا تكون متحالفة مع كل أعداء الإسلام وآخرهم دعوة القومية والعلمانية التي تمثل الفتنة الصغرى في دار الإسلام. اليوم أعدى أعداء الإسلام هو تحريفه الباطني للحرب عليه بصورة مشوهة منه. وختاما فإني اعتذر للقراء لاستعمالي هذه المصطلحات الغريبة التي عودهم عليها الكاريكاتوران التأصيلي والتحديث بتحليلاتهم السطحية :فما سميته الفتنة الصغرى هي بالذات عكس الفتنة الكبرى: • الاولى تؤسس للثيوقرطيا المنافية للإسلام • والثاني للانثروبوقراطيا المنافية للإسلام. لكنهما يعتمدان على نفس البنية العميقة ولهما نفس المفعول لأنهما ينافيان ثورتي الإسلام الذي يرفض الفتنتين اي الثيوقراطيا (الحكم باسم الله) والأنثروبوقراطيا (الحكم باسم الأنسان) لأن الحكم فيه تحدده الشورى 38وسبق شرحه مرات. أبو يعرب المرزوقي 14 الأسماء والبيان
-- لكن لا بأس من التذكير به بصورة موجزة .فالآية تحدد \"ما قبل\" و\"ما بعد\" نظام الحكم وأسلوبه كما يعرفهما الإسلام مع علامتين أولاهما دالة على \"الماقبل\" والثانية على \"المابعد\". فالآية تبدأ بالاستجابة للرب وعلامتها الصلاة وتنتهي بعلاج مسألة الاقتصاد والاجتماع علامتها الانفاق من الرزق .وبين الماقبل والمابعد نجد طبيعة النظام وأسلوبه. فطبيعة النظام هي \"أمر+هم\" وهي بالاصطلاح السياسي في عصر نزول القرآن تعني باللاتينية راس+بوبليكا (في روما) أي نظام الحكم الجمهوري .وأسلوبه \"شورى+بينهم\" تعني بالاصطلاح اليوناني \"ديمو+قراطيا\" (في أثينا) أي أسلوب الحكم تشاوري. فيكون الحكم جمهوريا ديموقراطيا :لكن هذا التعريف ضاع في النظر والعمل بطريقتين عربية نكوصا إلى القبيلة الغالبة وفارسية نكوصا إلى الاسرة المقدسة. والطريقة العربية هي التي غلبت فحكمت في البداية وهو اختيار معاوية -حكم القبيلة الأقوى أو العصبية الاقوى بلغة ابن خلدون دون أن يلغي الدستور القرآني لكنه بقي شكليا دون شرطه أي حرية البيعة وسلطة الشريعة. والطريقة الفارسية هي التي عارضت الذي وهو اختيار التشيع وبدأ مع علي -حكم أسرة مقدسة -وكلاهما نفي للإسلام صريح مع فرق نعينه لاحقا لإلغائهما سلطة اختيار الأمة (الغزالي). والرواية السائدة تجعل عليا أكثر شرعية من معاوية وهي من الأكاذيب الشيعية لأن ابن خلدون بين أن بيعة علي لم تكن حقيقية بل وهي قد تمت تحت ضغط اغتيال الخليفة الشرعي الذي وإن لم يكن متواطئا معه بصورة موجبة فإن موقفه السلبي من حمايته فيه شبهة المشاركة السلبية أي عدم منع الاغتيال. أبو يعرب المرزوقي 15 الأسماء والبيان
-- وما حافظت عليه طريقة معاوية وإن شكلا يجعلها أقرب إلى ما ألغته طريقة علي شكلا ومضمونا. وبهذا أختم :فالفتنة الصغرى هي بدورها بدأت في أكبر بلد عربي -مصر-باغتيال رئيس جمهورية منتخب من الشعب تقريبا بنفس الطريقة التي اغتيل بها عثمان وبنفس الانقلاب رغم أن من قام به يعتبر جيشا رسميا وليس مليشيا مثل التي اغتالت عثمان. لكن الجيش الذي يخرج على سلطة شرعية ليس جيشا بل هو من جنس المليشيا التي أتت من مصر والعراق لاغتيال عثمان الخليفة الشرعي. لن تجد في محاولاتي الموجهة للجمهور-وهذه منها-ابتعادا عن دقة التعبير العلمي وصدقه الخلقي لتشخيص حال الامة تشخيصا في متناول القارئ العادي حتى وإن كنت لا اتخلى عن المفهومات النظرية الأساسية المقومة لفلسفة السياسة وللاستراتيجية الحضارية وحتى الحربية ولفلسفة التاريخ وفلسفة الدين .لذلك فهذا العمل لا يبحث عن مغازلة الجماهير بل هو محاولة لجعلها مسلمة بحق تعتبر الامر بالمعروف والنهي عن المنكر مشروطا بالعمل على علم ووعي بالمحددات العميقة لمجريات تاريخ الأمة. ويوم يتخلص العرب من الكاريكاتورين-كاريكاتور الفكر الذي يدعي اصحابه التحديث وهم سلفية استيراد روبافيكيا قشور الفكر الغربي الذي يجهلونه وكاريكاتور الفكر الذي يدعي أصحابه التأصيل وهو سلفية احياء قشور الفكر الإسلامي الذي يجهلونه لأن النوعين عبيد المقابر ولا علاقة لهما بالعلم الحي .فالعلم الحي ليس تاريخ العلم بل هو العلم الذي يطلب قوانين موضوعه فيتحرر من عرض المعلوم السابق لذاته بل لمكافحته بما يتجلى من موضوعه وكان خفيا في التراث السابق أو معدوما فيه. أبو يعرب المرزوقي 16 الأسماء والبيان
-- فلا يمكن ألا يكون أحمق من يتصور المادية الجدلية علما للتاريخ والاجتماع والسياسة وليست إيديولوجيا أو من يستعرض أحوال نفسه فيلسوفا سواء كانت حداثية أو ما بعد حداثية أو من يحول فصلت 53جعلت للوعظ والإرشاد واستبدلوها بالداءين اللذين تشير إليهما آل عمران 7للتأويل بحجة الرسوخ في العلم. فصلت 53تدعونا لتبين حقيقة القرآن في ما يرينه الله من آياته في الآفاق (الطبيعة) والأنفس (التاريخ) والاولى حدد القرآن قوانينها جمعا بين الرياضي والتجريبي والثاني حدد القرآن سننه التي لا تتبدل ولا تتغير فجعل الله القرآن لا تتبين حقيقته بغير البحث العلمي وليس بالتحيل التأويل للغة. وهذان الكاريكاتوران أفسدوا التربية والطغاة الحاكمون أفسدوا الحدم. والجمع بينهما يعلل به ابن خلدون فساد معاني الإنسانية التي هي فقدان شروط الرعاية وشروط الحماية والتحول أمة من العيال وهذا كلام ابن خلدون وليس كلام (راجع 40.6 من المقدمة) والنكوص أسفل سافلين=عودة الأمة إلى العبودية. أبو يعرب المرزوقي 17 الأسماء والبيان
-- ما شرعت في إملائه أمس لفهم سر تعثر العرب خاصة والمسلمين عامة وعجزهم دون الشروط التي تجعل الأمم قادرة على التكيف مع العصر فتحقق شروط الرعاية والحماية ومحاولة استعمال فكر ابن خلدون الذي عالج الجزء المقوم لهذه الشروط أود الآن مواصلة البحث بما أضفته لثورته التي أفسدها الكاريكاتوران اللذان عقما الفكر فصار عاجزا على علاج العلاقة بين الإنسان ومحيطه الطبيعي وبينه وبين محيطه الثقافي. فكاريكاتور التحديث بنفس عقد توابع حضارة لم يدركوا سر قوتها الحقيقي صاروا يبحثون عما يثمنون حضارتهم بما هو ثمين في حضارته رفعا للخصوصي إلى منزلة الكلي بحماقة السبق في ما ينسب إلى الغرب .وذلك ليس فكرا بل هو تعبير عن عقد نقص. فالسبق المزعوم دليل اخفاء عقدة. والأخذ الاعمى دليل توهم الاستيراد يمكن أن يعوض الابداع .لكنه في الحقيقة هو عين التحديث العنيف الذي يفرض خصوصي الغير وكأنه كلي البشر جميعا. فصار ابن خلدون بين خليتين .فهو إما يرد إلى عصره حصرا فيه لكأن عصره خال من الكوني أو يرد إلى عصر من يزعمون أنه سابق عليهم في ما يناسب عصرهم لكأنه هو الكوني. ومن ثم ينتج رد فعل كاريكاتور التأصيل الذي يذهب إلى أن العلم بذاته ينبغي أن يكون خصوصيا :علم اجتماع عربي أو اسلامي .وقد بدأت هذه المعركة بين انطون وعبده في مصر استنادا إلى توهم محاكاة محمد علي لنابليون هي بداية النهوض العربي. ولذلك فالكاريكاتوران لهما نفس الفكر حتى وإن بدوا متناقضين. أبو يعرب المرزوقي 18 الأسماء والبيان
-- كلاهما يخلط بين مضمون العلم الذي هو دائما أعيان ممثلة للكلي بما يشبه المطابقة الوهمية خصله مع النظر العلمي الذي يختلف بالجوهر عن المضمون الممثل .ولا أحد منهما يرد إلى الثاني. فأسمى علوم الطبيعة نظريات قوانينها لا ترد لتجاربها الممثلة :علاقة أعيان بتأويل. المضمون العملي من جنس قيم الصيغ الرياضية التي هي شكلية بالجوهر. فإذا نظرنا إلى ابن خلدون بحثا عن الكلي والكوني في مقدمته بالاعتماد على مقارنات سطحية وجدنا أنه لا علاقة له بكونت أو بماركس أو حتى بهيجل بل هو فريد نوعه في ما توصل إليه من كليات موضوعه إذا تجاوزنا أعيان مضمونه. وأكثر المضامين تمثيلا لذلك هو ما يعده الكثير أهم مفهوماته حتى كاد المرحوم الجابري حصر عمله فيه :العصبية .فالعصبية ليست مفهوما نظريا بل هي مضمون ممثل للمفهوم. ولو وقفنا عند دلالتها المضمونية لاستحال فهم فكر ابن خلدون. لكن المفهوم الذي هي مضمونه له خمس دلالات عينية ولا واحدة منها مثل دلالته النظرية .فهذه ليست عصبية بل هي المفهوم الذي تكون هذه الأعيان أو العصبيات العينية أمثلة عينية منه دون أن تكون إياه إلا بما فيها من المفهوم النظري الذي غاب في فكرهم فاستحال الذهاب إلى قصده. وفهم قصده لا يكون ممكنا ما لم ننطلق من عنوان المقدمة\" :علم العمران البشري و(علم) الاجتماع الإنساني\" .فيكون السؤال الفلسفي الجدير بالوضع هو أي دور لـ\"العصبية\" مضمونيا في \"بشرية العمران\" وفي \"إنسانية الاجتماع\" .وجواب ابن خلدون هو ما به يكون مفهوم الإنسان متحدد بدور العمران والاجتماع في وجوده والأول يتعلق أبو يعرب المرزوقي 19 الأسماء والبيان
-- بـ\"التنازل (أي المشاركة في المنزل) لسد الحاجات\" والثاني يتعلق بـ\"التنازل (أي المشاركة في المنزل) للأنس بالعشير\". وعندئذ يتبين دور العصبية السالب والموجب في تحديد هذا الدور .فقد قابل ابن خلدون بين دورها السالب وسماه \"العصبية المفضية للهرج\" .ودورها الموجب وسماه \"العصبية البانية للجماعات\" التي تتطور فتكون دولا هي شرط الجواب عن حاجة العمران وشرط الجواب عن حاجة الاجتماع فتحقق وظائف مقومي الإنساني :من حيث استمداده لشروط بقائه العضوية من الطبيعة ومن حيث استمداده لشروط بقائه الروحية من التاريخ. فهو أولا يعرف العمران بما يمكن تلخيصه على النحو التالي \"التنازل لسد حاجات العيش المادي بالتعاون والتبادل والتعاوض العادل\" وشرطه الأمن الداخلي .وهذا لا يمكن أن يتحقق من دون عصبية أي لحمة تحقق التنازل من المنزل هو مستوى أداتي من حياة البشر- اي الانتساب إلى جماعة متساكنة. ثم هو يعرف الاجتماع بما يمكن تلخيصه على نحو مماثل لكنه أسمى وهو مستوى غائي من حياة الإنسان. وهذا المستوى الثاني لا يتعلق الامر فيه بالتنازل لسد الحاجات المادية وقد سماه ابن خلدون بالعمران البشري بل التنازل-المشاركة في المنزل-لسد الحاجات الروحية وقد سماه ابن خلدون بالاجتماع الإنساني \"للأنس بالعشير\" اي للتآنس وليس للتعايش فحسب. وكلاهما بحاجة إلى \"عصبية\" من حيث هي لحمة حاملة لما يضمن شرطي التعايش المادي والروحي أي الرعاية والحماية. أبو يعرب المرزوقي 20 الأسماء والبيان
-- وإذن فالعصبية عين من أعيان المفهوم المجرد الذي هو علة التلاحم في الجماعة :ضرورة التعاون والتبادل والتعاوض العادل وضرورة التلاحم والتواصل بالتعارف والتفاهم .ولو حللنا كلمة عصبية الآن لوجدنا القصد الذي جعله يستعملها للدلالة على هذا المفهوم المجرد: فالجذر \"عصب\" جزء من البدن ينقل أوامر المخ لكل جوارح البدن :مقارنة بين الجماعة والكائن ذاتي التنظيم أمرا ونهيا .و\"الياء\" فيه تفيد النسبة إلى هذا المعنى و\"التاء\" تفيد المصدر الصناعي\" :عصب(ـيـ)ـة\" .فيكون المعنى هو عين المفهوم المجرد :نظام أمر الجماعة من حيث هو نظام سلطة لاحمة تحقق شروط التبادل والتواصل شرطي وجود الجماعة المنظمة. وهي إذن مقابل العصبية المفضية للهرج أي بمقياس البدن هي غير فوضى البدن الذي ليس لصاحبه سلطان عليه .ولذلك فقد أحصى ابن خلدون خمس تعينات لهذا النظام حتى وإن كانت جل أمثلته من التعين الأول الذي كان سائدا في الدول التي تكلم عليها .لكنه أشار إلى الأصناف الاربعة الموالية. فأعمها أشار إليه بصفتي \"بشري\" و\"إنساني\" وهي العصبية الأسمى وهي التي يعتمدها الإسلام في النساء 1وفي الحجرات .13وذكر ما بين عصبية الإنسانية غاية وما بين عصبية القبيلة بداية. فبين عصبية الدم وهي الغالبة في المقدمة عندما يؤرخ للعصبيات التي كانت سائدة تأتي عصبية الولاء النفعي لما يريد الحاكم التحرر من عصبية الدم التي تقاسمه السلطة ليتفرد بها .ولما يحجر عليه مواليه من الموالي فيسيطرون على الحكم (ظاهرة البرامكة) يحاول التخلص منها بعصبية قومية (عروبة الأمين قبل افتكاك الفرس الحكم ورده للمأمون). أبو يعرب المرزوقي 21 الأسماء والبيان
-- ثم لما يتحقق نوع من تعدد العصبيات يبحث صاحب السلطان على عصبية أرفع جامعة وهي عصبية الولاء الديني إذ صارت دولة الإسلام في إحدى مراحل تاريخها خليفتها سني وحاكمها الفعلي شيعي (الدولة البويهية) ثم سني غير عربي (الدولة السلجوقية) والجامع في هذه الحالة ليس دمويا ولا موالاة مصلحية ولا قومية بل هي موالاة دينية جامعة وأعم. لكنها تبقى دون العصبية التي تتجاوزها كلها والتي هي غاية الإسلام وغاية المقدمة في فهم تاريخ البشرية ويمكن القول إن أقرب شيء إليها هو العولمة لو جمعت بين المادي والروحي كما يريد لها الإسلام. فالعولمة المقصودة في الإسلام تشترط الاخوة البشرية (النساء )1والمساواة بين البشر مع التعارف الإنساني معرفة ومعروفا (الحجرات .)13 وهو ما يمكن أن نسميه العولمة التي لا تقتصر على المادي بل تجمع بينه وبين الروحي وذلك هو مستقبل الإنسانية وما يجعلني أعتبره سر معركة الغربية مع الإسلام .وإذا فهمنا ذلك فهمنا الحرب على الإسلام في هذه :أصحابها يخشون الاستئناف الإسلامي لهذه العلة. ولهذه العلة فإن ابن خلدون وضع النظرية التي تفهمنا الراهن والمستقبل .فهي ليست نظرية مقصورة على عصره أو قابلة للرد إلى عصر نهاية الحداثة :فكونت وماركس يمثلان نهاية الحداثة وبداية ما بعدها الذي يبحث عن مخرج من مآ زقها فينكص إلى عصر السرديات الوثنية. وكل مقارنة بين نظريته ونظرية كونت أو ماركس حط من قدره وليست رفعا منه .فهو أدرك ما لا يمكن أن يدركاه حتى وإن حاولا الوصول إلى ما وصل إليه الأول عندما سعى لإصلاح نظريته لم فهم \"الأنس بالعشير\". أبو يعرب المرزوقي 22 الأسماء والبيان
-- لكن الثاني امتنع عليه ذلك لأنه يخلط بين التعمير والتدمير مثله مثل هيجل كما يتبين من مفهوم الآوفهيبونج الذي يعني التجاوز الناسخ والذي له تصور خطي للتاريخ بمنطق صراع أرواح الشعوب الذي عوضه ماركس بصراع الطبقات .هذا ما لا يقبل المقارنة مع ما تفيده النساء 1والحجرات 13وما صارت الإنسانية أكثر اشرئبابا لتحقيقه بالفعل للتحرر من التدمير الذي ظنوه تعميرا. فلا يمكن لنظرية ماركس أن تبني إنسانية متآخية ومتآنسة ومتعارفة لأنه من البداية يرد كل شيء إلى المادي ولا يعترف بالروحي مقوما لا يقل أهمية عن المادي تسليما بالتمييز بينهما لأني اعتقد أن الفصل بينهما من تحريف الدين والفلسفة .ولا بد هنا من فهم معنى الاستضعاف والاستقواء. فالاستضعاف والاستقواء كلاهما يكون بذاته ويكون بغيره مثله مثل الوجود ورؤاه. فالأمة تكون مستضعفة بذاتها أو بغيرها بهما معها أو بما يترتب على أحدهما في ثانيهما. وكذلك الاستقواء. والمستضعفون بغيرهم يعملون لدى المستقوين لمنع من صاروا مستضعفين بذاتهم استبطانا للأمر الواقع وكأنه أمر واجب .وما أن تعود إليهم القوة بالذات التي لا تضعف إلا أمام الله يصبحون قوة لا تقهر. وذلك هو ضعنا الحالي إذ عاد إلينا عنفوان الحرية الكرامة وفهمنا علل فساد معاني الإنسانية كما عرفه ابن خلدون وعلله بعنف التربية وعنف الحكم .واعتقد أن فضل الربيع علينا وفضل تركيا معه أنهما جعلا هذا دور أدوات الغرب في إذلال الأمة مفضوحا. لم يبق الأعداء من النوع الذي ذكرته الأنفال 60و\"آخرون لا تعلمونهم الله يعلمهم\". أبو يعرب المرزوقي 23 الأسماء والبيان
-- صرنا نعلمهم ونعلم أن ذلك قد صار دليلا قاطعا على أنهم بجمعهم الحربين ضد الربيع وصد تركيا اعترفوا بسايكس الثانية ورديفتها الصفقة الكبرى لاستكمال سايكس بيكو الأولى ورديفها وعد بلفور. وتبقى الخطوة التي من دونها كل ما حاولت صوغه نظريا ما لم تحصل المعجزة التي هي أخت البداية :فثورة الإسلام الاولى كانت بالضبط عين ما ينبغي أن تكون عليه ثورتنا تحقيق ما سعت إليه وأعدنا لنكون الجيل الذي عليه أن يحقق الاستئناف الفعلي للمعجزة الأولى :أن نتحرر من ضعفنا بذواتنا والبقية لا يهم. والبداية حققها شعب سوريا وشعب ليبيا بصمودها الاسطوري. فلو لم يصمدا لاستحال أن أصل إلى هذا الفهم للمشكل ولما فهمت علاقة تركيا بالصمودين وهي نقيض علاقتها السقوطين في الحرب العالمية الاولى. ولست أدري هل قيادات تركيا على بينة بكل ذلك بصورة نظرية أو بحدس القادة التاريخيين الموهوبين فطريا دون تأسيس نظري من جنس الذي أحاول بيانه فلسفيا وتاريخيا بنظرية الأحياز. لذلك فلا بد من استكمال نظرية الأحياز التي أفسر بها محاولة ابن خلدون بما أسسته سابقا ولم أقله هنا .فالأحياز الخمسة الخارجية -الجغرافيا والتاريخ والثروة والتراث والمرجعية -تحيط بالإنسان كفرد لكنها لا تصل إليه مباشرة بوصفه فردا بل هي تمر حتما بعلاقة فرديته بجماعة تتوسط بينه وبين الطبيعة فرديته التي لها دور. فيكون فردا معطيا وآخذا أي ذا نصيب من الأحياز الخارجية الخمسة متعينة في كيانه العضوي والروحي وهي أحياز ذاتية له :فله \"جغرافيا\" ذاتية هي بدنه وله تاريخ ذاتي هو \"روحه\" وهما متفاعلان تفاعل مصدرهما الخارجي. أبو يعرب المرزوقي 24 الأسماء والبيان
-- وهذا النصيب في الاخذ والعطاء بتوسط دوره في الجماعة يتعين في كيانه العضوي والروحي بمعنى أن كيانه العضوي هو النصيب الذي يأخذه من حيث هو كائن عضوي حي بتوسط دوره في الجماعة من الاحياز الخارجية التي يتغذى منها والتي تمثل المناخ الطبيعي للحياة وهما دورا الجغرافيا غذاء ومناخا كما أسلفت. فيكون كل فرد في آن وكأنه عصارة ما بين الجماعة والحيز الجغرافي من تفاعل يتحقق في كيانه. ولولا ذلك لاستحال أن نفهم منزلة \"الملكية\" في وعي أي فرد وعلاقة ذلك بأهمية منزلتها في الشريعة الإسلامية .فمن يعرف القانون الجنائي الإسلامي أن عقوبة السرقة بنوعيها غير المسلحة (السرقة) والمسلحة (الحرابة) يعلم أنها أشد العقوبات فيه حتى إنها لا يوجد فيها عفو بخلاف قتل النفس مثلا .وهو أمر كان يحيرني لما درست القانون وقارنته بالشريعة حتى فهمت هذه العلاقة. فمن دون \"الملكية\" لا يمكن للإنسان أن يتحرر من أصل العبودية لغير الله. فهي التي تطمئن الإنسان على غده وهي السر في مفهوم النصاب شرطا في الزكاة لأن النصاب يجعل الإنسان مطمئنا سنة كاملة فلا يكون عبدا للحاجة .ومن ثم فالملكية هي شرط التغلب على ما يمكن أن أسميه كناية بشرط المائدة (الغذاء) وشرط السرير (الجنس). وهما ما به يستعبد الإنسان المسيطر عليهما على الإنسان الفاقد لهما .فعندما يكون الإنسان مدينا بهما لغيره يكون عبدا لهذا الغير وليس عبدا لله. فمن يسيطر عليهما يسيطر على الفرد :.وبهما يسيطر الغرب على العرب بعد أن فتت حيز المكان الجغرافي ليبقى العرب عاجزين عن التنمية الاقتصادية وشتت الزمان التاريخي ليبقى العرب عاجزين عن التنمية الروحية علما وعملا .ذلك أن ما قلناه عن سد الحاجات أبو يعرب المرزوقي 25 الأسماء والبيان
-- المادية كناية بالمائدة والسرير يمكن قوله عن الحاجات الروحية بما يتعالى عليهما أي فنون المائدة وفنون السرير وهما الوصل بين المادي والروحي ومصعد الارتقاء القيم الأسمى. أبو يعرب المرزوقي 26 الأسماء والبيان
-- تمهيد \"وسيط بين الفصل الثلاثة المتقدمة على الفصل الرابع والثلاثة المتأخرة عنه\" وصلنا إلى النص الأوسط من السبعة الموعود بها. ولا بد فيه من الاعتذار عن أمرين قبل مواصلة هذه المحاولة لفهم ما يجري بالاعتماد على رؤية خلدونية مطورة لأنها تتضمن أثر ما يغفله التحليل الهيجلي الماركسي للتاريخ الإنساني التحليل الذي لو اكتفينا به لاستحال فهم المشكل الذي نريد علاجه ليس بوصفه أزمة نهوض الامة فحسب بل بوصفه تكثف أزمة الإنسانية في تاريخها وظن الغرب أنها أزمة الإسلام ولم ير أن حصولها في كيانه دليل على أن شفاء الإنسانية رهن شفائه: .1الأول أني لم أستعمل الأداة التي تجعل ما قلته في رؤية ابن خلدون قابلا للصوغ العلمي المكمم أي القابل للرد إلى قوانين طبيعية يعبر عنها بعبارات كمية رياضية تمكن من فهم الموجود الحاصل والموجود الذي سيحصل لو تعاملنا مع كل العناصر وكأنها طبائع. .2والثاني أني لم استعمل الاداة التي تجعل ما قلته قابلا للصوغ العملي المكيف أي القابل للرد إلى سنن تاريخية يعبر عنها بعبارات كيفية تمكن من فهم المنشود الحاصل والمنشود الذي سيحصل لو تعاملنا مع كل العناصر وكأنها شرائع. وذلك بدراسة العوامل الخمسة التي بنى عليها باب المقدمة الخامس أي الجغرافيا الطبيعية التي توجد فيها الجماعة وأفرادها والتاريخ الطبيعي للجماعة وأفردها وفعل العامل الاول في العامل الثاني بتوسط تفاعل الفرد والجماعة معهما أو الاقتصاد والثروة وفعل العامل الثاني في العامل أبو يعرب المرزوقي 27 الأسماء والبيان
-- بتوسط تفاعل الجماعة والفرد معهما أو الثقافة والتراث وما يوحدها جميعا أي المرجعية التي تمثلها الرؤية الدينية والفلسفية للوجود التي تربى عليها الأفراد .والعلة هي أني اعتمدت في البحث ثمرات نظرية المعادلة الوجودية التي وضعتها في محاولات سابقة والتي لم اوردها هنا لئلا أثقل البحث وهي مضمرة فيه وتقبل: .1القراءة بالتثليث لفهم الفلسفة الهيجلية والماركسية فتكون مقصورة على الأمر الأول إما بالتركيز على التوحيد بين التاريخ الطبيعي والتاريخ الحضاري مع تقديم وتأخير للفاعلية واعتبارها محايثة في عالم وحيد وفريد ليس له ما يتعالى عليه ومن ثم فالحلول كلها ترد إلى وحدة الوجود سواء كانت طبعانية خالصة (سبينوزا) أو طبعانية مذوتة لإضفاء الطابع لروحنة الوجود التي تصالح معه الرب (هيجل واعتبار الجوهر ذات). .2أو القراءة بالتخميس فتكون من الجنس الثاني الذي يتضمن الجنس الأول (وهو المستوى الأول من موضوع علم ابن خلدون -العمران البشري لسد الحاجات المادية بالتبادل والتعاون والتعاوض العادل) ولا يلغيه بل يعتبره أداة الجنس الثاني (وهو المستوى الثاني من موضوع علم ابن خلدون الاجتماع الإنساني لسد الحاجات الروحية بالتواصل والتآنس الصادق) الذي يعتبره غاية. وطبعا فالأداة هي الاستعمار في الارض والغاية هي الاستخلاف فيها .وقد ظن المسلمون أن الغاية مغنية الأداة .وظن الغرب أن الأداة مغنية عن الغاية. والمعادلة الوجودية التي وضعتها لضبط هذه العلاقات جعلت قلبها علاقة الإنسان المباشرة برب مفارق بوصفها علاقة \"خليفة بمستخلف\" وكلاهما حر وهي علاقة بين حريتين خالقة ومخلوقة كاملة ومتكاملة وهي الرؤية القرآنية التي يعتبرها ابن خلدون ضرورية دون كلام حول المسألة الإيمانية أبو يعرب المرزوقي 28 الأسماء والبيان
-- لأنه من فرضيات نظريته في عمل العناصر الخمسة التي يتألف منها الباب الأول المؤسس .وهي قلب لمخمس وجودي على النحو التالي: .1فهي تضع على يمين علاقة القلب الوجود الطبيعي .2وتضع على يساره الوجود التاريخي وبينهما علاقة ما بعديه بينهما وهي مجانسة للعلاقة الأولى بين الإنسان والله لكنها ذات التفاتين ( )3أحدهما التفات إلى الطبيعة هو ما بعد (ولنسمه قوانين الخلق) والثاني التفات إلى التاريخ (ولنسيه سنن الأمر) وهذا المابعد المضاعف هو ما بعد الطبيعة وما بعد التاريخ وهو شبه انعكاس للعلاقة الأولى بين الإنسان وربه لكنه بين عالمين عالم الخلق وعالم الامر طلب قوانين الاول وسنن الثاني هما أداتا الإنسان لكي يعمر الارض ويستخلف فيها. فإذا جردنا المعادلة مما فوق الأنسان بقي الإنسان وإذا جردنا الطبيعة والتاريخ مما بعدهما (أي قوانين الخلق وسنن الامر) بقيت الطبيعة وكأنها خالقة لنفسها والتاريخ وكأنه آمر لنفسه .وذلك هو سر التثليث الهيجلي والماركسي :وكلاهما يفترضهما ويلغيهما لأنه ينسبهما إما إلى الطبيعة أو إلى الإنسان. لأن العناصر الثلاثة الباقية بعد حذف العلاقة الأولى بين الإنسان وربه وبين الطبيعة والتاريخ وما بعدهما هي الإنسان والطبيعة والتاريخ. وحينئذ نكون في عالم قابل للقراءة الهيجلية التي عدلت السبينوزية بتذويت وحدة الوجود وبإحلال الله في الإنسان ونفي وجود عالم وراء عالمنا متعال عليه أو بالاكتفاء بالطبيعة طابعة ومطبوعة ومنها الإنسان لأنه ليس دولة في الدولة في رؤية سبينوزا. وتلك هي الماركسية التي نكصت الى السبينوزية دون التذويت الهجلي. أبو يعرب المرزوقي 29 الأسماء والبيان
-- لكني أعيد العلاقة الاولى المباشرة بين الله والإنسان والعلاقة الثانية بين الطبيعة والتاريخ أو المابعد ذي التوجهين. وليس ذلك أمرا عقديا بل هو فرضية عمل لفهم ما يجري في المعادلة الخلدونية بين الطبيعة والإنسان والتي اعتبرها متلازمة مع علاقة الإنسان بالوعي بالزمان ومحاولة الخروج مما يترتب على التذكر والتوقع في علاقة بالمكان وما ينتظره منه لسد حاجاته. لكن إذا اعتبرنا الله محايثا في الإنسان أو في العالم (مفهوم المصالحة الهيجلية) أي في التاريخ وجعلنا الطبيعة والتاريخ غنيين عن ما وراء يصلهما بالخالق للأولى وبالأمر للثاني صار التاريخ بالمنطق الجدلي في حرب دائمة واصبح ما هو من عرضيات التنافس على شروط البقاء هو الغاية وليس مجرد عرض ناتج عن الفشل في اكتشاف الحل الممكن من وجود السياسة العادلة تربية وحكما. والإنسان بفضل هذا المابعد المتعالي عليهما يبدع نظام قوانين طبيعية (رياضية تجريبية بلغة القرآن) ونظام سننن تاريخية (سياسية خلقية بلغة القرآن) فيصبح النظامان مرجعية الانتقال من الحرب الدائمة إلى السلم الدائمة. فيتبين من ثم أن الإنسان لا يمكن من دونهما أن يتعامل مع الطبيعة ومع التاريخ بالعلم وبالعمل تعاملا يحرره من سلطانهما عليه ومن الوثنيات التي تكون تأليها للطبيعة وللأقوياء بدلا من أن يطبق النساء 1أساسا للأخوة والحجرات 13أساسا للمساواة بين البشر فيكون الإنسان من حيث هو إنسان حائزا على التعريف الخلدوني \"رئيس بطبعه بمقتضى الاستخلاف الذي خلق له\". أبو يعرب المرزوقي 30 الأسماء والبيان
-- وبدلا من اعتبار الحرية ثمرة صراع بين سيد وعبد تصبح الحرية علاقة بين رؤساء مستخلفين من الرئيس المشترك لجميع البشر خاصة ولجميع الموجودات عامة :وهذا هو الجذع المشترك بين الدين والفلسفة. الفصل الرابع وكل المؤسسات التي أبدعها الإنسان وظيفتها تحرير الإنسان من هذه النوع الأول من الحاجة المادية المضاعفة لعلتين .ففي البداية الطبيعة شاءت أن يكون الغذاء من بدن الأم في بطنها ثم بالرضاع وهي لا توجد من غير الأسرة .والأسرة إذن هي جهاز مؤسسي من أبداع الإنسان لحل المعضلة بصورة دائمة :فالطفل الإنساني لا يخرج من بطن أمه قادرا على إعالة نفسه. أما النوع الثاني مما يأخذه الفرد من التاريخ ويعطيه له بتسوط الجماعة فهو نصيبه الروحي وليس المادي .فلا أحد يمكن أن يكون ذا نصيب من الروح غير العضوي إلا بهذه الطريقة وإلا لكان كل فرد يبدأ التجريب وتحصيل الخبرة من نقصة الصفر .ليس للفرد من نصيف من الغذاء الروحي والمناخ البروحي من دون ما يأخذه بوساطة الجماعة وأهم أدوات ذلك لسانها لدوره في التواصل وخبراتها لدوره في التبادل. وإذا كان سد الحاجة المادية كما وصفت مستمدا من الحيز الجغرافي الخارجي بتوسط التعاون والتبادل والتعاوض في الجماعة غذاء ومناخا وسد الحاجة الروحية مستمدا من التاريخ بتوسط التواصل والتعارف والتفاهم في الجماعة فإن رمز السد الأول هو كيان البدن والثروة ورمز السد الثاني هو كيان الروح والتراث .من لم يفهم ذلك لا يمكن أن يفهم طبيعة الأزمة التي تعاني منها الأمة :فهي أمة تبادلها بدائي وتواصلها مشاحني بسبب الفقرين المادي والروحي. أبو يعرب المرزوقي 31 الأسماء والبيان
-- سأقول شيئا قد لا يفهمه من لم يعشه بوعي حاد .فأنا أشعر بأن بدني ممزق مثل جغرافيتنا وبأن روحي مشتتة مثل تاريخنا وبأن الثروة العربية ليست ملك الأمة ومن ثم فشعوبها فقيرة رغم أن أرضها غنية وأن التراث العربي لم يعد ملك الأمة ولم يعد محركا فيها قدرة الإبداع سواء كان نظريا أو عمليا أو جماليا أو جلاليا ومن ثم فشعوبها جدباء الخيال وعقيمة الإبداع العلمي والتقني والخلقي والجمالي والجلالي. والأدهى من ذلك كله هو أن المرجعية التي تمثل حصانة الأمة الروحية وأساس مناعتها المادية لم تعد محركة فعلا التحريك الواعي بأسمى شعار مثله جواب سفير الفتح للفرس لما سألوه عن علة مجيء الجيش الفاتح :جئنا لنحرركم من عبادة العباد بعبادة رب العباد .وهذا هو معنى القوة المحررة من استضعاف بالذات وليس ما آلت إليه عندما تحولت إلى غزو لما حرفت قيم الإسلام. ولا أعجب إذا عجب الكثير من كلامي هذا. ذلك أنه يبدو أني مصاب بشبه التصاق بالجغرافيا وبالتاريخ سعيا لاسترداد ثروة الأمة وتراثها اللذين لم يبقيا ملكها. لكنه في الحقيقة وعي بأن الثروة والتراث لم يعد لهما وجود فعلي في وجدان الجماعة والفرد لأنها ليست الأمة هي التي تكتشفها وتستخرها وتستعملها بل هي مجرد حارسة لمالكها الفعلي الثروة للمحتل والتراث للسياح ولا علاقة حية للشعب بوصفها صانعها. 7وقد استعملت في محاولات سابقة كنايتي المائدة والسرير للتعبير عما يستمده الإنسان من الطبيعة بتوسط دوره في الجماعة أخذا وعطاء لنصيبه .كما استعملت كنايتين أخريين هما فن المائدة وفن السرير باعتبارهما ما يضفي على الأولين معنى روحيا يتجاوز الـأكل أكل الأنعام. أبو يعرب المرزوقي 32 الأسماء والبيان
-- وهذان الفنان هما بداية كل الفنون الذوقية سواء كانت متعلقة بالحضارة المادية أو بالحضارة الروحية. وهذا الخراب المادي والخواء الروحي لم يكن بعد قد سيطر في عصر ابن خلدون إذ إن الباب الأخير من المقدمة مخصص للعلوم والثقافة عامة وتنتهي بالكلام على الذوق .لكنهما صارتا مسيطرتين على وجود الجماعة الممزقة بين مقبرتين ميت ماضينا ومتب ماضي الغرب. وما أظنني أعيش هذا الحالة بمفردي إلا إذا كان غيري يعتبر استيراد الابداع المادي وسرقات الابداع الروحي مما يمكن أن يعوض القدرة الفعلية. صحيح أن الإنسان من حيث هو إنسان كائن مائت. وهذه ظرفية إنسانية ومنزلة وجودية كونية وليست خاصة بالمسلمين .ما هو خاص بالمسلمين هو وجها الترف الذي وصفه ابن خلدون .فأغنياؤهم يعيشون كالأنعام يأكلون فضلات حماتهم. وفقراؤهم يعيشون عيش الأنعام على فضلاتهم .وهما عين ما وصفه ابن خلدون دون أن يسميه كما أسميه. لكنه سماه بما هو أشد وأفظع\" :سماه فساد معاني الإنسانية\" .واعتبر ذلك فقدان كل ما يتعلق بسمو الأخلاق والقبول بمنزلة العبيد لغير الله .إنه سر الاستضعاف الذاتي الذي يكثر من خونة الأمة وخدم من يستقوون بهم وهم عبيد لهم :نحن عبيد عبيد. من يسمون أنفسهم حكاما ونخبا عندنا هم أكثر الناس ذلا وتبعية أمام أي موظف أمريكي أو اسرائيل أو روسي أو فارسي وهم أشد الناس استبدادا وحرصا على التظاهر بالقوة التي تعبر عن لا وعيهم بضعفهم إذ لا يمكن للإنسان مهما كذب على نفسه ألا ينظر في باطنه وأن يراها على ما هي عليه من مهانة وذل. أبو يعرب المرزوقي 33 الأسماء والبيان
-- ما نراه من عنف في التربية وفي الحكم-وهما علة فساد معاني الإنسانية في النظرية الخلدونية -في جل بلاد العرب هو ما يعنيه ابن خلدون وهو ما يفسر به فساد صيرورة أي جماعة عالة على غيرها. في سد حاجتيها المادية والروحية أي إنها فاقدة لمعنى العمران البشري ولمعنى الاجتماع الإنساني. ومعاني الإنسانية هي ما نقيض المعاني التي وضعها في تعريفه للإنسان بوصفه \"رئيسا بطبعه بمقتضى الاستخلاف الذي خلق له\"(المقدمة الباب الثاني الفصل .)24 والرئيس غير السيد. وهذا هو الفرق الجوهري بين ما استمده ابن خلدون من الدين وما استمده هيجل من الدين حتى بعد الاصلاح اللوثري. فالرئيس عند ابن خلدون ليس سلطة مفروضة على من يعتبره رئيسا مثل السيادة على العبد عند هيجل إذ حتى الرؤية الدينية فهي تقتضي أن الإنسان لا ينال مرتبة الرئاسة الرمزية إلا بحلول الله فيه وليس من حيث هو إنسان .ابن خلدون يعتبره رئيسا من حيث هو إنسان حتى لو لم يكن مؤمنا بأنه ابن الله .ولا معنى عنده لمفهوم المصالحة والتعارف معرفة ومعروقا ليس حصيلة صراع والا لاستحال وجود المؤسسات الأساسية ومنها الأسرة أو لكانت مبنية على سيد ومسود. فالسيد سيد لعبد والعبد عبد لسيد .لكن الرئيس رئيس لرئيس وهما كذلك لأن لهما رئيس مشترك إذ إنه لا أحد منهما يصدق نفسه إذا ظن أنه رب غيره .ولذلك فابن خلدون لا يفسر التاريخ برمز الصراع بين السيد والعبد والمغلوب لا يتوقف عن المقاومة بطرق اخرى. والمشكل هنا يتعلق بالرؤية وليس بتحققها. أبو يعرب المرزوقي 34 الأسماء والبيان
-- فشعار الفتح والفرق بين الفتح والغزو يبين القصد .ذلك الشعوب التي فتحت بلادها لم ينلها الافناء كما حدث للهنود الحمر الذين قتلوا بالجدري والسلاح والخمر .والإسلام فتح وحافظ في الغالب على تراث الإنسانية. ويكفي أن نعمل أن جل المذاهب الدينية المسيحية واليهودية لم يبق لها وجود إلا في دار الإسلام. وهي تزول كلما استعمر بلد عربي لأن أصحابها سرعان ما ينحازون للمستعمر .وروح الفتح هي التي تتعين فيها شروط الاستثناء من الخسر في سورة العصر لاستحقاق تعريف الإنسان \"رئيسا بطبعه بمقتضى الاستخلاف الذي خلق له\". وهذه الشروط الخمسة هي :الوعي بخطر الوقوع في الخسر ثم فعلان من نصيب الفرد من الاجتهاد والجهاد كفرد وفعلان مع الجماعة :وهي تتضمن رسالة الإسلام كلها. فالوعي بالخسر الممكن للإنسان كإنسان هو أصل الرئاسة بالطبع من حيث هي عين العبادة أو الاستخلاف :بمعنى ان الإنسان لا يعترف بضعفه إلا بما يكتشفه في نفسه من إرادة وعلم وقدرة وحياة ووجود كلها شديدة النسبية ليس بالقياس إلى غيره من البشر لأنهم يشاركونه تلك الصفات بل مع ما يعتبره متعاليا عليهم جميع .وللخروج من الخسر شرطان لا يمكن ألا يكونا إلا فرديين هما الإيمان والعمل الصالح .وله شرطان لا يمكن الا يكونا إلا جماعيين :التواصي بالحق وهو الاجتهاد المعرفي والتواصي بالصبر وهو الجهاد الخلقي. اعتقد أن القراء يفهمون الآن لماذا قلت إن محاولة البحث عن ابن خلدون في مؤسسي علم الاجتماع من الغربيين المحدثين من علامات حمق الكاريكاتور الحداثي عند النخب العربية. فهذا البعد الذي لا يميز بين مستويي موضوعه من حيث هو عمران ومن حيث هو اجتماع يجعل الجمع بين البعدين العضوي والروحي الظاهرة الإنسانية مما ليس منه بد. أبو يعرب المرزوقي 35 الأسماء والبيان
-- وإذن فلا يمكن رد هذا العلم إلى المستوى الأول من شروط قيام الإنسان فردا وجماعة. فمن لم يفهم دور هذا البعد لا يمكن أن يفهم كثرة استعمال ابن خلدون للقرآن حتى إن صاحب بدائع السلك وجد توازيا مذهبا بين درس العمران بعوامل العلاقة بالطبيعة والتاريخ ودرس الاجتماع بعوامل ما بعدهما ذي الالتفاتين. ومن دون ذلك لا يمكن ان يفهم ابن خلدون ناهيك عن فهم الذي لا يتعامل مع الديني في فهم الإنساني من حيث هو عقيدة عنده بل من حيث دور العقائد في نظر الإنسان وعمله وقيمه باعتبارها خاصة ناتجة عن الموقف من \"حصر الزمان =الانجواس من اللامتوقع\" وهو قد بدا درس هذا العامل بوصفه متعلقا بتوقع المستقبل ومعرفة المجهول. وما أضيفه هدفه تفسير ما كان يفكر فيه الرجل حتى وإن لم يجد اللغة التي تمكنه من قوله لأنه رغم عبقريته لم يتمكن من التخلص من اصطلاحات عصره في الفلسفة وفي الدين ومثال ذلك الاصطلاح الأرسطي بخلاف ابن تيمية الذي اعتبره أكثر عبقرية منه واستطاع التخلص من اصطلاح عصره. لكن استعمال المعاني الدينية في مقدمة ابن خلدون لا يعني أنه يقول بإسلامية المعرفة .فكلامه عن الدين لا يقصد به العقائد النقلية -بدليل أنه ضمن فيه كل الأديان البدائية ولم يقتصر على الأديان المنزلة لأنه لا يتكلم على معتقدات مسلمة بل على فرضيات تفسيرية مستمدة مما يعتبره الإنسان أسس تأويله لعلاقته بالطبيعة والتاريخ. مضاعف .والاصطلاح الديني مثله مثل الاصطلاح الأرسطي لا يتعلق بما يعتقده ابن خلدون بل بلغة لقول ظاهرة كونية .فكلاهما صارت له دلالات مختلفة للتي لهما في فلسفة عصره ودينه. أبو يعرب المرزوقي 36 الأسماء والبيان
-- ومن الأدلة القاطعة هو رفضه لنظرية ابن سينا التي يحاول بها إثبات الحاجة إلى النبوة بالحاجة إلى التشريع المتعالي وهي حجة مجانسة للقول بالحاجة إلى الأيمة المعصومين .كما أن استعمال ابن خلدون للاصطلاح الأرسطي لم يبق على دلالاتها الأرسطية. فالهيلومورفية مثلا فقدت معناها الأرسطي لأنه لا يقول مثله بنظرية المعرفة المطابقة بل بعلم إنساني اجتهادي غير مطابق لأن الوجود لا يرد للإدراك. فعند أرسطو التعبير عن المادة والصورة -التفسير بالهيلو(مادة) مورفية (صورة) -يعني أن الشيء في ذاته يتقوم بمادة وصورة وهما ما يدركه الإنسان إدراكا مطابقا بوصفه مقوما للشيء تقويما جوهريا لكأن المعنى الذي يدركه العقل الإنساني يعكسه عكس المرآة لما يتراءى عليها مما هو قائم في الشيء وليس عبارة عما يدركه دون زعم للمطابقة. وهذا يعني أن العلم علم بكليات مقومة أو بجواهر ثوان ثابتة وغير تاريخية :مثل حيوان (جنس) ناطق (فرق نوعي). لكنها عند ابن خلدون استعارات إن صح التعبير للكلام على الأشياء دون أن تكون المعاني مقومة بل معبرة. وهو أمر كان صريحا عند ابن تيمية واعتبره لغة مثل ألفاظ اللسان ورسوم كتابة وخاصة مثل المقدرات الذهنية الرياضية التي ليس لها وجود في الأشياء العينية لكنها تساعد في العبارة عليها علميا .وهو مما ينبغي أن يستنتج من أمرين في فكر ابن خلدون: .1فهو ينفي أن يرد الوجود إلى الإدراك ولا يقول بالمطابقة بين ما ندركه وحقيقة الموجود لأنه ليس كله شاهد بل فيه غيب لا نحيط به .2ولو صحت المطابقة لاستحال أن يكون العلم تاريخيا أي لاعتبرت كل \"حقيقة\" نهائية لأنها مقومة لموضوع علمنا ولا تتغير إذا كانت حقيقة. أبو يعرب المرزوقي 37 الأسماء والبيان
-- لكن حصيلة المعرفة العلمية تاريخية وهو شرط أن يصبح التاريخ قابلا للعلم الفلسفي الامر الذي ينفيه أرسطو لأن التاريخ يدرس الجزئي والكلي ليس تاريخيا .وعلة العلل في استحالة أن يكون الاصطلاح الأرسطي مؤديا للمعاني الخلدونية هي أن التاريخي يتعلق بالعرضي العام ولا يتعلق بالعرضي الذاتي الذي هو موضوع الاستدلال العلمي وما عداه من الماهيات يدرك حدسيا مثل الأوليات في رؤية ارسطو وهو الموضوع الثاني-الحد بعد البرهان من التحليلات الثواني. لكن ابن خلدون يقول بالحرف إنه لم يحترم مبدا أرسطو في اعتبار العلم لا يؤسس نفسه وأنه يحيل على علم متقدم عليه يؤسسه والمؤسس لها جميعا هو المتافيزيقا (ما بعد الطبيعة). إذ يقول إنه في المقدمة يؤسس هذا العلم الجديد الذي يقبل التسمية بالمتاتاريخ (ما بعد التاريخ) :علم رئيس يؤسس نفسه .ولما كان هذا العلم الرئيس يؤسس نفسه فلا بد الا يكون قابلا للتأسيس بالميتافيزيقا الأرسطية بل ولا بد أن يصبح بديلا منها لأنه يؤدي وظيفتها على الاقل في مشروع ابن خلدون الذي يشمل البعد الطبيعي من الإنسان وشروط أل عمران. ذلك أنه ما كان يحتاج لتأسيس نفسه لو كانت الميتافيزيقا الارسطية قادرة على تأسيسه .ولك من هو مطلع على فكر ارسطو يعلم أنه قال بالحرف إن التاريخ-في كتاب الشعر -لا يمكن أن يكون علما لأنه يدرس الجزئي وأن الأدب أقرب إلى العلم منه لأنه يتكلم في الممكن وليس في الواقع منه والممكن أقرب إلى الضروري موضوع العلم .والعلم الرئيس الذي يؤسس نفسه ليس ميتافيزيقا بل هو ميتاتاريخي أو ميتاخلقي يتضمن الطبيعي عنصرا من عناصره باعتباره من مقومات العمران. أبو يعرب المرزوقي 38 الأسماء والبيان
-- لذلك ففي بدايات دراستي لابن خلدون احترت في ما يقصده ابن خلدون بمصطلحاته الفلسفية والدينية لأنه يبدو مستعملا إياهما في غير الدلالة العقدية دينيا وفي غير الدلالة الارسطية فلسفيا. ولو لم يكن أرسطو اختصاصي الاول لما انتبهت لهذه الظاهرة الغريبة .اخترت أرسطو في البداية لأني قدمت البداية على الغاية لفهم ما بينهما أعني الفلسفة العربية التي هي وسط بين القديمة (اليونانية) والحديثة (الألمانية خاصة عندي). والمعلوم أن كل وسط بين بداية وغاية لا بد أن يكون فيه جوهر البداية وجوهر الغاية أعنى أنه وساطته تعني أن بينه وبين البداية وبينه وبين الغاية وساطة تجعله غاية الأولى وبذرة الثانية. لذلك فما بين ثورة ديكارت ولايبنتس إلى حدود كنط وغاية الفكر في المدرسة النقدية العربية علاقة وطيدة. والمدرسة النقدية العربية رموزها الثلاثة هي الغزالي وابن تيمية وابن خلدون. والأوسط أهم ممن تقدم عليه وممن تلاه في قراءتي لتاريخ فكرنا الفلسفي .فثورة الغزالي نقدية سلبية همها فلسفة العمل خاصة. وثورة ابن خلدون موضوعها فلسفة العمل .والنظر الأسمى وضعه ابن تيمية لكن فكره شوه وأهمل .وسأواصل المحاولة لأبين كيف أن قراءته هي التي تبين العلاقة الوطيدة بين فكرنا وشروط فتح آفاق جديدة للاستئناف وهو أمر كان البحث عن السبق يحول دون خاصة ومعايير الحكم مستمدة من اللحاق لتقييم السابق ما أريد فهمه ما اعتبره ثورة في فلسفة النظر وفي فلسفة العمل أنسبهما إلى المدرسة النقدية واعتبرهما منطلق الاستئناف الممكن. أبو يعرب المرزوقي 39 الأسماء والبيان
-- وصلنا إلى القسم الثاني من البحث وهو غايته في المحاولة التي نسعى فيها لفهم علل تعثر الأمة في استئناف دورها بما يناسب العصر الحالي بعد بيان عدم جدية التفسير العرقي والتفسير الثقافي منفصلين أو مجتمعين. فهما تفسيران عنصريان عضويا وروحيا يسودان لدى النخب التي رثتهما عن الرؤى التي بدأت في الغرب وقابلت بين الشعوب بهذين العاملين ثم لما صارت هذه النخب حاكمة تصرفت تصرف المستعمر مع الشعوب على أنها انديجان وبررت بها سلوكها لأن الحكام يستمدون قوة الاستبداد والفساد ممن يستعبدهم ليستعبد بهم شعوبهم. وهما تفسيران يردان إلى تأسيس خرافتين على نظرية المعرفة ونظرية القيمة القائلتين بالمطابقة. وقد سلكت في محاولة التحرر من هذين التفسيرين طريقة يراها من يعتمدون بادئ الرأي الذي فرضه الكاريكاتوران -التأصيلي والتحديثي المزعومين اللذين يزعمون أن رؤية الأول للدين ورؤية الثاني للحداثة واعتمادهما كلاهما على التنافي بين الأمرين اعتمادا على موقفيهما اللاواعيين في نظرية المعرفة ونظرية القيمة القائلتين بالمطابقة فأفسدوا دور الدين ودور العلم بهما ولم يفهما استحالتهما من منظور ديني سابق ومن منظور فلسفي لاحق. فيعسر أن يفهم الكاريكاتوران أن المسألة التي يرونها إيديولوجية هي بالإساس مسألة تنتسب إلى نظرية المعرفة (ابستمولوجية) وإلى نظرية القيمة (اكسيولوجية). وإذا كنت قد بينت في التمهيد الذي صدرت به الفصل السابق -الواصل بين جزئي البحث ما تؤدي إليه المطابقتان من وحدانية العالم المردود إلى الإدراك الإنساني المزعوم علميا وهو في الحقيقة عامي وأن عدم التحرر من وهم الاحاطة الإنسانية المزعوم دينيا وهو أبو يعرب المرزوقي 40 الأسماء والبيان
-- كذلك عامي وليس دينيا فإن ما يتكلم عليه ابن خلدون من دور للدين في علمه هو ما يترتب على استحالة تخلص الإنسان من عاملي الاعتراف بدور الغيب في حياة البشر وهو يتجلى خاصة ما ينتاب الإنسان من شعور بمحدودية عمله وعمله وحاجته إلى ما يستكملهما به لا يطرحه على المستوى الإيديولوجي بدليل نفيه كل تأسيس للسياسة عليه نفيا يبلغ حد السخرية من راكبيه واعتبارهم حمقى مجانين بل على المستوى الأكسيولوجي (ما يترتب على عدم المطابقة القيمية) والابتسمولوجي (ما يترتب على عدم المطابقة المعرفية) لا غير.. علة العلل وداء الأدواء في ازمة الحضارة العربية الإسلامية ابستمولوجية واكسيولوجية بهذا المعنى :النزول منهما إلى الايديولوجيا العامية قديما بالمطابقة الأفلاطونية الارسطية وحديثا بالمطابقة الهيجلية الماركسية .فما يعنيني في المقام الاول ليس البعد الإيماني من الدين -فهذه مسألة شرعية وعقدية وليست موضوع بحثي -بل دور رؤية الإسلام والفلسفة النقدية للمطابقتين في سلوك الإنسان الذي نسعى إلى فهم سلوكه الخلقي في التربية (التحرر من الوسطاء) والسياسي (التحرر من الأوصياء) في الحكم. وابن خلدون وصل الأول بالضمير الخلقي أو ما يسميه بالوزع الذاتي ووصل الثاني بالقانون أو ما يسميه بالوزع الأجنبي أو الأحكام السلطانية واعتبر فساد معاني الإنساني علته ما يصيب هذين الأمرين من علل بسبب العنف في التربية وفي الحكم .وذلك ما يجعلني أتكلم في الأمر من حيث بما سميته بالفتنة الصغرى واعتبرته أساس الفتنتين الصغرى والكبرى التي رددتها إلى الصغرى في الفكر الباطني وأرجعتها إلى القول بالمطابقتين اللتين تجعلان الصراع بين القائلين بهما يتحول إلى تناف بين دور الديني والفلسفي في الرؤية الأبستمولوجية والأكسيولويجة فيحول دون فهم سلوك الإنسان فردا وجماعة كما حدده ابن خلدون في الباب الاول من المقدمة وما غابت دلالته عن الكاريكاتورين. أبو يعرب المرزوقي 41 الأسماء والبيان
-- فالتناظر بين ما كان سائدا في الفلسفة القديمة والوسيطة أعني الرؤية الأفلاطونية جزئيا والأرسطية كليا وما نكصت إليه الفلسفية في غاية الحداثة أعني الرؤية الهيجلية جزئيا والماركسية كليا هو الذي يعنيني في رد الإشكالية التي تعلل الفتنتين الكبرى أي الصراع بين رؤية الإسلام والثيوقراطيا والصغرى أي الصراع بين الإسلام والانثروبوقراطيا هو موضوع بحثي الذي أرده إلى القول بالمطابقتين. 7فما مثلته فلسفة أفلاطون جزئيا وفلسفة أرسطو كليا من قول بالمطابقة المعرفية والمطابقة القيمية هو الذي أفسد الفكر القديم والوسيط وخاصة في الإلهيات الكلامية وفي الإلهيات الفلسفية وهو عينه ما افسد الفكر الحديث في غايته أعني ما تمثله فلسفة هيجل جزئيا وفلسفة ماركسية كليا وبهذا بدأ التوجه إلى تحول الكلام إلى فلسفة (هيجل) والفلسفة إلى كلام (ماركس) وتلك هي بداية ما بعد الحداثة التي لم تعد بحاجة للقول بالمطابقتين ولا بنفيهما أصلا لأن الحقيقة نفسها لم تعد مما يطلب وراء ما يسمى بالسرديات. ولست غافلا عن كون هذه التكوينية يعسر قبولها ممن نكصوا إلى المطابقتين بعد التنصل من النقد الكنطي في المثالية الألمانية التي كان همها الاول والأخير التحرر من المقابلة الكنطية بين الظاهرات والباطنات بدعوى المطابقتين في النظر وفي العمل. وكل من بقي فكره عاميا ولم يفهم أن هذا الفصل الكنطي هو بالجوهر عين ما تتحد به الفلسفة والدين عندما لا يقبلان بالرؤية العامية لنظرية المعرفة ولنظرية القيمة فيعتبران فكر الإنسان مرآة عاكسة لما عليه الأشياء في ذاتها. أبو يعرب المرزوقي 42 الأسماء والبيان
-- فذلك هو سر فساد الفكر الحديث في غايته (هيجل وماركس) الذي نكص إلى فساده الفكر القديم والوسيط في بدايته .وكل ما يعتبر ما بعد هيجل وماركس عاد إلى الفكر القديم والوسيط فأصبح صراعا بين الثيوقراطيا والأنثروبوقراطيا جمعا بين الفتنتين في العالم كله وليس في دار الإسلام وحدها. ونفس هذه العلة هي التي حالت في الحضارة الإسلامية دون فهم محاولات المدرسة النقدية العربية تجاوز أفلاطون وارسطو في غاية العصر الوسيط وتفسر ما يحول دون فهمها من فكر العرب الحالي لأنه تهيجل وتمركس بل وصار بعضهم يدعي أنه ما بعد حديث غنيا عن المطابقتين وعن نفيهما لأنه لا يوجد مسرود وراء السرد إذ حتى السارد معدوم. ومن علامات الحمق تجاوز ما لم يحصل عندهم :فالمتكلمون على ما بعد الحداثة لا يدرون أنهم يثبتون المحاكاة القردية لأن القفز من دون ما هي ما بعده يعني \"كسر أعناقهم\" المشرئبة لما لا يتوفر لها شرطه. لذلك فغالبا ما تجدهم أجهل الناس بالفكر الفلسفي قديمه ووسيطة وحديثه ويرتمون في ما بعده. وعندي أن ابن تيمية أهم من ابن خلدون رغم علم الجميع بإعجابي به اعجابا لا يقدر. وعلة اعجابي به أنه لم يكتف بنقد المعوقات مثل ابن تيمية بل طبق نتيجة نقده بأن انتقل إلى المرحلة الإيجابية فأسس البديل وهو ما حاولت شرحه في كلامي السابق بمفهوم الـ\"رئيس بطبعه بمقتضى الاستخلاف الذي خلق له\". ومع ذلك يبقى ابن تيمية أهم وهو قلب المدرسة النقدية العربية بين الغزالي وابن خلدون جناحيها .والعلة عندي أنه هو الذي أنهى اسطورة المطابقتين بمراجعة فلسفة أفلاطون وارسطو ووضع لبنات تجاوز القول بالمطابقتين وضعا صريحا ومن ثم حررنا من أبو يعرب المرزوقي 43 الأسماء والبيان
-- الفتنة الكبرى باستكمال رد الغزالي لها إلى الصغرى .فغالبا من يركز الناس في علاقة الغزالي بالفلسفة على كتاب تهافت الفلاسفة. وكان ذلك علة موقف حداثيينا-اتباعا لمقالة بلوغ فيه وفي ابن رشد-إذ اعتبروه علة انحطاط الأمة لأنه عارض الفلسفة لكأن الفلسفة وخاصة تلك التي يتكلمون باسهما هي علة تقدم الأمم .لكن ثورته في مفهومين غيبتهما العجلة. أولهما جاء في المنقذ وهو مفهوم \"طور ما وراء العقل\" قياسا على العقل بوصفه طور ما وراء الحس .ورغم أن هذا المفهوم بقي غامضا لأنه قابل للتأويل بمعنى الكشف بديلا من العقل والمعرفة الصوفية بديلا من المعرفة العلمية فإنه يعد بداية لتجاوز المطابقة المعرفية على الأقل في الفكر الفلسفي. ولما كان اشعري المذهب فقد جمع بذلك المطابقة المعرفية مع رفض المطابة القيمية لأن الأشاعرة يرفضون التحسين والتقبيح وشرطه رفضها أي إن تقييم الإنسان للقيم ليس مقبولا لكونه مشروط بالتقييم الشرعي بخلاف الاعتزال الذي يقول بالمطابقتين مثل الفلاسفة. والمفهوم الثاني وهو ما اعتبرته بداية رد الفتنة الكبرى إلى الفتنة الصغرى رغم أن هذه الاخيرة لم تكن موجودة في الفلسفة العملية بصورة صريحة لكنها ضمنية في الرؤية الباطنية كما بين الغزالي في فضائح الباطنية-وهي نفي دور الدين في السياسة إلا توظيفيا وليس جوهريا-فإن كتاب فضائح الباطنية طرح المشكل طرحا مبدئيا وجعله ابن تيمية موضوع علاج فلسفي صريح .ولهذه العلة اعتبرت \"فضائح الباطنية\" الذي يبدو كتابا دفاعيا طلبه الحكم السني في بغداد للرد على الحكم الشيعي في القاهرة ثورة فلسفية كبرى لأنه وضع الاشكالية المضاعفة :علاقة الفلسفة بالدين في حالتيهما السوية والمحرفة أي في حالتهما بوصفهما طالبين للحقيقة وبوصفهما موظفين من السياسة. أبو يعرب المرزوقي 44 الأسماء والبيان
-- لن أطيل الكلام في أهمية هذه النقلة الثورية في كتاب فضائح الباطنية .أريد أن أرى كيف تحولت إلى ثورة صريحة جعلت ابن تيمية ينهي قصة الفتنة الكبرى والفتنة الصغرى برد الأولى إلى الثانية وردهما معا إلى القول بالمطابقتين الممتنعتين على الإنسان لأن من شرطهما ادعاء العلم والعمل المحيطين .وهكذا فما كان جدلا كلاميا عند الغزالي ولم يتحول إلى فكر فلسفي يعالج مسالة الإحاطة في العمل والإحاطة في العلم صار عند ابن تيمية مسألة أكسيولوجية في العمل ومسألة ابستمولوجية في النظر .وقد خصص للأولى رده على ابن المطهر في منهاج السنة وخصص للثانية رده على الرازي في درء التعارض. وقبل الغوص في ثورة ابن تيمية الفلسفية في مجاليها أي في الأكسيولوجيا (نظرية القيمة شرط العمل) وفي الابتسمولوجيا (نظرية العلم شرط النظر) ينبغي أن نفهم علة وصلي الأولى بالرد على ابن المطهر في منهاج السنة ووصلي الثانية بالرد على الرازي في الدرء. وهما برهان تجاوزه القول بالمطابقتين .ملخص الرد على ابن المطهر هو دحض الحاجة إلى الوساطة في التربية وإلى الوصاية في الحكم. فما يقابل منهاج السنة هو الزعم بأن الإنسان يحتاج إلى وسيط بينه وبين ربه وهي سلطة روحية كنسية ينفيها الإسلام. وأن الإنسان يحتاج إلى وصي عليه في شانه الدنيوي وهو الحكم بالحق الإلهي (عصمة الأيمة). منهاج السنة :لا وساطة بين الإنسان وربه ولا وصاية على الإنسان في امره .وسلبا منهاج السنة ينفي الكنسية وينفي الحق الإلهي في الحكم .وهنا نجد الغزالي وابن خلدون حول ابن تيمية قلب المدرسة النقدية .فالحكم بالاختيار وليس بالوصية (الغزالي) والإنسان رئيس بمقتضى الاستخلاف (ابن خلدون). أبو يعرب المرزوقي 45 الأسماء والبيان
-- فيكون منهاج السنة صوغا فلسفيا للرؤية السنية في العلاقة بين الإنسان وربه وفي علاقته بأمره :فمن حيث هو إنسان علاقته مباشرة بربه وهو رئيس بمقتضى الاستخلاف أي ليس لغير الله عليه سلطان إلا ما يستمده من الإسلام أمرا ونهيا في حكم الجماعة لنفسها والنائب يكون عاملا لديها وليس سيدا عليها. أما كتاب الدرء فهو علاج للمسألة الأبستمولوجية أي نظرية المعرفة التي تحررها من القول بالمطابقة ببيان استحالة الإحاطة وبدحضها النسقي في النظر وفي ا لعمل وتلك هي ثورة ابن تيمية الابستمولوجية والأكسيولوجية وقد حصلت في الرد على من جمع بين الكلام والفلسفة لما بلغا تمهما عند الرازي. ولا أنوي عرض هذين الثورتين الأكسيولوجية في الرد على ابن المطهر والابستمولوجية في الرد على الرازي فقد خصصت لثورتي ابن تيمية الكثير من المحاولات وخاصة في الضميمة على ترجمة موسوعة المثالية الألمانية لكني أردت أن اختم المحاولة في علل تعثر النهوض والاستئناف وربطه بمنزلة الإسلام. فبخلاف ما يتصوره أعداء الاسلام عداؤهم لا يدل على ضعفه بل على قوته :اليوم أزمة الإسلام والمسلمين ليست أزمتهما بل هي الدليل على الإنسانية تتصرف حاليا تصرف الطفل المدلل الذي يرفض أخذ الدواء :الإسلام هو البلسم الذي لا يريد من يتصور نفسه قويا ليخفي مرضه أخذه :نعم الإسلام هو الحل. وهو ليس الحل لمشكل يخص المسلمين دون سواهم .هو الحل للإنسانية كلها. فالمرض -ومثاله ما يسببه فيروس كورونا-لا تحول الحدود السياسية والعرقية والثقافية دون الكونية. ومرض الإنسانية الحالي هو ما يدفعها إلى الحرب على الإسلام ظنا أنه الداء وهو في الحقيقة علاج كل الأدواء التي تعاني منها. أبو يعرب المرزوقي 46 الأسماء والبيان
-- فهم أولا: .1يرفضون النساء 1بالعنصرية لأنهم لا يقبلون قول القرآن إن البشر كلهم من نفس واحدة أي إنهم اخوة. وهم ثانيا: .2يرفضون الحجرات 13وما يترتب على ذلك من ضرورة التعارف معرفة ومعروفا .3ويرفضون ما يترتب على الآيتين من ضرورة حصر التفاضل في التقوى أي المساواة أمام القانون .ولا يريدون أن يكون الإنسان معمرا لا مدمرا وأن يكون خليفة لا ربا وأن يكون قويا بذاته لأنه لا يقبل أن يكون مستضعفا لأنه ليس فقيرا لغير الله .فيكون راعيا لذاته وللعالم .والقوي بذاته لا يمكن أن يستضعف غيره لأن من يسعى لاستضعاف غيره ينفس عن ضعفه لغيره :فأكثر الناس عنفا هم أجبنهم. واكتفي بدليلين على ذلك :فلا يوجد من هو أجبن من حكام العرب ومن النخب التي تخدمهم بالطبل والزمر أو بالإعلام والخبرة المزعومة. فهم أكثر الناس تعنيفا لشعوبهم وتبديدا لثرواتهم واستهانة بتراهم وخدمة لأعدائهم وذلا أمام أدنى مثليهم حتى إنهم صاروا يحتمون بقواعدهم فيمولون احتلال بلادهم .ولعل أبرز الادلة على ما أقول هو ما يحدث الآن في حرب التحرير الجارية في ادلب وفي طرابلس. فالشعوب فهمت أنها تتعلق بشروط عودة الأمة إلى دورها التاريخي والحكام والنخب العملاء ما يزالوا في عصر التفتيت الجغرافي والتشتيت التاريخي الذي هو علة العجز أمام تحديات عصر العماليق من حولنا. ولا بد هنا من توضيح الامر الذي كان ينقص المدرسة النقدية حتى تتمكن من تحقيق شروط ثورتها. أبو يعرب المرزوقي 47 الأسماء والبيان
Search