أبو يعرب المرزوقي re nils frahm مراجعة وسمية أو التخميس بنية أدنى للمفهوم والقيمة الأسماء والبيان
المحتويات 2 -الفصل الأول 1 - -الفصل الثاني 13 - -الفصل الثالث 22 - -الفصل الرابع 30 - -الفصل الخامس 39 - -الفصل السادس 49 - -الفصل السابع 57 - -الفصل الثامن 65 - -الفصل التاسع 76 - -الفصل العاشر 84 - المعادلة الوجودية أو رموز كيان الإنسان 88 -خاتمة 91 -
-- بدأت منذ أكثر من عقدين أي منذ شرعت في قراءة القرآن فلسفيا المراجعة الوسمية (مراجعة نظرية السيميوتكس) بهدف تأسيس رؤية للمعاني الكلية تعتبرها رموزا من جنس اللغة والكتابة وتنفي عنها ما كان ينسب إليها من وظيفة تجعلها مقومة لماهيات الأشياء. فقد كانت تعتبر في الفلسفة القديمة والوسيطة وصارت بعد هيجل وماركس من جديد ما كانت في القديم والوسيط مقومات للأشياء التي ترمز إليها بعد محاولات المثالية الألمانية نفي ثمرة النقد الكنطي وتمييزه بين الفينومان والنومان أو بين علم الظاهرات وامتناع علم حقيقة الأشياء في ذاتها. ورغم أن النكوص الهيجلي الذي تبناه ماركس فيه دور للثليث المسيحي فإن العلة الدينية ليست دافعي لمراجعة بنية المفهوم والقيمة وبيان طابعها المخمس لأن وصولي إلى هذه القناعة ليس فيه للدين دور أصلي حتى لو طابق ذلك دور المخمس في الكثير من معاني الإسلام وخاصة في أحكام أفعال العباد. فلست أسعى إلى تعويض التثليث بالتخميس بدافع ديني .ذلك أنه حتى لو سلمنا بوجود هذا الدافع فإنه ليس من طبيعة الدافع الهيجلي لان التثليث المسيحي يتعلق بكيان الرب الذي هو مطلق الوحدانية في الإسلام ومن ثم فلا يكون من جنسه لعدم تعلقه بالذات الإلهية .فالتخميس الإسلامي يتعلق بنظام القيم والأحكام ليس في ذاتها بل من حيث هي أحكام إنسانية على أفعال البشر في تعاملاتهم وليس في حقائقهم بسبب كون هذه من السرائر التي لا يعلمها إلى الله. وإذن فلست معنيا لا بالتثليث ولا بتعويضه بالتخميس من منطلق ديني رغم أن هيجل وصل التثليث المنطقي والوجودي بالتثليث المسيحي-في فلسفة الدين-ما جعل فلسفته تطابق بين المنطق والميتافيزيقا وبين الأنطولوجيا والثيولوجيا إذ هو جعل محاولة قول الإنسان الوجود عين الوجود واعتبر ذلك مصالحة بين الله والعالم. أبو يعرب المرزوقي 1 الأسماء والبيان
-- منطلقي لا علاقة له بهذه القصة رغم أن الكلام فيها ترتب علي علاجي لها من منطلقين لا علاقة لهما بما يظن خيارا تحكميا له دوافع دينية رغم أن هذه الدوافع ليست غائبة في الحل الهيجلي .فتعويضي للتثليث الذي سيطر بمقتضى الرؤية الجدلية التي أسس عليها هيجل منطقه الجدلي علته فلسفية خالصة تماما كما حصل للقاء الأول مع الفلسفة التي كانت تقول بعلة رفضي لهذه الرؤية التي تعود إلى وهمين علتهما إطلاق العقل ونفي الغيب بسبب: • القول بنظرية المطابقة في المعرفة. • القول بنظرية المطابقة في القيمة. ولا أنفي أن العلة الفلسفية الخالصة ذات صلة بما حصل في النقلة الهيجلية من المنطق ثنائي القيمة إلى المنطق ثلاثي القيمة أي من منطق أرسطو إلى منطق هيجل وصلا بين التحريفين الفلسفيين اللذين لا يمكن أن يقبلهما العقل فضلا عن الدين .لكن علاقة محاولتي بهذه العلاقة بالتحريفين وصلتهما بالتثليث ليست مباشرة بل هي نتجت عما ترتب عليها في مسألة الوسميات ونظرية المعرفة ونظرية القيمة. فالتثليث يتألف من الوضع (تاز) ونقيضه (انتاز) والحصيلة (سنتاز) بفضل مفهوم التجاوز الهيجلي أو النسخ المحافظ على المشترك Aufhebungبين الوضع ونقيضه وعلته الخفية هي ما كان يعتبر في المنطق الأرسطي ثالثا مرفوعا نتيجة للقول بالمنطق الثنائي أو علة له وصار في المنطق الهيجلي موضوعا بوصفه حصيلة تفاعل المتناقضين. والحاجة إلى هذه المراجعة أوصلني إليها مصدران مختلفان تماما عن الرؤية الهيجلية التي أسس عليها التثليث .وهما يبينان أن التخميس الذي ملت إليه بخلاف ظن الكثير ليس ذا مصدر ديني مثل التثليث لعدم علاقته بمفهوم الرب رغم ما يبدو من تماثل سطحي من حيث العلاقة بالدين المسيحي في التثليث والعلاقة بالدين الإسلامي في التخميس .لكن هذا يتعلق بقيم الأحكام على أفعال العباد وذاك يتعلق بكيان الرب .وشتان بين الأمرين لأن الاول أبو يعرب المرزوقي 2 الأسماء والبيان
-- له علاقة مباشرة بنظرية المعاني الكلية من حيث هي رامزة والثاني يتعلق بجوهر الذات الإلهية. فلو كان المنطق الجدلي مقبولا عندي لقبلت بنظرية الرمز وعلاقته بمرمزوه ونظرية المعرفة وعلاقتها بموضوعها ونظرية القيمة وعلاقتها بموضوعها السائدة ثلاثتها ولما رفضت الحل الهيجلي حتى لو وصله هو بحجته الدينية لأن هذا الوصل ليس مهما عندي ما دمت لست ابحث عن الحقيقة في الرؤية الدينية ولا أنقد رؤاها في الأديان المتعددة إذ حتى من منظور إسلامي فالحسم في تعدد الرؤى الدينية مؤجل إلى يوم الدين. وإذن فدافعي علته أعمق من ذلك بكثير .فأنا أرفض ما أسس عليه هيجل نظرية القضية التأملية بدعوى تجاوز القضية الحملية بالمعنى الأرسطي للكلمة تأسيسا كان دافعه فيه محاولة فلسفية هي الموضوع المشترك لكل المثالية الألمانية وهي تجاوز الثنائية الكنطية بين الفينومان والنومان وقد يكون الدافع اللاوعي عندهم من جنس الدافع الديني عند هيجل للخروج من مأزق سر الأسرار بلغة هيجل نفسه في الرؤية المسيحية أعني التثليث خاصة وقد تركز النقد في علم الكلام المسيحي طيلة قرون بالبحث عن علاج لهذا الميستار. فالتثليث اعتبره هيجل حلا يحرر الفكر من المنطق ثنائي القيمة الأرسطي ومن العقل الاستريائي أو الحصاة Der Verstandليصل إلى العقل التأملي أو النهى Die Vernunft بتغيير جذري لنظرية القضية في التصور ومن ثم بتغيير الحكم . Das Urteilوبهذه الصورة تسقط كل ردود علم الكلام والفكر التنويري المعتمدة على منطق أرسطو ثنائي القيمة والقائلة برفع القيمة الثالثة. لكن هذه الردود الكلامية والتنويرية سقيمة لأن أرسطو نفسه دون حاجة لتجاوز منطقه استعمل التثليث في كلامه على المحرك الأول ما يعني أنه لو كان يتنافى مع منطقه لكان أول من امتنع عن استعماله .فهو يعرف المحرك الأول الذي لا يتحرك بكونه \"عقل يعقل عقله\" وهو مع ذلك واحد. أبو يعرب المرزوقي 3 الأسماء والبيان
-- ليست غايتي إذن الرد على دافع هيجل الديني رغم أهميته ورغم تأييده من قبل بورس مؤسس علم الوسميات الذي يفضله لهذه العلة الدينية بحج منطقية ووسمية إذ هو يؤسسه على تثليث وظيفة الرمز عامة وهو تثليث جعله بنية المفهوم والقيمة في منطقه الذي هو متافيزيقاه وهما دلالتا السيميوتكس في رؤية بيرس .فهي عنده لا تقوم على ثنائية الدال والمدلول بالمعنى التقليدي كما عند مؤسس اللسانيات في رأي لسانيي اوروبا والعرب من بعدهم بل على ثلاثية إذ لا بد فيها من طرف ثالث يكون وسيطا بينهما من دونه لا يمكن الجمع بينهما .وتلك هي وظيفة المؤول في نظريته .ولهذه العلة فهو ميال لما وضعه هيجل في مسألة التثليث مع الاستدلال الصريح بأهمية المسألة في التثليث المسيحي. فتأييد بورس للحل الهيجلي بنظريته في الوسميات أضافت علة ثانية لرفضي الحل الهيجلي ومعه رؤية بيرس في الوسميات لأن الرمز لا يعمل بهذا الحل إذ لا توجد علاقة بين رمز منفصل عن نظام الرموز ومرموز منفصل عن نظام المرموزات فتكون العلاقة بالضرورة مخمسة: .1الرمز .2علاقته بنظامه .3المرموز .4علاقته بنظامه .5الفعل الرمزي هو العلاقة غير بين منزلة الرمز في نظامه بمنزلة المرموز في نظامه فيكون الوسيط بين هذه العناصر هو التناظر بين المنزلتين في النظامين .وهذا الوسيط ذي الالتفاتين عنصر خامس وهو أصل العناصر الاربعة التي تقدمت عليه. ذلك أن الاستدراك على نظريته في الترميز تمثل أحد منطلقاتي في علاج مسألة التخميس فضلا المسألة المنطقية وعلاقتها بالمسالة الوجودية ونظرية المعرفة والقيمة .وكان حتما علي أن أبدا بهذا الاستدراك قبل الشروع في قراءة القرآن الكريم قراءة فلسفية. فلخياري علتان تتعلق: أبو يعرب المرزوقي 4 الأسماء والبيان
-- .1أولاهما مصدرها نظرية اللسان عامة في علاقة بالترميز عامة .وقد عالجتها في شكل أولي خلال كتابتي للشعر المطلق والاعجاز القرآني .ثم خصصت لها عدة محاولات لست راضيا عن الاستدلال فيها لعسر المسألة أولا ولأني لم أصلها بنظرية المعرفة النافية للمطابقة كما كان ينبغي أن يكون ذلك. .2والثانية مصدرها النظرية المنطقية في علاقة بنظرية المعرفة عامة .وقد عالجتها في بيان امتناع الوقوف بعد ثنائية القيم التي تعطى لمتغيرات القياس مثلا عند ثلاثة بل لا من الوصول إلى خماسية القيم .فالحدان في التناقض مثلا لما يلتقيان لا يكونان ثلاثية بل رباعية لأن ثمرة لقائهما مضاعفة إذ لا يمكن أن نخلط بين ذهابها من أحدهما إلى الثاني وذهابها من الثاني وذهابها الأول حتى لو كانت الثنائية حاصلة في الواحد نفسه كما يراها هجل بين بعده الموجب وبعده السالب. ذلك أن أصل هذين العلتين اللسانية والمنطقية وما بينهما من تفاعل في الاتجاهين أي فعل نظرية اللسان في المنطق وفعل نظرية المنطق في اللسان هو محاولة التحرر من القول بنظرية المعرفة وبنظرية القيمة المطابقتين للوجود لنفيي أن يكون العلم والعمل الإنسانيان محيطين .فمن يقول بالمطابقة في العلم وفي العمل أو في المعرفة والقيمة ينبغي أن يدعي أن حقيقة الموجود أو العلم وحقيقة المنشود أو القيمة شفافتان وأن العقل الإنساني نفاذ يدركهما على ما هما عليه. ومعنى ذلك أن دافعي هو إدراكي لاستحالة أن يكون الإنسان قادرا على ذلك لأن ادعاءه يعني تأليهه والغفلة عما يشوب علمه وعمله من نقص لا يمكن أن يكون الإنسان غير واع به ويبقى علمه علما وعمله عملا بحق: .1العلة الأولى مراجعة نظرية عناصر اللغة العربية المثلثة-الاسم والفعل والحرف- وبيان تقدم عنصرين آخرين فيها وقعت الغفلة عنهما وإعادتهما تقلب العلاقة بين دور النحوي ودور البلاغي فيها .فالتواصل اللساني يتقدم فيه عنصران آخران نراهما بالعين أبو يعرب المرزوقي 5 الأسماء والبيان
-- المجردة عند الأطفال قبل الكلام وهما يبقيان ملازمين للكلام بعد تعلمه ولا يكون الكلام في الغالب إلى ترجمانا عنهما. .2العلة الثانية مراجعة نظرية علوم اللسان الحديثة وهي مثلثة كذلك-السنتاكس والسيمنتيكس والبرجماتيكس-وبيان تقدم عنصرين آخرين فيها وقعت الغفلة عنهما وإعادتهما تقلب العلاقة بين الوظيفة الإحالية والوظيفة الإبداعية للسان .والعنصران الآخران المتعلقان بالوظيفة الإبداعية للرمز أصلا للوظيفة الإحالية يصاحبان السيمنتيك والبراجماتيك بما يتجاوزانهما به كما سابين. فالقصد بالوظيفة الإحالية هو اعتبار اللغة تابعة لعالم سابق الوجود عليها من طبيعة غير رمزية وبيان أن هذا النوع من الوظائف اللسانية تال عن وظيفة أعمق منها هي وظيفة إبداع العوالم بالرمز والتي يكون رامزها ومرموزها من صنع الإنسان لكأن للإنسان فاعلية \"كن\" ليس في الوجود بل في الرموز. وإذا كان العنصران اللذان أضفتهما لعناصر اللغة العربية يبدوان وكأنهما منتسبين إلى عالم موضوع الكلام وعالم فعل الكلام فإن العنصرين اللذين أضفتهما لعناصر علوم اللسان يبدوان وكأنهما ينتسبان إلى فاعلية الترميز المبدع للمرموز الذي ليس له مرجعية من طبيعة غير رمزية في عالم التجربة الحسية. • وقد مثل ابن تيمية للنوع الأول من الرمز الذي يبدع المرموز بالمنطقيات والرياضيات وقد سماه بالمقدرات الذهنية النظرية .وحصر مفهوم العلم النظري البرهاني فيه دون سواه. • وقد قست عليه النوع الثاني من الرمز الذي يبدع المرموز ومثلت له بالأديبات والاخلاقيات وسميته بالمقدرات الذهنية العملية .وحصرت العلم العملي البرهاني فيه دون سواه. فتكون المقدرات الذهنية الأولى أصلا لكل المعاني التي تحتاج إليها علوم الطبيعة عند تطبيقها على التجربة الطبيعية .وتكون المقدرات الذهنية الثانية أصلا لكل المعاني التي أبو يعرب المرزوقي 6 الأسماء والبيان
-- تحتاج إليها علوم الإنسان عند تطبيقها على التجربة التاريخية .ومن ثم فنسبة الرياضيات إلى المعاني الكلية التي تحتاج إليها معرفة الطبيعة من حيث هي البنية المثالية المجردة لكل عالم طبيعي ممكن ليست الطبيعة التي لنا بها علاقة في عالمنا إلا عينة منه هي نفس نسبة الأخلاقيات إلى المعاني الكلية التي تحتاج إليها معرفة التاريخ من حيث هي البنية المثالية المجردة لكل عالم تاريخي ممكن ليس التاريخ الإنساني في عالمنا إلا عينا منه. وهذه المعاني الكلية تعد مقومات لموضوع العلم الطبيعي أو التاريخي إذا قلنا بالمطابقة واعتبرناها عناصر مقومة لحقيقة الشيء وليست رموزا من جنس اللسان والكتابة للإشارة إليه في كلامنا على ما ندركه من أعراضه دون أن نزعم أن ما ندركه منها مطابق له في ذاته .وهذا هو الحل التيمي في العلوم النظرية والمفهومات والذي قست عليه الحل في العلوم المعملية والقيم. ومن ثم فالحل الأفلاطوني والحل الأرسطي لنظرية الكلي كلاهما مرفوض أولا لأنه يعتبر المعاني الكلية مقومة للشيء الذي نتكلم عليه في علومنا النظرية والعملية وليست رموزا مثل اللغة والكتابة كما يراها ابن تيمية مثلا .وثانيا لأن كون الكليات مفارقة أو محايثة لا يغير من الأمر شيئا لأنها لا تعتبر عندهما رموزا بل من عناصر الشيء المقومة لكيانه وبها تصاغ الماهية التي تدرك بالحدس ولا تقبل التدليل (أرسطو الفصل الاخير من التحليلات الأواخر). وهذا هو الحل الذي نكص إليه هيجل وتبعه فيه ماركس فلم يبق فرق بين ما ندركه من الوجود والوجود ذاته وأطلق علمنا وعملنا فألهنا الإنسان واعتبرنا الوجود الذي ندركه كل الوجود ولا وجود لغير العالم الذي هو موضوع مداركنا .وذلك من ثمرات ما ظنت المثالية الألمانية أنها قد تخلصت منه أعني المقابلة الكنطية بين الشيء في ذاته الذي نفكر فيه ولا نعلمه -من جنس عالم الغيب في الدين-والظاهرات التي هي الوحيدة التي نعلمها ونعتبرها محيلة إلى الشيء في ذاته-من جنس عالم الشهادة في الدين -بالنسبة إلى الإنسان: أبو يعرب المرزوقي 7 الأسماء والبيان
-- .1فهيجل اعتبر المعاني الكلية التي يطبق عليها المنطق الجدلي التثليثي مقومة للشيء في ذاته .ومن ثم فالمنطق الجدلي هو عين الميتافيزيقا بمعنى أنه ليس قانونا رمزيا للقول في الوجود بل هو قانون الوجود ذاته. .2وماركس له نفس الرؤية للمعاني الكلية .والفرق بينه وبين هيجل ليس في الطابع المقوم للمعاني الكلية بل في طبيعتها بمعنى أنه لا يعتبرها من طبيعة مختلفة عن المادة نفسها من حيث هي عين صورتها كما يقوله أفلاطون وأرسطو. وكلاهما يقول إذن بأمرين: .1المعاني الكلية التي يستعملها العلم ليست رموزا للشيء مثل اللغة والكتابة كما يقول ابن تيمية بل هي مقومات لكيان الشيء في ذاته. .2المعرفة مطابقة لموضوعها ولا معنى للتمييز الكنطي بين الظاهرات والشيء في ذاته بمعنى أن علمنا محيط بالحقيقة في ذاتها. وإذا كان من اليسير اقناع أي إنسان بخطأ هذه المسألة الثانية فإنه يصعب إقناع حتى كبار المفكرين أن المعاني الكلية ليست مقومة للشيء وأنها مجرد رموز مثلها مثل الألفاظ في اللغة والأشكال في الكتابة تبعا لرؤية ابن تيمية وخاصة إذا علموا نسبتها إليه. ولذلك كان البلوغ إلى هذه الغاية يقتضي إعادة النظر في نظرية اللغة العربية أولا وفي نظرية علوم اللسانيات ثانيا وفي نظرية المنطق ثالثا وفي نظرية العلاقة بين المقدرات الذهنية النظرية والعلم الطبيعي وعلاقة نظرية المقدرات الذهنية العلمية والعلم التاريخي وتأسيس ذلك كله على التخميس بالصورة التالية. وسأنطلق من المنطق الأرسطي .فقانون العقل الأول أو قانون عدم التناقض الذي يعتبره أرسطو في آن قانونا وجوديا في تأسيسه تأسيسا جدليا مفاده استحالة الكلام في أي شيء من دون التسليم به وما يترتب عليه من رفع للثالث واستحالة ثبات هويات الأشياء .ولهذه العلة فإثباته جزء من أثبات نظرية الوجود في كتاب الميتافيزيقا (أنهيت ترجمته إلى العربية اعتمادا على أفضل ترجمة ألمانية لبونيتس صاحب \" دليل المفهومات أبو يعرب المرزوقي 8 الأسماء والبيان
-- الأرسطية \"Index Aristotelicusأعدها في منتصف القرن التاسع عشر وروجعت ثم نشرت في نهاية القرن). ثم أمر إلى المنطق الهيجلي .فرفض الحل الأرسطي يعني استعادة الثالث المرفوع ليصبح ثالثا موضوعا ورفض قانون عدم التناقض والقول بعدم ثبات الهويات والزعم أنها عين تجليها في أعراضها ممثلا بعلاقة الطاقة بمفعولها الذي ترد إليه ليقيس عليها علاقة ذات الجوهر بأعراضه معتبرا إياها ليست شيئا آخر غير تجليها في أعراضها. والمآل كما في حالة أرسطو هو أن قانون القول في الوجود هو عين قانون الوجود نفسه ما يعيدنا إلى بارميندس القائل إن الوجود والعقل متطابقان .وهو قول لا يميز بين العقل الإلهي إن صح التعبير وادارك العقل الإلهي فيفترض المطابقة بين العقلين .وهو المبدأ الذي يرفضه ابن تيمية في النظر وابن خلدون في العمل وكلاهما يعتبره دليل سذاجة فلسفية وكلامية علتها رد الوجود إلى الإدراك. وعندما جمعت بين هذين الحلين وأصلهما تبين أن التطابق بين العقل والوجود أو ما صار عند هيجل التطابق بين العقل والواقع توصلت إلى نتيجة هي أنه ينبغي أن يكون منطلقي لدحض التثليث سواء قلنا برفع الثالث (أرسطو) أو بوضعه (هيجل) رغم الموافقة على الانطلاق من التثنية حتما لأن الوحدة لا تقبل التحليل ولا التعليل. فلا شيء يمكن أن يكون موضوعا للكلام فيه من دون ما يرد إلى علاقة المبتدأ والخبر وقيمتي الصدق والكذب وهما قطبا الثنائية المنطقية المقيمة للثنائية اللسانية والتي تظن نسخة من الوجود .وهذا الوضع يصح حتى لو اقتصرنا على الإشارة دون العبارة لأننا نشير إلى شيء (المبتدأ) وإلى ما يعنينا منه في إشارتنا إليه (الخبر) أي ما أشرنا إليه والمشار إليه في الإشارة هو ما يدور حوله الكلام وما يخبر به عنه .ونحكم بأن ما أشرنا إليه وما نعنيه من الإشارة إليه فيه حكم مضاعف كلاهما بحاجة إلى الاثبات أو التثبت منه: • الأول يسمى حكم \"إن\" :بمعنى أننا ندعي أن ما نشير إليه موجود وهو الموضوع في الوجود والمبتدأ في اللغة. أبو يعرب المرزوقي 9 الأسماء والبيان
-- • الثاني يسمى حكم \"هل\" :بمعنى الخبر عن علاقة المحمول بالموضوع مثبتا أو مسلوبا في الوجود والخبر في اللغة. ومن ثم فنحن أمام عنصرين تضع بعض اللغات بينهما وصلا هو الرابطة الوجودية لإفادة أحد هذين المعنيين وتستغني بعض اللغات الأخرى عن ذلك .وقد كان ذلك من المعضلات في ترجمة الفلسفة اليونانية إلى العربية التي حاول فلاسفة الإسلام حلها .فالعربية من اللغات المستغنية عن الرابطة الحملية في الحكم إذ هي تتبع المبتدأ بالخبر دون وصل بينهما برابطة وجودية .فلا يحتاج العربي في اثبات صفة لذات أو في نفيها لاستعمال رابطة وجودية إثباتا أو نفيا. لكن الفلاسفة حاولوا ترجمتها بواحدة من كلمتين هما \"هو\" و\"يوجد\" (اجتهاد الكندي والفاربي وابن رشد مثلا) .وكلتاهما تحتوي على المطابقة بمعنى أنها تفيد اسقاط حكم الذات على الشيء فيعتبر وكأنه حقيقة في الشيء وليس في حكم صاحب الحكم .ومعنى ذلك أن ما هو \"موقف قضوي ضمني\" متعدد الدرجات بالطبع أصبح وكأنه حكم نهائي مصدره \"مضمون قضوي صريح\" وليس موقف القاضي: .1فإذا قلت السماء زرقاء حكمت بزرقتها لكني لم أقل إن ذلك هو حقيقتها بل أخبرت السامع بحكمي على ما أرى. .2لكن إذا قلت السماء \"توجد\" زرقاء أو \"هي\" زرقاء فلكأني لم اكتف بالحكم بل أضمرت موضوعية الحكم وتخليت عن ذاتيته. وها هو هم العلم الذي يتصوره الفلاسفة كلاما في المضمون القضوي من غير موقف قضوي منه أي بافتراض موقف يزعم أن حكمه هو عين الحقيقة وذلك هو المشكل الذي حسم بطريقتين في نوعي الألسن التي فيها فعل الوصل الوجودي والالسن التي ليس فيها فعل الوصل الوجودي: أبو يعرب المرزوقي 10 الأسماء والبيان
-- .1فالحسم في اللغات التي فيها فعل الوصل الوجودي بين الموضوع والمحمول ومنه وهم المطابقة بين الذاتي والموضوعي إذ إن \"هو\" و\"يوجد\" فيها شبه نفي لنسبة الحكم لصاحبه وإثبات أن ذلك هو كذلك في الوجود الفعلي. .2والحسم في اللغات التي ليس فيها فعل الوصل الوجودي بين الموضوع والمحمول ومنه الابتعاد عن هذا الوهم والإبقاء على الحكم في مستوى لا يفرض الحسم في مطابقة الذاتي للموضوعي. فالخبر بعد المبتدأ واضح أنه منسوب لحكم المتكلم الذي هو صاحب الخبر .ولذلك فهو يفترض \"أقول\" السماء زرقاء بمعنى أعتقد أو أظن أو أرى إلخ ...و\"إن\" التي يمكن أن تؤدي وظيفة فعل الوصل الوجودي المضمرة في \"اقول\" تقاس بمصداقية القائل ومن ثم فهي تعير بمعايير تقيم الذات القائلة التي هي معايير قبول شهادته أو رفضها وهو معنى شاهد عدل .ومنه جاء منهج علم الحديث الذي يهتم بمصداقية الرواة قبل الكلام في صحة المروي والمروي هو بدوره فعل إنساني وليس سواء كان رواية لحديث أو رواية لحدث. والمعلوم أن \"قل\" ملازمة لكل ما هو خبري في نص القرآن وحتى في علم الكلام .ومثاله \"إذا قلتم قلنا إلخ...ليس بمعنى أرد على قولك بقولي بل بمعنى إن كان رأيك كذا فرأيي في ما أبديت فيه رأيك هو كذا إلخ .»...وإذا وجد مضمون قضوي وموقف قضوي حدين يتألف منهما الحكم فإنه لا بد من وجود علاقة تفاعل في الاتجاهين وهما تفاعلان مختلفان ويمثلان عنصرين إضافيين للأصلين المتفاعلين أي: .1أثر المضمون القضوي في الموقف القضوي .وهو معيار تحديد درجة العقد في الموقف. وذلك هو أصل التثبت في الخبر لتقييم أمانة المخبر وحرصه على الموضوعية العلمية. .2أثر الموقف القضوي في المضمون القضوي .وهو معيار تحديد درجة الإيديولوجي في العلمي .وذلك هو أصل التثبت في المخبر لتقييم دور أيديولوجية المعرفة التي يعتمدها. وبذلك فالمطلوب دراسته في هذه المحاولة هو علاج المسائل التالية: أبو يعرب المرزوقي 11 الأسماء والبيان
-- .1مسألة العنصرين المتقدمين على ثالوث الاسم والفعل والحرف في اللغة الغربية بل وفي كل لغة إنسانية. .2مسألة العلمين الإضافيين المتقدمين على ثالوث السنتاكس والسيمنتكس والبراجماتكس. .3مسألة المعاني الكلية التي تودي وظيفة الرمز وليست مقومة للأشياء التي تعرف بها. وهي مركز كل الإشكالية ومن عالجها علاجا نقلها من وظيفة التقويم الوجودي إلى الإشارة الوسمية هو ابن تيمية قبل كل فلاسفة عصره وما يزال علاجه لها ثورة فلسفية لم نسبر أغوارها كما ينبغي أن نفعل. .4مسألة نظرية المعرفة والقيمة وكونهما غير مطابقتين لحقائق الأشياء التي لا نعلمها بل نشير اليها وإلى ما اخترناه من أعراضها للعبارة عنها لا غير. .5وأخيرا دلالة التخميس في صفات أفعال العباد في النظرية الفقهية والتي لا يمكن تصور القانون الوضعي من دونها حتى وإن لم يعترف بذلك. أبو يعرب المرزوقي 12 الأسماء والبيان
-- أبدأ الفصل الثاني بتحديد المطلوب في المحاولة كلها لأشرع في علاج مسائلة الواحدة تلو الأخرى فاثبت أن البنية الدنيا في المفهوم وفي القيمة بعد الوحدة هي المخمس وأن التثليث مبنى على اعتبار العلاقة بين عنصرين واحدة دون تمييز بين وجهتيها المتقابلتين من الأول إلى الثاني ثم من الثاني إلى الأول .ولأذكر بالمسائل التي أحصيتها في الفصل الأول: .1مسألة العنصرين المتقدمين على ثالوث الاسم والفعل والحرف في اللغة العربية وفي كل لغة إنسانية أي اسم الفعل واسم الصوت. .2مسألة العلمين الإضافيين المتقدمين على ثالوث السنتاكس والسيمنتكس والبراجماتكسى أي ما يتجاوز الدلالة إلى المعنى. .3مسألة المعاني الكلية التي تودي وظيفة الرمز وليست مقومة للأشياء التي تعرف بها وهي المقدرات الذهنية النظرية التي تكلم عليها ابن تيمية والمقدرات الذهنية العملية التي قستها عليها. .4مسألة نظرية المعرفة ونظرية القيمة وكونهما غير مطابقتين لحقائق الأشياء وقيمها التي لا نعلمها بل نشير اليها وإلى ما اخترناه من أعراضها للعبارة عنهما لا غير وهي إما رموز من التقدير الذهني النظري ومثالها الرياضيات أو رموز من التقدير العملي ومثالها الأخلاقيات. .5وأخيرا دلالة التخميس في صفات أفعال العباد في النظرية الفقهية والتي لا يمكن تصور القانون الوضعي من دونها حتى وإن لم يعترف بذلك إلا مؤخرا عندما اضاف ما يناظر المكروه والمندوب إليه والتحرر الظرفي بأخذ الضرورة الشرطية بعين الاعتبار أو بأخذ الحرية الشرطية بعين الاعتبار. وسأخصص هذا الفصل الثاني لهذه المسألة الأخيرة التي هي أبرز مثال عيني من أصل كل المسائل أعني طبيعة المعاني الكلية بوصفها رموزا وليست مقومات .وهي كلها ترجع إلى أبو يعرب المرزوقي 13 الأسماء والبيان
-- التقييم الإنساني للأفعال ومفعولاتها وتنفي عنها المطابقة بينها وبين حقيقة القيم ومنها القيم المعرفية في ذاتها واقتصارها على ما هو إضافي إلى الإنسان. وأفعال الإنسان كما بينا لا تتجاوز أفعال الإرادة وأفعال المعرفة وأفعال القدرة وافعال الذوق أو الحياة وأفعال الرؤية أو الوجود .وكلها معان كلية بها يتجلى الإنسان في أفعاله دون أن ندري طبيعة ما وراءها يجعل الإنسان شبه استثناء بين الموجودات .فهذه الأفعال كلها مصحوبة بوعي متعدد الدرجات بها وبعلاقاتها بصاحبها وبكل ما حوله .وتلك هي علة اعتباري الإنسان ليس تابعا لقانون الضرورة الشرطية مثل الظاهرات الطبيعية بل هو تابع لقانون الحرية الشرطية بمعنى أنه بما له من وعي بقانون الضرورة الشرطية يبدو متحررا منها بإرادته ومعرفته وقدرته وذوقه ورؤيته. والقصد بالتخميس في مسألتنا والذي هو عينة من اعتبار المعاني الكلية رموزا للأشياء وليس مقومات لها هو تخميس أحكام أفعال العباد في الفقه .وهذه العينة لا تحتاج لشرح طويل من حيث فهمها الفقهي التقليدي .لكنها عند قراءتها بمنطق نظرية القيمة تجعل نظام التقييم المخمس له دلالات ذات علاقة بضرورة التخميس في كل تقييم بما في ذلك في المعرفة .فهي بدورها خاضعة للتقييم لأن الحقيقة هي بدورها قيمة ودرجات إدراكها خاضعة للتخميس إذ بين علمها وجهلها ثم أثر فعل علمها في غيابه أو في جهلها وهو نوع من الظن وأثر جهلها في علمها هو نوع من الرأي الفاسد تجعل العلاقة مربعة وليست ثنائية. وهذه الأبعاد الأربعة لها أصل واحد تتفرع عنه هو قدرة الإنسان المعرفية حضورا وغيابا الفطري منها والمكتسب. وهذا النظام المخمس له قلب هو مفهوم \"المباح\" الذي يمكن أن نعتبره \"القيمة صفر\"-أي ما يمكن اعتباره باقيا على البراءة الأصلية أو على النفي الأصلي بلغة الغزالي في المستصفى بمعنى أنه ليس موصوفا بأي قيمة متقدمة على موقف الإنسان منه بل الأمر متروك له يقيمه كما يريد بحسب ما يعلم وما يقدر عليه وبذوقه وبمقتضى رؤيته للأشياء: أبو يعرب المرزوقي 14 الأسماء والبيان
-- .1ونجد على يمين المباح حكمين هما * المندوب الذي يجازى الإنسان إن فعله ولا يعاقب إن تركه * والواجب الذي لا بد أن يفعله ويعاقب إن لم يفعله. .2ونجد على يسار المباح حكمين كذلك هما * المكروه الذي يجازى إن تركه ولا يعاقب إن فعه * والمحظور الذي يعاقب إن لم يفعله. ولم استعمل مفهوم \"الحرام\" بل استعملت مفهوم \"المحظور\" لأن مقابل الحرام هو الحلال الذي لا يقابله مقابلة النقيض إذ إن بقية الأحكام من الحلال .وبين أننا أمام أحكام تجمع بين رموز تشير إلى موقف الذات في علاقة برموز تشير إلى موقف سلطة مشرعة للقيم من خارجها هي التي تحدد عنصري كلا الجناحين وتترك القلب مطلق الحرية للذات أعني بقية الافعال والأشياء التي ليست من الأنصاف الأربعة الأخرى ..وسنرى أن هذه السلطة التي تشرع فتضع هذه الأحكام ليست مطلقة لأنها تعترف بحرية من تشرع له إذ يتبين أن الحكم هو في النهاية للذات الفاعلة في الحالتين: .1حالة الضرورة التي تبيح المحظور وفيها يكون الفاعل هو الذي يشرع لنفسه بتقدير هذه الضرورة فيحول الحظر إلى إباحة ما يجعل الحكم النهائي فيها له أي الذات الفاعلة :وحينها تتجلى الحرية ودلالة الفعل الخلقية. .2وحالة الحرية التي تحظر الواجب وفيها يكون الفاعل هو الذي يشرع لنفسه بتقدير هذه الحرية فيحول الإباحة إلى الحظر ما يجعل الحكم النهائي فيها له أي للذات الفاعلية وفيها تتجلى الحرية ودلالة الفعل الخلقية. وقد عالجت القضية سابقا وبينت بهذا المعنى أن هذه القيم أو الأحكام الخمسة هي من جنس المعاني الكلية التي هي رموز للشيء الذي هو فعل مبني على تقييم الأشياء التي تتفاعل معها الذات من خلال قدرتها على تغيير التشريع ومن ثم فالأشياء خاضعة لنوعين من الأحكام: أبو يعرب المرزوقي 15 الأسماء والبيان
-- .1أحكام التشريع الموضوعي أو أحكام السلطة المشرعة لكائن حر في علاقته بأشياء خارجية يتفاعل معها .وتطبيقه للتشريع دليل اختيار خلقي وروحي سواء كان التشريع من سلطة ذات مرجعية دينية أو من سلطة ذات مرجعية وضعية. .2أحكام الذات الفاعلة في تلك الأحكام بحسب تقديرها لما يحررها من الأحكام في العلاقة بنفس الأشياء بنفس الاحترام وهو كذلك دليل اختيار خلقي وروحي بنفس الشروط. وفي الحالتين فإن هذه الأحكام رامزة لحرية الفعل وخلقيته وليست مقومات للشيء أو للوضعية المقيمين بها وذلك بمقتضى جعلها تابعة لحكم الإنسان على تقييم أفعاله بحسب ظرف الفعل .فلو كانت مقومة للأشياء لاستحال أن تتغير بمقتضى حكم الفاعل التقديري لشروط التكيف مع الظرف فيعمل بمعيار تقدير الضرورة التي تبيح المحظور (مثلا أكل الميتة) أو الحرية التي تحظر الواجب (مثلا صوم المريض) لأن الضرورة لو كانت بحق مطلقة لاستحال أن يترك للفاعل تقديرها تقديرا يسمح له بأن يجعل ما كان محظورا مباحا أو ما كان واجبا محظورا. وهذان الإمكانيتان يرجعان الأفعال والأشياء إلى البراءة الأصلية أو إلى النفي الأصلي بلغة الغزالي فيصبح الإنسان مشرعا لنفسه إيجابا أو سلبا ما يناسب الوضعية فيصبح هو المشرع للقيم وفي حل من تشريع السلطة التي تشرع للجماعة والتي تكون حرية الإنسان فيها هي القبول الطوعي للعمل بمقتضى التشريع الموضوعي فتعمل به في الظروف العادية. .1فعند الضرورة الشرطية التي تبيح المحظور يصبح الحكم خاضعا لتقدير الفاعل للموجود في حالة الضرورة ومدى قدرته على تحملها .لكن عند العجز عن تحملها والشعور بأنها تهدد حياته يعطيه الحق في اعتبار ما كان حراما مباحا مثل أكل الميتة لئلا يموت جوعا أو شرب الخمر لئلا يموت ضمأ. أبو يعرب المرزوقي 16 الأسماء والبيان
-- .2وعند الحرية الشرطية التي تحظر الواجب يصبح ما كان واجبا محظورا .فمن الواجب منع الذات من الوقوع في التهلكة .لكن هذا الواجب يصبح محظورا في الحرب لأن تولية الدبر خيانة للوطن والأمة وفقدان للشرف. وفي الحالتين تكون الذات الفاعلة هي الحكم وهي الحكم في التقييم ما يعني أن القيمة ليست صفة ذاتية للشيء المقيم وليست من مقوماته وليست كذلك من ا لتشريع المفروض من فوق بل هي من الرموز التي نعرف بها تعييرنا الذاتي للأشياء لتحديد السلوك المناسب وهي من ثم رموز دالة على أفعال الذات الحرة وليست صفات مقومة للأشياء المشار إليها بها. وهو ما يعني أن رؤية ابن تيمية للمعاني الكلية في المعرفة وفي القيمة بوصفها رموزا مشيرة إلى الأشياء والأفعال وليست مقومات لها هي الأقرب إلى الحقيقة من الرؤية التي تقول بأنها مقومات للأشياء لأنها تتصور المعرفة والقيمة مطابقتين للوجود .ولا يمكن فهم هذه الرؤية من دون التمييز بين مستويين للوجود: .1عالم الشهادة وهو ما ندركه من الوجود ونعلمه بحسب تطور مداركنا الحسية وتجهيزاتها الآلية والنظرية أي ما يضيفه الإدراك العقلي الذي يمتحن المدارك الحسية بالتجهيز الآلي والمفهومي. .2عالم الغيب وهو ما نفكر فيه ولا نستطيع علمه لأن مداركنا التي في المستوى الأولى لا متناهية التطور ويبقى دائما المجهول من الموجود في نسبة اللامتناهي إلى المتناهي المعلوم منه. ومن ثم فكل قول بنظرية المعرفة وبنظرية القيمة المطابقتين ليس إلا من علامات السذاجة الفكرية التي يعتقد أصحابها أن العالم واحد وأنه مقصور على ما يدركه منه الإنسان وأن ارادة الإنسان وعلمه وقدرته وحياته ووجوده مطلقات وليست علامات شديدة النسبية على أعراض لا نعلم ما وراءها لكنها تمكن من التعامل مع الأشياء ومع أبو يعرب المرزوقي 17 الأسماء والبيان
-- الذات بالقدر المناسب لإرادتها وعلمها وقدرتها وحياتها ورؤاها الوجودية .وحين إطلاقها والتغافل عن نسبيتها يمكن: .1لمن يظن إرادته مسيطرة على إرادة غيره أن يعتقد أن إرادته مطلقة فيصبح مستبدا على إرادة غيره. .2ولمن يظن علمه مسيطرا على علم غيره أن يعتقد أن علمه مطلق فيصبح مستبد على معرفة غيره. .3ولمن يظن قدرته مسيطرة على قدرة غيره أن يعتقد أن قدرته مطلقة فيصبح مستبدا على قدرة غيره. .4ولمن يظن ذوقه مسيطرا على ذوق غيره أن يعتقد أن ذوقه مطلق فيصبح مستبد على ذوق غيره. .5ولمن يظن رؤيته للوجود مسيطرة على رؤى الآخرين أن يعتقد أن رؤيته مطلقة فيصبح مستبد على رؤية غيره. وبذلك تصبح علاقة إرادة زيد متنافية مع إرادة عمرو ونفهم ما يسمى بجدلية السيد والعبد في المنطق الجدلي المبني على التنافي بدل التكامل بين الإرادات في الجماعة شرطا في وجودها بدأ من الأسرة .وقس عليه العلم والقدرة والحياة والوجود .وهذه الرؤية العدمية التي تجعل البشر في حرب لا تتوقف في السياسة (الإرادات) وفي المعرفة (صراع المذاهب) وفي القدرات (الصراع الاقتصادي والثقافي) وفي الحياة (الأذواق) وفي الوجود (الرؤى الدينية والفلسفية). وقد تبنى فكر الإسلاميين هذه الخرافة بمفهوم تصوروه قرآنيا وهو مناف للقرآن تماما هو مفهوم \"التدافع\" .فالقرآن يتكلم على \"دفع الله الناس بعضهم ببعض\" وليس على تدافع الناس .والله بدفعه الناس بعضهم ببعض يحول دون المنطق الجدلي والصراع بين الإرادات والعلوم والقدرات والأذواق والرؤى لأن التعدد من آيات الله في الألوان واللغات وحتى في الأديان. أبو يعرب المرزوقي 18 الأسماء والبيان
-- ويفسر ابن خلدون ما يترتب على الصراع الذي يترتب على الرؤية الجدلية بما يسميه نزعة التأله عند الإنسان وخاصة الاستبداد السياسي واستبداد الإرادة والعلم والقدرة والذوق والرؤى الوجودية بين الناس .ولان ذلك أمر وهمي وكاذب يميز الإسلام بين الاجتهاد ويشجع عليه مع العلم أنه يصيب ويخطئ ويجازي حتى الخطأ إذا كان القصد فيه السعي في طلب الحقيقة .وبذلك يصبح الصدق في طلبها هو المعيار وليس المطابقة مع الحقيقة التي لا يحيط بها إلا علم الله. وقياسا على العلم الذي صار اجتهادا وليس معرفة مطلقة يمكن أن نعتبر العمل قد صار جهادا ومجاهدة تقوى واستقامة (ابن خلدون) وليس مطابقة مع قيم الأشياء لأن المهم في العمل ليس المطابقة مع الحق-كما يدعي المتصوف الذي يقابل بين الرسم الفقهي والحقيقة الصوفية مدعيا معرفتها بالكشف ونافيا الغيب في القيم نفيه إياها في العلم -بل قصد الحق مع التسليم بأن الحق المطلق ليس في متناول الإنسان لأنه مشروط بالإرادة والعلم والقدرة والحياة والوجود التي تكون كلها مطلقة وهي مما نرمز به إلى مفهوم الله والرب وليست مما نرمز به إلى الإنسان الذي يحكم بالظاهر والله يتولى السرائر. ويترتب على ذلك ان كل ما جاء في القرآن من أحكام هي لتحديد المثل التي تتحقق في سياسة عالم الغيب ولا يمكن أن تتحقق في عالم الشهادة .وإذن فالمطلوب ليس تحقيقها تحقيقا مطابقا بل السعي الصادق والدائم المشدود إليها بوصفها غاية المنشود وليست عين الموجود .لذلك فكل ما فيه لا يمكن أن يكون مما يناسب فعل الإنسان إلا إذا توهم أنه قادر على الاطلاع على السرائر شرط سياسة عالم الغيب لأن القاضي فيها هو الله نفسه وليس الإنسان. وهذه المسافة بين السرائر والظاهر هي التي تجعل عبارة \"تلك حدود الله فلا تقربوها\" غير مقصورة التوجه إلى المتهم الذي يحاكم لأنه اقترب منها بفعله .إنها تشمل القاضي أيضا إذا اقترب منها بحكمه عليه متوهما أنه مؤهل للحكم بالظاهر الذي يكون بديلا من السرائر مفترضا أن القاضي والقضاء تتوفر فيهما الصفات التي تمكن من ذلك .فالحدود أبو يعرب المرزوقي 19 الأسماء والبيان
-- الواردة في القرآن قد نقبل أن يطبقها الرسول الذي نعلم أنه يتصف بصفتي الحكم القرآنيتين (النساء :58الأمانة والعدل) والقضاء تحت سلطته الشرعية يتمتع بالاستقلال التام إذ لا سلطان عليه في قضائه رغم أنه لا يطلع على السرائر مثلنا لكنه مطلق العدل في الحكم بالظاهر ومطلق السداد في تحديد الظاهر الدال أكثر من غيره ومطلق الاستقلال عن السلطة الظالمة التي لا وجودها لها فوقه. اما من عداه من القضاة فإن الشرطين فيهم لا شيء يثبت وجودهما وخاصة شرط الشروط أعني كونه مطلق الحرية والاستقلال عن إرادة مستبدة وعلم مستبد وقدرة مستبدة وذوق مستبد ورؤية مستبدة تمثل إرادة السلطة التي يأتمر بأمرها وعلمها وقدرتها وحياتها ورؤيتها التي تتصف بهذا الاستبداد فيصبح اقترابه من حدود الله في هذه الحالة بزعم تطبيقها عين الظلم والقهر لأن ما يسمى إرادة الله وعلم الله وقدرة الله وحياة الله ورؤية الله يعني أن الحاكم الظالم صار بديلا من الله. وحتى لو افترضنا قابلية القضاء للتحرر من ذلك كله فإنه من العسير أن يكون القاضي قادرا على تحقيق المناط بصورة تحرره من الالتباس في ظرفيات النوازل وما يكتنفها من العلل والأسباب التي تحول دون معرفة الحقيقة معرفة تمكن من العدل والأمانة شرطي الحكم في القرآن (النسا .)58وهذا الاقتراب من حدود الله في تطبيق الأحكام من دون الشروط يسمونه باطلا تطبيق الشريعة التي تعني في الغالب تطبيقها على الضعفاء في الصغائر والتغاضي عنها مع الـأقوياء في الكبائر كما في تطبيق حد السرقة .فقد تقطع يد من يسرق خبزة لأنه جائع ويسكت القضاء على تطبيق الشريعة على \"أولياء الأمر\" المزعومين وهم في الحقيقة أولى بأن يطبق عليهم حكم الحرابة لأنهم يسرقون أرزاق الناس وبيدهم سلاح الدولة. وإذن فلا يمكن تطبيق الشريعة في دول لا تسير بها شؤونا السياسية والاجتماعية اعني بشروط يحددها القرآن وتعتمد على كل ما تشترطه الشريعة في تنظيم الإرادات (السياسة) والعلوم (البحث عن الحقيقة العلمية) والقدرات (دور الإنسان في الانتاجين أبو يعرب المرزوقي 20 الأسماء والبيان
-- الاقتصادي والثقافي) والحياة (الأذواق) والوجود (الرؤى) بصورة يكون فيها الإنسان كل إنسان ذكرا أو أنثى كما عرفه ابن خلدون \"رئيسا بطبعه بمقتضى الاستخلاف الذي خلق له\" وبمعياري الأخوة الإنسانية (النساء )1والمساواة (الحجرات )13دون تفريق عرقي أو جنسي أو طبقي. ولما كان ذلك شبه مستحيل إذ حتى في عصر الرسول والصحابة لم يتحقق ذلك بإطلاق لأنه يتعلق بالمثال الأعلى في سياسة عالم الغيب التي تقاس عليه سياسة عالم الشهادة مع الفارق بينهما فإن النتيجة هي أن الشريعة ينبغي أن تنسب فيطبق منها ما يجعل من يخلط بين إرادة الله وعلمه وقدرته وحياته ووجوده وإرادة الحكم والعلم والقدرة والحياة والرؤية التي بيد سلطان إنساني لا يمكن أبدا أن يصل على تحقيق الشروط الموضوعة في احكام الله وإلا أصبح حكم الطغاة وعلمهم وقدرتهم وحياتهم ورؤاهم عين ما أمر به الله وتلك هي الفرعونية. وبذلك يتبين أن كل الذين يقولون بالمطابقة في المعرفة وفي القيم لا يمكن أن يكون فهمهم لدلالة مفهوم الغيب مفهوما حدا يمكن من تحرير الانسان من الاستبداد والفساد في سياسة عالم الشهادة وخلطها بسياسة عالم الغيب تربية وحكما علما وعملا ما يجعل القول بالمطابقة وبوحدة العالم وحصر الكيان في الوجود ونفي المنشود كلها من أدواء العصر الذي نكص إليهما بعد أن حاول كنط التحرر منهما وقبله ابن تيمية وابن خلدون شرطين في فهم معنى تبين الرشد من الغي شرطا في حرية المعتقد (البقرة )256وتعدد الأديان شرطا في التسابق في الخيرات (المائدة .)48 أبو يعرب المرزوقي 21 الأسماء والبيان
-- ما معنى البنية الأدنى للمفهوم وللقيمة؟ ولماذا هي مخمسة بالضرورة؟ تلك هي الإشكالية التي أخصص لها هذا الفصل الثالث مقدمة للمسألة الأولى من المسائل الذي ذكرتها المسالة الأولى سأعالجها في الفصل الرابع الموالي .أما هذا الفصل فأخصصه لأمثلة تطبيقها على عين من المعاني الكلية التي تعتبر رموزا للإشارة إلى الأشياء والأفعال وليست مقومات لكيانها فتكون ماهياتها سواء بالمفهوم الأرسطي الذي تكون فيه المعاني الكلية محايثة وهي صورتها أو مفارقة وهي مثالها الذي تشارك فيه بالمعنى الأفلاطوني. والمعنيان يرفضهما ابن تيمية رفضا قاطعا معتبرا المعاني الكلية رموزا تشير إلى الأشياء وليست مقومات محايثة أو مفارقة .وقاس دورها في الإحالة إلى الأشياء على دور ألفاظ اللغة ورسوم الكتابة إلى الأشياء .لكن ذلك لا يفسر لنا الأمرين اللذين سبق أن خصصنا لهما محاولات سعينا فيها للجواب عن سؤالينا التاليين تذكيرا بما بدأنا به هذا الفصل الثالث: .1ما معنى البنية الأدنى أو التي لا يمكن النزول دونها ولا نحتاج لتجاوزها لنحصل على بنية المفهوم أي مفهوم وبنية القيمة أي قيمة؟ فذلك هو القصد بالحد الأدنى للبنية التي هي بنية المفهوم في المعاني الكلية المعرفية وبنية القيمة في المعاني الكلية القيمية. ومعنى ذلك أن المفهوم من حيث هو مفهوم يمكن من الإشارة إلى ما صدق معين والقيمة من حيث هي قيمة تمكن من الإشارة إلى سلم قيمي معين لا بد فهما من أصل وأربعة فروع تكون وحدتها مخمسا فيه عنصران حدان متفاعلان في الاتجاهين يوحدهما الأصل الذي هو المعنى المفهومي أو القيمي اللذين يوحدانها .وقد سمى ابن تيمية أولاها مقدرات ذهنية نظرية. وضرب منها مثال الرياضيات ونظام العدد .وقست عليها الثانية فسميتها مقدرات ذهنية عملية .وضربت منها مثال الأخلاقيات وسلم القيم. أبو يعرب المرزوقي 22 الأسماء والبيان
-- .2ولماذا هي خمسة وليست دون ذلك وما الذي يغنيها عن تجاوزها الأربعة عناصر وأصلها الذي تتفرع عنه أو الواحد الذي هو وحدة المفهوم في النظر والعقد ووحدة القيمة في العمل والشرع؟ وقد سبق فشرحت القصد بالجمع بين النظر والعقد لأنه لا يمكن أن يوجد مضمون نظري ليس مصحوبا بموقف منه .فلا توجد قضية لا يكون مضمونها القضوي مصحوبا بموقف قضوي منه في ذهن الاقضي بها .فلا يمكن لا يتحرر الإنسان من وهم المطابقة الذي يلغي الموقف القضوي لكأن القضية ليست صادرة عن حكم نسبي من شخص قاض محدود العلم بل صادرة عن ذات قاضية لها علم محيط مثل الرب .وذلك هو سر القول بالمطابقة في المعرفة وفي القيمة .وبصورة عامة فيمكن أن نضرب أمثلة على المعاني الكلية المقدرة ذهنيا من العدد واللغة لفهم معنى بنية المفهوم ومن الاقتصاد والثقافة لفهم معنى القيمة. وليكن مثالنا الأول من العدد .فلو أخذنا الواحد بصورة مطلقة وبمفرده كواحد لاستحال أن نقول عنه شيئا مقبولا عقلا إذا ما تخلصنا من تخريف الفيثاغوريين ومحاولات استعماله في إلهيات الباطنية وما تؤدي إليه من علم الكلامي المعتمد على المقاربة بالسلب بين الإنسان والله .ولا بد للكلام عليه من تجاوزه إما بالزيادة أو بالنقصان لندرك معاني مفهومه حتى لو بقينا في الحد الذي كان عليه تصورهم الخالي من مفهوم الصفر الذي لم يكن معتبرا عددا. وهبنا اقتصرنا على الزيادة بتكراره مرة واحدة .فحتما سندخل علاقة بين الواحد الأول والواحد الثاني الذي أضفناه رغم أنهما من \"طبيعة\" واحدة .لكننا نكتشف أنه بذلك تبرز للفكر علاقتان مختلفتان وليس علاقة واحدة كما يتوهم أصحاب التثليث والمتكلمين على العدد التعدادي متناسين العدد الترتيبي .بمجرد تكرار الواحد نكون قد أدخلنا مفهوم الترتيب ولم تكتف بمفهوم التعداد .فتكرار الواحد يضعنا أمام معنى \"الأردينال=الترتيبي\" ويبرز الفرق مع\"الكردينال=التعدادي\" في مفهوم العدد .فنصبح أمام أربعة معان كلية جزئية في بنية مفهوم العدد وحدتها هي مفهوم العدد :العدد الأول أبو يعرب المرزوقي 23 الأسماء والبيان
-- والعدد الثاني الذي أضفانه وعلاقة التعدادي وعلاقة الترتيبي اللتني هما علاقتان حتيمتان. ذلك أنه لا يمكن أن يكون الترتيبي عين التعدادي ولا أن يكون أثر الأول في الثاني عين أثر الثاني في الأول تحديدا لتنويع المفهوم وثرائه البنيوي أعني ما يصبح قادرا على مدنا به من بنى مجردة تصلح في التعامل مع أي ظاهرة نريد أن نعالجها بصورة علمية بأداة العدد وما يتفرع عنها من معان كلية .والعاملان المضافان أي هذان الاثران أكثر ثراء من العاملين الأولين أي الواحد ومكرره .ويجمع بين هذه المعاني الكلية الأربعة مفهوم العدد سواء كان طبيعيا أو حقيقيا أو مركبا. وإذا أخذنا أي قاعدة للتعداد عشرية كانت أو زوجية فإننا نختار رموزا ممثلة لعناصر القاعدة وللقاعدة ولأرضية العدد التي تستعمل القاعدة للسيطرة على تناهيه باضافة مفهوم المنزلة على أرضيتها بحيث أستطيع بعشرة رموز في القاعدة العشرية مثلا أو برمزين في القاعدة الزوجية أن \"أقول\"كل ما اريد قوله بالنظام العددي الذي اخترته تماما كما يحصل في اللغة عندما اكتفي بعدد الحروف لأقول أي لفظة مؤلفة من بعضها كما فعل الفراهيدي بنظرية التواليف في معجم العين .وأستطيع بعدد معين من القواعد النحوية تركيب ما اريد من الجمل بالالفاظ التي اختارها والتي صارت مستعملة من بين التواليف الممكنة إلخ.. ومن ثم فالبنية الأدنى تتألف من عنصرين حدين ومن أثر ما يترتب على علاقتهما المضاعفة دائما لأنها تكون بين الأول والثاني في الاتجاهين ويجمع هذه العناصر وحدة هي ما بعلاقاته يصبح منفصلا عما عداه وذلك هو حده -كما يعرف ابن تيمية الحد أي ما يميز الشيء عما عداه كما في الحد بين قطع الارض في الملكية-تلك هي البنية الأدنى للمفهوم وللقيمة أي كان المجال الذي تتعلق به المفهومات والقيم. أبو يعرب المرزوقي 24 الأسماء والبيان
-- وسآخذ مثالا ثانيا من مفهوم القيمة الاقتصادية بمستوييها الاستعمالي والتبادلي وهو أيسر فهما لأنه من التداول اليومي عند الإنسان العادي الذي يمكن ألا يكون داريا بتعقيد المفهومات النظرية .فأولا القيم الاقتصادية أيا كانت استعمالية أو تبادلية تتحدد بأمرين: .1أحدهما هو طبيعة الحاجة إلى الأمر الذي يقيمانه وهي علاقة بين كيان الإنسان وما يستمده لقيامه من كيان الاشياء التي هي ضرورية لحياته سواء كان ذلك ضرورة عضوية أو روحية وهي علاقة عمودية مع الطبيعة وعلاقة أفقية مع الجماعة .فهي عمودية مع الطبيعة لأن الإنسان يستمدها من الطبيعة .لكنها أفقية مع الجماعة لأن يستمدها منها بتوسط تقسيم العمل للحصول عليها. .2والثاني هو طبيعة التنظيم الجماعي لعملية تحصيل ذلك الأمر في الجماعة التي تتبادله وهي علاقة تقسيم العمل في فعل الإنتاج وشروطه الناتجة عما يجعل الإنتاج ممكنا تقينا أي العلم وتطبيقاته في التعامل مع الطبيعة وممكنا خلقيا أي العمل وتطبيقاته بنظام تقسيم العمل في التعامل بين البشر .وهذا كله بحاجة إلى ولاية سلطة راعية وتلك هي أهم وظائف السياسة والدولة. ويقتضي هذا التنظيم مستويين من التقدير الكمي والكيفي للحاجة والأمر الذي يسدها وهو إذن متعلق بكم الحاجة وبكيفها وبكم ما يسدها وبكيفه وكل ذلك بحاجة إلى نظام قانوني يضبطه ويحميه .ولا من مستويين من الترميز لمستويي التقدير الكمي والكيفي اللذين يضبهما القانون وتحميها سلطته في الاتفاق والاختصام حولهما وهذا أهم مجالات القانون المدني وما قد يترتب عليه من قانون جنائي إذا حصل مس بالحقوق وأصحابها: .1والأول هو الموازين والمكاييل للأمر الذي يسد الحاجة وهو شرط تعيير المشاركة في الإنتاج بثمرته التي تقبل القيس الكمي أولا مرحلة أولى للتقييم الكيفي. .2والثاني هو القيم التي تعطى للمقادير الكمية مما يسد الحاجة بحسب كيف الحاجة فتكون منازل الحاجة هي التي تحدد القيم سواء كانت استعمالية أو تبادلية. أبو يعرب المرزوقي 25 الأسماء والبيان
-- لكن هذه القيم التي تجعل التبادلى أسمى من الاستعمالي في الغالب ليست ذاتية للأشياء بل هي إضافية إلى ظرف التبادل .فالاستعمالي يمكن أن يصبح أسمى من التبادلي إذا وجدت الجماعة في ظرفية الندرة المطلقة كما يحدث في الحروب مثلا .ففي تلك الحالة يمكن أن يشتري الغني خبزة بلوحة لبيكاسو .وفي الصحراء يمكن لمن نفد ما عنده من الماء أن يعطي كل ما يملك من أجل جرعة ماء. لذلك فمفهوم القيمة حتى الاقتصادية بمعنييها ليس مفهوما بسيطا وليس مفهوما مثلثا كما في التحليل الماركسي ناهيك عن القيم الأسمى من ا لقيم الاقتصادية بل هي كما نبين مخمسة الأركان أعني اصلا موحدا وفروعا أربعة: .1فهي علاقة بين البشر شرط قيام يقدرونها :الوعي بطبيعة العلاقة .2بمقتضى علاقتها بحاجاتهم :الوعي بمصدرها .3التي لا تسد إلا بالتعاون بينهم :الوعي بشرط علاجها .4على تحصيلها بنظرهم وعملهم :الوعي بعلاقة التراث الفكري بالثروة ا لمادية. .5ولا يكون ذلك إلا بنظام التعاون بينهم وتلك هي وظيفة نظام الجماعة الذي لا بد له من سلطة ضابطة وناظمة وحامية وتلك هي وظيفة الدولة :الوعي بشرطها السياسي الذي يعلل نجاحها أو فشلها ومن ثم فالقيم مسألة تتعلق بالإرادة (سياسة) والعلم (علم وتطبيقاته) والقدرة (فعل إنتاج مادي وثقافي) والحياة (دافع ذوقي) والوجود (رؤية للوجود ودور الجماعة الحرة المتعاونة بالتبادل العادل). وهذا دليل قاطع على سخف الحل الماركسي الذي يتصور تحقق الاشتراكية الشيوعية مغنيا عن الدولة التي هي شرط الشروط في المستويات الأربعة المتقدمة على البنية الدنيا لمفهوم القيمة الاقتصادية سواء كانت استعمالية أو تبادلية في السلم وفي الحرب على حد سواء .وعندما أقول ذلك فالقصد بيان سخف الرؤية الجدلية التي تجعل المسألة علاقة بين أصحاب رأس المال واليد العاملة. وقد بينت أن بنية الإنتاج الاقتصادي مخمسة بالضرورة لأنها تتألف من أبو يعرب المرزوقي 26 الأسماء والبيان
-- .1الفكرة .2واستثمارها .3وتمويلها من أجل .4استهلاك وكل ذلك يقتضي .5عملية تحقيقها أو نظام الانتاج لما يسد حاجة هذا الاستهلاك .ولا يهم إذا كان المستثمر هو نفسه الممول وحتى إذا هو نفسه صاحب الفكرة وكان هو نفسه رب المعمل وهو نفسه المستهلك .فهذه الوظائف مختلفة وقد تجتمع في نفس الشخص أو نفس الاسرة قبل تعقد تقسيم العمل .فالأمر لا يتعلق بالأعيان بل بالمفهوم .فالمفهوم هو ما ذكرت في تحليل مفهوم القيمة أعلاه وهو سر الانتاجين المادي (الاقتصاد) والرمزي (الثقافة) في كل حضارة. فيكون لدينا: .1الانتاج الرمزي أو الفكرة :وهو العلة الفاعلة في الاقتصاد. .2الحاجة الاستهلاكية :وهي العلة الغائية في الاقتصاد. .3استثمار الفكرة لسد الحاجة :وهو استعمال 1لعلاج .2 .4تمويل الاستثمار ممن لديه فائض مدخر من المال :وهو تمويل الموجود للمنشود ويقابله الامروتيسمون الذي يسدد كلفته مما يحققه في المستقبل. .5الإنتاج المادي الذي يحول الفكرة إلى ما يسد الحاجة :والمنتج هو الذي يحمل القيمة الاقتصادية التي تعينت إما في بضاعة أو في خدمة .وكان ابن خلدون أول من عرف القيمة بكونها كلفة العمل المنتج بمعنى كل ما ذكرنا وليس عملية الإنتاج التي هي القلب قبلها الفكرة والاستثمار علة فاعلة وبعدها التمويل والاستهلاك علة غائية. وأختم بمثال القيم الثقافية أي قيم الانتاج الرمزي سواء كان علميا أو عمليا أعني المجالين الذي ينطبق فيهما ما سماه ابن تيمية المقدرات الذهنية النظرية وخاصة الرياضيات في الطبيعيات والذي ينطبق فيه ما سميته قياسا عليه المقدرات الذهنية العملية أبو يعرب المرزوقي 27 الأسماء والبيان
-- وخاصة الأخلاقيات في التاريخيات .ولا بد هنا من بيان حمق من يعتبرون الانتاج الثقافي بخلاف الانتاج الاقتصادي فعل الأفراد وليس فعل الجماعات .فالإنتاج الثقافي مثله مثل الإنتاج الاقتصادي فعل جماعي مخمس مثله وذلك بمعنيين: .1أولا هو فعل تعاوني في الجماعة المتساوقة لسد حاجة استهلاكية روحية وليست مادية أي إنها تستجيب لحاجة الروح (المعرفة والقيمة) وليس لحاجة البدن (البضائع والخدمات) وهي ضرورية لسد حاجة البدن بصورة غير مباشرة لأنها هي مصدر الفكرة التي تستثمر في الاقتصاد سواء من حيث هي بضاعة أو خدمة (بدافع الذوق) أو من حيث هي شرط الانتاج تقنيا أو خلقيا (أي أدوات الأنتاج تقنيا لأنها تطبيق للبحث العلمي الطبيعي أو مناهج تنظيمه وتنظيم السلطان عليه لأنها تطبيق للبحث العلمي الإنساني). .2وبهذين المعنيين فهي لا يمكن أن تكون مقصورة على الجماعة المتساوقة بل هي تعتمد خاصة على الجماعة المتوالية أي على تراكم العلوم وتطبيقاتها في المجالين الطبيعي والإنساني وعلى تراكم التنظيم التعاوني في الجماعة الباحثة في العلوم وفي الفنون والآداب .ومعنى ذلك أن الانتاج الثقافي وحتى الانتاج الاقتصادي ليسا قوميين ولا ثقافيين بمعنى الانتساب إلى أمة معينة أو حضارة معينة بل هما عمل كوني وإنساني حتى وإن بدا وكأن بعض الشعوب أسهمت فيه أكثر من غيرها وفي هذا الظن الكثير من اعتداد بعض الشعوب بدورها وهو اعتداد مبالغ فيه وكاذب. ولنا من هذا الاعتداد المبالغ فيه إلى حد الكذب كذبتان شهيرتان: .1كذبة المعجزة اليونانية التي يذهب إصحابها إلى أن الحضارة اليونانية لا تدين بشيء لمن تقدم عليها نفيا لدور مصر وما بين النهرين على الأقل. .2كذبة المعجزة الأوروبية التي يذهب أصحابها إلى أن الحضارة الغربية الحديثة لا تدين بشيء لمن كان فاصلا بينها وبين اليونان نفيا لدور العرب والمسلمين على الأقل. أما الحمقى الذين يعتقدون أن الفكر سواء كان فرديا أو جماعيا يمكن أن يدرك ما يطلبه بالضربة القاضية وليس بالنقاط اللامتناهية فيتوهمون أنه قابل للعبارة عنه في مرة أبو يعرب المرزوقي 28 الأسماء والبيان
-- واحدة بمحفوظاتهم الدالة على الموت والغباء ويسمون ذلك فكرا فلسفيا وهو عين الغباء الذي لم يشم أصحابه رائحة الفكر فضلا عن الفكر الفلسفي .لذلك فمواصلة الحفر ومعاودة العبارة الأدق والأعمق لا يفهمه من لم يتجاوزوا اجترار ترديد المحفوظات ولم يصلوا إلى الاجترار بمعناه النيتشوي الذي ليس هو ظاهرة عرضية بل جوهر عمل الفكر الفلسفي. لذلك فهذه الرؤية الببغاوية التي تكرر كتب القرون الوسطى الصفراء وحدها كافية للدلالة على أنهم لم يفكروا قط في حياتهم متصورين توارد الخواطر أو فيض الخاطر فكرا ككل خريجي مدارس المحفوظات التي تقتل الفكر فتجعلهم منتفخين بالهواء وهم ممثلو جوهر الداء الذي ما تزال الأمة تعاني من آثاره لكونه هو علة الانحطاط والتخلف. فهذا الداء الذي يعلل ما تعاني الأمة رمزه أنهم صاروا إما أمراء حرب عنيفة تحرف الجهاد إلى قتال عبثي لتكوين إمارات رأينا أثرها في كل بلاد الإسلام التي صاروا علة تفتيتها أو أمراء حرب لطيفة حمقاء تحرف الاجتهاد بكاريكاتور التأصيل المناظر لكاريكاتور التحديث .وكلاهما يمثل جوهر الاستبداد الذي يحول دون تعريف الإنسان القرآني كما صاغه ابن خلدون “رئيس بطبعه بمقتضى الاستخلاف الذي خلقه” أي متحرر من الوساطة الروحية ومن الوصاية السياسة بنص ما أمر به النبي في علاقته بمن أرسل لتذكيرهم (الغاشية )22-21بما فيهم مرسوما في ما فطروا عليه وشهدوا على أنفسهم بالالتزام به وهم في ظهور آبائهم (الأعراف .)173-172 أبو يعرب المرزوقي 29 الأسماء والبيان
-- لماذا ينبغي أن تكون اللغة العربية مخمسة البنية مربعة الفروع إذ العنصر الخامس هو أصل المربع المتفرع عنه؟ كلنا يعلم أن النحاة العرب اعتبروا العربية مؤلفة من ثلاثة عناصر هي الاسم والفعل والحرف دون أن يحددوا البنية التي تجعل العربية مؤلفة من هذه العناصر تحديدا يكون جامعا ومانعا .لم أجد جوابا شافيا يعلل الاقتصار على ثلاثة لا أكثر ولا أقل ولماذا كانت هذه الثلاثة تلك الثلاثة بالذات حتى لو قبلنا بأن الاستقراء أوصلهم إلى ذلك أو مجرد تقليد اليونان. وقد عالجت هذا المشكل في كتاب \"الشعر المطلق والإعجاز القرآني\" دون أن يكون حينها قصدي مناقشة التثليث المنطقي والوجودي في فكر هيجل وصلته بالحاجة إلى تجاوز القضية الحملية بمعناها الأرسطي إلى القضية التأملية بمعناها الهيجلي .فقد كان الدافع إلى علاج المسألة هو محاولة فهم الوظائف الشعرية للألسن عامة وللسان العربي خاصة ولدوره في القرآن بصورة أخص. سأترك \"الحرف\" الذي يمكن تعريفه بالوصلة الضرورية بينهما عندما يكون الفعل قاصرا أو للوصل بين الجمل للدلالة على تحييز عمل اللسان في الحيز المكاني والحيز الزماني أو لتحييز مفعوله في الحيز الخطابي والحيز المنطقي وذلك في علاقة التواصل بين مستعملي اللسان لذاته أو لعلاقة بالتبادل بينهم .ووظائف الحرف هذه التي اعرفها تعريفا جامعا مانعا غير مسبوق هي التي تجعله أصل الترميز اللساني في كل لسان رغم أنه يبدو أقل أهمية من الاسم والفعل. ولهذه العلة فقد اعتبرت الحرف الأصل في هذه الحالة في كل ما هو لساني من حيث هو فعل ترميز لما يمكن اعتباره حرية المرمز في الوصل بين الرموز وسياقها الخارجي (التحييز في المكان والزمان) أو سياقها الداخلي (التحييز في الخطاب والمنطق) :فتلك هي وظائف أبو يعرب المرزوقي 30 الأسماء والبيان
-- الحرف في أي لسان أعني الرمز الواصل بين الاسم والفعل أو بين المركبات منهما عند الاقتصار على المثلث التقليدي في تعريف اللسان. وسأمر إلى الاسم والفعل وهما إحالة إلى الأشياء والمخاطبين والغائبين والمتكلمين (الاسم) والتعامل معهم بالكلام (الفعل) تعاملا جوهره هو ما ذكرت في كلامي على الحرف أعني الوظيفة التحييزية بمعانيها الأربعة وما يحدث في الأحياز من المعاملات الممكنة بوظائف اللسان: .1فأسأل عن عمل الاسم هل يمكن تصوره ممكنا إذا لم يكن له شرط متقدم عليه هو نتوء المسمى بما يعرض منه ليكون قابلا لوصفه وصفا يسميه؟ .2ثم أسأل عن عمل الفعل هل يمكن تصوره ممكنا إذا لم يكن له شرط متقدم عليه هو نتوء الفعل بما يعرض منه ليكون قابلا لوصفه وصفا يفعله؟ ولما طرحت هذين السؤالين تساءلت ألا يوجد في اللسان العربي أثر لهذين الشرطين مهما كان حضورهما في اللسان شديد الخفاء وهامشيا؟ ألسنا نتكلم على ظاهرتين لعلهما في علاقة بهذا الأمر الذي أطلبه ولم أجد له أثرا في بيان عناصر اللسان التي تتألف منها بنيته المخمسة لأنه ربما اختفى بسبب رده إلى العناصر المذكورة في نظرية اللسان المثلثة أعني؟ • أولا اسم الفعل :فما حقيقته ولماذا اعتبر اسم فعل؟ • ثانيا اسم الصوت :فما حقيقته ولماذا اعتبر اسم صوت؟ لما حاولت فهم هذين الأمرين والجواب عن السؤالين بهرني دورهما المصاحب للاسم والفعل دائما عندما لا يظهران بذاتهما منفصلين عن الاسم والفعل لاختلاف ذلك عن ظهورهما الهامشي عندما يكون محضا غير مصاحب للاسم والفعل عامة .وهما إذن ذانك الشرطان اللذان بحثت عنهما في نسبة الوظيفة الاسمية للأسماء ونسبة الوظيفة الفعلية للأفعال .فإذا أضفتهما للسان صار مخمسا وليس مثلثا: .1اسم الفعل أبو يعرب المرزوقي 31 الأسماء والبيان
-- .2اسم الصوت .3الفعل .4الاسم .5الحرف الذي هو أصل الاربعة المتقدمة عليه لأنه هو الذي يصل بينها وبينها وبين الحيزين الخارجيين المكان والزمان والحيزين الداخليين الخطاب والمنطق فيحقق وحدة الأحياز ووحدة العناصر الاربعة وتلك هي بنية الترميز اللساني. لذلك اعتبرت الحرف كما ذكرت أصلها جميعا لأنه هو جوهر فعل الكلام بحق من حيث هو المحيز للترميز في الحيزين المكاني والزماني خارجه وفي الحيزين الخطابي والمنطقي فيه ما يجعل الترميز عالما قائما بذاته هو فاعلية الإنسان بوصفه كائنا مرمزا .ولولا ذلك لاستحال فهم الشعرية عامة والشعرية المطلقة التي هي ما يحاول جعل الشعر قولا يقترب مما في القول القرآني من الاعجاز القولي لأنه لا يكتفي بالتحييز المكاني والزماني والخطابي والمنطقي بوصفها أربعتها متقدمة عليه في الوجود بل هو وجدها بوصفه متقدما عليها في الوجود إذ هو موجدها وله علاقة مباشرة بنوعي المعاني التي سمى ابن تيمية نوعها النظري تقديرات ذهنية رياضية للعلوم الطبيعية والحقيقة وقست عليها نوعها الثاني وسميته تقديرات ذهنية خلقية للعلوم التاريخية والقيمة. فإذا أردنا أن نفهم معنى التسمية فلا من فهم اسم الصوت وأن نفهم معنى الفعلية من فهم اسم الفعل فلا أن نفهم معنى اسم الصوت واسم الفعل .فيصبح ما يبدو هامشيا في اللسان هو الأصل ونفهم حينها علة اعتبار الحرف أهم وظائف عناصر اللسان فيكون هو أصل العناصر الأربعة التي تتألف منها بنية اللسان المخمسة باعتبار الأصل واحدا منها لأنه موجود في كل واحد منها وذو قيام ذاتي خارجها .ولكن قبل ذلك لا بد من الكلام على خصيصة في العربية محيرة لم أجد لها مثيلا لا في الفرنسية ولا في الانجليزية ولا في الألمانية وهي أن دلالة الأفعال على الزمان فيها على نوعين: أبو يعرب المرزوقي 32 الأسماء والبيان
-- .1الأول نوع لا يكتفي بالتحييز الزماني من خلال دور الفعل التصريفي الدال على الظرفية الزمانية ماضيا ومضارعا ومستقبلا للفعلية بل هو يعين لحظة الزمان ليشتق الفعل من اسمه :مثل أصبح وأمسى وبات وأضحى إلخ.. .2الثاني نوع لا يكتفي بالتحييز المكاني من خلال دور الفعل التصريفي وما يصبحه من دوال على الظرفية المكانية مطبقا عليه التحييز الزماني السابق بل هو يصله بالوجود نفسه-لأن كان من الكون الذي هو كل المكان ومن الكيان الذي هو الوجود إذ إن \"مكان\" أشبه بالمصدر الميمي من كان -وحينها يصبح التحييز المكاني والزماني مجتمعين فيه هما عين التحييز الوجودي خارج الخطاب والمنطق. والأكثر تحييرا هو أن القرآن يستعمل ذلك لتجاوز التحييزين الخطابي والمنطقي المتعلقين بنظام عالم الشهادة المتقدم على الرمز اللساني إلى نظام عالم الغيب الذي للرمز الساني فيه تقدم على العالم تقدما يجعل الرمز قبل المرموز بحيث إن \"كن\" تصبح خالقة وآمرة ولا تلتزم بمكان ولا بزمان يحيزان الأفعال والأسماء بل هي فوق المكان والزمان لأنها متخلصة من: • الضرورة الشرطية المتحكمة في نظام الطبيعة (أرسطو). • والحرية الشرطية المتحكمة في نظام التاريخي (قياسا مني عليها). وهذا التخلص يجعل عالم الغيب محكوما باللاضرورة الشرطية وباللاحرية الشرطية بمعنى يحول دون مقارنته بعالم الشهادة .وذلك هو معنى \"ليس كمثله شيء\" لأنه فوق الضرورة الشرطية خلقا وفوق الحرية الشرطية أمرا .وهو ما يقتضي التمييز بين الكلام الذي موضوعه هذا العالم الذي ليس كمثله شيء وعالمنا فلا يكون دالا على حقيقته التي لا نعلمها لأنه من الغيب المحجوب. ومن ثم فكل تأويل له برده إلى الكلام الذي موضوعه عالم الشهادة قيسا عليه بالإيجاب أو بالسلب هو التأويل المنهي عنه في آل عمران 7لأنه دليل زيغ في القلب وابتغاء الفتنة. أبو يعرب المرزوقي 33 الأسماء والبيان
-- وذلك مصدر تغيير ابن تيمية نظرية اللغة ونظرية المعاني الكلية التي صارت رموزا وليست مقومات للأشياء التي ترمز إليها مثلها مثل اللسان والكتابة. والآن حان الكلام على اسم الصوت أصلا لوظيفة التسمية اللسانية واسم الفعل اصلا لوظيفة الفعل اللساني ومن ثم منطلقا لإضافة البعدين الناقصين في التثليث اللغوي فيصبح لدينا: .1اسم الفعل أصلا .2الفعل عامة فرعا عنه من حيث وظيفة الفعلية .3اسم الصوت أصلا .4الاسم عامة فرعا عنه من حيث وظيفة التسمية. .5الحرف الذي هو أصلها جميعا. فما معنى اسم الفعل؟ إنه اختيار ما لحركة أو عبارة بدنية تصور المعنى المقصود إفادته كما في \"صه\" بمعنى \"اسكت\" .وهي حركة الشفتين يتصاحب فيها جهاز التصويت وعبارة الجسد كما في هيئة الناطق خلال النطق أو في وضع الإصبع على الشفتين وهي إذن \"رسم لفعل\" ومن ثم فلها صلة بالمكان. فإذا جمعنا الأمرين حصل لنا أصل مهم وهو أن الشرط المتقدم على الاسم وعلى الفعل يشتركان في كونهما مستمدين من فعلين ملازمين لكل لسان: • الرسم أو الفن التشكيلي إما المحاكي لشيء يعبر عن الفعل أو المجرد بالنسبة إلى الفعل بالمعنى .وقانونه الكناية بعلاقة أوجه التعليل. • والفن الإيقاعي بالنسبة إلى الاسم إما المحاكي بالصوت أو المجرد بالمعنى الذي يفيد التناغم بين الاسم والمسمى .وقانونه الاستعارة بعلاقة أوجه الشبه. وذلك يوصلنا إلى السؤال الثاني وهو :ما معنى اسم الصوت؟ إنه اختيار صوت الشيء الذي سنسميه اسما لذاته من جنس زقزق ورفرف وجل \"الاونوماتوبي” هو من هذا الجنس. أبو يعرب المرزوقي 34 الأسماء والبيان
-- وهو إذن تناظر نظمي أو إيقاعي بين الاسم والمسمى .وطبعا ليس \"الأنوماتوبي\" هي التي تعنيني بحد ذاتها بل كون الاسم عامة يشتق من بعض أعراض الشيء بمنطق التناظر النظمي بين الاسم والمسمى لتسميته به من حيث الخصائص النظمية سواء كانت صوتيه كما في الأونوماتوي أو معنوية كما في التناظر النظمي المجرد عامة دون أن يكون له حامل صوتي مثلها. وهذه خاصية تعم جل الأسماء في العربية-انظر مثلا أسماء السيف أو أسماء الحيوانات وخاصة الأليفة لكنها ظاهرة عامة سواء كانت اللغة يغلب عليها خاصية الاشتقاق أو خاصية النخب علما وأن كل اللغات فيها النوعان مع غلبة أحدهما على البعض والآخر على البعض الآخر .-وحتى أسماء العلم للأشخاص أو للأشياء فهي تدل على أن الآباء لما يختارون الاسم يعبرون عما ينشدون من الابن أو البنت من الصفات التي علقت بذلك الاسم على التبرك في تسمية الأشياء. فتكون هاتان الآليتان البلاغيتان-الكناية والاستعارة -هما الأصل المتقدم على وظيفة الفعل وعلى وظيفة الاسم بالمعنى اللساني الذي يلي المعنى البلاغي .ومعنى ذلك أن الإنسان من حيث هو ناطق يعبر كنائيا لرسم الأفعال بتشكيل ما يرمز إليها في رسميا ويعبر استعاريا بتشكيل الأسماء بتنغيم ما يرمز إليها موسيقيا .ولما توضع الأفعال والأسماء أول مرة تصبح جهازا تواصليا في الجماعة تتوارثه الأجيال ويتراكم ليصبح نظاما لسانيا خاصا بجماعه يجمع دائما بين اللفظ المسمي للفعل وللاسم والتلفظ المستعمل لهما والمركز على ما بينهما وبين العبارة الجسدة من علاقات. فالتشكيل الرسمي يعتمد على الكناية ووجوه التعليل بين الفعل والمفعول سواء كان بالرسم المحاكي أو بالرسم المجرد .والتنغيم يعتمد على الاستعارة ووجوه الشبه بين الاسم والمسمى سواء بالتناغم الصوتي المحاكي أو بالتناغم المعنوي المجرد .والآليتان ملازمتان لكل أفعال اللغة ولكل أسمائها .وبهما يفهم الطفل ما حوله قبل تعلم اللغة بل بهما يتعلم اللغة. فرسوم الأشياء تنتأ عند النظر إلى الشيء الذي يرغب فيه أو يرغب عنه علة لعبارته أبو يعرب المرزوقي 35 الأسماء والبيان
-- وبها يعبر في مخاطبته أمه لأنها تبرز في إشارته إليها .ولنا في تاريخ اكتشاف الكتابة الدليل القاطع على ان الكتابة الرسمية أصل ثابت في الكلام اللساني وهو الذي يثبته في توالي الأجيال. فالكتابة الأولى رسم للأشياء وهي تصويرية .ونجد الكثير منها في الكتابة الهيروغليفية .وحتى الكتابة الألفبائية فهي رسم للحيوانات التي اختيرت لأن أول حرف من حروف اسمها ليكون رسمها رمزا للحرف فيكون النص المكتوب سلسلة من رسوم الحيوانات التي جعل أول حرف من اسمها رسما للحرف في الكتابة الألفبائية. كما أن الطفل يُنتيء بعض مقاطع من صوته عندما يعبر بتنغيم الصوت قبل تعلم اللغة وغالبا ما يكون تصويتا بكائيا ليعين الأشياء أو على الأقل لينادي أمه أو ليعبر عن حاجته. ولنا كذلك الدليل القاطع في اللغات البدائية التي هي \"ميلودي\" تعبر بتنغيم الصوت ونبراته أكثر مما تعبر بالصوت الكلامي .وقد أسمح لنفسي بالقول إن التعبير البدني نوعان: • بدن موضوع الكلام. • وبدن صاحب الكلام. وهذا التعبير البدني المضاعف متقدم على التعبير اللساني التقليدي وملازم له وهو رسم وتنغيم .وإذن فالأصلان المتقدمان على العناصر الثلاثة في النظرية اللغوية هما الرسم والموسيقى .ومن قرأ القرآن بتأمل يجد أنه يستعمل الأمرين: .1فهو رسم للمشاهد الفعلية ولا شيء أكثر اقناعا لسامه من القصص الذي هو بالأساس رسم لمشاهد حوارية بين شخوص لكأن القرآن يستعمل لغة المسرح وهو قريب جدا من شكل العبارة الشعرية اليونانية. .2وهو تنغيم للأقوال المسمية ولعل السر في أهمية تجويد القرآن من أهم أدوات تأثيره على السامعين حتى لو كانوا لا يفهمون لغته وأكاد أجزم ان ذلك يصح على العرب صحته على غيرهم من المسلمين. أبو يعرب المرزوقي 36 الأسماء والبيان
-- لا شك أن الكثير سيعترض لكن ذلك الرسم والتنغيم كلاهما يبدوان تاليين على اللغة ذات العناصر الثلاثة .وهذا صحيح إذا اعتبرنا هذه العناصر الثلاثة دون تحولها إلى رموز لا ترمز بذاتها بل بمعانيها الكلية التي تجعلها من جنس الرسم في الكتابة .فالشاعر مثلا يرسم بالكلام وينغم بإيقاع الكلام .ولذلك فالشعر الحديث عند العرب لم يصبح بعد شعرا لأنه يتجاهل هذين الأمرين ويقتصر على المعاني العامة التي حولته إلى حكم شعبية ظنوها فلسفة وهي شعارات سخيفة لا تعني شيئا لفقدانها شرطي فاعلية الشعر. وعندما نفهم ذلك نفهم أن الجرجاني عندما يتكلم على معنى المعنى يجعل المعنى الأول مجرد رسم صار رمزا للمعنى الثاني .وهو لم يكتشف نظير ذلك في التنغيم وكان عليه أن يناظر بين مفعول الرسم ومفعول الموسيقى في المعنى الاول الذي يصبح مجرد رمز لأداء المعنى الثاني أو معنى المعنى .وعندما نفهم ذلك نصبح في حل من خرافة المقابلة بين الحقيقة والمجاز .فلا الأول حقيقة ولا الثاني مجاز بل الأول صار مثل فرشاة الرسام أو مثل الكتابة التصويرية وليس لها دلالة غير وصف الرسم الذي صار رمزا .وكان ينبغي أن يكون لذلك نظير في الموسيقة الصوتية مثل الرسم الشكلي. فمثلا عندما أقول \"يقدم رجلا ويؤخر أخرى\" فقد رسمت حركة مترددة .والقصد هو التردد في الحالتين .لكن ما في الجملة \"يقدم رجلا ويؤخر أخرى\" لا يعنيني معناه بل ما يعنيني أنه أداة لقول معنى \"تردد\" الذي هو المعنى المقصود والعبارة عنه هي رسم التردد في حركة المتردد .وكلاهما \"مجاز\" في الحقيقة لأن الرسم في الجملة لا علاقة له بحركة التقدم والتأخر المقولة إلا من حيث هو رسم يرمز لها وليس هو حقيقتها .وما يؤديه معنى الجناس والطباق مثلا -الاليتيراسيون صوتيا في الجناس والعلاقة المنطقية التقابلية في الطباق-له نفس الوظيفة. والتردد المقصود لا علاقة له بحركة التقدم والتأخر في الرسم إلا كونها معنى مجردا رسمته بهذه الصورة باعتباري إياه حالة نفسيه جعلت من رسمته مقدما رجلا ومؤخرا أخرى متحيرا في حركته وإذن فالرسم رسم لعلة للحالة النفسية التي اعتبرها علة للحركة أبو يعرب المرزوقي 37 الأسماء والبيان
-- المترددة .ولذلك اعتبرت اسم الفعل أصله الكناية .ولا أحتاج لنفس التحليل لإثبات أن أصل اسم الصوت أصله الاستعارة. وختاما فاللغة أي لغة تتألف من خمسة عناصر أربعة فروع وأصل .والفروع الأربعة ظنت اثنين لأن اسم الصوت يندمج في الاسم بما بينه وبين الاسم المعنوي (ويظن وجوديا) من تناظر إيقاعي واسم الفعل يندمج في الفعل اللساني لما بينه وبين الفعل المعنوي (ويظن وجوديا) من تناطر شكلي .لكن الاندماج لا ينفي الثنائية في كل منهما .والأصل كما بينت هو الحرف وقد حللت القصد بكونه هو الأصل .ذلك أن مجرى الكلام في المكان وفي الزمان وفي الخطاب وفي المنطق هو الذي يجعل الإحالة إلى هذه الأحياز الأربعة عين وظايف الحرف في أي لغة إنسانية. وما كنت لأكتشف ذلك لولا البحث في سر الشعرية وسر الاعجاز القرآني الذي لا يمكن للشعر حتى المطلق أن يصل إليه وإن كان فيه ما في الإنسان من تعال على الموجود إلى المنشود .فالإعجاز القرآن يجعل القول خالقا لموضوعه وليس قائلا له بل القول هو الذي يخلق المقول ومن ثم فهو متحرر من حدود الزمان والمكان والخطاب والمنطق. أبو يعرب المرزوقي 38 الأسماء والبيان
-- أمر الآن إلى المسألة الثالثة مسألة علوم اللسان كما تبدو في نظريتها التي أجمع عليها اللسانيون الحاليون .فلماذا اعتبرها بحاجة إلى إضافة علمين آخرين مع الثلاثة التي أجمعوا عليها أي السنتاكس (علم نظام اللغة) والسيمنتكس (علم الدلالة) والبراجماتكس (علم التداول)؟ وما الحاجة التي دعتني إلى وضع علمين آخرين كما فعلت مع اللغة عامة؟ الست أتكلف لأصل إلى التخميس وكأني أرد على التثليث لعلة إيديولوجية أو عقدية لأن ما حددته في عناصر اللغة العربية مثلا وإضافتي عنصرين آخرين يظهران نادرا مفصولين عن البقية-أعني اسم الصوت واسم الفعل -لا يدركه من يقصورون المعرفة على حفظ الحاصل بدلا من كونها محاولة فهمه والسعي لبيان ما يضمره فيدركوا مثلا أن الاسم والفعل والحرف تثليث ليس مطابقا لحقيقة اللسان ولا يكفي لفهمه وفهم علاقته بالرسم والموسيقي شرطي الشعر الذي هو أقرب الأشكال التي تتعين فيها قدرة التواصل بين البشر؟ قبل أن أجيب عن هذين السؤالين المحرجين جدا لما يبدو من غرابة في ما أدعيه -وخاصة إذا سلمنا بأن للحمقى رأيا في اللطائف وهم لم يخرجوا من التخريف المدرسي والتقليد البليد للمسترزقين بموضات الفلسفة المروحنة مسيحيا بتنكر هايدجري لا يدركون ما فيه من وهم تميز لغة عن لغة بالقدرة على قول الوجود افضل من اللغات الاخرى ما يجعل التوارد الفيلولوجي المتكلف شبه معين التخريف الذي يزعم فكرا يحدد مصير الحضارات المتفاضلة تفاضل ارواح الشعوب بهيجلية متنكرة -سأبدأ بأصل المشكل كما برز عند فيلسوفين كبيرين في فلسفة المنطق. .1أولهما يثبت ما أسست عليه فرضيتي أعني اختلاف المعنى عن الدلالة. .2والثاني يبدو للوهلة الاولى نافيا لوجود معنى مختلف عن الدلالة وكأنها المقصود عند الاول. أبو يعرب المرزوقي 39 الأسماء والبيان
-- وكلاهما معاصر لنا رغم أن تاريخ وفاة الأول قريب من تاريخ مولد الثاني .ومن ثم يمكن القول إنهما في القرنين الأخيرين أفضل من يمثل الإشكالية التي أريد علاجها في مراجعة نظرية اللسان الحديثة رغم أن الرجلين كلاهما مختص في المنطق وليس في اللسانيات: • فالأول هو جوتلب فراجه وهو ألماني توفي سنة .1925 • والثاني هو فيلارد فان أورمان كواين أمريكي وتوفي سنة .2000 لما ميز فراجه بين المعنى Der Sinnوالدلالة Die Bedeutungكان يتكلم على أمر لساني في خلال بحث منطقي سعيا لوضع كتابة تيسر لغة المنطق .ولما نفى كواين هذا التمييز كان هدفه تجاوز المقابلة الكنطية بين التحليلي والتأليفي القبلي .وكان يبدو وكأنه يتكلم على نفس الأمر اللساني .وإذا فهمنا هذه الـ”يبدو” أمكن أن نفهم أبعاد الإشكالية وعمقها. وقد ترجمت مقالته حول \"معتقد ْي التجريبية\" وكتابيه في المنطق البسيط (الذي نشر منذ أكثر من عقين) ومناهج المنطق (الذي لم ينشر بعد رغم أني ترجمته منذ عقدين). فبدا وكأني استند إلى أمر يثبته أحد الكبار وينفيه من ليس أقل منه منزلة في فلسفة العلم رغم كونه ربما دونه في تاريخ الثورات الفلسفية الريادية .لكنه أكثر منه تأثيرا في فلسفة المنطق الحديثة بل وحتى في نظرية الوجود المتحررة من الخلط بين الكلام العلمي وعرض أحوال النفس عند الهيدجريين. فعندما نحلل رؤية كواين لطبيعة المعرفة العلمية وعلاقتها بالنظام العقلي الذي يؤسسها ننتهي إلى أن ما ينفيه ليس ما يثبته فراجه بل هو ينفي الفرق بين الدلالة والمعنى بمنظور مختلف تماما عن القصد بهما عنده .فعنده أن النظام العقلي الميثولوجي والنظام العقلي العلمي لا يختلفان من حيث الدور في تأسيس الدلالة التي لم تعد أمرا مقصورا على الاحالة للوجود بمعناه الطبيعي أو التاريخي اللذين يعتبران من \"الواقع\" .لذلك فهو يسلم بما يقوله فراجه إذا فهمنا معنى الدلالة عنده .والفرق الوحيد هو أنه يعتبر الدلالة بمعناها عند فراجه أحد أشكال المعنى عنده أعني أنها ليست ما يحيل إلى الواقع بل ما يحيل إلى أي قيمة للمتغيرات في النظام العقلي الذي بنيت عليه النظرية حتى لو كانت خرافية من أبو يعرب المرزوقي 40 الأسماء والبيان
-- جنس الميثولوجيا .والعلة هي أن ما يفكر فيه فراجه هو التمييز بين الإحالة إلى شيء حقيقي من العالم الذي يعتبر واقعا والمعنى الذي هو في حل من هذه الإحالة. لكن كواين لا يعتبر ما تحيل إليه الدلالة شيئا حقيقيا من هذا العالم الواقعي بالضرورة بل هي الإحالة بحسب النظام العقلي سواء تعلق بالعالم الطبيعي مثلا أو بالعالم المثيولوجي لأن الدلالة عنده ليست إحالة إلى شيء واقعي بل هي إحالة إلى قيمة لمتغيرات النظام بحسب \"التزامه الوجودي\" .ومن بين هذه القيم أشياء العالم الحقيقي في نظام العلم ذي النظام العقلي الحالي وهي قابلة للتغير إذا كان ذلك ضروريا لمواءمته مع الحاجة إلى التناسق الأبسط. وكنت أعجب من مدرسي المنطق والإبستمولوجيا في جامعة تونس الأولى الذين لم يدركوا هذا الفرق رغم تطاوسهم ولم ينتبهوا إلى ثورتي كواين في فلسفة المنطق ونظرية المعرفة تورثتيه اللتين تتجاوزان الخلاف بين الكنطية (رفض المقابلة تحليلي تأليفي لتأسيس التأليفي القبلي) والهيجلية (رفض وحدة العقلي والواقعي) ومن ثم فهو المؤسس الحقيقي لأساسي ما بعد الحداثة أعني ذاتوية المعرفة الإنسانية عند كنط ورفض المقابلة بين الظاهرات والأشياء في ذاتها عند هيجل. لكنه يؤسسها على فلسفة منطقية ولغوية متينة وليس بالصورة التي تنسب إلى نيتشة أو من يحاكيه بسطحية من فلاسفة يدعون الابداع ويكتفون بحدوس ينسبونها إلى الفن والشعر اللذين لا يتجاوزان التوارد اللساني مع انتفاخ أوداج يدعي أصحابه أن العلوم لا تفكر وأن الفلسفة هي التي تفكر .فكان المآل خرافة السرديات وانحطاط الفلسفة حتى صارت هذيان أدعياء الابداع بالتوارد عدم الأسس المنطقية. فنظرية النظام العقلي الذي من خلاله يلامس الإنسان أشياء التجربة الحية بأطراف النظام هي التي تمكن من اكتشاف تناظر بين منظومة رموزه ومنظومة مرموزاته ما يجعل العقل يحافظ عليه إما بتبسيط الأولى أو بتأويل الثانية سواء كانت التجربة الحية مع أبو يعرب المرزوقي 41 الأسماء والبيان
-- العالم الذي نعتبره واقعا أو مع العالم الذي نعتبره ميثولوجيا .عندي إذن رؤيتان حسب تعريف المرجع .فالمرجع هو ما يحيل إليه الرمز: • إما شيء حقيقي في الدلالة التي تحيل إلى عالم التجربة الطبيعية .وهذا هو قصد فراجه الذي يميزها عن المعنى. • أو قيمة بالمعنى الرياضي لمتغير هي إحدى الدلالات الممكنة بمقتضى النظام العقلي الذي يعتمد عليه .وهذا هو قصد كواين. فلا يكون كلام كواين مقصورا على عالم التجربة الطبيعية المعتادة ومن ثم فكلامه يمكن أن يجمع بين المعيين اللذين يميز بينهما فراجه .وقد يكون المعنى في هذه الحالة خزان الحلول الممكنة لتغيير نظام الأشياء في عالم التجربة الطبيعية للإبقاء على نظام الرموز التي هي النظام العقلي الذي يمكن من التعالم مع نظام الأشياء المشار إليها بنظام الرموز. وبهذا المعنى فكواين من نفاة الفرق بين القول الفلسفي والقول العلمي وبين القول الفلسفي وأي قول ذي نظام عقلي معين بما في ذلك الميثولوجيات والأديان وحتى الأدب الخيالي والروائي .ويمكن القول إن كل النظام الرمزي الإنساني جزء من رؤيته للمعرفة وهو شديد التأثر بيار دوهام الذي كان لي شرف ترجمة الباب الذي خصصه لمصادر الفلسفة العربية من الجزء الرابع من كتابه الضخم وعديد الأجزاء حول نظام العالم. أعتقد أن هذه المقدمة في فلسفة المنطق واللغة عند هذين العملاقين كافية لتنزيل الإشكالية التي أريد علاجها وهي على كل كافية لمنطلقي في بيان الحاجة إلى إضافة فرعين آخرين لعلوم اللسان حتى أستطيع فهم التعريف الجديد لدور المعاني الكلية بوصفها رموزا للأشياء مثلها مثل اللغة والكتابة وليست مقومات لجوهرها ومحددات لماهيتها وتأسيس نظرية ابن تيمية في المقدرات الذهنية النظرية مثالها الرياضيات وما قسته عليها من مقدرات ذهنية علمية مثالها الأخلاقيات لأن دور هذه في العمل والتشريع والعلوم الإنسانية والقيمية مجانس لدور تلك في النظر والعقد والعلوم الطبيعية والمعرفية: أبو يعرب المرزوقي 42 الأسماء والبيان
-- .1الضرورة الشرطية ونظرية ابن تيمية في المقدرات الذهنية النظرية ومثالها الرياضيات الضرورية لعلم الطبيعة. .2والحرية الشرطية وما قسته على نظرية ابن تيمية لتأسيس نظرية المقدرات الذهنية العملية مثالها الاخلاقيات الضرورية لعلم التاريخ. وبذلك أكون قد عللت استحالة القول بنظرية المعرفة والقيمة المطابقتين دون الوقوع في المقابلة بين الظاهرات والحقائق لأني لا أومن بأن العالم وحد ومثله الحقيقة .فما يعلمه الإنسان حقيقة لكنها نسبية إليه في عالم الشهادة الذي يختلف عن عالم الغيب .لذلك فاعتبار المعرفة اجتهادية والقيمة جهادية يجعلهما حقيقيين رغم أنهما لا يطابقان الموجود المطلق معرفة ولا يطابقان المنشود المطلق قيميا بل هما نسبيان إلى العالم الشاهد من حيث هو أحد العوالم وليس العالم الوحيد. وما يستثنى في الحالتين هو مفهوم الغيب أو لاتناهي الموجود والمنشود وتناهي علمنا وعملنا بالجوهر ما يعني أن هذه المقابلة بين عالم الشهادة الذي يخضع للضرروة الشرطية والحرية الشرطية يقابله عالم الغيب الذي لا شيء يثبت أنه يخضع لهما .ومن ثم فهو فعلمنا وعملنا ليس ظواهر مقابلة لحقائق بل هما حقائق مناسبة لعالمنا وهما غير محيطين بما ورائه من عالم الغيب الذي يمكن أن يكون نظامه ضرورة لا شرطية وحرية لا شرطية أي ما يمكن أن يفهم بمعنى الصدفة لتفسير الوجود ككل في رؤية ملحدة أو بمعنى العناية الربانية في رؤية مؤمنة لتفسير الوجود. وكلتاهما ممكنة عقلا ولا يميز بينهما إلا حرية الاختيار الإنسانية وهي معنى الأمانة أو الحرية في القرآن التي يمكن أن يكون الإنسان جديرا بها أو غير جدير .وهذه المفهومات سبق شرحها في محاولات تقدمت على هذه ويمكن الاطلاع عليها لأنها منشورة في مدونتي بالشبكة. والآن أصل إلى بيت القصيد فأسأل :ما الفرق بين المعنى والدلالة بعد أن بينت أن كواين لم ينفها بل اعتبر الدلالة بالمعنى التقليدي أحد مجالات تحديد القيم للمتغيرات في التزام أبو يعرب المرزوقي 43 الأسماء والبيان
-- وجودي محدد يعتبر عالم التجربة الطبيعية العالم الوحيد الممكن .وهذا المنظور دليل على ضيق الحوصلة بلغة الغزالي عند من يسمون بالواقعيين الذين قتلوا حتى الإبداع الأدبي الذي صار نسخة مشوهة من التاريخ بأن جعلوا ما يسمونه واقعا واجبا ومثالا أعلى للمكن مثل من يعتقد أن العلم مثاله الأعلى ما يستمد من التجربة الطبيعية فتكون الرياضيات نسخا للطبيعة وليس العكس حيث تكون هي أحد ممكنات الرياضيات؟ فالدلالة بمعناها البسيط والساذج لا يتضمن المعنى لأنها تتحدد بعلاقة بين الرمز والمرموز الذي يحيل عليه أي بين اللغة وما يمثل مراجعها في العالم الخارجي .لكن المعنى رمز لا يحيل لمرموز معين من العالم الخارجي بل هو لا يحيل إلى شيء موجود بالضرورة ولا يخضع لشرط إمكان الوجود بمنطق العالم الطبيعي .وقد يكون منتسبا إلى عالم متخيل يبدو مستحيل الوجود في العالم الواقعي .لكني سأكتفي بالقول إن تحديد المرجعية إن سلمنا بأن الرمز لا بد له من مرجعية يحيل عليها لأنه ثابت الدلالة غير ممكن بالنسبة إلى المعنى لأنه لا يحيل إلى شيء معين في الوجود الطبيعي المعتاد. وإذن فلا بد من أن يوجد علم المعنى إلى جانب علم الدلالة وهو يشمل الدلالة الملتبسة أو ما يسميه القرآن المتشابه أي ما يقبل عدة تأويلات قد تكون لامتناهية فيكون التمييز بين اللغة الطبيعية واللغة الصناعية جزءا من هذه المقابلة بين ما له دلالة بينة مثل اللغة الصناعية في العلوم وما له دلالة ملتبسة في النصوص الدينية وما ليس له دلالة أصلا أو ما يعتبر ذا دلالة مستحيلة رغم كون العبارة عنه سليمة لغويا. وبهذا الفصل بين الدلالة والمعنى يصبح بالوسع فهم معنى المقدرات الذهنية النظرية التي وضعها ابن تيمية والتي مثل لها بالرياضيات لأنها لا تحدد مرجعية محددة بل تحدد متغيرات قابلة لأن تنطبق على عدة مرجعيات ممكنة .وهو لا يعترف بالكلية والبدهية والبرهانية والمحضية في المعرفة العلمية إلا لهذه المعاني الكلية المقدرة ذهنيا سواء في الرياضيات أو في الأوليات ويعتبر كل ما عداها من العلوم النظرية نسبية إلى تجربة أبو يعرب المرزوقي 44 الأسماء والبيان
-- طبيعية معينة ولموضوعات معينة منها .ومن ثم فهي دائما استقرائية حتى لو استنتجت قبليا من القياس على النموذج النظري المستمد من المقدرات الذهنية. وقياسا عليه وضعت مفهوم المقدرات الذهنية العملية والتي مثلت لها بالأخلاقيات .ولا أعترف بالكلية والبدهية والبرهانية والمحضية في المعرفة القيمية إلا لها واعتبر كل ما عداها من العلوم العملية نسبية إلى تجربة تاريخية معينة ولموضوعات منها معينة .ومن ثم فهذه العلوم العملية التاريخية تستمد نماذجها من تلك المقدرات الذهنية العملية كما تستمد العلوم النظرية الطبيعية نماذجها من الرياضيات. وبذلك يكون عالم الرياضيات وعالم الأخلاقيات عالمي المعاني أو المعاني الكلية التي هي رموز وليست مقومات للأشياء والتي ليس لها مراجع خارجية تحيل عليها لأنها هي التي تبدع بنى مجردة يمكن أن تنطبق على مراجع خارجية متعددة هي عوالم تجربة إنسانية ممكنة سواء كانت التجربة طبيعية أو تاريخية .ولذلك فما وصفت بخصوص علاقة المعنى بالدلالة وما أدت إليه من إضافة علم المعنى إلى علم الدلالة التي هي مجرد تطبيق على عالم محدد ينبغي أن يجعل التداولية بالضرورة مضاعفة مثلها مثل الدلالة: .1فيكون علم الدلالة بحاجة إلى رديف هو علم المعنى الذي هو أعم منه ويشمله كحالة خاصة منه تتعلق بعالم التجارب الطبيعية والتاريخية. .2ومثله يكون علم التداولية بحاجة إلى رديف في مجال عالم المعاني ويكون شاملا للتداولية التي تتعلق مجال عالم الدلالات. فالتداول بين أهل الاختصاص ذي الصلة بعالم التجربة الطبيعية أو التاريخية أي بعالم الدلالة جزء من التداول عامة ذي الصلة بعالم المعاني التي قد تتسع لعوالم اخرى مختلفة تماما عن عالم التجربة الإنسانية سواء كانت طبيعية أو تاريخية .والتداولية التي تتعلق بالدلالة في أي علم أو عمل أيسر ألف مرة من التداول العام الذي من هذا الجنس حتى لو كان باللغة الطبيعية ولكن خاصة التداول في مجال الفنون والذوق التي تحتمل ما لا يتناهى من التأويل. أبو يعرب المرزوقي 45 الأسماء والبيان
-- وقد يبدو كلامي متناقضا مع حكم ابن تيمية بأن الأولية والبداهية والكلية والمحضية والبرهانية لا توجد إلا في المقدرات الذهنية .فهذا يتنافى مع القول إن التداولية فيها أعسر من التداولية في عالمي التجربة الطبيعية والتاريخية مثلا .فالرياضيات والأخلاقيات من حيث هي مقدرات ذهنية تبدو عديمة اللبس وأيسر من علوم الطبيعة وعلوم الإنسان التي هي تطبيقات لهما بوصف هذين حالات خاصة من ذينك. وهذا هو الخطأ الرئيس في فهم معنى المعنى :ففي علوم التجربة الطبيعية والتاريخية يكون اللبس تطبيقيا بمعنى أن النموذج الرياضي أو الخلقي المطبق فيهما هو الذي يكون مدار اللبس في تاويل كلياته بما يشبه تحقيق المناط في الفقه بمعنى وضع الجزئي تحت الكلي في المعرفة الإنسانية .وهذا اللبس الذي يتجلى في تطبيق المقدرات الذهنية جوهري لها لأن الذي يبدع المقدرات الذهنية لا يبدعها شكلا خاليا بل هو يبدع عالما يكون موضوعا لعلمه. فيكون علمه وصفا لعالم ليس من التجربة الطبيعية ولا من التجربة التاريخية .ولا أدري ما طبيعته. لكني أشبهه بعالم الشعر وبعالم الوحي وهو عين الإبداع الرمزي وأصل السيميوتكس التي هي عين تعريف الإنسان في القرآن بوصفه قد عُلم الأسماء كلها .وأعلم جيدا أن هذا الجواب لا يرضي أحدا وأنا أول من لا يرضى به ولا عنه .لكن ليس عندي جواب أفضل حاليا لتفسير قدرة الإنسان على التقدير الذهني بالمعنى التيمي وبالمعنى الذي قسته عليه: .1وهكذا فقد أضفت إلى عالم الدلالة عالما أوسع منه هو عالم المعنى الذي لا يحيل إلى مرجع يدل عليه بوصفه موجودا خارج النظام الرمزي وسابق الوجود عليه. .2وأضفت بالتالي إلى عالم التداول الدلالي عالما أوسع منه هو عالم التداول المعنوي وهو من ثم الصنف الرابع من العلوم التي هي ضرورية لفهم ظاهرة اللسان. فحصلت على أربعة علوم مختلفة رغم ما بين كلا الزوجين من علاقة هي علاقة الأعم بالأخص مع اختلاف جوهري في العلاقة بالعالم الطبيعي والتاريخي من حيث التقدم والتأخر عليهما .ويبقى الأصل الذي هو علم خامس مختلف عنها وهو أصل وعنصر في آن .إنه أبو يعرب المرزوقي 46 الأسماء والبيان
Search