Important Announcement
PubHTML5 Scheduled Server Maintenance on (GMT) Sunday, June 26th, 2:00 am - 8:00 am.
PubHTML5 site will be inoperative during the times indicated!

Home Explore ارهاصات ثورة المدرسة النقدية ومحاولاتها تجاوز الفلسفة القديمة – الفصل السادس – أبو يعرب المرزوقي

ارهاصات ثورة المدرسة النقدية ومحاولاتها تجاوز الفلسفة القديمة – الفصل السادس – أبو يعرب المرزوقي

Published by أبو يعرب المرزوقي, 2017-08-11 07:15:06

Description: ما الذي جعل المدرسة النقدية تنتهي إلى رسم فلسفة نظر وعقد (ابن تيمية) وفلسفة عمل وشرع (ابن خلدون)؟
ولماذا بدأت هذه الغاية بنقد للفلسفة والكلام انطلاقا من التوظيف وانتهاء بالغوص في الأسس الوجودية والإبستيمولوجية للفلسفة النظرية والعملية؟
والسؤال هو: كيف تم الانتقال من خصومات تبدو في الأصل ايديولوجية إلى إشكالات تبين بالتدريج أنها فلسفية معرفيا ووجوديا: نظرية المعرفة والوجود؟
ولا بد هنا من العودة إلى "المعادلة الوجودية": فالكلام الايديولوجي أو دوافع الخصومة حول التوظيف يبدو مقصورا على علاقة القطبين الله والإنسان.

Search

Read the Text Version

‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫الأسماء والبيان‬



‫ما الذي جعل المدرسة النقدية تنتهي إلى رسم فلسفة نظر وعقد (ابن تيمية) وفلسفة عمل وشرع‬ ‫(ابن خلدون)؟‬‫ولماذا بدأت هذه الغاية بنقد للفلسفة والكلام انطلاقا من التوظيف وانتهاء بالغوص في الأسس‬ ‫الوجودية والإبستيمولوجية للفلسفة النظرية والعملية؟‬‫والسؤال هو‪ :‬كيف تم الانتقال من خصومات تبدو في الأصل ايديولوجية إلى إشكالات تبين‬ ‫بالتدريج أنها فلسفية معرفيا ووجوديا‪ :‬نظرية المعرفة والوجود؟‬‫ولا بد هنا من العودة إلى \"المعادلة الوجودية\"‪ :‬فالكلام الايديولوجي أو دوافع الخصومة حول‬ ‫التوظيف يبدو مقصورا على علاقة القطبين الله والإنسان‪.‬‬‫لكنه سرعان ما تبين أنه متجاوز للعلاقة المباشرة بين القطبين والتوظيف إلى الوسيطين بين‬ ‫القطبين الطبيعة والتاريخ أو نظام الضرورة ونظام الحرية‪.‬‬‫فأول مشكل بدأ به كتاب التهافت تعليل النصفية بعدم التمييز بين العلمي (المنطق والرياضيات)‬ ‫والميتافيزيقي (الطبائع والسببية أو علاقة العالم بالله)‪.‬‬‫فالغزالي اعتبر المستهترين بالدين متشبهين بالفلاسفة بناء على استدلال سطحي مفاده أن الدين‬ ‫لو كان صحيحا لكان الفلاسفة أدرى به من \"المتكلمين\"‪.‬‬‫فرد الغزالي بيان أن المسائل الدينية والميتافيزيقية لا تقاس على العلوم وأن الفلاسفة الكبار‬ ‫يعرفون ذلك ولذلك فهم غير مستهترين بالدين مثلهم‪.‬‬‫كتاب التهافت ألف لبيان هذه الأطروحة‪ .‬وأعلن الغزالي صراحة أنه لا ينوي إثبات حقائق بل‬ ‫التشكيك فيما يظن حقائق وأنه لا يلتزم أي مذهب كلامي‪.‬‬ ‫‪41‬‬

‫انتقل من معركة ضد المتشبهين بالفلاسفة إلى معركة بين الكلام عامة والفلاسفة عامة ممثلين‬ ‫الفارابي وابن سينا) حول رؤيتهم لعلاقة العالم بالله‪.‬‬‫فكانت ثورته في نظرية السببية (المقالة ‪ )17‬وقبلها الكلام في الثيولوجيا والكوسمولوجيا وبعدها‬ ‫الكلام في الانثروبولوجيا‪ :‬الله والعالم والإنسان‪.‬‬‫وهذه المجالات أو الموضوعات هي ما سماه كريستيان فولف تلميذ لايبنتس لاحقا بالأنطولولجيات‬ ‫الخاصة الثلاث‪ .‬أما الرابعة فهي رهان الثورة كلها‪.‬‬‫فالمطلوب في علاج هذه الانطولوجيات الخاصة بيان فساد الانطولوجيا العامة التي يقول بها‬ ‫الفلاسفة ويحسبونها علما فأدلجوا الفلسفة بتوهمها علما‪.‬‬‫والأنطولوجيا العامة هي في آن نظرية معرفة ونظرية وجود عامة‪ .‬وفيهما حدثت الثورة النقدية‬ ‫حول إشكالية حدود العلم في هذه المجالات الأربعة‪.‬‬‫ما يعنيني هو لماذا لم يتقدم الغزالي وابن تيمية نحو فلسفة إيجابية تؤسس لفلسفة الطبيعة‬ ‫والوحيد الذي فعل هو ابن خلدون فأسس فلسفة التاريخ‪.‬‬‫عندما يؤسس ابن تيمية لفلسفة النظر والعقد لا يتجاوز حل مشكل العلاقة بين العلم والإيمان‬ ‫دون أن يتجاوز ما يمكن أن يؤسس لعلم طبيعة لم يشرع فيه‪.‬‬‫فلازم حله‪ :‬علم المقدرات الذهنية ضروري وبرهاني أما علم الموجود فتطبيق له يخلو من الضرورة‬ ‫وهو نسبي دائما‪ :‬إنه علم تجريبي أو رياضيات تطبيقية‪.‬‬‫لازم لم يقل به صراحة ولم يسع لتحقيقه لكنه الحل الوحيد الممكن إذا سلمنا بما يقوله عن الفرق‬ ‫بين عمل المقدرات الذهنية وعلم الموجودات الخارجية‪.‬‬‫الفرق بينه وبين ابن خلدون‪ :‬لم يكتف بالقول بقابلية التاريخي للعلم خلافا للفلاسفة بل انتقل‬ ‫إثبات تاريخية الفلسفة وفلسفية التاريخ‪ :‬المقدمة‪.‬‬‫وطبعا فهذا القصور هو النقص المخل بالثورة كلها وهو علة فشل استعمار الإنسان المسلم في الأرض‬ ‫بعلم التجربة الرياضي‪.‬‬‫والتوصيف الفلسفي للأمر كله هو أنه يرد إلى أن تقديم \"صورة العمران\" على مادته وهذا من‬ ‫الرؤية القرآنية‪ :‬الشرائع وعلمها مقدمان على الطبائع وعلمها‪.‬‬‫تأسيس علم الطبيعة التجريبي الرياضي شرطه تجاوز الطبائع الميتافيزيقية‪ :‬ثورة ابن تيمية‪.‬‬ ‫وتحقيقه مشروط بشرائع تصور أفعال الجماعة‪ :‬ثورة ابن خلدون‪.‬‬ ‫‪42‬‬

‫لذلك فالغرب لم يستطع تجاوز فيزياء أرسطو إلا بعد أن حصل فيه ما حققه ابن خلدون‪ :‬مفهوم‬ ‫العمران كفعل إنساني روحي وسياسي (فلسفة تاريخ حديثة)‪.‬‬‫كان لا بد من ثورة دينية‪-‬خلقية (ق‪ )16 .‬وفلسفية علمية (ق‪ )17.‬وسياسية (ق‪)18.‬‬ ‫واجتماعية (ق‪ )19.‬وعالمية (ق‪ :)20.‬فعاد الإسلام لركح التاريخ بثورتيه‪.‬‬‫فيتبين أن الاستئناف قد آن أوانه وأن ما عليه وضع الإسلام في العالم اليوم ليس وليد الصدف‬ ‫حتى وإن كان دور أهله ما يزال منفعلا لعقم نخبهم‪.‬‬‫نقد الضرورة الطبيعية غير مفهوم الطبائع فقربها من الشرائع ونقد الحرية الخلقية غير مفهوم‬ ‫الشرائع فقربها من الطبائع‪ :‬تحييد معضلة ميتافيزيقية‪.‬‬‫الحتمية السببية ليست ضرورية لعلم الطبيعة‪ .‬فالانتظام كاف‪ .‬والحرية الخلقية لا تعيق علم‬ ‫التاريخ فسلوك الإنسان منتظم‪ :‬وعلم الموجود بطبعه نسبي‪.‬‬‫والعلم في الحالتين هو طلب الانتظام الرياضي أو القوانين لسلوك الطبائع والشرائع فنخرج من‬ ‫المعضلة الميتافيزيقية‪ :‬تنافي الحتمية والحرية‪.‬‬‫ما يعوض الحتمية في العلم هو الانتظام في القانون الرياضي وما يبقي على الحرية هو امتناع‬ ‫المطابقة بين العلم والعلم كمقدر ذهني والوجود الخارجي‪.‬‬‫والعلم المطابق عقيدة في العلم المطلق الذي ننسبه إلى الله‪ :‬فعلم الله بالوجود الخارجي هو عين‬ ‫قيام الوجود الخارجي وهو العلم الوحيد المحيط‪.‬‬‫وهذا عقيدة وليس علما‪ .‬وهو يقين إيماني وليس حقيقة علمية‪ .‬واليقين الإيماني هنا بات قابلا‬ ‫للتصور فلسفيا لأنه لا يتنافى مع علم نسبي بالطبع‪.‬‬‫غاية الثورة التي حققتها المدرسة النقدية العربية‪ :‬حل مشكل العلاقة بين الإيمان والعلم في‬ ‫النظر ومشكل العلاقة بين الأخلاق والقانون في العمل‪.‬‬‫فتكون الحريتان اللتان كانتا مجرد معتقد ديني قد تأسستا فلسفيا‪ :‬تجاوز المطابقة يؤسس للاجتهاد‬ ‫والتعدد المعرفي والعقدي والسياسي وحرية الفكر‪.‬‬‫ولا فاعلية للإنسان من دون الحريات الخمس التي نعوض بها نظرية المقاصد‪ :‬الحرية الخلقية‬ ‫للإرادة والحرية الفكرية للعلم والحرية الفعلية للقدرة=‬ ‫والحرية الذوقية للحياة والحرية الرؤيوية للوجود‪:‬‬ ‫‪-1‬تؤسس التعدد السياسي‬ ‫‪-2‬التعدد المعرفي‬ ‫‪43‬‬

‫‪-3‬التعدد الاقتصادي‬ ‫‪-4‬التعدد الفني‬ ‫‪-5‬تعدد الرؤى‬‫وهذه الحريات هي مقومات الشخصية أو الذات البشرية التي بفضلها ننتقل من الرعية إلى‬ ‫المواطنة أو واجب المشاركة في إدارة الأمر‪ :‬أمرهم شورى بينهم‪.‬‬‫وهذه الذاتية أو المكلفية هي الشخصية التي تأتي ربها فردا وتحاسب على أعمالها في الدنيا يوم‬ ‫الدين وهي متعلقة بتعمير الأرض بقيم الاستخلاف‪.‬‬‫كل هذه المعاني أضاعها نكوص الأمة بسبب الانحطاط نكوصا أفقدها الحريتين الروحية (تكون‬ ‫كنسية) والسياسية (تكون سلطان فوق إرادة الجماعة)‪.‬‬‫فحصلت الحال التي سماها ابن خلدون \"فساد معاني الإنسانية\" بسبب استبداد التربية (الحرية‬ ‫الروحية) والحكم (الحرية السياسية) فزالت حقيقة الإنسان‪.‬‬‫وبهذا النكوص أصبحت هذه القيم تهاجم باسم الخصوصية الإسلامية وظنها دخيلة وهي من جوهر‬ ‫قيم القرآن الذي يعتبرها مقومة لذاتية الإنسان مسؤوليته‪.‬‬ ‫‪44‬‬





‫‪02 01‬‬ ‫‪01‬‬ ‫‪02‬‬‫تصميم الأسماء والبيان – المدير التنفيذي‪ :‬محمد مراس المرزوقي‬