أبو يعرب المرزوقي re nils frahm -القسم الأول -
قانون\" التساخر\" بين السخرية والتسخير السياسيين أبو يعرب المرزوقي -القسم الأول - تونس في 19محرم 1444 الموافق لـ 17اوت 2022
محتويات الكتيب محتو يات ال كتيب 1 -الفصل الأول 1 - -الفصل الثاني 10 - -الفصل الثالث 22 - -الفصل الرابع 35 - -الفصل الخامس 45 - -الفصل السادس 57 - – الفصل السابع – 70 – الفصل الثامن – 79 – الفصل التاسع – 94 – الفصل العاشر – 105 -الفصل الحادي عشر – 110
-- -الفصل الأول - دون القطع مع الأحداث التي يعيشها المسلمون في مسعاهم الاستئنافي أعود إلى أعماق العلاج السياسي باعتباره جوهر الرسالة القرآنية التي تذكر بالقوانين الكلية والسنن ال كونية التي تحكم منزلة الإنسان الوجودية من حيث هو مستعمر في الأرض استعمارا لا يكون سو يا إلا متى يكون مشدودا إلى قيم الاستخلاف. والعودة هي لبنية القرآن العميقة باعتباره استراتيجية توحيد الإنسانية التي كانت السياسة المحمدية عينة أولى منها لتحديد مقومات مشروع التوحيد .وهذا اللب هو ما أطلقت عليه اسم البنية الوجودية التي حددتها الآية قبل الأخيرة من فصلت: فإذا قرآناها بالترتيب الوجودي لا المعرفي فينبغي البدء من النهاية أي ب \"ألم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد\" لمعرفةكيف يعلم الإنسان أن القرآن حق ،وذلك برؤ ية آيات الله في الانفس وفي الآفاق. فإذا عدنا إلى الترتيب المعرفي أمكن أن نفهم أن الإنسان يبدأ برؤ ية آياته في الآفاق التي هي الطبيعة والتاريخ ثم ينتقل إلى رؤ ية آياته في علاقة كيانه الذاتي بهما أي كيانه العضوي وكيانه الروحي وتلك هي ا لمعادلة الوجودية التي قمتها فهم شهادة الله. وهي شهادة تتجلى في ما يراه الإنسان من آياته -شهادته تترجم عنها آياته-التي يذكر بها القرآن فتكون مراحلها النظر في الطبيعة ثم في التاريخ ثم في كيان الإنسان العضوي ثم في كيانه الروحي .وذلك هو الموضوع الأول والأخير للقرآن ال كريم بوصفه جوهر الديني في الأديان والفلسفي في الفلسفات. 1
-- وسأنطلق في هذه المحاولة من قانون يجمع كل هذه المعاني هو ' \"قانون التساخر \" الذي يحكم عناصر المعادلة الوجودية ل كونه يجعل كل إنسان في خدمة بقية البشر ومخدوما منهم في بعدي وجوده هذين من حيث هو مستعمر في الأرض ومستخلف فيها. وهذا التخادم المتبادل الذي لا تخلو منه جماعة يتردد بين حدي علاقة الفعل والانفعال في حالتين يكون التفاعل فيهما بين البشر بمقتضى منزلة الاستخلاف التي هي منزلةكل إنسان أو بمقتضى الغفلة علنها بتفاضل بين الخدمات ومنازل القائمين بها فتتحول إلى علة للحرب الدائمة بينهم فيزول معيار التعارف معرفة ومعروفا الذي تحدده الآية 13 من الحجرات ومعيار الاخوة بين البشر الذي تحدده الآية الأولى من النساء فلا تبقيان مؤثرين في العلاقات بينهم. وبدلا من أن يكون التفاضل بالتقوى وليس بالعرق ولا بالطبقة ولا بالجنس فيجعلون رحمة الرب تابعة وليست متبوعة لقسمة المعيشة في الحياة الدنيا يصبح جمع الثروة هو المعيار الوحيد في تقسيم المعيشة وتفاضل البشر وتلك هي علة الطبقية بينهم وعلة ال كبر أكره صفات الإنسان في القرآن ال كريم. ويتحول تراتب الخدمات تراتبا بين القائمين بها في حين أنها كلها ضرور ية للعيش المشترك السلمي رغم أن التراتب ضروري للتنافس ولتعدد القدرات التي يمثل مجموعها شرط تقاسم العمل الجماعي وتجويده. 2
-- ل كن الآية تحرف فيصبح التراتب الضروري لهذه الغايات سببا لتكون التمييز الطبقي وما يترتب عليه من تحاسد وتحارب دائمين .وبدلا من التسابق في الخيرات نجد التنافس في الشرور والتحيل والغش والطغيان. وما كان ذلك يكون كذلك لولا التحر يف الذي يفصل الاستعمار في الأرض عن صلته بقيم الاستخلاف المحدد لمنزلة الإنسان المتجاوزة لما يكسب المرء إذا كان بمعيار العدل وجزاء الجهد والمشاركة في شروط حياة الجماعة حتى لا يبقى إلا تفاضل واحد هو التفاضل بالتقوى عند الله أي احترام قيم الاستخلاف الذي تشير إليه آية السخر ية باعتبار رحمة الرب التي تفضل ما يجمعون أي الثروة .كل المحاولة تقبل الرد إلى تأو يل الآية الثانية والثلاثين من الزخرف في ضوء الآية الأولى من النساء والآية الثالثة عشر من الحجرات. فالآية 32من الزخرف مثلها مثل ال كثير من آيات القرآن تحرف بمجرد قراءتها وكأن القصد من رفع الناس بعضهم فوق بعض مفاضلة بينهم وليست سلما لقسمة العمل. غفلوا عن المقابلة بين قسمتين: قسمة رحمة الرب وقسمة المعيشة شرطين في قسمة العمل شرطين لقانون التساخر .فالآية لا تجعل التفاضل بالمال بل برحمة الرب وهي متعينة في الأخوة البشر ية والتعارف معرفة ومعروفا المترتب على التقوى: 3
-- أه ُ ْم ي َ ْق ِسمُو َن رَ ْحم َ َت رَب ِ َك ۚ َنحْ ُن ق َسَ ْمن َا ب َيْنَه ُم َّمع ِيشَتَه ُ ْم ف ِي ا ْلحيَ َاةِ ال ُّدنْي َا ۚ وَرَف َعْن َا ب َعْض َهُ ْم ف َوْ َق ب َعْ ٍض دَرَجَا ٍت ل ِي َّت ِخذَ ب َعْض ُهُم ب َعْ ًضا ُسخْرِ ًّيا ۗ وَرَ ْحم َ ُت رَب ِ َك خَيْرٌ مَِّما يَجْم َعُو َن. وهكذا يتبين أن الإشكالية بعيدة الغور وشديدة العمق .فالآية ليست تبريرا لتفاضل بالثروة ولا دعوة للقبول بالتسخير المتنافي مع العدل بل هي تعلل الحاجة إلى التعاون المعتمد على التراضي حتى لا تكون درجات العمل علة للتفاضل بين المتعاونين. ولأن المشكل عو يص فلا بد أن اقلب ترتيب العلاج .فسأبدأ بمثال من تعين قانون \"التساخر\" (التسخير المتبادل بين البشر) .وإذن فالآية تقبل قراءتين: التراتب في تقاسم العمل المحقق لشروط الاستعمار في الأرض بشروط قيم الاستخلاف. والتراتب فيه المحقق لشروط الاستعمار في الأرض من دون شروط قيم الاستخلاف. وشروط الاستخلاف نوعان: وحدة الإنسانية لأن البشر اخوة ولهم رب واحد حتى وإن تعددت الشعوب والقبائل والتصورات الدينية تقديما للرحم الكلي على الرحم الجزئي وتقديما لوحدة الرب على اختلاف الألوهية في الأديان. المساواة بين البشر لان التعدد هدفه التعارف معرفة ومعروفا فلا يكون التفاضل بين البشر عند الله إلا بالتقوى أي بتعاملهم كأخوة متساوين يسعون إلى التعارف معرفة ومعروفا وتلك هي رحمة الله. 4
-- سأنطلق في دراسة هذه المسألة العو يصة من أدنى مستو ياتها أعني شكلها المؤسس للعبودية عند التغاضي عن هذين الشرطين اللذين يمثلان قيم الاستخلاف منزلة وجودية لكل إنسان بسبب تحول الانشغال بشروط الاستعمار في الأرض إلى حائل دون تذكر قيم الاستخلاف وعدم الاهتمام بكيفية تجليها والغاية الوصول إلى أرقى مستو ياتها أعني شكلها المؤسس للحر ية بقيم الاستخلاف التي تذكر بها العلاقة بين القسمتين :القسمة التي تبين الحاجة إلى التعاون والقسمة التي تحدد رحمة الله لا يصبح الأخوة أعداء فتصبح الثروة أساس التفاضل بدلا من التقوى. ولما كان الحدان متلازمين دائما فإن حضور قيم الاستخلاف يكون في شكل تذكير بها وهو دور الديني في التاريخ كما يعرضه القرآني في الرسالات المتوالية ودور الفلسفي في التاريخ كما يعرضه تاريخ الفلسفة ومن هنا نفهم التلازم الدائم بين الرسل والصلحاء من المنحازين إليهم. ل كن غلبة الغرق في شروط الاستعمار في الأرض يغلب النسيان عن الذكران وتكون الملهيات عن قيم الاستخلاف فيتحول النجاح في الاستعمار في الأرض مولدا لمعنى من الاستخلاف مناقض لمعنى الربوبية لأن الحاصلين على شروطه يتألهون بالمعنى الخلدوني فننتقل من الوثنية الطبيعية إلى الوثنية التاريخية أي تأله المسيطرين على القوة المادية والقوة الرمزية. وذانك هم الحدان اللذان ترمز إليهما رسالة نوح التي بينت أنها ثورة التحرر من طغيان الطبيعة بقوة مد الماء والعلاج بالتقنية والزرعة والتحرر من الرحم الجزئي رمزا للرحم 5
-- ال كوني ورسالة موسى التي بينت أنها ثورة التحرر من طغيان الدولة الفرعونية بقوة جزر الماء وهزيمة السحر والاقتصار على الرحم الجزئي فآلت إلى تعميم أداتي الاستعباد الأول فصار التحرر الثاني ملغيا للتحرر الأول لأن الدولة الفرعونية هي الشكل المحرف من ثورة موسى أي تأسيس الابيسيوقراطيا عبادة لمعدن العجل وخواره. ولهذه العلة فإني سأحاول تحديده ليس بالمستو يين الاقصيين فحسب بل بهما وبما بين المستو يين الأدنى والأسمى بوصف مجراها الفعلي جامعا بينهما جمعا لتفاعليهما في الاتجاهين جمعا محددا لإيقاع التاريخ الإنساني الذي هو أصل الحدين والتفاعلين في علاقة بما يتعالى عليهما. فرغم كونهما يبدوان متقابلين في الظاهر هما في الحقيقة متلازمان تلازم عنصري الامتحان :فالاستعمار في الأرض هو نفسه امتحان أهلية الإنسان لمنزلته الوجودية أي الاستخلاف. لذلك فهما يمثلان في الباطن حقيقة ما يتعلق به السياسي من حيث هو سياسي في الجماعة البشر ية خلال مسعاها لتحقيق شروط الاستعمار في الأرض بقيم الاستخلاف أي التحرر من الخسر الذي تشير إليه سورة العصر بالعمل بالتقويم الأحسن. وحتى يكون البحث شبه ملموس المعطيات للقارئ يكون المثال الذي انطلق منه هو تبعية تونس إلى مستعمرها في علاقة نخبها التي تستلذ العبودية وما يترتب عليها من التساخر بمعنى السخر ية التي تحول التسخير إلى سخرة .وهو يقبل بلغة تونسية عامية أن يسمى المركوبية في الداخل وفي الخارج بحيث يكون الراكب في الداخل مركوبا في الخارج 6
-- علاقة سلطة بين الحائزين على سهم من حكم المستعمرات بمقتضى التبعية بينهم في الداخل وبينهم وبين منصبيهم من الخارج .والمركوب المطلق هو الشعب التونسي والراكب المطلق هو من يحمي الراكبين عليه في الداخل. وانطلاقا منه هذا المثال-وهو مثال ينطبق على كل بلاد العرب والمسلمين وكل مستعمرات الامبراطور يات الغربية سابقا والتي انضمت اليها الامبراطور يات الشرقية وأدوات نوعي الامبراطور يات من القوى المعادية للإسلام وللمستضعفين عمان أعني إيران وإسرائيل- أمر إلى دراسة الظاهرة لل كشف عن قانون هذه العلاقة بين سطح ظاهرة التساخر وعمقها باعتبارها عين ما يعالجه الفكر السياسي في كل الوضعيات دون تمييز بين غالب ومغلوب لأن قانون التغالب الذي اكتشفه ابن خلدون قانون واحد في العمق واحد حتى وإن بدا في السطح مختلفا: وقد خصص له ابن خلدون الباب الأول من المقدمة وبين أنه ناتج عن الأحياز الخمسة بوصفه نصيب الجماعات الحاصل من بتقاسم الجغرافيا مكانا والتاريخ زمانا وثمرة فعل الثاني في الأولى (الثروة) والأولى في الثاني (التراث) واصلها جميعا أي: ما تتألف منه الجماعة عضو يا (نحلة العيش والمائدة) وما تتآلف منه الجماعة روحيا (الديموغرافيا والسرير). 7
-- وفيه تلتقي قوانين طبيعية وسنن تاريخية تقبل الرد إلى ما اصطلحت عليه باسم المعادلة الوجودية والوعي بها تطبيقا للآية الثالثة والخمسين من فصلت أي رؤ ية آيات الله في الآفاق وفي الانفس. وحينها نفهم أنه لا فرق بين الأنظمة السياسية لأن السياسي يعالج هذه العلاقة بين المستو يين الدالين على ما يسميه القرآن \"السخر ية\" التي ينبني عليها اجتماع البشر في مستوى العمران البشري والاجتماع الإنساني بلغة ابن خلدون. فيكون أول درس لسطح الظاهرة وصف كيفية التراكب بين السلط في المجتمعات البشر ية في نفس الجماعة وبين الجماعات في مستوى أول تمثله المؤسسات الوسيطة الخمس في كل جماعة قبل تشكل الدولة القيمة عليها أي الاسرة والمدرسة والمعبد والمعمل والجماعة وذلك هو المجتمع الأهلي؟ وهذا السؤال محير وينبغي تحديد قانونه لفهم ما يجري في العالم لأنه النواة الأولى لكل سياسة ومنه ننطلق إلى محاولة فهم منزلة العرب خاصة والمسلمين عامة منزلتهم المتردية في نظام العالم قبل الإسلام ثم منذ الانحطاط؟ ولا بد هنا من استعمال طر يفة اقصى تعميم لتبين حدود الحل الممكن .فالحاصل ليس عرضيا بل لا بد منه .فأحد مجالات التوظيف للمركوبين يسل كه حلا للتموقع في سلم مراتب السلط المحلية والدولية .فالتبرجز يكون بالمال نعم ل كن الوصول إليه يكون بالسياسة وهي حتما توظيف للقيم .ومنها القيم الدينية التي هي الأيسر توظيفا بسبب 8
-- شمولها للإنسان من حيث هو إنسان واع بهشاشته رغم كونها الأعسر تحقيقا على الإنسان العادي وتحتاج إلى قدرة عجيبة تجمع بين النفاق خلقيا والتقية سياسيا. 9
-- -الفصل الثاني - وهكذا يتبين أن قانون التساخر يتعين في التاريخ في شكل قانون التفاوض بين الربح والخسارة الوجوديين أي المتعلقين بالمعادلة الوجودية نتيجة لدور مقومي الأنفس المحددين لوجود الإنسان العضوي والروحي بسبب علاقتهما بمكوني الآفاق فهذان يقومان شروط بقاء المقوم العضوي والمقوم الروحي نوعين من علاج التفاوض حول قيم الاستعمار في الأرض شارطا لقيام الإنسان العضوي وعلاج التفاوض حول قيم الاستخلاف فيها شارطا لقيام الإنسان الروحي. ويمكن بشيء من الهزل رغم كونه جوهر الجد أن اثبت هذه الفرضية بتحليل ما يشبه النظر ية السياسية حول \"التراكب بين الافراد\" في قوى الجماعة السياسية وطنيا ودوليا قواهما التي تتراكب هي بدورها وطينا ودوليا. فيتجلى قانون التساخر في صورة \"التفاوض\" العنيف واللطيف\" حول السلطة السياسية محليا ودوليا باعتبارها .فكل راكب مركوب وكل مركوب راكب و يعسر ان نحدد المركوب غير الراكب والراكب غير المركوب حدين للمتوالية أدنى وأعلى بمعنى ان السلسلة لامتناهية في الاتجاهين صعودا ونزولا. 10
-- وإذن فليس الأمر خاصا بنا بل هو يشمل العالم كله دون ان يعني التساوي في المركوبية والراكبية .والحاجة إلى التفاوض علتها أن القانون هو منطق التجارة أي حساب الربح والخسارة في اللجوء للطف (القضاء وطنيا والدبلوماسية دوليا) أو للعنف (الأمن وطنيا والجيش دوليا). والتناظر لا يصح على المحميات لأن شأنها الداخلي دولي من الأصل ومن ثم فلا معنى للتمييز بين الأمن والجيش ولا بين القضاء الدبلوماسية :إذ لا وجود للطف أصلا بل إن القضاء تابع للأمة والدبلوماسية للجيش التابعين هما بدورهما للقوة التي تحمي النظام العميل من الشعب لصالح المستعمر الحامي الذي يستعبد به الشعب ويستغل ثروات البلاد. ولما كان امتحان اي فكرة مقتضيا الذهاب بها إلى غاية اطلاقها في الاتجاهين فلأجرب ذلك على مثال النهضة في تونس باعتبارها القوة السياسية الوحيدة التي حافظت على وحدتها لمدة تاريخية أطول من الأحزاب الأخرى حتى وإن بدأت تفقدها. فكل النخب يحاربونها ويركبونها .فالسؤال الذي يكون جوابه اختبارا لهذا القانون هو :كيف يمكن الجمع بين الحرب عليها وركوبها أي بين التلطف حتى 11
-- تحقيق الركوب والتعنف بعدهكمن يطوع الدابة حتى يصل إلى الغاية ثم ينحرها حتى لا ترفع رأسها؟ تلك هي المعجزة التي صار الجميع يراها بالعين المجردة منذ الحركة الوطنية الأولى ليس في تونس وحدها لأن من اخرج الاستعمار هو الإسلام السياسي ومن نصبه الاستعمار للحكم باسم الاستعمار غير المباشر هم عملاؤه في كل بلاد الإسلام وليس تونس وحدها. وكذلك كان الامر من \"طيب\" نظام ابن علي وهراه هم الإسلاميون ل كنه استعملهم كخو يفة ليحقق انقلابه وكذلك كان بعد الثورة سواء خلال هندسة الترو يكا بحمق لا مثيل له: فمن يتنازل عن المالية (التي هي في نسبة الدورة الدمو ية للبدن) وعن الخارجية (التي هي عين صورة البلاد في العالم) وعن الدفاع (الذي هو أداة التطو يع الداخلي في غياب القدرة الخارجية للمحميات) لا يمكن أن يكون حقا يفهم في السياسة (حتى لو عين وزير الخارجية منه. فهو لا سلطان له عليها فضلا عن كونه لا تكوين له لمثل هذه المهمة التي هي من اعس المهام السياسية). 12
-- ثم توالى الامر مع السبسي ثم مع الشاهد ثم مع الفخفاخ-حتى صار وزراء النهضة شواش عند عبو -إلى أن تم العزل النهائي مع الدمية وهو عزال اعتبره نعمة إذا فهم قادة النهضة ان الطمع في سترابونتان في حكم تابع ليس شرط الاستئناف بل هو الحائل الاساسي دونه. ل كني أخشى ألا يتجاوز طموح الجماعة ترضية الدمية حتى يحاورهم لعل ذلك يساعدهم على سترابونتان أو حتى على حق الخروج كما فعلوا مع ابن علي وترك اهل البلاء في البلاء مرة أخرى ولست أدري اين المفر مما ليس منه بد أي استئناف المشروع التحريري ولا تحرير للمواطن في أوطجان تابعة هي محميات بالطبع. لسوء الحظ فقدت كل الحركات الإسلامية الطموح الاستئنافي منذ أن صارت تحلم بأن تخدم في محمية .فتقبل من ثم بأن تكون مثل الآخرين في خدمة الاستعمار غير المباشر لأن من يشارك في الحكم مهما ضؤل دوره يتهم نفسه صار \"شيئا\" كبيرا ولا يدري أنه من دون سيادة مجرد عبد حقير,. فالدولة القطر ية مهما كبرت لا تكون إلا محمية لما هو أكبر منها وخاصة في عصر العولمة .وتلك هي علة لجوء كل دول العالم لتكون احلاف مستمدة من وحدة حضار ية بحجم يقتضيه توازن القوى في العالم الحالي. 13
-- وإذن فالجواب هو أنه لا أحد ممن يحارب النهضة وامثالها من القوى السياسية ذات المرجعية الإسلامية يمكن أن يحكم بطر يقة اللطف التنويمي والعنف الاستئصالي فيركب عليها رغم كونه من خارجها من دون أن يكون معتمدا على من يركب قاعدتها من داخلها لأنه تخلى عن شروط الاستئناف وبات يبحث عن سهمه من الحكم مهما كان ذليلا .والجواب لا يقتصر على النهضة بل هو يشمل كل الحركات الإسلامية التي تصورت أنها مخيرة بين حمق الجهاديين وجبن المتنازلين لكأن السياسة يمكن أن تكون عنف الغباء ولطف الإماء. فما يظهر من جبل الجليد يوهم بأن الركوب على الحركات الإسلامية ممكن من خارجها وأن داخلها بريء من ذلك :وهذا تمو يه مطلق لأن الانقلابات على مرجعيتها غالبا ما تقع داخلها قبل أن يقع الانقلاب عليها من الخارج. ل كن الحقيقة هي أن الراكبين نوعان والمركوببن نوعان .فكل جماعة لا تركب من خارجها ما لم تركب من داخلها. وهو قانون ينطبق على النهضة انطباقا يمكن أن يغنيني عن الإطالة لأن كل الحركات الإسلامية متشابهة إذ هي تعتقد تبعا للرؤ ية التي فرضها الاستعمار على الإسلاميين أنها مخيرة بين: 14
-- غباء سلفية الجهاد بلا عقل وهم مجانين العنف الاعمى بسبب ما دسه بينهم الاستعمار من عملاء هم بالذات امراء الحرب في كل حركة جهادية وذروتها داعش وسلفية الاجتهاد بلا إرادة وهم مخانيث اللطف -بلغة مجنون المقامات-بسبب ما دسه بينهم الاستعمار من عملاء هم بالذات امراء \"السلم\" في كل حركة اجتهادية وذروتها سلفية الإسكندر ية. الذين يجهلون أن الاستراتيجيات طو يلة النفس جمع بين الإرادة التي لا بد لها من أدوات العقل والعقل الذي لا بد له من غايات الإرادة ولا إرادة تطابق طموح الأمم العظيمة من دون الحجوم المناسبة للظرفية العالمية في كل ازمة التاريخ الإنساني وهي تتعين في حجوم الأحياز الخمسة: • حجم الحيز الجغرافي الكافي لشروط السيادة المادية بمعنى الاستعمار في الأرض. • حجم الحيز التاريخي الكافي لشروط السيادة الروحية بمعنى الاستخلاف في الأرض • وثمرة فعل الحجم الأول في الحجم الثاني الذي يكون المناعة المادية أي قوة الاقتصاد 15
-- • وثمرة فعل الحجم الثاني في الحجم الأول الذي يمكن من الحصانة الروحية أي قوة التراث • والأصل الجامع بين هذه الحجوم التي تؤسس للحضارات ال كونية هو المرجعية التي تصل المناعة المادية أي الثروة شرط السيادة الأولى بالحصانة الروحية أي التراث شرط السيادة الثانية .وكل المحميات فاقدة للسيادتين أي إنها فاقدة للمناعة المادية وللحصانة الروحية. والراكب من داخل الحركات الإسلامية وسيط بين \"شعبها\" كما يسميه المرزوقي مثلا في كلامه على قاعدة النهضة جهرا وتسميه جوقته التي باعته لما فقد ما تنتظره منه \"قطيعا\". فيكون المرزوقي مثلا -أو من يحاكيه حاليا في ما يسمى بجبهة الانقاذ-قد ركب النهضة ولا يدري أن كل من اختارهم حوله كانوا راكبين عليه وكان الجميع مركوبا للمقيم العام الفرنسي .ثم تطور الامر مع السبسي وخاصة مع الشاهد الذي انقلب عليه بركوب راكبي النهضة. وهذه سلسلة طو يلة .والفرق الوحيد منذ أن جاء الدمية هو بروز دور الراكب الأجنبي الذي كان خفيا والاعلان عن الراكب الأجنبي الدائم منذ سايكس 16
-- بيكو ووعد بلفور :تونس اليوم يركب نخبها خمسة قوى متراكبة ولها خمسة مقيمون عامون يدبرون أمر الراكبين من الداخل: • المقيم العام الفرنسي • والمقيم العام الإيراني • والمقيم العالم الإسرائيلي • وممولي التراكب من الثورة العربية المضادة • والمهندس التابع للثلاثة الأول تخطيطا للانقلاب وللمولين العرب ضد الثورة أي بلحة مصر. وفي الجملة فلا بد من الزوجية في التراكب حدا ادنى أي أن يكون الراكب نوعين والمركوب نوعين في الداخل ونوعين ثملهما في الخارج .في حالة العرب بلغ التراكب الحد الأقصى هي الخمسة التي ذكرتها. رواكب مافية الحزب ورواكب مافية الدولة في الداخل .ورواكب مافية الدولة الأجنبية في الخارج والمافية المسيطرة عليها في الخارج .مثال مافية مسيطرة على النهضة مركوبة من مافية مسيطرة على الدولة بعد الثورة ومافية فرنسية مسيطرة مركوبة من مافية صهيونية في الخارج. 17
-- والمافية الصهيونية مسيطرة على أداتي السيطرة المحلية والإقليمية وال كونية أي رمز الفعل (العملة أداة التبادل والبنك أداة ربا الأموال) وفعل الرمز (الكلمة أداة التواصل والاعلام أداة ربا الأ قوال). وبذلك نصل إلى الأصل الذي رمزت إليه بما أطلقت عليه اسم نظام الحكم الأبيسيوقراطي :أي نظر ية العجل الذي يحكم العالم بمعدنه (الذهب) وبلغته (الخوار). فالسامري هو الذي وضع نظام العالم في بنيته العميقة تحر يفا لدين موسى ومن ثم نقلا للتساخر الذي هو: قانون التعاون والتعاوض العادل شرطا للاستعمار السلمي في الأرض وقانون التفاهم والتواصل الصادق شرطا للاستخلاف السلمي في الأرض ل كن التحر يف نقل ذلك كله إلى نقائضه وهو معنى النكوص إلى الخسر بعد التقويم الحسن الذي تذكر به الرسالات فيعوص الظلم العدل في التبادل وال كذب الصدق في التواصل. وقد سمى ذلك ابن خلدون بفساد معاني الإنسانية ورده إلى التربية العنيفة والحكم العنيف الدي ينقل البشر من اخلاق الاحرار إلى اخلاق العبيد .وكل حكام المحميات العربية ونخبهم يعيشون بأخلاق العبيد إد ما تظاهروا بالطغيان 18
-- والعدوان في الداخل ضد شعوبهم فهم أدل من العبيد أمام حاميهم ضد سعي شعوبهم للعدل والصدق أي لأخلاق الحر ية وال كرامة عملا بقيم الاستخلاف التي ينبغي أن تحكم قيم الاستعمار في الأرض. وكان يمكن ان يفهم \"عنف\" بالمعنى الوحيد الدي أشار إليه في كلامه على تربية الأطفال لو لم يقس عليه عنف الحكم الدي اعتبره من نفس الجنس .ولا يمكن أن يكون القصد مقصورا على الضرب بهذا المعنى. وإذن فالمعنى الدي يعنيه في كلامه على الحكم هو ما مثل له بقتل ما يسميه الوازع الذاتي أو السلطة الخلقية للضمير وتعو يضه بالوازع الخارجي أو السلطة السياسية للطغيان .وإدن فكلام ابن خلدون يتعلق بالطغيان في التربية والطغيان في الحكم. فمادا يمكن أن يكون الطغيان في التربية لأن الطغيان في الحكم معلوم أو قل من يجهله .الطغيان في التربية هو السر الدفين للتراكب الروحي التي يتأسس عليه السر الدفين للتراكب المادي :وليكن مثالنا التربية في المغرب ال كبير. فمن موريتانيا إلى تونس وبعض الوقت إلى ليبيا كان التجر يف الحقيقي للحصانة الروحية للجماعة متغطيا بخدعة التحديث التي تقتل التراث والتاريخ واللغة لاستعمار الأرواح بدعوى تنويرها. 19
-- وكل ذلك مبني على مغالطات مقصودة من الراكب الأجنبي وحماقات في الغالب غير مقصودة من الراكب الداخلي الدي يوهم بكونه لا يريد الحرب على شروط السيادة المادية أي المناعة وشروط السيادة الروحية أي الحصانة. فبدلا من توجيه التعليم لتمكين النشء من أدوات التنمية المادية والروحية أي من شروط الاستعمار في الأرض لمعرفة قوانين الطبيعة التي هي مصدر كل ثروة والاستخلاف فيها لمعرفة قوانين الحضارة التي هي مصدر كل تراث فرض المستعمر على عبيده جعل التعليم إيديولوجيا فرض حضارته والحرب على شروط البقاء المتحرر من التبعية فصار اسم التنوير هو في الحقيقة التظليم والتبهيم والتحميق .حتى صار العنوان صريحا واسمه تجفيف المنابع. ولما حصلت العشر ية السوداء في الجزائر التي بدأت قبل كل العرب ثورة الربيع في العشر ية الأخيرة من القرن الماضي كان الحمقى من المسؤولين على التربية قد استوحوا من سياسة الشرفي في تونس سياسة تجفيف المنابع لكأن النهوض رهن الحرب على الإسلام وعلى الحر يات الفردية في اللباس والتعبد ولكأن الشعوب تنهض بما يسيمه ابن خلدون رموز القوة القشر ية التي تجعل التابع يتصورها علة تفوق المتبوع. 20
-- ونفس الشيء حصل مؤخرا في المغرب لما نكص النظام التربوي إلى الفرنسية بديلا من مراحل التعريب لكأن فشل التعريب الشكلي هو العلة في تخلف المغرب وليس تبني نظام تعليم يكون الإنسان التكوين السليم. والتكوين السليم هو الذي يمكن الإنسان فيصلح فيه معاني الإنسانية ولا يفسدها بأن يربيه على اخلاق الاحرار لا على الخلاق العبيد .ولا حر ية لمن لم يتمكن من شروط الاستعمار في الأرض بقيم الاستخلاف فيها ويحول المدرسة إلى بديل كنسي علماني من الكاثوليكية التبشير ية لا غير .لم يروا أنه ما من أمة تقدمت بغير هدين الشرطين: • جعل التربية تكوينا يعد الإنسان لدوره في الاستعمار في الأرض أي في تحقيق شروط المناعة المادية للجماعة وهو ما يمكن حصره في مفهوم جامع مانع: عدم التبعية في شروط البقاء والاكتفاء الذاتي الذي هو أصل كل سيادة حقيقية ومناعة مادية. • جعل التربية تمكينا للإنسان من أداة التواصل بينه وبين تاريخه أي اللغة الوطنية حتى يحصل التراكم الحضاري أولا وحتى يسهل الاستيعاب العلمي وتطبيقاته والعملي وتطبيقاته :فتعريب العلوم غني عن فرنسة الشعب وأقل كلفة وأيسر تحقيقا. 21
-- -الفصل الثالث - نعود الآن إلى البحث في دلالة قانون التساخر بعد مرحلته الأولى من حيث هو قانون تفاوض في الجماعات البشر ية سواء كانت جزئية أو كونية خلال التاريخ الفعلي ول كن من حيث هو مشدود إلى قانون اسمى من التساخر. ننتقل من تقاسم العمل المادي وتقاسم العمل الروحي في عالم الشهادة إلى علاقتهما بعالم الغيب فيكون حينئذ قابلا لان يسمى قانون\" جاذبية السرمدية\" للتاريخية تقتضيها كونية العلاقة بين الاستعمار في الأرض شرطا في قيام الإنسان العضوي والاستخلاف فيها شرطا في قيامه الروحي ومثالين أعليين من عالم الغيب لا بد منهما في أي استراتيجية سياسية حتى لو كان أصحابها ملحدين. ذلك أن الملحد لا يرفض التمييز بين الأمر الواقع والأمر الواجب وإلا لجعل كل افعاله انفعالا بما حوله وبما يجري في كيانه العضوي ونزواته .وحتى من يقول بهذه الرؤ ية في الظاهر فهو في اعماقه ينفيها خاصة إذا كان ضحيتها وإلا قبل كل عدوان على حقوقه .و يكذب إذا قال إن الحقوق هي المواضعات بين البشر. ذلك أن المواضعات القيمية لا يحصل الاتفاق على جعلها مرجعية قيمية إلا إذا تصورت مختلفة عما يحصل من المواضعة القهر ية وليس المواضعة التي تعتبر ما يتوصل إليه العقل الإنساني شرطا للعيش المشترك السلمي الطوعي بين البشر. 22
-- بحثنا في الفصل السابق التعيين الأقصى بالمثال التونسي ليس في تقسيم العمل عامة بل في تقسيم العمل السياسي بين القوى السياسية في الداخل وفي الخارج وكلاهما في الإسلام فرض عين أمر الآن إلى التعميم الأقصى بالرؤ ية ال كونية الذي تتعلق به الآية 32من الزخرف التي هي من الحواميم أعني من السور التي تبدأ بحرفي الحاء والميم المقطعين والتي أولتها كلها باعتبارها رمز العلاقة بين الحياة والموت. والسؤال الذي أريد الجواب عنه في هذه المحاولة يمكن صوغه كالتالي :هل سياسة عالم الشهادة يمكن أن تكون راشدة من دون نموذج سياسي مرجعيته مستمدة من عالم الغيب المحددة للمثل؟ وما هو منطق العلاقة بين العالمين عالم الشهادة الذي يغلب عليه قانون الأمر الواقع وعالم الغيب الذي يغلب عليه الأمر الواجب؟ فالقرآن يؤسس استراتيجية توحيد البشر ية على العلاقة بين العالمين بمنطق التفاوض الذي يتعين أفضل تعين بالمنطق التجاري فهو المنطق الحاكم في التبادل والتعاوض العادل شرطين للعيش المشترك السلمي وفي التواصل والتفاهم الصادق شرطين للوعي بمنزلة الإنسان وبالمبدأين اللذين تحددهما الآية الأولى من النساء والآية الثالثة عشرة من الحجرات. 23
-- والمنطق التجاري ينطبق في العالمين لأنه أوضح مثال على الجمع بين حساب الربح والخسارة في الحالتين سواء انطلقنا من منظور قاض دنيوي في عالم الشهادة أو من منظور قاض أخروي في عالم الغيب .القاضيان يتمايزان: • بكون الثاني علمه محيطا ولا محدودا وعمله تاما ولا محدودا. • وبكون الأول علمه اجتهاديا وعمله جهاديا وكلاهما محدودا. فلا يكون القاضي الدنيوي قاضيا أمينا وعادلا -النساء - 57إلا إذا توفر شرطان: ان يكون المتنازعان والقاضي مؤمنين بالقاضي الأخروي الذي يكون حاضرا دائما بوصفه شهيدا ومطلعا على سرائر المتخاصمين الشاهدين على نفسيهما وهو شرط سلامةكل تعاقد بين البشر في التبادل وفي التواصل أعني التساوي بين المتعاقدين بضمانة أصل التعاقد وضامن عدله في التبادل وصدقه في التواصل لأن عدم المساواة بين المتعاقدين يعني أن الضعيف يخضع لإرادة القوي فتكون المشاركةكاذبة في عبارة تعاقد. وهي صادقة في حالة وحيدة عندما تكون بين الإنسان وربه .فلا يستطيع الإنسان التحيل في التعاقد إلا على انسان مثله ل كون لا أحد من طرفي العقد 24
-- يمكنه أن يعلم عمل اليقين نية الثاني لعدم العلم بالسرائر والبناء على فرضيات مستمدة من علامات الصدق وال كذب والأمانة والخداع. ل كن ذلك مستحيل مع الرب عند المؤمنين حتى لو توهموا أن الرحمة الإلهية تسع كل شيء لأن ذلك ليس صحيحا إلى في العقد بينه وبين الإنسان وليس في التعاقد بين البشر لأنه حينها يكون حكما بينهما وكل رحمة للظالم تعتبر مساندة لظلمه وخذلانا للمظلوم .وبهذا المعنى فالتعاقد مخمس الأطراف دائما: • الطرفان الظاهران في عالم الشهادة • الطرفيان الخفيان اللذان لا يظهران إلا في عالم الغيب • والضامن الأسمى الذي يذكره المظلوم الضعيف وينساه الظالم القوي. فالقاضي الأخروي هو الله نفسه وهو أقرب إلى الإنسان من حيل الوريد. ل كن المتألهين من الحكام ومن النخب يغفلون عنه وقد يذكرونه إذا صاروا ضحايا الظلم لا المضحين بالمظلومين .والعلاقة بين نوعي التفاوض في عالم الشهادة وفي عالم الغيب يتجلى فيها الفرق بين نوعي الحكم: فالحكم الدنيوي تحكمه الأبيسيوقراطيا أي الحكم باسم العجل الذهبي معدنه وخواره وهو وثني بالطبع في عالم الشهادة ولهذا الحكم تأثير حتمي في القضاء الدنيوي. 25
-- ولما كان الحكم الدنيوي قد يتدثر بتحر يف معايير الحكم الأخروي فإنه يستعملها تقية فيصبح ثيوقراطيا أي حكما بالحق الإلهي إما بمقتضى نظر ية شعب الله المختار في اليهودية والمسيحية أو بنظر ية أسرة الله المختارة في الباطنية الشيعية. ل كن القضاء الأخروي الذي هو نموذج القضاء الدنيوي الذي يستمد من احتذائه عدله هو بدوره حتى دون تحر يف يطبق منطق التجارة مع عكسه منطق الأبيسيوقراطيا والثيوقراطيا لأن حكم الله في الآخرة يعكس قضاؤه المنطق التجاري. فهو يلغي ربا الأقوال أو شهادة الزور وربا الأموال الذي لا يقتصر على الربا بالمعنى الفقهي بل يشمل كل تطفيف وغش وظلم في سلم الأجور المناسب لتقسيم العمل أي استغلال القوي للضعيف فيجعل ربا الأفعال وربا الأقوال في الجزاء من حق القاضي القادر على العدل المطلق بسبب علمه المطلق فيحق له أن يتفضل في الجزاء كما يريد فينفل ل كنه لا يظلم أبدا. والخروج من الخسر مشروط برؤ ية آيات الله في الآفاق وفي الأنفس أساس المعادلة الوجودية التي سبق شرحها في عديد المحاولات لأنها هي التي تحدد الإسلام باعتباره استراتيجية توحيد البشر ية والعينة منها بمنطق السياسة المحمدية. 26
-- وذلك المعنى العميق لعلاقة الإسلام بسياسة العالم التي هي استراتيجية الاستعمار في الأرض تاريخيا المشدودة إلى قيم الاستخلاف سرمديا بمعنى اعتبار سياسة الرب للخلق والأمر في الوجود مثالا اعلى لسياسة خليفته لما يناسبهما في الحضارة وذلك هو مضمون الرسالة الخاتمة التي هي عين الفاتحة. ومن ثم فبنية القرآن هي عين المعادلة الوجودية. وهي تذكير بمعلوم وليست اخبارا بمجهول لأنها مرسومة في ما تتجلى فيه آيات الله التي جهز الإنسان بما بمكنه من رؤ يتها أعني بقدرة الإدراك لعلم قوانين الطبيعة المساعدة على الاستعمار في الأرض وبقدرة الإرادة لعمل سنن التاريخ المساعدة على الاستخلاف فيها. فيكون ما في الآفاق أي الطبيعة والتاريخ هو عينه ما في الأنفس أي إن كيان الإنسان العضوي يستمد الزاد المادي لقيامه الطبيعي كيانه الروحي يستمد الزاد الرمزي لقيامه الروحي. ولما كانت رؤ ية آيات الله في الآفاق أي الطبيعة والتاريخ وفي الأنفس أي البدن والروح تمكن الإنسان من تبين أن القرآن حق فمعنى ذلك أن القرآن من حيث هو رسالة تذكير مداره إيقاظ الإنسان ليرى ما ير يه الله من آياته في 27
-- الآفاق وفي الأنفس .ما يجعل بنية القرآن العميقة عين ما تحيل عليه المعادلة الوجودية فيه أي: • صورة عن المرسل تبلغ باستعارة من أفعال المرسل إليه مع حزر كون المرسل ليس كمثله شيء ولا يقاس بالإنسان لا بذاته ولا وصفاته .والقيس في هذه الحالة من جنس الرسم في درس الهندسة مثلا حيث يرسم الأستاذ الشكل الهندسي و يعلم الجميع أنه لا يوجد رسم يشبه حقيقة الدائرة مثلا. ولهذه العلة قست كل العقائد من حيث هو تقديرات ذهنية ليس لها تعين محسوس على كل المعاني الر ياضية من حيث هي تقديرات ذهنية ليس لها تعين محسوس .وكل من يخلط بين المعاني الدينية المشار إليها في العبارة القرآنية بينها وبين العبارة عنها كمن يخلط بين المعاني الر ياضية المشار إليها في العبارة الر ياضية والعبارة الر ياضية التي ترسمها أو تصوغ مفهومها. • حقيقة المرسل إليه حتى تكون له صورة على ذاته يتأكد منها بمحاسبة نفسه. وهذا القسم من الرسالة يحدد مستويي التذكير أي سياسة التربية وسياسة الحكم. وكل من يخلط بين تصوره لذاته بمقتضى ما يمكن اعتباره علم النفس الذاتي وذاتهكما يتكلم عليها القرآن لا يمكن أن يفهم معنى حصر القضاء في عالم الشهادة على الحكم بالظاهر والله يتولى السرائر. 28
-- وهذا الغموض الاستراتيجي إن صح التعبير هو الشرط الضروري والكافي للتعايش بينهم لأن أحكامهم بعضهم على البعض ينبغي أن تكون دائما احكاما نسبية وخاصة في كل ما يتعلق بالمعتقدات الدينية. • حقيقة الرسول لا يتميز عن غيره إلا بكونه الأقدر على ايقاظ الإنسان دون ان يكون وسيطا بينه وبين المرسل ولا وصيا بينه وبين شانه الدنيوي .لذلك فكل ما نسج حول الرسول في سيرته من عجائب كذب محض. فالقرآن يقص علينا أهم خصائص الرسول واخلاقه ولا ينفي عنه كل ما يمكن أن يصيب البشر من أسباب الضعف البشري إذ هو لم يستثنه من نزع الشيطان وذلك فهو يركز على تحذيره من شيطان الإنس والجن وخاصة في المعاملات السياسة. • حقيقة التذكير بوصفه ‘يقاظ ما جهز به الإنسان للإدراك أي القدرة على تحقيق شروط بقائه بالاستعمار في الأرض والإرادة على تحقيقها بقيم الاستخلاف أو بعدمها .وهو مؤلف من بعدين كلاهما مضاعف .فالأول نقدي للتحر يف برد الرسالات السابقة إلى الديني ال كوني الذي يمثله الإسلام .وذلك هو منهج التصديق والهيمنة. 29
-- فهو يصدق الرسل ويهيمن على تحر يف الرسالات وهو تحر يف علته العلاقة السياسة بين رجال الدين ورجال الحكم والأول هو ربا الاقوال أي تحر يف الرسالة والثاني هو ربا الأفعال أي تحر يف نموذج الحكم. وينبغي ألا يفهم القارئ أن \"رجال الدين\" تعني شيئا آخر غير أصحاب الأقوال بلغة الفارابي حتى لا يستثني كل النخب التي عوضت الكنائس الدينية بالأحزاب السياسة ومرجعياتها العلمانية مثلا. وأفضل مثال هو اليعقوبية والماركسية :فكلتاهما أيديولوجيا لها الخاصية التي ينسبها القرآن إلى تحر يف الكلم أي ربا الاقوال أو خوار العجل بلغة الأبيسيوقراطيا أو سحرة فرعون ومنهم خاصة الاعلاميون. ويمكن أن أسمي النخب عامة ومنهم رجال الدين الجيش الذي يعمل بالرمز عمل الجيش بالسلاح هما أداة الحكم الرمزية سواء كان ظالما أو عادلا مثل الجيش الذي هو أداة الحكم سواء كان ظالما أو عادلا .فيعود الأمر كله -وتلك هي عبقر ية ابن خلدون-إلى فساد معاني الإنسانية أو صلاحها الناتج عن التربية العنيفة والحكم العنيف لأنهما هما ما ينقل الإنسان من كونه \"رئيسا بالطبع بمقتضى الاستخلاف الذي خلق له\" إلى كل الصفات الذميمة الذي ذكرها بوصفها عين فساد معاني الإنسانية أي اخلاق العبيد. 30
-- • حقيقة الرسالة أي الأمر بسياسة الاستعمار في الأرض بقيم الاستخلاف فيها والنهي عن سياسته من دونها .فكون مهمة الرسول التذكير بأسلوب البشير والنذير وكونها تربية بما يتضمنه القرآن من سياسة تكوين الإنسان الحر والرئيس بالطبع بمقتضى الاستعمار في الأرض بقيم الاستخلاف وحكم بنفس المقتضيات لتحقيق شروط المناعة المادية وشروط الحصانة الروحية في الجماعة الجزئية والجماعة ال كونية. وتلك هي علة كون الرسالة موجهة للبشر ية كلها وكون مبدئيها هما مضمون الآية الأولى من النساء والآية الثالثة عشر من الحجرات وكلتاهم تتوجه للناس وليس لجماعة بعينها .ولا يتضمن القرآن شيئا آخر. ذلك أن الكلام في ما أدى إليه تحر يف هذه المسائل الخمس هو القسم النقدي لما يترتب على الاستعمار في الأرض من نسيان قيم الاستخلاف وذلك هو مصدر التحر يف الذي يعالجه القرآن بمنهج التصديق والهيمنة .وتلك هي علة الكلام في الرسالات التي حرفت والتي يصلح تحر يفها ولا يرفضها جملة. ذلك أن تعدد الأديان مثل تعدد الشعوب والقبائل مقصود .فكما الأول التعدد الأول هدفه التعارف معرفة ومعروفا فإن التعدد الثاني هدفه تحقيق شرط حر ية 31
-- العبادة التي تقتضي تبين الرشد من الغي للوصول إلى التدين الذي لا يمكن للإكراه أن يؤثر فيه .وعلامته ال كفر بالطاغوت أي عدم نسيان قيم الاستخلاف. وأهم تحر يف يتعلق بهذه المعاني الخمسة و يترتب عن الشرك الذي هو جوهر الطاغوت لأن الأوثان ليست رموزها بل ما ترمز إليه أي إما تأليه القوى الطبيعية أو تأليه القوى السياسية .وذلك هو الخسر الذي ينحط إليه الإنسان بعد التقويم الأحسن. فمفهوم الخسر هو المنزلة الوجودية التي يرد إليها الإنسان فيخرجه من التقويم الحسن الذي يتلازم فيه الاستعمار في الأرض مع الاستخلاف فيها .وشروطه وردت في سورة العصر .ففيها نجد المعاني التي وظيفتها تكوين الإنسان المستعمر في الأرض الجدير بالاستخلاف: فرديا بالإيمان وهو التحرر من الشرك بالمعنيين أي عبادة القوى الطبيعية وعبادة القوى السياسية وبهما يفقد الإنسان منزلته الوجودية التي هي الاستخلاف والعمل الصالح هو الذي يصحب فيه كل فعل القيم الدالة على الاهلية لمنزلة الاستخلاف. وجماعيا بالتواصي بالحق أصلا للاجتهاد الذي هو استعمال قدرة الإدراك لأهلية الاستعمار في الأرض والتواصي بالصبر أصلا للجهاد الذي هو استعمال 32
-- قدرة الإرادة لأهلية الاستخلاف .والقدرتان هما ما يوقظه التذكير القرآني من حيث هو سياسة تربية وسياسة حكم. ستتألف فصول المحاولة بعد الفراغ من هذا التمهيد في هذا الفصل من المسائل التالية التي ترد القانونين الأخيرين إلى أصلهما أي القانون الأول وتستنتج منهما ما يترتب على تفاعليهما في مجالات انطباق التساخر وهي التي تحددها: • فقانون التساخر يتجلى أولا في المؤسسات الوسيطة الخمس التي تمثل المجتمع الأهلي أي الاسرة والمدرسة والمعبد والمعمل والأمة أو الجماعة الجزئية • ثم في المؤسسات الخمس التي تمثل المجتمع السياسي أي المرجعية والقوى السياسية والدستور ووظائف القوامة ثم وظائف الجماعة • ثم في حدي هذين المستو يين أي الفرد والإنسانية اللذين يمثلان فكرتين مجردتين ليس لهما وجود إلا في المثال حدين اقصيين لا حقيقة لهما إلا في عالم الغيب المتعالي على عالم الشهادة. ثم في بيان ما يترتب على الحدين من تطبيق نفس المنطق الذي يطبق على المستو يين الأولين تطبيقه على الفرد وكأنه أمة بمفرده وعلى الإنسانية وكأنها امة واحدة جسرا واصلا بين الجزئي والكلي في السياسة التي تصل التاريخي بالسرمدي. 33
-- لأنهي البحث في الكلام على سياسة العالم كما وردت في القرآن ال كريم أي في السورتين لأنهي البحث في الكلام على سياسة العالم كما وردت في القرآن ال كريم أي في السورتين اللتين اخذت منهما المبدأين مبدأ الاخوة ومبدأ التعارف في العالم الذي تكون في الأمة في رتبة الاسرة والتراث ال كوني في رتبة المدرسة والأديان في رتبة المعبد وتقاسم العمل في العالم في رتبة المعمل والإنسانية في رتبة الأمة. 34
-- -الفصل الرابع - قد يبدو هذا الفصل الرابع خارج الموضوع لأنه استطراد عديم العلاقة المباشرة بموضوع المحاولة .فالتساخر كما بينت في الفصول الثلاثة السابقة هو لب السياسة وسر العيش السلمي الطوعي بين البشر. والفلسفة السياسية ليست مجال اختصاصي الذي مارسته باعتباري أستاذا جامعيا. لذلك فلا بد من تعليل كلامي فيها ما الذي جاء به إليه. الاستطراد يجيب عن هذا السؤال لعرض ما عانيت منه في ممارسة تخصصي الذي لم يكن قابلا للفهم من دون وصله بفلسفة السياسة التي هي جوهر الفلسفة عامة سواء تعلقت بالنظر والعقد أو بالعمل والشرع. لذلك فهذا الاستطراد يعرض محاولاتي للتحرر من الأحكام المسبقة التي سيطرت على فكرنا الفلسفي قديمه وحديثه القائلين بالمطابقة في النظر والتمام في العمل والمقدمين للميتافيز يقا على الميتاتاريخ بعكس ما أعتقده حاجتهما لعكس العلاقة بين الطبيعة والتاريخ بتقديم الثاني على الأولى إذا تحررنا من إطلاق علمنا بالحقيقة وعملنا بالحق. لذلك فهذا الفصل الاستطرادي الأول والذي يليه يمثلان وسيطين بين وضع المشكل في ما تقدم عليهم وعلاجه في ما سيليهما من الفصول وهي عديدة قد تصل إلى عشرين فصلا. فأمر الأحكام المسبقة التي تهمين على فكر النخب العربية الحديثة وخاصة بعد أن وصل حاضره بماضيه سواء عند كار يكاتور التحديث في الفكر الفلسفي أو عند كار يكاتور 35
-- التأصيل في الفكر الديني ازداد حدة عندما خلصت في قراءتي للقرآن بأن الإسلام ليس دينا من الأديان بل هو الديني في كل دين وإلا لما عرف نفسه بكونه الدين الفاتح والدين الخاتم وهو كذلك الفلسفي في كل فلسفة وإلا لما كان كل استدلاله بعكس الأديان السابقة لا يعتمد على الخوارق بل على النظام. وما كان ذلك ليكون كذلك لو لم يكن في قطيعة مع الأديان والفلسفات السابقة مستبدلا الوساطة ال كنسية والوصاية السياسة في العمل والوساطة الميتافيز يقية والوصاية المعرفية في النظر لو لم يلغ أدوات سلطان الأديان السابقة التي تستند إلى وهم علم الغيب وأدوات سلطان الفلسفات السابقة التي تستند إلى خرافة العلم المحيط. ويمكن جمع الإلغاء في الاستعاضة عن الميتافيز يقا والميثولوجيا بما يمكن أن اسميه ما بعد تاريخ لحاجة المتناهي إلى اللامتناهي والآفل إلى الباقي :وذلك هو القصد بالوصل بين التاريخي والسرمدي. لا بد من وجود ما يؤسس للسياسي من حيث هو سياسي هو جوهر الأخلاقي ال كوني المحدد لوحدة الإنسانية في الوجود لئلا يطغى بمعيار الأخوة والمساواة ترجمة لشروط العيش المشترك السلمي لئلا يؤدي التنافس على شروط الاستعمار في الأرض نسيان التعاون بقيم الاستخلاف فيها. وذلك هو معنى الآية الأولى من النساء أساس الأخوة البشر ية والآية الثالثة عشرة من الحجرات أساس المساواة بين البشر وبتعليل التعدد للتعارف معرفة ومعروفا فلا يتفاضلون عند رب الجميع الذي لا رب سواه بغير التقوى. 36
-- فتكون سياسة عالم الشهادة التاريخية مشدودة إلى نموذج من عالم الغيب ما بعد التاريخية .ومنها يستمد الخلقي في السياسي ببعديه أي من حيث هو استراتيجية التربية التي تكون الإنسان وباستراتيجية الحكم التي تحافظ على حريته وكرامته. و يكون المشترك بين الديني والفلسفي الفعل النظري والعملي الدي يحول دون فساد معاني الإنسانية بمعناها الخلدوني لئلا ينكص الإنسان إلى اخلاق العبيد لأن الغاية من التربية والحكم الإبقاء على الإنسان رئيسا بالطبع بمقتضى الاستخلاف الذي خلق لهكما قال أي تحريره من الاخلاد إلى الأرض. قراءة القرآن قراءة فلسفية مستحيلة من دون بيان هذه العلاقة بينه وبين استراتيجية سياسة ذات مستو يين أولهما التربية ال كونية والثاني الحكم ال كوني لمنع الخسر الذي يجعل الإنسان مخلدا إلى الأرض. ومن هنا فالإسلام بالجوهر ما بعد تاريخ يؤسس لسياسة الإنسانية سياسةكونية لا تمييز فيها بين الخاص بجماعة دون أخرى بل قوانينه لا تميز بين الداخل والخارج ولا تعترف بالحدود بين البشر بمقتضي مبدأين: • أولهما هو مبدأ الأخوة البشر ية صيغ صراحة في الآية الأولى من النساء • والثاني هو مبدأ المساواة بين البشر صيغ صراحة في الآية الثالثة عشر من الحجرات. فكان الجمع بين هذين المبدأين علته وصولي إلى حقيقة تلامس اليقين وتتمثل في اعتبار القرآن رسالة موضوعها المركزي هو العلاقة الجوهر ية بين وشرطها الاعتراف بالتعدد الديني شرطا في التسابق في الخيرات كما حددت ذلك الآية 38من المائدة 37
-- حتى يكون العقد الديني حر ية مطلقة يصل إليها الإنسان بعد تبين الرشد من الغي بنفسه فيكفر بالطاغوت و يؤمن بالله كما حددت ذلك الآية السادسة والخمسون بعد المائتين ممن البقرة .ومن ثم فهو: • فلسفة دين من حيث هي حكمة نظر ية وعملية تحدد غايات الوجود الإنساني في عالم الشهادة بنماذج من عالم الغيب المحجوب. • وفلسفة تاريخ من حيث هي تعين الوقائع التي تؤكد هذه الحكمة بما تعالجه من عقبات تعترض الإنسان في مسعاه لتحقيق تلك الغايات. فيكون بذلك ما بعد تاريخ يصل التاريخي بالسرمدي بديلا من ما بعد الطبيعة التي تنفي التاريخي برده إلى الطبيعة التي تسرمد في ميثولوجيةكسموجونية رمزها مقالة اللام فانتقلنا من المتيافيز يقا فهمها لفلسفة افلاطون وارسطو قديما إلى المادية الجدلية الماركسية فهما للهيجلية يردها إلى كسموجونية ليس بتوسط الفلك بل بالطبيعةكلها. وتلك عودة إلى تاليه الإنسان حديثا وعودة الميثولوجيا العكسية :انقلنا من قيس الرب على الإنسان في القديمة إلى قيس الإنسان على الرب تأليها قاتلا لهما معا :وهو ما يسميه اصحابه ما بعد الحداثة التي صارت حدوثة انصاف المثقفين. ل كن الحل القرآني الذي يرفض ال كسموجونيا الطبيعية ويستعيض عنها بما بعد التاريخ يمثل معضلة المعضلات إذ كيف لما هو من عالم الغيب أن يمدنا بنماذج تحدد الغايات التاريخي للإنسان في عالم الشهادة إذا كان عالم الغيب محجوبا وهو مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على بال بشر؟ 38
-- هذه المعضلة هي التي جعلت حل هذه ىالمعضلة تصبح شغلي الشاغل .وكان يمكن ألا ابالي بها لو كان الامر مقصورا على الدفاع عن الرؤ ية الواردة في القرآن عند من يؤمن بها فحسب. فهي مما لا غناء عنه حتى بالنسبة إلى الملحدين والكافرين بكل دين .وفي ذلك يكمن سر المعضلة :كيف للرؤ ية القرآنية وهي دينية أن تكون ضرور ية حتى للملحدين؟ أي ما الدي يجعل القول بالمطابقة والاحاطة في النظر والقول بالمطابقة والتمام في العمل قولين ليس لهما أساس لأن ما نجهله لا متناهي وما نعلمه متناه ولأن ما نعمله يحتاج دائما إلى المراجعة سواء كنا مؤمنين أو ملحدين. وما كان امر الملحدين يشغلني لو لم أكن أعيش في عصر عربي فكر اقزامه الذين يدعون العلم المحيط بالواقع والعمل التام فيه يعتبر الفلسفة في قطيعة مطلقة مع الدين وخاصة منذ أن سيطرت الماركسية واليعقوبية على النخب العربية التي تدعي الحداثة والتنوير في الساحتين السياسية والأكاديمية الجاهلين بدين الفلاسفة وبفلسفة المتدينين. فلا يظنن أحد أن هذا الموقف من علاقة الفلسفة بالدين ظاهرة جديدة إذ إن فلاسفتنا القدامى كانوا ينقسمون إلى فر يقين أحدهما كان صريحا بأن الدين الذي لا يستمد من كسموجونيا فلسفة أرسطو أو افلاطون خرافات والثاني لم يكن بهذه الصراحة ل كنه بالتأو يل يحاول أن يلغي من الدين كل ما لا يقبل الرد إلى علم الراسخين في العلم الذي هو مزيج من فلسفة أفلاطون وارسطو برؤ ية أفلوطينية .والأول يمثله الفارابي بداية والثاني يمثله ابن رشد غاية. 39
-- وأكثر من ذلك فكبار من كانوا يعتبرون مجرد متكلمين أو فقهاء كانوا إلى حد كبير اعلم بالفلسفة ممن كانوا يتصورونها تحليل نصوص كما يفعل الأميون من مدرسيها في كل العصور. فالفلسفة روح لا يخلو منها فكر دينيا أو فلسفيا في الانتسابات التصنيفية بمعنى الاختصاص في النظام الأكاديمي .ولهذه العلة فإن من يرى من بين الفلسفي والديني من صلات وطيدة هم في الغالب من كبار العلماء الذين كتبوا فيهما ما يعبر عن تحولاتهما التي حددت تاريخهما. ولا فرق بين الموقفين لأن ما يرد إليه ابن رشد الديني بالتأو يل إلى الفلسفي يعني الفلسفي بهذا المعنى أي القائل بالعلم المطابق والمحيط وبالعمل المطابقة والتام. بحيث إني وجدت نفسي بين حدين أولهما يعتبر ما ليس أفلاطونيا وأرسطيا من الدين خرافة في ثقافتنا المزعومة فلسفية في القرون الوسطى والثاني يعتبر ما ليس هيجليا وماركسيا من الدين أيديولوجيا في ثقافتنا المزعومة فلسفية في عصرنا الراهن. ولهذه العلة فقصي لعلاقتي بهذه الرؤى الأربعة ومحاولة ردها إلى تفسير واحد يثبت خطأ أصحابها بسبب رؤيته لنظر ية المعرفة ولنظر ية القيمة رؤيته القائلة بالتطابق ابستمولوجيا في نظر ية المعرفة وبالتمام أكسيولوجيا في نظر ية العمل. ومن ثم فما حال دون إدراك ما أشرت إليه بوصفه جوهر المشترك بين الديني من حيث هو ديني والفلسفي من حيث هو فلسفي ليس هو شيئا آخر غير هذين العائقين الابستمولوجي الذي يلغي تاريخية العلم والأكسيولوجي الذي يلغي تاريخية العمل. 40
-- ومن هنا اكتشافي أهمية المدرسة النقدية العربية والتناظر العجيب بين رؤ يتها الأبستمولوجية والأسكيولوجية ورؤ ية المدرسة النقدية الألمانية فيهما. والمشترك هو الحكمة التي لا تدعي العلم المطلق ولا العمل التام في سياسة الإنسان لبعدي وجوده من حيث هو مستعمر في الأرض أي من حيث علاقته بالطبيعة مصدر رزقه المادي والعالم بقيم الاستخلاف أي من حيث علاقته بالتاريخ مصدر رزقه الروحي طوعا في يكون في سلام او كرها فيكون في حرب أهلية دائمة. ولما كنت منذ بدأت تعليل مواقفي في محاولاتي بخلاف العادة في ما أكتبه تفسيرا للقرآن وعناية بالشأن العام سأدخل بعض الكلام على علاقة هذا البحث بالسيرة الذاتية بدءا بتعليل انطلاقي في هذه المحاولة من الأحداث السياسية الراهنة. والغاية من تعليل المواقف يستهدف وصل البحث في القرآن الذي عرفته بكونه استراتيجية توحيد الإنسانية التي تعينت في القرآن نظر ية وفي السنة تطبيقا وممارسة فسميت محاولتي لقراءة القرآن قراءة فلسفية. وكما أن الهدف من هذا الوصل يتجاوز علاقة القرآن بالتاريخ السياسي بل هو يحيل مباشرة إلى موقف إعادة الفلسفة والدين سيرتهما الأولى. فما يسيطر من دعوى تعر يفيهما بما يتقابلان فيه سطحيا أعرفهما بما يشتركان فيه باطنيا. فالإشارة إلى السيرة الذاتية تتصل خاصة بهذا الوجه الذي ليس امرا طر يفا إلا لأن الحمقى تصوروا أنفسهم أذكى من أفلاطون وأرسطو قديما ومن لايبنتس وكنط حديثا. فهؤلاء الأربعة وخاصة من يتوسط بينهما أعني ديكارت 41
-- فهو مؤسس الفلسفة الحديثة الذي يجعل ممتنعا فهم عملهما الفلسفي من دون المنزلة التي أسسها لبيان هذا المشترك بين الديني في الأديان والفلسفي في الفلسفات موضوعا أولا ومطلوبا ثانيا ومنهجا ثالثا ودافعا رابعا ووصلا بين العالمين عالم الشهادة وعالم الغيب أصلا لها جميعا اخيرا. فديكارت هو الوحيد الذي قد يشكك القارئ المتأثر بالتأو يلات اليعقوبية لفلسفته هو الذي احتاج إلى التذكير بأني قد كتبت فيه مقالة بعنوان الميتاايثقا بالفرنسية بمناسبة احياء الجامعة التونسي الأولى ذكرى ميلاده أي ما بعد الاخلاق بديلا من الميتافيز يقا لوصف فلسفته التي اعتبرها ملحدو اليعاقبة وكانها عديمة العلاقة بالديني في الأديان في حينا أن مدارها هو المشترك بين الديني والفلسفي بالمعنى الذي حددته أي الحكمة النظر ية والعملية ليس بدين فلسفي متناف مع الأديان المنزلة. فما يسمى تأملات ميتافيز يقية في فكر ديكارت هو منظومة من الأدلة على وجود الله بوصفه الضامن الوحيد لمعيار وجود الحقيقة وقابليتها للمعرفة. وديكارت فكره الذي تتضمنه نصوصه وليس صورة الملحدين عنه أقرب إلى الأشعر ية منه إلى كل فلاسفة القرون الوسطى وكل متكلميها .فحتى مبادئ العقل هي عنده خيارات إلهية حرة غيرها ممكن عقلا. وحتى عمليا فإن ديكارت قد هاجز بدافع سياسي لأن الهجرة إلى هولندة هي هروب من السلطة السياسية والدينية المستبدة دون اعلان القطيعة لأنه فضل القول إني سأعتمد الاخلاق القائمة في انتظار الوصل إلى اثبات الأخلاق التي أومن بها حقا. 42
-- ل كن هجرته تدل على أنهكان يبحث عن بلد فيه حر ية الفكر وبدايات الديموقراطية لأن هولندة كانت من الأقطار الأوروبية الأولى التي وقعت فيها ثورة سياسية ديموقراطية مختلفة عما حصل لاحقا في الثورة اليعقوبية الدكتاتور ية أكثر من النظام المل كي. وبهذا المعنى فإن اللقاء بين الفلسفي والديني في اللقاء بين المدخلين إلى الحكمة من النظر نحو العمل فلسفيا ومن العمل نحو النظر دينيا هو الذي اردت قصه في مساري الشخصي في معضلة البحث عن المشترك بين الديني في الأديان والفلسفي في الفلسفات أصلا لل كوني في المدخلين الممكنين لفهم الوجود عامة والوجود الإنساني خاصة. والمحاولة بعكس ما كانت عليه الرؤ ية الميتافيز يقية القديمة لم تعد تنطلق من الطبيعة إلى التاريخ بل هي بالعكس بحيث إن المقابلة هي بين ارسطو وابن خلدون. فالعلم الرئيس عند ارسطو هو الميتافيز يقا .والعلم الرئيس عند ابن خلدون هو الميتاتاريخ .والخيار الثاني هو الأسلم والأكثر تمثيلا لما نعلم من تكوينية النظر والعمل في الحضارات البشر ية لأن الفكر الإنساني كان ولا يزال دائما ذا أفق ديني من حيث السرمدي فيه حتى عندما ينفيهكما في الرؤى المادية وآخرها الماركسية وذا أفق فلسفي دائما من حيث التاريخي فيه حتى عندما ينفيهكما في الرؤى المثالية وآخرها الهيجلية .فلا يكون الفرق بين الأفقين ناتجا إلا عن عدم النظر في المشترك بينهما وهو ليس السرمدي ولا التاريخي بل الترابط بينهما وهو ترابط شارط لفعل العقل وفعل الإرادة .والعلاقة هي إذن بين الغاية والأداة :العقل أداة والإرادة غاية. 43
-- وشرط تحقيق الغاية التمكن من الأداة فيكون التاريخي الذي هو تحقيق الأدوات إيجابا أو سلبا هو الفعل الذي يستعمل العقل لخدمة الإرادة التي تطلب السرمدي. وذلك هو الترتيب الخلدوني وتلك هي العلة التي تجعل التاريخي الإنساني مقدما على الطبيعي الوجودي الذي لا نحيط به علما ونتعلم منه ما نجربه بصورة لامتناهية دون يقين بالمطابقة معه أبدا .ومن ثم فالعلم الرئيس هو الميتاتاريخ وليس الميتافيز يقا. 44
-- -الفصل الخامس - أواصل الاستطراد الذي تزامن مع عيد ميلادي الخامس والسبعين وفيه من الله فضل كبير لما مكنني منه بالخروج مما اعتبرته في شبابي مأزقين روحي وعلقي. ولما كنت قد جئت للاعتناء بالسياسة ومن محاولة الخروج من المأزقين وصلت الاستطراد بمتابعة الأحداث السياسية ليس بوصفها مطلوبة لذاتها أو لنفع سياسي حتى حين باشرتها بالمشاركة فيها. والمعلوم أني سرعان ما غادرتها إذ استقلت احتراما للالتزام الأدبي بأن الانتخاب كان للتأسيس ولمدة سنة وليس للحكم ثلاث سنوات .لم أقبل ما فرضه الرئيس المرزوقي على من استلذوا ال كراسي الشكلية فتفصوا من التزامهم الادبي بالانتخاب لسنة تخصص لكتابة الدستور. رغم أن السلطة الفعلية لم تكن بيدهم لأنها بقيت بيد من كانوا يحكمون قبل الثورة بتوسط سيطرة النقابة على الشارع وتعميم المزايدات الاجتماعية والحقوقية التي تتجاوز إمكانات الدولة المادية. 45
-- فكان ما تلا السنة الأولى ناتجا عن أول انقلاب على ما تم التوافق عليه .ثم إني ما نويت يوما أن امتهن عملا ذا وظيفة سياسية مباشرة رغم اهتمامي بالاطلاع على كل القوى السياسية في الساحة. وليس عزوفي عن السياسة خوفا من تحمل المسؤولية رغم علمي بثقلها إذا مورست بمقتضى ما أومن به بل لأني اعتقد أن ما ينقصنا ليس وجود المباشرين بأي كيف بل ما كنت أشعر بفقدانه وبضرورة تقديمه لأن غيابه هو علة انحطاط الأمة بسبب الممارسة الرعوانية على الاستراتيجية الحكيمة ذات التأسيس النظري في مرجعية الأمة. ولما كنت لا أبحث عن تموقع في الخطط السياسية المعهودة بالأخلاق السائدة التي تجعل السياسة استرزاقا بالأساس وكان علم هذه الحالة التي وصفها ابن خلدون بكونها علة فساد معاني الإنسانية فإن عنايتي بها يمكن اعتبارها ذات صلة بما انتهى إليه ابن خلدون فهو قد يئس منها وقرر اعتزالها لسبر أغوارها قوانينها .فالهدف هو فهم ما يجري في عمقها الذي يكون في الغالب عكس ما يجري في سطحها من توز يع للسلطة بقوانين خفية أريد فك شفرتها التي ترد إلى سلوك خلقي يعسر تحمله في مجتمع وصفه ابن خلدون نفسه بكونه قد فسدت فيه معاني الإنسانية لقرون. 46
-- وقد شخص ابن خلدون علة هذا الفساد بنظام التربية وبنظام الحكم العنيفين وقيمهما في المجتمع الإسلامي وبه يعلل الانحطاط إلى أخلاق العبيد والتحول إلى عالة على الغير والتبعية وهو عين الخسر والرد أسفل سافلين. فقد صارت أخلاق الأمة أقرب إلى اخلاق العبيد منها إلى أخلاق الأحرار الذي كان يمكن فيها للمواطن أن يقول لابن الخطاب \"والله لو رأينا فيك اعوجاجا لقومناه بحد السيف\". فنحن في وضعية لم يعد فيها بوسع المواطن أن يكون مستعدا للأمر بالمعروف والنهي عن الم كر بالقلب ناهيك عنه باللسان وخاصة باليد :استسلام تام للأمر الواقع والحياة حياة المواشي أصل الآن إلى زبدة الاستطراد لبيان الغاية التي يسعى إلى بيانها من علاقة الانشغال بالسياسة وبالتفسير موضوعا مشتركا بين الفلسفي والديني ومحاولة تحقيق شروط الجمع بينهما ما أمكن لي ذلك دون الزعم بالوصول إلى ما اتمناه مكتفيا بما ختم به ابن خلدون مقدمته التي اعتبر ما قدمه فيها مجرد بداية. فالجهد في هذا المجال يتطلب أجيالا من الباحثين المتخلصين من الكار يكاتورين التحديثي والتأصيلي لأن الأول شوه الفلسفة والثاني الديني فجعلاهما في حرب لا تتوقف. 47
Search
Read the Text Version
- 1
- 2
- 3
- 4
- 5
- 6
- 7
- 8
- 9
- 10
- 11
- 12
- 13
- 14
- 15
- 16
- 17
- 18
- 19
- 20
- 21
- 22
- 23
- 24
- 25
- 26
- 27
- 28
- 29
- 30
- 31
- 32
- 33
- 34
- 35
- 36
- 37
- 38
- 39
- 40
- 41
- 42
- 43
- 44
- 45
- 46
- 47
- 48
- 49
- 50
- 51
- 52
- 53
- 54
- 55
- 56
- 57
- 58
- 59
- 60
- 61
- 62
- 63
- 64
- 65
- 66
- 67
- 68
- 69
- 70
- 71
- 72
- 73
- 74
- 75
- 76
- 77
- 78
- 79
- 80
- 81
- 82
- 83
- 84
- 85
- 86
- 87
- 88
- 89
- 90
- 91
- 92
- 93
- 94
- 95
- 96
- 97
- 98
- 99
- 100
- 101
- 102
- 103
- 104
- 105
- 106
- 107
- 108
- 109
- 110
- 111
- 112
- 113
- 114
- 115
- 116
- 117
- 118
- 119
- 120