أبو يعرب المرزوقي الأسماء والبيان
المحتويات 1 -القسم الأول - 1 -الفصل الأول - 6 -الفصل الثاني - 13 -الفصل الثالث - 18 -الفصل الرابع - 23 -الفصل الخامس -29 -القسم الثاني - 29 -الفصل الأول - 34 -الفصل الثاني - 39 -الفصل الثالث - 44 -الفصل الرابع - 49 -الفصل الخامس -55 -القسم الثالث - 55 -الفصل الأول - 60 -الفصل الثاني - 66 -الفصل الثالث – 71 -الفصل الرابع - 76 -الفصل الخامس -81 -القسم الرابع - 81 -الفصل الأول - 86 -الفصل الثاني - 91 -الفصل الثالث - 96 -الفصل الرابع - 101 -الفصل الخامس -106 -القسم الخامس - 106 -الفصل الأول - 111 -الفصل الثاني - 116 -الفصل الثالث - 121 -الفصل الرابع - 126 -الفصل الخامس -
-القسم الأول -هبني الآن قد حسمت مسألة علوم الملة وغامرت بمحاولة إعادة التأسيس بالاعتماد علىفصلت 53أمرا وآل عمران 7نهيا في الدستور القرآني الخاص بالمعرفة والتربية فكيفسيكون؟ وماذا يمكن ان يحصل ذلك وما ثمرته في معركة الاستئناف التي لا تتنكر لماضيها لأن نقده لا ينكره بل يتجاوزه إلى الأفضل.فالعملية ليست قطعا مع القرآن والسنة بل قطعا مع نوع الاعتماد عليهما المشروطبالطريقة التي حدداها لفهمهما بما يحيلان عليه وليس بشرح ألفاظهما شرحا ليس له ناظمولا حاكم إلا التحكم التأويلي الذي بلغ الذروة في الفهم الباطني الملغي لهما إلغاء فعليا بلدنية تشبه الوحي المتصل للأيمة.وهو في الحقيقة جوهر استعادة ما حررنا منه الإسلام أعني الوساطة الكنسية في العلموالتربية والوصاية السياسية في العمل والحكم أعني النظامين اللذين كانا سائدين عندنزول القرآن في الامبراطوريتين الكبريين امبراطورية فارس وامبراطورية بيزنطة وهما ما تبنته دولة الإسلام بعد الفتنة الكبرى.والشيعة التي تبنتهما صراحة كانت مثل المعارضة في دولة الإسلام والسنة تبنته خفيةفعاشت فصاما بين الأقوال والافعال أي إنها في أقوالها تعتبر ما تجري عليه أفعالها منالمحظورات التي تبيحها الضرورات بحيث إن الحكم صار حقا طبيعيا للقوة وهو معنى أضفاء الشرعية على المتغلب.ولأن المتغلب يعلم أن التغلب يمكن أن يؤدي إلى سلسلة لا متناهية من التغالب فيأتي منيتغلب عليه وهكذا دواليك احتاج إلى التحريف الثاني وهو تحريف المعرفة بجعل الفقهاءوالمتصوفة سلاحه اللطيف أو الناعم بلغة الكافرين بالنعمة :فأصبحوا موظفين لديه يختار من يطوع الواجب للواقع.أبو يعربالمرزوقي 1 الأسماء والبيان
وهذه هي حالة الطوارئ التي تكلمت عليها والتي دامت أربعة عشر قرنا من تاريخنا أيمنذ نهاية الحروب الأهلية التي ترتبت عليها إلى بداية ثورة الشباب التي يظن أنها عديمةالعمق التاريخي والتأسيس النظري فاعتبرت إما فزة عفوية أو مؤامرة استعمارية لكأن الاستعمار بحاجة للتآمر على عملائه حكام العرب.ولا يظنن أحد أني أتكلف فيما أدعيه لثورة الشباب بجنسيه فأطلب لها تأسيسا في تاريخالإسلام وشروط فهم القرآن باعتباره محددا للدستورين المعرفي والسياسي وجمعهما هو مايعتبره القرآن جوهر ما يقتضيه كيان الإنسان لسياسة علاقته بالعالم وعلاقة البشر بعضهم بالبعض باعتبارهم اخوة متساوين.ذلك أنه لا يمكن أن يكون اختيار أهم شعار للثورة وليد الصدفة أو التولد الطبيعي:فأن يختار الشباب في كل بلاد العرب بيتي الشابي شعارا لثورتهم دليل قاطع أنهم بوعي أوبغير وعي كانوا يعلمون أن ما حل بالأمة سببه فهم القضاء والقدر بعكس ما قصده القرآن الكريم :بيان دور الإنسان في التاريخ.أدركوا العلة العميقة لفقدان الامة دورها في التاريخ بسبب نظرية القضاء والقدر التيكان \"علماء\" الامة يبررون بها كل خيانات \"أولي الأمر\" (العلماء والأمراء) للأمانة وللعدلبالمعنى الذي حددته النساء 58شرطا للحكم سواء بمعناه القضائي أو العلمي أو السياسي أو الخلقي في سلوك الإنسان. أعلم أنه سيرد علي بلغة القذافي أو بلغة السيسي :من أنت؟كيف تدعي ما يشبه تسفيه أجيالا من العلماء والامراء ممن حافظوا على كيان الأمةرغم ما تعيب عليهم من إخراجها من التاريخ الفاعل وابقائها في التاريخ المنفعل مستعبدة مرتين منهم وممن يستعبدنا بهم بسبب تحويلنا أوطاننا إلى محميات؟وحاشا أن أسفه أحدا حتى لو كان إنسانا أميا فكيف بمن لا أشك في تكوينهم العلمي.لكن من شروط العلم أنه يتطور وأنه في الحقيقة تاريخ إخطاء البشر الاجتهادية بالطبع.لذلك فكل محاولة لتجاوز الماضي في المعرفة ليس انكارا للماضي بل تثمين لما بينه حتى سلبا لأنه يلغي انتهاج الطرق المسدودة.أبو يعربالمرزوقي 2 الأسماء والبيان
وطرق المعرفة المسدودة نعرفها بنتائجها :فإذا كانت هذه العلوم قد انتهت إلى جعل الامةعزلاء وعاجزة عن تحقيق مهمتي الأنسان أي الاستعمار في الأرض بالعمل على علم بقوانينالطبيعة والاستخلاف فيها بالعمل على علم بسنن التاريخ فمعنى ذلك أن هذا العلم زائف وأنه آل إلى طرق مسدودة.فيكون بذلك على سلبيته ذا وجه موجب هو إفهامنا معنى فصلت 53وآل عمران 7بمعنىأننا صرنا ندرك معنى قوله جل وعلا إن تبين حقيقة القرآن ليست في نصه بل فيما يحيلعليه من آيات الله في الآفاق والأنفس وأنها ليست في المتشابه أي الغيب بل في عالم الشهادة .وهذه ثورة سببها فشل الماضي.وهي ثورة تبين أن القرآن معجزة ليس لأنه يتضمن خرافة الأعجاز العلمي فيكون مدونةللعلوم أعني ما فهمه الماضي -والغريب أن أصحاب هذه الفكرة يدعون العلم الحديث-بلهو معجزة بقلبه مفهوم الإعجاز :الإعجاز القرآني ليس خرق النظام الطبيعي والتاريخ بل إثباته ومطالبته لنا بتبين حقيقته منهما.ولا علاقة لهذا التصور بما ينسب إلى المعتزلة أو الفلاسفة من العقلانية :فعقلانيتهمالمزعومة لا يقول بها أي عاقل يفهم معنى العقل ومعنى ما بينه ابن خلدون من الوجود لايمكن ان يرد إلى الإدراك ومن ثم فنظرية المعرفة المطابقة متنافية مع اي عقل سليم .ما نعلمه من الوجود مضوأة منظورية.وما نجهله حتى من الشاهد فضلا عن جهل الغيب كله لامتناه بالقياس إلى ما نعلمه وهوشديد التناهي .توهم ما نعلمه مطابق للحقيقة في ذاتها تأليه زائف للإنسان بزعم علمهمحيطا .تلك هي عقلانية المعتزلة والفلاسفة وكل القدامى بمن فيهم أعظم فيلسوفين يونانيين أفلاطون وأرسطو.ومن يفهم هذه الحقيقة يدكر عمق ما قاله ابن تيمية شرحا لعبارة \"من تمنطق فقدتزندق\" التي تبدو نفيا للعقلانية وهي في الحقيقة ليست نفيا للعقلانية بل نفي لتوهمقوانين المنطق القديم مطابقة لقوانين الوجود .فهو لم ينقد المنطق كمنطق بل للظن أنه منطق الوجود وليس منطق نوع من الكلام عليهأبو يعربالمرزوقي 3 الأسماء والبيان
صحيح أن الكلام على الوجود يحتاج إلى منطق ما مثل الكلام على الله يحتاج إلى\"انتروبومورفية\" ما المنطق \"لوجيكومورفية\" ضرورية للكلام على الوجود ضرورةالانتروبومورفية للكلام على الله .لكن الانثروبومورفية تحتاج إلى احتزاز ليس كمثله شيء و\"اللوجيكومورقية\" تحتاج إلى احتراز ليس كمثله شيء.قياس الله على الإنسان في كلامنا عليه وقياس الوجود على المنطق في كلام عليه من نفسالطبيعة :لا بد من عدم نسيان الفارق بين المقيس والمقيس عليه .فالله لا يقاس علىالإنسان والوجود لا يقاس على المنطق .لكن ذلك من ضرورات التعامل مع الغيب التي تقبل بشرط الاحترازين الديني والفلسفي.فالاحتراز الدين جاء في القرآن بشكل \"ليس كمثله شيء\" رغم تحريف ابن عربي لظنهأن من ينفى عنه المثيل هو المثيل أي إن الإنسان مثل الله ولا مثيل له .والاحتراز الفلسفيهو المقابلة بين علم الإنسان النسبي وعلم الله لمحيط .وهو أصل الخلاص من بنظرية المعرفة المطابقة.وبذلك يتبين أن من كان يعتقد أنه ظلامي وضد العقل هم العقلاء بحق في المعرفتينالدينية والفلسفية لأنهم ميزوا بين المقيس والمقيس عليه ولم يطلقوا مقايسة دينية بينالله والإنسان كما توهم من ظن أن ما تقتضيه حاجة الإنسان للكلام على الله قيسا على الإنسان دليل تماثل حقيقي بينهما.وحذار من توهم أن دعاوى التنزيه المعتزلي أو تعطيل الصفات تحرر من هذا الوهم.ذلك أنهم إن فعلوا بحق ينبغي أن يصلوا إلى أن الله هو العدم .لذلك فهم يتوهمون أنالابقاء بعض الصفات دون ما كل ما ورد في القران منها يحقق وهمهم فما أبقوه على أساس قيس الغائب على الشاهد مثل ما نزهوا عنه الله.فالإرادة والعلم والقدرة والحياة والوجود هي بدورها ذات جوارح في الإنسان ولا يمكنتصورها من دونها فنبقى عليها وننفي اليد والاستواء .إذا كانت كلها مستمدة من قيسالغائب على الشاهد فكلها كما قال ابن تيمية خاضعة لنفس الشروط أعين قيس الله على الإنسان بشرط ليس كمثله شيء.أبو يعربالمرزوقي 4 الأسماء والبيان
ومن ثم فالتنزيه لا يختلف عن التجسيم إذا تصور صاحبه أن ما يقوله عن الله علم بهذاته وصفاته وليس مجرد تصوره بالقياس إلى الإنسان \"انثروبومورفية\" وهو بنحو ما خلقلصورة الله في ضمير المتصور ولا علاقة له بحقيقة ذات الله التي هي الغيب المطلق .ومثل ذلك يقال عن قياس الوجود على المنطق.وختاما فالإنسان لا يدرك إلا بالاسترماز سواء تعلق الأمر بتجاوز آل عمران 7للكلام فيالمتشابه وعليه ينبني زيف كل علوم الملة الماضية كما بينت أو بالاقتصار على فصلت 53التييمكن علمها من تحقيق شروط الاستعمار في الأرض والاستخلاف دون المطابقة ورد الوجود إلى مداركنا المنطقية والتقنية.أبو يعربالمرزوقي 5 الأسماء والبيان
إعادة البناء التي أسعى اليها تبدأ بالسؤال عن دور الاسترماز كما يمكن فهمه من خلالالتجربة الإنسانية في البعد الثاني من الآفاق أعني في التاريخ الذي هو ما يضيفه الاسترمازللوجود الطبيعي في العالم وفي الإنسان ليتضاعف تاريخه فلا يبقى زمانه طبيعيا بل يتحول إلى زمان طبيعي ورمزي.وهي إشارة قرآنية في النص لكنها لا تفهم بشرح النص بل بطلب آيات الله الخاصة بها فيالآفاق والانفس أي فيما به اعتبر آدم أهلا للاستخلاف في استعماره للأرض شرطا في قيامهالعضوي المتقدم على قيامه الروحي والمتعين في الاستعداد للاستخلاف :علمه الأسماء علمه البيان علمه القرآن.وهي ثلاث مستويات من القدرة الترميزية وبينها الاول والثاني وسيط وبين الثانيوالثالث وسيط وهي مستويات الترميز أو الاسترماز (أي ترجمة الوجود الفعلي بالرموزالممكنة من التعامل معه :طلب رموزه أو الآيات التي يرينها الله فيه) .فمن الأسماء إلى البيان ومن البيان الى القرآن وسطيان.فالإنسان من حيث هو إنسان مسم .وإذن فهي صفة عامة .لكن البيان ليس عاما بل لا بدفيه من قدرة على فهم علاقة الاسم بالمسمى أو التمييز بين الحقيقة والأسماء التيسميتموها أنتم وآباؤكم وإذن بداية تحري الصدق وعدم عبادة التحريف الذي يفسد الأديان والاذهان .ومن البيان إلى القرآن وسيط.وهذا هو مربط الفرس :القرآن يقول إن تبين حقيقته ليس في آيات نصه (فقراته) بلفيما يرينه من آيات في الآفاق والانفس .وإذن فالوسيط لتعلم القرآن هو آيات الله فيالطبيعة وفي التاريخ وما يوحيان إلى الإنسان من تجاوز للسؤال عما ورائهما أصلا للأسئلة الوجودية ومناط السؤال الديني الفلسفي.ومن لم يفهم الترابط بين هذه المستويات الترميزية في كيان الإنسان لا يمكن أن يدركحقيقة قولي إن الأسئلة الوجودية الكونية هي عين مناط السؤال الديني والفلسفي الكونيأبو يعربالمرزوقي 6 الأسماء والبيان
وأنهما شيء واحد إلى عند أنصاف المثقفين الذين تسكرهم زبيبة فيتصور الفلسفة للخاصة بالجوهر والدين للعامة بالجوهر.ولما كان سكرانا بزبيبة فهو لا يفقه أن دعواه الإلحاد بحجة التفلسف دليل على غبائهالفلسفي لأني ما عملت فيلسوفا ملحدا أبدا لأنه إن لم يكن قائلا بالإله الشخص فهو حتماقائل بما يشيه تأليه الطبيعة كلها أو بعضها أو تأليه التاريخ كله أو بعضه أو مختل عقليا لا يميز بين المادي والروحي.فمجرد عودته على نفسه ليكون الذات التي تعي نفسها موضوعا قائما بذاته خارج وعيهايعني أن المستوى الثاني من ذاته غير المستوى الاول من ذاته وأن هذا المستوى الثانييسمي ذاته ويبين ما يصدر عنها ويطلب آيات الله فيها ليعلم قوانينها ولا يبقى له إلا الإيمان لأن من وصل إلى هنا لا يكذب أبدا.والإيمان لا يعني اليقين المطلق بل هو خيار حر بين رؤيتين للوجود :قابلة به كما هيوراضية به أو رافضة له وغير راضية به .لكن التنطع ليس علما والشك ليس جهلا بل هوالتردد والنوسان الذي لا يخلو منه إنسان بمن في ذلك الانبياء وإلا لما قال القرآن {حتى إذا استيأس الرسول وظنوا .}...فالصمود أمام سيلان الوجود وتلاطم أمواجه ليس في متناول كل البشر إذ حتى الانبياءيقعون في مطباته التي يذكرها القرآن وخصص لها سورة الرحمن كلها وهي سورة لي معهاقصة شخصية أحب التذكير بها .لما كنت طفلا كنت أعجب من المخاطبين بهما :فبأي آلاء ربكما تكذبان .إنهما من لم يخلقا إلا للعبادة.ولم أتخلص من حيرتي -كيف لمن لم يخلق إلا للعبادة أن يكذب بآلاء ربه-إلا بفضلالتمييز بين الإنشاء الذي يبدو خبرا :فالقول وما خلقت الجن والانس إلا ليعبدوني\"خبرية وحصرية ومؤكدة من حيث الصيغة اللغوية لكنها من حيث الدلالة الروحية هي تحديد إنشائي يأمر بشرط أهلية الاستخلاف.فشرط أهلية الاستخلاف هو أن يجعل الإنسان وجوده عبادة لله في استعماره للأرض بقيمالاستخلاف لأن الله لم يستخلفه إلا لهذه الغاية فيكون المقصود بالعبادة هو تحقيقأبو يعربالمرزوقي 7 الأسماء والبيان
الاستعمار في الارض بقيم الاستخلاف اختبارا لهذه الاهلية وهي رهان الله على الإنسان الحر والكريم والمكلف قبل الدنيا وبعدها.إنها منزلة الإنسان الوجودية :ومنها يبدأ المعنى الديني والمعنى الفلسفي لوجود الإنسانولتجربته الروحية خلال حياته الدنيوية وما يتجلى له فيها من آيات تبين له حقيقة القرآنأي حقيقة كلامه على المعادلة الوجودية بقطبيها الله والإنسان وعلاقتيهما مباشرة وغير مباشرة بتوسط الطبيعة والتاريخ.خصصنا فصلا كاملا للتمهيد لإعادة البناء وفي الحقيقة لم يكن هذا الفصل إلا خاتمة عدةمحاولات بدت وكأنها تهدم الموجود بهدف الانطلاق نحو المنشود .لكنها كانت محاولات بيانحاجة الموجود لتجاوزه بعد أن فقد نسغه الحي وقدرته على تحقيق شروط الاستعمار في الارض فضلا عن شروط الاستخلاف.وليس لذلك أدنى علاقة بمنزلة المرجعية الروحية للأمة بل هو متعلق بقراءاتهاوتأويلاتها السابقة علما وان السرمدي في المرجعية أزلا وأبدا هو كونها معينا لا ينضبللتأويل والتحليل ليس بالمضمون بل بما توجه إليه وعي الإنسان من مناظير لرؤية ما في الآفاق والانفس من آيات الله.وعندي أن كل من يجمد دلالات القرآن ومعانيه المحدد لمناظير الرؤية يوثنون ما توصلواإليه في مراحل نضوح الوعي بالاعتماد على نظرية المعرفة المطابقة ليجعلوها مضاعفة:مطابقة بين ما يوجه إلى القرآن من مناظير ومنظورهم وبين حصيلة \"علومهم\" وحقائق الوجود على ما هي عليه.فيصبح كل مس بـ\"علومهم\" مسا بالمرجعية التي توهموا مطابقة أولى بين علومهم وما تشيرإليه المرجعية إشارات تزدادا ثراء كلما نضج الوعي بمستويات الترميز الخمسة التيذكرتها وبقدرة الإنسان على ترجمة علاقاته بالوجود الطبيعي والتاريخي وما يفترضه وراء لهما إلى المستوى الثاني من كيانه.والمستوى الثاني من كيان الإنسان هو إن صح التعبير حصيلة تاريخ الإنسان أو ما أضافهالإنسان إلى عالم الطبائع وقد سميته عالم الشرائع أي ما وضعه الإنسان لترجمة العلاقتينأبو يعربالمرزوقي 8 الأسماء والبيان
العمودية (بينه وبين الطبيعة) والأفقية (وبين البشر) واعترافا لابن خلدون بالفضل مستويي :العمران والاجتماع.وغاية هذا النضوج يمكن ترجمتها دينيا بما سماه القرآن \"تين الرشد من الغي\" الذييلغي الحاجة إلى الإكراه في الدين أو يحقق شروط الحرية الروحية التي تجعل الإنسانيكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فيشعر بأن كيانه صار مطابقا للمعادلة الوجودية التي وصفت: وهي العروة الوثقى التي لا انفصام لها.وهذا هو الإيمان الحر أو الآلهية (فعل والله هو المألوه وهي علاقة حب) في مقابلالإيمان المضطر أو المربوبية (انفعال والله هو الرب) فيحصل التناظر بين الموقفين الذييمكن من كلام على {رضي الله عنهم} و{رضوا عنه} التي كنت استغربها لظني أن الله غني عن رضانا عنه.وما دام هذا كلامه فلست أدرى منه بما يريد :هو لا يستغني عن رضا عباده .والمعنى أنتحرير الإنسان المشروط في التكليف والاختيار والحساب على الاجتهاد والجهاد يجعلالإيمان الحر وبيان أهلية الاستخلاف هما علامة رضاهم عن الله وعلامة رضا الله عنهم وهي إذن نفس العلامة.ولأبدأ الآن بأول علوم الملة الذي أريد إعادة بنائه :الفقه وأصوله .لا بد من شرطينإذا كنا نريده أن يكون علما يقوم بوظيفته التي تتعلق بالقانون وبالأخلاق في حدود عالم الشهادة: .1الأول أن يأتمر بما أمرت به فصلت 53وأن ينتهي عما نهت عنه آل عمران .7 .2والثاني فهم مفهوم التشريع للتشريع.وهذا المعنى الثاني جوهري لأننا لو حاولنا جعل القرآن تشريعا للنوازل لوقعنا فيمحظورين أو هما غصب دلالات الأحكام حتى نصدق قول القرآن بأنه ما فرط في الكتابمن شيء بقصد غير مفهوم ولجعلنا قياسات خرقاء وكأنها مناظرة لتشريعات نتوهمها في القرآن فنضفي عليها قدسيته وهي إنسانية.أبو يعربالمرزوقي 9 الأسماء والبيان
فينتج عن ذلك وحتى لا نكذب القرآن ولا نغتصب قدسية زائفة نضفيها على تشريعاتوضعية متنكرة علينا أن نعترف بأن المشرع للنوازل هو الإنسان ولا أحد غيره وأن المشرعللتشريع هو الله ولا أحد غيره .وهذا يصح على النظر والعمل عامة .فقوانين الطبيعة وسنن الأخلاق ليست من صنع الإنسان.لكن أعيان القوانين التي يكتشفها الإنسان هي من تشريعه وهي تكون تشريعا شرعيا مالم تتناف مع شروط طلبها بمقتضى طبيعتها أعني البحث عنها بشروط منهجية لا يمكن مندونها الوصول إليها وتلك هي تشريعات التشريع العلمي في النظر وفي العمل الإنسانيين.وما دمت أتكلم على الفقه أو التشريع الإنسان للعلاقات بين البشر والنوازل التي تحصلعن الخلافات حول ما يتنافسون عليه من شروط العيش (الاقتصاد خاصة) وشروط المنزلةفي الجماعة (الاخلاق خاصة) والوجود (اساس نوعي الشروط) فإن الامر يتعلق بشروط حماية حريتي الذات وضعا وخضوعا للقانون.وهو معنى المساواة أمام القانون بالمشاركة في وضعه وبالمشاركة في الخضوع اليه بحيثتكون الذات ذاتية التشريع وذاتية الطاعة وهما وجها التقوى المشار إليها في الحجرات .13الذات الإنسانية مكلفة بأن تشرع وأن تخضع للتشريع بتشريع أسمى يحدد ما به يكون تشريعهم شرعيا بمعيار الحرية والمسؤولية.فيكون الفقه هو نظام الحريات والحقوق والواجبات في جماعة أفرادها أحرار روحيا (لاوسيط بينهم وبين ربهم) وسياسيا (لا وصي عليهم بينهم وبين أمرهم) .أساس الفقه كعلمللتشريع المتعين في تنظيم جماعة معينة لعلاج نوازل معينة إنساني بمعايير تشريع التشريع الذي هو إلهي (دينيا) أو طبيعي(إلحاديا).ومعنى ذلك أنه لا فرق من حيث البنية المنطقية للقانون بين الديني والإلحادي :كلاهمايعتبر التشريع الأصلي ليس تشريعا للنوازل العينية بل هو تشريع لهذا التشريع أي إنهمحدد للمعايير التي إذا توفرت في التشريع المباشر يكون تشريعا شرعيا بمقتضى معايير التشريع غير المباشر.أبو يعربالمرزوقي 10 الأسماء والبيان
فيكون الفرق بين المؤمن والملحد هو اسم التشريع غير المباشر :المؤمن يسميه تشريعاإلهيا لشروط شرعية التشريع للنوازل والملحد يسميه تشريعا طبيعيا لشروط شرعيةالتشريع للنوازل .وبالتدقيق فالملحد يسميه حقوق الإنسان وهو ما يطابق ما يسميه المؤمن واجبات الإنسان نحو ذاته والعالم.ذلك أن اعتبار حقوق الأنسان طبيعية أو إلهية قضية عقد وليست قضية علم .ما هوعلمي في الحالتين هو ان الإنسان لا يمكنه أن يشرع كما يهوى بل توحد شروط ليكونالتشريع تشريعا مشروعا :بمعنى أن صفات القانون هي التي تضفي عليه فعل القانونية وهذه ليست تحكمية ولها علاقة مباشرة شبه موضوعية.وحتى هذه المبادئ فهي لا تؤخذ من النص بل مما وجه إليه النص الإنسان لتبين حقيقةالقرآن أي من الآفاق والانفس في الفقه من التجربة التاريخية التي تبين نجاعة تجاربالتشريع الإنسان في تحقيق وظائفه ومنها تستنتج المبادئ العامة التي تضفي الشرعية على التشريع وهي مؤيدة لحقيقة القرآن.وبهذا المعنى فالفرق بين النوعين لا يتعلق بالحاجة إلى المستويين :التشريع للنوازلبأعيانها المتحيزة في المكان والزمان بكل ملابساتها الظرفية والتشريع لهذا التشريع أووضع المبادئ العامة التي تجعله تشريعا مشروعا في الحضارة الإنسانية عامة لأن العلاقتين العمودية والافقية مقومان كونيان.وهذا هو اساس الدولة أو التي هي تعين السياسة في ذات مجردة تمثل تشخيص معنويللجماعة بوصفها حامية وراعية لذاتها حكما وتربية في علاقة بالعالم الطبيعي وبالعالمالتاريخي :فلا توجد جماعة تعرف بالداخل وحده بل هي تعرف كذلك بما يحدها من الجماعات المحيطة بها مكانا وزمانا.ولهذه العلة فلا يوجد قانون داخلي محض بل لا بد أن يكون مصحوبا بقانون خارجيلأن السياسة الدولية متقدمة على السياسة الداخلية لعلتين :فقبل وجود ما يقبل هذا الاسمكل القبائل توجد أمام تحد داخلي غالبا ما تسيطر عليه بسلطة معنوية وتحد خارجي لا بد من سلطة مادية (قوة عسكرية).أبو يعربالمرزوقي 11 الأسماء والبيان
ويمكن أن نقول إن أول قانون شبه خارجي هو قانون الهدن الدينية أو الاشهر الحرمبين القبائل المنتسبة إلى نفس المجال الحضاري وهو قانون خلقي معنوي يوقف دور القوةالمادية .ولما تكبر الجماعات وتتجاوز الجماعة القبلية لتصبح دولة فإن القوة المادية تصبح ضرورية في الداخل والخارج.تلك هي مجالات النظام القانوني في أي جماعة وهي ترى بوصفها آيات الله في الآفاقوالأنفس وعندما ندرسها فيها نجدها مطابقة لما يوجهنا إليه القرآن الكريم إيجابا وسلبا:فرسالة التذكير الاخير يعرفها القرآن كذلك بأن رسولها بشير لمن يتذكر ونذير لمن ينسى.أبو يعربالمرزوقي 12 الأسماء والبيان
لحد الآن لم نر من الفقه إلا أحد وجهيه .وحتى نفهم ذلك فلنذكر تمييز ابن خلدونبين نوعي الوزع في أنظمة حياة البشر :الوزع الأجنبي أو الخارجي وهو ما حاولنا فهمه فيالفصل السابق من الفقه .والوزع الذاتي أو الباطني وهو ما سنشرع الآن في علاجه وهو يمكن أن يفهم كوزع ديني أو كوزع خلقي.وما يحول دون فهم وحدة الوصفين ديني أو خلقي هو عينه ما يحول دون فهم وحدةالنسبتين ديني وفلسفي .فعندما نخلط بين الدين والسلطة الدينية لمن يدعي تمثيله يصبحالدين غير الاخلاق أنه يصبح وزعا خارجيا للوسيط بين الإنسان وربه فضلا عن تصوير سلطان الرب على الإنسان كسلطان الإنسان عليه.لكن إذا حررنا الديني من هذا التحريف وحررنا الفلسفة من ظنها عملية منطقية لاعلاقة لها بهذا الدافع الذاتي لفهم معضلات الوجود فإنهما يصبحان نفس الفاعليةالإنسانية للتعامل مع المعادلة الوجودية ويصبح الديني والخلقي شيئا واحدا هو الوزع الذاتي أو الوزع الباطني ويرد إلى مبدأين بسيطين.المبدأ الأول أن يعامل الإنسان غيره كما يريد أن يعامله غيره في المسائل التي إذا لميطبق فيها هذا المبدأ يحصل العدوان بين البشر حول ما يتنافسون عليه أعني شروطالعيش والمنزلة في الحياة .والمبدأ الثاني السلوك الأسلم للرد على العدوان لئلا تنكص الإنسانية إلى قانون التاريخ الطبيعي.ومعنى ذلك أن من شروط الوزع الذاتي السوي أن يوجد وزع خارجي سوي يحول دونتحصيل الناس حقوقها ورد العدوان عليها بذاتها بل وجود حكم رادع خارجي يمثل سلطةالجماعة في الفصل بين أفرادها عندما لا يعمل الوزع الذاتي فتحصل نزاعات وتظلمات وكذلك في حالة العدوان الخارجي عليها.وإذن فالوزع الذاتي هو الاصل وهو بمقتضى القرآن وبمقتضى العقل (لمن لا يؤمنبالقرآن) فطري في الإنسان إما بمقتضى خلق الإنسان الإلهي عند المؤمن أو الطبيعي عندأبو يعربالمرزوقي 13 الأسماء والبيان
الملحد :فالإيمان وعدمه في القضية لا يغير من الامر شيئا .فلا يمكن القبول بأن الإنسان يولد عبدا ويتحرر بل يولد حرا ويستعبد.ومجموع الوزعين هو السياسة سواء اخذنا هذا المفهوم بمعناه الديني أو خاصة بمعناهالفلسفي :السياسة هي الحكم (الوزع الخارجي) والتربية (الوزع الذاتي) .وتقدم الثانيعلى الاول هو الذي جعل ابن خلدون يعتبر التربية العنيفة علة الحكم العنيف والعنفان علة فساد معاني الإنسانية في الفرد والجماعة.وبذلك وصلنا إلى الوجه الثاني من الفقه أو الأخلاق وهو يلغي مفهوم التصوف من أصلهلأنه لا يبقي إلا على مفهوم المجاهدتين الأوليين مما يسمى عادة تصوفا :أي مجاهدة التقوىأو العمل بالمبدأين اللذين وصفت ومجاهدة الاستقامة أي المواظبة على مراقبة النفس وحركاتها وسكناتها أو ديمومة التقوى.والوجه الأول من الفقه أو الوزع الخارجي هو فعل الجماعة كدولة والوجه الثاني منالفقه هو فعل أفراد الجماعة بمقتضي ما ينبغ من ضمائرهم من أخلاق سلوك التعامل التيقد تغني عن اللجوء لقوة الدولة بوصفها الحكم بينهم عند حصول العدوان حتى لا يرد عليه بعدوان فيتسلسل.ولما كانت العلاقة بين الجماعات تمر ببعدها كدولة وليس كضمائر فردية ولما كانت لاتوجد دولة كونية تمثل الوازع الخارجي بين الدول فإن الاحتكام بين الدول هو في الغالبإلى السلاح وقلما تنجح الدبلوماسية إذا لم يكن وراءها ما يحقق ردع المعتدي .وللإنسانية دائما قانون دولي ولو مبدئيا.والجميل في أمر الفقه القرآني هو أنه يضع الوجهين دائما معا ويقدم الوزع الذاتي أوالباطني على الوزع الاجنبي أو الخارجي .وذلك خاصة في المؤسسات التي بين الفرد والدولةكالأسرة .فأحكام الأسرة مبنية أولا على الوزع الذاتي والاخلاق والوزع الخارجي حل أخير بعد فشل وساطة الجماعة خلقياوقد يلومني القارئ المتسرع فيرى فيما أقول تعارضا مع نفيي الاستعمال المباشر لنصالقرآن وضرورة المرور بالآفاق والأنفس لأني أرجعت الوزع الباطني إلى الديني المحررأبو يعربالمرزوقي 14 الأسماء والبيان
من الوساطة الإنسانية والوصاية السياسية .وحتى أوضح ذلك لا بد من تعريج طويل احتاج فيه إلى صبر القراء.وسيبدو ذلك وكأنه استطراد لكنه في الحقيقة تأسيس للعلاقة بين الوزعين الأجنبي (حكمالقانون في الأفراد والجماعات أو الدولة) والذاتي (حكم الضمير في الأفراد والجماعاتأو الاخلاق)وكلاهما لا تخلو منهما دولة مهما كان أصحابها ملحدين كما يتوهم من يعتبر الدولة الحديثة والعلمانية لا أخلاق لها.وإذا جاز لي القول العابث الذي من جنس اتهام الدولة الحديثة والعلمانية بأنها عديمةالأخلاق بمنظور من يحصر الاخلاق في الدولة الدينية فإن العكس هو الأصح :فالدولةالعلمانية وحتى الملحدة أكثر تناسقا في المسألة لأنها تعتبر أخلاقها هي أخلاق القانون الطبيعي والحقوق هي ثمرة توازن القوى.وهي إذن لا تنافق وتعتبر أن من حق الإنسان أن يدافع عن حقوقه بمنطق أخلاق القوةفلا تخضعه لتحريف عقيدتها فتجعل طاعة المستبدين والفاسدين من أخلاقها بل منواجباتها الدينية بخلاف القرآن والدين السوي :الدولة الدينية تحريف للإسلام الذي ينفي اساسيها :الوساطة الروحية والوصاية السياسية.فالقضية كلها تعود إلى أن الإنسان من حيث هو إنسان كما يعرفه القرآن له مقومانأحدهما يضعه في علاقة عمودية مع الطبيعة مصدر شروط قيامه العضوي كفرد (الغذاء)وفي علاقة أفقيه مع البشر مصدر بقائه كنوع (الجنس) وأن العلاقة الأفقية مقدمة على العمودية لأنها شرط حل معضلاتها بالعلم والعمل.وهذا هو ما سميته الاسترماز :لولا التواصل بين البشر المتساوقين في الوجود والمتوالين لماتحقق للإنسان جملة العلوم والفنون والممارسات التي تمكنه من استثمار ما يسمى بتسخيرالطبيعة حتى يحقق شروط بقائه (الغذاء) التي هي ثمرة عمل جماعي دائما :تقاسم العمل والتبادل والتعاوض بين البشر.فيكون جل البشر بهذا المعنى لا صلة لهم مباشرة بالطبيعة إلا من كان منهم \"نحلة عيشه\"(بلغة ابن خلدون) في صلة مباشرة بها مثل البدو والمزارعين .وهؤلاء كما هو معلوم أحرصأبو يعربالمرزوقي 15 الأسماء والبيان
الناس على هذه العلاقة المباشرة واحترام الطبيعة التي يعلمون أنها مورد رزقهم وشرط بقائهم.وفي المقابل تجد من يسميهم القرآن بالمترفين الذين لا علاقة لهم بالطبيعة بل إن بينهموبينهم كل الجماعة التي تخدمهم عبيدا تعمل بهم ما تريد ولا يهمها أن تفسد في الأرضولا تحترم العلاقة العمودية والعلاقة الافقية .ولهذا كان القول إن المترفين بفسقهم يجعلون القول صادقا على قريتهم فتدمر.طبعا فالقصد بالتدمير ليس الزلازل والكوارث الطبيعية وإن كان ذلك ليس مستبعدابعد أو وصلت فنون البشر التقنية إلى التلويث الكافي لجعل المناخ نفسه مصدر تدمير لكنالقصد الاول هو أن علاقات البشر بسبب ما يتنافسون عليه تصبح مصدر التدمير الذاتي للبشر أنفسهم بأنفسهم.فنرى عندئذ العلاقة بين القانون والأخلاق أو بين الوزعين الأجنبي والذاتي .فما يفسدالفطرة وتأثيرها هو فقدان الوعي بدور العلاقتين العمودية بين الإنسان والطبيعةوالأفقية العلاقة بين الإنسان والإنسان في كيانه كفرد \"يرضع\" الطبيعة مباشرة و\"ترضعه\" الحياة مباشرة وسيطا بينهما يعمر ويخلف.واختلال أي من الدورين -يعمر ويخلف أو يعمر بأخلاق الاستخلاف-هو الذي يتعلق دورالفقه بحمايته بالوزعين الذاتي والاجنبي والثاني من دون الاول وخاصة إذا قضى عليههو الاستبداد والفساد .والفقه الذي عاشت عليه الأمة نهى عن منكر بما هو أنكر :الخوف من الفوضى آل إلى جعلها قانونا.وذلك هو قصدي بالقوانين الاستثنائية لحالة الطوارئ :خوفا من فوضى الحروب الأهليةالتي تلت الفتنة الكبرى شرع الفقه تعطيل الدستور القرآني وقبل بإضفاء الشرعية علىالمتغلب فانتقلت الامة من الخلافة إلى الملك العضوض حكما وتربية حتى وإن حافظت على اسم الخلافة.لم يبق للضمير وجود (وهو معنى فساد الإنسانية الخلدوني) ولم يبق للحكم طبيعته ولااسلوبه ولا أخلاقه :فطبيعته (أمر الجماعة) وأسلوبه (شورى بينهم) وأخلاقه (الامانةأبو يعربالمرزوقي 16 الأسماء والبيان
والعدل) .فصار الفقه مصابا بالفصام أقواله غير أفعاله ثم بالتدريج صارت الأفعال المنافية للدستور مفروضة حتى على الاقوال.والفرق الوحيد بين الفقه السني والفقه الشيعي هو أن الثاني ألغي الفصام بأن ألغىثورتي الإسلام :أعاد الكنسية وأعاد الحكم بالحق الإلاهي وهما الثورة الروحية والثورةالسياسية اللتين أسست لهما الرسالة الخاتمة أو التذكير الاخير للبشرية بمقومات دستورها النظري (العلم) والعملي (السياسة).وقد قلت إن الضمير الممثل للوازع الذاتي والذي هو الديني الفطري (بشرط عدمالخلط بينه وبين السلطة الدينية التي هي مؤسسات وضعية ولا علاقة لها بالديني من حيثهو ديني :هي شرطة الوساطة والوصاية) والاخلاقي الفطري ينهي مسالة التصوف ولا يبقي إلا المجاهدتين.التصوف في شكليه الذي يشجعه الاستعمار والاستبداد هو تحريف المجاهدتين وجعلهماخدعة للسيطرة على ضمائر الافراد وإرادة الشعوب التي تريد أن تكون كما يصفها القرآنشعوبا حرة وكريمة ولا تتفاضل إلا بالتقوى أي بالمجاهدتين اللتين هما الضمير الخلقي والروح الديني في الإنسان المستخلف.وهو تعالم زائف يدعي أصحابه العمق لكنه لا يصح فيه إلا ما قاله فيه نيتشه :التصوفليس عميقا فسحب بل هو ليس حتى سطحيا .هو دجل :فإذا كان الرسول يعترف بأنه لايعلم الغيب فكيف بالدجالين من جنس من يجندهم طاغوت الاستبداد والفساد وعملاء الاستعمار أن يكون لهم ما يزعمون.لا وجود لعلم لدني وكشف للغيب .والنبي نفسه لم يكشف له الغيب ولم يرد علىالمعاجزين إلا بالقول إنه لو كان يعلم الغيب لبجل نفسه بكل الخيرات .والقرآن ليسمعجزا بكونه مدونة علمية بل هو معجزة لقوله بالنظام الطبيعي والتاريخي والخلقي وبالسنن الثابتة الدالة على الحكمة خلقا وأمرا.أبو يعربالمرزوقي 17 الأسماء والبيان
مثلما بينت أن الوجه الثاني من الفقه أو الأخلاق والضمير يغني عن التصوف ولا يبقيمنه إلا على المجاهدتين مقومي الاخلاقي والديني فإني سأبين أن الفلسفة لها وجه ثانيغني عن الكلام الذي هو مثل التصوف (ادعاء تجاوز الفقه :الحقيقة مقابل الرسوم) يدعي تجاوز علم الشاهد إلى علم الغيب.والفرق الوحيد بين دعوى التصوف الكشف ودعوى الكلام غلم الغيب أو تجاوز آل عمران 7بعطف \"الراسخين في العلم \" على الله في قدرة تأويل المتشابه هو الفرق بين التشبهين الأول بالأخلاق والثاني بالعلم على أساس ممتنع عقلا ونقلا.فلا الاخلاق بحاجة إلى الكشف ولا يمكن اعتبار ما يعنى به الفقه رسوما والحقيقةالغيبية ورائه بحاجة إلى كشف الغيب لعلمنا بامتناع علم الغيب على العلم غير المحيط ولاالإنسان مهما رسخ علمه بقادر على تجاوز علم الشاهد بل إن رسوخه في العلم هو اعترافه بهذه الحقيقة العقلية والنقلية في آن.أما عطف علم الراسخين في العلم المزعومين على علم الله في تأويل المتشابه فعلته نظريةالمعرفة المطابقة التي كان أصحابها يتوهمون ان الوجود يرد إلى إدراكنا .ونسوا أن اللهيقول إننا لا نحيط بشيء من علمه إلا بما شاء وقد شاء ابقاء غالب الأشياء الشاهدة خارج علمنا فضلا عن الغيب.وحتى من لا يؤمن بالقرآن فهو يعلم كذلك أن علمه بالقياس إلى جهله لا يكاد يذكر وأنهكلما ازداد علما اكتشف هذه الحقيقة فالنسبة بين ما نعلم إلى ما نجهل من جنس ما نراه منالافق كلما تقدمنا نحوه ابتعد والظلمة المحيطة ببصيص النور الذي لعقلنا محيط أظلم متلاطم لا شاطئ له .فعلام الكذب؟فالله اعلم ليست تواضعا بل هي اعتراف بحقيقة ولا تجد منتفخي الأوداج بما يزعمونهمن علم إلا بين من تسكرهم زبيبة وهو لا يعلم أن ما علمه لا يمثل خطوة أولى في لا متناهمن السعي في المجهول الوجودي يجعله أي اختصاص مادة لبحثه ومحاولة الإمساك بتلابيبه. فعلام الكذب؟أبو يعربالمرزوقي 18 الأسماء والبيان
كل ما نقدمه بوصفه علما هو \"استرماز\" مؤقت أي صوغ لتصوراتنا عن الموضوع الذي نريدقول شيء حول ما أدركناه منه مهما أضفنا لمداركنا الطبيعية (الحواس والبناء العقلي لمانستمده منها من معطيات منقوله عما نسميه الوجود الخارجي) من أدوات تقنية تزيدنا حيرة سواء في لامتناهي الصغر أو الكبر.وإذن لم يبق إلى \"حب الحكمة\" أو الفلسفة التي اقتنعت اخيرا بفساد نظرية المعرفةالمطابقة وسلمت بأن الدين متقدم عليها في هذا الوعي بحدود العلم دون نفس جدواه (ابنخلدون) وأن العلم بالشاهد هو بالأساس لعلاج مسألتين ناتجتين عن مقومي الوجود الإنساني في العالم :كيانه العضوي وكيانه الروحيفلو كان الإنسان كائنا عضويا فحسب لكان منغمسا في ضرورات حياته العضوية بوصفهجزءا من الطبيعية المتغاذية بدورتها الذاتية ولما احتاج إلى علاج علاقته العمودية معهابالبحث العلمي والتقنيات التي يستعملها ليستخرج رزقه منها ولما كان شرط ذلك التعاون في الجماعة وبين الجماعات كلها.وهذا التعاون في الجماعة الواحدة ثم بين الجماعات المتعاصرة والمتوالية لمراكمة التجربةفي معرفة مصادر الرزق وشروط استخراجها واستعمالها بصورة لا تؤدي إلى الموت :فاكتشافاللاسام من النباتات والصالح من الأغذية وإن نساه الجميع هو أول مجال للبحث العلمي المنسي في تاريخ البشرية.وترويض الحيوان وزراعة المغذيات وفنون توزيع العمل وشروط التبادل والتعاوضومنع أن يكون ذلك داعيا للنكوص إلى القانون الطبيعي من خلال تنظيم الحياة الجماعيةلتكون شبه جهاز إنتاج مادي لشروط الحياة وشبه إنتاج رمزي لفنون البحث العلمي والتطبيق التقني للخبرة كل ذلك ينساه أنصاف المثقفين.وينساه خاصة اشباه فلاسفة الخصوصية .فما من جماعة لا تشارك بقية الإنسانية في هذهالكليات والمثال الأشد وضوحا هو أنه لا توجد جماعة ليس لها كل أنظمة المكاييل والموازينالتي هي شرط التعاوض العادل الذي هو شرط التبادل الذي هو علة التعاون الذي من دونه ينكص الإنسان لقانون الطبيعة كحيوانأبو يعربالمرزوقي 19 الأسماء والبيان
والعلامة التي لا تقبل الإخفاء هي أن كل جماعة مهما كانت بدائية فلا بد لها منالرمزين الكونيين في تاريخ البشرية :رمز التبادل ورمز التواصل .والأول مشروط حتىفي المقايضة والثاني مشروط حتى في التواصل المباشر .ففي المقايضة بين البضائع والخدمات العملة موجودة حتى باعتماد النسب بينهما.ومعنى ذلك أن المتقايضين لبضاعتين يقدران قيمة البضاعتين والنسبة بين القيمتينوهذه عملة حتى وإن لم تتعين في مادة كما حصل لاحقا في الذهب والفضة ثم في ا لورق وفيالعملة الكتابية كالصكوك إلخ ...وتقدير النسب يكون إما بالوزن كميا أو بطبيعة الحاجة إليه كيفيا :العملة هي رمز الفاعلية.ونفس الامر في التواصل .فمهما اقترب المتواصلان فلا بد لهما من جهاز رمزي هو اللغةالتي من دونها لا يمكن أن يتواصلا لأن ما سيتواصلان حوله ليس كله حاضرا بينهماوالإشارة إليه لا تكونه بعينه بل باسمه .فيكون الاسم بديلا من المسمى في التواصل .وهو دور الرمز عامة والكلمة خاصة :فعل الرمز.وإذن فرمز الفاعلية المادية في التبادل أو العملة ورمز الفاعلية الرمزية في التواصل أوالكلمة شرطان مقومان لوجود الإنسان كإنسان ولا خصوصية في ذلك بل الخصوصية في المادةالتي تؤخذ لتكون حاملة للرمزية فيه .فالأمريكي اختار ورقة زرقاء سماها دولار والتونسي ورقة سماها دينار شكلي.فهذا من جنس المادة التي تتأثر بالثقافات المختلفة دون ان تغير جوهر الشيء الذي تعينثقافيا :مثل ذلك قطع الشطرنج .فالمسيحي يجعل الملك بلباس ملوكه والمسلم بلباس أمرائهلكن القطعة هي دورها في اللعبة ولا أثر لهذا التعين الثقافي فيه لأن هذا الدور يحدده تعريفه وقواعد اللعبة.والعلم ينشغل بقواعد اللعب الوجودية في علاقتي الإنسان بالعامل وبالإنسان وبماورائهما المتخيل والذي لا يستطيع التوقف عن تخيله دون أن يعتبر ذلك علما بل هو انشدادروحي إلى ما يتجاوز ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة وهو علامة الروحي فيه .وسره في الذاتين المتلازمتين :الله والإنسان.أبو يعربالمرزوقي 20 الأسماء والبيان
وتلازم الذاتين الله والإنسان هو الماوراء المطلق في المعادلة الوجودية ما وراء الطبيعة(الله) وما وراء التاريخ (الإنسان) وهو في آن جوهر الديني وجدانيا وجوهر الفلسفيعقليا .وليس بالضرورة أن يكون ذلك مرئيا من الإنسان بعين الرضا فقد يكون مصدر الإيمان والرضا ومصدر الكفر والسخط.وتلك علة قولي إن الالحاد مستحيل بل أكثر قلت إنه لو كان ممكنا لكنت أول الملحدين.ذلك أن الإلحاد هو الإيمان السالب بمعنى أن الملحد يكفر لفرط ما ينزه .فلسان حاله يقوللو كان الله موجودا لما وجد ما ينافي ما انتظره منه بحكم عقلي (نفي الظلم والمرض إلخ.. من تشوهات الطبيعة والتاريخ)وأكاد أجزم بأن كل محاولات علم الكلام صادقها بداية زائفها غاية تسعى إلى الانتقالمن هذا الإيمان السالب إلى الإيمان الموجب .وهي محاولات صادقة بداية لتوهم الإيمانثمرة فعل عقلي وليس ثمرة فعل وجداني مجهول الطبيعة وزائفة غاية لأنها تتحول إلى مرض الزعامة الجدلية المنافقة.ويعلم الله أني لا أقول شيئا فيما أكتب لم أعشه ولم أجربه ولم أكتشف زيفه لأن قصديليس التعليم الموجه للشباب فحسب بل وكذلك شبه الاعتراف بمراحل التطور الفكر يوالروحي الذي لا أريده أن يمر سدى وأن أسجله حتى يستفيد به ذو الفطنة بموجبه وسالبه ككل اجتهاد انساني شديد النسبية.والحصيلة التي وفقني الله إلى استنتاجها من قراءة القرآن فلسفيا (هكذا سميت عمليربما لعادة مهنية) أن الفقه هو عمل القانون وعلم الأخلاق كما وصفت وأن الفلسفة هيعلم الوسطين الطبيعي والتاريخي وعلم ماورائهما أي الثيولوجيا والانثروبولوجيا أو علم تصورات الإنسان لله ولذاته.فتكون العلوم البديلة للاستئناف هي :فقه القانون أو فلسفة القانون بكل اصنافه وفقهالاخلاق أو فلسفة الأخلاق وهما فرعا الفلسفة العملية أو الفلسفة السياسية بمعناها الاتم.أما في فلسفة النظر فالعلوم البديلة هي فقه الطبيعة وفقه التاريخ أو علومهما الرياضية والسننية.أبو يعربالمرزوقي 21 الأسماء والبيان
وفقه الطبيعة أو فلسفة الطبيعة هي العلوم الطبيعية ذات البنى الرياضية التجريبيةوفقه التاريخ هي فلسفة التاريخ أو العلوم الإنسانية ذات بالبنى الرمزية الأشد تعقيدامن الرياضيات والتجريبيات لأنها بالجوهر تأويليات وهي غاية الاسترماز فمع كونها تنحو للعلمية تبقى صورة الإنسان عن ذاته.ثم وراء هذين الفلسفتين الماوراء المضاعف :ما وراء فلسفة الطبيعة أو سؤال الثيولوجيا(فقه رؤية الإنسان لله) وما وراء فلسفة التاريخ سؤال الانثروبولوجيا (فقه رؤية الإنسانلذاته) والفقهان متلازمان تلازم الذاتين بمعنى أن الثيولوجيا والانثروبولوجيا أختان توأمان لا بالرضاع (ابن رشد).والتوأمية هي بنية الوعي الإنساني :فمهما فعل الإنسان متصوفا كان أو متكلما لا يمكنهفي محاولة التخلص منها أن ينفي أحد قطبيها من دون أن ينتهي إلى نفي الثاني :فلما قالهيجل إن الله قد مات (ويقصد يأس المسيحيين بعد هزيمتهم في الصليببات) آل في دلالته النيتشوية إلى موت الإنسان.لكن موت الإنسان النيتشوي جعل النيتشوية سعيا لتحديد كيان فوق الإنسان ودون اللهفي غياب القطبين وهو مفهوم متناقض لأن المسعى ذاته دليل على بداية وغاية ونفيالبداية والغاية هو عدم النهاية وهو ما سماه في الحقيقة بالعود الأبدي فتكون الطبيعة الفنانة بمعزل عن الخير والشر هيجان اللامعنى.أبو يعربالمرزوقي 22 الأسماء والبيان
ونصل اخيرا إلى غاية المحاولة في فصلها الخامس والاخير بعد أن أرجعنا العلوم الفرعيةالاربعة إلى ما وصفنا وأشرنا إلى بيت القصيد فيها بوصفه رمز العلاقة بين الذاتين الآلهة(الإنسان) والمألوهة (الله) وقد يرد الأول إلى اللامحدد في التاريخ والثاني إلى اللامحدد في الطبيعة.وكانت سبيلنا إلى ذلك ما بيناه من تحريف في الفقه وأصوله وفي الكلام وأصوله وفيالفلسفة وأصولها وفي التصوف وأصوله والأصول التي حرفت استمدت كلها من تحريف أصلالأصول أو تفسير القرآن الكريم من منطق توهمه مدونة علوم يكفي شرح ألفاظه لاكتشافها بدل العمل بما أمر به وبما نهى عنه.فتكون آخرة مسائلها لتحقيق الاستئناف بشروطه التي هي عين مقومات الإنسان وشروطوجوده وهي كونية ولا شيء فيها خصوصي إلا الفلكلور بمعنى أن أدعياء فلسفة الخصوصيةوالمقابلة الأنا والأخر لا علاقة لهما بالفلسفة ولا بالدين على الأقل الإسلامي :كلها إيديولوجيات لا تعني العلم الذي يطلب الكوني.ولا يعني ذلك أن أدعي أن الإنسان يحقق ذلك فعلا بأتم ما يمكن التحقيق لكني أعنيأن العلم هو ثمرة هذا التشوف والانشداد إلى الكلي والمشترك الإنساني ولا يتقيد بالعينيوالمختلف اللذين هما من الفلكلور .والنسبة بينه وبين مطلوب العلم كالنسبة بين ألوان الجلد ووحدة النوع الإنساني.فتعدد الألوان من مفاعيل المناخ وردود فعل الجلد للتكيف لكن قوانين البايولوجيا التيجعلت ذلك ممكنا هي عينها التي جعلت الجلد أبيض حيث تقل الشمس .ومن ثم فالبنيوييتعين بالتكيف مع الظرفي بنفس القوانين التي هي مطلوب العلم دون أن نهمل التكيفات مع الظرف التي يحكمها نفس القانون.وما يجعلني اشدد كثيرا على هذه المسألة هو أن بعض المغفلين بنوا الأساس الثانيللعنصرية بعد أن تخلى بدا بعض نماذجهم يتخلى عن الأساس الاول واستبدله بالأساسأبو يعربالمرزوقي 23 الأسماء والبيان
الثاني .كان أساس العنصرية عضويا ثم صار ثقافيا .وأساس العنصرية الثقافية هو أساس صدام الحضارات :الثقافات جزر لا وصل بينها.ودعوى التفاضل بين الأعراض عوضت بدعوى التفاضل بين الثقافات وكانت فكرةأرواح الشعوب تجمع بين الأمرين في فلسفة هيجل ثم تأسس علم الاجتماع الفرنسي فينهاية القرن التاسع عشر على خرافة الثقافات العقلانية والثقافات التي دون مرتبة العقل وهلم جرا .وبعض متفلسفة العرب فرعون بما بعد الحداثةما تتمايز به الشعوب والثقافات مهم لكنه أسلوبي وليس جوهريا :خذ مثالين هما الأدلعلى معنى الكونية في الحياة الإنسانية أعني آداب المائدة وآداب السرير أي فن الغذاءوفن الجنس .فهما جوهر العلاقتين العمودية بين الإنسان والطبيعة والأفقية بين الإنسان والإنسان وكل ما عدهما استرماز لهما.ومعنى استرمازهما مضاعف :العبير عنهما وإضفاء قيم الجمال الحاصل والمأمول الذييجعلهما يتجاوزها مجرد الوظيفة العضوية إلى الوظيفة الجمالية والروحية ومن فأكبراستثارة للإنسان في الإنسان قرآنيا هي وصفه بأنه يأكل كما تأكل الأنعام ويمكن أن نضيف أنه يلامس كما تلامس البهائم.فليأتني أي قائل الخصوصية بجماعة إنسانية ليس فيها آداب المائدة والسرير بوصفهمافنين يضفيان الجمال والجلال على أهم علاقتين في حياة الإنسان بالطبيعة أولا وبالإنسانثانيا والأولى هي مصدر قيام الإنسان الفرد عضويا والثاني هي مصدر قيام النوع عصويا وكلتاهما مشروطة بهذا المعنى الروحي.أما أن تكون المائدة من خشب أو على الأرض وأن يكون السرير سدة أو حتى رمل فيالصحراء فهذا كله من الظرفيات والأساليب التي ترد إلى الفلكلور ولا علاقة لها بحقيقةالأدبين والفنين اللذين هما مطلوب البحث العلمي وإلا لاستحالت المعرفة فالتنوع الأسلوبي لا متناهي لكن مضمون العبارة واحد.ولهذا المعنى اعتبر القرآن التعدد معجزة وآية لأنه شبه كليديوسكوب الألوان التي تبقىواحدة رغم تقازيحها المختلفة .تقازيج قوس قزح لا تمنع من كونه خاضعا لنفس قانونأبو يعربالمرزوقي 24 الأسماء والبيان
انعكاس الضوء على عتمة السحب وتفرق الألوان التي يتألف منها الضوء :ما يعني العلم هو قانون الانعكاس (البصريات) وبنية الضوء.سأحاول أذن بمعزل عن تخريف الباحثين عن الخصوصية الإسلامية التي هي منافية تمامالمنافاة للقول إن القرآن رسالة خاتمة للعالمين اللهم إلا إذا أردنا أن نفرض خصوصياتناالفلكلورية على غيرنا مدعين أنها الأفضل فنصبح عنصريين ثقافيا رد فعل ناتج عن عقدة نفس لهزيمتنا التاريخية.رد الفعل بمدح خصوصية الذات ليس اعتزازا بها بل هو عقدة نقص لا تخرج الأمة منهزيمتها التاريخية .ما يخرجها منها هو فهم الكونية القرآنية التي هي رسالة تذكير نهائيةبما يوحد البشرية :النساء 1والحجرات 13وبما يمكن من العلم والعمل على علم بقوانين الطبيعة وسنن التاريخ وليس بشرح النصوص.وحتى لا يظن أن كل هذا الكلام لف ودوران يخفي موقفا سلبيا من التراث الذي يتصورالكثير أنه تراث مبني على الإسلام وليس على حالة الطوارئ التي عطلت كل أحكامالإسلام في التربية والحكم ومصدريهما أي العلم والعمل على علم بحيث إننا لو بركة القرآن والسنة لانفرط عقدنا كما حصل لخوالي الأمم.وبعيارة وجيزة فإن أصل العلوم الأربعة التي سبق أن بينت معناها هو في آن بينة الوعيالإنسان بالمعادلة الوجودية التي هي عين كيان الإنسان وعين كيان الوجود في شكلهالطبيعي وفي شكله التاريخي وعين الدراما التي يعرضها القرآن في مستويي علاقة الإنسان بالله مباشرة وبتوسط الطبيعة والتاريخ.وبعبارة ابسط فأصل الأصول يبقى بالنسبة إلى المسلم على الأقل كبداية هو تفسيرالقرآن بوصفه دراما العلاقة بين الذاتين المستخ ٍلفة والمستخلَفة مباشرة في وعي الإنسانوبصورة غير مباشرة فيما يطلبه الإنسان من أساس يفهم به علاقته بالطبيعة وعلاقته بالتاريخ اللذين يحيطان به ولا ينفك عنهماوليس مهما أن يوجد من ينفي هذه المعادلة .فالذي ينفيها منحصر فيها سلبا أي إنه يحددذاته بالإضافة إليها إضافة سلبية ولا يستطيع منها فكاكا مهما حاول :فلا تصوف وحدةأبو يعربالمرزوقي 25 الأسماء والبيان
الوجود الطبعانية (سبينوزا) لا تصوف وحدة الوجود الذاتوية (هيجل) ولا تصوف الجمعبينهما (ابن عربي) ولا تصوف الوحدة المطلقة (التلمساني مثلا) ولا محاولة الخروج منغاية الشك عند ديكارت أو عند الغزالي كل ذلك لا يغير من الأمر شيئا :بنية وعيالإنسان هي هذا التلازم بين الذاتين مباشرة وبصورة غير مباشرة من خلال الوسيطين الطبيعي والتاريخي فتكون حياته كلها محاولة فهم المعادلة الوجودية.وهذا هو سر تأثير القرآن في نفس الإنسان مهما كان جلفا لأنه عندما يتدبره يشعر وكأنالله نفسه يعزف على أوتار وجدانه سر كيانه فلا يمكن ألا يسمو عن حدثانه إلى أسرارالمعادلة الوجودية .ولولاه لاستحال على الرسول الخاتم الذي لم يقدم معجزات من جنس الأنبياء السابقين أن يحقق ما فشلوا فيه.وقبل أن أفهم هذه الحقيقة كنت مذ كنت طفلا أتعلم القرآن في كتابنا الخاص (والديرحمه الله كان شيخا ذار رتبة كبيرة في القادرية وصاحب أملاك) أعجب من قصة الفاروقمع الرسول .كيف انتقل من العجرفة والجلفية إلى ألطف عباد الله وأكثرهم حماسة لتحقيق قيمه في التاريخ الفعلي للإنسانية.ولعل السر في اقدامه على تأبيد الطابع الثوري للإسلام بوضع تقويم تاريخي محدثلكأنه بداية جديدة للإنسانة هي التاريخ الهجري علته أنه فهم حقا طبيعة هذه الخاصيةالعجيبة التي لو أمدني الله بعمر نوح ما فرغت من الكلام عليها لفرط أهميتها وحقيقة تحديدها منزلة القرآن في وجدان الإنسان.وكان يمكن لعرب الجزيرة الذين كانوا تحت سلطان الاسرائيليات والجاهليات والكنسياتسواء كانت مسيحية أو مجوسية أو صابئية أو شركية أن يكذبوا الرسول بمجرد المعاجزةفكان جوابه المفحم :وهو أن المعجزات ليست هي دعامة رسالته لأنها للتخويف بل دعامتها فصلت .53كل بها يشهد على نفسه.فهو يخاطب \"الوازع الذاتي\" أي إن عبارة \"في الآفاق وفي أنفسهم\" هي المرآة التي تعكسآيات الله التي يستدل بها القرآن والتي يكفي الإنسان أن يغوص في نفسه حتى يصبح هوأبو يعربالمرزوقي 26 الأسماء والبيان
الشاهد على تبين حقيقة القرآن فلا يحتاج إلى معجزات برانية قد تكون من خدع السحرة (مشهد موسى).لذلك جاء \"وفي أنفسهم\" أي في ذواتهم :بدنيا وروحيا وليس في نفسهم بمعنى موضوع علمالنفس المقابل لموضوع علم البدن .معجزة المعجزات الإلهية هي المعبد الذي صنعه اللهنفسه في الدراما القرآنية أي الإنسان من حيث هو هذا الوعي بالأكوان وبالإنسان وبخالق كل شان حتى لو عاند فكذب على نفسه.لا شيء يمنع الإنسان من أن يرى نفسه مجرد حيوان .لكن لا يوجد إنسان لا يعلم أن لميكن ثم كان وأنه لن يكون بعد أن كان .ومن ثم فالوعي بالحياة والموت هما أول سر يجعلالإنسان مختلفا عن الحيوان .وهذا هو أصل كل ضمير ووازع ذاتي بل هو سر الأخلاق من حيث آداب التعامل بين البشر.لذلك فكل كلام على الأخلاق يؤدي إلى اعتزال البشر تنكر لجوهرها لأن الأخلاق ليسقولا فيها بل فعل بها .ومن أهمها آداب المائدة وآداب السرير لأن الأولى تحدد مسؤوليةالمستعمر في الأرض والثانية تحدد مسؤولية المستخلف فيها .لذلك فمنزلة المرأة والأسرة في القرآن هي أساس كل الوجود الإنساني.وأكبر الأدلة على أن علوم الملة انحرفت وتحتاج إلى ما أحاوله أو إلى ما يجانسه إذ قديوجد من هو أقدر على ذلك مني لأني لم أدع أني مصلح القرن هو منزلة المرأة في حضارتنابعد عصر الراشدين .إنها منزلة لا تفهم بأخلاق الإسلام بل بأخلاق الناكصين إلى الجاهلية :رددنا أسفل سافلين.ولا يظنن أحد أني بذلك أمدح منزلة المرأة في الثقافة العربية :فهي منزلة أسوأ منمنزلتها عندنا حتى بنكوصها إلى الجاهلية .منزلتها لا تحددها الأساليب الثقافية في التعاملمعها بضاعة مستباحة أو بضاعة ممنوعة باسم شرف عند فاقدي كل شرف ملازم لكرامة الإنسان وحريته.لن أطيل الكلام في منزلة المرأة التي اخذتها مثالا على نكوصنا فقد كتبت في ذلك مايكفي .فلأختم هذه المحاولة :تفسير القرآن هو تفسير المعادلة الوجودية وهو بحث فيأبو يعربالمرزوقي 27 الأسماء والبيان
جوهر العلاقة بين الذاتين الحرتين الآلهة والمألوهة أو في منزلة الاستخلاف بمستوياتها الخمسة التي سبق تعريفها.أبو يعربالمرزوقي 28 الأسماء والبيان
-القسم الثاني -كان كلامي في المجموعة السابقة مقصورا على البدائل من العلوم الزائفة لكني لم استوفالكلام على شروط الاستئناف بنوعيها للاستعمار في الارض وللاستخلاف .أو بصورة أدق مانتج عن زيف علوم الملة من قتل شبه نسقي لعلوم الآلة وتطبيقاتها وللمبدعات المعبرة عن الذوق الطبيعي والذوق الوجودي.ويجمع بين هذين النوعين من الإبداع غاية الاسترماز أو ما يرفع الإنسان إلى ذروةالفاعلية المادية في إدراك الطبائع والشرائع بفضل العلوم المساعدة أو علوم الآلةوتطبيقاتها ويرفعه إلى ذروة الذائقية الوجودية بفضل الإبداعات الفنية الجمالية التي هي معالم العبادة الروحية في كل حضارة.فيمكن القول إننا لم نتجاوز الحد الأدنى من العلوم المساعدة وتطبيقاتها التقنيةلاسترماز الطبائع والشرائع الذي هو جوهر المعرفة النظرية جعلها لا تكاد تتجاوز ما ورثناهعن اليونان من البصريات وتطبيقاتها في الفلك مثلا حتى وإن لم ينفي أحد أننا قد جودنا الكثير منها.لكن ما ينبغي الاعتراف به هو أن سيطرة العلوم الزائفة التي حاولنا النظر في طبيعةزيفها ونتائج سلطانها هي التي صحرت الذائقة إلى حد كاد يلغي دور الفنون الجميلة فيحياة الامة .ذلك أن زخرفة قصور الملوك أو المساجد وإن انتسبت إلى الفن فهي موروث اقليمي أضافتنا فيه ليست بعمق ثورة الإسلام.وأعجب أمر يحيرني هو أن حتى الحداثيين عندما يتكلمون عن الفنانات والراقصاتتجدهم يكررون تقريبا ما يقوله الفقهاء الذين سلطهم الجهل على كل ذوق يعبر عن روحالإسلام لكأنهم قرروا اخلاء حضارته من كل ذوق لتكون صحراء لا يرى الإنسان تضاريس الوجود وأمواجه الهادرة في الوجدان.أبو يعربالمرزوقي 29 الأسماء والبيان
لا يرون أن غلبة الانحطاط وحتى التدني الخلقي الذي يصلونه بأهل الفن ليس خاصيةذاتية للفن والفنانين بل لهذا الموقف الذي يجعلهم وكأنهم من المنبوذين خلقيا ولكأن الفنمن حيث هو تعبير عن الذوق التواصلي معاد للأخلاق من حيث تعبير عن الذوق التساكني بين ما يتجاوز الأبدان إلى الاذهان.ولهذا كان جل الفنانين من الاجانب أو من اليهود وحتى الشعر فإن تحوله إلى تكد جعلهيصبح أبعد ما يمكن أن يتعاطاه ذو وعي بمنزلة كريمة وشريفة كما يقول ابن خلدون:يعني حتى أسمى فنون العرب دنس فصار بضاعة متسولين وهو معنى الكدية .والعلة هي حاجة مرضى الحكام للمدح بما لم يعملوا.فمن يعمل غني عن المدح إذ لا أمدح من الأعمال للنساء والرجال وللحضارات والأجيال:فآثار الفعل ومعامله هي المدح الوحيد الذي يعتد به عند من يؤمن بأن الإنسان لا يقاسإلا بالإيمان والعمل الصالح والتواصي بالحق والتواصي بالصبر في اجتهاد الاسترمازي وجهاده التحقيقي.ويمكن اعتبار هذه المجموعة الثانية جزءا ثانيا من المجموعة السابقة في \"إعادة البناء:لشروط الاستعمار في الأرض بقيم الاستخلاف\" .وتليها مجموعة ثالثة في المؤسسات السياسيةومجموعة رابعة في المؤسسات التربوية لتكون المجموعة الاخيرة في المؤسسات الاجتماعية وهي حصيلة ذلك كله واصله في آن.وسأبدأ بالكلام على العلوم المساعدة (في علوم الملة التقليدية يسمونها علوم الآلة) وهيتسمى مساعدة لأنها هي أدوات الاسترماز كنظريات للصوغ والمنهج العلمي أولا وكتطبيقاتللنظريات لامتحان النظريات بأدوات تقوية الحواس (البصر للرؤية في البصريات والسمع للسبر عن طريق الموجات الصوتية).فأدوات رؤية البعيد والدقيق وسمع الأمواج كلاهما من معدات فاعلية الإدراكين الذييعتمد عليهما التجريب شرط اختبار النظريات التي تصوغ معطيات الوجود الخارجي وهيبالضرورة نقلية عن الوجود بتوسط الحواس التي يهدي إدراكها الفرض العلمي ويؤيده أو يكذبه الإدراك الحسي بفضلها.أبو يعربالمرزوقي 30 الأسماء والبيان
وهي بصنفيها كأدوات تنظير وكـأدوات تجريب أدوات استرماز بمعنى الصوغ الرمزي لمالنا من معلومات حول الطبيعية والتاريخ كنظرية فرضية قد تصبح حقيقة مؤقتة لأن تجويدالأدوات قد يتجاوزها فيغيرها كما يحدث في كل تغير كيفي في النظريات العلمية التي هي دائما \"قوانين\" مؤقتة :سر تقدمها مؤقتيتها.وذلك هو الدليل الأتم على فساد نظرية المعرفة المطابقة .فلو كان علمنا مطابقا لموضوعهلاستحال تغير النظريات العلمية .فالحقيقة إذا كانت حقيقة مطلقة فهي لا تتغير .وتلكهي علة رفضي الأساسية لخرافة الاعجاز العلمي في القرآن .العلم متغير .اعتباره مدونة علوم يؤرخنه :وهو فوق التاريخ.القرآن في حد ذاته معجزة لكنه ليس معجزة بالأعجاز العلمي ولا بالإعجاز البلاغي ولابالإعجاز التشريعي بل بكونه تذكيرا للإنسانية بمقومات كيانها الطبيعي والتاريخي أوالمادي والروحي بحيث إن كل إنسان ما كان إنسانا سيجد فيه جوهر كيانه ونسغ وجدانه إذا هو تدبر علاجه لمعضلات الوجود.ويمكن أن نميز في العلوم المساعدة نوعين أحدهما يغلب على الفنون الدينية والثانيةعلى الفنون الفلسفية مع تقاطع أو تشارك بين الفنين في استعمال النوعين :علوم اللسان والتاريخ يغلبنا على النوع الاول وعلوم الرياضيات والمنطق يغلبان على النوع الثاني.والتطبيقات التي تعطى مدى أدبر للحواس في المكان (البصر والسمع) تطبيقات رياضيةفيزيائية (مثل البصريات والصوتيات) وتطبيقات لسانية في الزمان رمزية (البصروالسمع) لحفظ التراث الماضي للحضارات التي كتبت كلامها حول ما درسته من ظاهرات تاريخية وحتى طبيعية.ولولا العلوم المساعدة وتطيبقاتها لاستحال على الإنسان تجاوز مدى الحواس الطبيعيالمكاني والزماني ولظل علمنا بالطبيعة والتاريخ محدودا بمحدودية الحواس على الاقل ماتحققه التجربة من أثبات أو نفي لفرضياتنا العلمية .وهذا هو الميدان فإن دورنا لم يكن في المستوى المناسب لوزن حضارتنا.أبو يعربالمرزوقي 31 الأسماء والبيان
صحيح أنه في العصر الذي سادت في حضارتنا إذا قيس بأوروبا كان متقدما جدا .لكنذلك يصح على أوروبا ولا يصح على اليونان مثلا .وهما بالغنا في إضافتنا وهي ليست بمايستهان به فإنها لم تكن بالقدر المنتظر من امبراطورية سيطرت على كل العالم المتحضر في عصرها طيلة ستة قرون على الاقل.وكل من يفاخر الغرب من \"علمائنا\" الحاليين يتجاهلون أن محدودية هذا الدور علىأهميته سببها \"علماؤنا\" الذين حرفوا علوم الملة واعتبروا هذه العلوم الضرورية من العلومالتي لا تفيد وحتى إذا أفادت فهي مثل الخمر ضررها أكثر من نفعها فنقلوها بل واستثنيت من نظام التربية الرسمي.ولهذه العلة كان كل علمائها والفلاسفة منهم عصاميين :أي إنهم تعلموا هذه العلوم خارجالنظام الرسمي للتعليم الذي كان همه منصبا على ما سماه الغزالي علوم الدين التي ماتتهي بدورها وإلا لما كتب في إعيائها .وهي ماتت بمعنى أنها لم تؤد وظيفتها وكان ذلك لزاما لأنها استدارت بظهرها لها.ولا يمكننا أن نتدارك ما فات إلا بالاعتراف والتخلي النهائي عن الفخر الزائف الذييغني عن اكتشاف الخلل :لا يمكن أن نكون قد تخلفنا بالصدفة .فساد نظام التربية وطبعافساد نظام الحكم وما سميته حالة الطوارئ في السياسة (حكما وتربية) وفي المعرفة نظرا وتطبيقا هما العلة ولا يوجد سواها.فحتى الغزو الخارجي الذي لا ينكر أحد دوره التدميري فهو من جنس ما يحدث للبدنعندما تقل مناعته :فلو كان المسلمون يعملون حقا بالأنفال 60أي بتوفير شروط الردعالقوة (عامة وهي علمية واقتصادية) والقوة العسكرية (خاصة رباط الخيل) لكانت الأمة قادرة على حماية ذاتها ضد الصليبيات والمغوليات.ولا يزال العرب على هذه الحال :فلا علموا شروط الحجم الحيزي (الجغرافيا وثمرتهاالمادية والتاريخ وثمرته الرمزية وأصلها جميعا أو نظام الرؤى التي تجعل الامة قيمة علىشروط بقائها) ولا علموا وظيفتي الدولة :الحماية والرعاية الذاتيتين :لذلك فدولهم محميات ذرية وسيادتهم قطعة جبن للفئران.أبو يعربالمرزوقي 32 الأسماء والبيان
ألا يحق لي حينئذ أن اقول ما قاله ابن خلدون قبلي :الامة فسدت فيها معاني الإنسانيةفصارت عالة على غيرها في شروط عيشها حماية ورعاية ومن ثم فهي أمة عبيد وليس أمةأحرار وهم عبيد لمن يحميهم ويرعاهم .وكل من لا يحمي نفسه ولا يرعاها لا يعبد الله بل يعبد إنسان يحميه ويرعاه.لذلك فما يسمونه دولا عربية أشبه بالمرأة التي لا شرف لها وتتصور أنها يمكن أن تجدفسحة حرية إذا عددت الحماة والرعاة فتتصور نفسها في موضع المرأة المطلوبة والتي تتدللعلى المتغزلين بها ولا تدري أنهم جميعا يستحيون حرمتها ويستبيحون شرف أمتها ولا يحمونها ولا يرعونها إلا لحاجة مؤقتة.أبو يعربالمرزوقي 33 الأسماء والبيان
سأتكلم في المسألة التربوية كما أسلفت وضرر حصول علمائنا وفلاسفتنا وحتى ثقافةمتكلمينا وفقهائنا فيما يتعلق بالعلوم الآلات الأهم لم يكن من مسار التعليم الرسمي بل كانجله عصاميا لكني الآن أريد أن أتكلم فيما هو أهم :الداء الذي أفسد كل علوم الملة هو ظن العلم متحا مباشرا من معين جاهز.وهذه الجاهزية التي يتصورونها معين المعرفة هي ما يسمونه النص والواقع وكل خرافاتالحداثيين العرب اليوم هو المقابلة بين النصيين والواقعيين .وقد كتبت فيما سميته \"هبل\"الحداثيين العرب .ويمكن الاطلاع على النص فهو منشور .لكن المقابلة من أصلها لا معنى لها .فلا توجد أمة بلا نص.فحتى الأمم التي لم تتجاوز المرحلة الشفوية لا بد لها من نص لأن النص ليس بالضرورةمكتوبا بل هو رواية لمرجعيات دنيوية وأخروية لا تخلو منها جماعة هي حصيلة تجاربهاالفعلية والخيالية وهي في الغالب ميثولوجية ومن ثم فخرافة نحن أمة نصية دليل جهل انثروبولوجي وليست دليل فطنة فلسفية.والأهم من ذلك لا توجد جماعة لها \"مدخل \"accèsمباشر لما يسمونه واقع .فبينالإنسان أي إنسان وما يسمى واقع كل طبقات التراث التي لا يمكن أن نحدد فيها نقطةبداية يكون ما \"الواقع\" عريا عن تأثير التراث الذي هو نص بالمعنى الذي عرفت :الاسترماز طبقات حشية رمزية بين الفكر والوجود الخارجي.وهذا يصح على العلوم صحته على الآداب فضلا عن التراث الروحي للجماعة .فلنتركهذه الأسطورة عند بعض الماركسيين العرب الذين ليس لهم منها إلا عمومياتها العاميةكناصر حامد أبي زيد أو بعض ما بعد الحداثيين السذج من جنس أركون وتلامذته ممن يتصورون النقد الديني لعبة أطفال.فعندي أن من يسمي واقعا البنية التحتية الماركسية ينسى أن هذه التسمية مستمدة مننص هو نظرية ماركس في المادية الجدلية وهي تراث يندرج في الرؤى الفلسفية التي منأبو يعربالمرزوقي 34 الأسماء والبيان
دونها لا معنى لهذه المقابلة .وكل من يميز يطلق دور اللاوعي ينبغي أن يتخلى عن علم التحليل النفسي إذ لعله مفعول اللاوعي.هذه الخرافات لا تهمني كثيرا ولا أعنى بإطالة الكلام عليها خاصة وقد كتبت فيها مقالينحول النص وحول الواقع .ما يعنيني هو ظنهما معينين مباشرين للعلم وحتى للمعرفةالعادية .فمشكل المشاكل في المعرفة العلمية هي كيف نصل إلى هذا النص وهذا الواقع: وهنا نفهم معنى اللامباشرة الشارطة للعلم.والقرآن الكريم يبين ذلك بجلاء فضلا عن فلسفة العلم :ففصلت 53لم تقل إن حقيقةالقرآن في الآفاق والانفس بل قالت فيما يرينا الله فيهما من آياته .وهذه فهمتها بمعنى مايتجلى فيها من قوانين وسنن علينا أن نبحث عنها لنستخرجها وهي \"واقع\" يبقى دائما في غاية البحث كغاية البارسباكتيف في الرسم.فالرسام يضع الـ\" \"vanishing pointليحقق شروط البارسباكتيف لكنها نقطة خياليةوليست حقيقية وكذلك الواقع هو في العلم نقطة خيالية وهي أكثر خيالية من الفانيشبوينت لأنها لا تتعلق بمنظورية مشهد يرسم بمقاييسه المحدودة بل هي ترسم كائن بمقاييس شبه لامحدودة لأننا لا نعلم لها بداية ولا غاية.ولا شيء يحزنني أكثر من سماع فقهاء \"عقاب الزمان\" يتكلمون على فقه الواقع .يكادكلامهم يشبه ما يقول ساسة العرب عن اكراهات السياسة :يضع نفسه في وضعية التاريخللأمر الواقع ظنا أنه الواقع ولا يدري أنه بهذا المعنى اسم فاعل من الوقوع أي السقوط الذي عليه من لا إرادة له ولا قدرة على تغييره.فحتى أدق العلوم لا تعلم الواقع ما هو بل هي تصل إلى صورة مما تفترضه واقعا ولايمكنها أن تتوهم أنها غاية ما يمكن أن يكون عليه الواقع .وتلك هي علة القول إن نظريةالمعرفة المطابقة ليست دليل عقلانية بل هي \"بهمانية\" من البهامة نسبة إلى البهيم الذي يتصور واقع المرعى هو ما يراه ويأكله.لا أجهل أن كلامي هذه فيه ما يغيض الكثير لكني ضقت ذرعا بقشور الكلام على المقابلةبين الأمم النصية والامم المتحرر من سلطة النص .كل الأمم خاضعة لسلطة نص ما .وكلأبو يعربالمرزوقي 35 الأسماء والبيان
الامم تسعى إلى التحرر من الخلط بين مطلوب العلم في معطيات الوجود الخارجي وظاهرها الذي يسميه الاميون واقعا.بعد التخلص من هذه المقابلة الزائفة والتخلص من اعتبارهما مصدرين جاهزينللاستعمال في العلم والتخلص من دعاوى معرفة دلالة النصوص ومعانيها (خاصة وبد بينتالفرق الشاسع بينهما) ومعرفة الواقع والاعتماد على القول بنظرية المطابقة والعلم بالشيء على ما هو عليه يمكن أن نواصل. الباحث العلمي الجاد ثائر دائما على عقبتين: .1عطالة التراث في اختصاصه علميا كان أو غير علمي تشده إلى حصيلة الماضي .2عطالة \"الواقع الزائف\" أي ما يرميه به الوجود الخارجي موضوع بحثه من رسائلتتلقاها مداركه قد يغمره سلطانها فلا يلمح فيها \"آيات\" الله أو القوانين والسنن الكلية غاية العلموبهذا المعنى فالعلم لا يؤخذ طوعا من النص و\"الواقع\" بل يؤخذ منهما كرها وعنوة:يوجد صراع بين ظاهر النصوص وظاهر \"الواقعات\" تماما كما يحصل لمستخرج الذهب منالتراب والزيت من الزيتون وكل ثمين في كل جرم حامل له :النص جرم والواقعات جرم والجرمان المطلوب فيهما هو لبهما وحقيقتهما.لذلك فكل من تصور أن الله وضع أسرار الوجود وقوانين الطبيعة وسنن التاريخ وحقيقةالإنسان فضلا عن حقيقة الله في العراء ويكفي شرح النصوص للوصول إليها عابث ولا يقدرحقيقة ما يطلب :الله سماها آياته ولا يعني فقرات القرآن بل ما يرينه في الآفاق والانفس لنتبين حقيقة القرآن.العامي قد يتوهم أن قوانين الطبيعة وسنن التاريخ وحقيقة الوجود والإنسان والله ومابينهما من علاقة مباشرة وغير مباشرة بتوسط الطبيعة والتاريخ يكفي فيها معرفة العربيةوشرح الالفاظ فيظن تفسير القرآن كافيا ومغنيا عن البحث العلمي كما حاولت وصفه أفهم .أما أن يعتقد ذلك علماء فمصيبة.أبو يعربالمرزوقي 36 الأسماء والبيان
وأن يظن العامي أن ما يوحد خارجه كما يصل غليه عن طريق حواسه -وهو معنى البنيةالتحتية إذا عرفناها بوسائل الانتاج وعلاقاته-قد أفهم أما الذي يدعي الحداثة والفلسفةالمادية الجدلية وهلم جرا من الكلمات الرنانة فذلك أيضا مصيبة أكبر .لذلك فما حصل في التاريخ بسبب الموقفين لا يختلف كثيرا.فالماركسية مثلها مثل الكاثوليكية :كنسية (=الحزب الشيوعي) لها كهنوت(النومونكلاتورا) وبابا (كستالين وأي رئيس حزب شيوعي) وتتفتت النخب فيه بنفسالطريقة التي تتفتت به المذاهب والطوائف الدينية وبدلا من أن يكون غطاء هذا السلطان اسم الله يصبح اسم الإنسان.ويسمون ذلك علما ثم يقلبون العلاقة بين العلم والمعلوم فيفرضون بالقوة أن يكون المعلومتابعا للعلم تماما كما يفعل الكهنوت فالإنسان عندهم يخضع لعلمهم الإلهي .وقد يكونكلامهم أكثر تناسقا لأنه لا يوجد من يعصي علم الله إذا صدق أنه علم الله .لكن من يصدق أن علم ستالين هو الحقيقة؟من يصدق خرافات ملالي التشيع بأن ما يقولونه يمكن أن يكون دينا صادرا عن إله ذي عقل وحكيم؟وتجد من بين من باعوا ذمتهم من يصبح لسان دفاع عن هذه الخرافات التي تنسب إلىالله من قوم يجعلون الله خاضعا لأهواء من يسمونه أيمة ويسمون ذلك علما يريدون به قيادة البشر.ولا يظنن أحد أن السنة في أفضل حال .كلامهم يبدو أقرب إلى العقل من كلام الشيعةلكن الأفعال متماثلة لأن الفرق في الحقيقة هو ما يسميه التشيع الحق الإلهي في الحكمللأيمة يسميه فقهاء السنة التابعين للبلاط شرعية المتغلب فيصبح الحق الطبيعي (القوة) بديلا من الحق الإلهي. وإذا كانت هذه حال ما يعتبر في حضارتنا العلم الأسمى فكيف بحالة العلوم الأدنى؟أبو يعربالمرزوقي 37 الأسماء والبيان
أخلاق العلم القرآنية كلا الفريقين تخلوا عنها وصار الدين نفسه وسيلة للجميع :لمنيحكم باسمه ولمن يعارض باسمه .وكل الخرافات التي تسمى علم هي ليست للعلم بل لتوطيد سلطان العلم الكاذب والنفاق الجاذب.ولا شيء أكره لنفسي من سماع بعض المنافقين يقصون أمورا يكثرون من القسم على انهاوقعت والكل يعلم أنه كاذب لأنها من المستحيلات العقلية والنقلية يقصها ليوطد سلطانهعلى العامة كذلك المتصوف الدجال الذي يستعمله أعداء الثورة عندما تكلم عن مد الرسول يده من قبره ليحيي شيخا صوفيا.لذلك فلا وجود لحكاية العلماء ورثة الانبياء .النبي لا يورث لا ماديا ولا رمزيا .وحتىلو سلمنا بأن القصد تشريف العلم فهو بالعلم الكاذب تدنيس سمعة الرسول .ثم إن الرسوللم يدع علما لدنيا وإذن فهم يرثون من النبي ما لا يملك .ذكرت هذا لأنه ثقافة تفسد مفهوم العلم فلا يتحرر من العطالتين.أبو يعربالمرزوقي 38 الأسماء والبيان
عندما اعتبرت العلم يؤخذ غلابا مما يسمونه نصا وأسميه التراث في المجال ومما يسمونهالواقع أسميه مركز التلاشي في الرسم (شرطا في البارسباكتيف) فالقصد في النهاية أنهيؤخذ غلابا من ذات الباحث :فلكأن الباحث مضطر لنزع ثيابه حتى يستحم في محيط الحقيقة التي تجبره على الشك فيما لديه.ولست أتكلم على الشك المنهجي سواء بمعناه عند الغزالي في المسائل الروحية (طلباليقين لتأسيس المعرفة الدينية) أو عند ديكارت في المسائل الابستمولوجية (طلب اليقينلتأسيس المعرفة الفلسفية) والمعنيان يلتقيان إذا حررناهما من الأساليب الثقافية بل هو نوع آخر من الشك.فهو ليس شك للتأسيس ولا شك للبدء في العلم بل هو شك ذو توجهين :ويشبه ما يحصللمن يمشي في الادغال فيضطر للالتفات إلى ما ورائه وما قدامه وما على يمينه وما علىشماله وحتى ما فوق رأسه وما تحت قدميه لأنه بخلاف ما يتصور الكثير فأي اختصاص غابة بكر في عين الباحث كلها رمل متحرك.فما ان تلمس قطعة من الرقعة (كالشطرنج) حتى تتغير دلالات كل القطع الاخرى فيمجرى اللعبة الاسترمازية طبعا بالنسبة إلى الباحث وليس إلى من يأخذ الاختصاص كفنتعلمه ويعلمه وكأنه متن جاهز وثابت ولا شيء فيه يتحرك ويكفي فيه الحفظ وقوة الذاكرة لاستعراض مضمون المتن المشترك.وهذه العلاقة الاولي بالاختصاص العلمي شرط ضروري والحاصل عليه هو \"العالم\" بمعنىالسكولار اي المطلع على التراث في ذلك العلم إلى آخر لحظة في تكوينيته أو ما هو سائد فيحاضره :ويمكن أن نسميها حال الفن وهي حال يشترك فيها أهل ذلك الاختصاص .وهذا هو الالتفات الاول .فما الالتفات الثاني؟هذا هو الالتفات الثاني الذي يمكن أن أمثل له بالغزالي وابن تيمية وابن خلدون.فالغزالي في التهافت غير الغزالي في المنقذ .التفاته في التهافت ليس التفات التأسيس أوأبو يعربالمرزوقي 39 الأسماء والبيان
البداية في المعرفة كما في المنقذ بل هو التفات المتسائل من داخل الاختصاص الذي اسمه الميتافيزيقا ونظرية المعرفة.ورغم أن شك التهافت غير شك المنقذ فإن بينهما علاقة لأن مطلوب الثاني هو علة مطلوبالاول رغم الترتيب الزماني العكسي في حياة الغزالي في الظاهر لأني اعتقد أن الغاية هيمطلوب الثاني من البداية وإلا لما هدأت نفسه من دون أن يذهب إلى وضع البديل الفلسفي :حل المنقذ كفاه فمال الى التصوف.وهو حل \"كسول\" يمكن أن يطمئن النفس فيسكن آلامها الروحية لكنه لا يسهم في الحلالذي يحررها من الخضوع لمعيقات الروح الدنيوية بمجرد الاستسلام لها أو الهروب منها:فالاستعمار في الأرض لا يكفي فيه الاستسلام لضروراتها التي تجعل الجماعة عابدة لحاجاتها أكثر من عبادة ربها.والنتيجة أن هذا الهروب الوهمي يؤدي إلى العودة إلى القبول بما كان الشك فيه فيالتهافت بداية إلى التحرر منه :ومعنى ذلك أن الغزالي حرك رواكد الميتافيزيقا في التهافتثم سكنها في المنقذ وعاد إلى رواكد الميتافيزيقا السينوية وتبناها فلم يحصل بعمله تقدما يذكر في إعادة بناء الفلسفة.ولأمر إلى ابن خلدون لأن الكلام في ابن تيمية وتجربته الجنيسة أعسر على الإفهام ولاأريد أن أخوض فيها بعد أن خصصت لها الكثير من المحاولات التي جرأت علي الكثير منأنصاف المثقفين الذين يتصورون الحملة عليه لأسباب معلومة يمكن أن تردعني عن قول ما أراه حقا في شأنه.لو كنت أخشى أحدا غير الله ما خصصت له نصف رسالتي الجامعية في بلد الكل يعلم أنهعلماني وأن الكلام على مثله يعد شبه جريمة خاصة في نخبة تدعي اليساروية والتقدميةويعتبرونه ومثله الغزالي ممثلا للظلامية والتخلف والوهابية إلخ ..من كلام الاميين في تاريخ الفكر الإسلامي خاصة والإنساني عامة.ما من أحد يدعي التخصص في ابن خلدون لا يعلم أن ثورته علتها هذين الشرطين:التخصص والشعور بالرمل المتحرك فيه .لكن ما لا يعلمه الكثير من المختصين الذين لاأبو يعربالمرزوقي 40 الأسماء والبيان
يهتمون بابن خلدون لذات عمله بل لأنهم وجدوا فيها شبها بمن يبنون عليه نظرية السبق من منطلق عقدة النقص :قيمته في شبهه بأحد.لا يعنيهم من ابن خلدون إلا ما فيه من كونت أو من ماركس أو حتى من هيجل .أما علمهفي ذاته فقل من حاول الولوج إليه لبيان دلالة الالتفات الثانية التي أنسبها إليها والتيجمعت بين الغزالي وابن تيمية فلا تفهم من دون حصيلة ثورتيهما على رواكد المعرفة السائدة في علومنا بصنفيها.لو كان التفات ابن خلدون مقصورا على التاريخ وإصلاح الكتابة التاريخية لاستحال عليهأن يكتشف علم العمران البشري والاجتماع الإنساني ولكان أقصى ما يصل إليه جنيس ماوصل إليه علماء الحديث أي التثبت من صدق الوثيقة-وهي عندهم الرواة-وتقاطع الوثائق دون تواطؤ من أصحابها وهذا كاف للتاريخ.لو لم يكن ابن خلدون قد التفت في مجال آخر كان ينفي قابلية التاريخ لأن يكون علمابمقتضى طبيعة موضوعه لما حصلت ثورته فيجعل شروط علميته موضع سؤاله أو مطلوببحثه الذي سيؤدي إلى تغيير الفلسفة كلها وليس مجرد كتابة التاريخ .وهذا لا يكفي البحث عن السبق قياسا إلى كونت او ماركس إلخ..ولا يكفي فيه خاصة كلام بعض الحمقى الذين يقولون :ابن خلدون يفهم في عصره وكلامهلم يعد مفيدا لأنه ابن عصره .ولو كان ابن عصره لكان مثل مؤرخي عصره ولما أبدع ثورةتغير الابستمولوجيا الفلسفية التي كانت تستثني التاريخ من الأرشيتاكتونيك الفلسفية استثناء مبدئيا بنظرية المعرفة وموضوعها.فمجرد قوله في فاتحة المقدمة-خطبة الكتاب-أن التاريخ كان جنسا أدبيا وينبغي أن يصبحجنسا فلسفيا مجرد هذا القول يعني أن الثورة التي يدعو إليها تبدو في الظاهر ثورة فيعلم التاريخ لكنها في الحقيقة هي ثورة في نظرية المعرفة الفلسفية :كيف يمكن أن يصبح التاريخ من الارشيتاكتونيك الفلسفية.وهذا هو قصدي بأن تحريك قطعة من رقعة الشطرنج المعرفية في أي اختصاص تغير دلالةدور القطع الاخرى في اللعبة .ففيها قد يصبح أحد البيادق أهم من الرخ أو من حتى منأبو يعربالمرزوقي 41 الأسماء والبيان
الوزير بحسب الحال التي وصلت اليها اللعبة هجوما او دفاعا .جملة ابن خلدون رد صريح على جملة لأرسطو في كتاب الشعر.ولا يهمني كثيرا إن كان ابن خلدون واعيا بذلك أم لا وليس بالضرورة أن يفعل المبدعما هو به واع .المهم أن ما فعله غير ما كان في تاريخ المعرفة حائلا دون فعله فيكون فعلهوكأنه كسر لقفل يعوق علاج مسألة ابستمولوجية لم يكن يتصورها فكر عصره ممكنة :تلك هي الالتفاتة التي انتجت علم العمران.لكن إنتاج علم العمران لم يكن مجرد تحديد لموضوع التاريخ أو للظاهرات التي يؤرخ لهاالمؤرخ لئلا يبقى التاريخ رهن الاسر الحاكمة والحروب بين الدول بل كل الظاهرات التييتألف منها وجود الجماعات البشرية بوصفها ما ينتج عن علاقاتها فيما بينها وعن علاقاتها مع العالم :كل منتجاتها الحضارية.وبذلك تحدث الثورة الاهم وهي أن العلم الرئيس لم يعد الميتافيزيقا (ما وراء الطبيعة)بل أصبح الميتاتاريخ (ما بعد التاريخ) وهي ثورة قلبت بنية المعرفة الإنسانية كلها رأساعلى عقب :ما بعد الطبيعة هو نفسه ظاهرة اجتماعية ومن ثم فهو يفهم بما بعد التاريخ. ويكفي قراءة باب المقدمة الاول.فالجغرافيا التي هي ظاهرة طبيعية تبدو هي البداية .لكن سرعان ما يأتي نظيرهاالاسترمازي في القسم الثاني من الباب الاول ليجعلها في المرتبة الثانية لأن تشوف الإنسانللمستقبل والاستعداد لمفاجآتها هو الاسترماز الأسطوري والديني الذي يحولها إلى محل قيام إنساني دلالته من هذا التشوف.حرثت المقدمة ألف مرة وما هدأت حتى اكتشفت هذا السر الخلدوني الذي جعله عنديمؤسس العلوم الإنسانية وقالب العلاقة بين الطبيعي والتاريخي ومن ثم مؤسس ما بعدالتاريخ علما رئيسا بديلا مما بعد الطبيعة التي هي من مبدعات تثبيت الوجود لتسكين حيرة الإنسان في علاقته بمحيطه \"الطبيعي\".والنتيجة هي أن ثورة ابن خلدون تكاد تقول \"لا شيء طبيعي في الطبيعي المحيطبالإنسان\" إنه تطبيعي وليس طبيعيا .والتطبيعي في علاقتنا بالطبيعي هو ما سميتهأبو يعربالمرزوقي 42 الأسماء والبيان
الاسترماز .وهو ما سماه القرآن الكريم \"علمه الأسماء كلها\" أو \"علمه البيان\" .وإذن فالتاريخي متقدم على الطبيعي الذي هو رؤية تاريخية.لكن حذار فالرؤية التاريخية ليست تاريخانية :القصد ليس الصيرورة المنفلتة التي تلغيما يطلبه العلم أعني القوانين والسنن بل الصيرورة ذات النظام المستمد من قطبي المعادلةالله والإنسان وبينهما الطبيعة والتاريخ علاقة غير مباشرة تنتظم في ضوء العلاقة المباشرة التي تواصل استرمازي.الله -أو أي قوة غير محددة الطبيعة-تخاطب الإنسان بآيات أو رموز يؤولها الإنسانبرموز أو أسماء هي التي بها ينظم عالمه الطبيعي والتاريخي بدءا بالتمييز بين الطبيعي(الضرورة) والتاريخي (الحرية) وختما بتحديد التراتب بينهما :ابن خلدون قلب التراتب بين ما بعد الطبيعي وما بعد التاريخي.أبو يعربالمرزوقي 43 الأسماء والبيان
قبل الشروع في درس ما اعتبره قصورا في العلوم المساعدة نتج عن زيف علوم الملة التيتحولت إلى علة ما آل إليه حال الأمة من الانحطاط وفقدان شروط الاستعمار في الارضوالاستخلاف ،فلأبدأ منطلقا من الحال الراهنة لا مما حدث في الماضي بسبب الفتنة الكبرى والذي أراه يتكرر في الفتنة الصغرى.فما أسميه فتنة صغرى يناظر ما سمي فتنة كبرى :كلتاهما مدارها الصراع حول الحريتينالروحية والسياسية والسنة كانوا في المرتين بين فكي كماشة من ينكص بالإسلام إلى ما ثارعليه وينكص بالحداثة إلى ما ثارت عليه في الحريتين :لا وساطة بين الإنسان وربه ولا وصاية عليه في حكم نفسه.ومن اليسير في هذه الثورة الإسلامية أن يحصل النكوص بالعودة إلى ما ثارت عليه وهوالموقف الشيعي من نظرية الحكم والعلم القرآنية أو أن يحصل النكوص إلى ما ثارت عليهالحداثة بالوقوع في العلمانية اليعقوبية والسياسة الاستعمارية التي تعامل المواطن كأنديجان يحدث عنوة .وهذه هي الفتنة الصغرى.لا يهمني هذا التوصيف في دلالته السياسية لذاتها وإن كانت مهمة كما سنرى في المحاولةالتي سأخصصها للمؤسسات السياسية .ما يعنيني الآن هو ما نتج عن الفتنة الصغرى الحاليةفي مسألة علاقة علماء السنة التقليديين بما أضافته الحداثة إلى العلوم المساعدة ولم يستفيدوا منه.ويكفي أن أذكر علامتين من الموقف العقيم الذي نتج عن سوء تقدير من يوجد في موقفرد الفعل والخائف من الحديد في فكر جمد ولم يعد يميز بين الفكر والاستعمالالايديولوجي للفكر .العلامة الاولى هي الموقف من الاستشراق والعلامة الثانية هي الموقف ممن يدعي التتلمذ عليه من العرب.فأعدى أعداء الحداثة هم الحداثيون العرب .تماما كما أن أعدى أعداء الاصالة همالأصاليون العرب .ذلك أن كليهما توهم أن مقابله ممثل لما يدعي تمثيله .فيخلط الحداثيأبو يعربالمرزوقي 44 الأسماء والبيان
السطحي بين قيم الإسلام الفعلية وما يمثله الأصاليون العرب وعمدتهم ما وصفت من علوم الملة الزائفة .والعكس بالعكس.فكت يمثله الحداثي العربي لا علاقة له بالحداثة بل هو أبعد عنها من الأصالي عنالإسلام .كيف ذلك :فالحداثي العربي يعتبر أن العلوم الأدوات أدوات وينسى أنها علوم.لذلك فهو لا يرى منها إلا كونها أدوات تمكنه من بيان حداثته يجعل ما يتوهمه علما أداة لإبراز حداثته فيما يظنه نقدا للدين.ولو كان حقا يفهم معنى نقد الدين وكان صادقا في كلامه على القرآن لاكتشف أن النقدالديني الحديث لم يتجاوز قيد أنملة نقد القرآن للأديان :فكل ما توصل إليه النقدالحديث للأديان هو إما متعلق بمادة مرجعياتها تمييزا بين الصحيح والموضوع أو بجوهر مضمونها تمييزا بين الخرافي والمقبول عقلا.وما يتجاوز ذلك ويتعلق بالإيمان بها أو بعدمه ليس من النقد الديني بل هو من الموقفالعقدي لصاحب النقد وهو في القرآن موقف صاحبه حر فيه لأنه لا إكراه في الدين لمن تبينالرشد من الغي وتحرر من الطاغوت .ويبدو أن كل ادعياء الحداثة لا يفهمون هذا الفرق لأنهم خاضعون للطاغوت.وواضح كذلك أن الرادين عليهم من أدعياء التأصيل لا يميزون بين الامرين .فينتهونإلى أن هذه العلوم المساعدة ليست إلا أدوات للحرب على الإسلام في حين أن أصحابهااستعملوها أولا في نقد أديانهم قبل أن يستعملوها في نقد أديان غيرهم وثانيا أنهم هم الذين شوهوا الإسلام لأن النقد موجه لصورته.وصورته الشوهاء نتجت عن مآل علوم الملة في حالة الطوارئ بعد الفتنة الكبرى .وهم إذن يكررون نفس الخطأ في الفتنة الصغرى .فماذا حدث بعد الفتنة الكبرى؟هل كانت السنة تصبح حربا على الفلسفة ومشتقاتها العلمية لو لم تكن الباطنية قد وظفتهما في حربها على الإسلام الناشئ وطري العود؟ومع ذلك ورغم أني لست أشعريا فإني أتحدى كل أدعياء العقلانية الإعتزالية أنيذكروا لي علما واحدا أبدعه غير الأشاعرة والحنابلة في تاريخ الأمة وهنا أتكلم علىأبو يعربالمرزوقي 45 الأسماء والبيان
العلوم المساعدة سواء بأنواعها الخمسة :اللسان والتاريخ والرياضيات والمنطق وأصلها جميعا نظرية المعرفة المتحررة من وهم المطابقة.فحتى التفسير الذي يباهي به ادعياء العقلانية الإعتزالية (كشاف الزمخشري) فإنهمستحيل التصور من دون نظريات لغوية وبلاغية واضعوها أشاعرة (مثل الجرجاني) وكلأصول الفقه والكلام النسقي والتصوف حتى القائل بوحدة الوجود واضعوه إما أشاعرة أو حنابلة أو سنة قبل ذلك.ولم أر فيلسوفا عربيا واحدا أبدع شيئا يذكر في مشتقات الفكر الفلسفي العلمي أو فيمشتقات الفكر الديني النسقي بل كل مواقفهم كانت شروح نصوص لعلم قديم لم يتجاوزأرسطو في الفلسفة ولعلم تقليدي لم يتجاوز الغزالي في الأصول .ومن ثم فليتواضع أدعياء العقلانية ولنتعاون لإعادة البناء.وأقص عليكم قصة عجب لها لما درست فلسفة العلوم اليونانية وشروح كتاب اقليدس فيالرياضيات .عجبت من اعتراض الخيامي وهو عالم رياضي كبير على ابن الهيثم وهو لايقل عنه علما بالرياضيات وخاصة بتطبيقاتها على البصريات .كان اعتراضا يبين أن الفلسفة كانت عائقا لتقدم الرياضيات والفلكيات.لا احتاج للتذكير بإعاقتها للفلكيات .فرمز هذه الإعاقة تجدونها في محاولة ابن رشدالعودة إلى الفلك الأرسطي في إطار البطلمية دون اعتبار لمحاولات تجاوز بعض الفلكيينالمسلمين لبطليموس فضلا عن أرسطو .ما يهمني المشكل بين عالمين كبيرن والعائق الفلسفي القائل بمبدأ عدم تواصل الأجناس.اعتمد اقليدس نظرية أرسطو في البناء الأكسيومي لجمع النظريات الرياضية التي كانتموجودة قبله بقرون (شهادة أرسطية أثبتها ابستمولوجيون كثر راجع كتابي منزلةالرياضيات في علم أرسطو) وفيها ثلاثة أنواع من المقومات :تعريف الحدود البسيطة تعريف القواعد الضابطة لعلاقاتها أو الأكسيومات.وهذان المقومان لم يكن عليهما خلاف (وهما ما بقي معمول به في أكسيومية حديثةالحدود البسيطة وقوانين علاقاتها أو استعمالها) ثم المسلمات .وهنا نجد مشكل المشاكلأبو يعربالمرزوقي 46 الأسماء والبيان
الذي علاجه أدى إلى تعدد الرياضيات وتجاوز اقليدس .وكان الرياضيون يحاولون اثبات المسلمة الخامسة المتعلقة بالمتوازيات.وقد بينت أن أرسطو توقع إمكانية تجاوز الرياضيات الإقليدية إذا غيرنا مفهوم المثلثفلم نسلم بما يجعل مجموع زواياه يساوي °180بمجرد تغيير مفهوم المستقيم الإقليدي.لكن ليس هنا المربط :فابن الهيثم أراد أن يثبت صحة المسلمة الخامسة بتحريك قطعة مستقيم قائمة على المستقيمين المتوازيين.وكان قصده أنه إذا أثبت أن هذه القطية القائمة على المستقيمين المتوازيين يمكن أنتقوم بحركة لا متناهية ستثبت أن المستقيمين لا يلتقيان أبدا ما ظلا على نفس السطح.فماذا كانت حجة الخيامي ضد هذه المحاولة؟ لا يمكن استعمال مفهوم الحركة في الهندسة لأنه مفهوم فيزيائي وليس رياضيا.وهذه الحجة أساسها مبدأ عدم تواصل الأجناس الأرسطي (في نظرية المقولات) .ولاأريد أن أزيد الأمر تعقيدا لأن ابن الهيثم لم يكمل محاولته ولم يؤسسها والخيامي لميشرح علة موقفه وظني أنه بهذا قد أفسد محاولة لا أدعي انها تحل مشكل المسلمة الخامسة ولكنها تتجاوز العائق الفلسفي كعقيدة.وحتى لا أطيل فإن تحول النظريات إلى عقائد سواء كانت فلسفية أو دينية وتحولها منثم إلى أدوات صراع عقدي هو الذي قتلها وقتل إمكانية تبنيها من قبل السنة التي كانت فيحالة دفاع \"غبي\" دون شك كما يحدث الآن عندما يرفض مثلا تطور مناهج الهرمينوطيقا لأن دجل الحداثيين قصرها على نقد الأديان.ولو كانوا بحق يفهمون طبيعتها بوصفها علما مساعدا لأدركوا أنها إنما ابدعت إلا لبيانحقيقة الأديان وليس لنفيها ومعنى ذلك أن ابداعها كعلم مساعد علته قصور المناهجالتحليلية في فهم الظاهرات الروحية التي لا ينفيها إلى غبي .فكل الفنون والإبداعات الرمزية بل والإنسان نفسه لا يفهم من دونها.لذلك فحتى ما كان يسمى علوم صحيحة في مقابل ما يسمى بعلوم الإنسان حطا منمستواها بالمقابل مع الاولى لم يعد أحد ممن يعتد به بين العلماء يقول بالمقابلة بينهما:أبو يعربالمرزوقي 47 الأسماء والبيان
Search
Read the Text Version
- 1
- 2
- 3
- 4
- 5
- 6
- 7
- 8
- 9
- 10
- 11
- 12
- 13
- 14
- 15
- 16
- 17
- 18
- 19
- 20
- 21
- 22
- 23
- 24
- 25
- 26
- 27
- 28
- 29
- 30
- 31
- 32
- 33
- 34
- 35
- 36
- 37
- 38
- 39
- 40
- 41
- 42
- 43
- 44
- 45
- 46
- 47
- 48
- 49
- 50
- 51
- 52
- 53
- 54
- 55
- 56
- 57
- 58
- 59
- 60
- 61
- 62
- 63
- 64
- 65
- 66
- 67
- 68
- 69
- 70
- 71
- 72
- 73
- 74
- 75
- 76
- 77
- 78
- 79
- 80
- 81
- 82
- 83
- 84
- 85
- 86
- 87
- 88
- 89
- 90
- 91
- 92
- 93
- 94
- 95
- 96
- 97
- 98
- 99
- 100
- 101
- 102
- 103
- 104
- 105
- 106
- 107
- 108
- 109
- 110
- 111
- 112
- 113
- 114
- 115
- 116
- 117
- 118
- 119
- 120
- 121
- 122
- 123
- 124
- 125
- 126
- 127
- 128
- 129
- 130
- 131
- 132
- 133
- 134