أبو يعرب المرزوقي re nils frahm تأملات فلسفية التحرر من التح ريفين الديني والفلسفي الأسماء والبيان
المحتويات 1 -الفصل الأول 1 - تمهيد1 : تحرير المشكل 1 أبعاد التوالج والتشاجن معرفيا ووجوديا 8 صنفا التلقي الديني والفني 9 -الفصل الثاني 13 - المرحلة اليونانية 13 المرحلة العربية 13 المرحلة اللاتينية16 . المرحلة الغربية الحديثة 17 مراحل العلم الرئيس18 . الانقلاب الكنطي18 . المرحلة ما بعد الحديثة19 . -الفصل الثالث 23 - -الفصل الرابع 39 - -الفصل الخامس 53 - مفهوم الإنسانية 53 جوهر الإنسانية سؤالاها الديني والفلسفي 54 علاج القطب الأول من المربع الأول 56 علاج القطب الثاني من المربع الأول 57 في دلالة شرح ْي مدارج السالكي 59 تأويل دلالة المربع الأول 60 تأويل دلالة المربع الثاني 61 الإنسانية ولعبة المربعي 63 القلب النظري والقلب العملي 63 تدارك قبل الكلام في المرجعية 65
-الفصل السادس66 - المشترك بي الدين والفلسفة 70 وجها الإشكالية 72 الوجه الأول :التفكيك النقدي للتح ريف ولما يترتب عليه 73 الوجه الثاني :استراتيجية التوحيد\" :الجلي في التفسير\" 75 أسلوب القرآن التعليمي 76 -الفصل السابع -المرجعية 78 مستويا المرجعية 78 طبيعة فعل نقيض المرجعية 80 كيف تعمل المرجعية 81 القرآن مرجعية كونية 82 كيف تمدد المرأة وتبضع 84 العلاقة بمسألة المرجعية 85 -الخاتمة -منزلة المرأة أو غاية التحريفي 89 100
-- تمهيد: هذه مقدمة بحث في التحرر من التحريف الفلسفي شرطا في الاستئناف من منطلق التحرر من التحريف الديني الذي كان شرطا في النشأة الأولى للحضارة الإسلامية .ويتألف البحث من سبعة فصول أولها هذا وهو لوضع المشكل والبقية خمسة لمستويات الأحياز -الفردي والجمعي والكلي والكوني والمرجعي -والأخير للحصيلة العامة. وهذه المستويات تكلمنا عليها في بحث سابق يمكن اعتباره بروبيدوتيك (اعداد منهجي) للكلام على هذه اللطائف التي تصل الفلسفي بالديني. آمل أن يكون في ذلك ابتعادا من الانغماس في الأحداث دون قطيعة لأنه انغماس في ما وراءها مما يضفي عليها المعنى لأن مجرى الأحداث ليس وليد الصدف بل هو خاضع لمنطق يمكن أن يفهمنا علة كونه على ما هو عليه. ولست أزعم بهذا الحسم في اعادة البناء النسقي للفكر في لحظة تطمح الأمة فيها إلى ما يعيد دورها التاريخي الكوني إلى ما هي أهل به من مشاركة في تحديد آفاق البشرية من جديد. تحرير المشكل هل لنظرية الأحياز وأدوات تفعيلها في الموضوعات التي نريد تفسيرها بها دور معرفي يمكن من اعادة النظر في العلوم عامة وفي نظام تراتبها خاصة؟ لا شك ان العلوم الدقيقة كان من شروط تأسيسها وفاعليتها التفسيرية فصلها بعضها عن البعض بالتمييز بي مجالاتها ومناهجها رغم وحدة العلوم الأدوات. والأدوات الواحدة في كل العلوم هي اللسان والرياضيات ويوحد بينهما المنطق وما بعده أو السيميوتيكا (الوسميات) أي بما به نرمز للأشياء وللرموز ذاتها وما نعبر به عنهما (بيرس مثلا). أبو يعرب المرزوقي 1 الأسماء والبيان
-- فلهذه الأدوات خاصية عجيبة هي خاصية الانعكاس على الذات أي أنها ترمز لغيرها وتقوله وترمز لذاتها وتقوله .وهي بهذا مناظرة لما نسميه وعي الإنسان بذاته. فخاصية وعي الإنسان الأساسية أنه وعي بالذات ملازم للوعي بأي شيء آخر .ومن هنا ننطلق لبيان دور نظرية الأحياز وأدوات تفعليها معرفة موضوعاتها. فمثلما أن الوعي بأي شيء يلازمه الوعي بالذات فإن الوعي بالذات يلازمه كل عالم الذات الذي له علاقة بنوع الوعي ذي الصلة بمجال معي من العالم. مثال ذلك أن وعي المزارع بذاته يكون دائما ملازما لوعي بأمر ذي صلة بالأرض وبهمومه كمزارع .والعالم يكون وعيه بذاته ملازما دائما لمسائل علمه دون أن يكون ذلك علما بعد لأنه شرط العلم وليس علما. والمعلوم أن الوعي بالذات وبكل موضوعاته المتلازمي ليس علما بل هو شرط كل علم .والخلط بينه وبي العلم هو أساس كل المثالية الألمانية التي تصورت إمكانية حل مشكل الثنائية الوجودية بي العلم وموضوعه -وبي الذات والموضوع عامة -أو تأسيس المثالية المطلقة (البداية مع فشت ثم مع شلنج والغاية كانت حل هيجل). وبصورة عامة فإن ما يشبه المحيط أو البيئة الملازمة للوعي بالذات تمثل ما يشبه الهالة حول الذات تكون كالخلفية التي تنتأ عليها الذات كالصورة .وكل ما يسمى بالفينومينولوجيا هو محاولة وصل العلوم بهذا الشرط ومحاولة رد الثاني إلى الاول بمفهومي القصدية. مفهوم العناية والمعنى السينوي أفصح رغم أنه يتكلم على العناية في علم الله وليس في علم الإنسان ويكون فيها المفهوم في العلم وليس في الوجود الخارجي .والحياد الوجودي بعدم الجزم بالوجود في العالم الفعلي للكلام على عالم المعاني المتعالية أو الترانسندنتالي بمعناه عند هوسرل للتحرر من الوعي الطبيعي وتعويضه بالوعي الفلسفي (رفع الحكم .) Epocheسؤالي هو التالي :هل لهذا التلازم بي الوعي بالذات والوعي بالعالم سواء كله أو بعضه سواء مع الجزم بالوجود أو رفع الحكم دور في كل معرفة وعلم أم هو مجرد مفعول نفسي لا دخل له؟ أبو يعرب المرزوقي 2 الأسماء والبيان
-- وإذا كان له دخل ما طبيعته هل هي عرضية أم بنيوية ؟ وهل الفصل الشارط لفاعليته العلمية كاختصاص لا يفسد ما يمكن أن يرد إلى تأثير هذه العلاقة في المحتوى المعرفي والوجودي؟ علاقة القضية بنشأة حضارتنا واستئناف دورها. نبحر في بحث قد لا يعني القارئ الرافض لنوافل الفكر والغارق في وحل الأحداث وشروط العيش الدنيا. لكن الاستئناف الذي هو مطلب الأمة الأساسي يحتاج انقلابا معرفيا متصلا بهدف النشأة الأولى. فالنشأة الأولى كان مطلبها تحرير الإنسانية من تحريف الأديان-القرآن تذكير وإصلاح-لتوحيد الإنسانية حول الاستعمار في الأرض والاستخلاف فيها أي إن تحقيق مطلب الرسالة الإسلامية في نشأتها الأولى اقتضى تعيي علة الحرب الأهلية الكونية في عصر نزول القرآن فكان الجواب: علاج تحريف الأديان في تاريخ الإنسانية كلها (طبعا كلها يعني كل ما يمثلها من نماذج هي مضمون القصص القرآني). وكل من تدبر القرآن يصل إلى هذه النتيجة :البحث في علل التحريف ومحاولة علاجها لتوحيد البشرية بتدريج توحيد الألوهية ليطابق توحيد الربوبية :إذن مستويان متوازيان تاريخي وما بعد تاريخي وأولهما فهو موضوع فلسفة التاريخ والثاني موضوع فلسفة الدين. ولهذه العلة اعتبر القرآن التعدد الديني مشروعا إلهيا مقصودا هدفه تمكي البشرية من التسابق في الخيرات لتحقيق التطابق بي الألوهية والربوبية (المائدة . )48 وتحقيق التطابق بي الألوهية والربويية فضلا عن التوحيد بمعناه الديني يحقق تطابقا ثانيا هو أساس الأخوة البشرية بالتطابق بي الرحم الخاص بجماعة معينة والرحم العام (النسب الإنساني النساء )1وهو التوحيد بمعناه التاريخي. فالآية الأولى من النساء تضع( :رحم عام +ربوبية) ثم (رحم خاص +ألوهية) .والهدف من التسابق في الخيرات (المائدة :)48تحقيق المطابقة بي المجموعتي لإخراج البشرية من التحريف. أبو يعرب المرزوقي 3 الأسماء والبيان
-- والتحريف الذي عالجته النشأة الأولى للحضارة الإسلامية ديني بالأساس ومن ثم فهو من جنس العقد في الأذهان لكن ثمرته تاريخية لأنها تتعلق بالشرع في الأعيان (السلوك الفردي والجمعي أخلاقا وسياسة) .لذلك كان الإسلام من حيث فلسفة الدين حركة إصلاح للتحريف الديني وتذكير بالدين الفطري وليس وضعا لدين وهو من حيث فلسفة التاريخ تربية عقدية وسياسة شرعية أو دين الأخلاق ودولة القانون. لكن مشكل عصرنا ليس تحريف الدين بل زعم بإلغائه وهي عودة تحريفه بسبب تحريف الفلسفة وخاصة في نظرية الجدل الهيجلي المبنيى على خطأ بدائي في المنطق ناتج عن رد الغيرية لشكل وحيد هو التناقض .فكون الشيء تتحدد هويته بذاته التـي يعرفها بكونها \"أ\" و\"لا أ\" لا ترد إلى التناقض بي \"أ\" و\"لا أ\" بل هي \"أ\" و\"غير أ\" .وغير ألف ليس نقيضه بل هو غير ألف الذي يمكن أن يكون ما يشاركه في شيء ويخالفه في شيء وهو إما ما ينتسب إلى مجموعته فيكون مكمله فيها بمعنى نظرية المجموعات أو ما ينتسب إلى كل الموجودات في عالمه فيكون غيره هو العالم إلا ذلك الشيء .ولا شيء يدل على أن هذا الغير مناقض له : • فإذا كان مكمله في مجموعته كان عناصر المجموعة إلا ذلك الشيء. • وإذا كان مكمله في العالم كله كان العالم كله إلا ذلك الشيء. وإذن فالقضية المعدولة ليست قضية مؤسسة على التناقض وكل ما يبنيه هيجل على نظرية الجدل اديولوجي هدفه تأسيس التثليث وليس فهم مقومات هوية الشيء .وحتى هذا التأسيس فهو خاطيء .فحتى لو قبلنا بأن المقابلة \"أ\" و\"لا أ\" مقابلة تناقضية فإنها لا يمكن أن تنتهي إلى التثليث بل هي تنتهي إلى التخميس حتما إذ يكفي أن نعلم أن العلاقة أ ولا أ غير العلاقة لا أ وأ .فتكون المسألة اذن مؤلفة من أربعة عناصر وأصل هو مجموعتها -1 :أ -2لا أ -3من أ إلى لا أ 4من لا أ إلى أ ثم الأصل وهو المجموعة وهذه بنية مختلفة تماما عن القول بالتاز والانتيتاز والسنتاز .ومن ثم فالثالوث خرافة لا أساس لها منطقيا ولا وجوديا. وهذا هو القصد بتحريف الفلسفة الذي مثل نكوصا عن المحاولة الكنطية لتجاوز القول بنظرية المعرفة المطابقة التي تنتهي إلى نفي شرط شروط المسلمات الكنطية لتأسيس الاخلاق والدين في أبو يعرب المرزوقي 4 الأسماء والبيان
-- آن بل وتأسيس الأولى على الثاني حتى وإن كان التأسيس مبنيا على مسلمات لأن اثباتها مستحيل ومن ثم فهي تتسلم لأنه من دونها يمتنع استثناء الإنسان من الضرورة الطبيعية التي هي اساس العقل النظري فيمتنع حينها استعماله في المجال العملي .ولا وجود لعقل عملي في الحقيقة بل يوجد استعمال عملي للعقل النظري بشرط تسلم تلك المسلمات الثلاث التي وضعها كنط أي حرية الإنسان وخلود النفس ووجود الله .ومن دونها يكون استثناء الإنسان من قواني الطبيعة لتاسيس الاخلاق مستحيلا لأنه كما يقول سبينوزا ليس دولة (الإنسان) في الدولة (الطبيعة). لكن تعيي غاية النكوص الفلسفي في الهيجلية والماركسية له أصل أعمق مما جرى في الفلسفة بعد أن بلغت إلى العجز عن استيفاء شروط استنادها إلى العلم بعد أن آلت النظرة للعلوم إلى الاقتصار على فاعلية الاختصاص المعزول وما يتبعها من اسقاط على فاعلية موضوعه بعضا من الوجود معزول. مثال من علوم الإنسان :هل يمكن تصور بسيكولوجيا (علم نفس) من دون سوسيولوجيا (علم مجتمع)؟ وهذه من دون انثروبولوجيا عضوية وثقافية (علم إنسان)؟ وهذه من دون كسمولوجيا (علم العالم)؟ وهذه من دون انطولوجيا؟ لا نتكلم على ثيولوجيا (علم ربوبية) لأنها من الكلام وليست من الفلسفة. نعم من شروط تأسيس هذه العلوم وفاعليتها فصلها بعضها عن البعض .لكن هل فاعليتها الناتجة عن الفصل سليمة أم هي ذات آثار جانبية ضارة بالإنسان ضررا هو ما نعتبره ناتجا عن التحريف الفلسفي الذي يرد الغيرية إلى الفصل التناقضي بدل الوصل البنيوي ؟ وليكن مثالي علم النفس .فنظرياته مترددة بي حلي فصلا أو وصلا :إما برد الذات كلها إلى البدن (الأعصاب) أو إلى النفس دون معرفة طبيعتها (التحليل النفسي) أو بالجمع بينهما تبعا للثنائية الديكارتية حتى وإن لم يصرح علماء النفس بذلك. أبو يعرب المرزوقي 5 الأسماء والبيان
-- فبعد التخلي نهائيا عن علم النفس الفلسفي الذي ينبني على مزاعم ميتافيزيقة تقول بجوهرية النفس وانفصالها عن البدن لا معنى لوضع مبدئي تفسير دون بيان طبيعة ما ينسب إلى النفس. لكن العلاج السريري اكتشف بالتدريج أن هذه الحلول الثلاثة لا تكفي ووجه إلى ما يشبه ما أشرنا إليه في نظرية الأحياز الفردية والجمعية على الأقل وهي إذن تحييز للغيرية في الكل فلا يكون الشيء متقصرا على نقيض يتقابل معه في هوية صدامة بي أ ولا أ بالمعنى الهيجلي والماركسي ومنطق الحرب الدائمة بي المتناقضات .فللبدن علاقة بالمكان وثمرته وللنفس علاقة بالزمان وثمرته والكائن له علاقة بالمرجعية التي تصل المكان بالزمان وثمرة تفاعلهما التي تقيم كيان الإنسان العضوي (الثروة) والتي تقيم كيانه الروحي (التراث) كما تتعي جميعها في بيئتيه الثقافية والطبيعية. فالعلاقة بالمكان تكون بتوسط ثمرته التي هي الثروة ذات تأثير فيزيائي على كيانه العضوي وبتوسط رمزها رمزيا أعني دلالات الثروة التي تحدد المنزلة في الجماعة والعلاقة بالزمان بتوسط ثمرته التي هي التـراث ذات تأثير رمزي يفعل في الفيزيائي والعضوي (مثل النظام الغذائي ونظام التصاهر) :فيصبح المرض النفسي ذا صلة برمز الثروة (العملة) وبرمز التراث (الكلمة) أي بدورهما في قيام النفس السوية وليس بالمكان والزمان وحدهما :الرمز الأول للقدرة المادية والثاني للقدرة الرمزية. والدور في النفس السوية يتبي خاصة من خلال حاجة المريض للسردية الهذيانية التي تعوض فقدان القدرتي. كان أستاذنا في علم النفس المرضي (طبيب بورقيبة) يلقانا في مستشفى الرازي للأمراض العقلية. وكانت حصص الدرس التطبيقي مرتي في الشهر لمدة أربع ساعات كل مرة بحضور المرضى لنحلل السرديات الهذيانية .وهنا يبرز دور فعل الرمز (التراث) ورمز الفعل أداتيا (الثروة) المكان والزمان وعلامتي تعويض فقدان القدرتي. فكان مدار السرديات الهذيانية على سلطة رمز الفعل بفعل الرمز :قصة حول سلطة المال والجاه والحكم والجنس أعني العلاقة بالمكان والزمان وثمرتيهما في تعينهما الرمزي .أذكر مرة أن أحد أبو يعرب المرزوقي 6 الأسماء والبيان
-- الهاذين كان يعتبر نفسه ماو تسي تونج .وكانت سرديته الهذيانية تدور حول سلطان ماو وثورته الثقافية وهو الذي يأمر العالم وينهاه. فاقتنعنا أن الذات ليست موضوعا معزولا بدنيا أو نفسيا وأن كيانها المستقل عن الأحياز من الأوهام بل إن كيانها المتعي متوالج مع شبكة علاقات لا تكاد تتناهى تشده إلى شبكة الأحياز المتشاجنة .والمرض خلل في هذه الشبكة. وعلاج أي خلل عضوي مثلا لا يكون عضويا فحسب إلا لإصلاح ذلك الخلل الذي هو غالبا ما يكون معلولا لا علة .وهو ما يقتضي تفكيك السردية الهذيانية لإعادة بناء الشبكة السوية قدر الإمكان :أساس العلاج التحليلي النفسي لكنه ليس إلا بدايته. نظرية الأحياز تمكن من تجاوزه وفهم بنية الشبكة السوية فتتجاوز العلاج البعضي لمدارس التحليل وحتى ذلك التحليل الوجودي (كل الانثروبولوجيات الفلسفية) وتمكن من إصلاح الشبكة .وإذن فالعلاج ليس مقصورا على علم النفس بل على ما يغيبه فصله عما يصل النفس بالأحياز الذاتية والخارجية .ومن ثم فهو يتعلق بما ينتج عن الفصل المنهجي الضروري للاختصاص لكنه يخفي الضروري للعلاج بإهمال التشاجن مع الأحياز .فإسقاط الفصل المنهجي على الوجود يجعل الوجود نفسه يبوب تبويب الاختصاصات المعرفية فيهمل الروابط ولا يدرك الوحدة العميقة وذلك هو ما اعتبره تحريفا فلسفيا. والتحريف الفلسفي الناتج عن تحريف فصل الاختصاصات بإضفاء الإطلاق عليه وإسقاطه على الوجود يتمثل في اعتبار الشبكة السوية من جنس شبكة قطع الغيار في الآلات الميكانيكية .وقد بدأت هذه الفكرة مع نظرية ديكارت حول مفهوم \"الإنسان الآلة\" L'homme machine وهي نظرية لا تبعد كثيرا من حيث الاستعارة التكنولوجية المشتركة مع الهيولومورفية الأفلاطونية الأرسطية (نموذج البايولوجيا تكنلوجي في الحالتي). وتلك هي بداية تأسيس ما يسمى بالمكننة وهي لا تقتصر على بداية إزالة سحر الوجود Entzauberungالتي تنتهي إلى العلمنة المطلقة بفرض المكننة على الجماعة والدولة (ماكس فيبر) بل هي في الحقيقة بداية تفتيت الوجود بتغييب التوالج والتشاجن الوجوديي. أبو يعرب المرزوقي 7 الأسماء والبيان
-- وهذا كله ثمرة التحريف الثاني تحريف الفلسفة بعد التحريف الأول تحريف الدين :لماذا الدين ثم الفلسفة؟ لأنهما يمثلان عي شبكة الوجود الرمزية. فالوعي الإنساني متلازم مع كيان الإنسان الذي هو ظارف للعالم ومظروف به في آن :الإنسان حال في العالم ببدنه والعالم حال في الإنسان بوعيه .توالج لا تنفصم عراه. موضوع كلامي اليوم هو هذا :ما علاقة هذا التوالج الذي لا ينفصم بنظرية الأحياز وأداتيها الرمزيتي أعني فعل الرمز أو العلمة ورمز الفعل أو الكلمة؟ أبعاد التوالج والتشاجن معرفيا ووجوديا سنغوص في درس علاقة التوالج وفائدتها لتحريرنا من التحريف الثاني ومن ثم فهم التناظر بي مهمة الاستئناف الإسلامي ومهمة النشأة الاولى فلنواصل التمهيد. سأعكس في التمهيد مقدما التجربة الابستمولوجية على التجربة المعيشة .فمن عجائب التجربة الأولى أن مؤسس الفلسفة الوضعية انتهى بعكس ما بدأ به. فكونت تصور أنه قد ألغى مرجعية الشبكة الدينية (الميتافيزيقا في نظرية المراحل الثلاث للفكر) ليعوضها بالفكر الوضعي آخرة المراحل في فلسفته وتصنيف العلوم بنظام الموضوع من الأبسط إلى الأعقد. فجمع الفصل والوصل الإبستمولوجيي والوجوديي اعتمادا على حصيلة المعرفة الوضعية ووقع في خطأ أنطولوجي لا مخرج منه لأن التعقيد المعرفي لا يطابق التعقيد الوجودي. صحيح أن الرياضيات أبسط من الفلكيات وهذه من الطبيعيات وهذه من الإحيائيات وهذه من الاجتماعيات (وهو ينفي النفسيات) .لكن الوجود درجات تعقيده هي عكس ذلك تماما .ولعل العلة الأساسية في اضطراره لوضع دين وضعي في الغاية ليس مجرد لقائه بامرأة وحبه الجنوني لها حد العبادة بل لأن نظام الشبكة الوجودية أعقد مما يفرضه التحريف الفلسفي. أبو يعرب المرزوقي 8 الأسماء والبيان
-- فالدين الوضعي لا يحل المشكل المطروح لأنه تأليه للفلك (ما قبل ثورة إبراهيم عليه السلام) والعودة إلى بانتيون للعلماء وثني أي إخفاء تحريف بتحريف. ولنأت إلى التجربة المعيشة .هل يدرك الناس لماذا يكون السجن الأشد هو بتضييق الزنزانة؟ هل يدرك الناس لماذا يمرض البدوي عندما ينزل في شقة؟ من لا يفهم هذين التجربتي المعيشتي لن يفهم العلة في كون خريجي السجون عادة ما يتحولون إلى وحوش .ولن يفهم علة أن المبدع يعتبر العالم نفسه سجنا. ولن يفهم قول ابن سينا: هبطت إليك من المحل الارفع * ورقاء ذات تدلل وتمنع. لن يفهم الدين ولا الفلسفة ولا الفن ولا الحياة ولا التاريخ ولا أي شيء. ذلك هو اللغز الذي نريد الخوض فيه استئناسا بحد القرآن الكريم للإنسان والعالم ونظرية الأحياز واداتيها لعلاج مشكلي طبيعة الإنسان :استعماره في الأرض واستخلافه فيها .وأهم شيء لا يمكن أن يدركه من لا يتدبر التجربة المعيشة والتجربة الابستمولوجية :أن ظاهر الوجود السلطة فيه للمجرمي وادواتهم من أغبياء البشر. والعلة البينة هي أن «استعمار الإنسان في الأرض\" ممكن من دون الاستخلاف وهو الغالب على تاريخ البشرية والتخلص من التحريف يكون بالتذكير بالاستخلاف وتحقيق قيمه المتجاوزة للاستعمار في الأرض المخلد لها. والنشأة الأولى للحضارة الأسلامية محاولة لتحرير البشرية من تحريف الاستخلاف بالإخلاد إلى الأرض دينيا فإن الاستئناف هو تحريرها منه فلسفيا. صنفا التلقي الديني والفني أبو يعرب المرزوقي 9 الأسماء والبيان
-- والتحريران متطابقان :فالإسلام خاتم بهذا المعنى دينه فلسفي وفلسفته دينية بمعنى أنه تربية وحكم يصلان استعمار الإنسان في الارض بقيم الاستخلاف :ومن وقد سبق فأشرت إلى التعاكس بي المعرفي والوجودي في قضية درجات التعقيد .كيف ذلك؟ الفليكيات تبدو أعقد من الرياضيات معرفيا لأنها تضيف مضمونا معينا هو الظاهرات الفلكية. لكن الرياضيات في الحقيقة أعقد لأن الفلكيات تبدو مجرد تطبيق للرياضيات بتكييف معي لقوانينها إذ إن مضمونها الممكن المطلق إذا قسنا أصنافها بالتنازل المتدرج على القيود المنطقية وافترضنا ذلك ذاهبا إلى ما لا نهاية له. كلما أنقصنا القيود ازداد العموم فقربنا من مطلق الإمكان .بهذا أمكن تجاوز هندسة اقليدس. ممكن العقل عند إطلاقه اعتبار تقييد العقل بمضمون قيدا. لو تفطن كونت لهذا لما اعتبر الوضعي معيارا كافيا لفهم شبكة الوجود ولما ظن أن الأديان تخريف .فالفن والدين أوسع من العلم لتجاوزها حاصل الدنيا. فحتى واجب الوجود (بالمعنى الكلامي) ليس إلا ممكن الوجود المطلق :الواجب موجود لمجرد كونه ممكنا بلغة كنط .وهو واجب لأن مجرد إمكانه وجود .ليت المتكلمي يفهمون. فلو فهموا هذه الحقيقة لتخلصوا من وهم إثبات واجب الوجود بإمكان العالم (حدوثه) .فالله هو الممكن الذي لمجرد كونه ممكنا وغير ممتنع يوجد. وهذه الحقيقة هي الأساس لكل دين وفلسفة :الخروج من مجرد الممكن الحاصل إلى الممكن الواجب بذاته هو الأصل في كل إبداع تلقيا وبثا :فالتلقي والبث إبداع. الدين إبداع التلقي من قديم الممكن والفن ابداع التلقي من حديث الممكن .الأول صلة بما وراء العالم .والثاني صلة بما في العالم من آيات ما ورائه. لذلك فالفن الراقي هو أولى العبادات .والفن الراقي غيرما نراه في ثرثرات السكارى الذين يعيشون بالتخدير والتبذير وخدمة كل حقير من شعراء التكدي. أبو يعرب المرزوقي 10 الأسماء والبيان
-- والدين والفن بما هما تلق مبدع هما صنفا الوحي :الوحي من المقدس له والوحي من مخلوقاته التي تبث في كل نفس ذواقة آيات واجب الممكن المطلق :الله. الشبكة التي نبحث عنها لا تتعلق بالتلقي من واجب الممكن أو الله فهذا من الغيب الذي لا يعلمه حتى الأنبياء لأنه سر الاصطفاء الإلهي فلا ندعيه. الشبكة التي بحثنا عنها وصغناها بنظرية الأحياز وأداتيها هي شبكة التلقي من الممكن الحادث القائم بمدد من غيره أعني شبكة آيات الآفاق والأنفس. والمصدر الذي نؤسس عليه هذه النظرية هو فصلت 53التي تقول إن معرفة حقيقة القرآن لا يراها الإنسان مباشرة بل يراها في ما يريه الله من آيات الآفاق والأنفس. والنقلة من آيات الآفاق والأنفس إلى الشبكة لفهم التحريف الفلسفي يمر بعملية تعويض الآفاق بالعالم موضوع علوم الطبيعة وتعويض الأنفس بالتاريخ موضوع علوم الإنسان .لكن لا بد من العلوم الأدوات التي يرمز إليها القرآن بالرؤية (سنريهم) :اللسانيات والرياضيات .والقرآن يعرف الإنسان بالأولى والعالم بالثانية. فيكون لدينا أساسا للشبكة علوم العالم وعلوم التاريخ (موضوعا) وعلوم اللسانيات وعلوم الرياضيات (أدوات) والقرآن الكريم (مرجعية المعنى والغاية). ذلك هو نسيج الجلي في التفسير الذي شرعت في تصنيفه في ماليزيا أو \"استراتيجية التوحيد القرآنية ومنطق السياسة المحمدية\" لتحقيق التحررمن التحريفي الديني أولا والفلسفي ثانيا. ولهذه العلة وصف التفسير بكونه قراءة فلسفية للقرآن الكريم هدفها بيان هذا الدور الاستراتيجي في تحقيق وحدة الكيان بمستوياته الخمسة التي وصفت في نظرية الأحياز. فكيف يعرف القرآن الإنسان باللسانيات ويعرف العالم بالرياضيات؟ لا يحتاج أي مسلم لدليل على ذلك .فما المعرف منهما :أهلية آدم للاستخلاف بتسمية كل شيء. أبو يعرب المرزوقي 11 الأسماء والبيان
-- وأضاف القرآن البيان :علمه الأسماء كلها (البقرة) وعلمه البيان (الرحمن) .إذن الترميز والتواصل هما حد الإنسان في القرآن أداتيا والاستعمار في الارض والاستخلاف غائيا .وهذا التعريف أبلغ وأدق من التعريف :حيوان ناطق. أما تعريف العالم بالرياضيات فيعني أولا بنية التكوين والنظام ويعني ثانيا قابلية العلم بما جهز به الإنسان التسمية التي هي كل لسان بما فيه الرياضيات لسان الكون. فـ\"سنريهم آياتنا\" تعني أن للإنسان فضلا عن البصر بصيرة رياضية يرى بها الكون وذاته أي علوم الطبيعة وعلوم الإنسان لأنه مجهز بقدرة التسمية اللسانية والرياضية. وكما أسلفنا فإن اللسانيات والرياضيات وهما جوهر ما تتعي فيه الوسميات لهما خاصية العودة على الذات أي إنهما يقولان ما عداهما ويقولان ذاتيهما تماما كالوعي بالغير وبالذات في آن .يمكن إذن أن نستخرج الشبكةمن الأداتي والأحياز بصورة تمكن من فهم بينة الموضوع الوجودي والشكل الإبستمولوجي للتحررمن التحريفي ماضيا ومستقبلا. أبو يعرب المرزوقي 12 الأسماء والبيان
-- نواصل التأملات الفلسفية (في هذا الفصل الثاني) -وننطلق من مقدمتي: الأولى تذكير بشبكة مستويات التوحيد بالأحياز. والثانية مراحل المآل إلى تحريف الفكر الفلسفي في الغاية. لكننا سنقدم الثانية على الأولى فنبدأ بالمراحل قبل الشبكة بإطلاق اسم عليها يبي طبيعتها :إنها مراحل الفشل المتدرج لكل \"ميتافيزيقا ممكنة\" بلغة كنط والبديل المحرف منها .المرحلة اليونانية وبشيء من التبسيط الضروري يمكن القول إن هذه المراحل: .1يونانية. .2فعربية. .3فلاتينية. .4فغربية حديثة. .5فغربية مابعد حديثة وهي أشبه بالعودة إلى الشرق القديم والفكر الميثلوجي. المرحلة اليونانية اي الناطقة باللسان اليوناني وليس الخاصة باليونانيي كعرق -صاغها أفلاطون وأرسطو .لكن سرعان ما اختلطت بمزيج من فكر ديني وسحري بسبب الخلط بي الفلك والتنجيم والغنوصيات الوهمية .ولذلك لن نطيل الكلام عليها لأن ما يعنينا هو لقاء حضارتنا الثاني بالفلسفة في شكلها الغرب الأوروبي لا الأول باليونان الذي تجاوزه فكرنا تجاوزا يمكن اعتباره قد مثل مرحلة معدة للحداثة وحتى لعلاج مآلها ومآلها ما بعدها كما سنبي إن شاء الله. المرحلة العربية أبو يعرب المرزوقي 13 الأسماء والبيان
-- أي الناطقة باللسان العربي وليس الخاصة بالعرب كعرق -حاولت التخلص مما شابها .لكن الأمر كما في حالة العملة المزيفة التي تغلب الحقيقية فآل أمرها إلى ما عرفه منها التصوف الفلسفي المعلوم وإلى الاستعمال الذي لم يتجاوز الأيديولوجيا كما عليه الأمر حاليا في علاقة حداثيينا بالهيجلية والماركسية شبه مواصلة للتوظيف الباطني للفلسفة القدية. وهذه المرحلة هي التي تعنينا خاصة من حيث دلالتها في علاقة بمسألتنا .فنحن نعلم أن ابن خلدون حاول دحض العلوم الزائفة والتحريف الميتافيزيقي موضوعنا. وقبله حاول ابن تيمية نفس المحاولة بعمق أكبر ولكن دون تطبيق على العلوم بل بالردود على الكلام والتصوف والفلسفة وهو من عيوب فكره :اسلوب خصامي يفسد عليه نسقية فكرة فيعسر فهمه. يكفينا أن نقدم عنوان النقد الخلدوني الذي هو تعبير دقيق على ما تقدم عليه عند ابن تيمية دون صوغ الفلسفي المفيد :مفهوم رد الوجود إلى الإدراك. وهو بذلك حدد طبيعة التحريف وأرجعنا إلى بدايته الفلسفية حتى وإن كان ابن خلدون يجهلها لأنها لم تكن متوفرة في عصره :شذرة بارمينيدس الخامسة. فالشذرة ترد الوجود إلى الإدراك بالقول إن الوجود هو النوس والنوس هو الوجود وهو قول لا يختلف عنه قول هيجل :قول ما هو عقلي واقع وكل ما هو واقع عقلي.عبارة بارمينيدس ملتبسة أصبحت بلغة هيجل الواقع هو العقلي والعقلي هو الواقع .وهي ملتبسة مثلها أو أكثر لأن العقل معنى متشابه .أي عقل؟عقل الإنسان أم عقل مطلق مطابق للوجود؟ لكأن مسلما قال :الوجود هو اللوح المحفوظ واعتبر اللوح المحفوظ هو عقل الإنسان. ومعنى ذلك أن وهم هذا المبدأ المؤسس يظن الوجود مطلق الشفيف والعقل الإنساني مطلق النفاذ إلى أسراره ومن ثم فالوجود هو ما يدركه الإنسان لا غير .بعبارة دينية هذا التصور ينفي الغيب في الوجود لأنه يطلق العلم الإنساني برده إياه إليه .الأمر إذن قديم منذ شذرة بارمينيدس الخامسة :وجود=عقل. أبو يعرب المرزوقي 14 الأسماء والبيان
-- وفي ذلك تأسيس للجبروت النظري ويستنتج منه الجبروت العملي :فمن يدعي علم الحقيقة بإطلاق يكون موقفه العملي وجوب فرضه على الجميع بالعنف حتما .لم يتمكن الفكر الإسلامي من الخروج من هذا المأزق فانقسم إلى موقفي: .1باطني يؤمن بهذه الخرافات ويلجأ إلى العنف والإرهاب لفرضها بتقية دينية وهو متعي حاليا في الموقف الشيعي وتمثله دولة ثيوقراطية هي إيران. .2وموقف سني غبي دام إلى أن تحققت القفزة النوعية في المدرسة النقدية التي لم تعمر طويلا ولم يكن أثر يذكر لأنها ما حاولت بيانه لم يكون قابلا للفهم في ذلك العصر. فنتح عن هذا الموقف رفض الفلسفة وليس رفض شكلها المحرف لظن حقيقتها هي ما فرضه موقف الفكر الباطني من الحقيقة لكأننا حاليا ينبغي أن نرفض الفلسفة الحديثة بسبب فساد نكوص الهيجلية والماركسية .وقد رمز ابن تيمية لتجاوز هذا الموقف الغبي بأن فسر مدلول \"من تمنطق فقد تزندق\" لأن حل الغزالي الذي أراد أن ينقذ المنطق كان قريب الغور. فهو لم يدرك الأساس الميتافيزيقي للمنطق الأرسطي أو بصورة أدق لم يتمكن من تحرير المنطق من الأساس الميتافيزيقي البي في التحليلات الثواني. فمن دون نظرية المعرفة القائلة بـ\"الحقيقة المطابقة\" يمتنع أن يكون المنطق الأرسطي معيارا يتجاوز نسقية الخطاب إلى اكتشاف نسيج الحقائق الوجودية. لذلك فالمنطق الأرسطي يفترض أن نسيج الوجود مطابق لنسقية الخطاب أو بصورة أدق يرد الأول إلى الثاني أي إلى الهيلومورفية أو النموذج الصناعوي البدائي. وعندما تترجم هذه البنية المعرفية تكتشف أنها تعود إلى \"الإنسان مقياس كل شيء\" السوفسطائي المعلوم .ما فسر به ابن تيمية \"من تمنطق فقد تزندق\" .وكم سخر سخفاء التفلسف من هذه الجملة ظنا أنها مجرد موقف يمكن أن يهزؤوا منه بل ويتهمونه حتى بالتكفير لفقدان البصيرة الفلسفية والجهل بأبعادها النظرية .فهو قد فسرها بمعنيي: .1تزندق في النظر (أي جعل الإنسان مقياس كل شيء). أبو يعرب المرزوقي 15 الأسماء والبيان
-- .2وتقرمط في العمل (اي التقية الدينية أداة سياسية). لذلك ففكره أعمق فلسفيا من فكر ابن خلدون. المرحلة اللاتينية. ولنمر إلى المرحلة اللاتينية .ماذا حدث؟ بخلاف سخافة ما ينسب إلى ابن رشد فالنهضة الغربية انطلقت برفض الرشدية لا بتبنيها والغاية في هذا الرفض ما كتبه لايبنتس (وقد ترجمت نصه والترجمة نشرت في موقع حكمة). والرفض كان دينيا وفلسفيا في آن .بدأ الفكر اللاتيني فتحرر من الرشدية التي كفرها لأنها إسلامية ناسبي إليها نفي خلود النفس الفردية ودهرية العالم ونظرية النفس الكلية. ونص لايبنتز الداحض لنظرية ابن رشد في النفس الكلية ونفي خلود النفس الفردية نشرته منذ أكثر من عقدين في مجلة الحياة الثقافية التونسية. لكن ما الحيلة والموضة جعلت من يسمون أنفسهم بالرشديي العرب يضخمون الرشدية اللاتينية المزعومة فيدعون أن فكره هو الذي أسس للحداثة والعلمانية بمجرد فتوى حسبوها عملا فلسفيا خرف حوله المرحوم الجابري حتى شبع وأشبع متفلسفة عقاب الزمان. فمقالة \"فصل المقال\" فتوى تصف فعل التفلسف بأحكام الفعل الفقهية (بكونه على الأقل مباحا أو أقوى بدرجة مندوب ولم يصل إلى درجة الفرض) وليست عملا فلسفيا .لكن من لا يميز بي الفلسفة والفتاوى يمكن أن يجعلها فتحا وهي فتوى مبتذلة تقيس المنطق على التذكية في الذبائح. وفي الحقيقة فهذا ذبح للفلسفة. ولا تعجب عندئذ أن ينفوا عن ابن تيمية الفلسفة بسبب فتاواه التي حجبت فتوحه الفلسفية في كتبه غير الفقهية وأن يسموا ابن رشد مؤسس النهضة الأوروبية بسبب فتوى فصل المقال .النهضة الأوروبية في العصر اللاتيني (إلى بداية الكتابة باللغات القومية) ذات مسارين :ديني وعلمي .في أبو يعرب المرزوقي 16 الأسماء والبيان
-- الأول المؤثر الحقيقي هو الغزالي وابن سينا .أما في المسار العلمي فالتأثير جاء من العلماء وليس من الفلاسفة أي من الرياضيي والفلكيي والأطباء والمهندسي .كالكندي وابن الهيثم إلخ... المرحلة الغربية الحديثة ولنأت إلى المرحلة الرابعة المرحلة الغربية الحديثة التي بدأت بالإصلاح الديني وثنت الإصلاح الفلسفي وبينهما تقدم في العلم عامة وخاصة في الرياضيات وثمراتهما في المجتمع والعلوم النظرية والعملية. هنا توقف فيها بصورة شبه نهائية الإبداع الإسلامي وبدأ الغرب يتفوق علي المسلمي رغم أن الفكر النقدي الإسلامي تفطن منذ القرن الرابع عشر للركود الإسلامي في مجال العلوم والفلسفة. ابن تيمية عامة وابن خلدون خاصة (المقارنة بي عدوتي المتوسط) حاولا تشخيص الداء وتقدم الثاني فدرس مرض العمران والاجتماع ترجع الداء خاصة إلى فساد النظام السياسي والتربوي واستبدادهما .لكن الداء استفحل ففات الفوت. إلى حد الآن يمكن القول إن كلامنا يدور حول تاريخ سحيق يعسر الجزم فيه بغير آراء قد تعتبر ذاتية ومنحازة إلى محاولة تنزيل الفكر الإسلامي فيه. أما الآن فسنمر إلى مرحلة ليس فيها للفكر الإسلامي دور يذكر ومن ثم فلا وجود لشبهة الذاتية بمعنى الانحياز الدفاعي للذات بل هي نظرة للغير ذاته. لا يمكن أن أحاول الانحياز لطرف دون آخر لأن المسلمي لا ناقة لهم ولاجمل في ما حصل في الفكر الإنساني بعد القرن 15ميلادي والقرن 9هجري. سقطنا في غيبوبة وسبات شتوي إلى أن أيقظنا الاستعمار الذي احتل الأرض وشرع في احتلال العقول والنفوس أعني حصيلته الآن في فكر النخب وسلوكها. أبو يعرب المرزوقي 17 الأسماء والبيان
-- بخصوص ما يعنينا في بحثنا هو نظام العالم أو العلم الرئيس \"الارشيتاكتونيك\" الفلسفية التي حاولت تجاوز المراحل الأربع السابقة بصوغ روح الفكر. مراحل العلم الرئيس. ولصوغ هذه الأرشيتاكتونيك خمس محاولات شهيرة آخرتها محاولة كنط التي قضت على محاولة ديكارت ولايبنتر وفولف وموسوعة العلوم والصناعات الشهيرة .لن أطيل الكلام في شجرة ديكارت ولا في مصالحة لايبنتز بي الدين والعلم الحديث دون قطيعة بالأسلوب الديكارتي مع أرسطو سأمر مباشرة إلى الأخريي. فالموسوعة ومحاولة فولف تتميزان بالنزعة التنسيقية للحصيلة التاريخية في العلوم بمعناها الوضعي الحديث خاصة وفي العلوم بمعناها الفلسفي التقليدي. وبي أن تجاوز الحصيلة الميتافيزيقة الفولفية لن تبقي إلا على الحصيلة العلمية الموسوعية بعد التجاوز الكنطي رغم ترميم المثالية الألمانية بعده. ما يعنينا هو آخر حالة للميتافيزيقا قبل كنط :ذلك هو أرشيتاكتونيك فولف :الأنطولوجيات الأربع1 :عامة و 3خاصة اي الثيولوجيا والكوسمولوجيا والانثروبولوجيا. وأربعتها هي مضمون فلسفة كنط النقدية: • دحض الانطولوجيا العامة. • 3دحوض خاصة للثيولوجيا والكوسمولوجيا والانثروبولوجيا في نقد العقل الخالص. الانقلاب الكنطي. وعلى هذا النقد بنيت أبستمولوجيا جديدة (نفي نظرية المطابقة ورد الوجود إلى الإدراك) وعليها أسست أكسيولوجيا جديدة (تأسيس الأخلاق والجماليات). أبو يعرب المرزوقي 18 الأسماء والبيان
-- وذلك هو مضمون النقدين الآخرين (العملي) والجمالي .وهذا الثاني هو الذي يمكن أن نقول بأنه الأرشيتاكتونيك الجديد :ملكة الحكم تصل النقدين الأولي. أما محاولة المثالية الألمانية للتخلص من الثنائية الكنطية بنفي \"الشيء في ذاته\" فنكصت إلى \"رد الوجود إلى الإدراك\" مع فشت (نظرية العلم) فشلنج (المثالية المطلقة) وبلغ هذا النكوص الذروة مع هيجل (فلسفة الدين والمنطق أي ميتافيزيقاه). وهنا بدأ الرد الذي يمكن القول إنه يصدر عن موقف الموسوعة أي الحصيلة التاريخية الوضعية: بدايات تجاوز المثالية الألمانية في صنفي المعرفة. الزهو بالعلم الوضعي وتطبيقاته أدت إلى قيس الإنسانيات على الطبيعيات قيسا للتاريخ الحضاري على التاريخ الطبيعي فبدأت أرضية الفكر تربو وتهتز ببذرة ما بعد الحداثة. المرحلة ما بعد الحديثة. ما بعد الحداثة ليست إلا التعبير عن فشل هذا القيس والرد :فشل رد علوم التاريخ الحضاري لعلوم التاريخ الطبيعي جعل فكر التحليل يصبح تابعا لفكر التأويل أي عكس ما كان مقصودا من الوضعيي. فلم يعد الفرق بي ذروتي العلم والفن فرقا جوهريا :الإبداع الرياضي لا يختلف كثيرا عن الإبداع الأدبي والعلم الرئيس أو الميتافيزيقا سردية أدبية (كواين ورورتي). ومعنى ذلك أن محاولة رد علم الطبيعة Naturwissenschaftإلى علم الإنسان Geisteswissenschftوالفهم Verstehungإلى التفسير Erklärungفشل فشلا ذريعا لأنه بي الحاجة إلى النقيض تماما. فمحاولات رد العلوم الإنسانية إلى العلوم الطبيعية فشلت وتطور النظرية الفيزيائية بما تفطنت إليه من نسبية الحتمية عكس الاتجاه فصار كل علم مهما كان دقيقا وصارما فيه شيء من التأويل. أبو يعرب المرزوقي 19 الأسماء والبيان
-- والعجيب هو أن الفيلسوف الذي ذهب إلى الغاية في رد التاريخ الحضاري إلى التاريخ الطبيعي(نيتشة) هو نفسه مؤسس ما بعد الحداثة ثمرة فشل رد الإنساني إلى الطبيعي من العلوم فشلا ذريعا. أعلم أن فهم هذه اللطائف يمكن أن يزعج المستريحي في موضة الفلسفة الصحفية التي لا ترى من تاريخ الفكر الفلسفي إلا ثرثرة الفضائيات الفرنسية أو عموميات جوجل .والجري الصبياني وراء الموضة. فمن دون خلفية نسقية تتصف بصفات الفكر الفلسفي الذي لا يتميز إلا بميزة البناء النسقي والمنطقي لا معنى للاستطرادات المزعومة فيلولوجية وخاصة من اللغات الميتة (اليونانية واللاتينية لكأن البشرية ليس لها تعددية لسانية تناسبها تعددية تأويلية لمعاني الوجود) .ونيتشة أسس الصوغ المكتمل لما بعد الحداثة بمعنيي: • طبيعة الفكر. • واسلوب الكتابة. وطبيعة الفكر تؤول إلى تجاوز الفرق بي العلم والفن بردهما إلى فيلولوجيا عامة ليس للرمز اللساني وحده بل لكل رمز أعني جوهر الإبداع الفني الذي لا يكتفي بإنتاج الرمز بل ينتج المرموز كذلك. أما الأسلوب فهو تحرير الفكر الفلسفي من مزاعم النسق العلمي الذي هو جهاز نظري وأداة بناء لتحديد مسالك البحث العلمي وليس وصفا لحقيقة الوجود ولا لحقيقة التعبير عنه .ومعنى ذلك أني في عملي هذا اعاكس رؤية نيتشة لبيان صحتها بالطريقة النسقية الواعية بكونها أسلوب عرض لا يدعي أن الحقيقة يمكن أن تقال بصورة تطابقها لأن الوجود لا يرد إلى الإدراك. ولهذه العلة فإن ما بات يعني نيتشه ليس قول الحقيقة بل قل آليات إضفاء طابع الحقيقة على المبدعات الخيالية بآليات جينيالوجية وسمية ( .)Semioticsوهذا هو جوهر الإبداع الفني: وأساس هذه التصور ينبغي أن يؤول إلى موقف \"منظوري\" ( )Perspectivismمطلق زاوية النظر مثل احداثيات التصوير هي المحددة. أبو يعرب المرزوقي 20 الأسماء والبيان
-- وهذا هو جوهر ما يمكن تسميته بالعالم الافتراضي الذي لم يعد مجرد لعبة خيال بل اصبح من الممكنات تكنولوجيا ومن ثم بات من الواجب تأويل ذلك كله. مطلوبنا :هل يمكن بشبكة مستويات الأحياز أن نفهم ما يجعل ما بعد الحداثة تتخلص من المنظورية المطلقة وثمرتها حرب الكل على الكل في زمن العولمة؟ وإذا كان ذلك مستحيلا فإن الاستئناف لن تكون له رسالة هي مضمون مشروعه ومن ثم المهمة التي يمكن أن توحد المسلمي قطبا محررا من مادية العولمة. نتوقف عند هذا الحد ونؤجل الكلام في مسألتنا الثانية التي تجيب عن هذا السؤال للفصل الموالي .وستكون جزءا من الكلام على توحيد الفرد الإنساني. وحصيلة الفصل هي أن المرحلة الاخيرة في الارشيتاكتونيك أو العلم الرئيس لم تتخلص من رد الوجود إلى الإدراك حتى وإن تخلصت من حصر الإدراك في العلمي .فأعادت البشرية إلى التحريف الديني مع المحافظة تعميق التحريف الفلسفي: • فالثاني عاد إلى الميثولوجيا. • والأول عاد إلى عنصرية خرافات الشعب المختار (المسيحية الصهيونية مثلا). ومعنى ذلك أن فلسفة نيتشه لم تكن ما كانت بالصدفة بل إن هي كما وصفها صاحبها مجرد قلب لسلم القيم الأفلاطوني في صورته الشعبية أو المسيحية. بمعنى مبسط ما كان عالم مثل يفسر عالم النسخ قلب نيتشة وظيفة التفسير فيهما فصار كلا العالمي ترجمانا على انفجار حيوي في تاريخ الإنسان الطبيعي. النيتشوية داروينية مطلقة .لكنها ليست عضوية فحسب بل عضوية ورمزية حتى يصبح التاريخ الحضاري هو نفسه جزءا من قانون التكيف وصراع الانتخاب الطبيعي :جوهر العولمة. الآن تبينت الأرضية النظرية في إطار ما سميناه بالتحريف الفلسفي الذي يطلق قانون التاريخ الطبيعي ويجعل صدف صراع الانتخاب الطبيعي قانون الوجود .فجوهر العولمة ليس إلا التحقق أبو يعرب المرزوقي 21 الأسماء والبيان
-- الفعلي في مجالات الوجود الإنساني المعبر عن الإرادة والعقل والقدرة والحياة والوجود بقانون الانتخاب الطبيعي. ليس صحيحا أن الانتخابات الديموقراطية تعبير حر عن إرادة الجماعة .وليس صحيحا أن الإعلام تعبير عن حرية الفكر .وليس صحيحا أن السوق تعبير عن حرية المبادرة .وليس صحيحا أن الإبداع تعبير عن حرية الذوق .وأخيرا ليس صحيحا أن رؤى العالم والوجود تعبير عن حرية الإنسان الخلقية والروحية. هل هذا تحامل أم وصف موضوعي؟ كلا .هو ملاحظة موضوعية لما يجري :في الأول انظر الانتخابات الأمريكية .في الثاني انظر الإعلام في العالم .في الثالث أنظر الاحتكارات .في الرابع انظر مفاعيل هوليوود .في الأخير يكفي ما يجري من حرب لفرض صورة للإسلام يريدها الغرب لتكون خاضعة لرؤاه عن العالم والوجود .من ينكر هذه الحقائق؟ والسر أنها جميعا صارت خاضعة لهذا الأخير ولاستتباعه للأولي والأخيرين :فصاحب رمز الفعل (العملة) يسيطر على صاحب فعل الرمز (الكلمة) وبهما تتم السيطرة على ممثل الإرادة والعقل والحياة والوجود. وهذا هو ما أطلقت عليه دين \"العجل الذهبي\" الذي يسيطر على رمز الفعل (المال ممثلا بالعملة) وفعل الرمز (الخيال ممثلا بالكلمة) :وذلك هو الاستبداد والفساد ما ظهر منهما وما بطن. وما كنت لأكتب حرفا في المسألة لو لم تكن كل الخدع الخمس هي جوهر العولمة ما بعد الحداثية التي يتغزل بها سطحيو النخب التي أخلدت إلى الأرض فاستكلبت بالمعنيي .المعنى القرآني في علاقة بمفعول الحمل على الكلاب وعدمه والمعنى الفلسفي بمعنى السينيزم أو النزعة الكلبية التي تخلط بي قلة الحياء والجرأة الفكرية. وكان يمكن أن اقبل وضع \"الصم البكم العمي الذين لا يعقلون\" لو لم يصم آذاني أدعياء التفلسف إما بالمزايدة على عصور الانحطاط أو على ما بعد الحداثة .وهما يلتقيان :فالنكوص إلى تصوف وحدة الوجود في شكله الشعبي والتجاوز المزعوم إلى ما بعد الحداثة في شكلها العامي كلاهما في الحقيقة من مبتذلات القول بقانون التاريخ الطبيعي. أبو يعرب المرزوقي 22 الأسماء والبيان
-- قبل مواصلة الكلام على التحريفي لا بد من بيان علة النكوص الهيجلي إلى القول بنظرية المطابقة بعد تخلص المثالية الألمانية من ثمرة النقد الكنطي الأساسية .فهذا النكوص هو غاية التحريف الأعم الذي أفسد الفلسفة والدين في آن ذلك أن عودة إلى ما حاول كنط في غاية الحداثة تحريرهما منه :القول بنظرية المعرفة في العلم والقيمة في العمل المطابقتي. فنفي المطابقتي الكنطيتي هو ثمرة الفصل بي الفينومان أو ما يظهر للإنسان من الأشياء والنومان أو الأشياء في ذاتها واعتراف بنسبية العمل والعمل الإنسانيي اللذين لا يمكن أن يرد إليهما الموجود والمنشود .وهو ما يعني أن حقائق الأشياء وقيمها ليست في متناول الإنسان بتجاوز الإضافة إليه .لكن إدراك ذلك يعني أنه بالوسع التفكير في ما يتجاوز العلم والعمل دون القدرة على علمه وعمله :وذلك هو جوهر الافق الديني والفلسفي وشرط الحرية والإبداع .ورمز ذلك هو المقصود بالشيء في ذاته. فيكون للإنسان مفهوم حد -يشبه مفهوم الغيب الديني-يجعله يعتقد أن الوجود لا يرد إلى الإدراك كما قال ابن خلدون .وإدراك ذلك يعني أن الإدراك يدرك محدوديته فيدرك في آن امكان وجود إدراك لا محدود للوجود كما هو في ذاته لكنه غير إنساني. وذلك هو الأفق المحرر من الإخلاد إلى الأرض .ومن ثم فعلمنا وعملنا رغم محدوديتهما وعدم تجاوزهما الذاتية الإنسانية يبقيان مفتوحي على أفق متعال فيحرر الإنسان من الانحباس في المتناهي. وهذا المعنى الناتج عن نفي القول بالمطابقتي المعرفية والقيمية هو الذي تقدم ابن تيمية فأول دلالته الفلسفية فأسس للقطع مع علة القول بالمطابقة التي كانت أساس الفلسفة القديمة والوسيطة .فقد بي أن المعاني الكلية سواء اعتبرت مثلا مفارقة بالمعنى الأفلاطوني أو صورا محايثة بالمعنى الأرسطي ليست مقومة للأشياء التي ندركها بحواسنا خارجنا ونعلن قوانينها وقيمها بعقولنا مقدرات ذهنية ورموز نشير بها إليها بعد أن اخترنا أبو يعرب المرزوقي 23 الأسماء والبيان
-- بعض أعراضها فجعلناها دالة عليها وهي لا تختلف عن الفاظ اللغة ورسوم الكتابة وليست مقومة للأشياء التي نشير بها إليها بدليل أمرين: • الأول هو كونها وسيلة لتصنيف الأشياء بما تشترك فيه بالقياس إلى هذه الرموز المحددة لها دون أن تكون مقومة لها بل هي أسماء متغيرة من ثقافة إلى ثقافة ومن لغة إلى لغة ومن نظام تصنيف إلى نظام تصنيف آخر حتى في نفس الثقافة بدليل تطور رؤية الأشياء بحسب تطور ما نختاره من أعراضها لتسميتها. • الثاني وهو الأهم هو كونها متغيرة بتغير معرفتنا بأعراض أخرى أهم في التصنيف ما يجعل هذه الحدود ليست إلا رموز لما نتصوره حقائق الأشياء وماهياتها لكنها لا يمكن أن تكون في آن حقائقها ومتغيرة لأن التغير هو في الأسماء وليس في المسميات. لذلك فهيجل يعتبر الماهيات صيرورة عروض أعراضها التي تتجلى فيها وأنه لا شيء وراء ظهور الأعراض مثلما أنه لا شيء وراء فعل الطاقة غير فعلها بحيث إن مجرى الفعل الطاقي ليس له حقيقة وراءه هي التي توحده ليكون هو هو أصلا ثابتا لعروض أعراضه. وهو بهذه الرؤية يؤسس الانتقال من القضية الحملية بالمعنى الأرسطي إلى القضية التأملية بالمعنى الهيجلي. وفي ذلك رد الوجود لإدراكه أو لما ندركه من أعراض الكائنات وخلط بي صيرورة ما اخترناه من أعراضها للكلام عليها وصيرورة حقيقتها التي هي عي عروضها .فلكأنه تصور أن استعمال الإنسان لنظرية المجموعات مثلا إذ يقابل بي مجموعة جزئية اختارها معتبرا بقية المجموعة المرجعية مكملة لها بمقتضى نظرية المجموعات دالا على أن كلامه مطابق لحقيقة الأشياء التي طبق عليها هذا التعبير بنظرية المجموعات وليس مقصورا على نظام تصنيفها في المجموعة أداة للتعبير من جنس الأدوات اللسانية والرسوم الكتابية بلغة ابن تيمية. فما نجريه من عمل على الرموز من حيث هي بنية مجردة دون تعيي يجري بمقتضى قانون الرموز ولا شيء يثبت أنه مطابق لقانون الأشياء التي نطبقه عليها حتى لو بدا أبو يعرب المرزوقي 24 الأسماء والبيان
-- مطابقا لحي .فقانون الأشياء التي نرمز إليها بعمليتنا على الرموز سواء كانت هذه الرموز مجردة كما في الرياضيات والمنطق أو في التجربة يبقى غاية لا يدرك بدليل تقدمنا في ما نعبر به على ما نفترضه مؤقتا. وإذا قلنا بنظرية المعرفة المطابقة أي إذا نفينا ما اضطر إليه كنط في فلسفته النقدية من تمييز بي الظاهرات الخاضعة لنظام الضرورة الطبيعية وقانون التجربة الممكنة والمعقولات أو النومان التي لا شيء يثبتها خضوعها لها وقعنا في الخلط الهيجلي والماركسي وهو نكوص إلى الخلط الأفلاطوني والارسطي بي علمياتنا على الرموز وما يجري فعلا في الأشياء التي نرمز إليها بها :وهذا هو القصد بالذاتية المطلقة للمعرفة الإنسانية في الرؤية الكنطية. ودليل سطحية هذه النظرية الماركسية التي تبنت الرؤية الهيجلية القائلة بالمطابقتي المعرفية والقيمة الذهاب بها إلى الغاية في جعل ذلك مردودا إلى رؤية مادية خالصة الغفلة عن كون المعرفة والقيمة ومنجزاتهما من البعد الرمزي .وهم بذلك يدحضون أساس فكرهم مباشرة بمجرد وضعهما في القاعدة الأساسية بلغتهم جزاء منها وليس أصلا لها. والعلوم والقيم مثلا منتج رمزي مثلهما مثل منجزاتهما أو تطبيقاتهما وهما إذن جزء من البنية الفوقية -بلغتهم مرة أخرى-التي يحاولون ردها إلى البنية التحتية تفسيرا لها بها أو بتاريخ العامل الاقتصادي في تغيير الفكر ورؤى العالم. لم يدركوا مثلا أن القيمة الاقتصادية والاقتصاد اللذين يفسران بهما تاريخ المجتمعات محاطان بالرمزي بداية وغاية وتوسطا بي البداية والغاية لأن علتهما الفاعلة هي الرمز العلمي وعلتهما الغائية هي الرمز الذوقي .وما يبدو ماديا في الاقتصاد هو أدواته وليس ذاته وهي ليسا أدوات من حيث هي مادية بل من حيث ما فيها من أثر العلم بداية والذوق غاية إنها هي بدورها رمزية لأن دورها يأتي من كونها تطبيقا للعلم بداية وتحقيقا للذوق غاية. أبو يعرب المرزوقي 25 الأسماء والبيان
-- لكن الأكثر دلالة على السطحية هو ظن الاقتصاد متعلقا ببعد مادي في الجوهر لكأن سد الحاجات المادية مادي .فلا يرون أن القيمة بمعنييها الاقتصاديي مرتهنة بالقيمة الرمزية بمعنييها .فالفرق بي قيمة الاستعمال وقيمة التبادل الاقتصاديتي لا معنى له لو لم يكن التبادل والاستعمال متصلي بقيم ثقافية معينة :البدوي لن يشتري لوحات بيكاسو بمليم واحد لأنها لا تعني له شيئا. ولو صح فكر الماركسية البدائية لما كان للدعاية التسويقية وحاجة التسويق -الماركتينج- للتكيف مع ثقافة الشعوب التي يستهدفها المنتج لأن أي بضاعة أو خدمة ذات معنى. فالبضاعة أو الخدمة قيمتهما ثقافية قبل أن تكون مادية لأن مطلوببيتها تحددها الثقافة والتقاليد حتما وخاصة ما كان منها ذا صلة بالذوق. وآخرة الحجج وأقواها هي دور علم النفس في سلوك الفواعل الاقتصادية (طلبا وعرضا واستثمارا وخاصة تمويلا للاستثمار) .فيمكن لخبر أو دعاية أو تخوف أن يقلب الكثير من التوقعات فيصيب سوقا بأزمة كبيرة والأهم ما يلي. فعلم الاقتصاد نفسه ما كان ليوجد لو لم يكن مبنيا على مفهوم لا شيء يثبته موضوعيا إلا عندما يحصل بالقصد خاصة أو في الأزمات الحادة كالحروب أو الجائحات الطبيعية: مفهوم \"الندرة\" الذي يفعل في الحقيقة بوصفه مفهوم \"الخوف من الندرة\" المتوقعة أكثر مما يفعل بوصفه الندرة الفعلية .وذلك هو اساس دور الاحتكار في الاقتصاد .فالخوف من الندرة يؤدي إلى التخزين حتى من دون قصد الاحتكار. والتخزين يحدث الندرة خاصة إذا صار احتكارا .والندرة ترفع السعر .ورفع السعر بالندرة مفهوم أداة تجارية أساسها الاحتكار وسيلة للربح السريع. والاحتكار بهذا المعنى هو الربا غير المعتمد على العملة رغم كونها في الغاية هي هدفه لأنه رفع اصطناعي في الأسعار بالتدخل في العرض للزيادة في الطلب بعامل الخوف من الندرة التي يخلقها الاحتكار. أبو يعرب المرزوقي 26 الأسماء والبيان
-- والعملة هي أهم وسيلة لاحتكار الثروة في شكل رمزي .وبه تكون البنوك أو أصحابها ربويي بالضرورة لأن العملة هي الكلي في تبادل البضائع والخدمات مثل الكلمة في تبادل المعاني والدلالات لأنه يكثفها رمزيا فيمكن من رفع الأسعار ومن تخفيضها بالتحكم في السيولة المالية والنقدية مع خاصية الكلية أي القابلية للتبادل المطلق بخلاف المقايضة. فهذه الرموز مؤثرة وفاعلة أكثر مما يتصوره الماركسيون الفاعل الأساسي وذلك لسطحية فهمهم .وسواء آمنا بأن الدين من الله أو من أساطير الأولي-وهو من أكثر الرمزي تأثيرا- فإن الكلام على التأثير في التاريخي يجعل الرمزي المعبر عن النفسي دوره أكبر من المادي المعبر عن العضوي في كيان الإنسان وفي تاريخ الأمم. وكل ذلك ليس ماديا وهو بمصطلحهم من حيل البنية الفوقية لكنه مقوم جوهري في كل اقتصاد حقيقي ولا دخل فيه للتحيل أو للإرادة الإنسانية التي تظن مطلقة الحرية. وبذلك فنحن نبي أن ماركس لم يجعل هيجل يمشي على رجليه بعد أن مقلوبا بل هو الذي قلبه لأنه لم يفهمه. لا يعني ذلك أني أقول بما يقول به هيجل لكني لكن رفض فلسفته لا يعني أنه مخطئ في كل شيء. ومنذ شبابي لم أتوقف عن مصارعة فلسفة هيجل لأبي أن ما يقوله حتى وإن كان أقرب إلى الحقيقة من الماركسية في ما يتعلق بدور الرمزي فهو ليس الحقيقة على الأقل كما أفهمها فلسفيا ودينيا ولهما نفس المعنى -وهو ما يقول به هيجل من حيث كونهما طلبا للحقيقة- حتى وإن اختلفت أساليب العبارة عنهما .وها أنا قد أتممت توضيح ما اقصده بالنكوص الهيجلي والماركسي والخطأ الذي أسس للقول بالتثليث الجدلي الذي يتناقض تماما مع قانون الإفادة الرمزية التي لا تتمثل في التقابل بي حدين تقابل التناقض بل هي تتأسس على التناظر بي النظام البنيوي للنظام الرمزي الدال والنظام الرمزي المدلول لأن الإفادة الرمزية هي التناظر بي موقع الرمز في منظومتة وموقع المرموز في منظومته .وتكون أبو يعرب المرزوقي 27 الأسماء والبيان
-- المنظومة المرموزة في صيرورة دائمة بالتضايف مع المنظومة الرامزة وتلك هي آلية عمل أي علم سواء كان طبيعيا أو إنسانيا :ذلك أن عناصر المنظومة المرموزة هي قيم للمنظومة الرامزة في نسبة القيم إلى المتغيرات. ********* ولأعد الآن إلى قضيتي .كان سؤالنا الثاني المؤجل في الفصل السابق حول طبيعة شبكة الأحياز وطبيعة توالج مستوياتها وتشاجن علاقاتها .وذلك هو موضوع هذا الفصل الثالث من التأملات .فالأحياز هي: .1المكان .2وثمرته خلال الزمان باعتباره مصدر الثروة. .3والزمان .4وثمرته باعتباره مصدر التراث .5والمرجعية التي توحد رؤية الجماعة رؤيتها المحيطة بهذه العناصر الأربعة التي هي واحدة بالجنس في كل حضارة ومختلفة بالنوع بالخصوصيات الحضارية. ومستويات تعينها تكون في الفرد وفي الجماعة وفي الإنسانية وفي العالم وفي ما وراء ذلك سواء نسبناه إلى اللـه أو ما يعتقده غير المسلمي قائما بدور الله أعني الماوراء المطلق للطبيعة والتاريخ والإنسان فردا وجماعة وجنسا بشريا .وبداية التشاجن في وعي الفرد الإنساني هي تناظر التوحيد والتلازم بي الأول والأخير أي بي الفرد الإنساني والله أو من يؤدي دوره في غير الإسلام. ولا أدعي أن ما في وعي الإنسان هو الحقيقة .لكنه حقيقة إضافية إلى الإنسان .ويلي التناظر الأول تناظر ثان هو تناظر التوحيد والتلازم بي الثاني والرابع أي بي الجماعة والعالم الطبيعي وا لتاريخي .فكل جماعة تمثل عالما متحدا في وعي أفرادها وتمثل أحيازها أبعاضا من الأحياز متصلة بالعالم الطبيعي والتاريخي الذي يتجاوز الجماعات إلى الكون المحيط بالإنسان من حيث هو إنسان .فالحضارات متوارثة دائما ولا توجد حضارة خالية أبو يعرب المرزوقي 28 الأسماء والبيان
-- من أثر من تقدم عليها ويساوقها ومؤثرة في ما يليها ويساوقها (وهو البعد الذي أضافه الفكر الإسلامي لنظرية التاريخ والانثروبولوجيا بدأ بالفارابي وختما بابن خلدون لكن الاصل هو في العرض النقدي للأديان والحضارات في القرآن). ويبقى قلب المعادلة أي الوسط الذي فوقه مستوى العالم ومستوى الله أو ما يؤدي وظيفته في غير الإسلام ودونه مستوى الجماعة ومستوى الفرد .إنه \"الإنسانية\" التي تصل بي الجناحي ما فوقها وما دونها. فالإنسانية هي لغز الوجود الأشد تعقيدا لأن ما عداها -المستويات الأخرى-قد يعتبر مما أبدعته من حلول لألغاز الوجود فلا تكون إلا توابع مبدعاتها بوصفها شروط وجود الإنسانية أو باعتبار الإنسانية أحد عروضها الممكنة. ولهذه العلة ناوست رؤى العالم في كل الحضارات بي حدين اقصيي بي نوعي من وحدة الوجود: .1الأولى هي الوحدة المطلقة التي تعتبر ما عدا الإنسان من أوهامه ومن صنع خياله (ابن خلدون شفاء السائل وفصل التصوف من المقدمة). .2الثانية عكسها تماما حدا مقابلا يعتبر الوجود شلالا ماديا خالصا ل ايتوقف خاضعا لسلسلة من العلل اللامتناهية والإنسان ظاهرة تافهة فيه وليس دولة في الدولة. ولعل أفضل تمثيل هو نظرية التطور وأصل الإنسان ككل حيوان دون أدنى امتياز (أصله قرد) .وهذه المراوحة بي التعالي إلى حد التأله والتسفل إلى حد التذرر يمثلان قطبي شبيهي بحركة التنفس زفيرا وشهيقا يصعب ألا يعيشهما كل من غاص في نفسه .الفضل لابن خلدون. سأبدأ البحث في التوالج والتشاجن في الفرد الإنساني عي ونموذج من الإنسانية .فحياة الفرد الروحية إن وجدت هي الإبداع المتواصل لفهم لغز الإنسانية هذا .ومن لم يعش جحيم هذا الشلال الفوار فهو في سبات .وللأمانة العلمية فإن المراوحة بي التأله والعبودية أبو يعرب المرزوقي 29 الأسماء والبيان
-- باعتبارها دالة على جوهر الإنسان من حيث هو \"رئيس بالطبع\" نظرية أول من وضعها وحاول شرحها ابن خلدون في المقدمة. وهو قد وضعها ليفسر بها ظاهرة الاستبداد والثورة على العبودية وسقوط الحضارات وصعودها :إنها انثروبولجيا فلسفية تنطلق مما يعتبره ابن خلدون حقيقة الإنسان .ففي فصل\" :في أن الأمة إذا غلبت وصارت في ملك غيرها أسرع إليها الفناء\" من باب المقدمة الثالث يقدم ابن خلدون نظريتي: .1ثقافية سياسية. .2وانثروبولوجية فلسفية. فيقول في الانثروبولوجية الفلسفية \":وفيه والله أعلم سر آخر وهو أن الإنسان رئيس بطبعه بمقتضى الاستخلاف الذي خلق له .والرئيس إذا غلب على رئاسته وكبح عن غاية عزه تكاسل حتى عن شبع بطنه وري كبده .وهذا موجود في أخلاق الأناسي .ولقد يقال مثله في الحيوانات المفترسة وإنها لا تسافد إذا كانت في ملكة الآدميي (=الإنسان يشارك الحيوان المفترس في هذا الخلق) .فلا يزال هذا القبيل المملوك عليه أمره في تناقص واضمحلال إلى أن يأخذهم الفناء .والبقاء لله وحده .واعتبر ذلك في أمة الفرس .... وقد أحصى سعد منهم في ما وراء النهر ( 137000بعد هزيمتهم) منهم 37000رب بيت .ولما تحصلوا في ملكة العرب وقبضة القهر لم يكن بقاؤهم إلا قليلا ودثروا كأن لم يكونوا\". ويمكن أن نضرب مثال اليوم بالهنود الحمر في أمريكا الشمالية .كانت امبراطوريات وشعوب فلم يبق منها إلا بعض الجماعات زهيدة العدد .فكيف نفهم؟ لهذه الظاهرة وضع ابن خلدون ما سماه بـ\"خلق التأله\" الذي هو نقيض ما وصف عند الخانعي والولعي بمحاكاة الغالب أو الذين ينقرضون كما وصف الصراع التاريخي. خلق التأله\" :فصل في أن من طبيعة الملك الانفراد بالمجد\" يقول\" :فمن الطبيعة الحيوانية خلق الكبر والأنفة .....ويجيء خلق التأله الذي في طباع البشر مع ما تقتضيه السياسة من انفراد الحاكم لفساد الكل باختلاف الحاكم \"ولو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا\" .وهذا أبو يعرب المرزوقي 30 الأسماء والبيان
-- ما يهمله شراح ابن خلدون وهذا هو بيت القصيد في تناظر العلاقة بالأحياز المقصود بي الفرد الإنساني والله .وقبل أن أواصل تحليل هذا التوالج والتشاجن فلابد من ملاحظتي أساسيتي في قراءة فكر ابن خلدون. • فأولا أهم ثورات ابن خلدون يهملها أدعياء التفلسف من العرب لأنهم يبحثون عن غيره فيه .لذلك فما يعنيهم ليس فكر ابن خلدون بل إما ما فيه من فكر ماركس أو من فكر أوغست كونت ثورته الفلسفية التي هي أهم من نسبة المادية التاريخية أو علم الاجتماع إليه لا تعنيهم. • وثانيا أن ذلك لم يكن صدفة بل له تعليلان :التعليل الأول هو الجهل بأهم خاصية في الفلسفة اليونانية ما يحول دون التفطن للجديد بالقياس إليها في فلسفة النظر (ابن تيمية) وفي فلسفة العمل (ابن خلدون). والتعليل الثاني هو الجهل بالفلسفة الغربية الحديثة .فمن يبحث عن السبق على ما يجهل ما به يمكن أن يقع السبق يتوهم سبقا كاذبا فيغالط نفسه ويعزيها .فأما ما به تجاوز ابن خلدون الفلسفة اليونانية فهو ما ذكره في بداية المقدمة وفي غايتها :لا يصبح التاريخ علميا إلا إذا اصبحت الفلسفة تاريخية (فاتحة المقدمة). والفلسفة لا تصبح تاريخية إلا إذا تخلصت من مبدئي تأسست عليهما الفلسفة اليونانية وخاصة عند أرسطو (في باب المقدمة الأخير): • الكلي المعلوم ليس حصيلة تاريخية. • والتاريخ ليس علما (ارسطو كتاب الشعر). لذلك فالتاريخ لا يوجد في جدول العلوم اليونانية-وهذا لا يعني أن اليونان ليس لهم مؤرخون عظام-بل أن الفلسفة لا تعتبر ذلك علما بل مجرد فن وصناعة تدرس الجزئي الذي هو ليس موضوع علم. أبو يعرب المرزوقي 31 الأسماء والبيان
-- وإذن فثورة ابن خلدون تعني إعادة تعريف الفلسفة بصورة تجعلها تاريخية بتاريخية المعلوم وذلك بي من خلال تعريفه علوم العقل ودحضه للميتافيزيقا في الباب السادس والأخير من المقدمة. ********** نعود إلى موضوعنا :ابن خلدون يفسر تاريخ البشرية كله وعلاقة الحرية بالعبودية وعلاقة بقاء الحضارات والشعوب وفنائها بخاصيات انثروبولوجية إنسانية تبي ما في الإنسان من \"خلق التأله\" ونقيضه عند الخضوع للعبودية ونتائجهما. والنتائج تحصل بتوسط الوجود في الأحياز وبصورة أدق بفنيات تنظيم الوجود في الأحياز أي النظام التربوي والنظام السياسي أساسي الحضارة والثقافة .لكن الملاحظ هو أن ابن خلدون لم يكتف بالانثروبولوجيا الفلسفية بل وصلها بتصور ديني لأنه يعتبر ذلك من علامات \"الاستخلاف الذي خلق الإنسان له\" .وهذه الملاحظة لا ينبغي فهمها فهم المتخلفي ممن يتصورون الدين من أساطير الأولي .ولو كانوا يفهمون لأدركوا أن ذلك لا يلغي أهمية دوره حتى لو كان من اساطير الأولي. إن كلامنا على نتائج إهمال الأحياز ودور شبكتها قد يجعل المتعجل يتوهم أننا خرجنا عن الموضوع وصرنا نتكلم في دور ابن خلدون وهيجل وماركس ولا نرى العلاقة بموضوع البحث: التوالج والتشاجن بي الأحياز. وفي الحقيقة فكل ما قلناه هو لبيان نتائج عدم الاهتمام بهذا التوالج والتشاجن في قراءة فلسفتنا والفلسفة الغربية من قبل \"مفكرين تسكرهم زبيبة\". فمن دوافع إقدامي على هذه المحاولة هذا النوع من الفكر العجول الذي أضاف إلى ما نعانيه من انحطاط ذاتي لوث رد الفعل بالبحث عن الغير فيه. والغريب أن النوعي يمثلان نفس التلوث وإن باسمي متقابلي تماما: • نقد التراث. • وإحياء التراث. أبو يعرب المرزوقي 32 الأسماء والبيان
-- فكلاهما يمسخه بما لا يراه فيه أو بما يخيل إليه فيه. وأذكر أن أول نص ترجمته لنيتشه في سبعينات القرن الماضي نظرية وظائف التاريخ الثلاث :المتحفي والمعلمي والنقدي وهو يفيها حقها بالعدل ولا يبخس أيا منها. وكلما قرأت لقراء التاريخ بالبتر أو بالتضخيم تذكرت قولة هيجل تعريضا بشلنج في فاتحة ظاهراتية الروح\" :كل الأبقار تصبح دكناء عند غروب الشمس\". فغروب الشمس يحول دون نفاذ الحكم إدراكا للفروق الحاسمة :فعبارة ابن خلدون \"للاستخلاف الذي خلق له\" لا يمكن تفسيرها بالتقية لنسبة المادية الجدلية له في حي أنها تتنافى تماما مع ما ينفيه بالقصد الصريح أعني القول بنظرية المعرفة المطابقة أي برد الوجود إلى الإدراك. التلوث الناتج عن العقد الانثروبولوجيا الخلدونية فلسفية دينية في آن دون شك وليست تقية كما يزعم البعض عندما يفسرون كثرة الشواهد القرآنية حيلة لتمرير ماديته الجدلية المزعومة .وهذا هو ما سميته التلوث الناتج عن رد فعل المهزوم الذي يقيم ذاته بما يتصور أنه ممكنه من الندية مع غيره بشرط أن تكون ذات قيمة عند غيره. فهذا من \"آليات الدفاع النفسي\" التي تثبت الهزيمة ولا تخلص منها لأنك تصل إلى الموقف التالي :لن ترى قيمة في تراثك إلا ما يعتبره غيرك قيمة. والنتيجة أنك تشرع في تهديم الباقي فتكون أنت معول تهديم ذاتك بمعيار حدده عدوك :وأفضل دليل هو ما يتصوره العلمانيون والليبراليون العرب فكرا. والكاريكاتور التام من هذا النوع من الفكر هو البليهي أو القمني أو كل الذين أصبحوا يدعون النقد الديني من أجل الإصلاح ليس بمعيار ذاتي أو أجنبي. والآن نمر إلى الدليلي القاطعي مع خطابي على أن ما يحول دوننا وفهم التوالج والتشاجن الأحيازي في الذات البشرية بما هي فرد هو هذا التلوث. مثال أول من التلوث :بنية النفس مثال ذلك :سخافة قيس نظرية النفس القرآنية بنظرية النفس الفرويدية. أبو يعرب المرزوقي 33 الأسماء والبيان
-- وطبعا فهذا مثال من التلوث الناتج عما يزعم من إعجاز علمي .فلكأن القرآن يزدادا شرفا ورفعة إذا سبق فرويد .كل من يعمد إلى هذا الفكر لا يؤمن بأن القرآن نص إلهي إذا هو يقيسه بنص معلوم المصدر الإنساني. فأولا نظرية فرويد ليست علمية بل هي فرضية تجاوزها علم النفس .وثانيا حتى لو كانت علمية فإن ما يتكلم عليه القرآن لا علاقة له بنظرية فرويد. وسأبي الفرق الجوهري .لكن قبل الكلام عليه فلأذكر المثال الثاني :فبعد وحدة الفرد الإنساني النفسية (علم النفس) سنتكلم على وحدة مناظره في التشاجن أي ذات الله (علم الكلام). ********** لم أر أكثر سطحية من الظن أن عقيدة \"النفس الأمارة واللوامة والمطمئنة\" مناظرة لفرضية\" الهو والأنا الأعلى والأنا\" الفرودية .وهي ناتجة عن مشكل التلوث الناتج عن عقد النقص لدى الكثير ممن يزعمون الدفاع عن الإسلام. فلا يحتاج أي إنسان مهما كان بليدا لفطنة خارقة حتى يرى أن عقيدة النفس وأحوالها تتعلق بصفات لكائن واحد (النفس) هي أحوال مر بها وليست فرضية حول سلط يتصورها فرود دون أن يحدد طبائعها ولا علل الفروق بينها. وهذه الأحوال هي عينها التشاجن مع الأحياز :فالنفس الأمارة حال تشاجنها مع الاستعمار في الأرض .والنفس اللوامة حال تشاجنها مع الاستخلاف فيها .والنفس المطمئنة حال تشاجنها مع الله أو حال رؤية برهان الرب. وإذن فالقرآن حدد طبيعة هذه الأحوال من خلال تحديد منزلة الإنسان في الأحياز الخمسة ولم يميز بي نفوس أو عناصر النفس. والوسيط بي الإنسان ومنزلتيه هما ثمرة المكان (العملة رمز الثروة) وثمرة الزمان (الكلمة رمز التراث) .فحال النفس الأمارة ذات صلة بثمرة المكان أي بالثروة ومغريات أبو يعرب المرزوقي 34 الأسماء والبيان
-- الدنيا المتصلة بها .وحال النفس اللوامة ذات صلة بثمرة الزمان أي بقيم التراث وكوابح الإخلاد إلى الأرض. والكوابح ليست مختلفة عن المغريات بخلاف ما في نظرية الأنا الأعلى بل هي ايضا فطرية وذاتية للنفس البشرية وليست أجنبية ترد عليها من خارجها .فالتربية تربي الموجود فيها ولا تنتجه. وحال النفس المطمئنة ليست سلطان الأنا الذي لا نعلم ما طبيعته عدى الزعم بأنه توازن بي مبدأ الواقع ومبدأ اللذة بل هي رؤية برهان الرب (يوسف) .وهي جوهر الإيمان المحرر من الحال المرضية. وبذلك فلأحوال التي تمر بها النفس التي هي واحدة خمس وليست ثلاثا: .1حال الأمارة .2وحال اللوامة .3وحال المناوسية بينهما بالتساوق وليس بالتوالي. .4وحال الهروب بالهذيان التخديري أو بالهذيان الدفاعي في المرض النفسي. .5والحال التي تسمى النفس المطمئنة هي الحال التي تتحقق لما يتمكن الإنسان من اعتبار هذه الاحوال هي عي النضوج الروحي. وبهذا المعنى يمكن اعتبار القرآن شفاء للنفس البشرية وليس بمعنى تخريف الراقي الذي يتجاهل ما يأمربه القرآن نفسه :فهو شفاء بالتدبر وليس بمجرد قراءة الدجالي. وللتخدير شكلان: • شكل الانغماس في الملهيات ومنها خاصة اللامتناهي الزائف أو مرض الجري وراء الثروة والسلطة (وهم السيادة) • أو شكل الانغماس في التخدير المادي الذي يحقق الغيبوبة القصدية التي تتحول إلى إدمان (حقيقة العبودية). أبو يعرب المرزوقي 35 الأسماء والبيان
-- وإذن فشتان بي فرضية فرويد التي هي رؤية مادية صرفة (رغم التناقض في مفهوم النفس مجهول الطبيعة) بينها وبي عقيدة دينية تجعل الوجود مشدودا لما ورائه .والغفلة عن هذا العنصر الثري دليل غباء ناتج عن عقدة نقص من لا يرى قيمة في فكره إلا ما يعده غيره ذا قيمة .وذلك هو التلوث العام الذي يمثله فكر نقاد التراث له أو عليه. ********** مثال ثان من علم الكلام فلنذهب الآن إلى علم الكلام .ما الشيء الذي يسمونه علم الكلام الجديد أو الكاريكاتور من الثيولوجيا المسيحية؟ وهذا من توابع زعم لاعتزال عقلانية .ولأجمل فيم يتمثل التلوث :تعطيل الذات الإلهية بدعوى الحرب على الحشوية في الكلام القديم يصبح في الكلام الحديث نسبة تلك الصفات إلى الإنسان المزعوم عقلانيا. مسيحيا قد أفهمها :فهم يرون أن المسيح ابن الله .المسيح يحل في المسيحي فيصبح مثله أو بصورة أدق هو يحل في السلطة الروحية التي تمثله أي في الكنيسة .وإذن فالكلام الجديد مسيحية متنكرة .وليس صدفة أنه دخل إلى المسلمي عن طريق التشيع أساسا. والكلام الجديد هو إذن قلب للاعتزال :ما نفي عن الله من صفات في التعطيل ينسب إلى الإنسان .لكن المشكل أن الاعتزال هو أدنى فرق الكلام عقلانية .ولو لم يكن إلحادا ذات تقية يدعي تأويل القرآن بالنقيض التام لكل دلالاته (باطنية) لكان قابلا للوصف بأنه ينتسب إلى العقلانية الساذجة التي كانت تتصور الوجود شفافا والعقل نفاذا. فدعوى رد المنقول إلى المعقول ممتنع من دون نفي الغيب ورده إلى الغائب الذي يقاس على الشاهد .لكن الغيب ليس الغائب بل هو ما لا يقاس على الشاهد .أما الغائب فمؤقت ويقبل أن يصبح شاهدا. العقلانية الساذجة مفهومة لأن صاحبها لا ينطلق من دين صريح الإثبات للغيب بل ينطلق من فكرة عامية تقول بنظرية الحقيقة المطابقة :رد الوجود إلى الإدراك. أبو يعرب المرزوقي 36 الأسماء والبيان
-- القرآن صريح الكلام على نسبة الأحياز لله مكانا وثمرة وزمانا وثمرة ومرجعية .وكلها أحياز مما لاعي رات ولا أذن سمعت ولا خطر على بال بشر :ليس كمثله شيء ذاته وصفاته التي هي عي علاقاته بالأحياز. وهذه الدعوى مرة أخرى هي ما بنفيه تمكن ابن خلدون من دحض الكلام الاعتزالي والميتافيزيقا .وهذه عقلانية ساذجة .وذلك تقية إلحادية لأن الله المعطل عدم فضلا عن كونه يخفي نفي الغيب. وفي الحقيقة فإن سخف نفي هذه الأحياز عن الله يضمر أن أصحابه يعرفون حقيقة المكان والزمان وثمرتهما ومرجعيتهما حتى في الطبيعة فضلا عنها وراءها .وكل ذلك يبي أمرين بخصوص فكر ابن تيمية :أولا فهم القصد العميق من الكلام وقدم الفهم الجدير بما يبدو حشوية برده إلى أسلوب تبليغ بآليات التناظر الذي يبي النسب ويبقى على فارق الطبيعة بي العالمي الدنيوي والاخروي. وكل الأوهام الكلامية علتها تعريف المتكلمي للمادة التي يدعون تنزيه الله عنها .فهم سجناء التعريف الأفلاطوني الأرسطي اي ما يقابل الصورة (الخير) من حيث عدم التحدد ومن حيث كونها لذلك علة الشر في الوجود .مفهوم المادة والمدد .لكن المادة في القرآن ليست كذلك :فهي اسم \"المدد\" عامة وعي الجوهر خاصة سواء تعي مفعوله في الإرادة أو في العقل أو القدرة أو في الحياة أو في الوجود .ليست مجرد الطينة. والمدد هو عي العلاقة بالأحياز :فالمدد مكاني وهو ثمرة المكان والمدد زماني وهو ثمرة الزمان والمدد مرجعي وهو ثمرة المرجعية أي المدد المطلق الذي به يمكن فهم معنى ما في الفاني من باق .فكوني كفرد-مثلا -أحيا زماني متواليي عضويا مثلا مهما تقاربا وكان الفاصل بينهما حتى واحد من مليار من الثانية وكون ذلك يحصل بتعويض ملايي الخلايا يخرج فيها الميت من الحي ويخرج فيها الحي من الميت هو إحدى معجزات هذا المدد المطلق. أبو يعرب المرزوقي 37 الأسماء والبيان
-- وهذا هو مفهوم الفقر إلى الله الذي خلطه فقهاء التخلف فاعتبروا أن الفقر بمعنى التخلي عن العمل المنتج لتحقيق شروط الاستعمار في الأرض هو المقصود :فانحطت الأمة وصارت متسولة. لكن كوني كفرد استمد من حيزي المكاني ما به أحيا عامة واغتذي خاصة ومن الزمان ما يجعلني حلقة في سلسلة الأجيال عضويا ومن ثمرته حلقة واعية من سلسلة الأجيال رمزيا أيضا معجزة من مدد المكان والزمان. وكون ذلك ليس مجرد أحداث تجري كرها بل إني أعيشها أيضا بوصها مددا يصدر عن الخالق طوعا فذلك هو عي الوعي الديني الذي لا يخلو منه إنسان حتى لو ادعى الألحاد لأنه ينسبه إلى الطبيعة التي يؤلهها بذلك. وأخيرا فالقرآن يعتبر ذلك كله عي الفطرة التي فطر الله الناس عليها وأن الأمر في الغفلة عنها هو الذي يقتضي وجود الرسالات التي لا تتحقق إلا بتبي الرشد من الغي: فيكتمل الدين في وعي كل فرد اكتماله الكوني الذي هو عند الله الإسلام. ولما كان الإسلام خاتما فينبغي أن يظل قائما إلى يوم الدين .وقيامه يعني أن له دولة لا يمكن أن تزول لأنها شرط الشهادة على العالمي ومثابة كل البشرية التي لن يصلح أمرها إلا القرآن. أبو يعرب المرزوقي 38 الأسماء والبيان
-- ولنعد الآن إلى بحثنا فنواصل الكلام على الأحياز الخمسة وما يترتب عليها في رؤى العالم المؤسسة على التحريفي الديني والفلسفي ورؤيته التي تحرر الإنسانية منهما فتوحد الإنسانية حول مفهوم الاخوة الإنسانية (النساء )1والتعارف بي البشر والمساواة بينهم تجاوزا لكل الفروق لئلا يكون التفاضل بينهم مبينا على غير التقوى أو احترام القيم التي تشد سياسة عالم الشهادة إلى قيم عالم الغيب (الحجرات .)13 فـموضوعنا في هذا الفصل الرابع من التأملات هو التناظر بي المستوى الثاني والرابع من التعي التاريخي للإنسان وللإنسانية أي التناظر بي الجماعة والعالم بعد كلامنا في الفصل الثالث على التناظر بي الفرد الإنساني والله أصل الكل: فكل جماعة مهما كانت صغيرة متحيزة في مكان محدود وفي ثمرته وفي زمان محدود وفي ثمرته ولها مرجعية محددة تضفي المعنى على هذه التحيزات لتضفي معنى على تحيزها في الأحياز الأربعة الأولى لكيان الجماعة المتطور على الأقل بي الحدين اللذين يحددان بداية التحيز وغايته وبنى عليهما ابن خلدون مستويي علمه أعني العمران البشري والاجتماع الإنساني :البداية البدوية والغاية الحضرية. والتوالج والتشاجن بي هذه الأبعاد يحدد نسبة أحيازها إلى أحياز العالم بوصفه الكل المحيط بها إذ إن مكانه وثمرته يتحددان بحصة الجماعة منهما وزمانه وثمرته بحصتها منهما ومرجعيته بحصتها من ضروب إضفاء المعنى على التحيز سواء جاء بعبارة دينية أو بعبارة فلسفية إذ إن العبارتي متداخلتان وتتراضعان كل منهما ترضع الاخرى وترضعها. فالجماعة تتحيز في مكانها وثمرته وفي زمانها وثمرته وفي مرجعيتها تحيزا مدركا لهذه العلاقة بأحياز كلية متجاوزة لأحيازها ومحيطة بها فعلا وتخيلا وذلك هو معي رؤيتها للعالم والوجود المحيطة بكل إنتاجها وإبداعها المحقق لإرادتها ومعرفتها وقدرتها وحياتها ووجودها .والإدراك الفعلي لما يتجاوز أحيازها رغم كونه ليس إدراكا مطلقا لما يحيط بهذه الأحياز من خارجها ليس إدراكا لخلاء بل هو إدراك لحدود وتخوم دون فيميز بي ما يمكن أبو يعرب المرزوقي 39 الأسماء والبيان
-- تجاوزه وذلك للزيادة في حصته من المكان والزمان ليزيد في حصته من ثمرتهما وبي ما لا يمكن أن يتجاوزه عندما يطلق بخياله هذه التجاوز الاول الذي هو مجال التنافس بي الشعوب إلى مجال يتجاوز الإنسانية وما تدركه بوصفه العوالم الممكنة واللامتناهي الوجودي الذي هو مصدر السؤال الوجودي دينيا وفلسفيا. وبذلك يصبح المكان وثمرته والزمان وثمرته والمرجعية أو الحيز المؤسس ومضفي المعنى ليس مجرد فضاء تنزل فيه الجماعة بل هو مجالات حيوية لقوى تتصارع عليها .ولو كان الصراع على المكان والزمان متعلقا بهما وحدهما لكان صراعا طبيعيا خالصا من جنس استحالة حلول جوهرين في نفس المكان ونفس الزمان بمقتضى مبدأ التمانع في ـأدلة وجود الإلهي .وفي تلك الحالة لا يكون للصراع إلا دلالة فيزيائية هي تصادم الأجرام والقوى وليس لها دلالة تحددها المرجعية التي هي الحيز الأخير. فما الدور الذي تؤديه المرجعية؟ دور المرجعية ينقلنا من صراع الأجوار الفيزيائي (تصادم الأجرام) إلى صراعهم التاريخي الطبيعي (صراع الكائنات الحية) بسبب إضافة الصراع إلى ثمرة المكان .ولو اقتصر الصراع في الجماعات أو بينها على هذه لظللنا في التاريخ الطبيعي ولما انتقلنا إلى التاريخ الحضاري .فالصراع على ثمرة الزمان هو الذي يحقق هذه النقلة الثانية مما يعود إلى دوافع عضوية إلى ما يعود إلى دوافع قيمية وحضارية بعد النقلة الأولى من الفيزيائي إلى الحيوي. وثمرة الزمان هي التي تنقل الإنسان من الزمان الطبيعي المثلث-حاضر وما قبله (الماضي) وما بعده (المستقبل)-إلى الزمان المخمس بإضافة حديث الماضي حول حدثه الحاصل وحديث المستقبل حول حدثه المتوقع .وعندئذ تصبح ثمرة المكان هي بدورها مـخمسة الأبعاد: .1سد الحاجة العضوية. .2ماضي حدث سدها. .3وحديث ماضي سدها. أبو يعرب المرزوقي 40 الأسماء والبيان
-- .4وحديث مستقبلها. .5حاضر السد بي الأولي والثانيي. مثال ذلك في تاريخ الأمة هو ما يعيشه المسلم عندما يستعرض في حاضره كيف كانت الأمة تعيش قبل الإسلام في حديثه عنه وكيف تنوي العيش في المستقبل وما تعمل لتحقيق ذلك وكل ذلك في قراءة تاريخ علاقته بسد الحاجات .فيصبح لثمرة المكان ما يشبه الزمان الـحضاري بدل الزمان الطبيعي للعلاقة بالطبيعة أعني خاصة الملكية بما هي رصيد الثروة الذي له حدث ماض وحكاية لهذا الحدث وله حديث مستقبلي يحكي ما ينوي فعله على الاقل للحفاظ على ذلك الزاد الذي هو عي كيان الإنسان بمنظور الممكن .فـملكية الثروة (ما+له) بالنسبة إلى انتقال المكان من الطبيعي إلى الحضاري تناظر وجودية التراث (ما+هو) بالنسبة إلى الانتقال من الزمان الطبيعي إلى الزمان الحضاري .والانتقال الأول هو مفهوم \"ما+له\" رمز القدرة .والانتقال الثاني هو مفهوم \"ما+هو\" رمز الوجود .فتصبح الجماعة بقسطها من المكان والزمان تتحدد بما لها وبما هي .وهي قوى \"حضارية\" متجاورة ومتنافسة داخل نفس الجماعة وبي الجماعات .وهذه القوى الحضارية المتجاورة والمتنافسة في الجماعة وبي الجماعات تمثل منظومة مجالات قوى فوق مجالات القوى الطبيعية وهي جامعة بي الحيوي والثقافي. وإذن فالتنافس على \"ما+له\" وعلى \"ما+هو\" يجعل العالم بما هو مكان وثمرته وبما هو زمان وثمرته وبمرجعية مفترضه لها بوصفها مجالا .1فيزيائيا .2وتاريخيا طبيعيا .3وتاريخيا حضاريا مع .4حصيلتها .5وعللها. أبو يعرب المرزوقي 41 الأسماء والبيان
-- وتلك هي علل تعقيد التاريخ الإنساني الذي لا يكاد يقبل الصوغ العلمي والذي كما سنرى هو لغز الألغاز عندما نصل إلى قلب المستويات أي \"الإنسانية\" التي تصل المستويي المتقدمي عليها بالمستويي المواليي لها. ذلك ما نريد السعي إلى فهمه من خلال تحليل تناظر توالج الأحياز وتشاجنها في الجماعة وفي العالم والمقارنة بي آلياتهما داخل نفس الجماعة ثم بي الجماعات بعد أن درسنا التناظر بي أحياز الفرد وأحياز الله .فإذا أدركنا هذه القضية أمكننا أن نفهم حقيقة الثورة الخلدونية التي أهملها الباحثي عن ماركس (المادية الجدلية) وكونت (علم الاجتماع) في ثورته من موقف عقدة النقص بدل فهمها كما هي وبما به تتجاوز هذين الرجلي على عظمتهما. فكما يبي عنوان المقدمة -علم العمران البشري والاجتماع الإنساني-فإن المسألة ذات صلة بمخمسه البديع: .1العمران. .2والاجتماع. .3والبشرية. .4والإنسانية. .5ومرجعية علاقة التاريخ الطبيعي بالتاريخ الحضاري. وتلك هي حبكة المقدمة وسداها .وهذه المرجعية هي في آن انثروبولوجية وثيولوجية أي إنها علاقة فلسفة التاريخ بفلسفة الدين كما بينا من خلال دراسة تناظر توالج الأحياز وتشاجها في العلاقة بي الفرد الإنساني وأحياز الله .وليرجع القارئ إلى ترجمة ابن خلدون الذاتية (التعريف بابن خلدون ورحلته غربا وشرقا) .ففيها عرض للنموذج الفيزيائي لنظرية العصبية قيسا لها بالأمواج الحاصلة من رمي الحصى في بركة ماء .وابن خلدون لم يقل شيئا عن رامي الحصى من يكون. أبو يعرب المرزوقي 42 الأسماء والبيان
-- وكل فلسفة التاريخ الخلدونية مبنية على التوالج والتشاجن بي الأحياز من خلال الصراع على المكان وثمرته والزمان وثمرته والمرجعيات مضفية المعنى في مستوى الصراع بقانون الفيزياء وبقانون التاريخ الطبيعي وبقانون التاريخ الحضاري والحصيلة والتعليل. وما هو ثوري في العلاج الخلدوني هو تجاوز المقابلة بي داخل الجماعة وخارجها واعتبار هذه الصراعات كونية قوانيها في الجماعة الواحدة هي عينها قوانينه بي الجماعات. وبعبارة وجيزة تعبر عن غاية ذلك كله في دراسة الإنسانية يمكن القول إن السياسة دولية بالجوهر لأن الداخل والخارج لهما نفس القواني والجماعات محكومة بنفس التنافس على المكان والزمان وثمرتيهما ومرجعياتها أربعتها .والصراع على المكان بمفرده فيزيائي وعلى الزمان بمفرده تاريخي طبيعي (بايولوجي) بسبب ثمرة المكان .والصراع على ثمرة الزمان تاريخي حضاري فتحصل المرجعية التي تعود على الصراعات المتقدمة لتضفي عليها المعنى الحضاري حيث يصبح الرمز هو الأفعل. وعندئذ يصبح كل صراع مبررا بالمرجعية ومعللا تعليلا مزدوجا موضوعي وذاتي رغم أنه متعلق بثمرة المكان وثمرة الزمان .وكلما تقدمت الإنسانية أصبح دور الرمز أفعل بخلاف الظن بأن الجماعات البدائية أكثر غرقا في الرمزيات .والعلة هي تطور الرموز بتطور فهم أسرار الظاهرات .ولذلك فغاية الحروب بي البشر ينبغي أن تكون صدام الحضارات حتما وبأدوات للرمز فيها الدول الأول .فالصدام الذي نعيشه الآن صدام حضارات مداره :هل نقنع باستعمار الإنسان في الأرض بمنطق قانون القوة والتناكر (العولمة العلمانية) أم إنه لا بد من الاستخلاف فيها بمنطق قوة القانون والتعارف (العولمة الإسلامية)؟ إن تجاوز الفصل بي الداخل والخارج وتوحيد مجال الصراع في العالم من حيث هو تقابل بي مجالات حيوية فيزيائية وتاريخية طبيعية وتاريخية حضارية حصيلة وتعليلا في الجماعة وبي الجماعات يهدم ما بعد الحداثة .فجوهرتها للمرجعيات الحضارية واعتبارها أحيازا أبو يعرب المرزوقي 43 الأسماء والبيان
-- منغلقة وغير قابلة للترجمة المتبادلة ومن ثم نفي التعارف والاقتصار على التناكر يكذبه تعينها في موضوعاتها التي هي مدار عبارتها الرمزية عنها. فأولا لو كانت الحضارات أرخبيل جزره ليس بينها جسور لاستحال أن تتصادم لأنها تكون عديمة العلاقة بعضها بالبعض ولما كانت أغراض الصدام واحدة من حيث الطبيعة والوظيفة فيها جميعا أي الأحياز كيانا وثمرة ومرجعية. فالمرجعيات هي روح كل حضارة .فهي تتعلق برهانات الإرادة (السياسة) والعقل (المعرفة) والقدرة (الاقتصاد) والحياة (الفنون) والوجود (رؤى العالم) وهي صيغ رمزية ومؤسسية تعبر عن صراع المكان والزمان وثمرتيهما ومطابقتها لدلالاتها في المرجعية التي تؤولها وتعللها. ومعنى ذلك أن الصراع على المكان و\"ما+له\" وعلى الزمان و\"ما+هو\" في نفس الجماعة وبي الجماعات واحد والمرجعيات ليست إلا ترجمته المؤولة والمعللة .نفس الجماعة مؤلفة من جماعات دنيا بنفس العلة. وهذه العلة مصدرها إما استعمار الإنسان في الأرض بقانون التاريخ الطبيعي في الداخل والخارج حصرا فيه (العولمة) أو تجاوزه بقانون التاريخ الخلقي إلى الاستخلاف فيها وتلك هي الثورة التي تنبني عليها الرؤية الإسلامية التي تهدف إلى توحيد البشرية ونقلها من الصراع على الاحياز إلى فتح الحدود بإطلاق واعتبار المعمورة دولة واحدة ليس بي أهلها حدود بل هي خاضعة لمنطق الآية الاولى من النساء والآية الثالثة عشرة من الحجرات. وهذه هي الغاية المشتركة بي الدين والفلسفة إذا تحررا من التحريف نتيجة لعدم وصول المرجعية إلى التاريخ الخلقي قبل الإسلام أو لنكوصها إلى التاريخ الطبيعي بعد الهيجلية (صراع أرواح الشعوب) والماركسية (صراع طبقات المجتمعات) .فالجماعات المتخارجة (الأمم) أو الجماعات المتداخلة (في نفس الأمة) تمثل أدوات استراتيجية في الصراع على المكان والزمان وثمرتيها وعلى المرجعية التي هي تأويل وتعليل لتلك الصراعات لها (تناكر) أو عليها (تعارف). أبو يعرب المرزوقي 44 الأسماء والبيان
-- ويبدو أن نوعي تكوّن الجماعات متناقضان تناقض التقسيم والتوحيد .لكنهما في الحقيقة يعبران عن النفس الحقيقة التي يخفيها فرق الأحياز الإضافية .فما يحصل من انقسام بي الجماعات يحصل في كل جماعة .وكذلك التوحيد ما يعني أن كل جماعة حلف ضد أحلاف. فتك ّون الجماعات الكبرى المتخارجة بالإضافة إلى العالم ككل مناظرة تماما لتك ّون الجماعات الصغرى المتداخلة بالإضافة إلى عالم الجماعة الواحدة .والغرض واحد في الحالتي. فالمطلوب هو حماية الحصة من المكان ومن ثمرته ومن الزمان ومن ثمرته وقراءة المرجعية الواحدة في الحالتي الجامعة لكل الإنسانية والجامعة لكل جماعة منها :معنى العلاقة بالأحياز والعلاقة بالأجوار المنافسي عليها. لذلك فالصراع في نفس الدين (النحل) هو عينه الصراع بي الأديان (الملل) ولعله أحيانا أعنف والصراع في نفس الفلسفة (القراءات) هو نفسه الصراع بي الفلسفات (المدارس) ولعله أحيانا أعنف .لكن ذلك لا يبرز للعي التي لم تعتد الوصل بي التجريد المفهومي والتعيي الوجودي فتتصور المفهومي الديني والمفهومي الفلسفي قابلي للفصل عما يجري في العيني ماصدقا للمفهوم. فالتجريد الديني بالأسلوب الأمثولي الديني والتجريد الفلسفي بالأسلوب المثالي بالنسبة إلى من يدرك حقيقة العلاقة بي المفهوم والماصدق فلسفيا وبي المثال والممثول دينيا هما تأسيس وتفسير للأحياز وما بينها من توالج وتشاجن .فهما تأسيس لـدور الأحياز ولتوالجها ولتشاجنها وهما في آن تأويل وتفسير لما يجري فيهما بتحديد معاني وجود الإنسان من خلال \"ما+له\" و\"ما+هو\"وعلاقة \"من+هو\"ـاه النسبي بـ\"من+هو\" الله المطلق. وكل الذين لا يفهمون هذه المعادلة يكون موقفهم من جنس مواقف أصحاب الكاريكاتور الفكري من علمانيي العرب وليبرالييهم الذين لا يتجاوز فهمهم لمعضلات الوجود تفاهات الصحافة العامية .فإذا صيغت هذه المعادلة بأسلوب القص وضرب الأمثال كانت علاجا دينيا أو مرجعية دينية وإذا كانت بأسلوب الأكسمة وصوغ المُثل كانت علاجا فلسفيا أو مرجعية أبو يعرب المرزوقي 45 الأسماء والبيان
-- فلسفية .والمضمون واحد .وفضل القرآن أنه يجمع بي الأسلوبي .ومن ثم فهو يقدم العلاجي لنفس المضمون :بالأسلوب الأمثولي (القص) وبالأسلوب المثالي (الأكسمة). وتلك هي علة محاولاتي لبيان أن الدين والفلسفة الطالبي للحقيقة فعلا لا يمكن أن يختلفا إلا بالأسلوب وهو موقف قد يبدو هيجليا لكنه في الحقيقة يخالفه تمام المخالفة لأن الامر لا يتعلق بالغاية فسحب كما يرى هيجل بل حتى بالتناظر بي طرق البلوغ إليه واساليب التعبير عنه بضربي الترميز الأمثولي والمثالي أو القصصي والأكسيومي. فليست الغاية هي الواحدة وحدها بل كذلك الحلول لما يعترض الإنسان في سعيه لتحقيقها الغاية وخاصة في القرآن الكريم الذي يدرس التحريف الديني في التحريف السياسي مطبقا على الأول قواني الثاني بمعنى أن فساد الاستخلاف (ديني) يتجلى في فساد الاستعمار في الأرض (فلسفي) وإذن ففلسفة الدين متناظرة مع فلسفة التاريخ لكأن الأول هو النظرية والثاني هو التجربة .فالجلي في التفسير الذي شرعت في كتابته ونشرت منه ثلاثة أجزاء منطلقه التسليم بهذا الفهم وغايته بيانه. ولكن لا يمكن بيانه من دون قراءة عميقة لفلسفة تاريخ الفلسفات ولفلسفة تاريخ الأديان ترجمة وتأليفا .وهو خصصت له الكثير من وقتي .واسم علم ابن خلدون ليس وليد الصدفة .فهو استعمل مفهومي أحدهما أميل إلى التاريخ الطبيعي (العمران) والثاني إلى التاريخ الحضاري (الاجتماع) .ونسبة العمران إلى البشرية ونسبة الاجتماع إلى الإنسانية كذلك ليستا نسبتي بالصدفة .ذلك أن الآليات التي تفسر التاريخ الطبيعي وتؤول التاريخ الحضاري تشمل الجنس الإنساني كله بلا تمييز .و العمران البشري يتعلق بالإنسان من حيث هو مستعمر في الأرض وبشرطيه المتعامدين: العلاقة بالمكان وثمرته لسد الحاجات المادية والعلاقة بالزمان وثمرته لسد الحاجات الروحية .ولذلك كان الباب الأول من المقدمة متعلقا بالبيئة الطبيعية والمناخ المادي وبالبيئة الثقافية والمناخ الرمزي شرطي العمران والاجتماع الإنساني .والمعلوم أن الباب الأول من المقدمة (الشرط الطبيعي والرمزي الفطري) يعدل تقريبا الباب الأخير أبو يعرب المرزوقي 46 الأسماء والبيان
Search
Read the Text Version
- 1
- 2
- 3
- 4
- 5
- 6
- 7
- 8
- 9
- 10
- 11
- 12
- 13
- 14
- 15
- 16
- 17
- 18
- 19
- 20
- 21
- 22
- 23
- 24
- 25
- 26
- 27
- 28
- 29
- 30
- 31
- 32
- 33
- 34
- 35
- 36
- 37
- 38
- 39
- 40
- 41
- 42
- 43
- 44
- 45
- 46
- 47
- 48
- 49
- 50
- 51
- 52
- 53
- 54
- 55
- 56
- 57
- 58
- 59
- 60
- 61
- 62
- 63
- 64
- 65
- 66
- 67
- 68
- 69
- 70
- 71
- 72
- 73
- 74
- 75
- 76
- 77
- 78
- 79
- 80
- 81
- 82
- 83
- 84
- 85
- 86
- 87
- 88
- 89
- 90
- 91
- 92
- 93
- 94
- 95
- 96
- 97
- 98
- 99
- 100
- 101
- 102
- 103
- 104