Important Announcement
PubHTML5 Scheduled Server Maintenance on (GMT) Sunday, June 26th, 2:00 am - 8:00 am.
PubHTML5 site will be inoperative during the times indicated!

Home Explore قانون التساخر بين السخرية والتسخير السياسيين- القسم الثاني – أبو يعرب المرزوقي

قانون التساخر بين السخرية والتسخير السياسيين- القسم الثاني – أبو يعرب المرزوقي

Published by أبو يعرب المرزوقي, 2022-08-22 22:22:52

Description: قانون التساخر بين السخرية والتسخير السياسيين- القسم الثاني – أبو يعرب المرزوقي

Search

Read the Text Version

‫‪--‬‬ ‫‪-‬الفصل السادس ‪-‬‬ ‫فلنركز الآن على التجهيز الأداتي بفرعيه المحققين لما يتميز به الإنسان أي الجهاز‬ ‫المعرفي الذي هو قدرة الإنسان على إدراك قوانين الأشياء والعبارة عنها بالإصابة‬ ‫والخطأ وما بينهما من درجات والجهاز القيمي الذي هو قدرة الإنسان على‬ ‫إرادة قيم الأشياء والمفاضلة بينها بالمرغوب فيه والمرغوب عنه وما بينهما من‬ ‫درجات‪.‬‬ ‫فالبيان معرفيا هو الدليل على اجتهاد الإنسان الإدراكي الذي يعبر عما يطلبه‬ ‫من الحقيقة بمداركه الحسية والعقلية وما يتلقاه من غيره من سلف الباحثين في‬ ‫المجال واللاحقين‪.‬‬ ‫والاختيار خلقيا هو الدليل على جهاد الإنسان القيمي الذي يعبر عما يطلبه‬ ‫من الفضيلة بإرادته العفو ية والقصدية وما يتلقاه من غيره من سلف المجاهدين‬ ‫في المجال واللاحقين‪.‬‬ ‫ل كن التجهيز بفرعيه وإن كان قيامه متعينا في الأفراد فقدرته الذاتية لا يتقوم‬ ‫بها من حيث هو فرد بمقتضى الفردية بل هو يستمدها من ضربين من فاعلية‬ ‫الجماعة الإنسانية‪:‬‬ ‫‪47‬‬

‫‪--‬‬ ‫الأولى متوالية هندسية متقدمة عليه وهي متوالية هندسية تخضع لها الزوجية‬ ‫البيولوجية‪ :‬فكل فرد لا بد من فردين قبله ينتجانه عضو يا‪ .‬وكل واحد منهما‬ ‫يخضع لنس القانون فتكون المتوالية سابقة على كل فرد ولا يتواصل النوع عضو يا‬ ‫إلى بها‪.‬‬ ‫الثانية متوالية يعسر تحديد طبيعتها ل كنها تجري في إطار الأولى وإن بصورة‬ ‫ليست محددة بدقة الأولى لأن الزوجية فيها ليست لصيقة بالفاعلية العضو ية بل‬ ‫بالفاعلية الرمزية وهي متوالية اكتساب طرق استعمال الجهازين بعد الموروث‬ ‫الفطري‪.‬‬ ‫وكلتا المتواليتين تتضمنان فاعلية الكل في الفرد ومن ثم فهي أكثر من هندسية‬ ‫في العمق رغم كونها كذلك في الظاهر والفاعلية المباشرة‪ .‬فإنتاج الفرد يتطلب‬ ‫الزوجين في الحالتين‪-‬الاب والام عضو يا وروحيا في التعليم والتنشئة في الطفولة‬ ‫الأولى‪ -‬ل كنه بالتوالي الذي فيه يقتضي أن الوراثة البيولوجيةكل المتوالية‬ ‫والنوع الثاني يرى بالعين المجردة على الأقل في تعلم اللغة والتعايش وهو الوراثة‬ ‫الرمزية أو الثقافية التي تجعل كل فرد مدينا لكل السابقين في أي مجال يختص‬ ‫فيه ليسهم في التساخر قسمة للعمل سواء كان ماديا أو روحيا في أي جماعة‬ ‫دون تمييز بين الأعراق والثقافات والجنس‪.‬‬ ‫‪48‬‬

‫‪--‬‬ ‫فتكون الجماعة ليست مقصورة على الأحياء حتى عضو يا لأن حضور الأجيال‬ ‫السابقة موجود في الموروث العضوي والموروث الثقافي في جماعة معينة وبين‬ ‫الجماعات المتوالية ومتبادلة التأثير سلما أو حربا بحيث إن الغزو المتبادل والسبي‬ ‫والهجرة وكل انتقال للبشر يسهم في هذه العملية بقصد أو بغير قصد‪.‬‬ ‫و يكون فعل الجهازين إيجابيا عند الوصل بين الاستعمار في الأرض‬ ‫والاستخلاف فيها وسلبيا عند الفصل بينهما بحيث إن التواصل بين الاجتهاد‬ ‫والجهاد هو الدليل على التوفيق والتفاصل بينهما هو الدليل على عدمه‪ .‬والتواصل‬ ‫يكون على للتوفيق لأنه بمعنييه التواصل المطلوب لذاته وهو جوهر الأنس بالعشير‬ ‫وتلك هي قيمته الأسمى التي تناظر قيمة التبادل الاقتصادي في ما يتجاوز سد‬ ‫الحاجات وهو في آن أساس التبادل بمعنييه أي التبادل المطلوب لذاته لتجاوزه‬ ‫سد الحاجات وتلك هي قيمته الأسمى التي تناظر التواصل المطلوب لذاته‪.‬‬ ‫فيكون التواصل في الحالتين هو الغاية المتجاوز للاستعمال الاقتصادي النفعي‬ ‫والثقافي الخادم للاقتصادي النفعي وهو الذي يرفع من قيمتهما عندما يجعلهما‬ ‫مطلوبين لذاتهما وليسا لسد الحاجات العضو ية‪ .‬فتكون القيمة التبادلية لما ينتجه‬ ‫الاقتصاد أرفع من الاستعمالية وتكون القيمة التواصلية لما تنتجه الثقافة ارفع‬ ‫من الاستعمالية‪.‬‬ ‫‪49‬‬

‫‪--‬‬ ‫وجمعهما هو التكامل بين الجهازين ‪-‬جهاز العقل الأداتي فيهما معا وجهاز‬ ‫الإرادة الغائية فيهما معا‪-‬والحصيلة هي ما يتميز بيه الإنسان من الإرادة الحرة‬ ‫التي لا تتأسس من دون تجاوز الاستعمار في الأرض إلى الاستخلاف فيها‪.‬‬ ‫وهي حصيلة تؤسس التبادل بمعنييه أي التبادل المطوب لذاته وهو جوهر‬ ‫الأنس بالعشير وتلك هي قيمته الأسمى التي تناظر قيمة التواصل في الأنس‬ ‫بالعشير وهما وظيفتا الاجتماع الإنساني المميز للإنسان وإنتاج التراث المشروط‬ ‫في كل ما عداه لأنه فعل جهاز طلب الحقيقة المعرفية والقيمة الذوقية‪.‬‬ ‫أما القيمتان الأخر يان فهما قيمتا الاستعمال بالمعنى الاقتصادي وبالمعنى‬ ‫الثقافي المصاحبين لكل أنشطة الإنسان لأنه بشروط القيام العضوي المشترك بين‬ ‫الإنسان والحيوان أعني التواصل الأداتي خلال التبادل الأداتي‪.‬‬ ‫وكلاهما لا تخلو منهما أمة من أمم الكائنات الحية من ادناها إلى اسماها بسبب‬ ‫استحالة عيش أي كائن حي بمفرده إذ لا بد على الأقل من الزوجين اللذين‬ ‫ينجبانه ويحافظان عليه إلى أن يصبح قادرا على العيش في الجماعة بما جهز به من‬ ‫أدوات المشاركة في الإنتاج الضروري لشروط البقاء‪.‬‬ ‫فلا يكون التواصل والتبادل مطلوبين لذاتهما كما هي الحال في كونهما علاقة‬ ‫بين ذاتين ‪-‬كما في علاقة الحب بين الجنسين‪-‬تعبر عن صلة روحية وعاطفية عندما‬ ‫‪50‬‬

‫‪--‬‬ ‫يكونان صادقين وليسا مخادعين بل هما في المستوى الثاني من القيمة أداتان‬ ‫استعماليتان يجعلان التواصل والتبادل أداتين للعمران البشري خلال العمل من‬ ‫أجل انتاج الثروة وسد والحاجات الضرور ية‪.‬‬ ‫وطبعا فهذا البعد موجود عندما يجمع المرء بين الاستعمار في الأرض‬ ‫والاستخلاف فيها‪ .‬ذلك ان الأول شرط الثاني أداتيا والثاني شرط الأول غائيا‪.‬‬ ‫ومعنى ذلك أن من يزعم الدين زهدا في الدنيا إلى الحد الذي يجعله تابعا لغيره‬ ‫في سد حاجاته لا يمكن أن يكون فاهما للقرآن‪:‬‬ ‫فكل الشعائر الدينية في القرآن مشروطة بالتحرر من الحاجات إلى الحد الكافي‬ ‫الذي يحول دون التبعية للغير فيها لأنها هي التي تجعل التابع بالضرورة فاقدا‬ ‫لشروط الحر ية و\"الرئاسة بالطبع بمقتضى الاستخلاف الذي خلق له\"‪ .‬فيصبح‬ ‫له معبود غير ربه‪.‬‬ ‫وبهذا المعنى فهما لا يمكن أن يستغنيا عن شيء من السلطة في التساخر‬ ‫الضروري للتعاون في قسمة العمل والتعاوض الذي قد لا يكون عادلا ويحتاج‬ ‫إلى دور حكم بين المتواصلين والمتبادلين في هذه الحالة الوظيفية التي يكون فيها‬ ‫التبادل والتواصل أداتين وليسا غايتين‪ .‬وتلك هي العلة في جعل التفاضل في‬ ‫‪51‬‬

‫‪--‬‬ ‫الإمكانيات الإبداعية للرزق المادي أو الروحي شرطا في التساخر دون أن يكون‬ ‫ذلك التفاضل تفاضلا في المنزلة الوجودية التي تحددها التقوى‪.‬‬ ‫وللنظر في التراتب بين السمع والبصر من حيث دورهما في مستويي القيمة‬ ‫التي تتعلق بالاستعمار في الأرض والتي تتعلق بالاستخلاف فيها واللتان توجدان‬ ‫كلتاهما في انتاج التراث لقيام الجماعة الروحي وذلك هو دور القيمة التواصلية‬ ‫والتبادلية وفي انتاج الثروة لقيامها المادي وذلك هو دور استعمال التواصل‬ ‫والتبادل أداتين في هذا الإنتاج مستوى وظيفيا لهما في الأفعال التي تقتضي‬ ‫وجود تساخر لا بد فيه من تراتب سلطوي فيه آمر ومأمور وفيه خاصة حاجة‬ ‫إلى حكم في التعاوض وعدم التظالم والعدوان‪.‬‬ ‫ويمكن اعتبار هذا النوع من القيم ذا صلة مباشرة بالبعد السياسي في الجماعات‬ ‫البشر ية ولا بد فيه من سلطة ذات شرعية وشوكة‪ .‬فالشرعية ضرور ية لان‬ ‫الخصومات بحاجة إلى من يعتبر حكما فيكون مستمدا شرعيته من اختيارهما له‬ ‫حكما بينهما ولا بد من الشوكة حتى لا يبقى الحكم الفاصل بين الخصوم حبرا على‬ ‫ورق‪ .‬ومن هنا جاءت عبارة \"فهم لا يرجعون \"‪ :‬لذلك فلا معنى لقضاء لا‬ ‫تنفذ أحكامه‪.‬‬ ‫‪52‬‬

‫‪--‬‬ ‫فهؤلاء الذين لا يرجعون هم أيضا من لا يعقلون فيحتاجون إلى سلطة تفرض‬ ‫عليهم أحكام العقل وضرورة الرجوع وذلك هو جوهر السياسة في المجتمعات‬ ‫البشر ية أي وظائف الحماية التي تتألف من القضاء والأمن داخليا ومن‬ ‫الدبلوماسية والدفاع خارجيا ويجمع بينها أربعتها أصلها أي الاستعلامات التي‬ ‫تراقب مجرى هذه الوظائف الأربع للحماية وهي إذن العقل المدبر للوظائف‬ ‫الحماية‪.‬‬ ‫ل كن وظائف الرعاية التكوينية التي هي التربية المحصلة للتراث والتربية المحصلة‬ ‫للثروة وهي تطبيق للتربية المحصلة للتراث ثم الرعاية التموينية التي هي انتاج التراث‬ ‫أو الثقافة وإنتاج الثروة أو الاقتصاد‬ ‫والثانية تطبيق للأولى علما وذوقا هي التي تتعلق بها الحماية الداخلية لجعل‬ ‫العيش المشترك السلمي ممكنا ذلك أن التنافس بين المنتسبين إلى نفس الجماعة لا‬ ‫تقل حدة عن التنافس بين الجماعات في المعمورة‪.‬‬ ‫ولهذه العلة فإن الوازع الذاتي لا يكفي لتحقيق شروط التعايش السلمي حتى في‬ ‫نفس الأسرة ناهيك عن الجماعةكلها ومن ثم فلا بد من سلطة قضائية وامينة‬ ‫اولاهما تمثل شرعية القانون والثانية شوكته وهما ما يسميه ابن خلدون الوازع‬ ‫الأجنبي أي دور السطلة السياسية‪.‬‬ ‫‪53‬‬

‫‪--‬‬ ‫والحماية الخارجية لمنع العدوان على ثروة الجماعة وتراثها من جماعات أخرى إذ‬ ‫إن البشر يةكلها جماعة واحدة تتنافس على ما في الأرض من ثروات وشروط‬ ‫بقاء والاقو ياء في الغالب يمدون أيديهم لأحياز الضعفاء الخمسة‬ ‫أي حصتهم من جغرافية الأرض ومن تاريخ العمران والاجتماع ومن الثروة‬ ‫والتراث والعدوان على مرجعياتها الروحية والقيمية‪ .‬ومثلما أن الاستعلامات‬ ‫هي أصل الحماية بفروعها الأربعة فإن البحث العلمي هو أصل الرعاية بفروعها‬ ‫الأر بعة‪.‬‬ ‫والاستعلامات تتعلق بما بين البشر من علاقات ل كنها تابعة للبحث العلمي الذي‬ ‫يتجاوز هذه العلاقات إلى ما هو أوسع افقا أي علاقات البشر بال كون كله لأن‬ ‫مطلبه هو العلم بقوانين الطبيعة وبسنن التاريخ طلبا إياها لذاتها حبا في المعرفة‬ ‫وبوصفها من الشروط الأداتية للرعاية وخاصة في أدوات انتاج الثروة ومناهجه‬ ‫والحماية وخاصة في انتاج أدوات الدفاع ومناهجه‪.‬‬ ‫ولا بد هنا من ملاحظة لم يسبق أن نبهت إليها في كلامي على الأصلين أصل‬ ‫الرعاية بمستو ييها المضاعفين أي التربية في المدرسة والتربية في المعمل وإنتاج‬ ‫التراث (الثقافة العلمية والذوقية) وإنتاج الثروة (الاقتصاد المادي والرمزي)‬ ‫‪54‬‬

‫‪--‬‬ ‫وأصل الحماية بمستو ييها الداخلي (القضاء والأمن) والخارجي (الدبلوماسية‬ ‫والدفاع) أي البحث والاعلام العلميين والاستعلام والاعلام السياسيين‪.‬‬ ‫فمستو يا التربية تقاربا إلى الحد الذي جعل الفصل ببين المدرسة والمعمل مضرا‬ ‫بهما كليهما بل ومستحيل إلا في المجتمعات المتخلفة ومستو يا الإنتاج تقاربا إلى‬ ‫الحد الذي جعل الفصل بين الثقافة والاقتصاد مضرا بهما كليهما بل ومستحيل‬ ‫إلا في المجتمعات المتخلفة‪.‬‬ ‫ولا يمكن أن يكون الأول في هذه الحالات الأرض تابعا للثاني فيها كذلك‬ ‫لأن الأول في الحالات الأربعة هو المبدع والثاني هو المطبق للإبداع وقد يكون‬ ‫موحيا له بالأفكار‪.‬‬ ‫ونفس ا لترابط نجده في العلاقة بين الحماية القضائية والحماية الأمنية في الداخل‬ ‫والفصل بينهما وخاصة تغير التراتب بينهما بجعل الثاني متبوعا بدلا من ان يكون‬ ‫تابعا وكذلك بين الحماية الدبلوماسية والدفاعية في الخارج وخاصة تغيير التراتب‬ ‫بينهم بجعل الثاني متبوعا بدلا من أن يكون تابعا‪.‬‬ ‫وأخيرا فالعلاقة بين أصل الرعاية بأبعادها الأربعة وبتراتبها والعلاقة بين أصل‬ ‫الحماية بأبعادها الأربعة وبتراتبها تجعل البحث والاعلام العلمين متبوعين‬ ‫والاستعلام والإعلام السياسيين تابعين لأن هذين إذا كانا منحرفين عن شروط‬ ‫‪55‬‬

‫‪--‬‬ ‫البحث العلمي واخلاقه يصبحان كذبا ويسهل أن يتحولا إلى أداة ضد الجماعة‬ ‫بدلا من أن يكون في حمايتها لأن من لا يطلع شعبه على حقيقة احواله وخاصة‬ ‫إذا كان بقصد المغالطة وليس لخطا منهجي فهو غالبا ما يفعل ذلك لأنه عميل‬ ‫لقوة اجنبية تريد السيطرة على بلاده فتفسد شروط حمايتيه وشروط رعايتيه بمد‬ ‫الأعداء بأسرار ابداعها أو بأسرار قوتها أو بنقاط ضعفها وبمداخل تخر يبها‪.‬‬ ‫والعلة هي أن الأول في كل هذه الحالات العشر هو المقوم الأساسي للرعاية‬ ‫بكل دورها المربع للتربية ومعه ما يحتاج إليه الأصل الثاني في الحماية من علم‬ ‫وخبرة لأنه بحث واعلام علمي في التربية المدرسة والتربية المعملية وإنتاج التراث‬ ‫وإنتاج الثروة ومن ثم في آن سلطة روحية ووظيفة أداتية‪.‬‬ ‫والعلة هي أن الثاني هو المقوم الأساسي في كل هذه الحالات العشر هو المقوم‬ ‫الأساسي للحماية بكل دورها المربع ومعه ما يحتاج إليه الأصل الأول في الرعاية‬ ‫من علم وخبرة بحال المؤسسات التي تحقق الحماية لأنه استعلام سياسي في القضاء‬ ‫والأمن والدبلوماسية والدفاع داخليا وخارجيا‪.‬‬ ‫كلاهما في آن سلطة وأداة ومن ثم فإن السلط الرعائية هي التربية والثقافة وأحد‬ ‫وجهي البحث العلمي من حيث هو مطلوب لذاته لأن وجهه الثاني أداة هدفه‬ ‫مساعدة الاستعمار في الأرض وليس طلب الحقيقة لذاتها‬ ‫‪56‬‬

‫‪--‬‬ ‫والسلط الغائية هي القضاء والدبلوماسية وأحد وجهي الاستعلام السياسي من‬ ‫حيث هو مطلوب لذاته أي معرفة حال الجماعة في الرعاية والحماية لتكون السياسة‬ ‫استراتيجية تعمل على علم لعلاج مشكلات الاستعمار في الأرض والاستخلاف‬ ‫فيها‪.‬‬ ‫‪57‬‬

‫––‬ ‫– الفصل السابع –‬ ‫والآن فلنحاول تشخيص الداء الأساسي الذي يفسد الحضارات فيأتي عليها سواء في‬ ‫الجماعة الواحدة أو بين الجماعات البشر يةكلها‪ .‬وهو متعلق بالتبادل والتواصل ولا ينتج‬ ‫عن أي منهما مفرده بل عن الفصل بينهما عندما يبلغ حد القطيعة المطلقة فلا يبقى‬ ‫لأي منهما الحد الأدنى من دوره في الثاني‪.‬‬ ‫وهي قطيعة ناتجة في الغالب عن المطلوب لذاته عند الانسان سواء كان متعلقا‬ ‫بالاستعمار في الأرض دون الاستخلاف أو بالاستخلاف دون الاستعمار‪ .‬فلا فرق‬ ‫بين من يخلد إلى الأرض وينسى السماء أو من يزعم الاخلاد إلى السماء وينسى‬ ‫الأرض‪ .‬والثاني اكذب من الأول‪.‬‬ ‫ذلك أن نسيان السماء هو الأيسر لأن الاخلاد إلى الأرض قد يجعل المخلد إليها‬ ‫وكأنه ذو حظوة في الحياة الدنيا لأن البشر غالبا ما يقيمون الناس بثرواتهم وقلما ينظرون‬ ‫إلى شيء آخر وينسون حتى مصدرها‪ .‬أما نسيان الأرض فمستحيل بسبب ما يستمد منها‬ ‫هو شرط القيام العضوي الذي يتوقف كلما فقد ما يستمد منها بالتراتب التالي‪:‬‬ ‫• فإذا فقد الهواء مات لفقدان الأكسيجين بعد دقائق‬ ‫• وإذا فقد الماء مات لفقدان العنصر الأساسي للحياة بعد ايام‬ ‫• وإذا فقد الغذاء مات لفقدانه الطاقة بعد اسابيع‬ ‫• وإذا فقد الدواء مات لفقدا الشفاء بعد زمان يمكن أن يكون أيا مما سبق‬ ‫‪58‬‬

‫––‬ ‫• وأخيرا فهو لا يفقد السعي لتحقيق هذه الشروط ابدا ما كان حيا ومن ثم فالدنيا‬ ‫لا تنسى أبدا وغالبا ما قد يصل فاقد هذه العناصر وكلها تعود إلى الثروة يصبح عبدا‬ ‫لغير الله حتى عندما يدعي التمحض لعبادته لأنه يدين بحياته لمن يوفرها له وهو في هذه‬ ‫التسول الذي يعني التخلي عن استعمال ما جهز به ل كي يحافظ على معاني الإنسانية‬ ‫وأولها ال كرامة التي يفقدها كل مستول‪.‬‬ ‫والأبرز في هذه الحالة يتجلى في مآل التواصل الشكلي في بعده المطلوب لذاته أكثر من‬ ‫تعلقه بما يصبح التبادل الحاجي‪ .‬وقد رمز ابن خلدون لذلك برمز قد لا يقدره البعض‬ ‫رغم عميق دلالته‪ :‬وهو زراعة الأشجار غير المثمرة لتكون للزينة فحسب ومن ثم العاقر‬ ‫في ما يتعلق بالوظيفة الغذائية‪.‬‬ ‫وفي عصرنا مثلا وخاصة في الغرب الاستعاضة عن إنجاب الأطفال ورعايتهم بتربية‬ ‫الحيوانات الأليفة أو بشراء الأطفال الجاهزين من أبناء الفقراء لتكون لهم وظيفة الحيوان‬ ‫الأليف وليس وظيفة تواصل النوع وما يتطلبه من تضحيات وخاصة من الام التي لم‬ ‫يعد يعنيها من الأم إلا الطفل حيوانا اليفا لا غير‪.‬‬ ‫وبهذا المعنى فالتواصل بقيمتيه هو المحدد الأساسي للتبادل بقيمتيه أي إن الثقافي ببعديه‬ ‫الذوقي أصل كل عمل لا يخلو من شحنة روحية وعاطفية والعلمي أساس كل نظري لا‬ ‫يخلو من شحنة مادية ومصلحية مقدم على الاقتصادي ببعديه التبادلي والاستعمالي‪.‬‬ ‫لذلك فينبغي أن ننظر في عمل قيمتي الثقافي وهما قيمتا الاستخلاف في الأرض الذي‬ ‫سمى ابن خلدون ثمرته بالأنس بالعشر بخلاف الاستعمار فيها الذي سماه بثمرته أي سد‬ ‫‪59‬‬

‫––‬ ‫الحاجات مثلما نظرنا في قيمتي الاقتصادي‪ .‬وما دمنا نسمى القيمة الأسمى في الاقتصاد‬ ‫تبادلية ودونها الاستعمالية فيه فلنسم القيمة الأسمى في الثقافة تواصلية ودونها‬ ‫الاستعمالية فيه وغالبا ما تكون في خدمة التبادلية في الاقتصاد كالحال في فن التسو يق‬ ‫الاشهاري‪.‬‬ ‫فالتبادل يمثل اسما عاما لمجال الاستعمار في الأرض ورمزه سد الحاجات والعمران‬ ‫البشري‪ .‬والتعاون ال كوني من أجل إنتاج الثروة بلغة ابن خلدون والتواصل يمثل اسما‬ ‫عاما لمجال الاستخلاف فيها ورمزه الأنس بالعشير والتعاون ال كوني لإنتاج التراث‬ ‫بالعشير والاجتماع الإنساني بلغة ابن خلدون‪.‬‬ ‫فيكون مجال القيم بمستويي كل واحدة منهما هو سد الحاجات أداة والانس بالعشير‬ ‫غاية‪ .‬والتعاون في الحالتين يكون عند التساوق بين الحضارات بتوسط التنافس والصراع‬ ‫بينها وعند التوالي يكون بالتوارث إذ اللاحق يرث السابق وخاصة في كل ما يتعلق بسد‬ ‫الحاجات ل كن أيضا في بعض ما يتعلق بالأنس بالعشير ما يجعل ثروة البشر ية وتراثها‬ ‫كلاهما عمل جماعي كوني حربا وسلما‪ .‬وما كان يحصل بالتغازي صار يحصل بالنزوح‬ ‫والهجرة القانونية وغير القانونية‪,.‬‬ ‫وهكذا اذن فلتكن القيمة التواصلية في الثقافي بمنزلة القيمة التبادلية في الاقتصادي‬ ‫وكلتاهما لها قيمة استعمالية‪ ،‬القيمة الاستعمالية في الاقتصادي معلومة وهي سد‬ ‫الحاجات المادية خاصة‪ .‬فبماذا تتعلق القيمة الاستعمالية في التواصل‪ .‬إنها كل ما يجعل‬ ‫تبادل المعلومات نفعي خالص سواء في مستوى النظر أو في مستوى العمل‪ .‬فتكون‬ ‫‪60‬‬

‫––‬ ‫القيمة التواصلية الخالصة متعلقة بالنظر المطلوب لذاته والعمل المطلوب لذاته مثل القيمة‬ ‫التبادلية في الاقتصاد‪.‬‬ ‫• فالقيمة التواصلية في التواصل مثل القيمة التبادلية في التبادل‪ .‬كلتاهما هي القيمة‬ ‫الأسمى ل كونها لا تتعلق بالحاجات المباشرة بل بما يتعالى عليها وذلك ل كونها متعلقة‬ ‫بالمطلوب لذاته إما لعلة ذوقية أو معرفية لا تستهدف سد الحاجات المباشرة‪ :‬الفنون‬ ‫والعلوم‪.‬‬ ‫• والقيمة الاستعمالية في التواصل مثل القيمة الاستعمالية في التبادل‪ .‬كلتاهما هي‬ ‫القيمة الأدنى ل كونها تتعلق بالحاجات المباشرة وليس بما يتعالى عليها‪ .‬وذلك ل كونها‬ ‫متعلقة بالأدوات أي المطلوب لغيره بصرف النظر عن العلة الذوقية أو المعرفية‬ ‫وتستهدف سد الحاجات المباشرة‪ :‬مثل المأكل والملبس ال كن وحماية الذات‪.‬‬ ‫والنتيجة هي أن الاستعمالي في الحالتين له علاقة بالحاجات الضرور ية للقيام المادي‬ ‫وينسبها ابن خلدون إلى العمران البشري والتبادلي والتواصلي لهما في الحالتين علاقة بما‬ ‫يتعالى على الحاجات الضرور ية إلى ال كمالي بلغة ابن خلدون أي القيام الروحي الذي‬ ‫رمز إليه باسم الانس بالعشير والاجتماع الإنساني‪ .‬فتكون النسبة بين التبادلي والتواصلي‬ ‫من جهة والاستعمالي في التبادل وفي التواصل هي عين النسبة بين العمران والاجتماع‬ ‫وبين البشري والإنساني‪.‬‬ ‫‪61‬‬

‫––‬ ‫وما يؤيد الوصل بين هذين المعنيين ومقومي الإنسان أي الاستعمار في الأرض بحيث‬ ‫يكون متعلقا بالعمران البشري والاستخلاف فيها بحيث يكون متعلقا بالاجتماع الإنساني‬ ‫ما جاء في كلام ابن خلدون عن فساد معاني الإنسانية وتعر يف الإنسان‪.‬‬ ‫ففي تعر يف الإنسان يقول ابن خلدون الانسان \"رئيس بالطبع بمقتضى الاستخلاف‬ ‫الذي خلق له\"‪ .‬تعليل أول طبيعي وتعليل ثان غير طبيعي والأول يرمز إلى العضوي‬ ‫والثاني إلى الروحي‪ .‬وفي كلامه على فساد معاني الإنسانية يعتبر الانتقال من منزلة‬ ‫الإنسان الحر إلى العبودية ناتجا عن التربية والحكم العنيفين اللذين يفسدان معاني الإنسانية‬ ‫فصلا بين الطبيعي والروحي‪.‬‬ ‫وهكذا نصل إلى أهم إشكالية‪ :‬الأصل الذي يوحد هذه القيم الأربع و يعلل التراتب‬ ‫القيمي بينها هو هذه العلاقة بين الطبيعي وغير الطبيعي أي بين الاقتصار على ما يرد إلى‬ ‫الضروري العضوي وعدم الارتفاع إلى ما يرد إلى الاختياري الروحي‪:‬‬ ‫فعندنا قيمتان اقتصاديتان‪:‬‬ ‫• تبادلية متعالية على الحاجات وهي إذن تابعة للاستخلاف في الأرض واستعمالية‬ ‫متعلقة بها وهي إذن تابعة للاستعمار في الأرض‪ .‬والفساد يصيب تلك عندما تفصل‬ ‫عن هذه إما نفيا لها أو اقتصارا عليها‪.‬‬ ‫وعندنا قيمتان ثقافيتان‪:‬‬ ‫‪62‬‬

‫––‬ ‫• تواصلية متعالية على الحاجات وهي إذن تابعة للاستخلاف في الأرض واستعمالية‬ ‫متعلقة بها وهي إذن تابعة للاستعمار في الأرض‪ .‬والفساد يصيب الأولى عندما تفصل‬ ‫فتلغى الثانية أو ترد إليها‪.‬‬ ‫فينتج عن ذلك أن القيمتين الأوليين تساعدان على التعايش السلمي بين البشر ل كونها‬ ‫متعالية على الاستعمالية دون نفيها بالتحرر من مما يجعلها مصدر التنافس والصراع على‬ ‫سد الحاجات‪ .‬فالخلافات حول سد الحاجات سواء كانت مادية مباشرة أو ذات صلة‬ ‫مباشرة بالمادي منها وخاصة عندما يوظف العلم والفن ليصبحا غير مطلوبين لذاتهما بل‬ ‫يتحولان إلى أداتين فيها إما من حيث استهداف النفع المادي المباشر او الخداع بالروحي‬ ‫في النفاق الذي يجعل الهدايا مثلا هدفها الرشوة والغدر كما في الخداع العاطفي‪.‬‬ ‫ذلك أن سد الحاجات والتنافس عليها هو العلة الرئيسية الذي يجعل التعايش السلمي‬ ‫شبه مستحيل لما يترتب عليه من صراع حول شروط العيش العضوي والمصلحي فيقضي‬ ‫على التواصل التعاون والتعاوض العادل والتفاهم والتواصل الصادق‪.‬‬ ‫وعندما يرد كل شيء إلى سد الحاجات تصبح الثقافة أداة فنها وعلمها في خدمة سد‬ ‫الحاجات‪ .‬فيرتد الإنسان إلى الصراع الحيواني على الغذاء والماء والكلاء والطاقة والقوة‬ ‫والممرات الموصلة إليها على رقعة الأرض وما فوقها وما تحتها‪ .‬فلا يبقى للذوق الفني ولا‬ ‫للمعرفة العملية من غاية غير استعمالهما في التنافس على هذه الشروط المادية للقيام‬ ‫العضوي للبشر‪.‬‬ ‫‪63‬‬

‫––‬ ‫و بعض المتعجلين ممن يقيسون التقدم الإنساني بهذا المعيار الأخير غالبا ما يعتبرون منزلة‬ ‫التعالي على الاخلاد إلى الأرض ‪-‬أي الديني عامة‪-‬مسألة تعو يضية على فشل في هذه‬ ‫المجالات ولا يخطر على بالهم أن العكس أيضا صحيح بمعنى أنه إذا كان التمحض لما‬ ‫يتعالى على الأرض دليل يجعل الدين تعو يضيا فإن التمحض لما يتدانى عن السماء يجعل‬ ‫الالحاد تعو يضيا‪.‬‬ ‫• والمفقود في الحالة الأولى هو أداة التحرر من سلطان الطبيعة‬ ‫• والمفقود في الحالة الثانية هو غاية التحرر من سلطان الطبيعة‪.‬‬ ‫فيكون الثاني قد خسر أكثر من الأول إذا كان لم يفصل بين الأرضي والسماوي‬ ‫بخلاف الثاني فإنه يفقدهما معا لأن كل ثروات العالم لا تساوي شيئا بمجرد ألا ينسى‬ ‫المرء ولو لثانية أنه مائت بل وحتى إذا مرض مرضا عضالا‪.‬‬ ‫وكم أعجب ممن يتأسون بقولة من يزعم أنه لا يهاب الموت ولا يخيفه بحجة أنه حي قبله‬ ‫ولا واع به بعده‪ .‬ل كن ذلك كان يكون كذلك لو أن الإنسان ينتقل من الحياة إلى‬ ‫الموت دون احتضار قد يطول وقد يقصر ودون مرض ودون حوادث مجهولة الزمان‬ ‫والمكان فضلا عن كون الموت لا يؤثر حصرا بكونه موت الذات فقد يؤثر بكونه موت‬ ‫العزيز المحبوب والصديق وحتى العدو إذا كان في الإنسان ذرة من شهامة وتحرر من‬ ‫الشماتة في الموت‪.‬‬ ‫‪64‬‬

‫––‬ ‫– الفصل الثامن –‬ ‫كان المنطلق في علاج هذه الإشكالية الجوهر ية في تعليل التقييم في التبادل‬ ‫والتقييم في التواصل بدافعين‪ .‬فما بدا لي من غياب مبدا المخمس الذي هو حصيلة‬ ‫الزوجية ‪ -‬خاصية كل الموجودات لأن الوحدانية ‪-‬مبدإ الهوهو ية الصمد‬ ‫‪ - Identité‬خاصة بالخالق دون سواه ‪-‬وتفاعلهما في الاتجاهين والحصيلة التي‬ ‫هي الأصل لان الزوجين وتفاعليهما هي العناصر الفرعية الأولى للبنية المخمسة‬ ‫لكل موجود‪.‬‬ ‫فكل المشكل مع منطق القيم الثلاث التي عوض بها هيجل منطق القيمتين‬ ‫عند أرسطو كلاهما لا يناسب حقيقة إدراكنا المعرفي في طلب الحقيقة وتقييمنا‬ ‫الإرادي في طلب الفضيلة‪ .‬فليست هو ية الأشياء معتمدة على الوحدة وليس‬ ‫للزوجية نفس الفاعلية في الاتجاهين إذا اعتبرنا كلا الزوجين متبادلين التأثير‬ ‫فيكون تأثير أحدهما غير تأثير الثاني‪ .‬وبذلك نصل إلى المخمس‪ :‬الزوجين والتأثرين‬ ‫والاصل الذي يصل الزوجين أحدهما بالثاني في أداء الوظيفة الزوجية‪.‬‬ ‫فمثلا الفرد الإنساني زوجي الكيان فكيانه العضوي غير كيانه الروحي على الأقل‬ ‫في ما يدركه من ذاته ووعيه بها دون أن يعلم طبيعة ما بينهما من علاقة ل كنه‬ ‫يميز بين بصورة شبه عامة عند كل البشر في ال كثير من التفاعلات‪ .‬ففعل‬ ‫‪65‬‬

‫––‬ ‫العضوي في الروحي تمثله الحواس الباطنية ومرور الحواس الخارجية بالجهاز‬ ‫الحسي البدني وفعل الروحي في العضوي هو فعل العقل والإرادة في فاعلية‬ ‫البدن والحصيلة هي التي هي الأصل هي كيف حياة الإنسان‪.‬‬ ‫والمثال الثاني العلاقة الزوجية بين الاستعمار في الأرض والاستخلاف فيها‪.‬‬ ‫فتأثير الأول في الثاني يبرز خاصة في إشكالية الثروة والتبادل الاقتصادي وتأثير‬ ‫الثاني في الأول يبرز خاصة في إشكالية التراث والتواصل الرمزي بين البشر‪.‬‬ ‫تأثير الأول في الثاني هو تمو يل الاستثمار في البحث العلمي مثلا وتأثير الثاني في‬ ‫الأول هو تمكين الإنسان من العلاقة بالطبيعة وبالإنسان من خلال المعرفة‬ ‫والخبرة التي تيسر الاستعمار في الأرض بإبداع أدواته ومناهجه‪ .‬والأصل‬ ‫الواصل بين هذا المربع هو حقيقة الإنسان من حيث هو مستعمر في الأرض‬ ‫ومستخلف فيها بفضل ما جهز به من قدرة على المعرفة شرط النظر والعقد‬ ‫وقدرة إلى الإرادة شرط العمل والشرع‪.‬‬ ‫وهكذا فالوعي بالثغرة التي تنتج عن مقارنة ما ينتج عن فقدان السمع أي البكم‬ ‫المذكور في الآية وعدم ذكر ما ينتج عن فقدان البصر كما استلفت سابقا كان‬ ‫الطر يق إلى حل معضلة العلاقة بين القيم التي لها صلة بالاستعمار في الأرض‬ ‫والقيم التي لها صلة بالاستخلاف وطبيعة تبادل التأثير بينهما‪ .‬وكان الاكتشاف‬ ‫‪66‬‬

‫––‬ ‫مضاعفا لأنه يتعلق بالبصيرة التي تجعل البصر يبصر ما وراء الظاهر فيجمع إلى‬ ‫الإدراك البصير والعزم الإرادي الصالح فيختار الرجوع إلى الصواب‪ .‬وفاقد‬ ‫البصر فضلا عن البصيرة لا يرى الوجهة ولا يرى الإشارة إليها سواء من غيره‬ ‫أو من الأشياء‪ .‬وعلينا البحث عن المشترك بين‪:‬‬ ‫ما يفقده في حالة الآية الألى‪ :‬ماذا تعني \"لا يعقلون\"؟‬ ‫وما يفقده في حالة الآية الثانية‪ :‬ماذا تعني \"لا يرجعون\"؟‬ ‫حسيا فقدان النطق علامته البكم بسبب الصمم الوارد في الآية الأولى‪ .‬وحسيا‬ ‫فقدان الإرادة ما علامته إنه فقدان البصيرة الذي لم يذكر في الآيتين؟ والبصيرة‬ ‫هي ما يجمع بين النطق والإرادة‪ .‬وهي تتجلى في ما لا تكفي فيه قراءة العبارة‬ ‫لأن البصيرة تتعلق بالإشارة وراء العبارة‪ .‬إنها إدراك العبارة غير الناطقة أي‬ ‫العبارة الإشار ية التي لا ترى إلا بالبصيرة‪.‬‬ ‫فمن لا يبصر ولا يبين يجمع بين فقدان العبارة الناطقة والعبارة المشيرة التي‬ ‫تدرك ما لا ينقال في ما يقال‪ .‬البصيرة هي رؤ ية الإشارة التي هي جوهر عبارة‬ ‫الإرادة التي ترتسم في الكيان الإنساني والتي يعسر أن تكذب‪ .‬فهل يكفي ابراز‬ ‫هذا الضمير في الآيتين لفهم ذكر ما يفقده الأصم مع الصمم وعدم ذكر ما‬ ‫‪67‬‬

‫––‬ ‫يفقده الأعمى معه ليكون التوازي بين الفقدانين معللا لفقدان الفهم ولفقدان‬ ‫الرجوع؟‬ ‫بين أن الأصم والأبكم يمكن أن يستعيض بالبصر عن السمع والنطق لأن‬ ‫قدرته على رؤ ية الإشارة وما تشير إليه تمكنه من التعلم‪ .‬ل كن أليس الأعمى‬ ‫يمكن أن يعوض البصر باللمس الذي هو جوهر الادراك الإشاري لما ينقال‬ ‫بتضاريس المدرَك بهكما يتعلم الأعمى بالبرايل؟‬ ‫هنا ننسى أن الأمر يتعلق بفقدان البصر مع الصمم والبكم‪ .‬فاللمس يمكن أن‬ ‫يعوض البصر إذا كان مصحوبا بالسمع والنطق‪ .‬ل كن إذا فقدهما اللمس بات‬ ‫إدراك الإشارة التي تعبر عنها تضاريس ناقل الإدراك أي البشرة مستحيلا لأن‬ ‫ما تشير إليه يصبح غير محدد المرجعية التي تقود الإرادة في التوجه فيستحيل‬ ‫الرجوع بالمعنى الخلقي لوزع الذات في الفعل والترك بعدي الإرادة‪.‬‬ ‫إذا فقدا السمع والنطق لن يكون اللمس كافيا لتعو يض البصر لأنه لا يعين‬ ‫الجهة وليس له مرجعية خارجية يصل بينها وبين الإشارة التي تحصل من‬ ‫اللمس‪ .‬وإذن فالثغرة أو المضمر في الآيتين تتعلق بما يصبح ممتنعا دون افتراضه‬ ‫مكملا للثلاثة الأولى قبل عدم الفهم وعدم الرجوع‪ .‬ففقدان الثلاثة يصبح مانعا‬ ‫مطلقا للفهم غاية لاجتهاد العقل المعرفي والرجوع غاية لجهاد الإرادة الخلقي إذ‬ ‫‪68‬‬

‫––‬ ‫إن الفهم في الحالة الأولى يبقى معلقا بالوصل بين ما تراه العين وما لا يستطيع‬ ‫الأصم التعبير عنه لأنه أبكم فلا يمكن حينها معرفة المشار إليه في وجهة البصر‬ ‫لاستحالة تعيينه لانعدام النطق‪.‬‬ ‫والأمر يزداد عسرا لحد استحالة التوجه من دون الجمع بين اللمس والمشار إليه‬ ‫من الملموسات إشارة تمكن من التوجه الوجهة الصحيحة‪ .‬والكلام كله‬ ‫استعارات لأن من تتكلم عليهم الآية كل حواسهم سليمة عضو يا ل كنها فاقدة‬ ‫للغاية من الإدراك الحسي مدخلا لإدراك ما ورائه‪ .‬فقد يلمس الأعمى والأبكم‬ ‫والأصم شيئا يكون على حرف جرف هار فلا يرجع فيسقط فيه وهي استعارة‬ ‫عما يترتب عمن يفقد تجاوز المدارك الحسية إلى ما تدعو إليه من تجاوز لمداركها‬ ‫التي هي آيات لما تعنيه وراءها‪.‬‬ ‫وهو القصد ب \"لا يرجعون\" لأنهم لا يرون ضرورة الرجوع فيتمادون في الخطأ‪.‬‬ ‫وهو القصد بصم بكم عمي فهم لا يرجعون‪ .‬وإذن فنحن أمام إصابة العقل القادر‬ ‫على الإدراك في النظر والإرادة القادرة على التوجه‪:‬‬ ‫• فالعقل القادر على الفهم والادراك والتعبير‪-‬وتلك هي مقومات البيان التي‬ ‫هي شرط التواصل المنتج للتراث في أي حضارة إنسانية‬ ‫‪69‬‬

‫––‬ ‫• والإرادة القادرة على الاختيار والتوجه‪-‬وتلك هي مقومات القدرة على‬ ‫الفعل الذي هو شرط التبادل المنتج للتراث في أي حضارة إنسانية‬ ‫• يمثلان بتفاعلهما ما يحقق شروط العمران البشري (أي الاستعمار في‬ ‫الأرض الذي رمز إليه ابن خلدون بسد الحاجات) والاجتماع الإنساني (أي‬ ‫الاستخلاف في الأرض الذي رمز إليه ابن خلدون بالأنس بالعشير)‬ ‫والجهاز المحقق لما يتميز به الإنسان من البيان هو أساس التواصل بمعنييه أي‬ ‫التواصل المطلوب لذاته وهو جوهر الأنس بالعشير وتلك هي قيمته الأسمى التي‬ ‫تناظر قيمة التبادل في سد الحاجات والجهاز المحقق لما يتميز بيه الإنسان من‬ ‫الإرادة الحرة هو أساس التبادل بمعنييه أي التبادل المطوب لذاته وهو جوهر‬ ‫الأس بالعشير وتلك هي قيمته الأسمى التي تناظر قيمة التواصل في الانس بالعشير‬ ‫هما وظيفتا الاجتماع الإنساني المميز للإنسان وإنتاج التراث المشروط في كل‬ ‫ما عداه لأنه فعل جهاز طلب الحقيقة العلمية والحقيقة الذوقية‪.‬‬ ‫أما القيمتان الأخر يان فهما قيمتا الاستعمال المصاحب لكل أنشطة الإنسان‬ ‫لأنه بشروط القيام العضوي المشترك بين الإنسان والحيوان أعني التواصل‬ ‫الأداتي خلال التبادل الأداتي وكلاهما لا يخلو منهما أمة من أمم الحياة من‬ ‫ادناها إلى اسماها بسبب استحالة عيش أي كائن حي بمفرده إذ لا بد على الأقل‬ ‫‪70‬‬

‫––‬ ‫من الزوجين اللذين ينجبانه ويحافظان عليه إلى أن يصبح قادرا على العيش في‬ ‫الجماعة بما جهز به من أدوات المشاركة في الإنتاج الضروري لشروط البقاء‪.‬‬ ‫فلا يكون التواصل والتبادل مطلوبين لذاتهما كما هي الحال في كونهما علاقة‬ ‫بين ذاتين تعبر عن صلة روحية وعاطفية عندما يكونان صادقين وليسا مخادعين‬ ‫بل هما في المستوى الثاني من القيمة أداتان استعماليتان يجعلان التواصل‬ ‫والتبادل أداتين للعمران البشري خلال العمل من اجل انتاج الثروة وسد‬ ‫والحاجات الضرور ية‪ .‬وبهذا المعنى فهما لا يمكن أن يستغنيا عن شيء من‬ ‫السلطة في التساخر الضروري للتعاون في قسمة العمل والتعاوض الذي قد لا‬ ‫يكون عادلا ويحتاج إلى دور حكم بين المتواصلين والمتبادلين في هذه الحالة‬ ‫الوظيفية التي يكون فيها التبادل والتواصل أداتين وليسا غايتين‪.‬‬ ‫وللنظر في التراتب بين السمع والبصر من حيث دورهما في مستويي القيمة التي‬ ‫تتعلق بالاستعمار في الأرض والتي تتعلق بالاستخلاف فيها واللتان توجدان‬ ‫كلتاهما في انتاج التراث لقيام الجماعة الروحي وذلك هو دور القيمة التواصلية‬ ‫والتبادلية وفي انتاج الثروة لقيامها المادي وذلك هو دور استعمال التواصل‬ ‫والتبادل أداتين في هذا الإنتاج مستوى وظيفيا لهما في الأفعال التي تقتضي‬ ‫‪71‬‬

‫––‬ ‫وجود تساخر لا بد فيه من تراتب سلطوي فيه آمر ومأمور وفيه خاصة حاجة‬ ‫إلى حكم في التعاوض وعدم التظالم والعدوان‪.‬‬ ‫ويمكن اعتبار هذا النوع من القيم ذا صلة مباشرة بالبعد السياسي في الجماعات‬ ‫البشر ية ولا بد فيه من سلطة ذات شرعية وشوكة‪ :‬شرعية لان الخصومات‬ ‫بحاجة إلى من يعتبر حكما فيكون مستمدا شرعيته من اختيارهما له حكما بينهما‬ ‫ولا بد له من سلطة ذات شوكة حتى لا يبقى الحكم الفاصل بين الخصوم حبرا‬ ‫على ورق‪ .‬ومن هنا جاءت عبارة فهم لا يرجعون‪.‬‬ ‫فهؤلاء الذين لا يرجعون هم أيضا من لا يعقلون فيحتاجون إلى سلطة تفرض‬ ‫عليهم احكام العقل وضرورة الرجوع وذلك هو جوهر السياسة في المجتمعات‬ ‫البشر ية أي وظائف الحماية التي تتألف من القضاء والأمن داخليا ومن‬ ‫الدبلوماسية والدفاع خارجيا ويجمع بينها أربعتها أصلها أي الاستعلامات التي‬ ‫تراقب مجرى هذه الوظائف الأربع للحماية وهي إذن العقل المدبر للوظائف‬ ‫الحماية‪.‬‬ ‫ل كن وظائف الرعاية التكوينية التي هي التربية المحصلة للتراث والتربية المحصلة‬ ‫للثروة وهي تطبيق للتربية المحصلة للتراث ثم الرعاية التموينية التي هي انتاج التراث‬ ‫‪72‬‬

‫––‬ ‫أو الثقافة وإنتاج الثروة أو الاقتصاد والثانية تطبيق للأولى علما وذوقا هي التي‬ ‫تتعلق بها‪:‬‬ ‫الحماية الداخلية لجعل العيش المشترك السلمي ممكنا ذلك أن التنافس بين المنتسبين‬ ‫إلى نفس الجماعة لا تقل حدة عن التنافس بين الجماعات في المعمورة‪ .‬ولهذه‬ ‫العلة فإن الوازع الذاتي لا يكفي لتحقيق شروط التعايش السلمي حتى في نفس‬ ‫الأسرة ناهيك عن الجماعةكلها ومن ثم فلا بد من سلطة قضائية وامينة اولاهما‬ ‫تمثل شرعية القانون والثانية شوكته وهما ما يسميه ابن خلدون الوازع الأجنبي‬ ‫أي دور السطلة السياسية‪.‬‬ ‫والحماية الخارجية لمنع العدوان على ثروة الجماعة وتراثها من جماعات أخرى إذ‬ ‫إن البشر يةكلها جماعة واحدة تتنافس على ما في الأرض من ثروات وشروط‬ ‫بقاء والاقو ياء في الغالب يمدون أيديهم لأحياز الضعفاء الخمسة أي حصتهم من‬ ‫جغرافية الأرض ومن تاريخ العمران والاجتماع ومن الثروة والتراث والعدوان‬ ‫على مرجعياتها الروحية والقيمية‪ .‬ومثلما أن الاستعلامات هي أصل الحماية‬ ‫بفروعها الأربعة فإن البحث العلمي هو أصل الرعاية بفروعها الأربعة‪.‬‬ ‫والاستعلامات تتعلق بما بين البشر من علاقات ل كنها تابعة للبحث العلمي الذي‬ ‫يتجاوز هذه العلاقات إلى ما هو أوسع افقا أي علاقات البشر بال كون كله لأن‬ ‫‪73‬‬

‫––‬ ‫مطلبه هو العلم بقوانين الطبيعة وبسنن التاريخ طلبا إياها لذاتها حبا في المعرفة‬ ‫وبوصفها من الشروط الأداتية للرعاية وخاصة في أدوات انتاج الثروة ومناهجه‬ ‫والحماية وخاصة في انتاج أدوات الدفاع ومناهجه‪.‬‬ ‫ولا بد هنا من ملاحظة لم يسبق أن نبهت إليها في كلامي على الأصلين أصل‬ ‫الرعاية بمستو ييها المضاعفين أي التربية في المدرسة والتربية في المعمل وإنتاج‬ ‫التراث (الثقافة العلمية والذوقية) وإنتاج الثروة (الاقتصاد المادي والرمزي)‬ ‫وأصل الحماية بمستو ييها الداخلي (القضاء والأمن) والخارجي (الدبلوماسية‬ ‫والدفاع) أي البحث والاعلام العلميين والاستعلام والاعلام السياسيين‪.‬‬ ‫فالأول هو المقوم الأساسي للرعاية بكل دورها المربع للتربية ومعه ما يحتاج إليه‬ ‫الأصل الثاني في الحماية من علم وخبرة لأنه بحث واعلام علمي في التربية المدرسة‬ ‫والتربية المعملية وإنتاج التراث وإنتاج الثروة ومن ثم في آن سلطة روحية ووظيفة‬ ‫أداتية‪.‬‬ ‫والثاني هو المقوم الأساسي للحماية بكل دورها المربع ومعه ما يحتاج إليه الأصل‬ ‫الأول في الرعاية من علم وخبرة بحال المؤسسات التي تحقق الحماية لأنه استعلام‬ ‫سياسي في القضاء والأمن والدبلوماسية والدفاع داخليا وخارجيا‪.‬‬ ‫‪74‬‬

‫––‬ ‫كلاهما في آن سلطة وأداة ومن ثم فإن السلط الرعائية هي التربية والثقافة وأحد‬ ‫وجهي البحث العلمي من حيث هو مطلوب لذاته لأن وجهه الثاني أداة هدفه‬ ‫مساعدة الاستعمار في الأرض وليس طلب الحقيقة لذاتها والسلط الغائية هي‬ ‫القضاء والدبلوماسية وأحد وجهي الاستعلام السياسي من حيث هو مطلوب‬ ‫لذاته أي معرة حال الجماعة في الرعاية والحماية لتكون السياسة استراتيجية تعمل‬ ‫على علم لعلاج مشكلات الاستعمار في الأرض والاستخلاف فيها‪.‬‬ ‫‪75‬‬

‫––‬ ‫– الفصل التاسع –‬ ‫من المعلوم أني انفي بصورة قطعية أن يكون القرآن متضمنا لما يسميه البعض بالإعجاز‬ ‫العلمي أو الاعجاز العددي لما فيهما من الدفع إلى التكذيب بكل ما جاء فيه لأنه يقتضي‬ ‫جعل مضمونه تاريخيا مثله مثل مضمون العلوم الإنسانية‪.‬‬ ‫ليس في القرآن أدنى حقيقة علمية بالمعنى الدقيق لكلمة علم أي محاولة لصوغ قوانين‬ ‫الطبيعة وسنن التاريخ بعبارة قابلة لأن تقاس بما يوصل إليه البحث العلمي من صوغ‬ ‫يجعلنا قادرين باعتمادها على صنع ما تتعلق به مفهوميا (عبارة رمزية تكون بعناصرها‬ ‫المقومة للمفهوم مناظره لعناصر الأمر الذي يعتبر ماصدقه في لحظة من تاريخ العلم) أولا‬ ‫وصادقيا (اصطلاح خلدوني للماصدق في حالة الإضافة) ثانيا أي لتيسير الفهم ما يقابل‬ ‫العبارة الر ياضية (للمفهوم) وفي الإنجاز التقني (للماصدق) ومجموعهما المتناظر بين‬ ‫الرمزي والوقائعي يسمى تصورا‪.‬‬ ‫وقبل أن أواصل الكلام في النفي القطعي لخرافتي الاعجاز العملي والعددي في القرآن‬ ‫لا بد أن أعلل إمكانية القطع من منظور اللاأدر ية الإيمانية التي ينسبها القرآن ال كريم‬ ‫إلى علم الإنسان وعمله فوصفت بها جهازي الإنسان من حيث هو مستعمر في الأرض‬ ‫ومستخلف فيها بالمقارنة مع منا ينسبه الرب إلى نفسه وما يترتب على النسبة بينهما من‬ ‫نظر ية في المعرفة تنفي المطابقة والإحاطة على علم الإنسان وعمله فيصبح العلم الإنساني‬ ‫اجتهادا لا يدعي القطع في كل حكم معرفي و يصبح العمل الإنساني جهادا لا يدعي‬ ‫القطع في كل حكم قيمي‪.‬‬ ‫‪76‬‬

‫––‬ ‫فكيف بعد هذا الموقف ازعم بصورة قاطعة أن القرآن ليس فيها اعجاز علمي وعددي؟‬ ‫أليس في ذلك تناقض مع اللادر ية القرآنية بخصوص الأحكام النظر ية والعملية؟ وهذا‬ ‫الاعتراض يرد به دائما على من ينفي المطابقة والاحاطة في النظر والعقد وفي العمل‬ ‫والشرع‪ .‬فما طبيعة القطع بعدم القطع في النظر وفي العمل؟‬ ‫لو كان امر العلم والعمل لا يتضمن في ذاته وجهي فعله المحددين لمداه الموجب‬ ‫والسالب لكان الاعتراض شديد الوجاهة‪ :‬فالعلم بالشيء ليس علما بما يعلم الإنسان منه‬ ‫بل هو علم بما لم يعلم منه من الممكن علمه منه وعمل أي شيء ليس عملا مقصورا على‬ ‫ما يعمل الإنسان منه بل هو عمل وتخيل للمكن عمله ولم يعمله‪ .‬وإذن فما يقال عن العلم‬ ‫يقال عن العمل في علاقة الحاصل من الممكن وغير الحاصل منه‪.‬‬ ‫ومن ثم فالإنسان يعلم أن ما يجهله أكثر مما يعلمه في أي علم ويدرك أن ما لم يعمله‬ ‫أكثر مما عمله في أي عمل وأن النسبة بين المعلوم والمجهول وبين المعمول وغير المعمول‬ ‫في كل شيء هي النسبة بين المتناهي واللامتناهي لأنهكلما تقدم في العلم وفي العمل اتسع‬ ‫مجال اللامعلوم واللامعمول بدون غاية قابلة للتحديد النهائي‪ .‬وهي عين النسبة بين الحاصل‬ ‫من الممكن وغير الحاصل منه‪ .‬فيكون العلم المحيط والعمل التام غاية لا تدرك وهذه هي‬ ‫الحقيقة الوحيدة التي يمكن القطع فيها بمعنى أنها عين القطع وعين الحاجة إلى الإيمان‬ ‫باستحالة العلم المحيط والعمل التام‪.‬‬ ‫فإذا صدقنا أن القرآن كلام الله وأنه رسالة موجهة إلى الإنسان فإن تضمنه الاعجاز‬ ‫العلمي والعملي يجعله خطاب غير مفهوم فتفقد الرسالة حقيقة كونها رسالة هداية لما‬ ‫‪77‬‬

‫––‬ ‫يهدي لطلب الحقيقة والعمل بها أعني كونه إيقاظا لجهازي الإنسان المشروطين في‬ ‫الاستعمار في الأرض (النظر والعقد) وفي الاستخلاف فيها (العمل والشرع) اعتمادا‬ ‫على جهاز يه في التعامل مع الأرض مصدرا لقيامه العضوي بفضل اجتهاده (تعمير‬ ‫الأرض) ومع السماء مصدرا لقيامه الروحي بفضل جهاده (الاستخلاف)‪.‬‬ ‫لذلك فإن القرآن لا يمكن أن يتضمن ما هو بجوهره تاريخي لا يوجد قبل تفعيل‬ ‫الجهازين في العلاقتين بالأرض تعميرا لها وبالسماء اتباعا لقيمها‪ .‬وتفعيل الجهازين لا‬ ‫يكون بشرح نص الرسالة التي تدعو إلى استعمالهما في العلاقة بالأرض استعمارا‬ ‫وبالسماء أي بما وراءها استخلافا فتكون الرسالة تذكيرا بهذا الواجب وليست بديلا‬ ‫يغني عنه‪ .‬كل المتكلمين عن الاعجاز العلمي يجعلون تفسير القرآن مغنيا عن البحث العلمي‬ ‫إذ يكفي لعي رقبة العربية لتصبح متضمنة لما تم اكتشافه ممن لا علم لهم بالقرآن أصلا‪.‬‬ ‫ولما كان كل اجتهاد علمي وكل جهاد عملي مؤقت وهو معنى كونهما تاريخيين فالأمر‬ ‫يصبح مخيرا بين أرخنة القرآن وتكذيبهكما يكذب العلم والعمل نفسيهما لما يتجاوزا ما تقدم‬ ‫من حصيلة البحث فيهما إلى ما هو أقرب إلى حقيقة موضوعهما فإن الرسالة تصبح‬ ‫بنت لحظتها وتفقد كونيتها وسرمديتها‪ .‬لذلك فلا يمكن ان يبقى للقرآن معنى في هذه‬ ‫الحالة فيصبح نصا تاريخيا ينتهي مفعوله بتجاوز ما فيه من حقائق‪.‬‬ ‫لذلك فكل ما في القرآن مما يبدو حقائق تاريخية ‪-‬مثل كل ما يسمونه أسباب النزول‪-‬‬ ‫ليس القصد منه مضمونه التاريخي بل ال كوني والسرمدي في التاريخي‪ .‬وتلك هي‬ ‫‪78‬‬

‫––‬ ‫الوصلات الخمس التي تصل مقومات الرسالة والتي سأخصص لها جزءا كاملا من هذه‬ ‫المحاولة حول قانون التساخر‪:‬‬ ‫• الوصلة الأولى‪ :‬فبين المرسل (الله) والمرسل إليه وصلة يعرفها القرآن بكونه لم يخلق‬ ‫إلا ليعبد ربه و يعرفه في نفس الوقت بكون الخصيم المبين للرب‪.‬‬ ‫• الوصلة الثانية‪ :‬وبين المرسل إليه والرسول وصلة يعرفها القرآن بكونها تذكيرا يبشر‬ ‫وينذر دون سلطان روحي يكون به وسيطا بين المرسل والمرسل إليه في التربية الإيقاظية‬ ‫او التذكير أو بينه وبين شأنه من حيث هو مستعمر في الأرض ومستخلف فيها يكون‬ ‫بمقتضاه وصيا عليه بالمعنى السياسي‪.‬‬ ‫• الوصلة الثالثة‪ :‬بين الرسول ودوره الإيقاظي أي طر يقة التبليغ التي ليس وساطة‬ ‫روحية ولا وصاية سياسية يوجد ما يعوضه بعد غيابه أي نص القرآن مرجعية روحية‬ ‫وسياسة والعينة التي يمثلها تطبيق الرسول لهذه المرجعية استراتيجية ايقاظ أي السنة‪.‬‬ ‫• الوصلة الرابعة‪ :‬بين مضمون الإيقاظ ومضمون الرسالة نجد المخاطب من الإنسان‪:‬‬ ‫الدعوة لتفعيل الجهازين أي العقل للاجتهاد والإرادة للجهاد‪ .‬وهو ما يعني أن ما يختم‬ ‫الرسالات الموقظة هو ما في كيان الإنسان من تجهيز وما في الرسالة الخاتمة من إيقاظ‬ ‫يجعل الإنسان حرا وسيد نفسه كما يعرفه ابن خلدون في المقدمة \"رئيسا بطبعه بمقتضى‬ ‫الاستخلاف الذي خلق له\"‪.‬‬ ‫• الوصلة الأخيرة هي التي ترجع إلى الوصل الوصلات الأربع السابقة وصلا بين‬ ‫الأولى والرابعة‪ :‬فما كان الإنسان يصبح مدركا ل كونه رئيسا بالطبع مكرم ومسؤولا‬ ‫‪79‬‬

‫––‬ ‫بمقتضى الاستخلاف إلا بمعنى العلاقة المباشرة بربه والقادر ومن ثم فالمذكر يمكن أن‬ ‫يكون فاتحا وخاتما فتكون دعوته تحريرا يغنيه عن الوسطاء الروحيين والاوصياء‬ ‫السياسيين‪.‬‬ ‫• ومن ثم فالرسالة تقبل الرد إلى مضمون سورة هود تبدأ بتحريره من طغيان الطبيعة‬ ‫وتختم بتحريره من طغيان الدولة فيكون القرآن استراتيجية تحرر الإنسانية من المعوقات‬ ‫التاريخية للمعاني المتعالية على التاريخ بأخذ التاريخ مثالا تكون احداثه عينات من تعين‬ ‫السرمدي في التاريخي دون أن يرد إليه‪.‬‬ ‫لذلك فعندي أن كل الذين يتكلمون على الاعجاز العلمي رغم حسن النوايا هم أكثر‬ ‫المحطين من منزلة القرآن لأن تخر يفهم يعني أمرين كلاهما دال على الجهل بالعلم‬ ‫وبالوحي‪ .‬ذلك أن من يقول ذلك عن القرآن إما أنه يتوهم العلم مطابق ومحيط فيكون‬ ‫وحيا وليس اجتهادا تاريخيا يعبر عما توصل إليه الإنسان من رصد ل \"عادات الأشياء\"‬ ‫بلغة ابن تيمية أو أن الوحي هو بدوره من جنسه ومن ثم فهو تاريخي ويمكن أن يقول‬ ‫\"تتبين\" بمفعول التقدم العلمي كذبا وليست دالة على الإحاطة في العلم الإلهي‪.‬‬ ‫فيكون أصحاب هذه الدعوى ملحدين من حيث لا يدرون أو جاهلين بطبيعة المعرفة‬ ‫العلمية التي هي نسبية وغير مطابقة وغير محيطة وهي تاريخية دائما ولا يوجد علم بلغ الغاية‬ ‫في معرفة عادات الأشياء لأنهكلما تقدم في الادراك اكتشف ابعادا كانت خفية جعلها‬ ‫تقدمه تصبح جلية وهذا المسار لا متناهي لأن علم لوازم أي شيء يقتضي علم كل شيء‬ ‫‪80‬‬

‫––‬ ‫بلغة ابن تيمية مرة أخرى أو لأن الوجود لا يرد إلى الإدراك بلغة ابن خلدون أو لأن‬ ‫للعقل طور وراءه لأنه هو بدوره طور وراء الحواس بلغة الغزالي‪.‬‬ ‫والعقل يصبح بحق عاقلا لما يدرك أن العلم محدود دائما حتى وإن كان أفقه لا محدود‬ ‫بمعنى أنهكلما غاص في ما يدركه من الأشياء اكتشف أنه أمام اللامتناهي الذي يدركه‬ ‫بمقارنة ما يعلم بما لا يعلم مما يقبل العلم التدريدي حتى إن كان التدرج لا متناهيا ومن‬ ‫ثم فالإنسان يبقى دائما مشدودا إلى طرفي الوجود المتناهي الذي يدركه واللامتناهي أفقا‬ ‫للممكن رغم استحالة الإحاطة به إلا على خالقه عند المؤمن ولا معقول تراكم الصدف‬ ‫الذي يؤسس للنظام المشهود عند الملحد‪..‬‬ ‫ذلك أن مثل هذه الظاهرة المحيرة في جهازي الإنسان المعرفي والقيمي هو المنطق الذي‬ ‫يدركهكل ذي عقل وهو عين تاريخ المعرفة الإنسانية وهي لو كانت حاصلة بعد في نص‬ ‫القرآن و يكفي لي \"عنكوش\" العربية حتى تستجيب لمقارنات سطحية بين نص الآيات‬ ‫القرآنية ومعادلات المعارف العلمية لاستحال أن يعتبر القرآن أن تبين أنه حق لا يعلم‬ ‫من شرح آياته النصية‬ ‫فيكون مجرد التفسير اللغوي لآيات القرآن مغنيا عن البحث العلمي والاجتهاد العملي‬ ‫بل مما حددته الآية الثالثة والخمسين من فصلت التي هي ليس لغوا‪ :‬فهو اعتبر معرفة أن‬ ‫القرآن حق تحصل عندما يرى الإنسان آيات الله في الآفاق (الطبيعة والتاريخ) وفي‬ ‫الأنفس (كيان الإنسان العضوي وكيانه الروحي)‪.‬‬ ‫‪81‬‬

‫––‬ ‫استدلال القرآن بالنظام بدل المعجزات والدعوة لاستعمال المدارك بالمعاني التي حاولنا‬ ‫بيانها في الفصول السابقة بطر يقة التذكير بالوحي للبشير والنذير الذي ليس بوسيط روحي‬ ‫ولا وصي سياسي ذلك هو ما جعلني اعتبر ما في القرآن من إشارات لعلامات النظام‬ ‫والانتظام ودعواتها للاجتهاد في النظر والجهاد في العمل يجعله يؤدي وظيفة السبابة إلى‬ ‫ما على الإنسان عمله ليكون أهلا للاستخلاف خلال الاستعمار في الأرض‪.‬‬ ‫ولنعد الآن بعد هذا التنبيه إلى ما يمكن استنتاجه من الآيتين المتعلقين بالتجهيز الإنساني‬ ‫من حيث هو مستعمر في الأرض ومستخلف فيها أي من حيث هو مجتهد لإدراك‬ ‫الممكن من الحقيقة ومن حيث هو مجاهد لعمل الممكن من الفضيلة‪ .‬ذلك أننا وصلنا‬ ‫إلى إلى طر يقة البحث في التراتب بين دور السمع والنطق ممثلين لشروط التواصل ودور‬ ‫البصر والتوجه ممثلين لشروط التبادل في أي جماعة وبين الجماعات‪.‬‬ ‫وصلنا إلى ما يمكن من فهم الآيتين اللتين أردنا في البحث فهم غياب البعد الخامس‬ ‫فيهما‪ .‬فما يغيب في الكلام على البصر بالقياس إلى ما يحظر في الكلام على السمع هو ما‬ ‫يقود البحث في دور ما جهز به الإنسان للوصل بين وجوديه في عالم الشهادة وما يتعالى‬ ‫عليه و يعلله أي وجوده في عالم الغيب‪.‬‬ ‫فغياب السمع نتج عنه البكم‪ .‬فما الذي ينتج عن غياب البصر حتى ينتج عن الغيابين‬ ‫البكم والغائب المجهول أي عدم الفهم معرفيا وعدم الرجوع خلقيا؟ نبدأ الكلام في التراتب‬ ‫بين دور السمع ودور البصر في هذه المعادلة المضاعفة المنتجة لعدم الفهم في الآية‬ ‫‪82‬‬

‫––‬ ‫الأولى ولعدم الرجوع في الآية الثانية‪ .‬ففي الأولى تعين ما ينتج عن الصمم أي البكم‬ ‫الذي هو فقدان القدرة على النطق والتواصل مع البشر بالعبارة‪.‬‬ ‫وفي الثانية لم تذكر الآية القدرة التي فقدت بسبب العمى‪ .‬ل كننا اكتشفنا أن العجز هو‬ ‫\"عدم الرجوع\" وهو معنى شديد الغموض تطلب البحث عن نظير للتواصل بغير اللسان‬ ‫وهو مشروط فيه حاضرا كان أو غائبا‪ .‬فكان ذلك كافيا لبيان تعلقه بالإشارة التي هي‬ ‫أعم من اللسان وتصحبه دائما وهي أصدق منه إذ فيها ما يشبه شهاد الأعضاء على سلوك‬ ‫الإنسان في اليوم الآخر‪ :‬التعبير البدني إشاري وهو أصدق من التعبير اللساني‪.‬‬ ‫ثم إن التعبير الإشاري هو أصل كل تواصل لذلك فهو جهاز يشترك فيه الإنسان مع‬ ‫أي كائن حي‪ .‬وحتى أداة اللسان أي العبارة المصوتة فهي بدورها إشارة وغالبا ما يكون‬ ‫التصويت متضمنا البعد الإشاري البدني فضلا عن كون التصويت له وظيفة توجيه‬ ‫الانتباه إلى المطلوب المعد للتواصل بين المتواصلين مثل الصوت المنادي والآمر والناه‪.‬‬ ‫لذلك فمن يفقد التعبير الإشاري مع فقدان التعبير اللساني يصبح عاجزا دون التعلم‬ ‫بالتواصل مع البشر والتوجه في المكان فيفقد التواصل مع العالم الطبيعي والإنساني‪ .‬فمن‬ ‫يفقد السمع والنطق يمكن إن لم يفقد البصر أن يكون قادرا على التعلم من غيره والتوجه‬ ‫في المكان‪ .‬ل كن إذا جمع الفقدانين السمع والنطق مع فقدان البصر لم يبق له إلا الشم‬ ‫والذوق واللمس‪.‬‬ ‫وكلها مشتركة مع الحيوان وغير كافية للتواصل لفقدان شرط الوصل بين الحس‬ ‫والمحسوس بالسمع أو بالبصر‪ .‬ومن ثم فهو يفقد القدرة على التوجه في المكان والوصل‬ ‫‪83‬‬

‫––‬ ‫بين الحاس والمحسوس الأكثر تمييزا بين المحسوسات لأنها تكون فيه حاضرة خلال‬ ‫التواصل‪.‬‬ ‫أما باقي الحواس فأكثرها اتساعا في المكان هو الشم‪ .‬ل كنه لا يكفي لتوجه سليم ودونه‬ ‫الذوق واللمس إذ إنه في سعيه إلى مصدر المشموم لا يعلم ما يمكن أن يصادفه بصورة‬ ‫تمكنه من تجنب الوقوع في محظور‪ .‬ويمكن اذن أن نقول إن ما يفقد هو الحد الأدنى‬ ‫للتواصل بين البشر والمحيط التاريخي وبينهم وبين المحيط الطبيعي فلا يبقى للإنسان للبيان‬ ‫باللسان ولا البيان بالإشارة البدنية فيصبح فاقدا لشرطي الفعل أي العقل والإرادة وهما‬ ‫مقوما الإنسانية فيه وبهما يتميز عن غيره من الحيوان‪.‬‬ ‫بعبارة وجيزة يفقد جهازي الاستخلاف في الأرض ومن ثم إمكانية استعمالهما في‬ ‫الاستعمار في الأرض‪ .‬فيصبح فاقدهما معا عاجزا عن التقييمين الأسميين في التبادل‬ ‫وفي التواصل المطلوبين لذاتهما والأدنيين فيهما المطلوبين لغيرهما بوصفهما أداتين‬ ‫تصاحبان النظر والعمل عندما يخضعان لتوظيف في تحقيق شروط الاستعمار في‬ ‫الأرض سواء كان ذلك بقيم الاستخلاف أو بدونهما‪.‬‬ ‫وإذن فالآيتان تتعلقان بهذا النوع الثاني أي بطغيان دوافع الاستعمار في الأرض في‬ ‫غياب قيم الاستخلاف وهو المقصود بالفقدانين رغم وجود السمع والبصر‪ .‬ل كن البصر‬ ‫صار فاقدا للبصيرة لأنه لم يعد له القدرة على لغة الإشارة بثا وتلقيا وفاقدا لما يناظرها‬ ‫أي السميعة قياسا على البصيرة لأنه لم يعد له القدرة على لغة العبارة بثا وتلقيا‪.‬‬ ‫‪84‬‬

‫––‬ ‫والمعلوم أن الكلام ليس على فقدان الحواس بل على فقدان ما يتجاوزهما إلى ما يحدد‬ ‫معنى المحسوس‪ .‬فمن لا يفهم ولا يرجع لم يفقد السمع ولا البصر بل فقد ثمرتهما أي‬ ‫التعبير الناطق والتعبير المشير بثا وتلقيا فصار منقطعا عن الوجود الإنساني والطبيعي‪.‬‬ ‫فيكون استعماره في الأرض حيوانيا خالصا وليس له أدنى حظ من الاستخلاف وهو‬ ‫معنى \"لا خلاق له\" أي ليس له حظ من القيمة ومن الخير ية التي يعرف بها القرآن‬ ‫ثمرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (آل عمران من الآية الرابعة بعد المائة إلى العاشرة‬ ‫بعد المائة)‪ .‬وإذن فالآيتان تتعلقان بدور جهازي التواصل الإنساني‪:‬‬ ‫• جهاز الفهم وينسب عادة إلى العقل‬ ‫• وجهاز التوجه وينسب عادة إلى الإرادة‪.‬‬ ‫• والقلب يجمع بينهما مع ميل للمعرفي والعقلي‬ ‫• الفؤاد يجمع بينهما مع ميل للخلقي والإرادي‬ ‫• والجامع بينهما هم الذكر أي عدم نسيان العلاقة بين جهاز الاستعمار في الأرض‬ ‫أو الاجتهاد للفهم وجهاز الاستخلاف فيها أي الجهاد للرشد‪ .‬ووحدتهما هي العبادة‬ ‫التي لم يخلق الإنسان لغيرها‪.‬‬ ‫ويمكن أن تصاغ الآيتان بصورة تجعل المضمر معلن‪ :‬فتكون حصيلة الجمع بين الآيتين‬ ‫\"صما بكما (فاقدين للعقل أي الفهم والإفهام أي لشرطي البيان بالعبارة اللسانية التي‬ ‫تشمل التلقي والبث في التواصل مع البشر) عمي (فاقدين للإرادة أي التوجه والتوجيه‬ ‫‪85‬‬

‫––‬ ‫أي لشرطي البيان بالإشارة البدنية التي تشمل التلقي والبث في التواصل مع كل شيء‬ ‫بشرا وغير بشر) فهم لا يعقلون ولا يرجعون\"‪.‬‬ ‫‪86‬‬

‫––‬ ‫– الفصل العاشر –‬ ‫سأبدأ هذا الفصل بما يميز بين ما أتكلم عليه وخرافة الاعجاز العلمي حتى لا‬ ‫يظن أني انهي عن خلق وآتي مثله‪ .‬لا علاقة لما اعرضه في محاولاتي لتفسير‬ ‫القرآن بالإعجاز لأني اعرف ما يفيده القرآن بدور السبابة التي تشير إلى ما على‬ ‫الإنسان رؤيته ليدرك ليتبين أن القرآن حق‪.‬‬ ‫والعلم إذا توهمانه يدرك الحقائق الغائية بحيث تكون معرفته مطلقة ومحيطة‬ ‫وغير تاريخية ليس لنا منه شيء إلا في أوهام الدجالين سواء ادعوا العلم بالدين‬ ‫أو العلم بالفلسفة‪ .‬كل معرفة إنسانية وكل عمل إنساني متناه وفان الأول غير‬ ‫محيط والثاني غير تام قطعا‪.‬‬ ‫وما يقال عن العلم يقال مثله على العمل‪ :‬لا وجود لعلم إنساني تام بحيث يكون‬ ‫ما انتهى اليه نهائيا ليس بعده امكانية التجاوز ومن ثم فهو حتما ناقص‪.‬‬ ‫وإذن فكل معرفة إنسانية وكل عمل إنساني كلاهما متناه وفان فالأول غير‬ ‫محيط والثاني غير تام قطعا‪ .‬فإذا بحثنا عنهما في القرآن جعلناه تاريخيا فأنهينا‬ ‫تعاليه وصرنا مثل الملحدين نعتبره قد مضى ولم يعد له دور‪.‬‬ ‫فما أتكلم عليه هو ما لا يمكن علمه إنسانيا بمعنى أنه من جنس الإشارة إلى ما‬ ‫لا تعلم طبيعته علما يقينيا رغم كون وظيفته هي شرط كل يقين وهو في نسبة‬ ‫‪87‬‬

‫––‬ ‫طبيعة الكائنات الر ياضية بالقياس إلى دورها في كل ما عداها من العلوم‬ ‫الإنسانية‪.‬‬ ‫فهي من جنس الإشارات التي يسميها ابن تيمية تقديرات ذهنية تبدع عالما‬ ‫مثاليا ليس لها علم بطبيعته لأنه لا يرد إلى ما يتخيله صاحبه وإلا لكان خيال‬ ‫الإنسان هو الذي يمكن من علم كل ما عداه في المكان والزمان وسلوك الطبيعة‬ ‫والإنسان‪.‬‬ ‫كل ما في الأمر أني قياسا على هذه المفارقة بين الطبيعة المجهولة والوظيفة‬ ‫المعلومة والضرور ية في مجال النظر والعقد التي لا يمكن ألا ننسبها إلى المقدرات‬ ‫الذهنية الر ياضية والمنطقية‬ ‫وضعت فرضية أفسر بها الطبيعة المجهولة والوظيفة المعلومة والضرور ية في‬ ‫العمل والشرع التي لا يمكن ألا ننسبها إلى المقدرات الذهنية الدينية والخلقية‪.‬‬ ‫كما أفسر بها فساد الأدب العربي الحالي‪ :‬فكل أدباء عصرنا لا علاقة لهم‬ ‫بنوعي التقدير الذهني‪ .‬كلهم يكذبون لتز يين سيرهم خلطا بين ظاهر النفس‬ ‫وسرائرها‪ .‬ولهذه العلة فهم أبعد الناس عن نوعي التقدير الذهني‪.‬‬ ‫‪88‬‬

‫––‬ ‫والقرآن يجمع بين النوعين لذلك فهو لا يخلو من الاعجاز الأدبي بإشاراته لما‬ ‫يذكر بالفرق بين ظاهر النفس وسريرتها‪ .‬ل كنه يفعل بالإشارة التذكير ية التي‬ ‫توقظ الإنسانية بالكلام على‪:‬‬ ‫• علاقة النوع الأول بالنظر والعقد‬ ‫• وعلة النوع الثاني بالعمل والشرع‬ ‫واعتبار ذلك عين استعمال الجهازين جهاز النظر والعقد أي العقل للاجتهاد‬ ‫المعرفي وجهاز العمل والشرع أي الإرادة للجهاد القيمي‪.‬‬ ‫والقرآن من هذا الجنس ل كنه كذلك بصفة الإشارة التذكير ية التي توقظ‬ ‫الإنسانية بالكلام على علاقة النوع الأول بالنظر والعقد والنوع الثاني بالعمل‬ ‫والشرع واعتبار ذلك عين استعمال الجهازين جهاز النظر والعقد أي العقل‬ ‫للاجتهاد المعرفي وجهاز العمل والشرع أي الإرادة للجهاد القيمي‪.‬‬ ‫فيكون جامعا بين التنبيه إلى وظائف الجهاز الأول سبيلا إلى الاجتهاد في‬ ‫اكتشاف قوانين الطبيعة وإلى وظائف الجهاز الثاني سبيلا إلى الجهاد في‬ ‫‪89‬‬

‫––‬ ‫اكتشاف سنن التاريخ مع وصلهما بمقومي قيام الإنسان المادي أي كيانه العضوي‬ ‫وكيانه الروحي‪.‬‬ ‫ومن ثم فالأجوبة التي يقدمها القرآن لا تتعلق بالمسائل التي لا يمكن ان نعلمها‬ ‫بالبحث العلمي الذي يبقى دائما فرضيا ما لم تؤيده التجربة التي لنا عن عادات‬ ‫الأشياء وهي المتغيرة كلما تجودت هذه القدرة بفضل من يبدعه العلم من‬ ‫الأدوات التي تساعد المدارك الحسية التي تبقى الحكم الحاسم في كل علم إنساني‪.‬‬ ‫بل هي تتعلق بإيقاظ الاجتهاد العلمي في شروط قيام الإنسان العضوي أي‬ ‫الاستعمار في الأرض وبإيقاظ شروط الاجتهاد العملي في شروط قيام الإنسان‬ ‫الروحي أي الاستخلاف في الأرض‪.‬‬ ‫ولهذه العلةكان القرآن رسالة فاتحة وخاتمة لأنه هو عين الكلمات التي تلقاها‬ ‫آدم فعفي عنه ‪-‬ولم يقل أتهمن‪-‬لأن تمامهن حصل في الختام‪.‬‬ ‫وما بين البداية والغاية كان تاريخ التطور الإيقاظي الذي سيكون موضوع‬ ‫الفصل الأخير من هذه المحاولة أي تاريخ العلاقة بين السرمدي وهو تجهيز‬ ‫الإنسان والتاريخي وهو تمام الوعي بوظيفته الاستعمار ية والاستخلافية المتممة‬ ‫للكلمات التي تلقاها آدم فأتهمن محمد‪.‬‬ ‫‪90‬‬

‫––‬ ‫وإذن فما أتكلم عليه هو ما لا يمكن أن يكون للإنسان فيه تجربة حاسمة تؤيد‬ ‫فرضيات الإنسان لأن التجربة ال كونية لم تحصل إلا بحصول الدين الخاتم الذي‬ ‫يحدد وظيفة النوع الثاني من المقدرات الذهنية المرسومة في ما فطر عليه الإنسان‬ ‫فينساه لإخلاده إلى الأرض ولهذه العلة سمى الكتاب ذكرا والرسالة تذكيرا‬ ‫مبشرا ومنذرا‪.‬‬ ‫والسؤالان اللذان يجمعان بين نوعي التقدير الذهني المتعلق بالنظر والعقد‬ ‫وبالعمل والشرع والجامعان بين الديني والفلسفي أي المشترك بينهما والذي هو‬ ‫جوهر العلاقة بين عالم الشهادة وعالم الغيب ليس لهما جواب علمي إنساني وهما‬ ‫أفضل الأمثلة التي يتعين فيهما جوهر المفارقة الر ياضية والمفارقة الدينية أي‬ ‫الجهل بطبيعة مقدراتهما الذهنية والعلم بوظيفتهما عند كل إنسان حتى لو كان‬ ‫اميا‪:‬‬ ‫• الأول هو لماذا يوجد شيء بدل لا شيء؟‬ ‫• الثاني هو لماذا يكون ما يوجد على كيف معين وسواه ممكن؟‬ ‫• وما كان ذلك يكون كذلك لو لم يكن للإنسان من حيث هو إنسان القدرة‬ ‫على التوجيه بالمعنى الفلسفي للكلمة أي استعمال الجهات فيميز بين الممكن‬ ‫والواجب والممتنع‪.‬‬ ‫‪91‬‬

‫––‬ ‫• وهذا التوجيه يعد في آن علامة الحر ية وشرط اعتبار الموجود غير مكتف‬ ‫بنفسه بحثا عما يجعله موجودا وشرط اعتبار كيفه مشروطا بالأخيار لتعدد‬ ‫ال كيفيات الممكنة‪.‬‬ ‫• وإذن فالتوجيه هو أساس التقدير الذهني الر ياضي المشروط في كل معرفة‬ ‫إنسانية والتقدير الذهني الديني المشروط في كل عمل إنسان‪ .‬وبهما يكون‬ ‫الإنسان حائزا على جهازين يشيران إلى أنه فعلا خليفة‬ ‫بمعنى أن هذين المقومين فيهما إحالة إلى اللامتناهي الذي يرد إليه الخلق والامر‬ ‫فيكون نوعا التقدير الذهني صفتين للإنسان من حيث هو إنسان هو مدلول علمه‬ ‫الأسماء كلها أي التسمية المعرفية والقيمية‪.‬‬ ‫وبهذا المعنى فالجواب الديني في قضية بداية الخلق والامر أفضل لأنه ينسب‬ ‫الأمر إلى ما يقيسه على نفسه معتبرا الجواب عن السؤالين قابلا للتقديم بالقياس‬ ‫إلى ما يعتبره شرطين في كل أفعاله أي الهندسة المبدعة للشيء بعد عدمه والمبدعة‬ ‫له على صورة معينة مناسبة للغرض منه‪.‬‬ ‫ل كنه يجعل ذلك خاصا بالبدايات المطلقة بما يفها بداية الإنسان طبيعة‬ ‫ووظائف‪ .‬وهي البدايات التي يمكن للعلم أن يلاحظها ويسلم بها ل كنه لا يستطيع‬ ‫‪92‬‬

‫––‬ ‫تفسيرها إلا بصورة دور ية فيجعل بعضها عللا لبعضها ولا شيء قبل البداية يمكن‬ ‫أن يعللها إلى بدور يصادر على المطلوب‪:‬‬ ‫• لذلك فالعلم الإنساني لا يستطيع إلا التسليم بأن الأمر هو كما هو دون تعليل‪.‬‬ ‫فلا شيء يعلل تمايز المواد والعناصر عدى كونها متمايزة والمثال الأوضح في ذلك‬ ‫هو كيمياء الأشياء وفيز ياء تفاعلاتها‪ .‬هي كما هي وكفي وخاصة في البدايات‪.‬‬ ‫• والعمل الإنساني لا يستطيع إلى التسليم بما بالقياس إلى القضاء والقدر‬ ‫الدينيين للجواب على هذه الأسئلة التي لا جواب عليها فلسفيا إلا باللجوء إلى‬ ‫الفاتاليسم الخلقي‪ :‬الامر هو كذلك ولا تعليل له يتجاوز التعليل الدوري بالتفاعل‬ ‫بين الأشياء ولا يمكن استعماله في البدايات إلى إذا افترضناها محتو ية على‬ ‫الغايات‪.‬‬ ‫وبهذا المعنى فالمسألةكلها تعود إلى طبيعة التجهيز الإنساني للنظر والعقد وللعمل‬ ‫والشرع ولا يمكن أن يعلل ما يتجاوز ما يقبل القيس إلى ما يقدران عليه فيكون‬ ‫الإنسان وحدة قيس المعلوم والمعمول والأرض وحدة قيس خصائص العالم‬ ‫ال كيمياو ية والفيز يائية‪.‬‬ ‫‪93‬‬

‫––‬ ‫وهو ما لم يفهمه الفلاسفة مثلا عندما يكلمهم القرآن على عالم يومه يقاس‬ ‫بخمسين اف سنة مما نعد في الأرض في حين انهم كانوا يتصورونه مقصورا على‬ ‫ما يراه عليه فلك بطليموس أو حتى فلك كوبرنيكوس‪.‬‬ ‫وبهذا المعنى كذلك فكل ما استنتجته من المقارنة بين الآيتين اللتين بنيت‬ ‫عليهما تعلقهما بالجهازين اللذين يؤهلان الإنسان للاستعمار في الأرض‬ ‫والاستخلاف فيها مقومين للعبادة التي هي العلة الوحيدة لخلق الإنس والجان‬ ‫في القرآن‬ ‫وبتكاملهما يكون تقولا على القرآن ال كريم ومبالغة في الاعتماد على أسلوب‬ ‫الاقتصاد الذي يجنبه قول ما يغني عنه السياق من الدلالة لا بد من الاستدلال‬ ‫بما لا يمكن أن يجادل فيه عاقل‪.‬‬ ‫كان ذلك يكون كذلك لو لم تكن سورة الرحمن مخصصة لهذه الإشكالية‬ ‫وعلاقتها بنوعي الوجود الإنساني في عالم الشهادة وفي عالم الغيب بوصف الوصل‬ ‫بينهما علامة الصلاح والفصل بينهما علامة الخسر اللذين تعلقت بهما سورة‬ ‫العصر فجعلها ذلك تعتبر بنظرة الشافعي كافية لتكون متضمنة لكل مضمون‬ ‫القرآن‪.‬‬ ‫‪94‬‬

‫––‬ ‫فأهمية هذا المعنى في تعطل جهازي الإنسان اللذين يحقق بهما الاستعمار في‬ ‫الأرض والاستخلاف فيها أي العقل جهاز النظر والعقد والإرادة جهاز العمل‬ ‫والشرع تقتضي أن توجد سورة مخصصة لهما بهذا المعنى مثلما رأينا ذلك في‬ ‫محاولة سابقة حول دلالة سورة يوسف‬ ‫فهي مخصصة لمعنى العلاقة بين رؤى الحلم وفاعلية العلم في صناعة الإنسان‬ ‫لتاريخه ورأينا أن سورة هود مخصصة لمعنى العقبات التي تجعل التاريخ بين ما‬ ‫يترتب على ما في الاستعمار في الأرض من معيقات للاستخلاف فيها بسبب‬ ‫تأثير قيم الثاني في قيم الأول‪.‬‬ ‫وهذه السورة يمكن اعتبارها التأو يل الأسمى لحقيقة تعر يف القرآن للإنسان‬ ‫ومعه الجان أي للأمتين اللتين يقول القرآن إن الله لم يخلقهما إلا ليعبدوه‪ :‬إنها‬ ‫سورة الرحمن‪ .‬فآياتها الخمس الأولى هي التي مكنت من استخراج المضمر في‬ ‫الآيتين‪:‬‬ ‫\"الرحمن* علم القرآن * خلق الإنسان * علمه البيان * الشمس والقمر بحسبان\"‬ ‫ثم وصلت الآية الموالية ذلك كله برمزين أولهما يشير إلا الاستخلاف والثاني‬ ‫إلى الاستعمار في الأرض‪\" :‬والسماء رفعها ووضع الميزان‪ .‬الا تطغوا في الميزان‬ ‫‪95‬‬

‫––‬ ‫(فيها إشارة إلى المطففون)\"‪ .‬فالميزان هو سر العدل في التعاوض‪ .‬والسماء هي‬ ‫سر الصدق في التواصل‪.‬‬ ‫اختيار اسم الرحمن‪ :‬ما دلالته‪ .‬لولا هذا العنوان لأمكن لأي \"متعاقل\" أن‬ ‫يزعم أن الرب الذي هو \"على كل شيء قدير\" ما حاجته إلى خلق من يعبده‬ ‫وجعله عبدا آبقا بل وخصيما مبينا بنص القرآن؟ خصومة الإنسان مع الرب‬ ‫نعلمها لأننا بشر‪.‬‬ ‫ل كن ما خصومة الجن مع الرب إذا كان مثل الإنسان كما يتبين من نص‬ ‫سورة الرحمن لأن الجزاء الموجب والسالب واحد في الحالتين بخصوص علاقة‬ ‫السلوكين في عالم الشهادة بمقتضى قيم الاستخلاف وعدمها بالجزاءين في عالم‬ ‫الغيب؟‬ ‫لو سلمت بأن العقل كاف لفهم اسرار الوجود حتى الشاهد لصار هذان‬ ‫السؤالان وجيهين ومشروعين‪ .‬ل كني بسبب تسليمي بالعكس اعتقد أن الأمر‬ ‫من الألغاز التي تجعل الخلق والأمر من الغيب وكل محاولة لفهمهما بمنطق‬ ‫النظر يات العلمية أكثر الغازا من القصة التي يعتمدها القرآن‪.‬‬ ‫والكلام في هذه المسائل ليس علميا بل هو عقدي ولذلك فيمكن ان تتضمنه‬ ‫الرسالة دون تناقض لأنه يتعلق بما هو في متناول الجميع ل كونه هو عين ما جهز‬ ‫‪96‬‬