Important Announcement
PubHTML5 Scheduled Server Maintenance on (GMT) Sunday, June 26th, 2:00 am - 8:00 am.
PubHTML5 site will be inoperative during the times indicated!

Home Explore قانون التساخر بين السخرية والتسخير السياسيين- القسم الثاني – أبو يعرب المرزوقي

قانون التساخر بين السخرية والتسخير السياسيين- القسم الثاني – أبو يعرب المرزوقي

Published by أبو يعرب المرزوقي, 2022-08-22 22:22:52

Description: قانون التساخر بين السخرية والتسخير السياسيين- القسم الثاني – أبو يعرب المرزوقي

Search

Read the Text Version

‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪re nils frahm‬‬ ‫‪ -‬القسم الثاني ‪-‬‬

‫قانون\" التساخر\"‬ ‫بين السخرية والتسخير السياسيين‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪ -‬القسم الثاني ‪-‬‬ ‫تونس في ‪ 24‬محرم ‪1444‬‬ ‫الموافق لـ ‪ 22‬اوت ‪2022‬‬



‫محتويات الكتيب‬ ‫محتو يات ال كتيب ‪2‬‬ ‫‪ -‬الفصل الأول ‪1 -‬‬ ‫‪ -‬الفصل الثاني ‪12 -‬‬ ‫‪ -‬الفصل الثالث ‪21 -‬‬ ‫‪ -‬الفصل الرابع ‪30 -‬‬ ‫‪ -‬الفصل الخامس ‪37 -‬‬ ‫‪-‬الفصل السادس ‪47 -‬‬ ‫– الفصل السابع – ‪58‬‬ ‫– الفصل الثامن – ‪65‬‬ ‫– الفصل التاسع – ‪76‬‬ ‫– الفصل العاشر – ‪87‬‬ ‫‪-‬الفصل الحادي عشر – ‪100‬‬

‫‪--‬‬ ‫‪ -‬الفصل الأول ‪-‬‬ ‫بعد أن تجاوزت خطة المحاولة التي خصصتها لقانون التساخر ما توقعته في خطتها الأولى‬ ‫اضطررت إلى قسمتها إلى جزئين‪:‬‬ ‫‪/1‬أولهما يكون مجرد أجمع فيه ممهدات البحث واستطرادات ذات صلة بما يدفعني‬ ‫لتجاوز ما ترتب على خرافة الفصل بين الديني والفلسفي وتعميم الحمقى من توابع اليعقوبية‬ ‫والماركسية لما يترتب على ما تصوروه من علاج مظالم التساخر مضاعفة لها لأن الدولة‬ ‫الحاضنة تطلقها بدلا من علاجها‪.‬‬ ‫‪/2‬والثاني ببيان الخطة التي تترتب على الوصل بين الفلسفي والديني من خلال وحدة‬ ‫الغايتين اللتين جهز الإنسان من اجلهما بجهاز النظر والعقد أي العقل وبجهاز العمل‬ ‫والشرع أي الإرادة‪ .‬وقد سبق فبينت أن الجهازين ملازمان للإنسان من حيث هو‬ ‫إنسان ما يجعلهما يفعلان هو الدخول في \"الخدمة\" عن طر يق البدن الذي هو أداة‬ ‫الإدراك الحسي منطلقا لمد الأول بمجال فعله والفاعلية العضو ية منطلقا للاختبار لمد‬ ‫الثانية بمجال فعلها‪.‬‬ ‫ل كن تفاعلهما المضاعف من الأول إلى الثاني ومن الثاني إلى الأول مشروط في‬ ‫فعلهما إذ أن الإرادة بدون العقل نزوات والعقل بدون الإرادة توهمات‪ .‬فتكون‬ ‫حصيلة الجهازين وتفاعلهما في الاتجاهين هي القدرة الفعلية الراشدة على الاستعمار في‬ ‫الأرض بقيم الاستخلاف في حالة صلاحهما أو من دونها في حالة فسادهما‪ .‬وذلك هو‬ ‫جوهر السياسة التي تصل بين العالمين عالم الشهادة وعالم الغيب‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪--‬‬ ‫• فبالإجهاد في النظر وتربية العقل ليكون في خدمة الحقيقة لعلم الممكن للإنسان منها‬ ‫• بالجهادية في العمل وتربية الإرادة لتكون في خدمة الفضيلة للعمل الممكن للإنسان‬ ‫منها‬ ‫وذلك في الحالتين بفضل بعدي الاستراتيجية السياسيةكما صاغها القرآن ال كريم‪ .‬وهي‬ ‫الخطة التي سأحاول إنجازها في القسم الثاني من المحاولة إن شاء الله مشيرا إلى أني قد‬ ‫قدمت أهم إشكالية تبرز ما يتميز بيه المشترك بين الفلسفي والديني في الإسلام بما بينته‬ ‫من فرق بين المنطقين المترتبين على مفهوم الإنسان في القرآن‪:‬‬ ‫• المفهوم الذي بنى عليه ابن خلدون رؤيته الفلسفية للتاريخ في علاقته بما بعده‬ ‫باعتباره \"رئيسا بالطبع بمقتضى الاستخلاف الذي خلق له\"‪.‬‬ ‫• وما يقابلها في الرؤ ية الهيجلية المبنية على مفهوم الإنسان في التوراة والأناجيل‬ ‫المحرفين باعتباره مستعبدا مرتين روحيا بال كنيسة الوسيطة بينه وبين ربه والحكم بالحق‬ ‫الإلهي الوصي بينه وبين شانه‪.‬‬ ‫وتتألف مسائل هذا القسم الثاني من خمس مجموعات اعرض المقصود بكل واحدة‬ ‫منها دون الدخول في جزئياتها لما سبق من البحث في محاولات أخرى وسأكتفي إذن‬ ‫بمجرد ملخص أولي قد اشفعه بمحاولة اخرى مطولة تدرس كل مجموعة دراسة مستوفية‬ ‫نستكمل بها ما تقدم من بحث تعلقت بها دون أن تستوفيها حقها‪ .‬وسيكون مجموع الفصول‬ ‫في هذا الجزء الثاني من المحاولة مثل الجزء الأول أي أحد عشرة فصلا اواصل فيها‬ ‫‪2‬‬

‫‪--‬‬ ‫استكمال الكلام على قانون التساخر‪ .‬وتلك هي جملة الفصول التي توقعتها في بداية الخطة‬ ‫أي اثنين وعشرين فصلا قسمتها إلى جزئين‪.‬‬ ‫ويمكن في تحديد شديد الاختصار والوضوح تعر يف هذا القانون بكونه قانون الشروط‬ ‫التي تحقق التناغم بين مساواة البشر في المنزلة الوجودية بمعنى أنهم جمعيا مستعمرون في‬ ‫الأرض ومستخلفون فيها ل كن هذه المساواة قد تحول دون شروط الاستعمار في‬ ‫الأرض أي التراتب الوظيفي في قسمة العمل المنتج للثروة بالتعاون والتبادل كما قد‬ ‫تحول دون شروط الاستخلاف فيها أي التراتب الخلقي في قسمة العمل المنتج للتراث‬ ‫بالتعاون والتواصل‪.‬‬ ‫لذلك فإن التفاوت في قدرات التجهيزين للاجتهاد في ابتداع شروط انتاج التراث‬ ‫والثروة والجهاد في تحقيقهما الفعلي الذي قد يبدو حيفا ِخلقيا يعدله بعض الشيء‬ ‫التدارك الاجتماعي بفضل التربية والتكوين بحسب الإمكانات فيضيف حيفا اجتماعيا‬ ‫يضاف إليهما دور القوتين العضوي والاقتصادية وهما حيفان في علاقة البشر يجعلان‬ ‫التغالب المادي أحد مقومات التراتب في الجماعةكل ذلك يعتبر من الشروط والمعوقات‬ ‫في آن لتحقيق التبادل العادل والتواصل الصادق‪ .‬لذلك كان قانون التساخر علة للتسخير‬ ‫والسخر ية في آن أي إنه أكبر علامة على عسر التوفيق بين المساواة والاخوة والحاجة‬ ‫إلى التراتب والتفاضل حتى يحصل الاستعمار في الأرض والاستخلاف فيها طوعا أو‬ ‫كرها‪.‬‬ ‫المجموعة الأولى‪ :‬المجتمع السياسي أو قوى السياسة العامة‬ ‫‪3‬‬

‫‪--‬‬ ‫فالمرجعية في المجتمع السياسي تهتم بشروط الاستعمار في الأرض وتهمل قيم‬ ‫الاستخلاف ويسمونها في هذه الحالة علمانية‪ .‬أو تهتم بشروط الاستخلاف في الأرض‬ ‫حصرا إياها في العبادات ويسمونها في هذه الحالة اسلاما سياسيا‪ .‬ل كن لما كان من‬ ‫العسير التمييز في هذه الرؤ ية بين بين التقوى الصادقة والتقية المنافقة باتت الأولى تبدو‬ ‫أقرب إلى السياسي من الثانية رغم الخطأ الحالتين لأن الاستعمار في الأرض من دون‬ ‫قيم الاستخلاف يجعل الحكم مافياو يا قيمهكلها اخلاد إلى الأرض‪ .‬والاستخلاف من‬ ‫دون قيم الاستعمار في الأرض يجعل الحكم مافياو يا قيمهكلها روحية زائفة لأن أصحابها‬ ‫يصبحون تابعين للناجحين بمنطق الأولى‪.‬‬ ‫ل كن المادي لا يخلو من الروحي وتلك هي علة ازدواج القيم الاقتصادية والروحي لا‬ ‫يخلو من المادي وتلك هي علة ازدواج القيم الروحية‪ .‬فالروحي لا يمكن أن يكون أساسا‬ ‫لعقد يحقق اهداف السياسة بالوازع الذاتي وحده لاشتراطه الشوكة فيها وتستمد من قيم‬ ‫مادية‪ .‬والمادي لا يمكن أن يكون أساسا لعقد يحقق اهداف السياسة بالوازع الأجنبي‬ ‫وحده لاشتراطه الشرعية وتستمد من قيم روحية‪.‬‬ ‫والقوى السياسية أي الأحزاب وهي تنقسم إلى حزب الاستعمار في الأرض الخالص‬ ‫(اليمين المتطرف) وحزب الاستخلاف الخالص (اليسار المتطرف) وحزب ما يستمده‬ ‫الحزب الأول من الحزب الثاني (يسار اليمين) وحزب ما يستمد الحزب الثاني من‬ ‫الحزب الأول (يمين اليسار) والحزب الأوسط الذي له وجهان هو بدوره أي حزب‬ ‫الساكتين والانتهاز يين‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪--‬‬ ‫والدستور ويتضمن تعر يف الجماعة وخياراتها المرجعية ونظام قواها السياسية وأسلوب‬ ‫عملها في الحكم والمعارضة ودور السلط الخمسة التي هي السلطة الأصلية ليس المؤسسة‬ ‫فحسب بل الملازمة لكل أفعال القيمين على مؤسسات الدولة أي المحافظين على العقد‬ ‫السياسي والاجتماعي وسلطة القوى السياسية والسلطة التنفيذية الحاكمة والمعارضة‬ ‫والسلطة التشر يعية والسلطة القضائية مع التناظر بين الأصلية والقضائية وبين والحقوق‬ ‫والواجبات وتناظر سلطة القوى السياسية والسلطة التشر يعية وتبقى السلطة التنفيذية هي‬ ‫ذروة الدولة لأنها هي القيمة عليها جميعا بمقتضى دولة القانون النافذ‪ .‬والحكم أو القوامة‬ ‫السياسية بوجهيها بالفعل (أي الحكم) وبالقوة (أي المعارضة) الرعاية التكوينية بصنفيها‬ ‫أي التربية والمشاركة في تقاسم العمل تطبيقا للتحصيل في المدرسة‪ .‬والرعاية التموينية‬ ‫بصنفيها أي انتاج التراث العلمي والذوقي أو الثقافة وإنتاج الثروة او الاقتصاد‪.‬‬ ‫فأصل الرعاية بأصنافها الأربعة هو البحث والإعلام العلميان في الجماعة لأن مضمونه‬ ‫هو مضمون التكوين وحصيلته هي ثمرتا التموين أي انتاج التراث والثروة‪.‬‬ ‫والحماية الداخلية هي القضاء والأمن والحماية الخارجية وهي الدبلوماسية والدفاع‪.‬‬ ‫والنسبة بين القضاء والأمن في الداخل هي عين النسبة بين الدبلوماسية والدفاع في‬ ‫الخارج‪ .‬والأولى هي دولة القانون الوطني يكون فيها الأمن تابعا للقضاء العادل‪ .‬والثانية‬ ‫هي عولمة القانون الدولي يكون فيها الدفاع تابعا للقانون الدولي العادل‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪--‬‬ ‫وأصل الحماية الاستعلام والاعلام السياسيان إذ هو تطبيق البحث العلمي على أحوال‬ ‫الامة واحوال العالم لأن هذه محددة لتلك ومن ثم فالسياسة الخارجية محددة للسياسة‬ ‫الداخلية ومتانة هذه هي التي تحدد الموقع في تلك‪.‬‬ ‫المجموعة الثانية‪ :‬المجتمع المدني أو سياسة المؤسسات الوسطى‬ ‫الأسرةكيف يكون التساخر فيها والكلام على قصة يوسف وعلاقة الأخوة وفيها أن‬ ‫كل ما يحدث في الجماعة يبدا مع الأسرة وهي اذن نواة الجماعة وفيها ما في الجماعة من‬ ‫الإشكالات بحيث إن ما يحدث في الجماعة يحدث كله في الأسرة واهم علامات ذلك‬ ‫التنافس والتحاسد والتبادل الظالم والتواصل الكاذب‪.‬‬ ‫ثم المدرسة وكيف يكون التساخر فيها والكلام على راي ابن خلدون في نظر ية الوزعين‬ ‫الذاتي أي النابع من الضمير والأجنبي أي الذي يحتاج إلى شوكة تطبق القانون على من‬ ‫لا ضمير له يردعه عن الأفعال الشائنة بالأخلاق والمحطة من منزلة المواطن الحر الذي‬ ‫لا ضمير له فيحتاج إلى الردع بقوة القانون‪.‬‬ ‫• ثم المعبد وكيف يكون التحرر من الوساطة والوصاية‬ ‫• ثم المعمل التكوين المهني وشروط تقسيم العمل والقوامة‪.‬‬ ‫• ثم الأمة التراكب بين القوى السياسية والمدنية‬ ‫المجموعة الثالثة هي المجموعة الوسطى للوصل بين الجماعة الجزئية والجماعة ال كونية وما‬ ‫دون القضاء العادي في الوطني والدولي مثل المعاملة المتقدمة على اللجوء لقانون الاسرة‬ ‫‪6‬‬

‫‪--‬‬ ‫والعمل وما فوقهما لأنه يتعلق بما يشبه السلطة الخلقيةكما في الأمم المتحدة التي تختلف‬ ‫قرارات الجمعية العامة عن قرارات مجلس الأمن‪.‬‬ ‫ملاحظة مهمة للغاية وقد كانت خصوصية إسلامية ثم صارت كونية‪.‬‬ ‫وهي مستوى أول من القضاء التصالحي دون استعمال القضاة الرسميين مثال ذلك‬ ‫في الأسرة قبل الوصول للقضاء استعمال حكمين من أهل الزوجة ومن اهل الزوج‬ ‫للمصالحة تجنبا للذهاب إلى المحاكم في كل ما لا يتعلق الحقوق المدنية التي يمكن أن تحل‬ ‫بفضل حلها هي بدورها ولا تصبح موضوع خصام إلا إذا لم ينجح الصلح في المسائل‬ ‫الحميمية‪.‬‬ ‫وعليه يقاس ما يتم في المدرسة وفي المعبد وفي المعمل وفي الجماعة‪ .‬وقد صار هذا‬ ‫المستوى الأول من العلاج عاما في العالم كله بل هو قد انتشر خاصة في مجلة قانون‬ ‫العمل والأعمال مثلا وهو التحاكم دون تقاض بالمعنى المعتاد‪.‬‬ ‫فيها نظر ية العلم أو الاجتهاد وتطبيقاته‪ .‬وفيه ثورتان اولاهما التخلي على خرافة العلم‬ ‫المطابق والعمل التام والاكتفاء بنسبية دور العقل في العلم ودور الإرادة في العمل‬ ‫شرطين للتعايش السلمي بين البشر والحاجة إلى التواصي بالحق‪.‬‬ ‫ثم نظر ية العمل أو الجهاد وتطبيقاته وتتعلق خاصة بالعمل والشرع أي إن أنظمة‬ ‫العمل بمعناه الاقتصادي والخلقي تحتاج على الجهاد وتطبيقاته وخاصة للعدل في التبادل‬ ‫والصدق في التواصل‪.‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪--‬‬ ‫ثم فعل الأول في الثاني أو استراتيجية التربية‪ .‬ل كن التربية وحدها لا تكفي وخاصة‬ ‫إذا لم تكن معتمدة على ما يمتن معاني الإنسان أي عدم الاعتماد على العنف والعسف‬ ‫كما بين ابن خلدون ذلك في كلامه التربية والحكم العنيفين المفسدين لمعاني الإنسانية‪,.‬‬ ‫ثم فعل الثاني في الأول أو استراتيجية الحكم‪ :‬استراتيجية الحكم في الإسلام لا تكون بحق‬ ‫سلمية إذا لم يؤطرها الدور التربوي بحيث إن البعد القيمي والتوعوي ممثلا لشرعية الحكم‬ ‫ينبغي أن يتقدم على شوكته التي هي ضرور ية لمن ضمر لديه الوازع الذاتي بلغة ابن‬ ‫خلدون‪.‬‬ ‫وأخيرا أصل المقومين وتفاعلهما واصلهما هو فهم العلاقة بين العقل والإرادة‬ ‫الإنسانيين ودورهما المتحرر من القول بالمطابقة والعلم المحيط ومن القول بالتمام والعمل‬ ‫المحتاج للتجويد الدائم‪.‬‬ ‫المجموعة الثالثة‪ :‬المجتمع المدني الدولي‬ ‫نفس المسائل حول المجتمع المدني الوطني‪ .‬فالمجتمع المدني لا يختلف عن المجتمع‬ ‫المدني الوطني إلى من حيث عموم نفس الدور المتعلق بعدل التبادل وصدق التواصل‬ ‫ومن ثم فهو متجاوز للحدود السياسية التي تفصل بين الدول وخاصة في النقابات‬ ‫والجمعيات الثقافية والحقوقية‪.‬‬ ‫وهو بهذا المعنى عين ما يطلبه القرآن‪ :‬كونية القيم المتعلق بالتبادل والتواصل ووحدة‬ ‫الإنسانية بحيث تكون الجماعات الوطنية في نسبتها إلى الإنسانية مثل المجموعات التي‬ ‫‪8‬‬

‫‪--‬‬ ‫تنقسم اليها الجماعة الوطنية الواحدة‪ .‬ومعنى ذلك أن التساخر في الجماعة الوطنية الواحدة‬ ‫تخضع لنفس التساخر في الجماعة البشر يةكلها‪.‬‬ ‫وإذن فقضية العدل في التبادل والصدق في التواصل واحدة في الحالتين والعلاج هو‬ ‫تطبيق المبدأين القرآنيين أي الآية الأولى من النساء والآية الثالثة عشرة من الحجرات‪.‬‬ ‫المجموعة الرابعة‪ :‬السياسة الدولية‬ ‫وتتألف من نفس المسائل الواردة في السياسة الوطنية مطبقة على السياسة الدولية‬ ‫في نظر ية تعتبر الإنسانية جماعة واحدة استنادا إلى مبدأي الأخوة الإنسانية في الآية‬ ‫الأولى من النساء والمساواة بين البشر المتعددين للتعارف معرفة ومعروفا في الآية الثالثة‬ ‫عشر من الحجرات‪.‬‬ ‫وبهذه الفصول نستكمل إشكالية التساخر بصنفيه وتفاعليهما والحصيلة التي تحرر من‬ ‫كل كلام على السياسة الكلام الذي يناقض ما توصل إليه مؤسسو المدرسة النقدية‬ ‫العربية أي الغزالي وابن تيمية وابن خلدون لتجاوز النظر ية السياسة اليونانية والفارسية‬ ‫وما ترتب عليها لها أو عليها من مواقف تجمع بين ما نتج عن الغزو المقدوني من ترد‬ ‫فلسفي يوناني وديني مسيحي‬ ‫هو الكلام الذي بقي عالقا عند المدارس الفكر ية التي ازدهرت في بداية الإسلام‬ ‫وامتدت إلى ما اخفى ما في الإسلام من ثورة فلسفية ودينية تجاوزت اسطورة المطابقة‬ ‫في النظر والعقد والتمام في العمل والشرع‪.‬‬ ‫‪9‬‬

‫‪--‬‬ ‫كما أن هذه الرؤ ية القرآنية متجاوزة لما حاول العصر الكلاسيكي الأوروبي الحديث‬ ‫وضعه في القرن السابع عشر والثامن عشر من محاولات لتأسيس نظر ية الدولة بالاعتماد‬ ‫إلى اسطورة الانتقال من البربر ية إلى الحضارة إما بنظر ية التساوي في الحر ية الطبيعي‬ ‫(نظر ية العقد)‬ ‫أو بنظر ية التنازل لقوة تحمي البشر بعضهم من البعض (نظر ية التنين)‪ .‬وكلتاهما من‬ ‫الفكشن ساذجة لا تناسب النظر ية السياسية ووقائع العلاقات بين البشر‪ .‬فهي ليست‬ ‫حقائق تاريخية في السياسة وفي علاقات البشر بعضهم بالبعض لعلتين‪:‬‬ ‫أولا لأنه لا توجد أبدا علاقات سياسية بين الافراد من حيث هم أفراد بل هي بينهم‬ ‫من حيث انتسابهم إلى جماعات جزئية في الجماعة المشتركة أولا وفي الجماعة الإنسانية التي‬ ‫تتقاسم المعمورة لان السياسة هي دائما جماعية في نفس الجماعة ثم بين الجماعات المتساوقة‬ ‫والمتجاورة المتنافسة على شروط الحياة أي الثروات الطبيعية وخاصة الماء والغذاء والمناخ‬ ‫الملائم‬ ‫وثانيا لأن وجود الجماعة هو بالطبع وجود متعدد المستو يات والاشتراك في الحياة‬ ‫السلمية من شروط وجودها حتى لو لم تصغ في شكل دولة بالمعنى المصوغ دستور يا لأن‬ ‫العرف كاف وهو الدستور الأصلي لوجود الجماعات كبرت أو صغرت لأن الروابط‬ ‫القبلية هي بالأساس بيولوجية وثقافية وهي غنية عن التعاقد الشكلي وعن الحاجة للتنازل‬ ‫عن القوة لتجمعها في دولة حامية لأن كل قبيلة تحمي نفسها من القبائل الاخرى‬ ‫‪10‬‬

‫‪--‬‬ ‫وفيها كل فرع منها يحمي نفسه من الفروع الأخرى‪ .‬وعدم المساواة هو الطبيعي وهو‬ ‫يحول دون التعاقد السوي من دون سلطة روحية متعالية يتساوى عندها الجميع وهي‬ ‫بالطبع ليست الدولة الشاهدة بل دولة اخرو ية‪.‬‬ ‫المجموعة الخامسة‪ :‬وظيفة القوامة خاضعة لمنطق التساخر‬ ‫وتنطلق هذه المجموعة من نقد نظر يات الحكم اليونانية وما استنتج منها من نظر يات‬ ‫الدولة انطلاقا من نظر يات الحكم بمعيارين هما معيار كم من بيده السلطة ومعيار أخلاقه‬ ‫وكذلك من نقد محاولة العصر الكلاسيكي الأوروبي من تأسيس نظر ية الدولة واحكام‬ ‫الدساتير وهي أيضا غير مناسبة لفهم منطق السياسي الذي هو جزء أساسي من قانون‬ ‫التساخر ما يعني أن السلطة قوامة تنوب سلطة الجماعة بمنطق فرض ال كفاية في انجاز‬ ‫مهام القوامة ل كنها تقتضي فرض العين أي مشاركة كل المواطنين في عملية التنويب‬ ‫تولية وعزلا ومراقبة بين التولية والعزل المعينين ويسبق التولية المراقبة الوقائية بمعنى أن‬ ‫من يولون امر الجماعة فرض كفاية ينبغي أن يتوفر فيها ما يدعو إلى حسن الظن بهم‬ ‫وانتخابهم لثقة سابقة فيهم بحسب ما عرفوا به من أمانة وعدل‪.‬‬ ‫‪11‬‬

‫‪--‬‬ ‫‪ -‬الفصل الثاني ‪-‬‬ ‫الرؤى السياسة ومقومات الحكم‬ ‫الرؤ ية اليونانية‪:‬‬ ‫فلا هي كما يراها سقراط ولا كما يراها السفسطائيون‪ .‬فلا يمكن الفصل القاطع‬ ‫بين القانونين الطبيعي والخلقي بل لا بد من وجودهما معا لأن الأول يمثل أصل‬ ‫الشوكة والثاني يمثل أصل الشرعية‪ .‬والدولة لا بد فيها من البعدين دائما‪.‬‬ ‫ولا هي كما يراها صاحب التنين ولا كما يراها روسو لأن الراي الأول ذهاب‬ ‫إلى الغاية في القانون الطبيعي للتوقي منه بإطلاق الشوكة نزعا من الجميع وجعلها‬ ‫بيد التنين والرأي الثاني ذهاب إلى الغاية في القانون الخلقي وهو ما لو كان ممكنا‬ ‫لاستغنينا عن الدولةكما قال ابن خلدون‪.‬‬ ‫والفصل بين السلطات الثلاث فيه تحر يفان‪:‬‬ ‫• الأول يتعلق بالفصل بين التشر يعي والتنفيذي‪.‬‬ ‫وهما يعملان دائما بالحلول الوسطى بينهما مع جعل التنفيذي مقدما على‬ ‫التشر يعي في الحالتين سواء كانتا بيد نفس الحزب فيكون هذا التقديم بينا لكل‬ ‫من يعلم أن التشر يع في الحزب الحازب على الأغلبية يشرع لنفسه ليضفي‬ ‫‪12‬‬

‫‪--‬‬ ‫الشرعية على التنفيذ أو كانتا منقسمتين بمعنى أن التنفيذي لم يحصل على الأغلبية‬ ‫البرلمانية رغم أنه حصل على الأغلبية التنفيذية فيكون التوافق بين الحزبين حتميا‬ ‫ليحصل التنفيذ و يكون في الغالب ما يتطلبه التنفيذ من الاستجابة للعاجل من‬ ‫الشأن العام هو المحدد للتراتب بين السطلتين أي إن التنفيذي له إمكانية تجاوز‬ ‫الخلاف بطر يقة ما عندما يتعذر الوصول إلى حل وسط وهذا بين في النظام‬ ‫الأمريكي‪.‬‬ ‫• الثاني هو طبيعة السلطة القضائية‪.‬‬ ‫هي سلطة ل كنها ليست سلطة بنفس المعنى الذي للتنفيذية وللتشر يعية‪ .‬فمبدئيا‬ ‫ليس له دور في التشر يع ولا في التنفيذ إلا بوصفه حكما في الخلافات التشر يعية‬ ‫بين الدستور والقوانين الملتزمة به أو بين التنفيذ والقوانين التي تحكم سلطته‪.‬‬ ‫والأول هو دور القضاء الدستوري والثاني هو دور القضاء الإداري‪ .‬ل كن‬ ‫دورهما ليس ناتجا عن تفو يض شعبي مثل التشر يعي والتنفيذي بل على تفو يض‬ ‫أسمى منه هو وظيفة الأخلاق والعلم المشروطين في الحكم أي الأمانة للمصدرين‬ ‫الدستور والقانون والحكم بالعدل‪ .‬والأمانة يحميها العلم الصادق بهما والعدل تحميها‬ ‫اخلاق القضاء واستقلاله وهما تعيير وضمانة شعبية‪.‬‬ ‫‪13‬‬

‫‪--‬‬ ‫الرؤ ية الأوروبية في العصر الكلاسيكي‬ ‫• الفرد لا يمكن أن يحكم‬ ‫• الكل لا يمكن أن يحكم‬ ‫• إذن الحكم والمعارضة للأقلية‬ ‫• هي إذن فرض كفاية ومن ثم فالقوامة تساخر ية‬ ‫• الأصل إذن‪ :‬السلطة الأصلية هي الجماعة لأنها هي التي تولي وتعزل سلما أو‬ ‫حربا حتى عندما لا يكون النظام ديموقراطيا لان من يفتك الحكم بالعنف يجمع‬ ‫وراءه قطيعا عنيفا وغالب التحولات التاريخية ال كبرى حدثت بما يشبه الغزو‬ ‫المغولي في الحضارة الإسلامية والغزو الجرماني في الحضارة الرومانية والوندالي‬ ‫في الحضارة الإسلامية وكل ما تلا ذلك خلال تكوين الامبراطور يات‬ ‫الأوروبية السبع هو من هذا الجنس داخليا لتكوين الجماعة الغاز ية ودوليا لغزو‬ ‫ما حولها‪.‬‬ ‫• ل كن السياسة حتى في هذه الحالة تساخر ية مثل كل الوظائف وفيها دائما‬ ‫الحكم والمعارضة وهي سلطة نيابية دون ان تكون بالضرورة ديموقراطية وليست‬ ‫اصلية وهي متغيرة سلما أو حربا لأنها في كل الأحوال محكومة بالأجيال‬ ‫‪14‬‬

‫‪--‬‬ ‫بايولوجيا وبالحقب حضار يا وبموازين في نفس الجماعة وبين الجماعات في‬ ‫المعمورة‪.‬‬ ‫وليس صحيحا أنها تنتقل من التداول العنيف المطلق إلى التداول السلمي‬ ‫المطلق سواء في نفس الجماعة أو بين الجماعات بل هي تجمع بينهما دائما مع فاعلية‬ ‫للشوكة بالفعل أو بالقوة وفاعلية الشرعية بالفعل أو بالقوة‪ .‬لا يوجد حكم مطلق‬ ‫العنف لأنه لا يستطيع البقاء ولا يوجد حكم لطيف مطلق لأنه لا يستطيع البقاء‬ ‫كذلك‪.‬‬ ‫• لذلك نظر ية الدولة المعتمدة على التنين كذبة‪.‬‬ ‫• ونظر ية حكم كل الشعب مباشرةكذبة‬ ‫فلا الواحد يستطيع الحكم أو المعارضة ولا ال كثرة يحتاجها الحكم‪ .‬والكلام‬ ‫على فشل الديموقراطية بسبب عزوف الناس عن المشاركة في السياسةكذبة لأن‬ ‫طابعها التساخري مغن عن انشغال الجميع بها ككل وظيفة لابد فيها من تقاسم‬ ‫العمل والتساخر‪ .‬وفي نفس الدولة من يحكم قلة والبقية حتى في جهاز الدولة‬ ‫موظفون لديهم ليس بيدهم حل ولا ربط‪ .‬وذلك هو معنى الدولة العميقة أي‬ ‫أصحاب القرار والتخطيط لسياسة الجماعة الغالبة دائما إما بذاتها أو بحماتها من‬ ‫الخارج في الجماعات التابعةكالعرب حاليا وتقريبا غالب المسلمين مثلهم‪.‬‬ ‫‪15‬‬

‫‪--‬‬ ‫وأخيرا فأكبر كذبة ما يزعم السياسة مدينة به لماكيافال‪ .‬فأولا ماكيافال لا‬ ‫يعتبر ما وصفه هو ما يوصي به بل هو ما يحصل كلما كان لا بد من الوصول‬ ‫إلى الهدف بطرق لا تساعد عليها القواعد العادية في السياسة دون ان يلغيها إلا‬ ‫للضرورة‪ .‬وهذا ليس خاصا بالسياسة بل بكل عمل إنساني‪ .‬كلما عجز المرء عن‬ ‫الوصول لهدفه بالطرق المشروعة يصبح من شروط البقاء استعمال أي طر يق‬ ‫للتغلب على المصاعب بموقف يكون في العادة بمعزل عن الخير والشر‪.‬‬ ‫ويتحقق ذلك خاصة في الحروب‪ .‬فكل ما يمكن من النصر مباح والكلام على‬ ‫قانون الحرب بين الفرسان ممكن القبول لو كانت الحرب مبارزة بين شخصين‪.‬‬ ‫ل كنها صدام بين جماعتين والغالب قد يفني المغلوب ومن ثم فالحرب التي هي‬ ‫صراع حياة أو موت تبرر تجاوز كل القيم‪.‬‬ ‫فالقانون في الدولة الشاهدة يكون إرادة الأقوى وليس التعاقد ولا التنازل‬ ‫الإرادي عن القوة لجمعها بيد الدولة‪ .‬وجود التعدد في مستو يات القوة يغني عن‬ ‫الحاجة إلى التنازل إلى اقوى فعلي من الجميع لأن ذلك ليس قوة قانون بل قانون‬ ‫قوة ولا معنى حينئذ للكلام على الانتقال من البربر ية على الحضارة‪ .‬لا وجود‬ ‫لبربر ية حتى بين الجماعات ناهيك عنها فيها‪ .‬فهذه الفكرة متنافية مع كل إمكانية‬ ‫لنشأة الدول لأن مفهوم الدولة يعني صوغ ما كان حاصلا بالأعراف إلى ما‬ ‫‪16‬‬

‫‪--‬‬ ‫يصبح حاصلا بالقوانين التي هي جعل الأعراف قواعد صريحة تحقق المساواة‬ ‫المسلمة في نفس الجماعة في وظيفتي الرعاية والحماية التي يكون فيها الأقو ياء رعاة‬ ‫وحماة للضعفاء في نفس الأسرة ثم في نفس القبيلة ثم بين الاحلاف القبلية إلى‬ ‫أن تجتمع قوة قادرة على تكوين امبراطور ية غاز ية لما حولها فيكون القانون‬ ‫العرفي حكمها في الداخل وليس عدمه‪.‬‬ ‫ومن ثم فالقوة التي تسبق القانون في الخارج تالية عن القانون الذي يؤسس‬ ‫القوة في الداخل‪ .‬والجماعة تصبح أقوى لتنفيل سهمها من احياز قيامها أي المكان‬ ‫الجغرافي والزمان التاريخي والثروة والتراث بمرجعية روحية تمكنها من أن تصبح‬ ‫الأقوى في المعمور من الأرض والمشرعة له‪ .‬فإذا حصل ذلك بات التشر يع‬ ‫مرجعيته هي الأمر الواقع خارجيا وليس الأمر الواجب‪.‬‬ ‫وهي إذن نقلةكاذبة من التعايش العنيف إلى التعايش اللطيف الدي يستهدفه‬ ‫الانتقال من قانون القوة إلى قوة القانون لان شرط القوة حصول وحدة الجماعة‬ ‫وهي لا تحصل من دون القانون العرفي الذي يجعل القوة حامية للجماعة‬ ‫ولأحيازها الخمسة‪.‬‬ ‫ولا يمكن أن نفهم علة نظر ية الدولة ال كونية التي ينطلق منها القرآن لأن‬ ‫هاتين العلتين تثبتان أن البشر يةكانت ولا تزال خاضعة لسياستين احداهما محلية‬ ‫‪17‬‬

‫‪--‬‬ ‫يمكن اعتبارها جوهر القانون الوطني حول تقاسم ثروات القسط من الأرض‬ ‫الذي تتقاسمه الجماعة الجزئية والثانيةكونية يمكن اعتبارها جوهر القانون الدولي‬ ‫حول تقاسم ثروات الأرض بين الجمعات المتساوقة والمتوالية في الأرض‪.‬‬ ‫وبذلك يتبين أن خرافة العولمة بموصفها ظاهرة جديدة خلط بين الجدة والبروز‪.‬‬ ‫الجديد هو أن ما كان ماثلا في كل عصر هو العولمة المحدودة ببؤرة بارزة في‬ ‫عصر من عصور التاريخ وهي الآن صارت شاملة لان البؤرة اتسعت لا غير‬ ‫فشملت كل المعمورة بسبب الديموغرافيا التي بلغت مستوى ضاقت أمامه‬ ‫الأرض وبسبب تقدم أدوات التواصل والاتصال فهي عولمة جديدة بشمولها‬ ‫وليس بطبيعتها‪.‬‬ ‫لذلك فالنظر ية الإسلامية هي الاسلم لأنها تعترف بعدم التكافء في عالم‬ ‫الشهادة وتصله بالتكافؤ في عالم الغيب فتجعل العمل بهذا معيارا لذاك ما يجعل‬ ‫الحاجة التلازم بين عالمين أحدهما ينطلق من واقع عدم التكافء والثاني من‬ ‫واجب التكافء شرط العدل في التبادل والصدق في التواصل‪ .‬وتلك هي‬ ‫النظر ية التي ينبغي عليها ثالوث المدرسة النقدية العربية فلسفة السياسة‪.‬‬ ‫وقد حاولت سابقا علاج هذه المسائل في كلامي على المجموعات الخمس التي‬ ‫ذكرتها في الفصل الأول بيان طبيعة الاستراتيجية التوحيدية للإنسانية والعينة التي‬ ‫‪18‬‬

‫‪--‬‬ ‫حاول الصدر تحقيقها منها بمقتضى مطالب القرآن الخمسة اذكرها من غايتها إلى‬ ‫بدايتها أي من التالي إلى المقدم‪:‬‬ ‫• الخامس الرسالة أي القرآن من حيث هو المشترك بين الديني في الأديان‬ ‫والفلسفي في الفلسفات بدليل نوع الاستدلال الذي يعتمد نظام العالم الطبيعي‬ ‫ونظام العالم التاريخي ونظام كيان الإنسان العضوي وكيان الإنسان الروحي أي‬ ‫دور جهاز يه العقل والإرادة‪.‬‬ ‫• الرابع تبليغ الرسالة باستراتيجية التربية (الم كي) والحكم (المدني) أو التذكير‬ ‫القرآني وتفاعلهما بحضور آيات الم كي في المدني أي دور التربية في الحكم وحضور‬ ‫آيات المدني في الم كي أي دور الحكم في التربية‪.‬‬ ‫• الثالث الرسول ودوره باعتباره مبشرا ومنذرا دون أن يكون وسيطا روحيا‬ ‫ولا وصيا ماديا‬ ‫• الثاني المرسل إليه أي الإنسان عامة الإنسان من حيث هو مستعمر في‬ ‫الأرض بقيم الاستخلاف وأثره وجودا وعدما وحضور الأول في الثاني سلبا‬ ‫وإيجابا وحضور الثاني في الأول سلبا وإيجابا‪.‬‬ ‫• والأول هو المرسل أي الله الذي هو يعبر القرآن عن ذاته وصفاته بما هو‬ ‫متاح للفهم الإنساني بما يشبه القيس على فعلين هما الخلق والأمر اللذين للإنسان‬ ‫‪19‬‬

‫‪--‬‬ ‫منهما من حيث هو مستعمر وخليفة بعض وجود الشبه مع حرز ليس كمثله‬ ‫شيء‬ ‫ما يعني أن كلام القرآن على الله واليوم الآخر من جنس التمثيل في تدريس‬ ‫الر ياضيات لأن المعاني الر ياضية لا مثيل لها في العالم المحسوس‪ .‬فهي جمعيا معان‬ ‫غائية ليس لها تعين حسي إذ هي تنفي عن المعنى كل ما يجعله محسوسا باي من‬ ‫حواس الجهاز الإنساني العقلي والإرادي‪.‬‬ ‫وذلك هو معنى ليس كمثله شيء ل كن التمثيل له من ضرورات مساعدة الذهن‬ ‫الإنساني على فهم المعاني وفهم أنها ليست قابلة للقيس على المحسوسات‪.‬‬ ‫وكان ينبغي بمقتضى ز يف ما يسمى بالمعجزة اليونانية أن تكون البداية بما بدأ‬ ‫به التاريخ المعلوم لأنه مكتوب أي تاريخ تكوين الدول في مصر وبابل خاصةكما‬ ‫كان ينبغي بمقتضى ز يف ما يسمى بالمعجزة الأوروبية الحديثة أن يسبق الكلام‬ ‫على الحداثة ما أعد لها عندنا وعندهم خلال الصراع بين الحضارتين الإسلامية‬ ‫والمسيحية الذي لم يتوقف إلى الآن لأن الاستعمار في العالم كله هو ما حصل‬ ‫بعد أن تغلب الغرب على المسلمين في الصليبيات وفي الاسترداديات ثم في‬ ‫الاكتشافات التي استحوذت على كل ما كان تابعا للإمبراطور ية الإسلامية‬ ‫بجناحيها المغربي والمشرقي في افر يقيا‪.‬‬ ‫‪20‬‬

‫‪--‬‬ ‫‪ -‬الفصل الثالث ‪-‬‬ ‫خطة علاج المجموعات‪:‬‬ ‫لن اتبع ترتيب المجموعات كما أوردتها في الفصل الأول من الجزء الثاني بل‬ ‫سأتبع بنية الهرم الذي تمثلها فأبدأ بسنامها‪ .‬وإذن فلا بد من بيان هذه البنية‬ ‫تتألف من المجموعات الخمس‪ ،‬أربع منها هن قاعدة الهرم وهي متكونة من‬ ‫الاثنتين الأوليين والاثنتين الأخيرتين والوسطى هي سنام الهرم وذروته‪.‬‬ ‫وهي المتعلقة بجهازي الإنسان اللذين يجعلانه قادرا على الاستعمار في الأرض‬ ‫بقيم الاستخلاف إذا خرج من الخسر فسعى للعودة إلى التقويم الحسن وآمن‬ ‫وعمل صالحا وتواصى بالحق وتواصي بالصبر أو عاجزا عن الجمع بين الاستعمار‬ ‫في الأرض فبقي في الخسر ولم يسع للعودة إلى التقويم الحسن‪:‬‬ ‫جهاز العقل والنظر لفهم المعادلة الوجودية كما عرفتها الآية الثالثة والخمسون‬ ‫من فصلت‪ :‬فكل إنسان يجد مرسوما في كيانه العضوي والروحي شروط‬ ‫الاستعمار في الأرض‬ ‫أي شروط التعامل مع الحيزين الطبيعيين المكان الجغرافي والزمان التاريخي‬ ‫ليحقق الحيزين الحضار يين أي الثروة والتراث أساسي كل عمران واجتماع‬ ‫‪21‬‬

‫‪--‬‬ ‫بعدي الحضارة التي يصنعها الإنسان بجهازه المعرفي وتطبيقات ما يكتشفه من‬ ‫قوانين وتطبيقاتها‪.‬‬ ‫جهاز الإرادة والعلم لفهم المعادلة الخلقية كما عرفتها الآية السابعة والخمسون‬ ‫من النساء‪ :‬وكل إنسان يجد مرسوما في كيانه العضوي والروحي شروط‬ ‫الاستخلاف في الأرض التي تضيف إلى النظر والعقد الضرور يين للاستعمار‬ ‫في الأرض بعلم القوانين الطبيعية والتاريخية العمل والشرع الضرور يين‬ ‫للاستخلاف فيها بعلم القيم الطبيعية والروحية‪.‬‬ ‫وبذلك يكون هرم المجموعات الخمس محاكيا لهرم المعادلة للمعادلة الوجودية‬ ‫لأن الجهازين لا يعملان من دون الإحالة إلى ما يرينه الله منه آياته في الآفاق‬ ‫والانفس فتصبح السياسة التي تتألف من هذه الابعاد في الهرم الذي نريد‬ ‫درسه في ما بقي من المحاولة هي بدورها محاكية لنظام العالمين الطبيعي والتاريخي‬ ‫الأمثلين‬ ‫لصنع عالمين على أساس العلم وتطبيقاته والعمل وتطبيقاته وتلك هي الحضارة‬ ‫الإنسانية التي جعلها ابن خلدون موضوع علمه في \"العمران البشري والاجتماع‬ ‫الإنساني\"‪.‬‬ ‫‪22‬‬

‫‪--‬‬ ‫لذلك فالبداية ستكون المجموعة الثالثة أي الوسطى وعلاقتها بما تقدم عليها وما‬ ‫بما تأخر عنها في الهرم باعتماد التناظر بين المجموعتين الأوليين والمجموعتين‬ ‫الأخيرتين‪ .‬وتلك هي البنية العميقة لكل ما يترجم سياسيا ما تمثله المعادلة‬ ‫الوجودية التي سبق أن درسناها مرات عديدة أعني مضمون الآية الثالثة‬ ‫والخمسين من سورة فصلت‪:‬‬ ‫فالسياسة ال كونية نسخة من المعادلة الوجودية وقد تحولت إلى استراتيجية‬ ‫الفعل الإنساني في الاحياز الخمسة التي تتكون منها كل حضارة‪ .‬وسنخصص‬ ‫ما بقي من فصول المحاولة لهذه المسائل في جزء ثالث سياتي إن شاء الله‪:‬‬ ‫• البحث في العلاقة بين المجتمعين السياسي والمدني الوطنيين‪.‬‬ ‫• ثم البحث في العلاقة بين المجتمعين السياسي والمدني الدوليين‪.‬‬ ‫• ثم التناظر الأول بين المجتمعين السياسيين الوطنيين والدوليين‪.‬‬ ‫• ثم التناظر الثاني بين المجتمعين المدنيين الوطنين والدوليين‪.‬‬ ‫• ثم العلاقة بين التناظرين ‪ :‬فهي جوهر العولمة في كل مراحلها من الجنينية‬ ‫إلى اليوم‪.‬‬ ‫• ثم العلاقة بين المشترك في المجتمع السياسي وفي المجتمع المدني الوطنيين‪.‬‬ ‫• ثم العلاقة بين المشترك في المجتمع السياسي وفي المجتمع المدني الدوليين‪.‬‬ ‫‪23‬‬

‫‪--‬‬ ‫وذلك لتحديد التوالج بين هذه المستو يات في ما يسمى عولمة متدرجة ومتنامية‬ ‫في كل العصور وعلاقة ذلك بالتكوينية التدريجية للإنسانية بتوسط سنام الهرم‬ ‫أي مراحل الترقي إلى ال كونية في مستوى الجهاز الأول وفي مستوى الجهاز‬ ‫الثاني وعلاقة الجهازين أحدهما بالآخر‪.‬‬ ‫وتلك هي خطة العلاج التي بقي علينا إنجازها في جزء ثالث بعد الفراغ من‬ ‫الجزء الثاني حتى نفهم أعماق الاستراتيجية القرآنية السياسية في تكوين الدولة‬ ‫ال كونية وما استمده ابن خلدون منها في علم العمران البشري والاجتماع الإنساني‬ ‫لأن من لم ينتبهوا إلى دور العلاقة بين الاستعمار في الأرض والاستخلاف فيها‬ ‫في مؤلفهكانوا ضحايا البحث عن مقارنات سخيفة بين ثورته وما يعتبرون سبقا في‬ ‫علم الاجتماع سواء بالقياس إلى كونت أو إلى ماركس‪.‬‬ ‫و يقتضي ذلك أن يدور الكلام حول أداتي قيام الجهازين بدورهما المناسب‬ ‫لوظيفتهما الدالة على أفعال العقل وافعال الإرادة في مستويي النظر والعمل‪:‬‬ ‫• في حالة التبادل التي هي أساس الاستعمار في الأرض وإنتاج الثروة شرط‬ ‫قيام الإنساني العضوي‬ ‫• وفي حالة التواصل التي هي أساس الاستخلاف فيه وإنتاج التراث شرط‬ ‫قيام الإنسان الروحي‬ ‫‪24‬‬

‫‪--‬‬ ‫وذلك من حيث عملهما في المستوى الرمزي الذي يسبق عملهما ثم في المستوى‬ ‫الفعلي الذي يكون عادة متمثلا في تطبيق مستواهما الرمزي الذي يتمثل عادة في‬ ‫ما يرمزان إليه من النظر يات المتعلقة بالنظر أو المتعلقة بالعمل‪ :‬الفصل الثاني‬ ‫والعشرون‬ ‫• الأداة الأولى هي العملة وما يؤدي دورها حتى في حالة التبادل بالمقايضة‬ ‫لأن اختلاف قيم البضائع والخدمات المتبادلة تقتضي وجود وسيط يحقق‬ ‫التناسب التبادلي وإلا لكانت كل البضائع والخدمات متساو ية القيمة‪ .‬وغالبا ما‬ ‫تتعلق التبادلات بضائع وخدمات قيمها متعلقة بالثورة والإرادة‪.‬‬ ‫• الأداة الثانية هي الكلمة وما يؤدي دورها حتى في حالة التواصل بالإشارة‬ ‫لأن اختلاف المعاني المعرفية والذوقية التي يتعلق بها التواصل تقتضي وجود‬ ‫وسيط يحقق التناسب التواصلي وإلا لكانت كل المعاني متساو ية الدلالة‪ .‬وغالبا‬ ‫ما تتعلق التواصلات معاني وخدمات قيمها متعلقة بالتراث والعقل‪.‬‬ ‫والتداخلات والتوالجات التي تكلمنا عليها تجري فعليا بهذين الأداتين وسيطين‬ ‫في الاستعمار في الأرض من دونهما لا معنى للتساخر التي الناتج عن الحاجة‬ ‫إلى قسمة العمل في انتاج الثروة وفي انتاج التراث اللذين يمثلان ما يشبه الماء‬ ‫الذي يسبح فيه الإنسان سبحة السمك في البحر‪ .‬فالإنسان يكون دائما غائصا في‬ ‫‪25‬‬

‫‪--‬‬ ‫بحر الأحياز بأنواعها الخمسة وهي ما ستكون موضوع القسم الثاني ويمكن الإشارة‬ ‫اليها من الآن‪:‬‬ ‫• في حيز المكان الجغرافي الذي تتقاسمه الجماعات فيتكون الوجه المادي من‬ ‫الحضارات المختلفة رغم اشتراكها في كيفيات الاستعمار في الأرض ومناهجها‬ ‫وفي إشكاليات التعاون المحتوم بقدرة الفرد الذي لا يستطيع أن يستجيب لحاجاته‬ ‫المادية كلها والتبادل ثمرة لتقاسم العمل المادي والتعاوض شرطا في التخادم‬ ‫الذي هو جوهر التساخر العملي والقيمي بالمعنى الاقتصادي ‪ :‬قيمتان هما التبادلية‬ ‫والاستعمالية‪.‬‬ ‫• وفي حيز الزمان التاريخي الذي تتقاسمه الجماعات فيتكون الوجه الروحي من‬ ‫الحضارات المختلفة رغم استدراكها في كيفيات الاستخلاف في الأرض‬ ‫ومناهجها وفي إشكاليات التواصل المحتوم بقدرة الفرد الذي لا يستطيع أن‬ ‫يستجيب لحاجاته الروحية والتواصل ثمرة لتقاسم العمل الرمزي والتفاهم شرطا‬ ‫في التبالغ الذي هو جوهر التساخر المعرفي والقيمي بالمعنى الخلقي ‪ :‬قيمتان هما‬ ‫الحقيقة والفضيلة‪.‬‬ ‫• وفي حيز الثروة التي ليست حيزا بالمعنى الطبيعي مثل المكان والزمان بل هي‬ ‫منتج إنساني يستمد من تفاعل الإنسان من حيث هو مستعمر في الأرض التي‬ ‫‪26‬‬

‫‪--‬‬ ‫يستمد منها شروط قيامه العضوي هواء وماء وغذاء ودواء وتساخرا علته تقاسم‬ ‫هذه المقومات الضرور ية للبقاء‪.‬‬ ‫• وفي حيز التراث الذي ليس حيزا بالمعنى الطبيعي مثل المكان والزمان بل‬ ‫هو منتج إنساني يستمد من تفاعل الإنسان من حيث هو مستخلف في الأرض‬ ‫التي يستمد منها شروط قيامه الروحي وهو على ضربين احدهما متعلق بالإدراك‬ ‫العقلي الموظف للإدراك الحسي الحي والمتوارث والثاني متعلق بالإمساك‬ ‫الإرادي بالأشياء وبالذات الحي والمتوارث‪ .‬فلا يوجد شعب ينطلق من عدم‬ ‫هذين الارثين إلا إذا تصورنا لقاء في بداية مطلقة لم يكن للإنسان فيه سلف هو‬ ‫خلفه‪.‬‬ ‫• واربعتها يصلها ما يمثل الحيز المحيط بها وأصلها الرابط بينها وهو في آن منتسب‬ ‫دائما إلى عالمين هما عالم الشهادة الماثل لحواسه وعقله وإرادته وعالم ما بعد عالم‬ ‫الشهادة هو ما يرد إليه الخلق والأمر سواء كان دينيا منزلا يعتمد الوحي أو دينا‬ ‫طبيعيا يعتمد الفلسفة‪ .‬وكلاهما لا تخلو منهما حضارة والمشترك بينهما هو وظيفة‬ ‫الحيز المحيط الموحد للأحياز الأربعة الفرعية‪..‬‬ ‫فكل حضارة تستعمل عادة نفس العملة ونفس الكلمة عادة وهما الرمزان‬ ‫اللدان لا يمكن تصور حضارة من دونهما اداتين للتبادل والتواصل‪ .‬فيكون‬ ‫‪27‬‬

‫‪--‬‬ ‫الحيزان اللذان ينتجهما الإنسان أي الثروة والتراث مسيطرين على دوافع تحصيل‬ ‫الحيزين اللدين ينتجانه أي المكان الجغرافي والزمان التاريخي‬ ‫ومن ثم فالحضارة هي ثمرة هدا الإنتاج المتبادل بين الاستعمار في الأرض‬ ‫والاستخلاف فيها وهده العلاقة المتبادلة هي التي تجعل الحضارة ثمرة ما يستمده‬ ‫الإنسان من الطبيعة والإنسان ما يصير إليه الطبيعي فيه إلى الإنسان‪.‬‬ ‫والآن ينبغي أن اشير إلى أهم مميز للرمزين في مستواهما الرمزي عما يحصل‬ ‫عنهما عند تطبيق ما يصلان إليه من صوغ رمزي للتبادل والتواصل‪ .‬فما يمكن‬ ‫أن يحصل في رمشة عين بالنسبة إلى التبادل بالعمل والتواصل بالكلمة من البضائع‬ ‫والخدمات ومن المعاني والدلالات لا يحصل إلا في زمان يحكمه نظام الموضوع‬ ‫المتبادل سواء كان بضاعة أو خدمة أو معنى أو دلالة‪,.‬‬ ‫ولأضرب أمثله تبين التلازم بين التصور والإنجاز في التبادل وفي التواصل‪:‬‬ ‫ففي البضائع والخدمات يمكن ان يتم التبادل بالعملة حتى بمجرد كتابة أسماءهما‬ ‫وسعرهما واعتبار دلك عقدا بين المتبايعين‪ .‬ل كن البضاعة والخدمة هي التي تحدد‬ ‫مدة إنجازها ونسقه فيكون فيها الزمان الفعلي للإنجاز هو المحدد للتنفيذ بخلاف‬ ‫الزمان المتعلق بالتبادل بالعملة‪،‬‬ ‫‪28‬‬

‫‪--‬‬ ‫وفي المعاني والدلالات يمكن أن يتم التواصل بمجرد رسم النظر ية أو المنجز في‬ ‫شكل خطاطة ممثلة للفكرة والمعنى‪ .‬ل كن تحقق الفكرة والمعنى في الوجود الفعلي‬ ‫يتطلب زمانا مختلفا تماما عن زمان رسم النظر ية أو المنجز المطلوب‪ .‬فلا بد من‬ ‫القيام بكل العمل العلمي المتعلق بالنظر ية وامتحانها التجريبي وله نسقه الزماني‬ ‫بحسب المجال الدي يتعلق به الشأن‪.‬‬ ‫ولهده العلة فإن التبادل والتواصل كلاهما حاضر في الثاني وهو تلازم التصور‬ ‫في المستوى الرمزي والإنجاز في المستوى الفعلي‪ ،‬ولا يمكن تصورهما ممكنين‬ ‫من دون هدا التلازم بينهما وهو شبه التوالج بين العقل والإرادة كالحال في‬ ‫التداخل بين المعرفة والعمل والتراث والثروة‪ .‬ولهده العلة‪.‬‬ ‫• كان انتاج الثروة يجري في مستوى العملة أو الاقتصاد الرمزي وفي مستوى‬ ‫الإنجاز أو الاقتصاد الفعلي لما يتعلق به التبادل‬ ‫• وكان انتاج التراث يجري في مستوى الكلمة أو المعرفة الرمزية وفي مستوى‬ ‫الإنجاز أو المعرفة الفعلية لما يتعلق به التواصل‪.‬‬ ‫فلم يعد بالوسع الفصل بين المدرسة والمعمل في الحالتين إلا في المجتمعات‬ ‫المتخلفة التي تتصور التراث يتم فعليا من دون احتكام إلى التجربة العلمية وتتصور‬ ‫الثروة تتم فعليا من دون الاحتكام إلى التجربة العملية‪.‬‬ ‫‪29‬‬

‫‪--‬‬ ‫‪ -‬الفصل الرابع ‪-‬‬ ‫لا بد من علاج نسقي لنظر ية القيم التي تتألف من نوعين كلاهما مضاعف ولها أصل‬ ‫واحد هو عين كيان الإنسان من حيث هو مستعمر في الأرض ومستخلف فيها وما‬ ‫يترتب عليهما من تجهيز بالعقل للأول ومن إرادة للثاني‪:‬‬ ‫• فصنفها الأول يكون بمقتضى قانون التبادل الذي رمزه الأسمى هو العملة وبمستويي‬ ‫القيمة الاستعمالية والتبادلية‪.‬‬ ‫• وصنفها الثاني يكون بمقتضى قانون التواصل الذي رمزه الأسمى هو الكلمة وبمستويي‬ ‫القيمة الاستعمالية والتواصلية‪.‬‬ ‫وقد بينت سابقا علل العلاقة المعكوسة بين قيمتي الاقتصاد أي التبادلية والاستعمالية‪.‬‬ ‫فالتبادلية أعلى وأغلى من الاستعمالية‪ .‬وبينت أن العلة هي أن الأولى لا تتصل بالحاجات‬ ‫الأولية لقيام الإنسان العضوي بل بما يعتبره الإنسان أسمى وله دلالة روحية وشحنة‬ ‫عاطفية‪.‬‬ ‫وهي تتعلق الحالتين بما له صلة بمنزلة الإنسان في الجماعة أي بما يراه غيره عليه أو بما‬ ‫يريد أن يراه غيره عليه أو بهما معا‪ .‬وهي في الحالتين من علامات الذوق والمنزلة‪ .‬بدلا‬ ‫من العقل والمنفعة‪.‬‬ ‫أما القيمة الاستعمالية فلها صلة بسد الحاجات المادية والعضو ية ولها علاقة بالعقل‬ ‫المنفعة بدلا من الذوق والمنزلة فتكون النسبة بين القيمتين الاقتصاديتين عين النسبة بين‬ ‫الروحي والمادي من شروط قيام الإنسان العضوي‬ ‫‪30‬‬

‫‪--‬‬ ‫من حيث هو كائن حي ككل الكائنات الحية والرمزي الذي يميز الإنسان عن‬ ‫الحيوان لما يضفيه على المنزلة والدلالة الرمزية التي للفصل بين الحاجة والقيمة الرمزية لما‬ ‫يميز من الأشياء والأفعال وكأنها مطلوبة لذاتها للدلالة على المنزلة والذوق‪.‬‬ ‫وبينت كذلك العلاقة المعكوسة بين قيمتي الثقافة التواصلية والاستعمالية‪ .‬فالتواصل‬ ‫مثل التبادل له قيمتان‪ :‬التواصل التابع للاستعمال في الاقتصاد وهو ما يصحب تبادل‬ ‫البضائع والخدمات من تخابر حولهما وهو تواصل منفعي تابع للتبادل وليس مطلوبا لذاته‬ ‫بخلاف التواصل المطلوب لذاته وهو كذلك دليل منزلة وذو شحنة عاطفية أو جامع‬ ‫بينهما وغالبا ما يكون إما للدالة على منزلة المتواصل الفكر ية أو موقفه العاطفي إزاء‬ ‫مخاطبيه‪.‬‬ ‫ومن ثم فليس القصد بالمادي والروحي ما يجعلهما وكأنهما متقابلان بل هما متلازمان‬ ‫لأن التبادلي من القيم الاقتصادية متعلق بالمادي ل كنه يتعلق بما يضفي عليه من دلالة‬ ‫روحية وشحنة عاطفية والرمز في هذه الحالة هو الهدايا والحلي بالنسبة إلى المرأة‪:‬‬ ‫فهي التي تضفي مسحة روحية وعاطفية على التواصل بين الجنسين وتعتبر من دلالات‬ ‫العلاقات العاطفية في الغالب حتى وإن كانت لا تخلو من نفاق وخداع في ال كثير من‬ ‫الأحيان‪.‬‬ ‫فهذه الشحنة العاطفية وخاصة إذا كانت صادقة هي التي تروحن المادي فتضفي عليه‬ ‫بعدا متعاليا على ماديته ولعل أبرز الأمثلة دور الأوثان في الأديان‪ :‬فلا يوجد دين من‬ ‫دون أوثان عند النظر إليها في ماديتها ل كنها ليست اوثانا إلا في هذه الحالة ل كنها عند‬ ‫‪31‬‬

‫‪--‬‬ ‫المؤمنين في نسبة الشحنة العاطفية التي للهدايا المعبرة عن شحنة عاطفية ومن هنا يأتي‬ ‫دور الأضاحي أو الحج إلى مكة ومنزلة الحجر الأسود‪.‬‬ ‫والعلاقة هي عين العلاقة التي بين الجمالي والتعين المادي وخاصة في علامات الأنوثة‬ ‫للرجل وفي علامات الذكورة للمرأة‪ .‬وما قد يختلط بين العلامات عند المثليين فتجد‬ ‫المرأة المترجلة في امرأة تفوقها أنوثة‬ ‫وللرجل المتخنث في رجل يفوقه ذكوره ما ذكرت بين المرأة المتأنثة والرجل المتذكر‪.‬‬ ‫ومثله يحصل في تعين الجلالي في \"فوضى\" الظاهرات الطبيعية واضطرابها الدال على‬ ‫المر يع والرائع والقوة الهوجاء‪.‬‬ ‫وبصورة جامعة فإن الروحي في المادي هو ما يضفيه الذوق والعاطفة على الشيء أو‬ ‫الفعل أو الكائن مما يغير قيمته من مجرد كونه شيئا أو فعلا أو كائنا إلى ما فيه من رمزية‬ ‫إما على المنزلة في الجماعة والدلالة على الذوق أو على ما يتعالى على الحاجة‬ ‫ومن ثم فهو عين الدلالة على الحر ية الإنسانية من حيث هي قدرة على طلب الشيء‬ ‫لذاته من حيث هو رمز هذه المعاني وليس من حيث هو ساد لحاجة مادية من شروط‬ ‫القيام العضوي‪ .‬هي إذن دلالة القيام المتعالي على الكيان المادي والعضوي إلى ما بين‬ ‫البشر أو بينهم وبين الأشياء من علاقة روحية وعاطفية متجاوزة لمجرد الحياة البهيمية‪.‬‬ ‫لذلك فالذوق نوعان‪:‬‬ ‫• ذوق عضوي كما في المأكول والمنكوح والذوق فيهما ليس سد الحاجة العضو ية بل‬ ‫ما يصحبها من لذة مطلوبة لذاتها‬ ‫‪32‬‬

‫‪--‬‬ ‫• وذوق روحي كما في الفنون وفي المعرفة المطلوبة لذاتها أو لرمزيتها الدالة على المنزلة‬ ‫والمهابة التي تتألف من الجمال والجلال‪.‬‬ ‫والفنون أكثر دلالة من المعرفة لأن المعرفة التي لا تستدف سد حاجة غير ذاتها رغم‬ ‫ان طلب الحقيقة لذاتها يبقى دائما من الأدوات التي يتقدم فيها سد الحاجات الضرور ية‬ ‫سواء كانت مباشرةكما في المعرفة الحسية‬ ‫أو غير المباشرةكما في المعرفة العلمية التي تكون أكثر مساعدة على سد الحاجات التي‬ ‫تنتج عن كون الإنسان مستعمر في الأرض كلما كانت أكثر بعدا عن الحاجات المباشرة‬ ‫كما في البحث العلمي النظري الخالص‪.‬‬ ‫ومثلما أن التبادل بقيمتيه هو المقوم الأساسي للاقتصاد فإن التواصل بقيمتيه هو المقوم‬ ‫الأساسي للثقافة التي هي في الحقيقة ذوق فني وعلوم وكلاهما شرط في الاقتصاد‬ ‫لأن الأول هو علة رفعة القيمة التبادلية على القيمة الاستعمالية ومنهما الألعاب‬ ‫الر ياضية التي هي تعين الفن في البدن وكلاهما قد يجمد فيصبح عادات تراثية شبه‬ ‫فلكلور ية‬ ‫عندما يتوقف الابداع فيه و يصبح مجرد عادات تمارس في الحياة العادية الخالية من‬ ‫الشحنة الحية التي تضفي عليها دلالتها الذوقية والمعرفية‪.‬‬ ‫نأتي الآن إلى محاولة وصل هذه القيم الأربع‪-‬اثنتان للاقتصاد وهي التبادلية‬ ‫والاستعمالية واثنتان للثقافة وهي التواصلية والاستعمالية ‪-‬بأصلها‬ ‫‪33‬‬

‫‪--‬‬ ‫الذي ينبغي أن يكون عين مقوم كيان الإنسان من حيث هو إنسان‪ .‬وقد سبق أن‬ ‫رأينا أن الإنسان أيا كان لا بد أن يكون متقوما كيانه من إرادة وقدرة وعلم وحياة‬ ‫ووجود أي وعي بذاته وبما يحيط بها‬ ‫ويجمع بين الإدراكين رؤ ية لموقعه من الوجود الكلي أي من الاحياز التي يتحدد فيها‬ ‫ما يجعله في علاقة المستعمر في الأرض والمستخلف فيها ليس من حيث هو فرد فسحب‬ ‫بل من حيث هو فرد من جماعة متساخرة في تحقيق شروط قيامها العضوي بتبادل‬ ‫الخدمات‬ ‫المشروط في تقاسم العمل المنتج للثروة التي يترتب عليها التبادل والتعاوض وفي تحقيق‬ ‫شروط قيامها الروحي بتبادل المعلومات والخبرة المشروط في تقاسم العمل المنتج للتراث‬ ‫الذي يترتب عليه التواصل والتصادق‪.‬‬ ‫ولما كان هذا الإدراك المولد لرؤ ية الإنسان لذاته ولمحيطه الطبيعي والتاريخي ومنزلته‬ ‫فيهما بتوسط منزلته في الجماعة بأحيازها الخمسة أي الجغرافيا والتاريخ والثروة والتراث‬ ‫إدراكا ذا مستو يين مباشر هو الإدراك الحسي المطبوع في ما تحقق من حضارة في هذه‬ ‫الأحياز وغير مباشر هو الادراك العلمي الذي يتجاوز المزيج‬ ‫إلى ما بين الطبيعي والتاريخي من تفاعل علته التبادل والتواصل بين البشر فإن الأصل‬ ‫هو هذا التفاعل بين البشر في نفس الجماعة وبين الجماعات ومن ثم فتاريخ الإنسانية هو‬ ‫ما بين هذه التفاعلات داخل في الحضارة وبين الحضارات المتساوقة والمتوالية‪ :‬وذلك‬ ‫هو موضوع علم ابن خلدون واكتشافه الذي هو ترجمة شبه حرفية لفلسفة القرآن ال كريم‪:‬‬ ‫‪34‬‬

‫‪--‬‬ ‫• فعلم العمران البشري إحالة إلى الإنسان من حيث هو مستعمر في الأرض للتنازل‬ ‫(المشاركة في المنزل وغالبا ما يحصل تراتب في المشاركة في المنزل بمقتضى التقارب في‬ ‫المنزلة سواء في نفس الطبقة أو بين الطبقات بمقتضى الثروة) من أجل سد الحاجات‪.‬‬ ‫• و(علم) الاجتماع الإنساني إحالة إلى الإنسان من حيث هو مستخلف فيها للتنازل‬ ‫(المشاركة في المنزل وغالبا ما يحصل تراتب في المشاركة في المنزل بمقتضى التقارب في‬ ‫المنزلة سواء في نفس الطبقية أو الطبقيات بمقتضى التراث) من أجل \"الأنس بالعشير\"‪.‬‬ ‫والحضارة هي تفاعل هذين المستو يين أولهما يغلب عليه تقديم الأدوات وشروط القيام‬ ‫العضوي خاصة ل كن البعد الذوقي والرمزي فيه هو الذي يعلل تقدم التبادلي على‬ ‫الاستعمالي في الاقتصاد والثاني يغلب عليه تقديم الغايات وشروط القيام الروحي خاصة‬ ‫ل كن دوره في الأول ضروري من حيث حاجته إلى العلوم والخبرة وإلى الذوق ل كن‬ ‫مع التناظر العكسي بخصوص القيم لأن التواصل المطلوب لذاته والصادق مقدم على‬ ‫التواصل النفعي سواء في المعرفة أو في الخبرة وكلتاهما من شروط الاستعمار في الأرض‬ ‫من حيث الأدوات والمناهج‪.‬‬ ‫فالمستو يان متفاعلان وقد تسيطر الأدوات على الغايات وتوهم بتعو يضها وهو جوهر‬ ‫الفساد والترف الذي يزعم أصحابه أن الثاني قابل للرد إلى الأول فيفسد البعد الرمزي‬ ‫من الأفعال وتصبح بديلا من دلالتها الروحية‬ ‫‪35‬‬

‫‪--‬‬ ‫وهو النفاق العام الذي يسيطر في حالات الترف الذي يتوهم أصحابه أنه تعال على‬ ‫المادي بالمادي فتصبح الهدايا ليست دالة برمزية الإهداء بل بقيمة الهدية المادية‪.‬‬ ‫و يصبح ال كذب والنفاق والفساد بديلا من الصدق والصلاح‪.‬‬ ‫‪36‬‬

‫‪--‬‬ ‫‪ -‬الفصل الخامس ‪-‬‬ ‫قبل تاريخ هذا النص بيومين عالجت قضية ذات صلة متينة بهذا الموضوع عند‬ ‫النظر إليه من موقع دور ما جهز به الإنسان من قدرة هي ما يفيد المحدد‬ ‫الجوهري للإنسان من حيث هو قادر على الإدراك الحسي وما ينتظم به من لا‬ ‫عقلي وعقلي ومن قدرة على الإرادة والترك العفو ية والإرادة والترك القصدية‪.‬‬ ‫فإشكالية التعاكس القيمي ذات صلة وطيدة بما جهز به الإنسان من هذين‬ ‫القدرتين المتعاكستين في الغالب وذلك باستعمال مصطلحي ابن خلدون في‬ ‫التمييز بين العمران البشري لسد الحاجات بالتنازل (أي اشتراك الجماعة في المنزل)‬ ‫والاجتماع الإنساني للأنس بالعشير (أي اشتراك الجماعة في المنزل)‪:‬‬ ‫• في مجال سد الحاجات أو الاستعمار في الأرض والتساخر المحقق لشروط‬ ‫انتاج الثروة ودور الإرادة والعقل فيها (الاقتصاد بمستويي القيمة فيه)‪.‬‬ ‫• وفي مجال الأنس بالعشير أو الاستخلاف في الأرض والتساخر المحقق‬ ‫لشروط انتاج التراث ودور الإرادة والعقل فيها (الثقافية بمستويي القيمة فيها)‪.‬‬ ‫والقضية التي عالجتها كانت تبدو لي متنافية مع المنطق ذي القيم الخمس الذي‬ ‫بينت أنه النظام المنطقي الذي بتجاوز المنطق الأرسطي ذي القيمتين والمنطق‬ ‫‪37‬‬

‫‪--‬‬ ‫الهيجلي ذي القيم الثلاث‪ .‬فالمنطق الذي يعتمده القرآن ذو قيم خمس يتحدد بها‬ ‫ما هو مشترك بين الديني والفلسفي‪.‬‬ ‫ذلك أن مبدأ الزوجية في كل الموجودات يترتب عليه تفاعل الزوجين في‬ ‫الاتجاهين فتكون الحصيلة من تفاعلهما مؤلفة من أربعة عناصر مختلفة ل كنها‬ ‫متكاملة في أداء وظائف الكائن‪ .‬وتلك هي البنية الدنيا لكل شيء يمكن للإنسان‬ ‫أن يدركه حسيا أو علقيا وأن يريده عفوا أو قصدا‪.‬‬ ‫فالآية التي تتكلم على العقل في القرآن‪-‬صم بكم عمي فهم لا يعقلون‪ -‬بوصفه‬ ‫قدرة الإدراك الفاهم لا تتضمن المخمس بل هي مؤلفة من أربعة عناصر مع‬ ‫ثغرة هي منطلق هذه المحاولة‪ :‬فهي ثغرة نتجت عن غياب ما يحدث بفقدان‬ ‫البصر إذا قابلنا حضور ما ينتج بفقدان السمع‪ .‬فالأصم أبكم‪ .‬ل كن الأعمى لم‬ ‫يذكر القرآن نتيجة لعماه قياسا على ما حصل في الكلام على السمع فمر مباشرة‬ ‫إلى النتيجة وهي \"فهم لا يعقلون\"‪.‬‬ ‫لو لم توجد في القرآن آية تناظرها استبدلت \"فهم لا يعقلون\" ب \"فهم لا‬ ‫يرجعون\" لبقي اللغز ولاستحال أن أجد له حلا بمعنيين‪:‬‬ ‫• المعنى الأول هو القدرة التي يفقدها الإنسان في الحصيلة وهي هنا الإرادة‬ ‫وليس الإدراك كما في الحالة السابقة‪.‬‬ ‫‪38‬‬

‫‪--‬‬ ‫• والمعنى الثاني وهو منطلق الاشكال الذي كان حله باكتشاف ما غاب في‬ ‫فقدان البصر والذي هو جماع الإدراك والإرادة وتمام القدرة‪.‬‬ ‫فالمعلوم أن الكلام ليس على الأصم والأعمى أي الفاقدين للسمع والبصر بل‬ ‫عمن سلوكه يعني أنه له اذن لا يسمع بها وله عين لا يرى بها‪ .‬ومن ثم فهو لا‬ ‫يصبح أبكم بمعنى عدم القدرة على النطق بل بمعنى أنه لا يستطيع أن يعبر عما‬ ‫يناسب ما كان عليه أن يسمعه لو كان بفهم حقا‪ .‬ومن ثم فنطقه دليل على‬ ‫عدم الفهم فيكون ضالا لا يرى طر يقه فلا يرجع فيؤدي نفسه إلى التهل كة‪.‬‬ ‫وبذلك نحصل على القيم الخمس إذا استكملنا الآية الأولى بالآية الثانية‪ .‬فقد‬ ‫اكتشفنا المضمر فيهما معا أي إن العقل الفاهم الذي يطلب الحقيقة وراء الظاهر‬ ‫والإرادة القادرة التي تطلب الفضيلة وراء الخلب هما الثمرتان اللتان يتعلق بهما‬ ‫الأمر في الآيتين‪ .‬ففهم ما وراء الظاهر هو المفقود في حالة عدم الفهم في الآية‬ ‫الأولى والعزم وراء الخلب هو المفقود في حالة عدم الرجوع في الآية الثانية‪.‬‬ ‫• الآية الأولى تضمر ما يفقده الإنسان عندما يكون له البصر دون البصيرة‪.‬‬ ‫وهو معنى فقدانه وظيفة النطق المتلقي والباث أي فساد عقله‪ .‬فيكون فساد‬ ‫العقل مشروطا ليس بفقدان النطق العاقل فحسب بل وكذلك بفقدان البصيرة‬ ‫المتجاوز لإدراك الظاهر الحسي‪.‬‬ ‫‪39‬‬

‫‪--‬‬ ‫• الآية الثانية تضمر ما يفقده من فقد النطق والبصيرة فيضل طر يقة ولا‬ ‫يتوجه لفساد إرادته‪ .‬وفساد العقل الفاهم والإرادة القادرة هما اجتماع‬ ‫الفسادين فساد العقل وفساد الإرادة ومجموعهما زوال القدرة‪.‬‬ ‫وفساد القدرة المعرفية أي العلم المتجاوز للظاهر والقدرة الإرادية المتجاوزة‬ ‫للميل يعني فساد ما يميز الإنسان من ضرورة الجمع بين العقل النافع والإرادة‬ ‫المتعالية على النفع المباشر أي الأخلاق في آن فلا يطلب من فقدها الحقيقة ولا‬ ‫الفضيلة‪:‬‬ ‫• فتكون الآية الأولى قد ركزت على فساد البعد التقييمي الإدراكي وهو‬ ‫العقل النظري شرط الخيار المعرفي فهما وبيانا‪.‬‬ ‫• وتكون الآية الثانية قد ركزت على فساد البعد التقييمي الإرادي وهو العقل‬ ‫العملي شرط الخيار الخلقي توجها وصلاحا‪.‬‬ ‫وبين أن المعنى الأول ذو صلة بالاستعمار في الأرض وأثره في الاستخلاف‬ ‫فيها عندما تغيب البصيرة التي تجعل حاستي السمع والبصر وكأنهما غير‬ ‫موجودتين لان صاحبهما يصبح لا يسمع ولا يرى فيكون كالأبكم عديم الفهم‬ ‫والبيان وهما ما يتميز به الإنسان كما هو بين من سورة الرحمن‪.‬‬ ‫‪40‬‬

‫‪--‬‬ ‫وأن المعنى الثاني ذو صلة بالاستخلاف في الأرض وأثره في الاستعمار فيها‬ ‫عندما تغيب القدرة على الرجوع إلى الحق بسبب فقدان الإرادة التي تجعل فهم‬ ‫ذي البصيرة قدرة على الرجوع وتجنب التهل كة في التقييم الذي يلغي شروط‬ ‫الاستخلاف فيجعلها للتباهي والنفاق وليس للدلالة على البعد الروحي والعاطفي‬ ‫والانس بالعشير‪.‬‬ ‫كان المنطلق في علاج هذه الإشكالية الجوهر ية في تعليل التقييم في التبادل‬ ‫والتقييم في التواصل بدافعين‪ .‬فما بدا لي من غياب مبدا المخمس الذي هو حصيلة‬ ‫الزوجية ‪ -‬خاصية كل الموجودات لأن الوحدانية ‪-‬مبدا الهو ية غير المركبة‬ ‫الصمد‪ - Identité‬خاصة بالخالق دون سواه‪-‬وتفاعلهما في الاتجاهين والحصيلة‬ ‫التي هي الأصل لأن الزوجين وتفاعليهما هي العناصر الفرعية الأولى للبنية‬ ‫المخمسة لكل موجود‪.‬‬ ‫فكل المشكل مع منطق القيم الثلاث التي عوض بها هيجل منطق القيمتين‬ ‫عند أرسطو كلاهما لا يناسب حقيقة إدراكنا العقلي المشروط في طلب الحقيقة‬ ‫وتقييمنا الإرادي المشروط في طلب الفضيلة‪ .‬فليست هو ية الأشياء المركبة‬ ‫دائما من مقومين وتفاعليهما ومبدأ توحيدها الذي هو قانونها الذي هو غير الوحدة‬ ‫‪41‬‬

‫‪--‬‬ ‫الصور ية في فيز ياء أرسطو وغير الزوجية المتناقضةكما في منطق هيجل الذي يعتبر‬ ‫المقوم هو التناقض الذي يتم تجاوزه في الحصيلة التأليفية‪.‬‬ ‫فالزوجان ليس لتفاعلهما حصيلة واحدة هي تجاوزهما بل هي تنتج دائما‬ ‫حصيلة بحاجة إلى الزوجية سواء وتبادل التأثير المحقق للتكامل بينهما المبقي على‬ ‫الزوجية وتفاعليها وذلك لأن تأثير أحدهما في الثاني غير تأثير الثاني فيه‪.‬‬ ‫وبذلك نصل إلى المخمس‪ :‬زوجان يتفاعلان تفاعلا مختلفا بحسب الاتجاه من‬ ‫أ إلى ب ومن ب إلى أ والاصل الذي يصل الزوجين أحدهما بالثاني في أداء‬ ‫الوظيفة الزوجية‪ .‬بفضل التفاعلين المتكاملين‪ .‬فمثلا الفرد الإنساني زوجي الكيان‬ ‫حتى قبل التفاعل مع الجنس الثاني‪ .‬كيانه العضوي غير كيانه الروحي على الأقل‬ ‫في ما يدركه من ذاته ووعيه بها دون أن يعلم طبيعة ما بينهما من علاقة‪ .‬ل كنه‬ ‫يميز بينهما بصورة شبه عامة عند كل البشر في ال كثير من التفاعلات‪.‬‬ ‫ففعل العضوي في الروحي تمثله الحواس الباطنية ومرور الحواس الخارجية‬ ‫بالجهاز الحسي البدني وفعل الروحي في العضوي هو فعل العقل والإرادة في‬ ‫فاعلية البدن والحصيلة هي التي هي الأصل هي كيف حياة الإنسان مزدوج‬ ‫الكيان ازدوجا ينتج تفاعلين هما جوهر ما يميزه من حيث التجهيز العقلي للإدراك‬ ‫‪42‬‬

‫‪--‬‬ ‫المعرفي والإرادي للإدراك القيمي‪ .‬والمثال الثاني الذي يتعين فيه قانون التساخر‬ ‫هو العلاقة الزوجية بين الاستعمار في الأرض والاستخلاف فيها‪:‬‬ ‫• فتأثير الأول في الثاني يبرز خاصة في إشكالية انتاج الثروة والتبادل‬ ‫الاقتصادي‬ ‫• وتأثير الثاني في الأول يبرز خاصة في إشكالية انتاج التراث والتواصل‬ ‫الرمزي بين البشر‪.‬‬ ‫ذلك أن تأثير الأول في الثاني هو تمو يل الاستثمار في البحث العلمي مثلا‪.‬‬ ‫وتأثير الثاني في الأول هو تمكين الإنسان من العلاقة بالطبيعة وبالإنسان من‬ ‫خلال المعرفة والخبرة التي تيسر الاستعمار في الأرض بإبداع أدواته ومناهجه‪.‬‬ ‫والأصل الواصل بين هذا المربع هو حقيقة الإنسان من حيث هو مستعمر في‬ ‫الأرض ومستخلف فيها بفضل ما جهز به من قدرة على المعرفة شرط النظر‬ ‫والعقد وقدرة إلى الإرادة شرط العمل والشرع‪ .‬وهكذا يتبين أن الوعي بالثغرة‬ ‫التي تنتج عن مقارنة ما ينتج عن فقدان السمع أي البكم المذكور في الآية وعدم‬ ‫ذكر ما ينتج عن فقدان البصر كان الطر يق إلى حل معضلة العلاقة بين القيم‬ ‫التي لها صلة بالاستعمار في الأرض والقيم التي لها صلة بالاستخلاف وطبيعة‬ ‫تبادل التأثير بينهما‪.‬‬ ‫‪43‬‬

‫‪--‬‬ ‫وكان الاكتشاف مضاعفا لأنه يتعلق بالبصيرة التي تجعل البصر يبصر ما وراء‬ ‫الظاهر فيجمع إلى الإدراك البصير والعزم الإرادي الصالح فيختار الرجوع إلى‬ ‫الصواب‪ .‬وفاقد البصر فضلا عن البصيرة لا يرى الوجهة ولا يرى الإشارة‬ ‫إليها سواء من غيره أو من الأشياء‪.‬‬ ‫ل كن ما المشترك بين ما يفقده في حالة الآية الألى‪ :‬النطق؟ وما يفقده في حالة‬ ‫الآية الثانية‪ :‬التوجه الإرادي وخط الرجعة؟ حسيا فقدان النطق علامته البكم‬ ‫بسبب الصمم فما هو حسيا فقدان التوجه بسبب فقدان البصيرة؟ إنه العبارة غير‬ ‫الناطقة أي العبارة الإشار ية التي لا ترى إلا بالبصيرة‪ .‬من لا يبصر ولا يبين‬ ‫يجمع بين فقدان العبارة الناطقة والعبارة المشيرة‪ .‬والبصيرة هي رؤ ية الإشارة‬ ‫التي هي جوهر عبارة الإرادة التي ترتسم في الكيان الإنساني والتي يعسر أن‬ ‫تكذب‪.‬‬ ‫فهل يكفي ذلك لفهم ذكر ما يفقده الأصم مع الصمم وعدم ذكر ما يفقده‬ ‫الأعمى معه ليكون التوازي بين الفقدانين معللا لفقدان الفهم ولفقدان الرجوع؟‬ ‫بين ان الأصم والأبكم يمكن أن يستعيض بالبصر عن السمع والنطق لأن قدرته‬ ‫على رؤ ية الإشارة وما تشير إليه تمكنه من التعلم‪ .‬ل كن اليس الأعمى يمكن أن‬ ‫يعوض البصر باللمس كما يتعلم الأعمى بالبرايل؟‬ ‫‪44‬‬

‫‪--‬‬ ‫هنا ننسى أن الأمر يتعلق بفقدان البصر مع الصمم والبكم‪ .‬فاللمس يمكن أن‬ ‫يعوض البصر إذا كان مصحوبا بالسمع والنطق‪ .‬ل كن إذا فقدا السمع والنطق‬ ‫فإن اللمس لا يكفي لتعو يض البصر لأنه لا يعين الجهة وليس له مرجعية‬ ‫خارجية يصل بينها وبين الإشارة التي تحصل من اللمس‪ .‬الثغرة تتعلق بما يصبح‬ ‫ممتنعا دون افتراضه مكملا للثلاثة الأولى قبل عدم الفهم وعدم الرجوع‪.‬‬ ‫فالثلاثة تصبح مانعا مطلقا للفهم والرجوع إذ إن الفهم في الحالة الأولى يبقى‬ ‫معلقا بالوصل بين ما تراه العين وما لا يستطيع الأصم التعبير عنه لأنه أبكم فلا‬ ‫يمكن حينها معرفة المشار إليه في وجهة البصر لاستحالة تعيينه لانعدام النطق‪.‬‬ ‫والأمر يزداد عسرا لحد الاستحالة التوجه من دون الجمع بين اللمس والمشار إليه‬ ‫من الملموسات إشارة تمكن من التوجه الوجهة الصحيحة‪ .‬فقد يلمس الأعمى‬ ‫والأبكم والأصم شيئا يكون على حرف جرف هار فلا يرجع فيسقط فيه‪ .‬وهو‬ ‫القصد ب \"لا يرجعون\" لأنهم لا يرون ضرورة الرجوع فيتمادون في الخطأ‪ .‬وهو‬ ‫القصد بصم بكم عمي فهم لا يرجعون‪ .‬وإذن فنحن أمام إصابة العقل القادر‬ ‫على الإدراك في النظر والإرادة القادرة على التوجه في العمل‪.‬‬ ‫فالعقل القادر على الفهم والإدراك والتعبير‪-‬وتلك هي مقومات البيان التي هي‬ ‫شرط التواصل المنتج للتراث في أي حضارة إنسانية ‪-‬والإرادة القادرة على‬ ‫‪45‬‬

‫‪--‬‬ ‫الاختيار والتوجه‪-‬وتلك هي مقومات القدرة على الفعل الذي هو شرط التبادل‬ ‫المنتج للتراث في أي حضارة إنسانية ‪-‬يمثلان بتفاعلهما ما يحقق شروط العمران‬ ‫البشري (أي الاستعمار في الأرض الذي رمز إليه ابن خلدون بسد الحاجات)‬ ‫والاجتماع الإنساني (أي الاستخلاف في الأرض الذي رمز إليه ابن خلدون‬ ‫بالأنس بالعشير)‪.‬‬ ‫‪46‬‬