أبو يعرب المرزوقي re nils frahm -القسم الثاني -
قانون\" التساخر\" بين السخرية والتسخير السياسيين أبو يعرب المرزوقي -القسم الثاني - تونس في 24محرم 1444 الموافق لـ 22اوت 2022
محتويات الكتيب محتو يات ال كتيب 2 -الفصل الأول 1 - -الفصل الثاني 12 - -الفصل الثالث 21 - -الفصل الرابع 30 - -الفصل الخامس 37 - -الفصل السادس 47 - – الفصل السابع – 58 – الفصل الثامن – 65 – الفصل التاسع – 76 – الفصل العاشر – 87 -الفصل الحادي عشر – 100
-- -الفصل الأول - بعد أن تجاوزت خطة المحاولة التي خصصتها لقانون التساخر ما توقعته في خطتها الأولى اضطررت إلى قسمتها إلى جزئين: /1أولهما يكون مجرد أجمع فيه ممهدات البحث واستطرادات ذات صلة بما يدفعني لتجاوز ما ترتب على خرافة الفصل بين الديني والفلسفي وتعميم الحمقى من توابع اليعقوبية والماركسية لما يترتب على ما تصوروه من علاج مظالم التساخر مضاعفة لها لأن الدولة الحاضنة تطلقها بدلا من علاجها. /2والثاني ببيان الخطة التي تترتب على الوصل بين الفلسفي والديني من خلال وحدة الغايتين اللتين جهز الإنسان من اجلهما بجهاز النظر والعقد أي العقل وبجهاز العمل والشرع أي الإرادة .وقد سبق فبينت أن الجهازين ملازمان للإنسان من حيث هو إنسان ما يجعلهما يفعلان هو الدخول في \"الخدمة\" عن طر يق البدن الذي هو أداة الإدراك الحسي منطلقا لمد الأول بمجال فعله والفاعلية العضو ية منطلقا للاختبار لمد الثانية بمجال فعلها. ل كن تفاعلهما المضاعف من الأول إلى الثاني ومن الثاني إلى الأول مشروط في فعلهما إذ أن الإرادة بدون العقل نزوات والعقل بدون الإرادة توهمات .فتكون حصيلة الجهازين وتفاعلهما في الاتجاهين هي القدرة الفعلية الراشدة على الاستعمار في الأرض بقيم الاستخلاف في حالة صلاحهما أو من دونها في حالة فسادهما .وذلك هو جوهر السياسة التي تصل بين العالمين عالم الشهادة وعالم الغيب. 1
-- • فبالإجهاد في النظر وتربية العقل ليكون في خدمة الحقيقة لعلم الممكن للإنسان منها • بالجهادية في العمل وتربية الإرادة لتكون في خدمة الفضيلة للعمل الممكن للإنسان منها وذلك في الحالتين بفضل بعدي الاستراتيجية السياسيةكما صاغها القرآن ال كريم .وهي الخطة التي سأحاول إنجازها في القسم الثاني من المحاولة إن شاء الله مشيرا إلى أني قد قدمت أهم إشكالية تبرز ما يتميز بيه المشترك بين الفلسفي والديني في الإسلام بما بينته من فرق بين المنطقين المترتبين على مفهوم الإنسان في القرآن: • المفهوم الذي بنى عليه ابن خلدون رؤيته الفلسفية للتاريخ في علاقته بما بعده باعتباره \"رئيسا بالطبع بمقتضى الاستخلاف الذي خلق له\". • وما يقابلها في الرؤ ية الهيجلية المبنية على مفهوم الإنسان في التوراة والأناجيل المحرفين باعتباره مستعبدا مرتين روحيا بال كنيسة الوسيطة بينه وبين ربه والحكم بالحق الإلهي الوصي بينه وبين شانه. وتتألف مسائل هذا القسم الثاني من خمس مجموعات اعرض المقصود بكل واحدة منها دون الدخول في جزئياتها لما سبق من البحث في محاولات أخرى وسأكتفي إذن بمجرد ملخص أولي قد اشفعه بمحاولة اخرى مطولة تدرس كل مجموعة دراسة مستوفية نستكمل بها ما تقدم من بحث تعلقت بها دون أن تستوفيها حقها .وسيكون مجموع الفصول في هذا الجزء الثاني من المحاولة مثل الجزء الأول أي أحد عشرة فصلا اواصل فيها 2
-- استكمال الكلام على قانون التساخر .وتلك هي جملة الفصول التي توقعتها في بداية الخطة أي اثنين وعشرين فصلا قسمتها إلى جزئين. ويمكن في تحديد شديد الاختصار والوضوح تعر يف هذا القانون بكونه قانون الشروط التي تحقق التناغم بين مساواة البشر في المنزلة الوجودية بمعنى أنهم جمعيا مستعمرون في الأرض ومستخلفون فيها ل كن هذه المساواة قد تحول دون شروط الاستعمار في الأرض أي التراتب الوظيفي في قسمة العمل المنتج للثروة بالتعاون والتبادل كما قد تحول دون شروط الاستخلاف فيها أي التراتب الخلقي في قسمة العمل المنتج للتراث بالتعاون والتواصل. لذلك فإن التفاوت في قدرات التجهيزين للاجتهاد في ابتداع شروط انتاج التراث والثروة والجهاد في تحقيقهما الفعلي الذي قد يبدو حيفا ِخلقيا يعدله بعض الشيء التدارك الاجتماعي بفضل التربية والتكوين بحسب الإمكانات فيضيف حيفا اجتماعيا يضاف إليهما دور القوتين العضوي والاقتصادية وهما حيفان في علاقة البشر يجعلان التغالب المادي أحد مقومات التراتب في الجماعةكل ذلك يعتبر من الشروط والمعوقات في آن لتحقيق التبادل العادل والتواصل الصادق .لذلك كان قانون التساخر علة للتسخير والسخر ية في آن أي إنه أكبر علامة على عسر التوفيق بين المساواة والاخوة والحاجة إلى التراتب والتفاضل حتى يحصل الاستعمار في الأرض والاستخلاف فيها طوعا أو كرها. المجموعة الأولى :المجتمع السياسي أو قوى السياسة العامة 3
-- فالمرجعية في المجتمع السياسي تهتم بشروط الاستعمار في الأرض وتهمل قيم الاستخلاف ويسمونها في هذه الحالة علمانية .أو تهتم بشروط الاستخلاف في الأرض حصرا إياها في العبادات ويسمونها في هذه الحالة اسلاما سياسيا .ل كن لما كان من العسير التمييز في هذه الرؤ ية بين بين التقوى الصادقة والتقية المنافقة باتت الأولى تبدو أقرب إلى السياسي من الثانية رغم الخطأ الحالتين لأن الاستعمار في الأرض من دون قيم الاستخلاف يجعل الحكم مافياو يا قيمهكلها اخلاد إلى الأرض .والاستخلاف من دون قيم الاستعمار في الأرض يجعل الحكم مافياو يا قيمهكلها روحية زائفة لأن أصحابها يصبحون تابعين للناجحين بمنطق الأولى. ل كن المادي لا يخلو من الروحي وتلك هي علة ازدواج القيم الاقتصادية والروحي لا يخلو من المادي وتلك هي علة ازدواج القيم الروحية .فالروحي لا يمكن أن يكون أساسا لعقد يحقق اهداف السياسة بالوازع الذاتي وحده لاشتراطه الشوكة فيها وتستمد من قيم مادية .والمادي لا يمكن أن يكون أساسا لعقد يحقق اهداف السياسة بالوازع الأجنبي وحده لاشتراطه الشرعية وتستمد من قيم روحية. والقوى السياسية أي الأحزاب وهي تنقسم إلى حزب الاستعمار في الأرض الخالص (اليمين المتطرف) وحزب الاستخلاف الخالص (اليسار المتطرف) وحزب ما يستمده الحزب الأول من الحزب الثاني (يسار اليمين) وحزب ما يستمد الحزب الثاني من الحزب الأول (يمين اليسار) والحزب الأوسط الذي له وجهان هو بدوره أي حزب الساكتين والانتهاز يين. 4
-- والدستور ويتضمن تعر يف الجماعة وخياراتها المرجعية ونظام قواها السياسية وأسلوب عملها في الحكم والمعارضة ودور السلط الخمسة التي هي السلطة الأصلية ليس المؤسسة فحسب بل الملازمة لكل أفعال القيمين على مؤسسات الدولة أي المحافظين على العقد السياسي والاجتماعي وسلطة القوى السياسية والسلطة التنفيذية الحاكمة والمعارضة والسلطة التشر يعية والسلطة القضائية مع التناظر بين الأصلية والقضائية وبين والحقوق والواجبات وتناظر سلطة القوى السياسية والسلطة التشر يعية وتبقى السلطة التنفيذية هي ذروة الدولة لأنها هي القيمة عليها جميعا بمقتضى دولة القانون النافذ .والحكم أو القوامة السياسية بوجهيها بالفعل (أي الحكم) وبالقوة (أي المعارضة) الرعاية التكوينية بصنفيها أي التربية والمشاركة في تقاسم العمل تطبيقا للتحصيل في المدرسة .والرعاية التموينية بصنفيها أي انتاج التراث العلمي والذوقي أو الثقافة وإنتاج الثروة او الاقتصاد. فأصل الرعاية بأصنافها الأربعة هو البحث والإعلام العلميان في الجماعة لأن مضمونه هو مضمون التكوين وحصيلته هي ثمرتا التموين أي انتاج التراث والثروة. والحماية الداخلية هي القضاء والأمن والحماية الخارجية وهي الدبلوماسية والدفاع. والنسبة بين القضاء والأمن في الداخل هي عين النسبة بين الدبلوماسية والدفاع في الخارج .والأولى هي دولة القانون الوطني يكون فيها الأمن تابعا للقضاء العادل .والثانية هي عولمة القانون الدولي يكون فيها الدفاع تابعا للقانون الدولي العادل. 5
-- وأصل الحماية الاستعلام والاعلام السياسيان إذ هو تطبيق البحث العلمي على أحوال الامة واحوال العالم لأن هذه محددة لتلك ومن ثم فالسياسة الخارجية محددة للسياسة الداخلية ومتانة هذه هي التي تحدد الموقع في تلك. المجموعة الثانية :المجتمع المدني أو سياسة المؤسسات الوسطى الأسرةكيف يكون التساخر فيها والكلام على قصة يوسف وعلاقة الأخوة وفيها أن كل ما يحدث في الجماعة يبدا مع الأسرة وهي اذن نواة الجماعة وفيها ما في الجماعة من الإشكالات بحيث إن ما يحدث في الجماعة يحدث كله في الأسرة واهم علامات ذلك التنافس والتحاسد والتبادل الظالم والتواصل الكاذب. ثم المدرسة وكيف يكون التساخر فيها والكلام على راي ابن خلدون في نظر ية الوزعين الذاتي أي النابع من الضمير والأجنبي أي الذي يحتاج إلى شوكة تطبق القانون على من لا ضمير له يردعه عن الأفعال الشائنة بالأخلاق والمحطة من منزلة المواطن الحر الذي لا ضمير له فيحتاج إلى الردع بقوة القانون. • ثم المعبد وكيف يكون التحرر من الوساطة والوصاية • ثم المعمل التكوين المهني وشروط تقسيم العمل والقوامة. • ثم الأمة التراكب بين القوى السياسية والمدنية المجموعة الثالثة هي المجموعة الوسطى للوصل بين الجماعة الجزئية والجماعة ال كونية وما دون القضاء العادي في الوطني والدولي مثل المعاملة المتقدمة على اللجوء لقانون الاسرة 6
-- والعمل وما فوقهما لأنه يتعلق بما يشبه السلطة الخلقيةكما في الأمم المتحدة التي تختلف قرارات الجمعية العامة عن قرارات مجلس الأمن. ملاحظة مهمة للغاية وقد كانت خصوصية إسلامية ثم صارت كونية. وهي مستوى أول من القضاء التصالحي دون استعمال القضاة الرسميين مثال ذلك في الأسرة قبل الوصول للقضاء استعمال حكمين من أهل الزوجة ومن اهل الزوج للمصالحة تجنبا للذهاب إلى المحاكم في كل ما لا يتعلق الحقوق المدنية التي يمكن أن تحل بفضل حلها هي بدورها ولا تصبح موضوع خصام إلا إذا لم ينجح الصلح في المسائل الحميمية. وعليه يقاس ما يتم في المدرسة وفي المعبد وفي المعمل وفي الجماعة .وقد صار هذا المستوى الأول من العلاج عاما في العالم كله بل هو قد انتشر خاصة في مجلة قانون العمل والأعمال مثلا وهو التحاكم دون تقاض بالمعنى المعتاد. فيها نظر ية العلم أو الاجتهاد وتطبيقاته .وفيه ثورتان اولاهما التخلي على خرافة العلم المطابق والعمل التام والاكتفاء بنسبية دور العقل في العلم ودور الإرادة في العمل شرطين للتعايش السلمي بين البشر والحاجة إلى التواصي بالحق. ثم نظر ية العمل أو الجهاد وتطبيقاته وتتعلق خاصة بالعمل والشرع أي إن أنظمة العمل بمعناه الاقتصادي والخلقي تحتاج على الجهاد وتطبيقاته وخاصة للعدل في التبادل والصدق في التواصل. 7
-- ثم فعل الأول في الثاني أو استراتيجية التربية .ل كن التربية وحدها لا تكفي وخاصة إذا لم تكن معتمدة على ما يمتن معاني الإنسان أي عدم الاعتماد على العنف والعسف كما بين ابن خلدون ذلك في كلامه التربية والحكم العنيفين المفسدين لمعاني الإنسانية,. ثم فعل الثاني في الأول أو استراتيجية الحكم :استراتيجية الحكم في الإسلام لا تكون بحق سلمية إذا لم يؤطرها الدور التربوي بحيث إن البعد القيمي والتوعوي ممثلا لشرعية الحكم ينبغي أن يتقدم على شوكته التي هي ضرور ية لمن ضمر لديه الوازع الذاتي بلغة ابن خلدون. وأخيرا أصل المقومين وتفاعلهما واصلهما هو فهم العلاقة بين العقل والإرادة الإنسانيين ودورهما المتحرر من القول بالمطابقة والعلم المحيط ومن القول بالتمام والعمل المحتاج للتجويد الدائم. المجموعة الثالثة :المجتمع المدني الدولي نفس المسائل حول المجتمع المدني الوطني .فالمجتمع المدني لا يختلف عن المجتمع المدني الوطني إلى من حيث عموم نفس الدور المتعلق بعدل التبادل وصدق التواصل ومن ثم فهو متجاوز للحدود السياسية التي تفصل بين الدول وخاصة في النقابات والجمعيات الثقافية والحقوقية. وهو بهذا المعنى عين ما يطلبه القرآن :كونية القيم المتعلق بالتبادل والتواصل ووحدة الإنسانية بحيث تكون الجماعات الوطنية في نسبتها إلى الإنسانية مثل المجموعات التي 8
-- تنقسم اليها الجماعة الوطنية الواحدة .ومعنى ذلك أن التساخر في الجماعة الوطنية الواحدة تخضع لنفس التساخر في الجماعة البشر يةكلها. وإذن فقضية العدل في التبادل والصدق في التواصل واحدة في الحالتين والعلاج هو تطبيق المبدأين القرآنيين أي الآية الأولى من النساء والآية الثالثة عشرة من الحجرات. المجموعة الرابعة :السياسة الدولية وتتألف من نفس المسائل الواردة في السياسة الوطنية مطبقة على السياسة الدولية في نظر ية تعتبر الإنسانية جماعة واحدة استنادا إلى مبدأي الأخوة الإنسانية في الآية الأولى من النساء والمساواة بين البشر المتعددين للتعارف معرفة ومعروفا في الآية الثالثة عشر من الحجرات. وبهذه الفصول نستكمل إشكالية التساخر بصنفيه وتفاعليهما والحصيلة التي تحرر من كل كلام على السياسة الكلام الذي يناقض ما توصل إليه مؤسسو المدرسة النقدية العربية أي الغزالي وابن تيمية وابن خلدون لتجاوز النظر ية السياسة اليونانية والفارسية وما ترتب عليها لها أو عليها من مواقف تجمع بين ما نتج عن الغزو المقدوني من ترد فلسفي يوناني وديني مسيحي هو الكلام الذي بقي عالقا عند المدارس الفكر ية التي ازدهرت في بداية الإسلام وامتدت إلى ما اخفى ما في الإسلام من ثورة فلسفية ودينية تجاوزت اسطورة المطابقة في النظر والعقد والتمام في العمل والشرع. 9
-- كما أن هذه الرؤ ية القرآنية متجاوزة لما حاول العصر الكلاسيكي الأوروبي الحديث وضعه في القرن السابع عشر والثامن عشر من محاولات لتأسيس نظر ية الدولة بالاعتماد إلى اسطورة الانتقال من البربر ية إلى الحضارة إما بنظر ية التساوي في الحر ية الطبيعي (نظر ية العقد) أو بنظر ية التنازل لقوة تحمي البشر بعضهم من البعض (نظر ية التنين) .وكلتاهما من الفكشن ساذجة لا تناسب النظر ية السياسية ووقائع العلاقات بين البشر .فهي ليست حقائق تاريخية في السياسة وفي علاقات البشر بعضهم بالبعض لعلتين: أولا لأنه لا توجد أبدا علاقات سياسية بين الافراد من حيث هم أفراد بل هي بينهم من حيث انتسابهم إلى جماعات جزئية في الجماعة المشتركة أولا وفي الجماعة الإنسانية التي تتقاسم المعمورة لان السياسة هي دائما جماعية في نفس الجماعة ثم بين الجماعات المتساوقة والمتجاورة المتنافسة على شروط الحياة أي الثروات الطبيعية وخاصة الماء والغذاء والمناخ الملائم وثانيا لأن وجود الجماعة هو بالطبع وجود متعدد المستو يات والاشتراك في الحياة السلمية من شروط وجودها حتى لو لم تصغ في شكل دولة بالمعنى المصوغ دستور يا لأن العرف كاف وهو الدستور الأصلي لوجود الجماعات كبرت أو صغرت لأن الروابط القبلية هي بالأساس بيولوجية وثقافية وهي غنية عن التعاقد الشكلي وعن الحاجة للتنازل عن القوة لتجمعها في دولة حامية لأن كل قبيلة تحمي نفسها من القبائل الاخرى 10
-- وفيها كل فرع منها يحمي نفسه من الفروع الأخرى .وعدم المساواة هو الطبيعي وهو يحول دون التعاقد السوي من دون سلطة روحية متعالية يتساوى عندها الجميع وهي بالطبع ليست الدولة الشاهدة بل دولة اخرو ية. المجموعة الخامسة :وظيفة القوامة خاضعة لمنطق التساخر وتنطلق هذه المجموعة من نقد نظر يات الحكم اليونانية وما استنتج منها من نظر يات الدولة انطلاقا من نظر يات الحكم بمعيارين هما معيار كم من بيده السلطة ومعيار أخلاقه وكذلك من نقد محاولة العصر الكلاسيكي الأوروبي من تأسيس نظر ية الدولة واحكام الدساتير وهي أيضا غير مناسبة لفهم منطق السياسي الذي هو جزء أساسي من قانون التساخر ما يعني أن السلطة قوامة تنوب سلطة الجماعة بمنطق فرض ال كفاية في انجاز مهام القوامة ل كنها تقتضي فرض العين أي مشاركة كل المواطنين في عملية التنويب تولية وعزلا ومراقبة بين التولية والعزل المعينين ويسبق التولية المراقبة الوقائية بمعنى أن من يولون امر الجماعة فرض كفاية ينبغي أن يتوفر فيها ما يدعو إلى حسن الظن بهم وانتخابهم لثقة سابقة فيهم بحسب ما عرفوا به من أمانة وعدل. 11
-- -الفصل الثاني - الرؤى السياسة ومقومات الحكم الرؤ ية اليونانية: فلا هي كما يراها سقراط ولا كما يراها السفسطائيون .فلا يمكن الفصل القاطع بين القانونين الطبيعي والخلقي بل لا بد من وجودهما معا لأن الأول يمثل أصل الشوكة والثاني يمثل أصل الشرعية .والدولة لا بد فيها من البعدين دائما. ولا هي كما يراها صاحب التنين ولا كما يراها روسو لأن الراي الأول ذهاب إلى الغاية في القانون الطبيعي للتوقي منه بإطلاق الشوكة نزعا من الجميع وجعلها بيد التنين والرأي الثاني ذهاب إلى الغاية في القانون الخلقي وهو ما لو كان ممكنا لاستغنينا عن الدولةكما قال ابن خلدون. والفصل بين السلطات الثلاث فيه تحر يفان: • الأول يتعلق بالفصل بين التشر يعي والتنفيذي. وهما يعملان دائما بالحلول الوسطى بينهما مع جعل التنفيذي مقدما على التشر يعي في الحالتين سواء كانتا بيد نفس الحزب فيكون هذا التقديم بينا لكل من يعلم أن التشر يع في الحزب الحازب على الأغلبية يشرع لنفسه ليضفي 12
-- الشرعية على التنفيذ أو كانتا منقسمتين بمعنى أن التنفيذي لم يحصل على الأغلبية البرلمانية رغم أنه حصل على الأغلبية التنفيذية فيكون التوافق بين الحزبين حتميا ليحصل التنفيذ و يكون في الغالب ما يتطلبه التنفيذ من الاستجابة للعاجل من الشأن العام هو المحدد للتراتب بين السطلتين أي إن التنفيذي له إمكانية تجاوز الخلاف بطر يقة ما عندما يتعذر الوصول إلى حل وسط وهذا بين في النظام الأمريكي. • الثاني هو طبيعة السلطة القضائية. هي سلطة ل كنها ليست سلطة بنفس المعنى الذي للتنفيذية وللتشر يعية .فمبدئيا ليس له دور في التشر يع ولا في التنفيذ إلا بوصفه حكما في الخلافات التشر يعية بين الدستور والقوانين الملتزمة به أو بين التنفيذ والقوانين التي تحكم سلطته. والأول هو دور القضاء الدستوري والثاني هو دور القضاء الإداري .ل كن دورهما ليس ناتجا عن تفو يض شعبي مثل التشر يعي والتنفيذي بل على تفو يض أسمى منه هو وظيفة الأخلاق والعلم المشروطين في الحكم أي الأمانة للمصدرين الدستور والقانون والحكم بالعدل .والأمانة يحميها العلم الصادق بهما والعدل تحميها اخلاق القضاء واستقلاله وهما تعيير وضمانة شعبية. 13
-- الرؤ ية الأوروبية في العصر الكلاسيكي • الفرد لا يمكن أن يحكم • الكل لا يمكن أن يحكم • إذن الحكم والمعارضة للأقلية • هي إذن فرض كفاية ومن ثم فالقوامة تساخر ية • الأصل إذن :السلطة الأصلية هي الجماعة لأنها هي التي تولي وتعزل سلما أو حربا حتى عندما لا يكون النظام ديموقراطيا لان من يفتك الحكم بالعنف يجمع وراءه قطيعا عنيفا وغالب التحولات التاريخية ال كبرى حدثت بما يشبه الغزو المغولي في الحضارة الإسلامية والغزو الجرماني في الحضارة الرومانية والوندالي في الحضارة الإسلامية وكل ما تلا ذلك خلال تكوين الامبراطور يات الأوروبية السبع هو من هذا الجنس داخليا لتكوين الجماعة الغاز ية ودوليا لغزو ما حولها. • ل كن السياسة حتى في هذه الحالة تساخر ية مثل كل الوظائف وفيها دائما الحكم والمعارضة وهي سلطة نيابية دون ان تكون بالضرورة ديموقراطية وليست اصلية وهي متغيرة سلما أو حربا لأنها في كل الأحوال محكومة بالأجيال 14
-- بايولوجيا وبالحقب حضار يا وبموازين في نفس الجماعة وبين الجماعات في المعمورة. وليس صحيحا أنها تنتقل من التداول العنيف المطلق إلى التداول السلمي المطلق سواء في نفس الجماعة أو بين الجماعات بل هي تجمع بينهما دائما مع فاعلية للشوكة بالفعل أو بالقوة وفاعلية الشرعية بالفعل أو بالقوة .لا يوجد حكم مطلق العنف لأنه لا يستطيع البقاء ولا يوجد حكم لطيف مطلق لأنه لا يستطيع البقاء كذلك. • لذلك نظر ية الدولة المعتمدة على التنين كذبة. • ونظر ية حكم كل الشعب مباشرةكذبة فلا الواحد يستطيع الحكم أو المعارضة ولا ال كثرة يحتاجها الحكم .والكلام على فشل الديموقراطية بسبب عزوف الناس عن المشاركة في السياسةكذبة لأن طابعها التساخري مغن عن انشغال الجميع بها ككل وظيفة لابد فيها من تقاسم العمل والتساخر .وفي نفس الدولة من يحكم قلة والبقية حتى في جهاز الدولة موظفون لديهم ليس بيدهم حل ولا ربط .وذلك هو معنى الدولة العميقة أي أصحاب القرار والتخطيط لسياسة الجماعة الغالبة دائما إما بذاتها أو بحماتها من الخارج في الجماعات التابعةكالعرب حاليا وتقريبا غالب المسلمين مثلهم. 15
-- وأخيرا فأكبر كذبة ما يزعم السياسة مدينة به لماكيافال .فأولا ماكيافال لا يعتبر ما وصفه هو ما يوصي به بل هو ما يحصل كلما كان لا بد من الوصول إلى الهدف بطرق لا تساعد عليها القواعد العادية في السياسة دون ان يلغيها إلا للضرورة .وهذا ليس خاصا بالسياسة بل بكل عمل إنساني .كلما عجز المرء عن الوصول لهدفه بالطرق المشروعة يصبح من شروط البقاء استعمال أي طر يق للتغلب على المصاعب بموقف يكون في العادة بمعزل عن الخير والشر. ويتحقق ذلك خاصة في الحروب .فكل ما يمكن من النصر مباح والكلام على قانون الحرب بين الفرسان ممكن القبول لو كانت الحرب مبارزة بين شخصين. ل كنها صدام بين جماعتين والغالب قد يفني المغلوب ومن ثم فالحرب التي هي صراع حياة أو موت تبرر تجاوز كل القيم. فالقانون في الدولة الشاهدة يكون إرادة الأقوى وليس التعاقد ولا التنازل الإرادي عن القوة لجمعها بيد الدولة .وجود التعدد في مستو يات القوة يغني عن الحاجة إلى التنازل إلى اقوى فعلي من الجميع لأن ذلك ليس قوة قانون بل قانون قوة ولا معنى حينئذ للكلام على الانتقال من البربر ية على الحضارة .لا وجود لبربر ية حتى بين الجماعات ناهيك عنها فيها .فهذه الفكرة متنافية مع كل إمكانية لنشأة الدول لأن مفهوم الدولة يعني صوغ ما كان حاصلا بالأعراف إلى ما 16
-- يصبح حاصلا بالقوانين التي هي جعل الأعراف قواعد صريحة تحقق المساواة المسلمة في نفس الجماعة في وظيفتي الرعاية والحماية التي يكون فيها الأقو ياء رعاة وحماة للضعفاء في نفس الأسرة ثم في نفس القبيلة ثم بين الاحلاف القبلية إلى أن تجتمع قوة قادرة على تكوين امبراطور ية غاز ية لما حولها فيكون القانون العرفي حكمها في الداخل وليس عدمه. ومن ثم فالقوة التي تسبق القانون في الخارج تالية عن القانون الذي يؤسس القوة في الداخل .والجماعة تصبح أقوى لتنفيل سهمها من احياز قيامها أي المكان الجغرافي والزمان التاريخي والثروة والتراث بمرجعية روحية تمكنها من أن تصبح الأقوى في المعمور من الأرض والمشرعة له .فإذا حصل ذلك بات التشر يع مرجعيته هي الأمر الواقع خارجيا وليس الأمر الواجب. وهي إذن نقلةكاذبة من التعايش العنيف إلى التعايش اللطيف الدي يستهدفه الانتقال من قانون القوة إلى قوة القانون لان شرط القوة حصول وحدة الجماعة وهي لا تحصل من دون القانون العرفي الذي يجعل القوة حامية للجماعة ولأحيازها الخمسة. ولا يمكن أن نفهم علة نظر ية الدولة ال كونية التي ينطلق منها القرآن لأن هاتين العلتين تثبتان أن البشر يةكانت ولا تزال خاضعة لسياستين احداهما محلية 17
-- يمكن اعتبارها جوهر القانون الوطني حول تقاسم ثروات القسط من الأرض الذي تتقاسمه الجماعة الجزئية والثانيةكونية يمكن اعتبارها جوهر القانون الدولي حول تقاسم ثروات الأرض بين الجمعات المتساوقة والمتوالية في الأرض. وبذلك يتبين أن خرافة العولمة بموصفها ظاهرة جديدة خلط بين الجدة والبروز. الجديد هو أن ما كان ماثلا في كل عصر هو العولمة المحدودة ببؤرة بارزة في عصر من عصور التاريخ وهي الآن صارت شاملة لان البؤرة اتسعت لا غير فشملت كل المعمورة بسبب الديموغرافيا التي بلغت مستوى ضاقت أمامه الأرض وبسبب تقدم أدوات التواصل والاتصال فهي عولمة جديدة بشمولها وليس بطبيعتها. لذلك فالنظر ية الإسلامية هي الاسلم لأنها تعترف بعدم التكافء في عالم الشهادة وتصله بالتكافؤ في عالم الغيب فتجعل العمل بهذا معيارا لذاك ما يجعل الحاجة التلازم بين عالمين أحدهما ينطلق من واقع عدم التكافء والثاني من واجب التكافء شرط العدل في التبادل والصدق في التواصل .وتلك هي النظر ية التي ينبغي عليها ثالوث المدرسة النقدية العربية فلسفة السياسة. وقد حاولت سابقا علاج هذه المسائل في كلامي على المجموعات الخمس التي ذكرتها في الفصل الأول بيان طبيعة الاستراتيجية التوحيدية للإنسانية والعينة التي 18
-- حاول الصدر تحقيقها منها بمقتضى مطالب القرآن الخمسة اذكرها من غايتها إلى بدايتها أي من التالي إلى المقدم: • الخامس الرسالة أي القرآن من حيث هو المشترك بين الديني في الأديان والفلسفي في الفلسفات بدليل نوع الاستدلال الذي يعتمد نظام العالم الطبيعي ونظام العالم التاريخي ونظام كيان الإنسان العضوي وكيان الإنسان الروحي أي دور جهاز يه العقل والإرادة. • الرابع تبليغ الرسالة باستراتيجية التربية (الم كي) والحكم (المدني) أو التذكير القرآني وتفاعلهما بحضور آيات الم كي في المدني أي دور التربية في الحكم وحضور آيات المدني في الم كي أي دور الحكم في التربية. • الثالث الرسول ودوره باعتباره مبشرا ومنذرا دون أن يكون وسيطا روحيا ولا وصيا ماديا • الثاني المرسل إليه أي الإنسان عامة الإنسان من حيث هو مستعمر في الأرض بقيم الاستخلاف وأثره وجودا وعدما وحضور الأول في الثاني سلبا وإيجابا وحضور الثاني في الأول سلبا وإيجابا. • والأول هو المرسل أي الله الذي هو يعبر القرآن عن ذاته وصفاته بما هو متاح للفهم الإنساني بما يشبه القيس على فعلين هما الخلق والأمر اللذين للإنسان 19
-- منهما من حيث هو مستعمر وخليفة بعض وجود الشبه مع حرز ليس كمثله شيء ما يعني أن كلام القرآن على الله واليوم الآخر من جنس التمثيل في تدريس الر ياضيات لأن المعاني الر ياضية لا مثيل لها في العالم المحسوس .فهي جمعيا معان غائية ليس لها تعين حسي إذ هي تنفي عن المعنى كل ما يجعله محسوسا باي من حواس الجهاز الإنساني العقلي والإرادي. وذلك هو معنى ليس كمثله شيء ل كن التمثيل له من ضرورات مساعدة الذهن الإنساني على فهم المعاني وفهم أنها ليست قابلة للقيس على المحسوسات. وكان ينبغي بمقتضى ز يف ما يسمى بالمعجزة اليونانية أن تكون البداية بما بدأ به التاريخ المعلوم لأنه مكتوب أي تاريخ تكوين الدول في مصر وبابل خاصةكما كان ينبغي بمقتضى ز يف ما يسمى بالمعجزة الأوروبية الحديثة أن يسبق الكلام على الحداثة ما أعد لها عندنا وعندهم خلال الصراع بين الحضارتين الإسلامية والمسيحية الذي لم يتوقف إلى الآن لأن الاستعمار في العالم كله هو ما حصل بعد أن تغلب الغرب على المسلمين في الصليبيات وفي الاسترداديات ثم في الاكتشافات التي استحوذت على كل ما كان تابعا للإمبراطور ية الإسلامية بجناحيها المغربي والمشرقي في افر يقيا. 20
-- -الفصل الثالث - خطة علاج المجموعات: لن اتبع ترتيب المجموعات كما أوردتها في الفصل الأول من الجزء الثاني بل سأتبع بنية الهرم الذي تمثلها فأبدأ بسنامها .وإذن فلا بد من بيان هذه البنية تتألف من المجموعات الخمس ،أربع منها هن قاعدة الهرم وهي متكونة من الاثنتين الأوليين والاثنتين الأخيرتين والوسطى هي سنام الهرم وذروته. وهي المتعلقة بجهازي الإنسان اللذين يجعلانه قادرا على الاستعمار في الأرض بقيم الاستخلاف إذا خرج من الخسر فسعى للعودة إلى التقويم الحسن وآمن وعمل صالحا وتواصى بالحق وتواصي بالصبر أو عاجزا عن الجمع بين الاستعمار في الأرض فبقي في الخسر ولم يسع للعودة إلى التقويم الحسن: جهاز العقل والنظر لفهم المعادلة الوجودية كما عرفتها الآية الثالثة والخمسون من فصلت :فكل إنسان يجد مرسوما في كيانه العضوي والروحي شروط الاستعمار في الأرض أي شروط التعامل مع الحيزين الطبيعيين المكان الجغرافي والزمان التاريخي ليحقق الحيزين الحضار يين أي الثروة والتراث أساسي كل عمران واجتماع 21
-- بعدي الحضارة التي يصنعها الإنسان بجهازه المعرفي وتطبيقات ما يكتشفه من قوانين وتطبيقاتها. جهاز الإرادة والعلم لفهم المعادلة الخلقية كما عرفتها الآية السابعة والخمسون من النساء :وكل إنسان يجد مرسوما في كيانه العضوي والروحي شروط الاستخلاف في الأرض التي تضيف إلى النظر والعقد الضرور يين للاستعمار في الأرض بعلم القوانين الطبيعية والتاريخية العمل والشرع الضرور يين للاستخلاف فيها بعلم القيم الطبيعية والروحية. وبذلك يكون هرم المجموعات الخمس محاكيا لهرم المعادلة للمعادلة الوجودية لأن الجهازين لا يعملان من دون الإحالة إلى ما يرينه الله منه آياته في الآفاق والانفس فتصبح السياسة التي تتألف من هذه الابعاد في الهرم الذي نريد درسه في ما بقي من المحاولة هي بدورها محاكية لنظام العالمين الطبيعي والتاريخي الأمثلين لصنع عالمين على أساس العلم وتطبيقاته والعمل وتطبيقاته وتلك هي الحضارة الإنسانية التي جعلها ابن خلدون موضوع علمه في \"العمران البشري والاجتماع الإنساني\". 22
-- لذلك فالبداية ستكون المجموعة الثالثة أي الوسطى وعلاقتها بما تقدم عليها وما بما تأخر عنها في الهرم باعتماد التناظر بين المجموعتين الأوليين والمجموعتين الأخيرتين .وتلك هي البنية العميقة لكل ما يترجم سياسيا ما تمثله المعادلة الوجودية التي سبق أن درسناها مرات عديدة أعني مضمون الآية الثالثة والخمسين من سورة فصلت: فالسياسة ال كونية نسخة من المعادلة الوجودية وقد تحولت إلى استراتيجية الفعل الإنساني في الاحياز الخمسة التي تتكون منها كل حضارة .وسنخصص ما بقي من فصول المحاولة لهذه المسائل في جزء ثالث سياتي إن شاء الله: • البحث في العلاقة بين المجتمعين السياسي والمدني الوطنيين. • ثم البحث في العلاقة بين المجتمعين السياسي والمدني الدوليين. • ثم التناظر الأول بين المجتمعين السياسيين الوطنيين والدوليين. • ثم التناظر الثاني بين المجتمعين المدنيين الوطنين والدوليين. • ثم العلاقة بين التناظرين :فهي جوهر العولمة في كل مراحلها من الجنينية إلى اليوم. • ثم العلاقة بين المشترك في المجتمع السياسي وفي المجتمع المدني الوطنيين. • ثم العلاقة بين المشترك في المجتمع السياسي وفي المجتمع المدني الدوليين. 23
-- وذلك لتحديد التوالج بين هذه المستو يات في ما يسمى عولمة متدرجة ومتنامية في كل العصور وعلاقة ذلك بالتكوينية التدريجية للإنسانية بتوسط سنام الهرم أي مراحل الترقي إلى ال كونية في مستوى الجهاز الأول وفي مستوى الجهاز الثاني وعلاقة الجهازين أحدهما بالآخر. وتلك هي خطة العلاج التي بقي علينا إنجازها في جزء ثالث بعد الفراغ من الجزء الثاني حتى نفهم أعماق الاستراتيجية القرآنية السياسية في تكوين الدولة ال كونية وما استمده ابن خلدون منها في علم العمران البشري والاجتماع الإنساني لأن من لم ينتبهوا إلى دور العلاقة بين الاستعمار في الأرض والاستخلاف فيها في مؤلفهكانوا ضحايا البحث عن مقارنات سخيفة بين ثورته وما يعتبرون سبقا في علم الاجتماع سواء بالقياس إلى كونت أو إلى ماركس. و يقتضي ذلك أن يدور الكلام حول أداتي قيام الجهازين بدورهما المناسب لوظيفتهما الدالة على أفعال العقل وافعال الإرادة في مستويي النظر والعمل: • في حالة التبادل التي هي أساس الاستعمار في الأرض وإنتاج الثروة شرط قيام الإنساني العضوي • وفي حالة التواصل التي هي أساس الاستخلاف فيه وإنتاج التراث شرط قيام الإنسان الروحي 24
-- وذلك من حيث عملهما في المستوى الرمزي الذي يسبق عملهما ثم في المستوى الفعلي الذي يكون عادة متمثلا في تطبيق مستواهما الرمزي الذي يتمثل عادة في ما يرمزان إليه من النظر يات المتعلقة بالنظر أو المتعلقة بالعمل :الفصل الثاني والعشرون • الأداة الأولى هي العملة وما يؤدي دورها حتى في حالة التبادل بالمقايضة لأن اختلاف قيم البضائع والخدمات المتبادلة تقتضي وجود وسيط يحقق التناسب التبادلي وإلا لكانت كل البضائع والخدمات متساو ية القيمة .وغالبا ما تتعلق التبادلات بضائع وخدمات قيمها متعلقة بالثورة والإرادة. • الأداة الثانية هي الكلمة وما يؤدي دورها حتى في حالة التواصل بالإشارة لأن اختلاف المعاني المعرفية والذوقية التي يتعلق بها التواصل تقتضي وجود وسيط يحقق التناسب التواصلي وإلا لكانت كل المعاني متساو ية الدلالة .وغالبا ما تتعلق التواصلات معاني وخدمات قيمها متعلقة بالتراث والعقل. والتداخلات والتوالجات التي تكلمنا عليها تجري فعليا بهذين الأداتين وسيطين في الاستعمار في الأرض من دونهما لا معنى للتساخر التي الناتج عن الحاجة إلى قسمة العمل في انتاج الثروة وفي انتاج التراث اللذين يمثلان ما يشبه الماء الذي يسبح فيه الإنسان سبحة السمك في البحر .فالإنسان يكون دائما غائصا في 25
-- بحر الأحياز بأنواعها الخمسة وهي ما ستكون موضوع القسم الثاني ويمكن الإشارة اليها من الآن: • في حيز المكان الجغرافي الذي تتقاسمه الجماعات فيتكون الوجه المادي من الحضارات المختلفة رغم اشتراكها في كيفيات الاستعمار في الأرض ومناهجها وفي إشكاليات التعاون المحتوم بقدرة الفرد الذي لا يستطيع أن يستجيب لحاجاته المادية كلها والتبادل ثمرة لتقاسم العمل المادي والتعاوض شرطا في التخادم الذي هو جوهر التساخر العملي والقيمي بالمعنى الاقتصادي :قيمتان هما التبادلية والاستعمالية. • وفي حيز الزمان التاريخي الذي تتقاسمه الجماعات فيتكون الوجه الروحي من الحضارات المختلفة رغم استدراكها في كيفيات الاستخلاف في الأرض ومناهجها وفي إشكاليات التواصل المحتوم بقدرة الفرد الذي لا يستطيع أن يستجيب لحاجاته الروحية والتواصل ثمرة لتقاسم العمل الرمزي والتفاهم شرطا في التبالغ الذي هو جوهر التساخر المعرفي والقيمي بالمعنى الخلقي :قيمتان هما الحقيقة والفضيلة. • وفي حيز الثروة التي ليست حيزا بالمعنى الطبيعي مثل المكان والزمان بل هي منتج إنساني يستمد من تفاعل الإنسان من حيث هو مستعمر في الأرض التي 26
-- يستمد منها شروط قيامه العضوي هواء وماء وغذاء ودواء وتساخرا علته تقاسم هذه المقومات الضرور ية للبقاء. • وفي حيز التراث الذي ليس حيزا بالمعنى الطبيعي مثل المكان والزمان بل هو منتج إنساني يستمد من تفاعل الإنسان من حيث هو مستخلف في الأرض التي يستمد منها شروط قيامه الروحي وهو على ضربين احدهما متعلق بالإدراك العقلي الموظف للإدراك الحسي الحي والمتوارث والثاني متعلق بالإمساك الإرادي بالأشياء وبالذات الحي والمتوارث .فلا يوجد شعب ينطلق من عدم هذين الارثين إلا إذا تصورنا لقاء في بداية مطلقة لم يكن للإنسان فيه سلف هو خلفه. • واربعتها يصلها ما يمثل الحيز المحيط بها وأصلها الرابط بينها وهو في آن منتسب دائما إلى عالمين هما عالم الشهادة الماثل لحواسه وعقله وإرادته وعالم ما بعد عالم الشهادة هو ما يرد إليه الخلق والأمر سواء كان دينيا منزلا يعتمد الوحي أو دينا طبيعيا يعتمد الفلسفة .وكلاهما لا تخلو منهما حضارة والمشترك بينهما هو وظيفة الحيز المحيط الموحد للأحياز الأربعة الفرعية.. فكل حضارة تستعمل عادة نفس العملة ونفس الكلمة عادة وهما الرمزان اللدان لا يمكن تصور حضارة من دونهما اداتين للتبادل والتواصل .فيكون 27
-- الحيزان اللذان ينتجهما الإنسان أي الثروة والتراث مسيطرين على دوافع تحصيل الحيزين اللدين ينتجانه أي المكان الجغرافي والزمان التاريخي ومن ثم فالحضارة هي ثمرة هدا الإنتاج المتبادل بين الاستعمار في الأرض والاستخلاف فيها وهده العلاقة المتبادلة هي التي تجعل الحضارة ثمرة ما يستمده الإنسان من الطبيعة والإنسان ما يصير إليه الطبيعي فيه إلى الإنسان. والآن ينبغي أن اشير إلى أهم مميز للرمزين في مستواهما الرمزي عما يحصل عنهما عند تطبيق ما يصلان إليه من صوغ رمزي للتبادل والتواصل .فما يمكن أن يحصل في رمشة عين بالنسبة إلى التبادل بالعمل والتواصل بالكلمة من البضائع والخدمات ومن المعاني والدلالات لا يحصل إلا في زمان يحكمه نظام الموضوع المتبادل سواء كان بضاعة أو خدمة أو معنى أو دلالة,. ولأضرب أمثله تبين التلازم بين التصور والإنجاز في التبادل وفي التواصل: ففي البضائع والخدمات يمكن ان يتم التبادل بالعملة حتى بمجرد كتابة أسماءهما وسعرهما واعتبار دلك عقدا بين المتبايعين .ل كن البضاعة والخدمة هي التي تحدد مدة إنجازها ونسقه فيكون فيها الزمان الفعلي للإنجاز هو المحدد للتنفيذ بخلاف الزمان المتعلق بالتبادل بالعملة، 28
-- وفي المعاني والدلالات يمكن أن يتم التواصل بمجرد رسم النظر ية أو المنجز في شكل خطاطة ممثلة للفكرة والمعنى .ل كن تحقق الفكرة والمعنى في الوجود الفعلي يتطلب زمانا مختلفا تماما عن زمان رسم النظر ية أو المنجز المطلوب .فلا بد من القيام بكل العمل العلمي المتعلق بالنظر ية وامتحانها التجريبي وله نسقه الزماني بحسب المجال الدي يتعلق به الشأن. ولهده العلة فإن التبادل والتواصل كلاهما حاضر في الثاني وهو تلازم التصور في المستوى الرمزي والإنجاز في المستوى الفعلي ،ولا يمكن تصورهما ممكنين من دون هدا التلازم بينهما وهو شبه التوالج بين العقل والإرادة كالحال في التداخل بين المعرفة والعمل والتراث والثروة .ولهده العلة. • كان انتاج الثروة يجري في مستوى العملة أو الاقتصاد الرمزي وفي مستوى الإنجاز أو الاقتصاد الفعلي لما يتعلق به التبادل • وكان انتاج التراث يجري في مستوى الكلمة أو المعرفة الرمزية وفي مستوى الإنجاز أو المعرفة الفعلية لما يتعلق به التواصل. فلم يعد بالوسع الفصل بين المدرسة والمعمل في الحالتين إلا في المجتمعات المتخلفة التي تتصور التراث يتم فعليا من دون احتكام إلى التجربة العلمية وتتصور الثروة تتم فعليا من دون الاحتكام إلى التجربة العملية. 29
-- -الفصل الرابع - لا بد من علاج نسقي لنظر ية القيم التي تتألف من نوعين كلاهما مضاعف ولها أصل واحد هو عين كيان الإنسان من حيث هو مستعمر في الأرض ومستخلف فيها وما يترتب عليهما من تجهيز بالعقل للأول ومن إرادة للثاني: • فصنفها الأول يكون بمقتضى قانون التبادل الذي رمزه الأسمى هو العملة وبمستويي القيمة الاستعمالية والتبادلية. • وصنفها الثاني يكون بمقتضى قانون التواصل الذي رمزه الأسمى هو الكلمة وبمستويي القيمة الاستعمالية والتواصلية. وقد بينت سابقا علل العلاقة المعكوسة بين قيمتي الاقتصاد أي التبادلية والاستعمالية. فالتبادلية أعلى وأغلى من الاستعمالية .وبينت أن العلة هي أن الأولى لا تتصل بالحاجات الأولية لقيام الإنسان العضوي بل بما يعتبره الإنسان أسمى وله دلالة روحية وشحنة عاطفية. وهي تتعلق الحالتين بما له صلة بمنزلة الإنسان في الجماعة أي بما يراه غيره عليه أو بما يريد أن يراه غيره عليه أو بهما معا .وهي في الحالتين من علامات الذوق والمنزلة .بدلا من العقل والمنفعة. أما القيمة الاستعمالية فلها صلة بسد الحاجات المادية والعضو ية ولها علاقة بالعقل المنفعة بدلا من الذوق والمنزلة فتكون النسبة بين القيمتين الاقتصاديتين عين النسبة بين الروحي والمادي من شروط قيام الإنسان العضوي 30
-- من حيث هو كائن حي ككل الكائنات الحية والرمزي الذي يميز الإنسان عن الحيوان لما يضفيه على المنزلة والدلالة الرمزية التي للفصل بين الحاجة والقيمة الرمزية لما يميز من الأشياء والأفعال وكأنها مطلوبة لذاتها للدلالة على المنزلة والذوق. وبينت كذلك العلاقة المعكوسة بين قيمتي الثقافة التواصلية والاستعمالية .فالتواصل مثل التبادل له قيمتان :التواصل التابع للاستعمال في الاقتصاد وهو ما يصحب تبادل البضائع والخدمات من تخابر حولهما وهو تواصل منفعي تابع للتبادل وليس مطلوبا لذاته بخلاف التواصل المطلوب لذاته وهو كذلك دليل منزلة وذو شحنة عاطفية أو جامع بينهما وغالبا ما يكون إما للدالة على منزلة المتواصل الفكر ية أو موقفه العاطفي إزاء مخاطبيه. ومن ثم فليس القصد بالمادي والروحي ما يجعلهما وكأنهما متقابلان بل هما متلازمان لأن التبادلي من القيم الاقتصادية متعلق بالمادي ل كنه يتعلق بما يضفي عليه من دلالة روحية وشحنة عاطفية والرمز في هذه الحالة هو الهدايا والحلي بالنسبة إلى المرأة: فهي التي تضفي مسحة روحية وعاطفية على التواصل بين الجنسين وتعتبر من دلالات العلاقات العاطفية في الغالب حتى وإن كانت لا تخلو من نفاق وخداع في ال كثير من الأحيان. فهذه الشحنة العاطفية وخاصة إذا كانت صادقة هي التي تروحن المادي فتضفي عليه بعدا متعاليا على ماديته ولعل أبرز الأمثلة دور الأوثان في الأديان :فلا يوجد دين من دون أوثان عند النظر إليها في ماديتها ل كنها ليست اوثانا إلا في هذه الحالة ل كنها عند 31
-- المؤمنين في نسبة الشحنة العاطفية التي للهدايا المعبرة عن شحنة عاطفية ومن هنا يأتي دور الأضاحي أو الحج إلى مكة ومنزلة الحجر الأسود. والعلاقة هي عين العلاقة التي بين الجمالي والتعين المادي وخاصة في علامات الأنوثة للرجل وفي علامات الذكورة للمرأة .وما قد يختلط بين العلامات عند المثليين فتجد المرأة المترجلة في امرأة تفوقها أنوثة وللرجل المتخنث في رجل يفوقه ذكوره ما ذكرت بين المرأة المتأنثة والرجل المتذكر. ومثله يحصل في تعين الجلالي في \"فوضى\" الظاهرات الطبيعية واضطرابها الدال على المر يع والرائع والقوة الهوجاء. وبصورة جامعة فإن الروحي في المادي هو ما يضفيه الذوق والعاطفة على الشيء أو الفعل أو الكائن مما يغير قيمته من مجرد كونه شيئا أو فعلا أو كائنا إلى ما فيه من رمزية إما على المنزلة في الجماعة والدلالة على الذوق أو على ما يتعالى على الحاجة ومن ثم فهو عين الدلالة على الحر ية الإنسانية من حيث هي قدرة على طلب الشيء لذاته من حيث هو رمز هذه المعاني وليس من حيث هو ساد لحاجة مادية من شروط القيام العضوي .هي إذن دلالة القيام المتعالي على الكيان المادي والعضوي إلى ما بين البشر أو بينهم وبين الأشياء من علاقة روحية وعاطفية متجاوزة لمجرد الحياة البهيمية. لذلك فالذوق نوعان: • ذوق عضوي كما في المأكول والمنكوح والذوق فيهما ليس سد الحاجة العضو ية بل ما يصحبها من لذة مطلوبة لذاتها 32
-- • وذوق روحي كما في الفنون وفي المعرفة المطلوبة لذاتها أو لرمزيتها الدالة على المنزلة والمهابة التي تتألف من الجمال والجلال. والفنون أكثر دلالة من المعرفة لأن المعرفة التي لا تستدف سد حاجة غير ذاتها رغم ان طلب الحقيقة لذاتها يبقى دائما من الأدوات التي يتقدم فيها سد الحاجات الضرور ية سواء كانت مباشرةكما في المعرفة الحسية أو غير المباشرةكما في المعرفة العلمية التي تكون أكثر مساعدة على سد الحاجات التي تنتج عن كون الإنسان مستعمر في الأرض كلما كانت أكثر بعدا عن الحاجات المباشرة كما في البحث العلمي النظري الخالص. ومثلما أن التبادل بقيمتيه هو المقوم الأساسي للاقتصاد فإن التواصل بقيمتيه هو المقوم الأساسي للثقافة التي هي في الحقيقة ذوق فني وعلوم وكلاهما شرط في الاقتصاد لأن الأول هو علة رفعة القيمة التبادلية على القيمة الاستعمالية ومنهما الألعاب الر ياضية التي هي تعين الفن في البدن وكلاهما قد يجمد فيصبح عادات تراثية شبه فلكلور ية عندما يتوقف الابداع فيه و يصبح مجرد عادات تمارس في الحياة العادية الخالية من الشحنة الحية التي تضفي عليها دلالتها الذوقية والمعرفية. نأتي الآن إلى محاولة وصل هذه القيم الأربع-اثنتان للاقتصاد وهي التبادلية والاستعمالية واثنتان للثقافة وهي التواصلية والاستعمالية -بأصلها 33
-- الذي ينبغي أن يكون عين مقوم كيان الإنسان من حيث هو إنسان .وقد سبق أن رأينا أن الإنسان أيا كان لا بد أن يكون متقوما كيانه من إرادة وقدرة وعلم وحياة ووجود أي وعي بذاته وبما يحيط بها ويجمع بين الإدراكين رؤ ية لموقعه من الوجود الكلي أي من الاحياز التي يتحدد فيها ما يجعله في علاقة المستعمر في الأرض والمستخلف فيها ليس من حيث هو فرد فسحب بل من حيث هو فرد من جماعة متساخرة في تحقيق شروط قيامها العضوي بتبادل الخدمات المشروط في تقاسم العمل المنتج للثروة التي يترتب عليها التبادل والتعاوض وفي تحقيق شروط قيامها الروحي بتبادل المعلومات والخبرة المشروط في تقاسم العمل المنتج للتراث الذي يترتب عليه التواصل والتصادق. ولما كان هذا الإدراك المولد لرؤ ية الإنسان لذاته ولمحيطه الطبيعي والتاريخي ومنزلته فيهما بتوسط منزلته في الجماعة بأحيازها الخمسة أي الجغرافيا والتاريخ والثروة والتراث إدراكا ذا مستو يين مباشر هو الإدراك الحسي المطبوع في ما تحقق من حضارة في هذه الأحياز وغير مباشر هو الادراك العلمي الذي يتجاوز المزيج إلى ما بين الطبيعي والتاريخي من تفاعل علته التبادل والتواصل بين البشر فإن الأصل هو هذا التفاعل بين البشر في نفس الجماعة وبين الجماعات ومن ثم فتاريخ الإنسانية هو ما بين هذه التفاعلات داخل في الحضارة وبين الحضارات المتساوقة والمتوالية :وذلك هو موضوع علم ابن خلدون واكتشافه الذي هو ترجمة شبه حرفية لفلسفة القرآن ال كريم: 34
-- • فعلم العمران البشري إحالة إلى الإنسان من حيث هو مستعمر في الأرض للتنازل (المشاركة في المنزل وغالبا ما يحصل تراتب في المشاركة في المنزل بمقتضى التقارب في المنزلة سواء في نفس الطبقة أو بين الطبقات بمقتضى الثروة) من أجل سد الحاجات. • و(علم) الاجتماع الإنساني إحالة إلى الإنسان من حيث هو مستخلف فيها للتنازل (المشاركة في المنزل وغالبا ما يحصل تراتب في المشاركة في المنزل بمقتضى التقارب في المنزلة سواء في نفس الطبقية أو الطبقيات بمقتضى التراث) من أجل \"الأنس بالعشير\". والحضارة هي تفاعل هذين المستو يين أولهما يغلب عليه تقديم الأدوات وشروط القيام العضوي خاصة ل كن البعد الذوقي والرمزي فيه هو الذي يعلل تقدم التبادلي على الاستعمالي في الاقتصاد والثاني يغلب عليه تقديم الغايات وشروط القيام الروحي خاصة ل كن دوره في الأول ضروري من حيث حاجته إلى العلوم والخبرة وإلى الذوق ل كن مع التناظر العكسي بخصوص القيم لأن التواصل المطلوب لذاته والصادق مقدم على التواصل النفعي سواء في المعرفة أو في الخبرة وكلتاهما من شروط الاستعمار في الأرض من حيث الأدوات والمناهج. فالمستو يان متفاعلان وقد تسيطر الأدوات على الغايات وتوهم بتعو يضها وهو جوهر الفساد والترف الذي يزعم أصحابه أن الثاني قابل للرد إلى الأول فيفسد البعد الرمزي من الأفعال وتصبح بديلا من دلالتها الروحية 35
-- وهو النفاق العام الذي يسيطر في حالات الترف الذي يتوهم أصحابه أنه تعال على المادي بالمادي فتصبح الهدايا ليست دالة برمزية الإهداء بل بقيمة الهدية المادية. و يصبح ال كذب والنفاق والفساد بديلا من الصدق والصلاح. 36
-- -الفصل الخامس - قبل تاريخ هذا النص بيومين عالجت قضية ذات صلة متينة بهذا الموضوع عند النظر إليه من موقع دور ما جهز به الإنسان من قدرة هي ما يفيد المحدد الجوهري للإنسان من حيث هو قادر على الإدراك الحسي وما ينتظم به من لا عقلي وعقلي ومن قدرة على الإرادة والترك العفو ية والإرادة والترك القصدية. فإشكالية التعاكس القيمي ذات صلة وطيدة بما جهز به الإنسان من هذين القدرتين المتعاكستين في الغالب وذلك باستعمال مصطلحي ابن خلدون في التمييز بين العمران البشري لسد الحاجات بالتنازل (أي اشتراك الجماعة في المنزل) والاجتماع الإنساني للأنس بالعشير (أي اشتراك الجماعة في المنزل): • في مجال سد الحاجات أو الاستعمار في الأرض والتساخر المحقق لشروط انتاج الثروة ودور الإرادة والعقل فيها (الاقتصاد بمستويي القيمة فيه). • وفي مجال الأنس بالعشير أو الاستخلاف في الأرض والتساخر المحقق لشروط انتاج التراث ودور الإرادة والعقل فيها (الثقافية بمستويي القيمة فيها). والقضية التي عالجتها كانت تبدو لي متنافية مع المنطق ذي القيم الخمس الذي بينت أنه النظام المنطقي الذي بتجاوز المنطق الأرسطي ذي القيمتين والمنطق 37
-- الهيجلي ذي القيم الثلاث .فالمنطق الذي يعتمده القرآن ذو قيم خمس يتحدد بها ما هو مشترك بين الديني والفلسفي. ذلك أن مبدأ الزوجية في كل الموجودات يترتب عليه تفاعل الزوجين في الاتجاهين فتكون الحصيلة من تفاعلهما مؤلفة من أربعة عناصر مختلفة ل كنها متكاملة في أداء وظائف الكائن .وتلك هي البنية الدنيا لكل شيء يمكن للإنسان أن يدركه حسيا أو علقيا وأن يريده عفوا أو قصدا. فالآية التي تتكلم على العقل في القرآن-صم بكم عمي فهم لا يعقلون -بوصفه قدرة الإدراك الفاهم لا تتضمن المخمس بل هي مؤلفة من أربعة عناصر مع ثغرة هي منطلق هذه المحاولة :فهي ثغرة نتجت عن غياب ما يحدث بفقدان البصر إذا قابلنا حضور ما ينتج بفقدان السمع .فالأصم أبكم .ل كن الأعمى لم يذكر القرآن نتيجة لعماه قياسا على ما حصل في الكلام على السمع فمر مباشرة إلى النتيجة وهي \"فهم لا يعقلون\". لو لم توجد في القرآن آية تناظرها استبدلت \"فهم لا يعقلون\" ب \"فهم لا يرجعون\" لبقي اللغز ولاستحال أن أجد له حلا بمعنيين: • المعنى الأول هو القدرة التي يفقدها الإنسان في الحصيلة وهي هنا الإرادة وليس الإدراك كما في الحالة السابقة. 38
-- • والمعنى الثاني وهو منطلق الاشكال الذي كان حله باكتشاف ما غاب في فقدان البصر والذي هو جماع الإدراك والإرادة وتمام القدرة. فالمعلوم أن الكلام ليس على الأصم والأعمى أي الفاقدين للسمع والبصر بل عمن سلوكه يعني أنه له اذن لا يسمع بها وله عين لا يرى بها .ومن ثم فهو لا يصبح أبكم بمعنى عدم القدرة على النطق بل بمعنى أنه لا يستطيع أن يعبر عما يناسب ما كان عليه أن يسمعه لو كان بفهم حقا .ومن ثم فنطقه دليل على عدم الفهم فيكون ضالا لا يرى طر يقه فلا يرجع فيؤدي نفسه إلى التهل كة. وبذلك نحصل على القيم الخمس إذا استكملنا الآية الأولى بالآية الثانية .فقد اكتشفنا المضمر فيهما معا أي إن العقل الفاهم الذي يطلب الحقيقة وراء الظاهر والإرادة القادرة التي تطلب الفضيلة وراء الخلب هما الثمرتان اللتان يتعلق بهما الأمر في الآيتين .ففهم ما وراء الظاهر هو المفقود في حالة عدم الفهم في الآية الأولى والعزم وراء الخلب هو المفقود في حالة عدم الرجوع في الآية الثانية. • الآية الأولى تضمر ما يفقده الإنسان عندما يكون له البصر دون البصيرة. وهو معنى فقدانه وظيفة النطق المتلقي والباث أي فساد عقله .فيكون فساد العقل مشروطا ليس بفقدان النطق العاقل فحسب بل وكذلك بفقدان البصيرة المتجاوز لإدراك الظاهر الحسي. 39
-- • الآية الثانية تضمر ما يفقده من فقد النطق والبصيرة فيضل طر يقة ولا يتوجه لفساد إرادته .وفساد العقل الفاهم والإرادة القادرة هما اجتماع الفسادين فساد العقل وفساد الإرادة ومجموعهما زوال القدرة. وفساد القدرة المعرفية أي العلم المتجاوز للظاهر والقدرة الإرادية المتجاوزة للميل يعني فساد ما يميز الإنسان من ضرورة الجمع بين العقل النافع والإرادة المتعالية على النفع المباشر أي الأخلاق في آن فلا يطلب من فقدها الحقيقة ولا الفضيلة: • فتكون الآية الأولى قد ركزت على فساد البعد التقييمي الإدراكي وهو العقل النظري شرط الخيار المعرفي فهما وبيانا. • وتكون الآية الثانية قد ركزت على فساد البعد التقييمي الإرادي وهو العقل العملي شرط الخيار الخلقي توجها وصلاحا. وبين أن المعنى الأول ذو صلة بالاستعمار في الأرض وأثره في الاستخلاف فيها عندما تغيب البصيرة التي تجعل حاستي السمع والبصر وكأنهما غير موجودتين لان صاحبهما يصبح لا يسمع ولا يرى فيكون كالأبكم عديم الفهم والبيان وهما ما يتميز به الإنسان كما هو بين من سورة الرحمن. 40
-- وأن المعنى الثاني ذو صلة بالاستخلاف في الأرض وأثره في الاستعمار فيها عندما تغيب القدرة على الرجوع إلى الحق بسبب فقدان الإرادة التي تجعل فهم ذي البصيرة قدرة على الرجوع وتجنب التهل كة في التقييم الذي يلغي شروط الاستخلاف فيجعلها للتباهي والنفاق وليس للدلالة على البعد الروحي والعاطفي والانس بالعشير. كان المنطلق في علاج هذه الإشكالية الجوهر ية في تعليل التقييم في التبادل والتقييم في التواصل بدافعين .فما بدا لي من غياب مبدا المخمس الذي هو حصيلة الزوجية -خاصية كل الموجودات لأن الوحدانية -مبدا الهو ية غير المركبة الصمد - Identitéخاصة بالخالق دون سواه-وتفاعلهما في الاتجاهين والحصيلة التي هي الأصل لأن الزوجين وتفاعليهما هي العناصر الفرعية الأولى للبنية المخمسة لكل موجود. فكل المشكل مع منطق القيم الثلاث التي عوض بها هيجل منطق القيمتين عند أرسطو كلاهما لا يناسب حقيقة إدراكنا العقلي المشروط في طلب الحقيقة وتقييمنا الإرادي المشروط في طلب الفضيلة .فليست هو ية الأشياء المركبة دائما من مقومين وتفاعليهما ومبدأ توحيدها الذي هو قانونها الذي هو غير الوحدة 41
-- الصور ية في فيز ياء أرسطو وغير الزوجية المتناقضةكما في منطق هيجل الذي يعتبر المقوم هو التناقض الذي يتم تجاوزه في الحصيلة التأليفية. فالزوجان ليس لتفاعلهما حصيلة واحدة هي تجاوزهما بل هي تنتج دائما حصيلة بحاجة إلى الزوجية سواء وتبادل التأثير المحقق للتكامل بينهما المبقي على الزوجية وتفاعليها وذلك لأن تأثير أحدهما في الثاني غير تأثير الثاني فيه. وبذلك نصل إلى المخمس :زوجان يتفاعلان تفاعلا مختلفا بحسب الاتجاه من أ إلى ب ومن ب إلى أ والاصل الذي يصل الزوجين أحدهما بالثاني في أداء الوظيفة الزوجية .بفضل التفاعلين المتكاملين .فمثلا الفرد الإنساني زوجي الكيان حتى قبل التفاعل مع الجنس الثاني .كيانه العضوي غير كيانه الروحي على الأقل في ما يدركه من ذاته ووعيه بها دون أن يعلم طبيعة ما بينهما من علاقة .ل كنه يميز بينهما بصورة شبه عامة عند كل البشر في ال كثير من التفاعلات. ففعل العضوي في الروحي تمثله الحواس الباطنية ومرور الحواس الخارجية بالجهاز الحسي البدني وفعل الروحي في العضوي هو فعل العقل والإرادة في فاعلية البدن والحصيلة هي التي هي الأصل هي كيف حياة الإنسان مزدوج الكيان ازدوجا ينتج تفاعلين هما جوهر ما يميزه من حيث التجهيز العقلي للإدراك 42
-- المعرفي والإرادي للإدراك القيمي .والمثال الثاني الذي يتعين فيه قانون التساخر هو العلاقة الزوجية بين الاستعمار في الأرض والاستخلاف فيها: • فتأثير الأول في الثاني يبرز خاصة في إشكالية انتاج الثروة والتبادل الاقتصادي • وتأثير الثاني في الأول يبرز خاصة في إشكالية انتاج التراث والتواصل الرمزي بين البشر. ذلك أن تأثير الأول في الثاني هو تمو يل الاستثمار في البحث العلمي مثلا. وتأثير الثاني في الأول هو تمكين الإنسان من العلاقة بالطبيعة وبالإنسان من خلال المعرفة والخبرة التي تيسر الاستعمار في الأرض بإبداع أدواته ومناهجه. والأصل الواصل بين هذا المربع هو حقيقة الإنسان من حيث هو مستعمر في الأرض ومستخلف فيها بفضل ما جهز به من قدرة على المعرفة شرط النظر والعقد وقدرة إلى الإرادة شرط العمل والشرع .وهكذا يتبين أن الوعي بالثغرة التي تنتج عن مقارنة ما ينتج عن فقدان السمع أي البكم المذكور في الآية وعدم ذكر ما ينتج عن فقدان البصر كان الطر يق إلى حل معضلة العلاقة بين القيم التي لها صلة بالاستعمار في الأرض والقيم التي لها صلة بالاستخلاف وطبيعة تبادل التأثير بينهما. 43
-- وكان الاكتشاف مضاعفا لأنه يتعلق بالبصيرة التي تجعل البصر يبصر ما وراء الظاهر فيجمع إلى الإدراك البصير والعزم الإرادي الصالح فيختار الرجوع إلى الصواب .وفاقد البصر فضلا عن البصيرة لا يرى الوجهة ولا يرى الإشارة إليها سواء من غيره أو من الأشياء. ل كن ما المشترك بين ما يفقده في حالة الآية الألى :النطق؟ وما يفقده في حالة الآية الثانية :التوجه الإرادي وخط الرجعة؟ حسيا فقدان النطق علامته البكم بسبب الصمم فما هو حسيا فقدان التوجه بسبب فقدان البصيرة؟ إنه العبارة غير الناطقة أي العبارة الإشار ية التي لا ترى إلا بالبصيرة .من لا يبصر ولا يبين يجمع بين فقدان العبارة الناطقة والعبارة المشيرة .والبصيرة هي رؤ ية الإشارة التي هي جوهر عبارة الإرادة التي ترتسم في الكيان الإنساني والتي يعسر أن تكذب. فهل يكفي ذلك لفهم ذكر ما يفقده الأصم مع الصمم وعدم ذكر ما يفقده الأعمى معه ليكون التوازي بين الفقدانين معللا لفقدان الفهم ولفقدان الرجوع؟ بين ان الأصم والأبكم يمكن أن يستعيض بالبصر عن السمع والنطق لأن قدرته على رؤ ية الإشارة وما تشير إليه تمكنه من التعلم .ل كن اليس الأعمى يمكن أن يعوض البصر باللمس كما يتعلم الأعمى بالبرايل؟ 44
-- هنا ننسى أن الأمر يتعلق بفقدان البصر مع الصمم والبكم .فاللمس يمكن أن يعوض البصر إذا كان مصحوبا بالسمع والنطق .ل كن إذا فقدا السمع والنطق فإن اللمس لا يكفي لتعو يض البصر لأنه لا يعين الجهة وليس له مرجعية خارجية يصل بينها وبين الإشارة التي تحصل من اللمس .الثغرة تتعلق بما يصبح ممتنعا دون افتراضه مكملا للثلاثة الأولى قبل عدم الفهم وعدم الرجوع. فالثلاثة تصبح مانعا مطلقا للفهم والرجوع إذ إن الفهم في الحالة الأولى يبقى معلقا بالوصل بين ما تراه العين وما لا يستطيع الأصم التعبير عنه لأنه أبكم فلا يمكن حينها معرفة المشار إليه في وجهة البصر لاستحالة تعيينه لانعدام النطق. والأمر يزداد عسرا لحد الاستحالة التوجه من دون الجمع بين اللمس والمشار إليه من الملموسات إشارة تمكن من التوجه الوجهة الصحيحة .فقد يلمس الأعمى والأبكم والأصم شيئا يكون على حرف جرف هار فلا يرجع فيسقط فيه .وهو القصد ب \"لا يرجعون\" لأنهم لا يرون ضرورة الرجوع فيتمادون في الخطأ .وهو القصد بصم بكم عمي فهم لا يرجعون .وإذن فنحن أمام إصابة العقل القادر على الإدراك في النظر والإرادة القادرة على التوجه في العمل. فالعقل القادر على الفهم والإدراك والتعبير-وتلك هي مقومات البيان التي هي شرط التواصل المنتج للتراث في أي حضارة إنسانية -والإرادة القادرة على 45
-- الاختيار والتوجه-وتلك هي مقومات القدرة على الفعل الذي هو شرط التبادل المنتج للتراث في أي حضارة إنسانية -يمثلان بتفاعلهما ما يحقق شروط العمران البشري (أي الاستعمار في الأرض الذي رمز إليه ابن خلدون بسد الحاجات) والاجتماع الإنساني (أي الاستخلاف في الأرض الذي رمز إليه ابن خلدون بالأنس بالعشير). 46
Search
Read the Text Version
- 1
- 2
- 3
- 4
- 5
- 6
- 7
- 8
- 9
- 10
- 11
- 12
- 13
- 14
- 15
- 16
- 17
- 18
- 19
- 20
- 21
- 22
- 23
- 24
- 25
- 26
- 27
- 28
- 29
- 30
- 31
- 32
- 33
- 34
- 35
- 36
- 37
- 38
- 39
- 40
- 41
- 42
- 43
- 44
- 45
- 46
- 47
- 48
- 49
- 50
- 51
- 52
- 53
- 54
- 55
- 56
- 57
- 58
- 59
- 60
- 61
- 62
- 63
- 64
- 65
- 66
- 67
- 68
- 69
- 70
- 71
- 72
- 73
- 74
- 75
- 76
- 77
- 78
- 79
- 80
- 81
- 82
- 83
- 84
- 85
- 86
- 87
- 88
- 89
- 90
- 91
- 92
- 93
- 94
- 95
- 96
- 97
- 98
- 99
- 100
- 101
- 102
- 103
- 104
- 105
- 106
- 107
- 108
- 109
- 110
- 111
- 112
- 113
- 114
- 115
- 116
- 117
- 118
- 119
- 120
- 121
- 122