أبو يعرب المرزوقي re nils frahm الدستور الأحمق كيف التخلص منه لتأسيس الديمقراطية؟ الأسماء والبيان
المحتويات 1 -الفصل الأول 1 - -الفصل الثاني 18 - -الفصل الثالث 40 - -الفصل الرابع 57 - الدولة نظام أدوات السياسية لا نظام غاياتها 57 -الفصل الخامس 69 - في بعدي السياسي :نظام الأدوات ونظام الغايات 69 -الفصل السادس 80 - في بعدي السياسي :نظام الأدوات ونظام الغايات 80 مصفوفة الخانات الخالية والمعاني الكلية التي تحدد نظام ملئها 82 جنس الرعاية بنوعيه وفروعهما الأربعة وأصلها85 : -الفصل السابع 91 - بنية الدستور الثابتة ومضمونه المتغير 91 -الفصل الثامن -القوى السياسية تكوينيتها وتصنيفها بمعيار كيان الإنسان 100
-- لم أنتظر رئيس الجمهورية ورفيقه اللذين ينويان القيام بثورة عالمية لكي أتكلم على فساد الدستور الحالي. وأنوي تقديم البديل منه لبناء نظام ديموقراطي فعلي لا يهدف للتغطية على ديكتاتورية شيوعية أو شعبوية. وقد سبق فعبرت عن احترازي الشديد عديد المرات خلال كتابته وبعدها. وكان ذلك في شكل مقالات ومحاضرات في تونس وخارجها. وأنهيتها بما علقت به على كلمات التمجيد التي وردت من أفواه المشرفين عليه يوم احتلفوا به مباهين في الذكرى الخامسة لختمه. وأريد أولا أن أبين أن ما يدعو إليه الرئيس ورفيقه لا يختلف عما سيؤول إليه الأمر حتى بهذا الدستور خاصة إذا تحول إلى رئاسي. والمعلوم ألا أحد منهما بالرأس المفكرة ولا بالإرادة المدبرة أبو يعرب المرزوقي 1 الأسماء والبيان
-- بل كلاهما مأمور مكتفيا بمضغ خرافتين ظاهرهما ماركسي محدث وباطنهما باطني معتق. لذلك فما سينتج عما يبشران به لا يختلف إلا بالكم التفتيتي مع المحافظة على نفس الكيف السياسي إن تحقق ولا يختلف عما سينتج عن الدستور الحالي إذا تواصل. فنفس الضرر سيتواصل حتى لو لم يستطع الذيلان قلب النظام بالصورة التي يدعوان إليها ويجدان في تكوين التنسيقيات لتحقيقها بالشارع إن عجزوا دونها بالطرق الدستورية. وقد يكون فهمهما ذلك من علل رفض إمضاء \"الرئيس\" مشروع القانون الذي حدد عتبة للدخول إلى مجلس النواب بحجة تثبت أنه جاهل بالقانون عامة أبو يعرب المرزوقي الأسماء والبيان 2
-- ناهيك عن الدستوري بخلاف ما يزعمون. فهذه العتبة على ضعفها 3في المائة في حين أنها في ألمانيا 5في المائة وفي تركيا 10في المائة قد تحد من التفتيت. وهما يحتاجان إليه لأنه يمكن من تغول سلطة النظام الرئاسوي الذي ينويان فرضه ليكون نائب الملالي مطلق اليد في دور الدمية الإيرانية خاصة وقد أصبح له \"افضل\" مستشار في شخص السفير الإيراني الجديد. فالابقاء على نظام الانتخابات الحالي كاف ليحقق الغاية الكيفية من التفتيت حتى لو غابت الغاية الكمية مما يطلبانه. فبما يقتضيه من تفتيت القوى السياسية حتى بالتمثيل الحالي سيكون كافيا لسد حاجتهما فيؤسس لنظام رئاسي ذي حزب واحد تتبعه الحزيبات التي أبو يعرب المرزوقي الأسماء والبيان 3
أبو يعرب المرزوقي -- يحول تفتيتها والمشاركة الفعلية في إدارة شؤون البلاد بالمنطق الديموقراطي. وهذا من أفضل الأنظمة التي تجعل الديموقرطية الشعبوية يقتصر دورها على تمثيل واجهة المافيات والتدخلات التي تفقد الوطن سيادته والشعب حرياته خارجيا وكذلك واجهة الدكتاتورية التي من جنس دكتاتورية المافيات بشكليها الثيوقراطي كما في حالة الملالي أو المخابراتي كما في حالة روسيا مع نظام يبدو ديمقراطيا لا يتجاوز دوره الخدمات الدنيا لخداع الداخل والخارج كالحال في إيران وروسيا حاليا. وسأبدأ بالتذكير بالمحددات التي جعلت الدستور الحالي يخرج بالشكل الذي ليس له مثيل حتى في أكثر بلاد العالم تقدمية وحداثة الأسماء والبيان 4
-- وديموقراطية. فهو أشبه بمغازة عامة تجد فيه من \"كل لون يا كريمة\". فقد صيغ بصورة جعلته يحسم في كل الإشكالات التي ما تزال أعتق الديموقراطيات تبحث لها عن حلول. لكنها حلت في تونس في لمح البصر في ما يتعلق بحضانة الدولة وبتدخلها في الحريات الفردية والجماعية والكونية وحتى الميتافيزيقة . وفي العلاقات الدولية والمسائل الدينية والفلسفية التي ما يزال الفكر الإنساني يتحسس طريقة لفهم تشاجناتها. لكن \"تبارك الله\" عباقرة الدستوريين التوانسة حلوها حلا حاسما ونهائيا. والسؤال هو: ما الذي جعل مثل ذلك يحصل في بلد عاجز عن تحقيق الشروط الدنيا لقيام شعبه المادي والروحي فضلا عن جهله بهذه الحاجيات ؟ أبو يعرب المرزوقي اعتقد أن ذلك يعود إلى عناصر الأسماء والبيان 5
أبو يعرب المرزوقي -- تنتسب كلها إلى العقلية واحدة عند من لهم وجه شبه مع الملالي. أعني حكم \"فرقة دينية\" تخلط بين الفكر الفلسفي والحيل الفقهية وتتصور الديموقراطية قابلة الخضوع لوصاية مرشد سلطته فوق إرادة الشعب. وهذا يتنافى مع من قام بثورة حرية وكرامة ليصبح شعبا يريد حرية الإرادة ووعي العقل وقدرة الإنجاز وذوق الحياة ورؤية الوجود التي تعبر عن كون الإنسان \"رئيسا بطبعه بمقتضى الاستخلاف الذي خلق له \" بعبارة ابن خلدون. ومن ثم فالاصل لهذه النكبة في تاريخ نهضتنا هو -1بنيوي متعلق بالجهل بكون الدستور كما سيأتي بيانه في الفصل الثاني من هذه المحاولة أداة عمل تحدده الغايات مما ينتظر شعبا من الشعوب من المهام التي تقتضيها : الأسماء والبيان 6
-- شروط قيامه المادي والروحي وشروط إمكانها في ضوء القدرتين المادية والروحية للجماعة إذا ربيت على كونها هي مصدر السلطة الوحيد 'ابن خلدون فصل علم الكلام'. وذلك في المنظور من تاريخها بما ورثه الشعب عن ماضيه. وما يتوقعه لمستقبله بمقتضى إمكاناته في الحاضر وقابليتها للتطور المقدور عليه وليس تعبيرا عن الرغبات الصبيانية لمتعلمي الحجامة في رؤوس اليتامى. -2وظرفي وهو ما ترتب على البنيوي مما نشهده حاليا من أزمات علتها الأساسية تبعات هذا الخطأ الجسيم في جهاز التعبير عن إرادة الجماعة في العناصر الأربعة التالية: أبو يعرب المرزوقي 1التسرع في تكوين المجلس التأسيسي بنظام انتخابات فرض على الأحزاب عامة وعلى الأحزاب الثلاثة التي ربحت الانتخابات خاصة أن تكون قائمات بمجرد ظرفية الحاجة إلى ملء الفراغ الأسماء والبيان 7
أبو يعرب المرزوقي -- وليس بمناضلين من قاعدة فعلية لهذه الأحزاب وخاصة في الحزبين اللذين شاركا مع النهضة. ولا أستثني النهضة حتى وإن كانت أقل حاجة لهذا الداعي بسبب اتساع قاعدتها. لكن قضية المناصفة وقضية \"تعويض\" المناضلين دون اعتبار الكفاءة والخبرة جعل الاختيار من أفسد ما يمكن أن يكون بسبب العجلة وعدم الوعي بثقل المهمة. والمعلوم أن جل النكبات وخاصة نكبة السياحة النيابية وسوق نخاسة النواب علتها الأساسية جاءت من نواب هذين الحزبين وخاصة من نواب حزب المزروقي وفتاته اللاحق ثم تلتها تفتتات الأحزاب وخاصة حزب الشابي وحزب السبسي وقبلهما حزب التجمع الذي اخترقت قاعدته كل الأحزاب بما فيها النهضة. ولن يتوقف التفتيت. الأسماء والبيان 8
أبو يعرب المرزوقي -- 2المزايدات اليساروية والقومية والليبرالية ويجمعها خرافات الحداثوية والتنويرية والحرب على الظلامية المزعومة من أميي اليسار والقوميين من خدم ابن علي ونظامه البوليسي والشعبوية جعل ما نصب من أفخاخ وتوريط للثالوث \"الحاكم\" يصبح مدعاة لتضمين الدستور كل ما لا يخطر على بال بشر من الحمق والغباء والجمع بين المتناقضات وإلزام الدولة بالمستحيلات المائة التي لم تلتزم بها دولة في العالم حتى ما كان منها بثراء ألمانيا أو اليابان أو حتى أمريكا. 3فرض \"قيادة\" النهضة أن يكون المشرف على كتابة الدستور من القبيلة حتى لو كان عديم الخبرة تسليما بأنه كما يعتقدون عبقرية في القانون العام وهو أمر يعلم من له أدنى دراية بالقانون فضلا عن نوعه العام أنه أبعد ما يكون عن ذلك وأن ما أوصله لهذه المسؤولية ليس الكفاءة ولا العبقرية الأسماء والبيان 9
أبو يعرب المرزوقي -- بل هو القرابة القبلية والجهوية لا غير يعني تقريبا مثل ما حصل في الكثير من الوزارات وخاصة في أخطرها أعني وزارة الدبلوماسية. وداهية الدواهي توهم تونس قد صارت بريطانيا يمكن أن تحكم بنظام برلماني بأعضاء من جنس القصاص وبن تومية وأمثالهما كثير في كل الأحزاب التي احتلت مقاعد \"مجلس الهانة ورقود الجبانة\". 4وأخيرا فترضية التدخلات الأجنبية الخلفية مع الاحتماء بخرافات من علم الكلام والأفكار الفقهية المتخلفة في تصدير الدستور مثلا جعلت منه ما يشبه الكوكتال مولوتوف لجمعهما بين كل المتناقضات بحلول لفظية زادت الطين بلة. فكلما طرح مشكل سيضطر القضاء العادي أو القضاء الدستوري لتأويل النصوص وسيتعذر عليه الوصول إلى حل يقبله العقل الأسماء والبيان 10
-- دون الوقوع في ما لا يكفي لحسمه الحل اللفظي كما حصل مثلا في مسألة الاعتماد على الفصل الأول أو الثاني لعلاج مقترح السبسي في قضية الميراث. وبين أن العقبات حالت دون الاستماع لخطاب العقل والعمل على تحقيق المطلوب من دستور. فالدستور في حالتنا ينبغي أن يكون أبسط ما يكون وأن يقتصر على العناصر التي تمكن الانتقال المرن من تاريخ مديد سيطر عليه الاستبداد والفساد مدة قرون تتجاوز عقود دولة الاستقلال إلى تأسيس ثقافة الديموقراطية تطلبت في الغرب قرونا لكي تترسخ. ما يجعل أحكام الديموقراطية مصدرا لشرعية من ينتدبه الشعب للحكم فيكون أمره مطاعا بمقتضى الشرعية وليس بمقتضى الشوكة. للتقليل من حاجة الحكم إلى العنف حتى الشرعي ناهيك عن غيره من الجميع بما فيهم مراكز القوة أبو يعرب المرزوقي 11 الأسماء والبيان
أبو يعرب المرزوقي -- والمافيات التي لا يخلو منها مجتمع حتى وإن كانت هي المسيطرة عندنا على وجه الخصوص. فالديموقراطية في الغرب مرت على الأقل بخمس مراحل: -1مرحلتان متقدمتان على الاعلان الرسمي عن ولادتها في نهاية القرن السادس عشر وبداية القرن السابع عشر في أنجلترا بعد أن تم الإصلاح الديني في بداية السادس عشر في ألمانيا لأن الأنظمة الوسيطة في أوروبا لم يكن الملوك فيها حتى وإن كان حكمهم بالحق الإلهي يحكمون وحدهم بل كان من حولهم من لا يقل عنهم شرعية وهم نبلاء السيف (الأمراء) ومعهم نبلاء الجبة (رجال الدين). وإذن فالملك يحكم بما يشبه مجلس أمراء يشبهون مؤسسة أهل الحل والعقد بالمعنى الموجود في الخلافة رغم كونها كانت قبلية وعسكرية ودينية واقتصادية في حضارتنا. الأسماء والبيان 12
أبو يعرب المرزوقي -- -2ثم لما تكونت البرجوازية التي هي طبقة التجار وأصحاب الأموال السائلة وشاركوا الملاكين بناتهم وأملاكهم تكونت تمثيليات للشعب أي ممن ليسوا من نبلاء السيف ولا من نبلاء الجبة تشارك في الحكم إما مباشرة أو بما لهم من دور في مالية الدولة عن طريق دورهم في مالية النبلاء وشروط ابقائهم على مستوى معيشتهم رغم فقرهم لان الثروات تغيرت طبيعتها وخاصة بعد موجة الاستعمار عن طريق الفتوحات واكتشافات العوالم الجديدة والاتصال بالشرق الاقصى بعد التغلب على المسلمين واخراجهم من الدورة الاقتصادية العالمية. -3مرحلة الثورات الثلاث التي حصلت في انجلترا ثم في أمريكا وأخيرا في فرنسا أو مرحلة الثورات البرجوازية التي أسست للمرحلتين الأخيرتين اللتين اكتملت فيهما البنية الديموقرطية للحكم الأسماء والبيان 13
أبو يعرب المرزوقي -- في تاريخ الإنسانية التي تجاوزت دلالتها اليونانية المقصورة على من يعتبرون أحرارا مستثنية من عداهم بوصفهم عبيدا وأدوات ولا دور سياسي لهم. -4مرحلة عموم القيم الديمقراطية في أوروبا كلها ولكن بالاقتصار على من يشارك في تمويل الدولة أو دور من يدفعون الجباية للدولة وهي بداية التدرج نحو المرحلة الأخيرة. -5مرحلة المشاركة الكونية في الانتخابات لما أصبح الجميع متعلما ومدركا لواجباته وحقوقه ذكورا وإناثا والكل مشارك في خزينة الدولة إن لم يكن بالجباية فبالعمل المنتج اقتصاديا كان أو ثقافيا. وهذه هي المرحلة التي بدأنا نحن بها فدخلنا الثقافة الديموقرطية بالمقلوب. وهكذا فنحن أننا نبني في الفضاء تقليدا لما له اسسه في الغرب الأسماء والبيان 14
أبو يعرب المرزوقي -- دون أن تتحقق الاسس عندنا. وهو ما أعنيه بأن \"الرئيس ورفيقه\" يواصلان نفس الظاهرة ولا ياتيان بجديد: هما يريدان الذهاب إلى الغاية في نفس الحمق والغباء. ومثلما بدأت هذه المراحل بأصل هذه النكبات أعني بالجهل بطبيعة الدستور فإني اختمها بأصل الاصل بالجهل بمعنى الديموقراطية أو أي بمعنى المشاركة في الحكم فرض عين على كل من يشارك في المواطنة ليس بمعنى العيش فيه فحسب بل بمعنى المساهمة في شروط قيامه على علم ووعي. فالمواطنة ليست مجرد العيش في الوطن بل هي المساهمة في شروط قيامه بثمرة العمل المشترك والذي يكون الإنسان مواطنا بقدر مشاركته في شروط قيامه. ولو كان مجرد العيش في الوطن هو مقوم المواطنة الأسماء والبيان 15
أبو يعرب المرزوقي -- لكان على الأطفال أيضا أن ينتخبوا. ولو لم يكن الشرط هو المساهمة في الانتاجين الاقتصادي والثقافي تحققا ورعاية تمييزا بين الشأن العام والشأن الخاص لكان كل من يجعل مشاركته في الحكم أو في أي سلطة مقصورا على فرصة شخصية لحلب الدولة أو المؤسسة التي له عليها سلطان لكان كل الفاسدين والمستبدين مواطنين وليسوا لصوصا ومجرمين. لو كان ذلك كذلك لكان الاتحاد العام التونسي للشغل واتحاد الاعراف مؤلفا من وطنيين لا يخلطون بين نهب الوطن مثلهم مثل المافيات الأجنبية التي تسيطر على ثروات الوطن ولا يعنيهم الوطن ولا مستقبل الاجيال بحيث صارت البلاد مرتع المافيات واللصوص من أدنى رتبة في الإدراة وال ٍأجهزة إلى أرفعها الأسماء والبيان 16
-- حتى صار يمكن لمن ولاؤه للمستعمر أو حتى لإسرائيل وإيران من حقه أن يكون رئيس حكومة أو حتى رئيس دولة ناهيك عن وزير او مدير أو خاصة اعلامي ومثقف وفنان. قد يقال إن ذلك من علامات عصر العولمة. وقد يكون. لكنه إلى حد ٍالآن في اتجاه واحد. إذ لو كان ظاهرة عولمية لكان مثله يحصل في البلاد المسيطرة على من هم مثلنا. لم أر نقابات فرنسا مثلا أو وزراءها أو رؤساء حكومتها أو رؤساء دولتها ولاؤهم لغير فرنسا ناهيك عن غيرها ممن هو قوى عالمية لم تعد فرنسا ولا ثقافتها من جنسها. أبو يعرب المرزوقي 17 الأسماء والبيان
أبو يعرب المرزوقي -- تأصيل قرآني لفلسفة السياسة قبل الكلام على شروط إصلاح الدستور لا بد من الحسم في قضية أفسدت عملية كتابة الدستور التونسي كلها. واعتقد أنها كذلك تفعل في كل دساتير المسلمين الحاليين كلهم بعد أن غرقوا في الفتنة الصغرى ما يسمى بالعلمانية المقابلة الدين السياسة بعد الكبرى الإمامية جعل الحكم دينيا أو ثيوقراطيا الوصية لآل البيت. وأعتقد كذلك أن للنخبة المصرية التي درست في الغرب دورا. فمحاولات التحديث عامة والسياسي خاصة ذات الطابع السطحي التي من جنس محاولات السنهوري مع تأصيل اعتبره عاميا لعدم تحرره من أحكام فرضتها حالة الطوارئ على الفكر الإسلامي منذ الفتنة الكبرى يمثلان عاملين أساسيين في توهم الحل في التلفيق بين الحديث والقديم الأسماء والبيان 18
-- دون رؤية القديم في الحديث والحديث في القديم. وهذا ما كان يقتضيه فهم الحل القرآني لتجنب التحريف بالصورة التي طبقها القرآن نفسه في المسألة ذاتها خلال عرضه تاريخ العلاقة بين الديني والسياسي. فالقرآن الكريم يميز بصورة لا أوضح منها بين: -1علاقة الديني بالسياسي. -2وعلاقة الديني بمهام الدولة. أبو يعرب المرزوقي فقد ظن كل الباحثين في الفتنة الصغرى التي هي اشكالية العلمانية أو الفصل بين الديني والسياسي أن السياسي ينحصر في وظائف الدولة التي هي احد وجوه السياسي دون أن تكون إياه حصرا لها فيه. فالسياسي لا يرد إلى مهام الدولة التي هي نظام أدواته لتحقيق غاياته وليست هي جوهره. الأسماء والبيان 19
أبو يعرب المرزوقي -- ومهمة الدولة توفير الشروط الأداتية التي تحقق بها الجماعات غايات السياسي أعني أدوات القوامة على تحقيقها. في حين أن السياسي هو مهمة الجماعة التي تحدد غاياتها وسياسة تحقيقها بأداتين هما التربية والحكم إذا كانت حرة. بحيث هي التي تربي نفسها وتحكمها بنظام تفعيل إراداتها بمقتضى القيم التي تؤمن بها. تلك هي علاقة السياسة من حيث هي نظام الادوات بالمرجعية القيمية من حيث هي نظام الغايات سواء صيغت دينيا أو فلسفيا. وهي قيم إذا كانت كونية تكون من طبيعة واحدة فيهما. وقد حددتهما آياتان قرآنيتان. -1أولاهما هي الأسماء والبيان 20
أبو يعرب المرزوقي -- ثثثث ثثثثثثث ثثثثثث ودلالة كونه الدين الكوني والخاتم لأنها تعرف مفهوم الأخوة الإنسانية تعريفا بلغ الكونية عندما تجاوز الرحم الجزئي اصل الصراعات العرقية بين الجماعات إلى الرحم الكلي كما حددته الآية الآولى من النساء التي اعتبرت كل البشر اخوة لأنهم من نفس واحدة. وهو القصد بكونهم كلهم أبناء آدم وكلهم من تراب مثله. -2والثانية تعرف المساواة بين البشر بوصفها ما يترتب على هذه الأخوة الكونية فتحصر التفاضل بينهم في معيار قيمي وحيد هو التفاضل عند الله بالتقوى كما حددت ذلك الآية الثالثة عشرة من الحجرات نفيا للتفاضل بالعرقية والطبقية والجنسية وحصرا للتفاضل وفرضت معيارا جامعا بين المعرفي الأسماء والبيان 21
-- والخلقي . التعارف معرفة ومعروفا. وكل ما عدا هذين المبدئين من خصوصيات الثقافة والتطور في تحقيقهما التاريخي ويعد من مراحل الوعي المعرفي والخلقي المتطور في تاريخ البشرية قبل الوصول إلى الغاية التي هي الكونية القرآنية. مع بيان أن هذا التطور يبقى دائما في إطار الوحدة الجوهرية للإنسانية وهذين القيمتين رغم تنوع الصيغ الدينية والفلسفية التي تعبر عنها في مراحل سعي الإنسانية لتطبيق أكبر قدر منهما. ولا أريد أن أتكلم في المسالة بصورة عامة وغير محددة في تاريخ فكرنا السياسي. إذ يكفي الانطلاق من دستور المدينة الذي ما يزال إلى الآن أمره غامضا في ما تضمنه من معان صارت شبه مستحيلة بعد أن انتقلت الأمة أبو يعرب المرزوقي الأسماء والبيان 22
أبو يعرب المرزوقي -- من دستور القرآن إلى ما فرضته عليه حالة الطوارئ بعد الفتنة الكبرى والحرب الاهلية التي تولدت عنها والتي بقيت إلى اليوم مسيطرة على علاقة السياسي بالديني المحرفة. فزادتها الفتنة الصغرى تحريفا بأن قابلت خلط توظيف الديني في مهام الدولة بالفصل بين الديني والسياسي. فكانت الحلول التلفيقية التي تسيطر على كل دساتير المسلمين. لما اعد الرسول الخاتم دستور المدينة اعتمد مفهوما لم يراعه احد ممن يدعي اعتماد رؤية الإسلام للعلاقة بين الديني والسياسي وتمييزها عن العلاقة بين الديني والدولة والتحرر من الخلط بين العلاقتين. فمن ظن الفصل بين الديني والسياسي والفصل بين الدين والدولة سواء الأسماء والبيان 23
-- لم يفهم منطق دستور المدينة. ولذلك فهو: -1يعتمد رؤية دينية تدعي الحداثة وتزعم الفصل بين الدعوي والسياسي. -2أو يعتمد رؤية حداثية تدعي العلمانية وتزعم الفصل بين الديني والسياسي. وكلاهما يجهل موقف أحد كبار فلاسفة السياسة في الإسلام ابن خلدون وكيفية تمييزه بين الرؤيتين الشيعية التي هي ثيوقراطية والسنية التي هي ليست ثيوقراطية رغم كونها لا تقبل الوصف بالعلمانية . وقد عرفها ابن خلدون بالقول في فصل علم الكلام (العاشر من الباب السادس): \"وألحق (الأشعري مؤسس الكلام السني) الكلام في الإمامة (نظام الحكم) لما ظهر حينئذ من بدعة الإمامية (الثيوقراطيا الشيعية) في قولهم إنها من عقائد الإيمان (نظام الحكم من العقيدة) وإنها يجب على النبي تعيينها والخروج من العهدة فيها لمن هي له وكذلك على الأمة (الوصية لآل البيت أو الحكم بالحق الإلهي وهو الثيوقراطيا) .وقصارى أمر أبو يعرب المرزوقي 24 الأسماء والبيان
-- الإمامة أنها قضية مصلحية (تتعلق بسياسة عامل الشهادة) إجماعية (أصلها اجماع الامة لتنظيم سياسة أمرها) ولا تلحق بالعقائد (وليست جزءا من العقائد الدينية)\". فبهذا التعريف الخلدوني نصل إلى النتائج الأساسية التالية التي تغني عن التخريف حول الديني والسياسي عند كلا الصفين الإسلامي الذي يدعي الحداثة والحداثي الذي يدعي العلمانية. -1فالإمامة أي نظام الحكم عامة ورئاسته خاصة ليستا من العقائد. -2ووجودها في علم الكلام السني كان للرد على الرؤية الشيعية. -3وهي مسألة تعنى بالمصالح العامة كما ورد في تحديد الأنظمة عنده -4وهي اجماعية بمعنى أن أساسها هو إجماع الأمة على ضرورتها وتنظيمها. -5وهي تابعة لما هو موضوع اجتهاد أساسا أبو يعرب المرزوقي 25 الأسماء والبيان
-- ونظاما لأنها ليست من العقائد. ولذلك فينبغي أن نعود إلى دستور المدينة وعلة اعتبار مهمة الدولة لا تتعلق بالاشراف على العقائد أو التدخل فيها بل مهمتها تحقيق الشروط التي يمكن فيها للجماعة أن تعيش معا وتتعاون على وظيفتي الدولة بقيم مشتركة تحقق شرطين وضعتهما آية قرآنية هي المائدة 48 \"وَأَ ْنزَ ْل َنا ِإلَ ْيكَ الْكِتَا َب بِا ْلحَقِّ ُم َص ّدِ ًقا لِمَا بَيْ َن َيدَ ْيهِ ِمنَ ا ْلكِتَا ِب َومُ َه ْي ِمنًا َعلَيْ ِه ۖ فَا ْحكُ ْم َب ْي َنهُمْ بِ َما َأ ْنزَلَ ال َّل ُه ۖ وَلَا َتتَّ ِبعْ َأهْ َواءَ ُهمْ عَ َّما َجا َء َك ِمنَ الْحَ ِّق ۖ لِ ُك ّلٍ َجعَ ْلنَا مِنْ ُك ْم ِش ْرعَةً َو ِمنْهَاجًا ۖ وَ َلوْ شَا َء اللَّهُ َل َج َع َلكُ ْم ُأ َمّ ًة َوا ِحدَةً وَ ٰلَ ِكنْ لِ َي ْبلُوَ ُك ْم فِي مَا آ َتاكُمْ ۖ فَا ْستَبِقُوا الْخَيْرَا ِت ۖ إِ َلى اللَّ ِه َم ْر ِج ُعكُ ْم َجمِيعًا َف ُينَ ّبِئُكُمْ ِب َما ُكنْتُ ْم ِفي ِه َتخْ َت ِلفُونَ \" وذلك للاستجابة لشرط حرية المعتقد كما تحدده الآية 256من البقرة \" َلا إِ ْكرَاهَ ِفي الدِّي ِن ۖ قَد َّت َب َّي َن ال ُرّشْ ُد مِنَ ا ْلغَ ِّي ۖ َفمَن يَكْ ُف ْر بِال َّطا ُغوتِ َويُؤْمِن ِبال َّل ِه َفقَ ِد ا ْس َت ْمسَ َك ِبالْعُرْ َوةِ ا ْل ُوثْ َق َٰى لَا انفِصَامَ َلهَا ۖ َوال َلّهُ َس ِميعٌ عَلِيمٌ\". أبو يعرب المرزوقي 26 الأسماء والبيان
أبو يعرب المرزوقي -- -1فالتعدد شرط أول للإيمان الحر بعد تبين الرشد من الغي المحرر من الطاغوت أي من عبادة العباد بدل رب العباد وهو أصل الحرية. -2والتعدد شرط ثان للمفاضلة بين الأديان دون إكراه بعد تبين الرشد من الغي المحرر من الطاغوت أي من عبادة العباد بدل رب العباد وهو أصل الحرية. وكل ذلك يترتب على رؤية دينية ثورية حددتها ثلاث آيات أوجبت على المسلمين الاعتراف بحقيقتين: -1وجود التعدد الديني أمرا واقعا في عالم الشهادة. -2وحدة الدين عند الله أمرا واجبا في عالم الغيب. ويترتب على ذلك إرجاء الحسم بين اهل الأديان حتى لا يتحاربوا من أجل فرض أحد الأديان الواقعة في التاريخ بوصفه الدين عند الله في الواقع وليس في الواجب. الأسماء والبيان 27
أبو يعرب المرزوقي -- ومن ثم فالمفاضلة بين الأديان الواقعة في عالم الشهادة هي جوهر الحرية الدينية وجوهر التسابق في الخيرات دون فرض أحدها بالإكراه لأن الحسم بينها يكون يوم الدين. فيكون الأمر في الوعي الديني من جنس الأمر في الوعي الفلسفي وهو التقدم الذاتي الحر نحو الحقيقة بالتسابق في الخير. لكن الفقهاء بمقتضى حالة الطوارئ التي سيطرت اعتبروها منسوخة وظلت كذلك طيلة عصر الانحطاط. ولا بد هنا من ملاحظة سريعة تبين أن الفقهاء بإطلاق حرفوا مفهوم النسخ إذ لم يعتبروه ملازما لشرطه فيكون حصوله متعاكسا مع شرطه يحصل معه ويزول معه. فالنسخ مشروط الأسماء والبيان 28
أبو يعرب المرزوقي -- ومقصور على ما نسخ من أجله. وتوهم أنه مطلق من الأحكام التي لا يقبلها عاقل لأن الله لا يقع في خطأ فيغير أحكامه بصورة تلغيها ما لم يكن في ذلك غاية يذكرها ويعلل التغيير المطلق وهو النوع الخاص جدا والمحدود جدا من النسخ وحينها يغلى الحكم المنسوخ من النص ويستبدل بالحكم البديل. فما لم يكن النسخ من هذا الجنس المطلق نسخا ماحيا لما نسخ يكون بقاؤه في القرآن دالا على أن المنسوخ ليس مطلق النسخ بل هو مقصور على ما لأجله حصل متلازم معه طردا وعكسا. وبهذا المعنى يكون هذا النسخ حضر اللامحظور عند الضرورة أي عكس إباحة المحظور عند الضرورة. فالمحظور يصبح مباحا في الضرورة التي تبيحه. الأسماء والبيان 29
أبو يعرب المرزوقي -- والمباح يصبح محظورا في الضرورة التي تفرض حظره. وفي هذه الحالة يكون نسخ آيات شرطي الحرية الدينية مقصورا على ظرف الطوارئ التي تبيح المحظور وحظرا للمباح كما في حالة الحروب. ومثلما أن الحل الاول يجعل الحرام مباحا وحلالا فكذلك الحل الثاني يجعل الواجب محظورا وحراما. وما ذلك إلا لأن النص القرآني يأخذ بعين الاعتبار العلاقة بين الكلي والتاريخي في الاحكام فيجعل الكلي الثابت لا يلغي الجزئي المتغير بحسب المعطيات التاريخية في الشؤون الإنسانية. وهذه هي الآيات التي تحدد فلسفة القرآن في علاقة بالسياسة من حيث هي قوامة للحماية والرعاية في الجماعة متعددة الأديان للتوفيق بين الأمر الواقع في عالم الشهادة شرطا في التعايش بين الأديان والأمر الواجب في عالم الغيب الأسماء والبيان 30
-- عندما يفصل الله بين أصحابها في ما يختلفون فيه: -1البقرة ِ :62إ َّن ا َلّ ِذي َن آ َم ُنوا َوا َلّذِي َن َهادُوا َوال َنّ َصارَ ٰىَ َوال ّصَا ِبئِي َن مَ ْن آ َم َن ِبال َّل ِه وَالْ َي ْو ِم ا ْلآ ِخ ِر َوعَمِ َل َصا ِل ًحا َفلَهُ ْم َأ ْجرُهُ ْم عِن َد رَ ِّب ِه ْم َولَا خَ ْوفٌ َع َل ْي ِهمْ وَ َلا ُه ْم َيحْزَ ُنو َن. -2آل عمران ِ :69إ َنّ ا َّل ِذينَ آمَ ُنوا وَالَّ ِذينَ هَادُوا وَال َّصا ِب ُئونَ َوال َّنصَارَ َٰى َمنْ آ َم َن بِال ّلَهِ وَالْ َيوْمِ الْآ ِخ ِر َو َعمِ َل َصا ِل ًحا َف َلا َخ ْوفٌ َع َل ْي ِه ْم َولَا هُمْ يَحْ َزنُونَ. -3الحج :17إِ ّنَ ا َّل ِذينَ آمَنُوا وَا َلّذِي َن َهادُوا وَال َصّابِئِينَ وَال ّنَ َصارَ َٰى َوالْمَ ُجو َس وَا َّل ِذينَ أَشْ َركُوا ِإ ّنَ ال ّلَهَ َي ْفصِلُ بَ ْينَهُ ْم َي ْو َم الْ ِقيَامَ ِة ۖ إِ َنّ اللَّ َه َع َل َٰى ُكلِّ َش ْيءٍ َشهِي ٌد. فواضح إذن أن الفصل بين الأديان وفرض ما يعتبر الدين عند الله (الإسلام) بقوة الدولة وجعله من شروط قيامها بوظائفها ليس من الإسلام في شيء وأن النسخ إن صح فهو من الجنس الثاني من النسخ الذي يكيف الفعل السياسي مع الظرف دون أن يكون نسخا للحكم الأصلي. ففي الحرب مع اهل هذه الاديان من الطبيعي أن يكون الموقف مختلفا عنه في السلم. ومن ثم فآية السيف تتعلق بالظرفي ولا تتعلق بأصل الحكم الذي لم ينسخ أبو يعرب المرزوقي 31 الأسماء والبيان
-- بل كيف مع الظرف. ومن يطلقه يكون خاضعا لسياق إطالة حالة الطوارئ التي نشأت خلال الحروب الاهلية بعد الفتنة الكبرى وبقيت دون أن ترفع بعد أن استقرت الدولة. أما في حالة السلم فإن المطلوب من الدولة ذات المرجعية الإسلامية هو تحقيق شروط العيش المشترك بين معتقدي الأديان المتعددة وشروط ممارستهم لها بحماية الدولة كما هو بين من آية الحج :40 \"ا َلّذِي َن أُ ْخ ِرجُوا ِمن ِديَا ِر ِهم بِ َغ ْيرِ َحقٍّ ِإ َّلا أَن يَقُو ُلوا َر ُّبنَا اللَّ ُه ۖ َولَوْ َلا َدفْ ُع اللَّهِ ال َّناسَ َب ْعضَ ُهم ِب َب ْع ٍض َّل ُه ّدِ َمتْ َصوَا ِم ُع َوبِيَعٌ َو َص َل َواتٌ وَمَ َساجِدُ يُذْكَ ُر فِي َها اسْ ُم ال َّل ِه َكثِيرًا ۖ َولَ َين ُص َر َّن ال َّلهُ َمن َينصُ ُر ُه ۖ ِإنَّ ال َّلهَ َلقَ ِو ٌّي َع ِزيزٌ\". والآيات الثلاث تشمل كل الأديان المذكورة باستقراء تام لكل الأديان الممكنة إذ حتى الشرك اعتبر دينا مع ذكر دينين منزلين تمثيلا لنوعها الذي يتضمن أكثر من اثنين ورد الكثير منها في القرآن ودينين طبيعيين تمثيلا لنوعها الذي يتضمن اكثر من اثنين أبو يعرب المرزوقي 32 الأسماء والبيان
أبو يعرب المرزوقي -- وذكر الإسلام بوصف المنتسبين إليه بالإيمان من بينها مع تطبيق نفس الحكم. وهذا الآية التي تتكلم على حماية كل الاديان رمزا إليها بمعابدها وبصلواتها التي يذكر فيها اسم الله وهو ما يعني أن الشرك نفسه لم يستثنى من هذه الحماية لأن اسم الله يذكر فيه وإن صحبه الشرك كما هو بين في الحج .17 وأستطيع ختما لهذا الاستعراض القول إن دولة الإسلام لا تستثني إلا من يستثني نفسه برفض هذين المبدئين وما يترتب على التمييز بين الامر الديني الواقع في عالم الشهادة والوحدة الدينية في عالم الغيب لأن الدين عند الله هو الإسلام وهو الواحد في جميع الأديان وليس ما هو مقصور على الإسلام الخاص بنا بدليل أن القرآن يسمي مسلمين كل متبعي الأديان السابقة. وهو يحصر شرط الوحدة في ثلاثة أمور الأسماء والبيان 33
أبو يعرب المرزوقي -- يترتب عليها أمران حددتهما سورة العصر أي التواصي بالحق والتواصي بالصبر وتلك هي القيم المرجعية لكل دستور في جماعة من الأحرار يربون أنفسهم بأنفسهم ويحكمون انفسهم بأنفسهم: -1الإيمان بالله وهو رمز الكفر بالطاغوت وإذن فهو رمز الحرية. -2الإيمان باليوم الآخر وهو رمز الكفر بالظلم وإذن فهو رمز العدل الإلهي. -3العمل الصالح وهو رمز ما يترتب على المبدأين الأولين في عالم الشهادة. -4ولا يمكن أن يتحقق ذلك من دون التواصي بالحق علما وعقدا. -5ولا يمكن أن يتحقق ذلك من دون التواصي بالصبر عملا وشرعا. وبذلك يتبين أن الكلام الذي يخلط أصحابه بين علاقة الدولة بالدين الأسماء والبيان 34
أبو يعرب المرزوقي -- وعلاقة السياسي بالديني ليس كلاما دالا على فهم في فلسفة السياسة. ومن ثم فلا يمكن للصفين الخالطين بين العلاقتين الإسلامي الذي يدعي الفصل بين الدعوي والسياسي والعلماني الذي يفصل بين الديني والسياسي أن يعتد برأيهما في ما يضعانه في الدساتير الإسلامية من عقبات لا نجد لها أثرا في دستور الرسول لأنه كان يدرك الفرق بين الأمرين: -1علاقة السياسي بالديني من حيث كون الثاني مرجعية قيمية للاول تحدد شرط استعمالها أي التعارف بين كل الأديان بوصفها أمرا واقعا في عالم الشهادة حتى وإن كان الديني في الأمر الواجب واحدا عند الله لأن الحسم بين الأديان الواقعة لا يكون إلا في عالم الغيب يوم الدين. -2علاقة الدولة بالدين من حيث هو عبادات وحتى تشريع معاملات الأسماء والبيان 35
أبو يعرب المرزوقي -- هي علاقة الحياد المطلق بمقتضى حق الحرية الدينية لجميع الأديان في الجماعة الواحدة وهو بين في دستور المدينة الذي يترك إدارة الشأن الديني عبادات ومعاملات لأصحابه مع القبول بسلطة الدين الأغلبي على وظيفتي الدولة أي: قوامة الحماية وقوامة الرعاية. ولهذه العلة فإن الدولة الواحدة ليس لها نظام قانوني واحد بل نظام ما بعد قانوني واحد بمعنى أن كل جماعة لها قانونها الخاص بحسب قيمها. لكنه يوجد قانون أعلى هو قانون الشرط الذي يحقق التعايش بينهم وهو شرط التعارف أي الاعتراف المتبادل بينهم. ولذلك فالإسلام يفرض على المسلمين الاعتراف بجميع الأديان التي ذكرتها الآيات الثلاث جزءا من عقيدته مع التسليم بأن ما تختلف به عن الإسلام تحريف لكنه يقبله بوصفه أمرا واقعا ولا يحاربهم من أجله الأسماء والبيان 36
أبو يعرب المرزوقي -- لأن الإسلام عرفه بأن التعدد مراد من الله وأن الفصل في ما تختلف به الأديان لن يكون في الدنيا بل في الآخرة. وهذا هو جوهر وظيفة الدولة التي تدين بذلك لطبيعة العلاقة بين الديني والسياسي المحدد لشروط عمل نظام الأدوات (الدولة) بمقتضى نظام الغايات (قيم الجماعة) وهذه الغايات هي التي ينبغي أن تكون واحدة أو المشترك بين الديني والفلسفي عندما يكونان كونيين ينطلقان من المبدأين اللذين ذكرنا أي مبدأ الأخوة البشرية والمساوات بين البشر. وذلك ما سيأتي بيانه في الفصل الموالي الذي أخصصه لتأصيل مسألة الدستور فلسفيا بعد التأصيل الديني في الإسلام بناء على ما حدده ابن خلدون وابن تيمية وقبلهما الغزالي من الطابع الاختياري والحر لتعيين الحكام الذي ليس لهما سلطان ديني على الأديان بل سلطانهم مقصور على شروط العيش المشترك أي الأسماء والبيان 37
أبو يعرب المرزوقي -- قوامة الأمن الداخلي والخارجي وقوامة شروط الرعاية التي تتعلق بشروط البقاء الاقتصادية والثقافية المشتركة بين المنتسبين إلى الأديان المختلفة في نفس الجماعة. فالعلوم والفنون في الثانية والمعيشة في الأولى ليس فيها الكثير من الاختلاف في نفس الجماعة إلا في ما له دلالة دينية وهذه تتمايز ولا دخل للدولة في استعمالها لكن دخلها يتعلق بانتاجها لسد حاجة شعبها من حيث القوامة وليس من حيث عملية الإنتاج لأن دولة الأسلام ليست حاضنة باستنثاء الحالات التي ذكرها القرآن والتي من واجب الدولة العناية بهم مثل الايتام وذوي الحاجات الخاصة والمساكين وأبناء السبيل والغارمين بل وابن خلدون يحرم عليها تعاطي المهام الانتاجية والتبادلية الأسماء والبيان 38
-- لأنها َحكم ولا يمكن أن تكون قاضيا متقاضيا لأنها تكون قاضيا وخصما في آن. أبو يعرب المرزوقي 39 الأسماء والبيان
أبو يعرب المرزوقي -- تأصيل فلسفي لفلسفة السياسة حان الآن أوان الكلام في تأصيل عادة ما يعتبر ضديدا للتأصيل الديني في الرؤيتين المحرفتين اللتين حكمتا تاريخ العلاقة بين علم الكلام الذي هو فلسفة محرفة لا تعي ذاتها الكلامية حتى صار أهم قضاياها والفلسفة التي هي علم كلام محرف لا يعي ذاته حتى ابتلعها فتبين أنهما في القرون الوسطى كانا فنا واحدا ذا وجهين متصارعين ينتجان عن القول بالمطابقتين للزعم بأن العقل أو الوحي كلاهما محيط نفيا للغيب وادعاء أن الوجود شفاف وقدرة الإنسان المعرفية والقيمية مطابقة للموجود والمنشود. وقد بدوت في الفصل السابق وكأني مكتف بالتأصيل الديني لفلسفة السياسة كما سأبدو في هذا الفصل الأسماء والبيان 40
أبو يعرب المرزوقي -- وكأني مكتف بالتـأصيل الفلسفي. لكني في الحقيقة حاولت في الفصل السابق تحرير التأصيل الديني مما يجعله يبدو ضديدا للفلسفي وسأحاول في هذا الفصل تحرير التأصيل الفلسفي مما يجعله يبدو ضديدا للديني. ومثلما درست في الفصل السابق قضيتين هما: -1الموقفين من علاقة الديني بالسياسي التي تُخلط بعلاقة الدين بالدولة من حيث هي إداة النظامين ال ُممَكنين من العيش المشرك بين الجماعات ذات القيم المختلفة. -2الحل القرآني للإشكالية من خلال التمييز بين الأمرين ودرسه فلسفة الدين وفلسفة التاريخ في ضوء هذين الأمرين بمبدأين هما الاخوة الإنسانية والمساواة بين البشر. فأسدرس في هذا الفصل مسألتين متممتين لهما هما: الأسماء والبيان 41
أبو يعرب المرزوقي -- -1علة بقاء الفلسفة دون الحل القرآني وإن قربت منه في فترة قصيرة جدا هي فترة الثورة الفرنسية سياسيا والفلسفة الكنطية فلسفيا ثم نكصت دونها فعادت إلى الفلسفة القديمة القائلة بالتفاوت العرقي والطبقي والجنسي. -2علة نكوص الفلسفة بعد المحاولة الكنطية للوصول إلى ما يقرب من الحل القرآني وعودتها بما يسمى ما بعد الحداثة إلى البربرية بدعوى تساوي الأشياء ونسبية كل شيء خلطا بين نفي قدرة الإنسان على الأحاطة والكفر بوجود ما يتجاوز علم الإنسان وتقييمه. وقد بلغ الأمر إلى الحد الذي جعل المطابقة نفيا لوجود الذات والموضوع بعد وهما نفي الفرق بينهما في فلسفة هيجل وماركس عودة إلى وهم بارمينيدس الذي يجعل الموجود والعقل متطابقين فيكون ما ليس بعقلي خرافة الأسماء والبيان 42
أبو يعرب المرزوقي -- وما ليس بمتطابق معه عدما. ولا يمكن تجاوز التضاد بين الفلسفي والديني من دون التحرر من وهمين: -1العقل المحيط بالموجود علما وبالمنشود قيمة. -2الوحي المحيط بالموجود علما وبالمنشود قيمة. ولا يمكن تحقيق ذلك من دون إبراز دور الثورتين اللتين تؤسسان للحاجة إلى ثنائية العالم عالم الشهادة وعالم الغيب وحضور الأول في الثاني والثاني في الأول حتى تكون استحالة المطابقتين مع العلم بوجود الفرق أمرا مفهوما وحتى يمكن تأسيس النسبية الموجهة الممكنة من تعريف الاتجاهات في المسار بين البداية والغاية ضمن العلاقة بين نسبية عالم الشهادة وإطلاق عالم الغيب. وهو حل لم اسمه بعد تسمية نهائية الأسماء والبيان 43
أبو يعرب المرزوقي -- لكني عرفته بما أطلقت عليه اسم المعادلة الوجودية التي لها علاقة بالعالمين الأول وااثاني المضاعفين مرتين أي: -1الطبيعة والتاريخ المحيطان بالإنسان مصدرا لقيامه. -2والطبيعي والتاريخي المقومين لكيان الإنسان فردا وجماعة. ولكل عنصر من هذه العناصر الأربعة الطبيعة والتاريخ الخارجيين والطبيعي والتاريخي في كيان الإنسان ما بعد يخصه يوحد بينها ما بعد هو حقيقة الموجود وحقيقة المنشود في ذاتهما. وهذه المقابلة بين \"في ذاتهما\" و\"بالنسبة إلى مدارك الإنسان\" أو المقابلة بين ما في الأعيان في ذاتها وما منها في الـأذهان ثم ما في الأذهان في ذاتها وما فيها مما في الأعيان هو بداية الحل الذي كانت ثورة المدرسة النقدية دليلي فيها. الأسماء والبيان 44
أبو يعرب المرزوقي -- فالمقدرات الذهنية النظرية التي وضعها ابن تيمية اعتبرها الوحيدة التي تقبل العلم المحض والقابلة للبرهان لصوغ التجربة العلمية في الطبيعيات. والمقدرات الذهنية العملية التي قستها على المقدرات الذهنية النظرية لتكون بالقياس إلى التجربة القيمية في الشرائع شرطا في صوغ تجربة التاريخيات هي بداية الحل كما أبينه هنا. فتطبيق المقدرات الذهنية على عالم الأعيان باعتبارها لغة تشير إلى الأشياء وليست مقومة لها كما في رؤية أفلاطون بالمحاكاة أو في رؤية أرسطو بالتصوير يعني أنها من علامات الاستخلاف وما فطر عليه الإنسان من تجهيز للاستعمار في الأرض والاستخلاف فيها علامات تشده إلى الماوراء المطلق الأسماء والبيان 45
أبو يعرب المرزوقي -- أو عالم الربوبية والألوهية. ومعنى ذلك أن التقدير الذهني هو عينه ما سماه القرآن تجوزا بتعليم آدم الأسماء كلها لأن القصد ليس الأسماء التي نعلم في اللغات الطبيعية بل هو في أصل كل اللغات الطبيعية اللامتناهية بمعنى القدرة على التسمية الموجدة لموضوعها فيكون الاسم سابقا عن المسمى بل هو الذي يحدثه من جنس \"كن\" الخالقة وكن الآمرة عند الكلام على الله لكنها استخلافية وليست ربوبية. فكن التي جهز بها الخليفة بنوعيها غير كن التي للمستخلف. فهي ليست \"كن\" الخالقة للموجود ولا الآمرة بالمنشود في الأعيان بل هي كن المبدعة للمعاني الكلية المقدرة ذهنيا في مجالي النظر والعمل الأسماء والبيان 46
أبو يعرب المرزوقي -- لتكون أدوات الإنسان الخليفة الإدراكية والإرادية في تعامله مع ما يناسبه من الموجود وما يريده من المنشود بوصفها نظاما في الأذهان يمكن من التعامل مع ما في الأعيان نظاما للتعامل مع الموجود والمنشود. إنها شبه مقاييس فطرية للنظر والعقد في التعامل مع الطبيعيات ومثالها الرياضيات وللعمل والشرع في التعامل مع التاريخيات ومثالها الاخلاقيات. وهذه المقاييس واحدة وهي أساس واحد حتى وإن كان لهما أسلوبان في التجلي التاريخي أعني الاسلوب الديني والاسلوب الفلسفي: والعلة ذاتية للأمرين. فالنظر والعقد والعمل والشرع يتخذان الأسلوب الفلسفي عندما يتوهم صاحبهما أن الفلسفة نظر غني عن العقد وعمل غني عن الشرع. وهما يتخذان اسلوب الدين الأسماء والبيان 47
Search
Read the Text Version
- 1
- 2
- 3
- 4
- 5
- 6
- 7
- 8
- 9
- 10
- 11
- 12
- 13
- 14
- 15
- 16
- 17
- 18
- 19
- 20
- 21
- 22
- 23
- 24
- 25
- 26
- 27
- 28
- 29
- 30
- 31
- 32
- 33
- 34
- 35
- 36
- 37
- 38
- 39
- 40
- 41
- 42
- 43
- 44
- 45
- 46
- 47
- 48
- 49
- 50
- 51
- 52
- 53
- 54
- 55
- 56
- 57
- 58
- 59
- 60
- 61
- 62
- 63
- 64
- 65
- 66
- 67
- 68
- 69
- 70
- 71
- 72
- 73
- 74
- 75
- 76
- 77
- 78
- 79
- 80
- 81
- 82
- 83
- 84
- 85
- 86
- 87
- 88
- 89
- 90
- 91
- 92
- 93
- 94
- 95
- 96
- 97
- 98
- 99
- 100
- 101
- 102
- 103
- 104
- 105
- 106
- 107
- 108
- 109
- 110
- 111
- 112
- 113
- 114
- 115
- 116