Important Announcement
PubHTML5 Scheduled Server Maintenance on (GMT) Sunday, June 26th, 2:00 am - 8:00 am.
PubHTML5 site will be inoperative during the times indicated!

Home Explore المائة الثانية من صحيح البخاري

المائة الثانية من صحيح البخاري

Published by مكتبة(ورتل) الإلكترونيه, 2021-04-20 12:45:21

Description: المائة الثانية من صحيح البخاري

Search

Read the Text Version

‫والﻤﺮاد بﺬلﻚ من يﻤﺴﻚ عﻤا أوجﺐ الله علﻴه مﻦ بﺬل الﻤال فﻴه‪ ،‬ولﻴﺲ كﻞ مﻤﺴﻚ‬ ‫يﺪعى علﻴه‪ ،‬بﻞ الﺬي يﻤﺴﻚ ماله عﻦ إنفاقه فﻴﻤا أوجﺐ الله‪ ،‬فهﻮ الﺬي تﺪعﻮ علﻴه‬ ‫الﻤلائﻜة بأن الله يﺘلفه ويﺘلﻒ ماله‪.‬‬ ‫والﺘلﻒ نﻮعان‪ :‬تلﻒ حﺴي‪ ،‬وتلﻒ معﻨﻮي‬ ‫الﺘلﻒ الﺤﺴي‪ :‬أن يﺘلﻒ الﻤال نفﺴه‪ ،‬بأن يأتﻴه آفة تﺤﺮقه أو يﺴﺮق أو ما أشﺒه‬ ‫ذلﻚ‪.‬‬ ‫والﺘلﻒ الﻤعﻨﻮي‪ :‬أن تﻨﺰع بﺮكﺘه‪ ،‬بﺤﻴﺚ لا يﺴﺘفﻴﺪ الإنﺴان مﻨه في حﺴﻨاته‪ ،‬ومﻨه‬ ‫ما ذكﺮه الﻨﺒي صلى الله عليه وسلم حﻴﺚ قال لأصﺤابه‪(( :‬أيﻜﻢ مال وارثه أحﺐ‬ ‫إلﻴه مﻦ ماله؟))‪ ،‬قالﻮا‪ :‬يا رسﻮل الله‪ ،‬ما مﻨا أحﺪ إلا وماله أحﺐ إلﻴه‪ ،‬فﻤالﻚ أحﺐ‬ ‫إلﻴﻚ مﻦ مال زيﺪ وعﻤﺮو وخالﺪ‪ ،‬ولﻮ كان مﻦ ورثﺘﻚ‪ ،‬قال‪(( :‬فإن ماله ما قﺪم‬ ‫ومال وارثه ما أخﺮ))‪.‬‬ ‫فأنفﻖ مالﻚ فﻴﻤا يﺮضي الله‪ ،‬وإذا أنفقﺖ فإن الله يﺨلفه ويﻨفﻖ علﻴﻚ‪ ،‬كﻤا قال‬ ‫رسﻮل الله صلى الله عليه وسلم ‪(( :-‬قال الله تعالى‪ :‬انفق يا ابﻦ آدم يﻨفﻖ‬ ‫علﻴﻚ )) متفق عليه‬ ‫فقه الحديث‬ ‫ينبغي للإنسان أن يضع هذا الحديث نصب عينيه‪ ،‬إذا أراد الزيادة والبركة والخير‬ ‫والنماء في المال فعليه أن ينفق‪ ،‬أن يبذل‪ ،‬أن يعطي ذوي الحاجات‪ ،‬وأصحاب‬ ‫الحقوق حقوقهم‪ ،‬ويتصدق في سبيل الله ولو كان يسيراً‬

‫الحديث السادس والخمسون‬ ‫َع ْن أَبِي ُمو َسى رضي الله عنه َع ِن ال هن ِب ِّي صلى الله عليه وسلم َقالَ‪:‬‬ ‫« َعلَى ُكلِّ ُم ْسلِ ٍم َص َد َق ٌة» ‪َ ،‬ف َقالُوا‪َ :‬يا َن ِب هي ال هل ِه‪َ ،‬ف َم ْن لَ ْم َي ِج ْد؟ َقالَ‪َ « :‬ي ْع َملُ بِ َي ِد ِه َف َي ْن َف ُع‬ ‫َن ْف َس ُه َو َي َت َص هد ُق»‪َ .‬قالُوا‪َ :‬فإِ ْن لَ ْم َي ِج ْد؟ َقالَ‪ُ « :‬ي ِعي ُن َذا ا ْل َحا َج ِة ا ْل َم ْل ُهو َف»‬ ‫َقالُوا‪َ :‬فإِ ْن َل ْم َي ِج ْد؟ َقالَ‪َ « :‬ف ْل َي ْع َملْ بِا ْل َم ْع ُرو ِف َو ْل ُي ْم ِس ْك َع ِن ال هش ِّر‪َ ،‬فإِ هن َها لَ ُه َص َد َق ٌة»‬ ‫(البخاري‪)١٤٤5 :‬‬ ‫شرح الحديث‬ ‫يقول النبي صلى الله عليه وسلم ‪ \" :-‬على كل مسلم صدقة \"‬ ‫أي‪ :‬أن الصدقة بغير الزكاة المفروضة حق مطلوب من كل مسلم أن يؤديه ندباً‬ ‫واستحباباً‪ ،‬فيستحب لكل مسلم أن يتصدق مهما كانت ظروفه وأحواله‬ ‫فلما سمع الصحابة ذلك ظنوا أن الصدقة المطلوبة من كل مسلم هي الصدقة‬ ‫بالمال‬ ‫\" فقالوا‪ :‬فمن لم يجد؟ \" أي‪ :‬فمن كان فقيراً لا يملك مالاً يتصدق منه ماذا يصنع‪،‬‬ ‫فبين لهم النبي صلى الله عليه وسلم أنه ليس المقصود من الصدقة صدقة المال‬ ‫فقط‪ ،‬وإنما هي شيء آخر أعم وأشمل‪ ،‬وهو \" صنع المعروف \" سواء كان‬ ‫بالمال أو بالبدن واللسان‬ ‫كما وضح ذلك النبي صلى الله عليه وسلم في بقية الحديث حيث قال‪:‬‬ ‫\" يعمل بيده‪ ،‬لينفع نفسه ويتصدق \" أي إن لم يجد مال ًا حاضراً يتصدق منه‪.‬‬ ‫فعليه أن يسعى لتحصيله وكسبه بالعمل في أي مهنة شريفة يحصل منها على‬ ‫المال الحلال‪ ،‬فينفق على نفسه ويتصدق على غيره‬

‫\" قالوا‪ :‬فإن لم يجد‪ ،‬قال ‪\" :‬يعين ذا الحاجة الملهوف \"‬ ‫أي قالوا‪ :‬فإن لم يقدر على العمل‪ ،‬أو لم يجد مهنة يكسب منها المال فيتصدق منه‬ ‫قال‪ :‬يعين ذوي الحاجات من عاجز أو مظلوم‪ ،‬بقوله أو فعله قدر استطاعته‪ ،‬فإ ّن‬ ‫هذا العمل البدني وهذه الخدمة البدنية التي يقدمها لمن استغاث به تحتسب له‬ ‫صدقة‬ ‫\" قالوا‪ :‬فإن لم يجد \" القدرة على مساعدة غيره ببدنه أو لسانه‬ ‫\" قال‪ :‬فليعمل بالمعروف \" أي فليأت بنوافل العبادات البدنية من صلاة وصيام‬ ‫وقراءة قرآن‬ ‫\" وليمسك عن الشر \" أي يتجنب المحرمات من غيبة ونميمة وكذب‬ ‫\" فإنها له صدقة \" أي فإن فعل الخير والكف عن الشر له ثواب الصدقة‪.‬‬ ‫فقه الحديث‪:‬‬ ‫دل الحديث على ما يأتي‪:‬‬ ‫أولاً‪ :‬أن الصدقة مطلوبة من كل مسلم غنياً أو فقيراً‪ ،‬فإن كان غنياً فالصدقة‬ ‫بالنسبة إليه هي صدقة المال‪ ،‬وإن كان فقيراً فإ ّن عليه أيضاً صدقة مندوبة‬ ‫مستحبة وهي فعل الخير وصنع المعروف‪ ،‬سواء كان بالبدن أو باللسان‬ ‫ثانياً‪ :‬أن كل معروف صدقة فإغاثة الملهوف صدقة‪ ،‬والكلمة الطيبة صدقة‪،‬‬ ‫وقراءة القرآن صدقة‪ ،‬ونوافل العبادات البدنية كلها صدقة‬ ‫ثالثاً‪ :‬أن الإِمساك عن الشر واجتناب المحرمات صدقة لقوله صلى الله عليه‬ ‫وسلم‪\" :-‬وليمسك عن الشر فإنها له صدقة \"‬

‫الحديث السابع والخمسون‬ ‫َع ْن أُ ِّم َس َل َم َة رضي الله عنها َقا َل ْت‪ :‬قُ ْل ُت‪َ :‬يا َر ُسولَ ال هل ِه‪َ ،‬ألِ َي َأ ْج ٌر أَ ْن أُ ْن ِف َق َع َلى َبنِي‬ ‫أَ ِبي َسلَ َم َة؟ إِ هن َما ُه ْم َب ِن هي‪َ .‬ف َقالَ‪« :‬أَ ْن ِف ِقي َع َل ْي ِه ْم َفلَ ِك َأ ْج ُر َما أَ ْن َف ْق ِت َع َل ْي ِه ْم»‬ ‫(البخاري‪)١٤6٧ :‬‬ ‫شرح الحديث‬ ‫وفي رواية أخرى أن زينب امرأة عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما سألت ال هنبِ هي‬ ‫صلى الله عليه وسلم ‪ :‬أَ َي ْج ِزي َع ِّني أَ ْن أُ ْنفِ َق َعلَى َز ْو ِجي َوأَ ْي َتا ٍم لِي ِفي َح ْج ِري؟‬ ‫َف َقالَ‪َ « :‬ن َع ْم َل َها َأ ْج َرا ِن‪َ :‬أ ْج ُر ا ْل َق َرا َب ِة َو َأ ْج ُر ال هص َد َق ِة»‪( .‬البخاري‪)١٤66 :‬‬ ‫أم سلمة رضي الله عنها تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم وقد تزوجت قبله أبا‬ ‫سلمة‪ ،‬وكان لها منه عيال‪ ،‬فلما تزوجت النبي صلى الله عليه وسلم تسأل تقول‪:‬‬ ‫أنا أنفق عليهم‪ ،‬ولست بتاركتهم يذهبون هنا وهناك يبحثون عن شيء يقتاتون‬ ‫به‪ ،‬تقول‪ :‬هؤلاء إنما هم بن ّي‪ ،‬تقول‪ :‬هل لي أجر في هذه النفقة على أولادي من‬ ‫أبي سلمة؟‬ ‫فقال النبي صلى الله عليه وسلم ‪« :‬أَ ْن ِفقِي َعلَ ْي ِه ْم َف َل ِك َأ ْج ُر َما أَ ْن َف ْق ِت َع َل ْي ِه ْم»‬ ‫بمعنى نعم‪ ،‬لك أجر ما أنفقت عليهم‬ ‫وهم أولادها‪ ،‬وهذا لا شك أنه من أعظم إفضال الله علينا‪ ،‬الإنسان مجبول على‬ ‫رحمة الأولاد‪ ،‬وعلى محبتهم والحنو عليهم‪ ،‬ويجمع من أجلهم‪ ،‬ثم بعد ذلك يؤجر‬ ‫على هذا‬ ‫وفي الرواية الثانية تحدثنا الصحابية الجليلة السيدة زينب امرأة ابن مسعود رضي‬ ‫الله عنهما حديثها هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم فتقول‪:‬‬

‫\" انطلقت إلى النبي صلى الله عليه وسلم \"‪ ،‬أي ذه ْب ُت إليه في منزله ‪ ،‬قالت‬ ‫رضي الله عنها‪ \" :‬فوجدت امرأة من الأنصار على الباب‪ ،‬حاجتها مثل حاجتي \"‬ ‫أي قضيتها التي تريد السؤال عنها مثل قضيتي تماماً‪ ،‬لأ هنها كانت تريد السؤال‬ ‫عن الصدقة على الأقارب مثلها تماماً‬ ‫\" فمر علينا بلال فقلنا‪ :‬سل النبي صلى الله عليه وسلم أيجزى ع ّني أن أنفق على‬ ‫زوجي وأيتام لي في حجري \"‬ ‫أي أتجزىء الزكاة وتصح شرعاً إذا دفعتها لزوجي الفقير‪ ،‬وهؤلاء الأيتام الفقراء‬ ‫الذين قمت بتربيتهم (وفي رواية الطيالسي‪ :‬وهم بنو أخيها وبنو أختها )‬ ‫\" فقال‪ :‬نعم‪ ،‬لها أجران‪ ،‬أجر القرابة وأجر الصدقة \"‬ ‫قال الحافظ‪ :‬أي أجر صلة الرحم وأجر منفعة الصدقة‬ ‫فقه الحديث‪:‬‬ ‫دل هذا الحديث على ما يأتي‪:‬‬ ‫أولا ‪ :‬النفقة على الأبناء رغم أنها واجبة على الإنسان إلا أنه يؤجر عليها‬ ‫ثانيا‪ :‬قال الحافظ‪ :‬وا ْس ُتدل بهذا الحديث على جواز دفع المرأة زكاتها إلى زوجها‪،‬‬ ‫وهو قول الشافعي والثوري وصاحبي أبي حنيفة وإحدى الروايتين عن مالك وعن‬ ‫أحمد‪ .‬وقال مالك‪ :‬إن كان يستعين بما يأخذه على نفقتها فلا يجوز‬ ‫ثالثا‪ :‬جواز إعطاء الصدقة للأيتام في الحجر لما فيه من أجر القرابة‪ ،‬وأجر‬ ‫الصدقة كما جاء في الحديث‬ ‫رابعا‪ :‬جواز الزكاة على الأقارب الذين لا تلزمه نفقتهم‪ ،‬واستحباب ذلك شرعاً لما‬ ‫فيه من الصدقة والصلة معاً‬

‫الحديث الثامن والخمسون‬ ‫َع ْن أَبِي ُه َر ْي َر َة رضي الله عنه ‪ :‬أَ هن َر ُسولَ ال هلهِ صلى الله عليه وسلم َقالَ‪:‬‬ ‫«لَ ْي َس ا ْل ِم ْس ِكي ُن اله ِذي َي ُطو ُف َع َلى ال هنا ِس َت ُر ُّد ُه اللُّ ْق َم ُة َواللُّ ْق َم َتا ِن َوال هت ْم َر ُة‬ ‫َوال هت ْم َر َتا ِن‪َ ،‬و َل ِك ِن ا ْل ِم ْس ِكي ُن ا هل ِذي لا َي ِج ُد ِغ ًنى ُي ْغ ِني ِه َولا ُي ْف َط ُن بِ ِه َف ُي َت َص هد ُق َعلَ ْي ِه َولا‬ ‫َي ُقو ُم َف َي ْسأَلُ ال هنا َس» (البخاري‪)١٤٧٩ :‬‬ ‫شرح الحديث‬ ‫يحدثنا أبو هريرة رضي الله عنه‪ :‬أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‪:‬‬ ‫\" ليس المسكين الذي يطوف \" أي ليس المسكين الأولى بأخذ الزكاة هو ذلك‬ ‫المتسول الذي يتج ّول في الأسواق‪ ،‬ويتكفف الناس‪ ،‬ويلح في التسول صباح مساء‬ ‫\" ولكن المسكين \" الذي هو أحق بالصدقة والزكاة‪ ،‬هو ذلك الضعيف الحال‬ ‫\" الذي لا يجد غنى يغنيه \" أي لا يملك إ ّلا قليلاً من المال‪ ،‬لا يكفي لنفقته ونفقة‬ ‫عياله‪ ،‬وهو مع ذلك صابر متعفف يستر حاله عن الناس‬ ‫\" ولا ُيف َط ُن له \" بالبناء للمجهول‪ ،‬أي لا يشعر به أحد من الناس‪ ،‬ولا يتنبهون‬ ‫لفقره بسبب عفته‪ ،‬وشدة حيائه‪ ،‬وتج ُّملِ ِه‪.‬‬ ‫\" ولا يقوم فيسأل الناس \" حتى يعلموا حاجته فيتصدقوا عليه‪ ،‬وفي رواية‬ ‫أخرى‪ \" :‬ولكن المسكين الذي ليس له غنى‪ ،‬ويستحي‪ ،‬ولا يسأل الناس إلحافاً \"‬ ‫فقه الحديث‪ :‬دل هذا الحديث على ما يأتي‪:‬‬ ‫أولاً‪ :‬تحديد معنى الفقير الذي تحل له الزكاة بأنه هو الذي لا يجد غنى يغنيه‪ ،‬أي‬ ‫الذي لا يجد الكفاية من المال لنفقته ونفقة عياله‪ ،‬فإن وجد الكفاية فهو غني‪ ،‬لا‬ ‫يجوز له الأخذ من الزكاة‬ ‫ثانيا‪ :‬الثناء على الفقير المتعفف‪ ،‬وكونه أحق بالصدقة من المتسول‪.‬‬

‫الحديث التاسع والخمسون‬ ‫َع ْن أَبِي ُه َر ْي َر َة رضي الله عنه ‪ :‬أَ هن َر ُسولَ ال هل ِه صلى الله عليه وسلم َقالَ‪:‬‬ ‫« َواله ِذي َن ْف ِسي بِ َي ِد ِه لأَ ْن َيأْ ُخ َذ أَ َح ُد ُك ْم َح ْب َل ُه َف َي ْح َت ِط َب َع َلى َظ ْه ِر ِه َخ ْي ٌر َل ُه ِم ْن أَ ْن َيأْ ِت َي‬ ‫َر ُج ًلا َف َي ْسأَ َل ُه َأ ْع َطاهُ َأ ْو َم َن َع ُه»‬ ‫(البخاري‪)١٤٧٠ :‬‬ ‫شرح الحديث‬ ‫\"والذي نفسي بيده\" أي يقسم النبي صلى الله عليه وسلم باَّلل الذي روحه بيده‬ ‫على أن العمل مهما يكن نوعه فهو أفضل من سؤال الناس وإراقة ماء الوجه‬ ‫لهم‪ ،‬وأنه مهما يكن شا ّقاً عنيفاً فهو أرحم من مذ ّلة السؤال‬ ‫\" لأن يأخذ أحدكم حبله فيحتطب خير له من أن يأتي رجلاً فيسأله أعطاه أو‬ ‫منعه\" أي لأن يذهب إلى الغابة فيقتطع الحطب من أشجاره‪ ،‬ويجمعه ويحمله على‬ ‫ظهره حتى يأتي السوق فيبيعه فيه \" خير له \"‪ ،‬أي أشرف وأكرم وأرحم له من‬ ‫أن يمد يده لغيره‪ ،‬سواء أعطاه أو منعه‪ ،‬فإن منعه فقد كسر نفسه‪ ،‬وإن أعطاه‬ ‫فقد م ّن عليه‬ ‫فقه الحديث‪:‬‬ ‫دل هذا الحديث على ما يأتي‪:‬‬ ‫أولاً‪ :‬الترغيب في السعي والعمل وطرق الأسباب المشروعة لكسب الرزق بشرف‬ ‫وكرامة وع ّزة نف ٍس‪ ،‬وليس في الإِسلام مهنة وضيعة إ هلا فيما حرمه الشرع‬ ‫كالمخدرات والقمار‪ ،‬والتسول إ هلا لضرورة‬ ‫ثانياً‪ :‬محاربة الإِسلام للتسول والبطالة‪ ،‬ولذلك أوجب السعي والعمل‪ ،‬ولو كان‬ ‫شاقاً \" كالاحتطاب \" مثلاً‪.‬‬

‫ثالثاً‪ :‬أن الفقير القادر على الكسب لا تحل له الزكاة‪ ،‬لأ ّن النبي ‪ -‬صلى الله عليه‬ ‫وسلم ‪ -‬دعاه في هذا الحديث إلى العمل‪ ،‬ولقوله تعالى‪َ ( :‬فا ْم ُشوا ِفي َم َنا ِكبِ َها َو ُكلُوا‬ ‫ِم ْن ِر ْز ِق ِه) وهو مذهب الجمهور‬ ‫وقد نص الشافعية والحنابلة على أ ّنه لا تجوز الزكاة لقادر على الكسب‪ ،‬وكذلك‬ ‫المالكية‪ ،‬واستثنى الفقهاء من ذلك \"القادر على العمل إذا لم يجد من يستعمله\" أو‬ ‫طالب العلم إذا تفرغ له‪.‬‬ ‫المرجع‬ ‫منار القاري‬ ‫شرح صحيح البخاري‬

‫الحديث الستون‬ ‫َع ْن َع ْب ِد ال هلهِ ْب ِن ُع َم َر رضي الله عنهما َقالَ‪َ :‬قالَ ال هن ِب ُّي صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬ ‫« َما َي َزالُ ال هر ُجلُ َي ْسأَلُ ال هنا َس َح هتى َيأْتِ َي َي ْو َم ا ْل ِق َيا َم ِة لَ ْي َس ِفي َو ْج ِه ِه ُم ْز َع ُة َل ْح ٍم»‬ ‫(البخاري‪)١٤٧٤ :‬‬ ‫شرح الحديث‬ ‫يقول النبي صلى الله عليه وسلم ‪ \" :‬ما يزال الرجل يسأل الناس حتى يأتي يوم‬ ‫القيامة ليس في وجهه مزعة لحم \"‬ ‫أي ما يزال الرجل المتسول يكثر من التسول ويل ّح في سؤال الناس عن غير عوز‬ ‫وفاقة‪ ،‬وإنما يسأل تكثراً ويذل نفسه ويمتهن كرامته التي أوجب الله عليه صيانتها‬ ‫فيغضب الله عليه فيذله ويهينه يوم القيامة كما أذل نفسه في الدنيا‪ ،‬ويفضحه على‬ ‫رؤوس الأشهاد‪ ،‬فيسلخ له وجهه كله‪ ،‬حتى يأتي أمام الناس وليس في وجهه‬ ‫قطعة لحم جزا ًء وفاقاً لما فعله في الدنيا من إراقة ماء الوجه‬ ‫فالأصل أن سؤال الناس مذموم لايجوز إلا لعلة ‪ ،‬فيجب على المؤمن أن يحذر‬ ‫المسألة‬ ‫فقه الحديث‪:‬‬ ‫دل الحديث على تحريم السؤال على الغني تكثراً‪ ،‬لأن هذا الوعيد لا يترتب إلاّ على‬ ‫معصية‪ ،‬وقد توعد الله المتسول تكثراً بسلخ وجهه يوم القيامة‪ ،‬كما أراق ماء‬ ‫وجهه في الدنيا‪ ،‬والجزاء من جنس العمل‪ ،‬لأن السؤال مذلة‪ ،‬والله لا يرضى‬ ‫للمسلم أن يع ّرض نفسه لهذه المهانة إلاّ لضرورة‬

‫الحديث الحادي والستون‬ ‫عن بن عباس رضي الله عنهما؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم َب َع َث معا ًذا إلى‬ ‫اليمن وقال له‪َ « :‬وا هت ِق َد ْع َو َة ا ْل َم ْظلُو ِم َفإِ هن ُه لَ ْي َس َب ْي َن ُه َو َب ْي َن ال هلهِ ِح َجاب ٌ»‬ ‫(البخاري‪)١٤٩6 :‬‬ ‫وفي رواية َف َقالَ ‪ \" :‬ا هت ِق َد ْع َو َة ا ْل َم ْظلُو ِم َفإِ هن َها َل ْي َس َب ْي َن َها َو َب ْي َن ال هلهِ ِح َجا ٌب \"‬ ‫[البخاري ‪]2٣١6:‬‬ ‫شرح الحديث‬ ‫إياك والظلم ‪ ،‬فإن الظلم ظلمات ‪ ،‬ودعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب‬ ‫لما أرسل النبي صلى الله عليه وسلم معاذاً إلى أهل اليمن لدعوتهم ‪ ،‬أرشده إلى‬ ‫بعض القواعد المهمة لدعوة الناس إلى الحق الذي جاء به ‪ ،‬وكان مما جاء في‬ ‫إرشاده خطابه لمعاذ رضي الله عنه للتركيز على وضع أسس العدل بين أفراد‬ ‫المجتمع ‪ ،‬والتحذير من دعوة المظلوم ؛ لأن دعوته لا ُترد ‪ ،‬كما جاء في التعبير‬ ‫النبوي ‪..( :‬ليس بينها وبين الله حجاب ) ‪ ،‬فالطريق أمامها مفتوح غير موصد ‪،‬‬ ‫لا ي ُص ّدها صا ّد ‪ ،‬ولا يمنعها مانع‬ ‫(واتق دعوة المظلوم ) أي احذر دعوة المظلوم ‪ ،‬واجعل بينك وبينها وقاية بفعل‬ ‫العدل وترك الظلم‬ ‫( فإنه ليس بينها وبين الله حجاب ) ( حجاب ) حاجز يحول دون وصولها‬ ‫واستجابتها‪ ،‬قال النووي رحمه الله ‪َ :‬و َم ْع َنى ( لَ ْي َس َب ْين َها َو َب ْين ال هله ِح َجاب ) أَ ْي ‪:‬‬ ‫أَ هن َها َم ْس ُمو َعة َلا ُت َر ّد‬ ‫قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪َ \" :‬ث َلا ُث َد َع َوا ٍت ُم ْس َت َجا َبا ٌت َلا َش هك ِفي ِه هن‪:‬‬ ‫َد ْع َو ُة ا ْل َوالِ ِد ‪َ ،‬و َد ْع َو ُة ا ْل ُم َسا ِف ِر ‪َ ،‬و َد ْع َوةُ ا ْل َم ْظلُو ِم \" حسنه الألباني‬

‫وقال ابن الملقن رحمه الله ‪( :‬ا هت ِق َد ْع َو َة ا ْل َم ْظلُو ِم َفإِ هن َها لَ ْي َس َب ْي َن َها َو َب ْي َن ال هلهِ‬ ‫ِح َجا ٌب) هذا تنبيه على الامتناع من جميع أنواع الظلم ‪.‬وعلل إنفاذ دعوة المظلوم‬ ‫بعدم الحجاب بينها وبين الله تأكي ًدا لتحريم الظلم وتنبي ًها على سرعة عقوبة فاعله‬ ‫‪ ،‬ودعوة المظلوم مسموعة لا ترد ‪ ،‬وهو معنى عدم الحجاب بينها وبين الله‬ ‫تعالى‪.‬‬ ‫ثم قال ‪ :‬والمعنى ‪ :‬أن المظلوم دعوته مقبولة وإن كان عاصيا فلا يكون عصيانه‬ ‫حاجبا لدعائه‬ ‫قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪َ \" :‬د ْع َو ُة ا ْل َم ْظلُو ِم ُم ْس َت َجا َب ٌة َوإِ ْن َكا َن َفا ِج ًرا‬ ‫َففُ ُجو ُر ُه َعلَى َن ْف ِس ِه \" حسنه الألباني‬ ‫والفاجر ‪ :‬الفاسق المنغمس في المعاصي‬ ‫وليس شرطاً أن يكون المظلوم مؤمناً ‪ ،‬فدعوة الكافر المظلوم تصعد إلى الله تعالى‬ ‫؛ لأن كفره على نفسه كما في الحديث عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى‬ ‫الله عليه وسلم قال ‪ \" :‬ا هت ُقوا َد ْع َو َة ا ْل َم ْظلُو ِم َوإِ ْن َكا َن َكافِ ًرا َفإِ هن ُه لَ ْي َس ُدو َن َها‬ ‫ِح َجا ٌب\" صححه الألباني‬ ‫وفي الحديث إشارة إلى بيان مكانة دعوة المظلوم عند الله تعالى ‪ ،‬لا سيما وأنه‬ ‫تك ّفل بنصرته كما جاء في الحديث ‪ :‬عن أبي هريرة رضي الله عنه ‪ ،‬أن رسول‬ ‫الله صلى الله عليه وسلم قال‪ \" :‬دعوة المظلوم تحمل على الغمام ‪ ،‬وتفتح لها‬ ‫أبواب السماوات ‪ ،‬ويقول الرب تبارك وتعالى ‪ :‬وعزتي لأنصرنك ولو بعد حين \"‬ ‫قال الألباني ‪ :‬صحيح‬ ‫وقد ن ّزه الله سبحانه وتعالى نفسه عن الظلم ‪ ،‬فقال ‪ { :‬إن الله لا يظلم الناس شيئا‬ ‫ولكن الناس أنفسهم يظلمون } ( يونس‪ ، ) ٤٤:‬بل وحرمه تعالى على نفسه ‪،‬‬

‫كما في الحديث القدسي ‪ ( :‬يا عبادي ‪ ،‬إني حرمت الظلم على نفسي ‪ ،‬وجعلته‬ ‫بينكم محرما فلا تظالموا ) رواه مسلم‪.‬‬ ‫وب ّين سبحانه وتعالى أن سبب هلاك القرى والأمم ظلم أهلها ‪ ،‬قال الله تعالى ‪:‬‬ ‫{وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون } ( القصص‪) 5٩:‬‬ ‫كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية ‪ -‬خذلان الدولة الظالمة وإن كانت مسلمة ‪ ،‬و‬ ‫نصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة ؛ فالعدل والحق هو الأساس الذي قامت عليه‬ ‫السموات والأرض ‪ ،‬يقول الله عزوجل ‪ { :‬ما خلقنا السموات والأرض وما بينهما‬ ‫إلا بالحق وأجل مسمى } ( الأحقاف‪) ٣:‬‬ ‫المرجع‬ ‫الإسلام ويب‬

‫الحديث الثاني والستون‬ ‫عن ا ْب ِن ُع َم َر َر ِض َي اللهُ َع ْن ُه َما َقالَ‪َ \" :‬ف َر َض َر ُسولُ الل ِه صلى الله عليه وسلم ز َكا َة‬ ‫ا ْلفِطر َصاعاً ِم ْن َت ْم ٍر‪ ،‬أو َصاعاً ِم ْن َش ِعي ٍر َعلَى ا ْل َع ْب ِد وا ْل ُح ِّر‪ ،‬وال هذ َك ِر والأنثى‪،‬‬ ‫َوال هص ِغي ِر َوال َكبِي ِر ِم َن ا ْل ُم ْسلِ ِمي َن‪ ،‬وأ َم َر بِ َها أن ُت َؤ هدى َق ْبلَ ُخ ُرو ِج ال هناس إلى‬ ‫ال هص َلا ِة\"‬ ‫(البخاري‪)١5٠٣ :‬‬ ‫شرح الحديث‬ ‫يقول ابن عمر رضي الله عنهما‪ \" :‬فرض رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬‬ ‫زكاة الفطر صاعاً من تمر \" أي شرع رسول الله صلى الله عليه وسلم لهذه الأمة‬ ‫زكاة الفطر‪ ،‬وحدد حكمها‪ ،‬فجعلها فرض عين على كل مسلم ومسلمة‬ ‫ثم بين رسول الله صلى الله عليه وسلم أن مقدارها صاع وهو خمسة أرطال وثلث‬ ‫عند الجمهور‪ ،‬ثم بين الأصناف التي تخرج منها‪ ،‬وأنها من غالب قوت البلد كما‬ ‫قال رضي الله عنه‪:‬‬ ‫\"صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير\" وفي رواية أخرى \" صاعاً من طعام \" وكان‬ ‫طعامنا الشعير والزبيب والأقط والتمر \"‬ ‫فجعلها النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الأصناف لأ ّنها غالب قوت أهل المدينة‪،‬‬ ‫ثم بين ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬أنها تجب‪:‬‬ ‫\" على العبد والحر والذكر والأنثى والصغير (ويخرجها عنه وليه) والكبير من‬ ‫المسلمين \"‬ ‫وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة أي بعد صلاة الفجر وقبل خروج‬ ‫الناس إلى صلاة العيد‬

‫فقه الحديث‪:‬‬ ‫دل هذا الحديث على ما يأتي‪:‬‬ ‫أولاً‪ :‬أ ّن زكاة الفطر فرض على كل مسلم يملك ما يزيد على قوته وقوت عياله‪،‬‬ ‫سواء كان ذكراً أو أنثى عبداً أو حراً‪ ،‬صغيراً أو كبيراً‬ ‫ثانياً‪ :‬أ ّن مقدارها صاع‪ ،‬وهو خمسة أرطال وثلث عند الجمهور‬ ‫ثالثاً‪ :‬أنها تخرج من غالب قوت البلد من قمح أو شعير أو تمر أو زبيب أو أرز أو‬ ‫غيرها‪ ،‬وإنما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم هذه الأصناف‪ ،‬لأنها غالب قوت‬ ‫المدينة في العهد النبوي‬ ‫رابعا ‪ :‬أنه يجب إخراجها قبل صلاة العيد‬ ‫ففي حديث ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‪« :‬من‬ ‫أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة‪ ،‬ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من‬ ‫الصدقات» حسنه الألباني‬ ‫المرجع‬ ‫منار القاري‬ ‫شرح صحيح البخاري‬ ‫الإسلام سؤال وجواب‬

‫الحديث الثالث والستون‬ ‫َع ْن َعائِ َش َة أُ ِّم ا ْل ُم ْؤ ِم ِني َن رضي الله عنها أَ هن َها َقا َل ْت‪َ :‬يا َر ُسولَ ال هل ِه‪َ ،‬ن َرى ا ْل ِج َها َد‬ ‫أَ ْف َضلَ ا ْل َع َم ِل‪ ،‬أَ َفلا ُن َجا ِه ُد؟ َقالَ‪« :‬لا‪ ،‬لَ ِك هن أَ ْف َضلَ ا ْل ِج َها ِد َح ٌّج َم ْب ُرو ٌر»‬ ‫(البخاري‪)١52٠ :‬‬ ‫شرح الحديث‬ ‫أن عائشة رضي الله عنها \" قالت‪ :‬يا رسول الله نرى الجهاد أفضل العمل \"‬ ‫أي‪ :‬لقد سمعنا الكثير عن فضائل الجهاد حتى صرنا نظن أنه أفضل الأعمال بعد‬ ‫الإيمان باَّلل تعالى‬ ‫\" أفلا نجاهد؟ \" المعنى أنه إذا كان هذا هو فضل الجهاد‪ ،‬فأخبرنا ألا يجوز لنا أن‬ ‫نجاهد فنشارك الرجال في هذا الفضل العظيم‬ ‫\" قال‪ :‬لا‪ ،‬لكن أفضل الجهاد حج مبرور \" أي لا تقاتلن يا معشر النساء‪ ،‬لأن‬ ‫الجهاد المسلح لم يشرع لك هن‪ ،‬وليس هو أفضل الأعمال بالنسبة للمرأة‪ ،‬أ هما إذا‬ ‫أردتن أن تعرفن أفضل الأعمال وأشرف الجهاد بالنسبة إليكن فإنه\" الحج‬ ‫المبرور\" أي المقبول عند الله تعالى المستوفي لأحكامه الخالي من الرياء‬ ‫والسمعة والإِثم والمال الحرام‬ ‫المرجع‬ ‫منار القاري‬ ‫شرح صحيح البخاري‬

‫الحديث الرابع والستون‬ ‫عن أَ َبي ُه َر ْي َر َة رضي الله عنه َقالَ‪َ :‬س ِم ْع ُت ال هن ِب هي صلى الله عليه وسلم َي ُقولُ‪:‬‬ ‫« َم ْن َح هج َِّ هللِ َف َل ْم َي ْر ُف ْث َولَ ْم َي ْف ُس ْق َر َج َع َك َي ْو ِم َو َل َد ْت ُه أُ ُّم ُه» (البخاري‪)١52١ :‬‬ ‫شرح الحديث‬ ‫يقول النبي صلى الله عليه وسلم ‪ \" :-‬من حج َّلل فلم يرفث \" أي فلم يفعل شيئاً‬ ‫من الجماع أو مقدماته‬ ‫\" ولم يفسق \" أي‪ :‬ولم يرتكب إثماً أو مخالفة شرعية صغيرة أو كبيرة تخرجه‬ ‫عن طاعة الله تعالى‬ ‫\" رجع كيوم ولدته أمه \" أي عاد بعد حجه نقياً من خطاياه‪ ،‬كما يخرج المولود‬ ‫من بطن أمه‪ ،‬أو كأنه خرج حينئذ من بطن أمه‬ ‫فقه الحديث‬ ‫دل الحديث على ما يأتي‪:‬‬ ‫أولاً‪ :‬أن الحج المقبول الخالي من الرياء والسمعة والمال الحرام‪ ،‬ومن الجماع‬ ‫ومقدماته‪ ،‬ومن الآثام والسيئات صغيرها وكبيرها‪ ،‬لا يعدله شيء من القربات‪،‬‬ ‫لأ ّنه أفضل الأعمال بعد الإِيمان باَّلل تعالى‬ ‫ثانياً‪ :‬أن المرأة لم يشرع لها القتال وحمل السلاح‪ ،‬وإنما جهادها الحج فقط ‪ ،‬كما‬ ‫في الحديث السابق‬ ‫ثالثاً‪ :‬الحج الخالي من المخالفات الشرع ّية صغيرة أو كبيرة يكفر جميع الذنوب‬ ‫المتعلقة بحقوق الله تعالى حتى الكبائر بشرط التوبة‪ ،‬كما رجحه الأكثرون‪ ،‬لقوله‬ ‫‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ \" :-‬رجع كيوم ولدته أمه \"‬

‫الحديث الخامس والستون‬ ‫َع ْن َع ْب ِد ال هل ِه ْب ِن ُع َم َر رضي الله عنهما ‪ :‬أَ هن َت ْل ِب َي َة َر ُسو ِل ال هل ِه صلى الله عليه وسلم‪:‬‬ ‫« َل هب ْي َك ال هل ُه هم لَ هب ْي َك‪َ ،‬ل هب ْي َك لا َش ِري َك لَ َك لَ هب ْي َك‪ ،‬إِ هن ا ْل َح ْم َد َوال ِّن ْع َم َة لَ َك َوا ْل ُم ْل َك‪ ،‬لا َش ِري َك‬ ‫لَ َك» (البخاري‪)١5٤٩ :‬‬ ‫شرح الحديث‬ ‫يحدثنا ابن عمر رضي الله عنهما‪\" :‬أن تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم \"‬ ‫أي أن الصيغة التي كان يلبي بها هي‬ ‫\" لبيك اللهم لبيك‪ ،‬لبيك لا شريك لك لبيك‪ ،‬إن الحمد والنعمة لك والملك‪ ،‬لا شريك‬ ‫لك \" أي أكرر إجابتي لك في امتثال أمرك بالحج‪ ،‬فأنت المستحق للشكر والثناء‪،‬‬ ‫لأنك المنفرد بالكمال المطلق‪ ،‬ولأنك المنعم الحقيقي‪ ،‬وما من نعمة إ ّلا وأنت‬ ‫مصدرها‪ ،‬وأنت المتفرد بالملك الدائم‪ ،‬وكل ملك لغيرك إلى زوال‪.‬‬ ‫فقه الحديث‪:‬‬ ‫دل هذا الحديث على ما يأتي‪:‬‬ ‫أولاً‪ :‬مشروعية التلبية في الحج‪ ،‬وهي سنة عند الجمهور‬ ‫ثانياً‪ :‬بيان صيغة التلبية المشروعة المأثورة عن النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم‬

‫الحديث السادس والستون‬ ‫عن عائشة رضي الله عنها ‪ :-‬أَ هن ال هنبِ هي صلى الله عليه وسلم َقالَ‪:‬‬ ‫«لَ ْولا أَ هن َق ْو َم ِك َح ِدي ُث َع ْه ٍد بِ َجا ِهلِ هي ٍة ل َأ َم ْر ُت ِبا ْل َب ْي ِت َف ُه ِد َم َفأَ ْد َخ ْل ُت ِفي ِه َما أُ ْخ ِر َج ِم ْن ُه‬ ‫َوأَ ْل َز ْق ُت ُه بِالأَ ْر ِض َو َج َع ْل ُت لَ ُه َبا َب ْي ِن َبا ًبا َش ْرقِ ًّيا َو َبا ًبا َغ ْر ِب ًّيا‪َ ،‬ف َبلَ ْغ ُت ِب ِه أَ َسا َس‬ ‫إِ ْب َرا ِهي َم»‬ ‫(البخاري‪)١5٨6 :‬‬ ‫شرح الحديث‬ ‫كانت قريش لما بنوا الكعبة قصرت بهم النفقة فلم يتموا البيت على قواعد إبراهيم‬ ‫عليه السلام وبنوا مايسمى بالحجر حول الكعبة وهو منها‬ ‫ُف َب ِّين ال هنب ُّي صلهى اللهُ عليه وس هلم أ هنه لولا َحداث ُة قُ َر ْيش و ُق ْر ُب َعه ِد ِهم بال ُك ْفر لأ َم َر‬ ‫ب َه ْد ِم ال َكعب ِة ث هم َبناها على أسا ِس إبراهي َم ص هلى اللهُ عليه وس هلم وأد َخلَ فيه ما أَخ َر َج‬ ‫ِمنه وأَل َز َقه بالأر ِض و َج َعلَ له با َب ْين با ًبا َشرقِ ًّيا وبا ًبا َغر ِب ًّيا‪.‬‬ ‫فقال عليه الصلاة والسلام \" َل ْولا أَ هن َق ْو َم ِك َح ِدي ُث َع ْه ٍد ِب َجا ِهلِ هية ٍ\" أي‪ :‬لولا ُقر ُب‬ ‫َع ْه ِدهم ب َت ْر ِك ال ِّشر ِك وال ُك ْف ِر وال ُّدخو ِل في الإ ْسلا ِم‬ ‫\" ل َأ َم ْر ُت ِبا ْل َب ْي ِت َف ُه ِد َم َفأَ ْد َخ ْل ُت فِي ِه َما أُ ْخ ِر َج ِم ْن ُه \" أي لأمرت بهدم الكعبة‬ ‫المشرفة وأدخلت فيها ما أخرجته قريش منها عند بناءها ‪ ،‬و أكملت بناءه كله‬ ‫على قواعد البيت التى وضعها ابراهيم وإسماعيل عليهما السلام‬ ‫\" َو َأ ْل َز ْق ُت ُه ِبالأَ ْر ِض \" أي‪َ :‬ج َعل ُت ال َبي َت و َدوا ِخ َله ُمل َت ِص ًقا بالأر ِض غي َر ُمر َتفِ ٍع‬ ‫عنها؛ ل َيس ُهلَ ُدخولُ ال هنا ِس‬

‫\" َو َج َع ْل ُت َل ُه َبا َب ْي ِن َبا ًبا َش ْر ِق ًّيا َو َبا ًبا َغ ْر ِب ًّيا \" ل َيكو َن با ٌب لل ُّدخو ِل وبا ٌب في ُمقا ِبلِه‬ ‫لل ُخرو ِج؛ ل َيس ُهلَ ال ُّدخولُ وال ُخرو ُج دون َعنا ٍء أو َتكلُّ ٍف من با ٍب واح ٍد‬ ‫وترك النبي صلى الله عليه وسلم لإعادة الكعبة على قواعد إبراهيم كان مراعاة‬ ‫لحال أهل مكة‪ ،‬وقرب عهدهم بالإسلام‪ ،‬فخشي أن يصيبهم بسبب ذلك نفور‬ ‫ووحشة وريبة تضر بدينهم‪ ،‬نظراً لما تمكن في قلوبهم من تعظيم بيت الله‪ ،‬وما‬ ‫نشؤوا عليه من رؤية البيت على هذا الحال‪ ،‬فسداً لهذه الذريعة‪ ،‬ومراعاة لهذا‬ ‫المآل ترك النبي صلى الله عليه وسلم ما كان أكمل‬ ‫وقال النووي ‪« :‬في هذا الحديث دليل لقواعد من الأحكام منها ‪ :‬إذا تعارضت‬ ‫المصالح أو تعارضت مصلحة ومفسدة وتعذر الجمع بين فعل المصلحة وترك‬ ‫المفسدة ُبدئ بالأهم ؛ لأن النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬أخبر أن نقض الكعبة‬ ‫وردها إلى ما كانت عليه من قواعد إبراهيم عليه السلام مصلحة ‪ ،‬ولكن تعارضه‬ ‫مفسدة أعظم منه ‪ ،‬وهي خوف فتنة بعض من أسلم قريبا ‪ ،‬وذلك لما كانوا‬ ‫يعتقدونه من فضل الكعبة ‪ ،‬فيرون تغييرها عظيما ‪ ،‬فتركها ‪ -‬صلى الله عليه‬ ‫وسلم ‪» -‬‬ ‫في الحدي ِث‪َ :‬دليلٌ على ار ِتكا ِب أي َس ِر ال هضر َر ْين دف ًعا لأ ْك َب ِرهما؛ لأ هن ُقصور ال َبيت‬ ‫أي َس ُر من افتِتا ِن طائِف ٍة من ال ُمسلِمي َن و ُرجو ِع ِهم عن دينِ ِهم‪.‬‬

‫الحديث السابع والستون‬ ‫َع ْن أَ ِبي ُه َر ْي َر َة رضي الله عنه َع ِن ال هنبِ ِّي صلى الله عليه وسلم َقالَ‪:‬‬ ‫« ُي َخ ِّر ُب ا ْل َك ْع َب َة ُذو ال ُّس َو ْي َق َت ْي ِن ِم َن ا ْل َح َب َش ِة» (البخاري‪)١5٩١ :‬‬ ‫شرح الحديث‬ ‫قد ثبت في الأحاديث ما يدل على أنه ستكون نهاية الكعبة على يد رجل من‬ ‫الحبشة يقال له‪ :‬ذو السويقتين‪ ،‬والظاهر أنه سيكون ذلك في آخر الزمان في وقت‬ ‫خلت فيه الأرض من أهل التوحيد‪ ،‬وقبل أوان قيام الساعة بقليل‪ ،‬نص على ذلك‬ ‫العلماء‪ ،‬كابن حجر وغيره‪.‬‬ ‫وسيأتي قبل هذا من أحداث آخر الزمان ظهور المهدي ونزول عيسى عليه السلام‬ ‫قال المناوي ‪:‬اتركوا الحبشة ما تركوكم فإنه لا يستخرج كنز الكعبة إلا ذو‬ ‫السويقتين من الحبشة‪.‬‬ ‫فال َخرا ُب سوف يكو ُن على َي ِد َر ُج ٍل ُيدعى ذو ال ُّس َويق َتي ِن من ال َح َبش ِة‬ ‫وإنما سمي ذو السويقتين لصغر ساقيه‪ ،‬فالسويقتان تصغير ساقي الإنسان‬ ‫لرقتهما‬ ‫ولا ُيعا ِر ُض هذا َقو َله َتعالى‪َ { :‬أ َو َل ْم ُن َم ِّك ْن لَ ُه ْم َح َر ًما آ ِم ًنا}[القصص‪]5٧ :‬‬ ‫قال النووي ‪َ :‬معناهُ آ ِم ًنا إلى قُر ِب يوم ال ِقيا َم ِة و َخرا ِب ال ُّدنيا‬ ‫وقيل‪ :‬لأ هن خرا َب ال َبي ِت يكو ُن في َوق ٍت لي َس به ُمسلِ ٌم واح ٌد على َوج ِه الأر ِض‪.‬‬ ‫وفي الحدي ِث‪ :‬إخبا ُره ص هلى اللهُ عليه وس هل َم ع هما ي َق ُع آ ِخ َر ال هزمان‪ ،‬وهو ِمن أُمو ِر‬ ‫الغي ِب التي ي ِج ُب الإيما ُن وال هتصدي ُق بها‪ ،‬وبكلِّ ما ث َبت وص هح عنه ص هلى الله عليه‬ ‫وس هلم ِمن أمو ِر الغي ِب‪.‬‬

‫الحديث الثامن والستون‬ ‫َع ْن َعا ِئ َش َة رضي الله عنها َقا َل ْت‪َ :‬كا ُنوا َي ُصو ُمو َن َعا ُشو َرا َء َق ْبلَ أَ ْن ُي ْف َر َض‬ ‫َر َم َضا ُن‪َ ،‬و َكا َن َي ْو ًما ُت ْس َت ُر ِفي ِه ا ْل َك ْع َب ُة‪َ ،‬فلَ هما َف َر َض ال هلهُ َر َم َضا َن َقالَ َر ُسولُ ال هل ِه صلى‬ ‫الله عليه وسلم ‪َ « :‬م ْن َشا َء أَ ْن َي ُصو َم ُه َف ْل َي ُص ْم ُه‪َ ،‬و َم ْن َشا َء أَ ْن َي ْت ُر َك ُه َف ْل َي ْت ُر ْك ُه»‬ ‫(البخاري‪)١5٩2 :‬‬ ‫شرح الحديث‬ ‫وفي رواية أخرى ‪ \" :‬كان يوم عاشوراء تصومه قريش في الجاهلية‪ ،‬وكان‬ ‫رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه في الجاهلية‪ ،‬فلما قدم المدينة صامه‪،‬‬ ‫وأمر بصيامه‪ ،‬فلما فُ ِر َض رمضان ترك يوم عاشوراء‪ ،‬فمن شاء صامه‪ ،‬ومن‬ ‫شاء تركه\"‬ ‫فالحديث دليل على أن أهل الجاهلية كانوا يعرفون يوم عاشوراء‪ ،‬وأنه يوم‬ ‫مشهورعندهم‪ ،‬وأنهم كانوا يصومونه‪ ،‬وكان النبي عليه السلام يصومه أي ًضا‪،‬‬ ‫واستمر على صيامه قبل الهجرة‪ ،‬ولم يأمر الناس بصيامه‬ ‫وهذا يدل على قدسية هذا اليوم وعظيم منزلته عند العرب في الجاهلية قبل بعثة‬ ‫النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬ولهذا كانوا يسترون فيه الكعبة‬ ‫قال الإمام القرطبي رحمه الله‪\" :‬حديث عائشة رضي الله عنها يدل على أن صوم‬ ‫هذا اليوم كان عندهم معلوم المشروعية والقدر‪ ،‬ولعلهم كانوا يستندون في‬ ‫صومه إلى أنه من شريعة إبراهيم وإسماعيل صلوات الله عليمهما فإنهم كانوا‬ ‫ينتسبون إليهما‪ ،‬ويستندون في كثير من أحكام الحج وغيره إليهما\"‬

‫أما عن حكم صوم يوم عاشوراء فقد كان واج ًبا في أول الأمر بعد هجرة النبي‬ ‫صلى الله عليه وسلم إلى المدينة‪ ،‬لثبوت الأمر بصومه‪ ،‬كما في حديث سلمة بن‬ ‫الأكوع رضي الله عنه قال‪« :‬أمر النبي صلى الله عليه وسلم رج ًلا من أسلم أن‬ ‫أذن في الناس‪ :‬أن من كان أكل فليصم بقية يومه‪ ،‬ومن لم يكن أكل فليصم‪ ،‬فإن‬ ‫اليوم يوم عاشوراء» (متفق عليه)‬ ‫ولما ُفرض رمضان في السنة الثانية من الهجرة ُنسخ وجو ُب صومه‪ ،‬وبقي على‬ ‫الاستحباب‪،‬‬ ‫وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم فضل صيامه فقال‪ \" :‬صيام يوم عاشوراء‪،‬‬ ‫أحتسب على ال هله أن يكفر السنة التي قبله\" رواه مسلم‬ ‫وعزم النبي صلى الله عليه وسلم في آخر عمره في السنة العاشرة على ألا‬ ‫يصومه مفر ًدا بل يصوم قبله اليوم التاسع مخالفة لأهل الكتاب‬ ‫المراجع‬ ‫الإسلام سؤال وجواب‬ ‫شهر الله المحرم فضائل واحكام‬ ‫سليمان عبد الكريم الجاسر‬

‫الحديث التاسع والستون‬ ‫عن ابن عمر رضي الله عنهما أَ هن َر ُسولَ ال هل ِه صلى الله عليه وسلم َقالَ‪:‬‬ ‫«ال هل ُه هم ا ْر َح ِم ا ْل ُم َح ِّل ِقي َن» ‪َ ،‬قالُوا‪َ :‬وا ْل ُم َق ِّص ِري َن َيا َر ُسولَ ال هلهِ‪َ ،‬قالَ‪« :‬ال هل ُه هم ا ْر َح ِم‬ ‫ا ْل ُم َح ّلِ ِقي َن»‪َ ،‬قالُوا‪َ :‬وا ْل ُم َق ِّص ِري َن َيا َر ُسولَ ال هل ِه‪َ ،‬قالَ‪َ « :‬وا ْل ُم َق ِّص ِري َن»‬ ‫(البخاري‪)١٧2٧ :‬‬ ‫شرح الحديث‬ ‫دعا ال هن ِب هي صلى الله عليه وسلم دعا بالرحمة للمحلقين مرتين‪ ،‬وللمقصرين مرة‬ ‫واحدة‪ ،‬وذلك دليل على فضل الحلق على التقصير‬ ‫وفي رواية أخرى لأبي هريرة رضي الله عنه أ هن ُه َقالَ عليه الصلاة والسلام ‪:‬‬ ‫\" ا ْغفِ ْر َب َدلَ ا ْر َح ْم‪َ ،‬قا َل َها َث َلاثاً‪ ،‬قال‪ :‬و ِل ْل ُم َق ِّصري َن \"‪.‬‬ ‫فدعا ال هنبِ هي صلى الله عليه وسلم بالمغفرة للمحلقين ثلاثاً‪،‬وللمقصرين مرة‬ ‫قال ابن دقيق العيد ‪ :‬ا ْل َح ِدي ُث َدلِيلٌ َع َلى َج َوا ِز ا ْل َح ْل ِق َوال هت ْق ِصي ِر َم ًعا ‪َ .‬و َعلَى أَ هن‬ ‫ا ْل َح ْل َق أَ ْف َضلُ‬ ‫وقال النووي ‪َ :‬و َو ْجه َف ِضي َلة ا ْل َح ْلق َع َلى ال هت ْق ِصير أَ هن ُه أَ ْب َلغ فِي ا ْل ِع َبا َدة ‪َ ،‬وأَ َدلّ َع َلى‬ ‫ِص ْدق ال ِّن هية فِي ال هت َذ ُّلل َِّ هل ِل َت َعالَى ‪َ ،‬ولأَ هن ا ْل ُم َق ِّصر ُم ْب ٍق َعلَى َن ْفسه ال هش ْعر ا هل ِذي ُه َو‬ ‫ِزي َنة ‪َ ،‬وا ْل َحا ّج َمأْ ُمور بِ َت ْر ِك ال ِّزي َنة ‪َ ،‬بلْ ُه َو أَ ْش َعث أَ ْغ َبر‬ ‫ولكون ا ْل َح ْلق قد تض ّمن َمزيد عمل و َمش ّقة‬ ‫كما أن الحلق أبلغ في قضاء الت َفث ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ُ ( :‬ث هم ْل َي ْق ُضوا َت َف َث ُه ْم)‬ ‫قال ابن عباس رضي الله عنهما ‪ :‬الـ هت َفث ‪َ :‬ح ْلق الرأس ‪ ،‬وأخذ ِمن الشاربين ‪،‬‬ ‫و َنتف الإبط ‪ ،‬وحلق العانة ‪ ،‬وق ّص الأظفار‬

‫الحديث السبعون‬ ‫َع ْن َع ْب ِد ال هل ِه ْب ِن َع هبا ٍس رضي الله عنهما َقالَ ‪:‬‬ ‫( أُ ِم َر ال هنا ُس أَ ْن َي ُكو َن آ ِخ ُر َع ْه ِد ِه ْم ِبا ْل َب ْي ِت ‪ ،‬إلاه أَ هن ُه ُخ ِّف َف َع ْن ا ْل َم ْرأَ ِة ا ْل َحائِ ِض )‬ ‫(البخاري ‪)١٧55:‬‬ ‫شرح الحديث‬ ‫يقول ابن عباس رضي الله عنهما‪\" :‬أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت\"‬ ‫أي أمر ال هن ِب هي صلى الله عليه وسلم الحجاج أن يكون آخر نسكهم بمكة الطواف‬ ‫بالكعبة طواف الوداع‪ ،‬وفي رواية‪ \" :‬لا ينصرف أحد حتى يكون آخر عهده‬ ‫الطواف بالبيت \"‬ ‫\" إلاّ أنه خفف عن المرأة الحائض \"أي‪ :‬إلاّ أن الله أراد التخفيف والتيسير على‬ ‫الحائض فرفع عنها طواف الوداع‪ ،‬ور هخ َص لها في تركه وفي مغادرة مكة بدونه‪.‬‬ ‫قوله ‪ُ \" :‬خ ِّف َف َع ْن ا ْل َم ْر َأ ِة ا ْل َحا ِئ ِض \" هذا التخفيف ُم ْس ِقط للوجوب ‪ ،‬و ُمسقِط للإثم‬ ‫والكفارة‬ ‫قال النووي ‪ :‬هذا دليل لوجوب طواف الوداع على غير الحائض ‪ ،‬وسقوطه عنها‬ ‫‪ ،‬ولا يلزمها دم بتركه‬ ‫فقه الحديث‪:‬‬ ‫استدل به الجمهور على وجوب طواف الوداع على الحاج‪ ،‬قالوا‪ :‬ويؤكد ذلك قول‬ ‫ابن عمر رضي الله عنهما ‪ ( :‬لا َيصد ّرن أح ٌد ِمن الحاج حتى يكون آخر عهده‬ ‫بالبيت ‪ ،‬فإن آخر النسك الطواف بالبيت )‬

‫\" فإن آخر النسك الطواف بالبيت \" فهو واجب يلزم من تركه الدم إلاّ أنه يسقط‬ ‫عن الحائض والنفساء وهذا مذهب الجمهور‬ ‫َمن َت َرك طواف الوداع ِمن أهل الآفاق فعليه أن يرجع ليطوف ‪ ،‬وإلاّ لزمه دم ‪،‬‬ ‫ماعدا الحائض‬ ‫هذا الأمر ُمخ َت ّص بالحج دون العمرة ‪،‬ولم يأ ُمر النبي صلى الله عليه وسلم َمن‬ ‫اعتمر أن َيطوف للوداع‬ ‫لا يجب على أهل مكة طواف وداع ؛ لأن الوداع على أهل الآفاق ‪ ،‬ولأن أهل‬ ‫الآفاق ُهم الذين ينفِرون ِمن مكة بعد انقضاء الحج‬ ‫المراجع‬ ‫منار القاري‬ ‫شرح صحيح البخاري‬ ‫شرح أحاديث عمدة الأحكام‬ ‫عبد الرحمن بن عبد الله السحيم‬

‫الحديث الحادي و السبعون‬ ‫َع ْن أَبِي ُه َر ْي َر َة رضي الله عنه أَ هن َر ُسولَ ال هلهِ صلى الله عليه وسلم َقالَ‪\" :‬ا ْل ُع ْم َرةُ‬ ‫إِ َلى ا ْل ُع ْم َر ِة َك هفا َرةٌ لِ َما َب ْي َن ُه َما‪َ ،‬وا ْل َح ُّج ا ْل َم ْب ُرو ُر لَ ْي َس َل ُه َج َزا ٌء إِ هلا ا ْل َج هن ُة\"‬ ‫(البخاري‪)١٧٧٣ :‬‬ ‫شرح الحديث‬ ‫يقول صلى الله عليه وسلم‪\" -:‬العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما\" أي إذا‬ ‫تكررت العمرة فجاءت عمرة أخرى بعد العمرة الأولى كانت العمرتان سبباً في‬ ‫تكفير السيئات والذنوب التي تقع بينهما‪ ،‬ومحوها وإسقاط العقوبة عليها‪ ،‬وعدم‬ ‫المؤاخذة بها يوم القيامة‬ ‫ثم بين ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬فضل الحج فقال ‪\" :‬والحج المبرور ليس في‬ ‫جزاء إلاّ الجنة\" يعني أن الحج الكامل المستوفي لشروطه وأركانه وسننه‬ ‫ومستحباته‪ ،‬الخالص لوجه الله تعالى‪ ،‬المنفق عليه من مال حلال‪ ،‬ليس له ثواب‬ ‫عند الله يوم القيامة إلاّ الفوز بالجنة والنجاة من النار‬ ‫فقه الحديث‬ ‫دل هذا الحديث‪:‬‬ ‫أولاً‪ :‬على فضل العمرة وأثرها العظيم في تكفير السيئات‪ ،‬ومحوها‬ ‫ثانياً‪ :‬استحباب مواصلة الاعتمار مرة بعد أخرى لما في قوله‪ \" :‬كفارة لما بينهما‬ ‫\" من الترغيب في الإكثار منها ليتكرر الغفران بتكررها‪ ،‬واختلفوا هل يجوز‬ ‫تكرارها في العام الواحد‪ ،‬فذهب أكثر أهل العلم إلى جوازه‬

‫الحديث الثاني و السبعون‬ ‫َع ْن َع ْب ِد ال هل ِه ْب ِن ُع َم َر رضي الله عنهما َأ هن َر ُسولَ ال هلهِ صلى الله عليه وسلم َكا َن إِ َذا‬ ‫َق َفلَ ِم ْن َغ ْز ٍو أَ ْو َح ٍّج أَ ْو ُع ْم َر ٍة ُي َك ِّب ُر َع َلى ُكلِّ َش َر ٍف ِم َن الأَ ْر ِض َثلا َث َت ْك ِبي َرا ٍت ُث هم‬ ‫َيقُولُ‪« :‬لا إِ َل َه إِ هلا ال هلهُ َو ْح َدهُ لا َش ِري َك َل ُه لَ ُه ا ْل ُم ْل ُك َو َل ُه ا ْل َح ْم ُد َو ُه َو َعلَى ُكلِّ َش ْي ٍء‬ ‫َق ِدي ٌر‪ ،‬آ ِي ُبو َن َتا ِئ ُبو َن َعابِ ُدو َن َسا ِج ُدو َن ِل َر ِّب َنا َحا ِم ُدو َن‪َ ،‬ص َد َق ال هلهُ َو ْع َدهُ َو َن َص َر َع ْب َدهُ‬ ‫َو َه َز َم الأَ ْح َزا َب َو ْح َدهُ»‬ ‫(البخاري‪)١٧٩٧ :‬‬ ‫شرح الحديث‬ ‫)كان إذا قفل ) أي رجع‬ ‫(من غزو أو حج أو عمرة( ظاهره اختصاص ذلك بهذه الأمور الثلاث ‪ ،‬وليس‬ ‫الحكم كذلك عند الجمهور ‪ ،‬بل يشرع قول ذلك في كل سفر إذا كان سفر طاعة‬ ‫كصلة الرحم وطلب العلم ‪ ،‬لما يشمل الجميع من اسم الطاعة‪.‬‬ ‫)يكبر على كل شرف( الشرف‪ :‬المكان العالي‬ ‫(ثم يقول لا إله إلا الله( ‪...‬‬ ‫يحتمل ‪ :‬أنه كان يأتي بهذا الذكر عقب التكبير وهو على المكان المرتفع‬ ‫ويحتمل ‪ :‬أن التكبير يختص بالمكان المرتفع وما بعده إن كان متسعا أكمل الذكر‬ ‫المذكور فيه ‪ ،‬وإلا فإذا هبط سبح‪.‬‬ ‫ويحتمل ‪ :‬أن يكمل الذكر مطلقا عقب التكبير ثم يأتي بالتسبيح إذا هبط‬ ‫قال القرطبي ‪ :‬وفي تعقيب التكبير بالتهليل إشارة إلى أنه المتفرد بإيجاد جميع‬ ‫الموجودات ‪ ،‬وأنه المعبود في جميع الأماكن‬

‫( آيبون ) جمع آيب أي راجع‬ ‫وليس المراد الإخبار بالرجوع فإنه تحصيل الحاصل ‪ ،‬بل الرجوع في حالة‬ ‫مخصوصة وهي تلبسهم بالعبادة المخصوصة والاتصاف بالأوصاف المذكورة‬ ‫)تائبون( فيه إشارة إلى التقصير في العبادة ‪ ،‬وقاله صلى الله عليه وسلم على‬ ‫سبيل التواضع أو تعليما لأمته ‪ ،‬وقد تستعمل التوبة لإرادة الاستمرار على الطاعة‬ ‫فيكون المراد أن لا يقع منهم ذنب‬ ‫)صدق الله وعده ) أي فيما وعد به من إظهار دينه في قوله ( وعدكم الله مغانم‬ ‫كثيرة ) وقوله ( وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في‬ ‫الأرض ) الآية ‪ .‬وهذا في سفر الغزو ومناسبته لسفر الحج والعمرة قوله تعالى (‬ ‫لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين )‬ ‫(ونصر عبده( يريد نفسه ‪ -‬صلى الله عليه وسلم‪.‬‬ ‫)وهزم الأحزاب وحده( أي من غير فعل أحد من الآدميين ‪ .‬واختلف في المراد‬ ‫بالأحزاب هنا فقيل هم كفار قريش ومن وافقهم من العرب واليهود الذين تحزبوا‬ ‫أي تجمعوا في غزوة الخندق ونزلت في شأنهم سورة الأحزاب ‪ ،‬وقيل المراد أعم‬ ‫من ذلك‪.‬‬ ‫المرجع‬ ‫فتح الباري‬ ‫شرح صحيح البخاري‬

‫الحديث الثالث و السبعون‬ ‫َع ْن َجابِ ٍر رضي الله عنه َقالَ‪َ :‬ن َهى ال هن ِب ُّي صلى الله عليه وسلم َأ ْن َي ْط ُر َق أَ ْه َل ُه َل ْي ًلا‬ ‫(البخاري‪) ١٨٠١ :‬‬ ‫شرح الحديث‬ ‫وفي رواية َع ْن أَ َن ٍس رضي الله عنه َقالَ‪َ :‬كا َن ال هن ِب ُّي صلى الله عليه وسلم لا َي ْط ُر ُق‬ ‫أَ ْه َل ُه‪َ ،‬كا َن لا َي ْد ُخلُ إِ هلا ُغ ْد َو ًة أَ ْو َع ِش هي ًة (البخاري‪)١٨٠٠ :‬‬ ‫ومعنى الحديث‪ :‬أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى القادم من السفر أن يفاجىء‬ ‫أهله بالدخول عليهم ليلاً لئلا يراهم على حال يكرهها‪ ،‬لأ ّنهم ربما قصروا في‬ ‫تقديم الخدمات اللازمة له عن غير قصد لعدم استعدادهم‬ ‫فقه الحديث‬ ‫دل هذا الحديث على أن من السنة أن يتحين المسافر عند قدومه الوقت المناسب‬ ‫لدخول بلده‪ ،‬والقدوم على أهله فلا يأتيهم ليلاً لئلا يكونوا على غير استعداد‬ ‫لاستقباله والقيام بخدمته وحسن ضيافته‬ ‫والنهي في الحديث محمول على كراهة التنزيه بمعنى أن الأفضل والأولى له أن لا‬ ‫يفاجئهم ليلاً‪ ،‬وأن يأتيهم نهاراً ليستعدوا لمقابلته‬

‫الحديث الرابع و السبعون‬ ‫َع ْن أَبِي ُه َر ْي َر َة رضي الله عنه َع ِن ال هنبِ ِّي صلى الله عليه وسلم َقالَ‪« :‬ال هس َف ُر ِق ْط َع ٌة‬ ‫ِم َن ا ْل َع َذا ِب َي ْم َن ُع أَ َح َد ُك ْم َط َعا َم ُه َو َش َرا َب ُه َو َن ْو َم ُه‪َ ،‬فإِ َذا َق َضى َن ْه َم َت ُه َف ْل ُي َع ِّجلْ إِ َلى‬ ‫أَ ْهلِ ِه»‬ ‫(البخاري‪(١٨٠٤ :‬‬ ‫شرح الحديث‬ ‫في هذا الحدي ِث يقولُ صلهى اللهُ عليه وسلهم‪( :‬ال هسف ُر ِقطع ٌة ِم َن العذاب) أي‪ُ :‬جز ٌء‬ ‫منه ِل َما فيه ِم َن ال هتع ِب وقِ هل ِة الما ِء وال هزا ِد‪ ،‬والمرا ُد ال َعذا ُب ال ُّد َنيو ُّي‪ُ ،‬ث هم فسر ذلك‬ ‫ِبقولِه‪َ ( :‬يمن ُع أح َدكم طعا َمه وشرا َبه ونو َمه) أي‪َ :‬كما َلهما‬ ‫ث هم أو َصى ص هلى اللهُ عليه وسلهم المسافِ َر ِبأ هنه إذا َقضى ُنه َم َته أ ْن ُيع ِّجلَ إلى أهلِه ‪،‬‬ ‫ومعناه‪ :‬إذا ق َضى وانتهى المسافِ ُر ِمن حاج ِته الهتي سا َف َر ِمن أ ْج ِلها فعليه أ ْن ُيع ِّجلَ‬ ‫بِال ُّرجو ِع إلى َوط ِنه وأهلِه؛ لِي ْق َط َع هذا العذا َب ا هلذي َس َيست ِم ُّر ِبسف ِره‪.‬‬ ‫قال النووي‪ :‬النهمة بفتح النون وإسكان الهاء هي الحاجة والمقصود فى هذا‬ ‫الحديث استحباب تعجيل الرجوع إلى الأهل بعد قضاء شغله ولا يتأخر بما ليس له‬ ‫بمهم‬ ‫قال ابن حجر‪ :‬وفي الحديث كراهة التغرب عن الأهل لغير حاجة‪ ،‬واستحباب‬ ‫استعجال الرجوع ولا سيما من ُيخشى عليهم ال هضيعة بالغيبة‪ ،‬ولما في الإقامة في‬ ‫الأهل من ال هراحة المعينة على صلاح ال ِّدين والدنيا‬

‫الحديث الخامس و السبعون‬ ‫َع ْن َعا ِئ َش َة رضي الله عنها أَ هن َر ُسولَ ال هلهِ صلى الله عليه وسلم َقال ‪َ \" :‬خ ْم ٌس ِم َن‬ ‫ال هد َوا ِّب ُكلُّ ُه هن َفا ِس ٌق ُيقتل َن فِي ال َح َر ِم ‪ :‬ال ُغ َرا ُب َوال ِح َدأَةُ َوال َع ْق َر ُب َوال َفأْ َر ُة َوال َك ْل ُب‬ ‫ال َع ُقو ُر\"‬ ‫(البخاري‪)١٨2٩ :‬‬ ‫شرح الحديث‬ ‫سمي النبي صلى الله عليه وسلم سمى بعض الحيوانات والحشرات \" فاسقاً \" أي‬ ‫مؤذياً للإنسان مض هراً له بطبعه‪ ،‬وهي خمس‪ :‬الغراب والحدأة والفأرة والعقرب‬ ‫والكلب العقور‪ -‬أي الجارح‬ ‫لأن بعضها يضر الإِنسان في َن ْف ِس ِه بما يحمله من مادة سامة يفرغها في جسمه‬ ‫كالعقرب وبعضها يؤذيه في ماله كالغراب والحدأة فإنهما طائران يختلسان أطعمة‬ ‫الناس‪ ،‬وبعضها يضر الإِنسان في نفسه وماله كالفأرة فإنها تنقل جراثيم الطاعون‬ ‫الفتاكة‪ ،‬وتفسد المال وتتلفه‬ ‫ولذلك أباح النبي صلى الله عليه وسلم قتل هذه الحيوانات في الحل والحرم‬ ‫للمحرم وغيره في قوله صلى الله عليه وسلم ‪ \" :-‬يقتلن في الحرم\"‬ ‫وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال‪ :‬سئل النبي صلى الله عليه وسلم عما يقتل‬ ‫المحرم من الدواب فقال‪ \" :‬خمس لا جناح في قتلهن على من قتلهن في الحل‬ ‫والحرم‪ ،‬العقرب والفأرة والحدأة والغراب والكلب العقور \" أخرجه أبو داود‬ ‫والنسائي‬

‫فقه الحديث‬ ‫دل هذا الحديث على جواز قتل هذه الأصناف المذكورة في الحل والحرم للمحرم‬ ‫وغيره‪ ،‬وهي‪:‬‬ ‫الغراب‪ :‬وظاهر الحديث جواز قتله مطلقاً‬ ‫الحدأة‪ :‬وهو قول الجمهور‬ ‫العقرب‪ :‬وألحق بها الشافعية جميع الحشرات المؤذية كالبق والبعوض ونحوه‬ ‫الفأرة‬ ‫الكلب العقور‪ :‬وهو عند الجمهور كل ما عدا على الناس وأخافهم من الأسد‬ ‫والذئب ونحوه‬ ‫قال الجمهور‪ :‬المراد بالكلب العقور كل ما عقر الناس وعدا عليهم من السباع‬ ‫والحيوانات المفترسة ‪ ،‬أما الوزغ فالجمهور على جواز قتله للمحرم‪ ،‬لقوله صلى‬ ‫الله عليه وسلم ‪ \" :-‬الوزغ فويسق \" أخرجه البخاري‬ ‫ونقل ابن عبد البر الاتفاق على جواز قتله في الحل والحرم‬ ‫أما الحية فتقتل اتفاقاً لقول ابن مسعود رضي الله عنه‪ :‬بينما نحن مع النبي صلى‬ ‫الله عليه وسلم بغار بمنى إذ وثبت علينا حية‪ ،‬فقال النبي صلى الله عليه وسلم ‪:-‬‬ ‫\" اقتلوها \" فابتدرناها فذهبت‪ ،‬فقال النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ \" -‬وقيت شركم‬ ‫ووقيتم َش هرها\"‬

‫الحديث السادس و السبعون‬ ‫َع ِن ا ْب ِن َع هبا ٍس رضي الله عنهما َقالَ‪َ :‬قالَ ال هنبِ ُّي صلى الله عليه وسلم َي ْو َم ا ْف َت َت َح‬ ‫َم هك َة‪» :‬لا ِه ْج َر َة َو َل ِك ْن ِج َها ٌد َونِ هي ٌة َوإِ َذا ا ْس ُت ْن ِف ْر ُت ْم َفا ْن ِف ُروا«‬ ‫(البخاري‪)١٨٣٤ :‬‬ ‫شرح الحديث‬ ‫و َمعنا ُه‪ :‬لاَ ِه ْج َر َة ِم ْن َم ّك َة لأَ هن َها َصا َر ْت َدا َر إسلاَ ٍم‬ ‫وفي رواية ‪» :‬لا ِه ْج َر َة بعد الفتح َولَ ِك ْن ِج َها ٌد َو ِن هي ٌة َوإِ َذا ا ْس ُت ْنفِ ْر ُت ْم َفا ْنفِ ُروا«‬ ‫قال الخ هطابي وغيره‪ :‬كانت الهجرة فر ًضا في أول الإسلام على من أسلم؛ لقلة‬ ‫المسلمين بالمدينة‪ ،‬وحاجتهم إلى الاجتماع‪ .‬فلما فتح الله مكة دخل الناس في دين‬ ‫الله أفوا ًجا‪ ،‬فسقط فرض الهجرة إلى المدينة‪ ،‬وبقي فرض الجهاد‪ ،‬والنية على من‬ ‫قام به‪ ،‬أو نزل به عدو‬ ‫وقال الماوردي‪ :‬إذا قدر على إظهار الدين في بلد من بلاد الكفر‪ ،‬فالإقامة فيها‬ ‫أفضل من الرحلة منها؛ لما يترجى من دخول غيره في الإسلام‬ ‫في هذا الحديث نفي رسول الله صلي الله عليه وسلم الهجرة بعد الفتح‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫))لا هجرة(( وهذا النفي ليس على عمومه‪ ،‬يعني أن الهجرة لم تبطل بالفتح‪ ،‬بل‬ ‫إنه (( لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة‪ ،‬ولا تنقطع التوبة حتى تخرج الشمس‬ ‫من مغربها)) كما جاء ذلك في الحديث عن رسول الله صلي الله عليه وسلم‬ ‫لكن المراد بالنفي هنا نفي الهجرة من مكة ‪ ،‬لأن مكة بعد الفتح صارت بلاد‬ ‫إسلام‪ ،‬ولن تعود بعد ذلك بلاد كفر‪ ،‬ولذلك نفي النبي صلي الله عليه وسلم صلي‬ ‫الله عليه وسلم أن تكون هجرة بعد الفتح‬

‫وهذا دليل على أن مكة لن تعود بلاد كفر‪ ،‬بل ستبقي بلاد إسلام إلي أن تقوم‬ ‫الساعة‪ ،‬أو إلي أن يشاء الله‪.‬‬ ‫((ولكن جهاد ونية))أي الأمر بعد هذا جهاد ؛ و ((النية)) أي النية الصالحة‬ ‫للجهاد في سبيل الله‪ ،‬وذاك بان ينوي الإنسان بجهاده‪ ،‬أن تكون كلمة الله هي‬ ‫العليا‬ ‫((وإذا استنفرتم فانفروا)) يعني‪ :‬إذا استنفركم ولي أمركم للجهاد في سبيل الله‪،‬‬ ‫فانفروا وجوباً‪ ،‬وحينئذ يكون الجهاد فرض عين‪ ،‬إذا استنفر الناس للجهاد؛ وجب‬ ‫عليهم أن ينفروا‪ ،‬وألا يتخلف أحد إلا من عذر‬ ‫لقول الله تعالي‪َ ( :‬يا أَ ُّي َها ا هل ِذي َن آ َم ُنوا َما لَ ُك ْم إِ َذا ِقيلَ لَ ُك ُم ا ْن ِف ُروا ِفي َسبِي ِل ال هل ِه ا هثا َق ْل ُت ْم‬ ‫إِلَى ا ْلأَ ْر ِض أَ َر ِضي ُت ْم بِا ْل َح َيا ِة ال ُّد ْن َيا ِم َن ا ْلآ ِخ َر ِة َف َما َم َتا ُع ا ْل َح َيا ِة ال ُّد ْن َيا فِي ا ْلآ ِخ َر ِة إِ هلا‬ ‫َقلِيلٌ) (إِل ّا َت ْن ِف ُروا ُي َع ِّذ ْب ُك ْم َع َذاباً أَلِيماً َو َي ْس َت ْب ِدلْ َق ْوماً َغ ْي َر ُك ْم َولا َت ُض ُّرو ُه َش ْيئا)‬ ‫(التوبة‪ :‬من الآية‪ ، )٣٩/٣٨‬وهذا أحد المواضع التي يكون فيها الجهاد فرض‬ ‫عين‪.‬‬ ‫الموضع الثاني‪ :‬إذا حضر بلدة العدو‪ ،‬أي جاء العدو حتى وصل إلي البلد وحصر‬ ‫البلد‪ ،‬صار الجهاد فرض عين‪ ،‬ووجب علي كل أحد أن يقاتل‪ ،‬حتى على النساء‬ ‫والشيوخ القادرين في هذه الحال‪ ،‬لأن هذا قتال دفاع ‪ ،‬فيجب في هذا الحال أن‬ ‫ينفر الناس كلهم للدفاع عن بلدهم‬ ‫الموضع الثالث‪ :‬إذا حضر الصف‪ ،‬والتقي الصفان؛ صف الكفار وصف المسلمين؛‬ ‫صار الجهاد حينئذ فرض عين‪ ،‬ولا يجوز لأحد أن ينصرف كما قال الله تعالي‪َ ( :‬يا‬ ‫أَ ُّي َها اله ِذي َن آ َم ُنوا إِ َذا َل ِقي ُت ُم ا هل ِذي َن َك َف ُروا َز ْحفاً َفلا ُت َولُّو ُه ُم ا ْل َأ ْد َبا َر) ( َو َم ْن ُي َولِّ ِه ْم‬ ‫َي ْو َمئِ ٍذ ُد ُب َر ُه إِ هلا ُم َت َح ِّرفاً لِ ِق َتا ٍل أَ ْو ُم َت َح ِّيزاً إِلَى ِف َئ ٍة َف َق ْد َبا َء بِ َغ َض ٍب ِم َن ال هل ِه َو َمأْ َوا ُه‬ ‫َج َه هن ُم َو ِب ْئ َس ا ْل َم ِصي ُر) (الأنفال‪)١6 ،١5 :‬‬

‫وقد جعل النبي صلي الله عليه وسلم التولي يوم الزحف من السبع الموبقات‬ ‫الموضع الرابع‪ :‬إذا احتيج إلي الإنسان؛ بأن يكون السلاح لا يعرفه إلا فرد من‬ ‫الأفراد‪ ،‬وكان الناس يحتاجون إلي هذا الرجل؛ لاستعمال هذا السلاح الجديد مثلاً؛‬ ‫فإنه يتعين عليه أن يجاهد وإن لم يستنفره الإمام وذلك لأنه محتاج إليه‪.‬‬ ‫ففي هذه المواطن الأربعة‪ ،‬يكون الجهاد فرض عين وما سوي ذلك فإنه يكون‬ ‫فرض كفاية‬ ‫المراجع‬ ‫شرح رياض الصالحين‬ ‫ابن عثيمين‬ ‫تطريز رياض الصالحين‬

‫الحديث السابع و السبعون‬ ‫َع ِن ا ْب ِن َع هبا ٍس رضي الله عنهما أَ هن ا ْم َرأَ ًة ِم ْن ُج َه ْي َن َة َجا َء ْت إِ َلى ال هن ِب ِّي صلى الله‬ ‫عليه وسلم َف َقا َل ْت‪ :‬إِ هن أُ ِّمي َن َذ َر ْت أَ ْن َت ُح هج َفلَ ْم َت ُح هج َح هتى َما َت ْت‪ ،‬أَ َفأَ ُح ُّج َع ْن َها؟ َقالَ‪:‬‬ ‫» َن َع ْم ُح ِّجي َع ْن َها‪ ،‬أَ َرأَ ْي ِت لَ ْو َكا َن َع َلى أُ ِّم ِك َد ْي ٌن أَ ُك ْن ِت َقا ِض َي ًة؟ ا ْق ُضوا ال هل َه َفاَّ هللُ أَ َح ُّق‬ ‫ِبا ْل َو َفا ِء«‬ ‫(البخاري‪)١٨52 :‬‬ ‫شرح الحديث‬ ‫ج َهين ُة هي إحدى قبائ ِل الع َر ِب‪ ،‬وفي هذا الحدي ِث أ هن امرأ ًة من ِتلك القبيل ِة جا َء ْت‬ ‫تسألُ ال هنب هي ص هلى الله عليه وس هلم عن جوا ِز قضا ِء الح ِّج عن أ ِّمها ا هلتي ما َت ْت وقد‬ ‫ن َذ َر ِت الح هج ولم ُتؤ ِّده‪ ،‬فقال لها ال هنب ُّي ص هلى الله عليه وس هلم‪ُ « :‬ح ِّجي عنها« ‪ ،‬وهذا‬ ‫يدلُّ على أ هن ال ِّنياب َة تجو ُز في الح ِّج؛ فالعبادا ُت أنوا ٌع‪:‬‬ ‫عبادا ٌت مال هي ٌة محض ٌة؛ كال هزكا ِة‪ ،‬وهذه تجو ُز ال ِّنياب ُة فيها وعبادا ٌت بدن هي ٌة محض ٌة؛‬ ‫كال هصلا ِة‪ ،‬وهذا ال هنو ُع لا تجو ُز ال ِّنياب ُة فيها‬ ‫وعبادا ٌت مر هكب ٌة منهما؛ كالح ِّج‪ ،‬وهذا ال هنو ُع تجو ُز ال ِّنياب ُة فيه عند العج ِز و َعد ِم‬ ‫القدر ِة على الأدا ِء‪ ،‬أو المو ِت‬ ‫وهنا المرأ ُة الهتي ن َذر ِت الح هج ماتت قبل الوفا ِء به‪ ،‬فلم ت ُع ْد قادر ًة على الوفا ِء‬ ‫بطبيع ِة الحا ِل‪ ،‬فجازت ال ِّنياب ُة عنها‬ ‫وقد ش هب َه ال هنب ُّي صلهى الله عليه وس هلم الح هج الهذي عليها بال هدي ِن‪ ،‬وهو واج ٌب‬ ‫القضا ِء؛ لأ هنه ح ٌّق للآدم ِّيين‪ ،‬والح ُّج ح ٌّق َّلل تعالى‪ ،‬فكان قضا ُء ح ِّقه تعالى أوث َق‬ ‫وأَ ْولى ِمن قضا ِء ح ِّق الآدم ِّيين‬

‫فالح ُّج ا هلذي و َجب في ال ِّذ هم ِة لا يسقُ ُط سوى بقضائِه‪ ،‬كما لا يس ُق ُط ال هدي ُن سوى‬ ‫بالقضا ِء‪ ،‬فإذا و َجب الح ُّج على شخ ٍص ومات ق ْبلَ أدائِه‪ ،‬ث هم أ هدى شخ ٌص آخ ُر هذا‬ ‫الح هج عنه ‪ -‬س َقط عنه‬ ‫وهذا لا يب ُع ُد في كر ِم اللهِ وفضلِه أ هنه إذا ح هج الول ُّي عن الم ِّي ِت أن يعف َو اللهُ عن‬ ‫الم ِّي ِت بذلك‪ ،‬و ُيثي َبه عليه‪ ،‬أو لا ُيطال َبه بتفري ِطه‬ ‫من فوائد الحديث‪:‬‬ ‫أن من نذر الحج يلزمه فمن نذر أن يطيع الله فليطعه‬ ‫حرص الصحابة رضي الله عنهم على السؤال عن أحكام الدين المتعلقة بهم‬ ‫وبأقاربهم‪.‬‬ ‫إثبات القياس فالنبي صلى الله عليه وسلم شبه الواجب الشرعي بالدين المالي‬ ‫وفيه حسن تعليم النبي عليه الصلاة والسلام‪.‬‬ ‫المرجع‬ ‫الدرر السنية‬

‫الحديث الثامن والسبعون‬ ‫َع ِن ا ْب ِن َع هبا ٍس رضي الله عنهما َقالَ‪َ :‬ل هما َر َج َع ال هنبِ ُّي صلى الله عليه وسلم ِم ْن‬ ‫َح هجتِه ِ َقالَ لأُ ِّم ِس َنا ٍن الأَ ْن َصا ِر هي ِة‪َ « :‬ما َم َن َع ِك ِم َن ا ْل َح ِّج؟» َقا َل ْت‪ :‬أَ ُبو ُفلا ٍن ‪َ -‬ت ْع ِني‬ ‫َز ْو َج َها‪َ -‬كا َن لَ ُه َنا ِض َحا ِن َح هج َع َلى َأ َح ِد ِه َما َوالآ َخ ُر َي ْس ِقي أَ ْر ًضا لَ َنا‪َ ،‬قالَ‪َ « :‬فإِ هن‬ ‫ُع ْم َر ًة ِفي َر َم َضا َن َت ْق ِضي َح هج ًة َم ِعي»‬ ‫(البخاري‪)١٨6٣ :‬‬ ‫شرح الحديث‬ ‫كان من شأ َن ال هنب ِّي ص هلى الله عليه وس هلم تع ُّه ُد أصحابِه بال ُّسؤا ِل‪ ،‬وتح ِّريه عن‬ ‫قيا ِمهم بما و َج َب عليهم‪ ،‬وتحري ُضهم على فع ِل الخيرا ِت‪ ،‬وفي هذا الحدي ِث مثالٌ‬ ‫على ذلك‬ ‫فال هنب ُّي ص هلى الله عليه وسلهم يسأَلُ أ هم ِسنا ٍن الأنصار هي َة رضي الله عنها بعد عودتِه‬ ‫ِمن الح ِّج عن سب ِب عد ِم ح ِّجها‪ ،‬فأخب َر ْته رضي الله عنها أ هن ا هلذي م َنعها هو أبو‬ ‫فلا ٍن زو ُجها‪ ،‬ث هم أخ َب َر ْته بسب ِب من ِعه لها بأ هنهما لا يملِكا ِن سوى ناض َحي ِن‪،‬‬ ‫وال هناض ُح هو البعي ُر ا هلذي ُيح َملُ عليه الما ُء لل ُّس ْق َيا‪ ،‬فح هج زو ُجها على أح ِد‬ ‫ال هناض َحي ِن‪ ،‬وت َرك الآ َخ َر ل ُس ْق َيا الأر ِض الهتي لهما‪.‬‬ ‫فيحد َثنا ابن عباس رضي الله عنهما في هذا الحديث‪ \" :‬أن رسول الله صلى الله‬ ‫عليه وسلم قال لامرأة من الأنصار \" وهي أم سنان رضي الله \"ما منعك من‬ ‫الحج\" والمعنى ‪ :‬ما هو المانع لك من الحج معنا في حجة الوداع‪ ،‬وما عذرك في‬ ‫ذلك‬ ‫\"قالت‪ :‬كان لنا ناضحان \" أي بعي ٌران فحج زوجها على أحدهما والأخر كان‬ ‫يسقي أرضا لهم ‪ ،‬ولم يبق لها ما تركب عليه‬

‫فل هما رأى ال هنب ُّي ص هلى الله عليه وس هلم أ هن سب َب تخلُّفِها عن الح ِّج سب ٌب مقبولٌ‪ ،‬وأ هنه‬ ‫غي ُر واج ٍب عليها؛ لأ هنها لم تست ِط ْع إليه سبي ًلا ‪ -‬أراد تسلي َتها وإخبا َرها عن ع َم ٍل‬ ‫يع ِدلُ في ثوابِه ع َملَ الح ِّج‪ ،‬وهو العمر ُة في رمضان \"قال‪ :‬فإن عمرة في رمضان‬ ‫تقضي حجة معي\" أي إذا جاء رمضان القادم فأت بعمرة في رمضان تعوضين بها‬ ‫عن هذه الحجة التي فاتتك معنا‪ \" ،‬فإ ّن عمرة في رمضان تقضي حجة معي \" أي‬ ‫كحجة أو تعدل حجة معي في الأجر والمثوبة‪ ،‬أي تعدل في ثوا ِبها ثوا َب الح ِّج معي‬ ‫وذلك في ال هثوا ِب‪ ،‬لا أ هنها تقو ُم مقا َمها في إسقا ِط ال َف ْر ِض؛ للإجما ِع على أ هن‬ ‫الاعتما َر لا ُيج ِز ُئ عن ح ِّج الفر ِض‪ ،‬وهذا نظي ُر ما جاء عنه ص هلى الله عليه وسلهم‬ ‫أ هن { ُقلْ ُه َو ال هلهُ أَ َح ٌد} [الإخلاص‪ ]١ :‬تع ِدلُ ُثلُ َث القُرآ ِن ‪ ،‬فقراء ُة { ُقلْ ُه َو ال هلهُ أَ َح ٌد}‬ ‫[الإخلاص‪ ]١ :‬تع ِدلُ ثوا َب ُثل ِث القُرآ ِن‪ ،‬ولك هنها لا ُتجز ُئ عن ِقراءة ُثلُ ِث ال ُقرآ ِن‬ ‫فِعل ًّيا‬ ‫فقه الحديث‬ ‫دل هذا الحديث على فضل العمرة في رمضان‪ ،‬وأن ثوابها كثواب حجة‪ ،‬ولكنها لا‬ ‫تسقط الحجة المفروضة‪ ،‬بل لا بد من الإِتيان بها‬ ‫أ ّن ما فات من الحج تطوعاً فالعمرة في رمضان تقوم مقام حج التطوع وهذا فضل‬ ‫من الله ونعمه‪.‬‬ ‫ويدلُّ الحديث على أ هن ثوا َب العم ِل َيزي ُد ب ِزياد ِة ش َر ِف الوق ِت‪ ،‬كما َيزي ُد بحضو ِر‬ ‫القل ِب‪ ،‬وب ُخلو ِص القص ِد‬

‫الحديث التاسع و السبعون‬ ‫َع ْن أَ َن ٍس رضي الله عنه َع ِن ال هن ِب ِّي صلى الله عليه وسلم َقالَ‪» :‬ا ْل َم ِدي َن ُة َح َر ٌم ِم ْن‬ ‫َك َذا إِ َلى َك َذا‪ ،‬لا ُي ْق َط ُع َش َج ُر َها َولا ُي ْح َد ُث فِي َها َح َد ٌث‪َ ،‬م ْن أَ ْح َد َث َح َد ًثا َف َع َل ْي ِه َل ْع َن ُة ال هلهِ‬ ‫َوا ْل َملا ِئ َك ِة َوال هنا ِس أَ ْج َم ِعي َن«‬ ‫(البخاري‪)١٨6٧ :‬‬ ‫شرح الحديث‬ ‫جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة حرماً بأمر الله تعالى له بذلك كما في‬ ‫حديث جابر رضي الله عنه حيث قال صلى الله عليه وسلم ‪ \" :‬إن إبراهيم ح ّرم‬ ‫مكة‪ ،‬وإني حرمت المدينة ما بين لابتيها‪ ،‬لا يقطع عضاهها‪ ،‬ولا يصاد صيدها \"‬ ‫أخرجه مسلم‬ ‫وقوله صلى الله عليه وسلم ‪ \" :-‬من كذا إلى كذا\" بيان لحدود حرم المدينة‪ ،‬وأنه‬ ‫يمتد من عير إلى ثور لما في حديث عل ّي رضي الله عنه‪ \" :‬المدينة حرم ما بين‬ ‫عير إلى ثور\"‬ ‫فأ هما عير أو عاثر فهو الجبل المعروف في جنوب المدينة ‪ ،‬وأما جبل ثور فقد قال‬ ‫ابن النجار‪ :‬هو جبل صغير وراء أحد‪ ،‬يعرفه أهل المدينة‪ ،‬ولا ينكرونه‬ ‫ومعنى كون المدينة حرماً ‪ :‬أنه جعل لها حرمة وتشريفاً وتعظيماً في نفوس‬ ‫المسلمين ومشاعرهم‪ ،‬كما جعلها محرمة الصيد والشجر كمكة‪ ،‬بدليل قوله ‪-‬‬ ‫صلى الله عليه وسلم ‪ \"-:‬لا يقطع شجرها\" أي لا يقطع نباتها الطبيعي الذي ينبت‬ ‫نبته دون سقي‪ ،‬وعن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم‬

‫\"لا يختلى خلاها‪ ،‬ولا ينفر صيدها‪ ،‬ولا تلتقط لقطها\" والنفي بمعنى النهي‪ ،‬أي لا‬ ‫يجوز قطع شجرها‪ ،‬ولا صيد الصيد في حدودها‬ ‫\"من أحدث فيها حدثاً\" أي ابتدع فيها بدعة أو ارتكب كبيرة‪ ،‬وفي رواية \" أو‬ ‫آوى محدثاً \" أي أعان على بدعة أو معصية‬ ‫\"فعليه لعنة الله \" أي غضبه وطرده من رحمته وجنته \"والناس أجمعين \" أي‬ ‫وعليه دعاء الناس باللعنة وفي رواية \" لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً \" أي لا‬ ‫يقبل الله منه فرضاً ولا نفلاً‬ ‫فقه الحديث‬ ‫دل هذا الحديث‪:‬‬ ‫أولاً‪ :‬على تحريم شجر المدينة وصيدها لقوله صلى الله عليه وسلم \" المدينة حرم‬ ‫\" وتحريم المدينة يشمل تحريم شجرها وصيدها معاً‪ ،‬فقد ورد في حديث علي‬ ‫رضي الله عنه حيث قال‪ \" :‬ولا يختلى خلاها‪ ،‬ولا ينفر صيدها\" فإذا َح ُرم تنفيره‬ ‫حرم قتله من باب أولى‪ ،‬وتحريم المدينة صيداً ونباتاً هو ما عليه أكثر أهل العلم‬ ‫وجماهير الفقهاء‬ ‫ثانياً‪ :‬التحذير الشديد من الابتداع في المدينة أو انتهاك حرمات الله فيها وأنه‬ ‫كبيرة‬

‫الحديث الثمانون‬ ‫َع ْن أبي ُه َر ْي َر َة َر ِض َي اللهُ َع ْن ُه َقالَ‪َ :‬قالَ َر ُسولُ الل ِه صلى الله عليه وسلم ‪\" :‬أُ ِم ْر ُت‬ ‫بِ َق ْرية تأ ُكلُ ا ْل ُق َرى‪َ ،‬يقُولُو َن َي ْث ِرب وهي ا ْل َم ِدي َن ُة‪َ ،‬ت ْنفي ال هنا َس ك َما َي ْنفِي ال ِكي ُر َخ َب َث‬ ‫ا ْل َح ِدي ِد\"‬ ‫(البخاري ‪)١٨٧١ :‬‬ ‫شرح الحديث‬ ‫يقول صلى الله عليه وسلم‪ :‬أمرني الله تعالى أن أسكن مدينة عظيمة تفتح كل‬ ‫بلاد‪ ،‬الدنيا شرقاً وغرباً‪ ،‬وتبسط عليها سلطانها‬ ‫قال ابن وهب‪ :‬قلت لمالك‪ :‬ما تأكل القرى‪ :‬قال تفتح القرى‬ ‫\"يقولون‪ :‬يثرب‪ ،‬وهي المدينة\" أي يسمونها يثرب واسمها الإِسلامي الذي يليق‬ ‫بها هو المدينة‬ ‫\"تنفي الناس كما ينفي الكير خبث الحديد\" الكير هو الجلد الذي ينفخ به الحداد‬ ‫على النار‪ ،‬وقال أكثر أهل اللغة‪ ،‬هو حانوت الحداد نفسه‬ ‫والمعنى أ ّن المدينة تخرج شرار الناس كما يخرج الكير الوسخ من الحديد‬ ‫وقال بعضهم‪ :‬المراد به إخراج المنافقين منها عند ظهور المسيح الدجال‪ ،‬وقال‬ ‫بعضهم‪ :‬تنفي الناس أي تصلحهم وتهذب نفوسهم وتخرج الشر والخبث منهم‬ ‫فقه الحديث‬ ‫دل هذا الحديث على فضل المدينة على سائر البلاد لقوله‪ \" :‬تأكل القرى \" أي‬ ‫تفتحها‪ ،‬وقد فتحت المدينة كل المدن بما فيها مكة‬

‫الحديث الحادي و الثمانون‬ ‫عن أبي ُه َر ْي َر َة َر ِض َي اللهُ َع ْن ُه‪ :‬أن َر ُسولَ الل ِه صلى الله عليه وسلم َقالَ‪:‬‬ ‫\" إ هن الإي َما َن لَ َيأ ِر ُز إ َلى ا ْل َم ِدي َن ِة َك َما َتأ ِر ُز ا ْل َح هي ُة إلى ُج ْح ِر َها \"‬ ‫(البخاري ‪)١٨٧6 :‬‬ ‫شرح الحديث‬ ‫يقول النبي صلى الله عليه وسلم‪ \" :‬إن الإِيمان ليأرز إلى المدينة كما تأرز الحية‬ ‫إلى جحرها \" أي أن المؤمنين كلما شعروا بالخوف على دينهم وأح ّسوا بالخطر‬ ‫على إسلامهم لجأوا إلى المدينة وآووا إليها كما تأوي الحية عندما تحس بالخطر‬ ‫إلى جحرها لتأمن فيه على نفسها‬ ‫(يأرز) بكسر الراء ويجوز فيها الفتح والضم ‪ ،‬ومعنى (يأرز) يرجع ويثبت في‬ ‫المدينة كما أن الحية إذا خرجت من جحرها رجعت إليه ‪ ،‬وهذا إشارة من النبي‬ ‫صلى الله عليه وسلم إلى أن هذا الدين سوف يرجع إلى المدينة بعد أن تفسد‬ ‫البلدان الأخرى كما أن الحية تخرج وتنتشر في الأرض ثم بعد ذلك ترجع إلى‬ ‫جحرها‪.‬‬ ‫وفيه أيضاً إشارة إلى أن الإسلام كما انطلق من المدينة فإنه يرجع إليها أيضا ً‪،‬‬ ‫فإن الإسلام بقوته وسلطته لم ينتشر إلا من المدينة وإن كان أصله نابعاً في مكة ‪،‬‬ ‫ومكة هي المهبط الأول للوحي لكن لم يكن للمسلمين دولة وسلطان وجهاد إلا بعد‬ ‫هاجروا إلى المدينة ‪ ،‬فلهذا كان الإسلام بسلطته ونفوذه وقوته منتشراً من‬ ‫المدينة وسيرجع إليها في آخر الزمان‬

‫وقال بعض أهل العلم ‪ :‬إن هذا إشارة إلى أمر سبق ‪ ،‬وأن المعنى أن الناس يفدون‬ ‫إلى المدينة ويرجعون إليها ليتلقوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم الشريعة‬ ‫والتعاليم الإسلامية‬ ‫ولكن المعنى الأول هو ظاهر الحديث وهو الأصح ‪.‬‬ ‫فقه الحديث‪:‬‬ ‫دل هذا الحديث‪ :‬على أن المدينة قلعة الإِيمان وحصنه الحصين الذي يأوي إليه‬ ‫المسلمون عند اشتداد الفتن حفاظاً على دينهم‬ ‫وفيه دليل على وجوب الهجرة على من خاف الفتنة على دينه‬ ‫المراجع‬ ‫منار القاري‬ ‫شرح صحيح البخاري‬ ‫ابن عثيمين‬

‫الحديث الثاني و الثمانون‬ ‫َع ْن َس ْع ٍد رضي الله عنه َقالَ‪َ :‬س ِم ْع ُت ال هن ِب هي صلى الله عليه وسلم َيقُولُ‪:‬‬ ‫«لا َي ِكي ُد أَ ْهلَ ا ْل َم ِدي َن ِة أَ َح ٌد إِ هلا ا ْن َما َع َك َما َي ْن َما ُع ا ْل ِم ْل ُح ِفي ا ْل َما ِء»‬ ‫(البخاري‪)١٨٧٧ :‬‬ ‫شرح الحديث‬ ‫يقول النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪\" :-‬لا يكيد أهل المدينة‪ ،‬أحد إلاّ انماع كما‬ ‫ينماع الملح في الماء\" أي لا يمكر أحد بأهل المدينة‪ ،‬وينوي إلحاق الشر بهم‬ ‫ويدبر لهم الأذى في الخفاء إلاّ أهلكه الله فوراً وأزاله من الوجود سريعاً‪ ،‬كما‬ ‫يذوب الملح في الماء‬ ‫(انماع) ‪ :‬من الميوعة وهي الذوبان‬ ‫فقه الحديث‪ :‬دل هذا الحديث على مايأتي ‪:‬‬ ‫أولاً‪ :‬أن إيذاء أهل المدينة والسعي في الإِضرار بهم كبيرة من الكبائر لأن هذا‬ ‫الوعيد الشديد لا يترتب إ ّلا على جريمة نكراء‪.‬‬ ‫ثانياً ‪ :‬تعجيل العقوبة في الدنيا لمن أراد بأهل المدينة شراً وإنذاره بالهلاك‬ ‫السريع‪ ،‬وفي الحديث عن السائب بن خلاد‪ \" :‬من أخاف أهل المدينة ظالماً لهم‬ ‫أخافه الله‪ ،‬وكانت عليه لعنة الله \" أخرجه النسائي‬ ‫ثالثاً‪ :‬الترغيب في حب أهل المدينة والإِحسان إليهم لأن التحذير من الشيء‬ ‫ترغيب في ضده‪ ،‬فيكون مفهوم الحديث أن من أراد الخير لأهل المدينة وسعى فيه‬ ‫كانت له البشري بالحياة السعيدة‪ ،‬سيما إذا كان حبه لهم ناشئاً عن حبه للنبي‬ ‫صلى الله عليه وسلم‬

‫الحديث الثالث و الثمانون‬ ‫َع ْن أَ ِبي ُه َر ْي َر َة رضي الله عنه َقالَ‪َ :‬قالَ َر ُسولُ ال هلهِ صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬ ‫« َعلَى أَ ْن َقا ِب ا ْل َم ِدي َن ِة َملا ِئ َك ٌة لا َي ْد ُخلُ َها ال هطا ُعو ُن َولا ال هد هجالُ»‬ ‫(البخاري‪)١٨٨٠ :‬‬ ‫شرح الحديث‬ ‫إن الله حفظ المدينة وصانها من شرين عظيمين وجعل على أبوابها ومداخلها‬ ‫ملائكة يحرسونها ويمنعون عنها الدجال والطاعون‪ ،‬على كل باب ملكان‬ ‫كما في حديث أبي بكرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ‪:-‬‬ ‫«لا َي ْد ُخلُ ا ْل َم ِدي َن َة ُر ْع ُب ا ْل َم ِسي ِح ال هد هجا ِل‪َ ،‬ل َها َي ْو َم ِئ ٍذ َس ْب َع ُة أَ ْب َوا ٍب َع َلى ُكلِّ َبا ٍب‬ ‫َملَ َكا ِن» (بخاري‪)١٨٧٩ :‬‬ ‫فالدجال لا يدخل مكة ولا المدينة لأ ّنها محرمة عليه‪ ،‬ممنوعة عنه‪ ،‬ويدخل سائر‬ ‫المدن الأخرى سواهما كما في حديث أنس رضي الله عنه‪ ،‬عن النبي ‪ -‬صلى الله‬ ‫عليه وسلم ‪« :-‬لَ ْي َس ِم ْن َب َل ٍد إِ هلا َس َي َط ُؤ ُه ال هد هجالُ إِ هلا َم هك َة َوا ْل َم ِدي َن َة لَ ْي َس لَ ُه ِم ْن‬ ‫نِ َقابِ َها َن ْق ٌب إِ هلا َع َل ْي ِه ا ْل َملا ِئ َك ُة َصا ِّفي َن َي ْح ُر ُسو َن َها‪ُ ،‬ث هم َت ْر ُج ُف ا ْل َم ِدي َن ُة بِأَ ْهلِ َها َثلا َث‬ ‫َر َج َفا ٍت َف ُي ْخ ِر ُج ال هلهُ ُكله َكا ِف ٍر َو ُم َنا ِف ٍق» (بخاري‪)١٨٨١ :‬‬ ‫ولكنه يصل إلى ضواحي المدينة‪ ،‬وينزل ببعض السباخ التي بها كما في حديث‬ ‫أبي سعيد حيث قال صلى الله عليه وسلم ‪ \" :-‬فينزل ببعض السباخ التي بالمدينة\"‬ ‫أخرجه الشيخان‬ ‫وفي رواية أن النبي صلى الله عليه وسلم ركب إلى مجتمع السيول‪ ،‬وقال‪ \" :‬هذا‬ ‫منزله \" ويقع مجتمع السيول هذا في الشمال الغربي من المدينة‬

‫فإذا وصل إلى هناك وقع زلزال بالمدينة‪ ،‬وخرج إليه المنافقون منها‪ ،‬كما في‬ ‫الحديث السابق ‪ \" :‬ترجف المدينة بأهلها ثلاث رجفات‪ ،‬فيخرج إليه كل كافر‬ ‫ومنافق \"‬ ‫ويقيض الله للاسلام في ذلك الموقف الخطر‪ ،‬وتلك الظروف الصعبة من يناضل‬ ‫عن الدين‪ ،‬ويقف في وجه المسيح الدجال‪ ،‬ويصمد أمام جبروته وطغيانه‪ ،‬فيقول‬ ‫كلمة الحق أمام ذلك الطاغية‪ ،‬ويكذبه ويتحداه أمام الناس كما في حديث أبي سعيد‬ ‫الخدري رضي الله عنه حيث قال ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬‬ ‫\" فيخرج إليه يومئذ رجل هو خير الناس‪ ،‬أو من خير الناس \" أي من أفضل أهل‬ ‫المدينة ديناً وصلاحاً وثباتاً على الحق‬ ‫\" فيقول‪ :‬أشهد أنك الدجال الذي حدثنا عنك رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬‬ ‫حديثاً فيقول الدجال‪ :‬أرأيت إن قتلت هذا ثم أحييته‪ ،‬هل تشكون في الأمر \"‬ ‫أي يقول للناس‪ :‬أخبروني إن أنا قتلت هذا الرجل الذي واجهني بالتكذيب‪ ،‬وأحييته‬ ‫مرة أخرى‪ ،‬هل تشكون في ربوبيتي‬ ‫\" فيقولون‪ :‬لا \" أي فيقول المنافقون‪ :‬لا \" فيقتله ثم يحييه‪ ،‬فيقول حين يحييه‪:‬‬ ‫والله ما كنت قط أشد بصيرة \" أي أشد يقيناً بأ ّنك الدجال م ّني اليوم لأنه انطبقت‬ ‫عليك صفات الدجال التي أخبرنا بها نبينا صلى الله عليه وسلم‬ ‫فيقول الدجال \" لرجل من أتباعه \" اقتله فلا يسلط عليه \" ولا يقدر على قتله‬ ‫فقه الحديث‪ :‬دل هذا الحديث على ما يأتي‪:‬‬ ‫أولاً ‪ :‬على أن المدينة محروسة محفوظة من الدجال فحدود المدينة كلها محاطة‬ ‫بسور منيع من الملائكة‪ ،‬فلا يتجاوزها الدجال‬ ‫ثانياً‪ :‬أن المدينة محمية من الطاعون‪ ،‬ولم ينقل في التاريخ قط أنه دخل المدينة‬ ‫أصلاً‬

‫الحديث الرابع و الثمانون‬ ‫َع ْن أَ َن ٍس رضي الله عنه َع ِن ال هنبِ ِّي صلى الله عليه وسلم َقالَ‪:‬‬ ‫«ال هل ُه هم ا ْج َعلْ ِبا ْل َم ِدي َن ِة ِض ْع َف ْي َما َج َع ْل َت ِب َم هك َة ِم َن ا ْل َب َر َك ِة»‬ ‫(البخاري‪)١٨٨5 :‬‬ ‫شرح الحديث‬ ‫هذا الحديث فيه ُّد َعاء النبي صلى الله عليه وسلم للمدينة ِب َت ْض ِعيف ا ْلبر َكة‬ ‫وتكثيرها فيها‬ ‫( ض ْعفي َما جعلت) َت ْثنِ َية ضعف ِبا ْل َك ْس ِر‪.‬‬ ‫َقالَ ا ْل َج ْو َه ِري‪ :‬ضعف ال هش ْيء مثله‪ ،‬وضعفاه مثلاه‬ ‫والضعف المثل إلى ما زاد ويقال ولك ضعفه يريدون مثليه وثلاثة أمثاله لأنه‬ ‫زيادة غير محصورة‬ ‫لذلك قال الفقهاء ‪ :‬ضعفه مثلاه‪ ،‬وضعفاه ثلاثة أمثاله‬ ‫( من ا ْلبر َكة) البركة هنا بمعنى النمو والزيادة‪ ،‬أَي‪َ :‬ك ْث َرة ا ْل َخ ْير‪َ ،‬وا ْلم َراد بر َكة‬ ‫ال ُّد ْن َيا ِب َدلِيل َق ْوله ِفي ال َح ِديث الآخر‪ ( :‬اللهم َبارك لنا ِفي صاعنا ومدنا)‬ ‫وفي فتح الباري للحافظ ابن حجر العسقلاني ‪:‬‬ ‫قوله‪( :‬اجعل بالمدينة ضعفي ما جعلت بمكة من البركة) أي ‪:‬‬ ‫(‪ )١‬من بركة الدنيا بقرينة قوله في الحديث الآخر \" اللهم بارك لنا في صاعنا‬ ‫ومدنا \"‬ ‫(‪ )2‬ويحتمل أن يريد ما هو أعم من ذلك‪ ،‬لكن يستثنى من ذلك ما خرج‬ ‫بدليل‪(،‬كتضعيف الصلاة بمكة على المدينة)‪،‬‬

‫(‪ )٣‬واستدل به عن تفضيل المدينة على مكة وهو ظاهر من هذه الجهة‪ ،‬لكن لا‬ ‫يلزم من حصول أفضلية المفضول في شيء من الأشياء ثبوت الأفضلية له على‬ ‫الإطلاق‬ ‫وقال النووي‪ :‬الظاهر أن البركة حصلت في نفس المكيل بحيث يكفي المد فيها من‬ ‫لا يكفيه في غيرها‪ ،‬وهذا أمر محسوس عند من سكنها‬ ‫المراجع‬ ‫عمدة القاري‬ ‫شرح صحيح البخاري‬ ‫فتح الباري‬

‫الحديث الخامس و الثمانون‬ ‫َع ْن أَ ِبي ُه َر ْي َر َة رضي الله عنه أَ هن َر ُسولَ ال هل ِه صلى الله عليه وسلم َقالَ‪« :‬ال ِّص َيا ُم‬ ‫ُج هن ٌة َفلا َي ْرفُ ْث َولا َي ْج َهلْ َوإِ ِن ا ْم ُر ٌؤ َقا َت َل ُه أَ ْو َشا َت َم ُه َف ْل َي ُقلْ‪ :‬إِ ِّني َصا ِئ ٌم ‪َ -‬م هر َت ْي ِن‪-‬‬ ‫َوا هل ِذي َن ْف ِسي ِب َي ِد ِه َل ُخلُو ُف َف ِم ال هصا ِئ ِم أَ ْط َي ُب ِع ْن َد ال هل ِه َت َعالَى ِم ْن ِري ِح ا ْل ِم ْس ِك‪َ ،‬ي ْت ُر ُك‬ ‫َط َعا َم ُه َو َش َرا َب ُه َو َش ْه َو َت ُه ِم ْن َأ ْجلِي‪ ،‬ال ِّص َيا ُم لِي َوأَ َنا أَ ْج ِزي ِب ِه َوا ْل َح َس َن ُة ِب َع ْش ِر‬ ‫أَ ْم َثالِ َها»‬ ‫(البخاري‪)١٨٩٤ :‬‬ ‫شرح الحديث‬ ‫وصف النبي صلى الله عليه وسلم الصوم وصفاً دقيقاً يبين فيه فائدته بالنسبة‬ ‫للصائم فقال‪ \" :‬الصوم جنة \" أي وقاية للإنسان من المعاصي‪ ،‬لأنه يكسر الشهوة‬ ‫ويسد مسالك الشيطان إلى النفس البشرية فيحميها من الخسران‪ ،‬ويصونها من‬ ‫النيران‬ ‫قال في \" الإكمال \"‪ :‬معنى الصوم جنة أنه يستر من الآثام أو من النار‪ ،‬أو من‬ ‫جميع ذلك‬ ‫ولذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم الصائم أن يحافظ على وقاية نفسه من‬ ‫مباشرة النساء‪ ،‬وصيانة لسانه من اللغو والفحش فقال‪:‬‬ ‫\" فلا يرفث ولايجهل \" أي لا يباشر النساء ولا يتلفظ بالكلمات القبيحة‬ ‫\" وإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل إني صائم \" أي فإن تعرض له أحد بالإِساءة‬ ‫فضاربه أو خاصمه أو شتمه فليقل في نفسه إني صائم وليكف عن مجاراته في‬