Important Announcement
PubHTML5 Scheduled Server Maintenance on (GMT) Sunday, June 26th, 2:00 am - 8:00 am.
PubHTML5 site will be inoperative during the times indicated!

Home Explore رياض الصالحين المائة الثانية

رياض الصالحين المائة الثانية

Published by مكتبة(ورتل) الإلكترونيه, 2021-04-19 18:37:04

Description: رياض الصالحين المائة الثانية

Search

Read the Text Version

‫المقدمة‬ ‫باب المحافظه على الأعمال‬ ‫الحديث الثالث والخمسون بعد المائة‬ ‫عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه َقالَ‪َ :‬قالَ َر ُسول الله صلى الله عليه‬ ‫وسلم‪َ (( :‬م ْن َنا َم َع ْن ِح ْزب ِه ِم َن ال َّلي ِل‪ ،‬أَ ْو َع ْن َشيء ِم ْن ُه‪َ ،‬ف َق َر َأ ُه َما َب ْي َن َصلا ِة‬ ‫ال َف ْج ِر َو َصلا ِة ال ُّظ ْه ِر‪ُ ،‬ك ِت َب َل ُه َكأَ َّن َما َق َرأَهُ ِم َن اللَّي ِل))‬ ‫( رواه مسلم)‬ ‫شرح الحديث‬ ‫قال النبي صلى الله عليه وسلم ‪( :‬من نام عن حزبه من الليل أو عن شيء‬ ‫منه) فقضاه ما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر‪ ،‬يعني فكأنما صلاه في ليلته‬ ‫هذا فيه دليل على أن الإنسان ينبغي له إذا كان يعتاد شيئا من العبادة أن‬ ‫يحافظ عليها‪ ،‬ولو بعد ذهاب وقتها‬ ‫فإذا كان الإنسان لديه عادة يصليها في الليل؛ ولكنه نام عنها‪ ،‬أو عن شيء‬ ‫منها فقضاه فيما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر؛ فكأنما صلاه في ليلته‪،‬‬ ‫ولكن إذا كان يوتر في الليل؛ فإنه إذا قضاه في النهر لا يوتر‪ ،‬ولكنه يشفع‬ ‫الوتر‪ ،‬أي يزيده ركعة‬ ‫فإذا كان من عادته أن يوتر بثلاث ركعات فليقض أربعة‪ ،‬وإذا كان منعادته‬ ‫أن يوتر بخمس فليقض ستا‪ ،‬وإذا كان من عادته أن يوتر بسبع فليقض‬ ‫ثماني وهكذا‪.‬‬ ‫وفي الحدي ِث ‪ :‬أنه ينبغي للإنسان المداومة على فعل الخير‪ ،‬وألا يدع ما‬ ‫نسيه إذا كان يمكن قضاؤه‪ ،‬أما ما لا يمكن قضاؤه فإنه إذا نسيه سقط‪ ،‬مثل‬ ‫سنة دخول المسجد التي تسمى تحية المسجد‪ ،‬إذا دخل الإنسان المسجد‪،‬‬ ‫ونسى وجلس وطالت المدة؛ فإنه لا يقضيها؛ لأن هذه الصلاة سنة مقيدة‬ ‫بسبب‪ ،‬فإذا تأخرت عنه سقطت سنتها‪ ،‬وهكذا كل ما قيد بسبب‬

‫الحديث الرابع والخمسون بعد المائة‬ ‫عن عبد الله بن َع ْمرو بن العاص َر ِض َي الله عنهما‪َ ،‬قالَ‪َ :‬قالَ َر ُسول الله صلى‬ ‫الله عليه وسلم‪َ (( :‬يا عب َد الل ِه‪ ،‬لا َت ُك ْن ِم ْثلَ ُفلان‪َ ،‬كا َن َي ُقو ُم اللَّيلَ َف َت َر َك ِق َيا َم‬ ‫ال ّلَي ِل))‬ ‫( ُم َّت َف ٌق َع َلي ِه)‬ ‫شرح الحديث‬ ‫وصى النبي عليه الصلاة والسلام عبد الله بن عمرو ألا يكون مثل فلان‬ ‫ويحتمل هذا الإبهام أن يكون من النبي عليه الصلاة والسلام وأن النبي صلى‬ ‫الله عليه وسلم أحب ألا يذكر اسم الرجل‪ ،‬ويحتمل أنه من عبد الله بن عمرو‬ ‫أبهمه لئلا يطلع عليه الرواية‪ ،‬وترك ذكر اسم الشخص فيه فائدتان‬ ‫عظيمتان‪:‬‬ ‫الفائدة الأولى‪ :‬الستر على هذا الشخص‪.‬‬ ‫الفائدة الثانية‪ :‬أن هذا الشخص ربما تتغير حاله؛ فلا يستحق الحكم الذي‬ ‫يحكم عليه في الوقت الحاضر؛ لأن القلوب بيد الله‬ ‫وفي قوله عليه الصلاة والسلام (كان يقوم من الليل فترك قيام الليل) التحذير‬ ‫من كون الإنسان يعمل العمل الصالح ثم يدعه‪ ،‬فإن هذا قد ينبئ عن رغبة‬ ‫عن الخير‪ ،‬وكراهة له‪ ،‬وهذا خطر عظيم‪ ،‬وإن كان الإنسان قد يترك الشيء‬ ‫لعذر‪ ،‬فإذا تركه لعذر‪ ،‬فإن كان مما يمكن قضاؤه قضاه وإن كان مما لا يمكن‬ ‫قضاؤه فإن الله ـ تعالى ـ يعفو عنه‪ ،‬وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم‬ ‫أن من مرض أو سافر كتب له ما كان يعمل صحيحا مقيما‪ ،‬وكذلك إذا تركه‬ ‫لعذر فإنه يقضه‪.‬‬

‫الحديث الخامس والخمسون بعد المائة‬ ‫عن عائشة رضي الله عنها‪َ ،‬قا َل ْت‪:‬‬ ‫َكا َن َر ُسول الله صلى الله عليه وسلم إِ َذا َفا َت ْت ُه ال َّصلاةُ ِم َن ال ّلَي ِل ِم ْن َو َجع أَ ْو‬ ‫َغي ِر ِه‪َ ،‬ص َّلى ِم َن ال َّنها ِر ث ْن َت ْي َعش َر َة َر ْك َعة‬ ‫(رواه مسلم)‬ ‫شرح الحديث‬ ‫عن عائشة رضي الله عنها ؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا ترك‬ ‫قيام الليل من وجع أو غيره‪ ،‬صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة‪ ،‬لأنه صلى‬ ‫الله عليه وسلم كان يوتر بإحدى عشر ركعة‬ ‫فإذا قضي الليل ولم يوتر لنوم أو شبهه؛ فإنه يقضي هذه الصلاة‪ ،‬لكن لما‬ ‫فات وقت الوتر صار المشروع أن يجعله شفعا‬ ‫بناء على ذلك‪ :‬فمن كان يوتر بثلاث ونام عن وتره فليصل في النهار أربعا‪،‬‬ ‫وإذا كان يوتر بخمس فليصل ستا‪ ،‬وإن كان يوتر بإحدى عشرة ركعة فليصل‬ ‫اثنتي عشرة ركعة‪ ،‬كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله‪.‬‬ ‫وفي هذا دليل على فائدة مهمة وهي‪:‬‬ ‫أن العبادة المؤقتة إذا فاتت عن وقتها لعذر فإنها تقضى‪ ،‬أما العبادة‬ ‫المربوطة بسبب؛ فإنه إذا زال سببها لا تقضى‪ ،‬ومن ذلك سنة دخول‬ ‫المسجد‪ ،‬إذا دخل المسجد وجلس ناسيا‪ ،‬ولم يذكر إلا بعد مدة طويلة فإن‬ ‫تحية المسجد تسقط عنه؛ لأن المقرون بسبب لابد أن يكون مواليا للسبب‪،‬‬ ‫فإن فصل بينهما سقط‬

‫المقدمة‬ ‫باب في الأمر بالمحافظة على السنة وآدابها‬ ‫الحديث السادس والخمسون بعد المائة‬ ‫عن أبي هرير َة رضي الله عنه عن ال َّنبي صلى الله عليه وسلم َقالَ‪َ (( :‬د ُعو ِني‬ ‫َما َت َر ْك ُت ُك ْم‪ ،‬إِ َّن َما أَ ْه َل َك َم ْن َكا َن َق ْب َل ُك ْم َك ْث َر ُة ُسؤالِ ِه ْم وا ْخ ِتلا ُف ُه ْم َعلَى أ ْنب َيائِ ِه ْم‪،‬‬ ‫َفإِ َذا َن َه ْي ُت ُك ْم َع ْن َش ْيء َفا ْج َتنِ ُبو ُه‪َ ،‬وإِ َذا أ َم ْر ُت ُك ْم بشيء َفأْ ُتوا ِم ْن ُه َما ا ْس َت َط ْع ُت ْم))‬ ‫( ُم َّت َف ٌق َعلَي ِه)‬ ‫شرح الحديث‬ ‫هذا الحديث له سبب‪ ،‬وهو أنه صلى الله عليه وسلم خطب وقال‪(( :‬يا أيها‬ ‫ال َّناس‪ ،‬قد فرض الله عليكم الحج فحجوا))‬ ‫فقال رجلٌ‪ :‬أ ُكلُّ عام يا رسول الله؟ فسك َت حتى قالها مرارا‪ ،‬فقال رسول الله‬ ‫صلى الله عليه وسلم‪(( :‬لو قلت‪ :‬نعم‪ .‬لوجبت‪ ،‬ولما استطعتم))‪ ،‬ثم قال‪:‬‬ ‫((دعوني ما تركتكم‪ ))..‬الحديث‬ ‫وهو من قواعد الإسلام المهمة‪ ،‬قال الله تعالى‪َ { :‬و َما آ َتا ُك ُم ال َّر ُسولُ َف ُخ ُذو ُه‬ ‫َو َما َن َها ُك ْم َع ْن ُه َفا ْن َت ُهوا} [الحشر‪ .]59 :‬وقال تعالى‪َ { :‬فا َّت ُقوا ال َّلهَ َما‬ ‫ا ْس َت َط ْع ُت ْم} [التغابن‪]16 :‬‬ ‫(دعوني ما تركتكم) وفي روايه (ذروني ما تركتكم)‬ ‫قاله النبي عليه الصلاة والسلام لأن بعض الصحابة من حرصهم على العلم‬ ‫ومعرفة السنة كانوا يسألون النبي صلى الله عليه وسلم عن أشياء قد لا‬ ‫تكون حراما فتحرم من أجل مسألتهم أو قد لا تكون واجبة فتجب من أجل‬ ‫مسألتهم‬ ‫فلهذا أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعوه وأن يتركوا ما تركه ما دام‬ ‫لم يأمرهم ولم ينهاهم فليحمدوا الله على العافية ثم علل ذلك بقوله‬

‫(فإنما أهلك من كان قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم) اي إنما‬ ‫هلكت الأمم السابقة بسبب كثرة أسئلتهم لغير حاجة وضرورة‬ ‫وكثرة مخالفتهم وعصيانهم لأنبيائهم‬ ‫فالذين من قبلنا أكثروا المسائل على الأنبياء فشدد عليهم كما شددوا على‬ ‫أنفسهم ثم اختلفوا على أنبيائهم أيضا فليتهم لما سألوا فأجيبوا قاموا بما‬ ‫يلزمهم ولكنهم اختلفوا على الأنبياء والاختلاف على الأنبياء يعني مخالفتهم‬ ‫‪ ،‬وهنا أن كثرة السؤال للأنبياء قد تسبب شدة الأمر على الأمة‬ ‫ففي عهد النبي صلى الله عليه وسلم لا ينبغي أن يسأل عن شيء مسكوت‬ ‫عنه ولهذا قال ‪ \":‬دعوني ما تركتكم فإنما أهلك الذين من قبلكم كثرة‬ ‫مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم\"‬ ‫أما في عهدنا وبعد انقطاع الوحي بموت النبي صلى الله عليه وسلم فاسأل‬ ‫اسأل عن كل شيء تحتاج إليه لأن الأمر مستقر الآن وليس هناك زيادة ولا‬ ‫نقص لكن في عهد التشريع يمكن أن يزاد ويمكن أن ينقص‬ ‫ثم قال صلى الله عليه وسلم (فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه وإذا أمرتكم‬ ‫بشيء فأتوا منه ما استطعتم)‬ ‫فعمم في النهي وخص في الأمر‬ ‫أما في النهي فقال ( فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه)‬ ‫يعني الشيء الذي انهاكم عنه اجتنبوه كله ولاتفعلوا منه شيئا‪ ،‬وذلك لأن‬ ‫المنهي عنه متروك فالنهي أمر بالترك‬ ‫والترك ليس فيه مشقة كل إنسان يستطيع أن يترك وليس عليه مشقة ولا‬ ‫ضرر فما نهانا عنه فإننا نجتنبه إلا أن هذا مقيد بالضرورة فإذا اضطر‬ ‫الإنسان إلى شيء محرم وكان لا يجد سواه وتندفع به ضرورته فإنه حلال‬ ‫لقول الله تعالى { وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه }‬

‫فيكون قول الرسول صلى الله عليه وسلم (فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه)‬ ‫يكون مقيدا بحال الضرورة يعني أنه إذا وجدت ضرورة إلى شيء محرم‬ ‫صار هذا المحرم حلالا بشرطين ‪:‬‬ ‫الشرط الأول أن لا تندفع ضرورته بسواه‬ ‫والشرط الثاني أن يكون مزيلا للضرورة‬ ‫(وإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم)‬ ‫فهذا يوافق قول الله عز وجل { فاتقوا الله ما استطعتم } يعني إذا أمرنا بأمر‬ ‫فإننا نأتي منه ما استطعنا وما لا نستطيعه يسقط عنا‬ ‫وتأمل قوله (و إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم)‬ ‫بخلاف النهي لأن الأمر فعل وقد يكون شاقا على النفس ولا يستطيع الإنسان‬ ‫أن يقوم به فلهذا قيده بقوله (فأتوا منه ما استطعتم) ولهذا قال العلماء لا‬ ‫واجب مع عجز ولا محرم مع الضرورة‬ ‫والشاهد من هذا الحديث قول النبي صلى الله عليه وسلم‬ ‫( فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه وإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم)‬ ‫فإن هذا يدخل في المحافظة على السنة وآدابها وأما ما سكت عنه النبي‬ ‫صلى الله عليه وسلم فهو معفو عنه وهذا من رحمة الله فالأشياء إما مأمور‬ ‫بها أو منهي عنها أو مسكوت عنها‬ ‫فما سكت عنه الله ورسوله فإنه عفو لا يلزمنا فعله ولا تركه‬ ‫وفي الحدي ِث ‪ :‬ال َّنه ُي عن الاختلا ِف وكثر ِة الأسئل ِة ِمن غير َضرورة؛ لأ َّنه‬ ‫ُت ُو ِّع َد عليه بالهلاك‪ ،‬والوعي ُد على ال َّشي ِء دليلٌ على َكونِه كبيرة‪ ،‬والاختلا ُف‬ ‫المذموم ما ُيؤ ِّدي إلى كفر أو بِدعة‪.‬‬ ‫وفيه‪ :‬الأم ُر بطاع ِة ال َّرسو ِل ص َّلى الله عليه وس َّلم‪ ،‬وال َّتم ُّس ِك ب ُس َّن ِته‪ ،‬والعم ِل‬ ‫بأقوالِه وأفعالِه ‪ ،‬والوقو ِف عن َدها أمرا ونهيا‪.‬‬ ‫وفيه‪ :‬دليلٌ على أ َّن ال ُّس َّن َة هي المصد ُر ال َّثاني من مصاد ِر ال َّتشري ِع الإِسلام ِّي‪.‬‬

‫الحديث السابع والخمسون بعد المائة‬ ‫عن أَبي َنجيح ال ِعربا ِض ب ِن َسارية رضي الله عنه َقالَ‪َ :‬و َع َظ َنا رسولُ اللهِ‬ ‫صلى الله عليه وسلم َموعظة َبلي َغة َو ِجلَ ْت ِم ْن َها ال ُقلُو ُب‪َ ،‬و َذ َر َف ْت ِم ْن َها ال ُع ُيو ُن‪،‬‬ ‫َفقُ ْل َنا‪َ :‬يا رسولَ الل ِه‪َ ،‬كأَ َّن َها َم ْو ِع َظ ُة ُم َو ِّدع َفأ ْو ِص َنا‪َ ،‬قالَ‪(( :‬أُو ِصي ُك ْم بِ َت ْق َوى‬ ‫اللهِ‪َ ،‬وال َّس ْم ِع َوال َّطا َع ِة َوإ ْن َتأ َّمر َعلَ ْي ُك ْم َع ْب ٌد ‪ ،‬فإِ َّن ُه َم ْن َي ِع ْش ِم ْن ُك ْم بعدي‬ ‫َف َس َي َرى اخ ِتلافا َكثيرا‪َ ،‬ف َعل ْي ُك ْم ب ُس َّنتِي و ُس َّن ِة ال ُخلَفا ِء ال َّرا ِش ِدي َن ال َم ْه ِديِ ِّي َن‬ ‫َع ُّضوا َع َل ْي َها بال َّنوا ِج ِذ‪َ ،‬وإِ َّيا ُك ْم َو ُم ْح َد َثا ِت الأُ ُمو ِر؛ فإ َّن كلَّ بدعة ضلالة))‬ ‫رواه أَ ُبو داود والترمذي‪َ ،‬وقالَ‪(( :‬حديث حسن صحيح))‬ ‫شرح الحديث‬ ‫(وعظنا) الوعظ ‪ :‬هو التذكير المقرون بالترغيب أو الترهيب‬ ‫وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتخول أصحابه بالموعظة ولا يكثر عليهم‬ ‫مخافة السآمة‬ ‫قوله (وجلت منها القلوب) أي خافت‪\" ،‬وذرفت منها العيون\" أي بكت حتى‬ ‫ذرفت دموعها‪ ،‬فقلنا ‪( :‬يا رسول الله كأنها موعظة مودع فأوصنا)‬ ‫لأن موعظة المودع تكون موعظة بالغة قوية فأوصنا‬ ‫وهذا من فقه الصحابة رضي الله عنهم أنهم استغلوا هذه الفرصة ليوصيهم‬ ‫النبي صلى الله عليه وسلم بما فيه خير‬ ‫قال ‪( :‬أوصيكم بتقوى الله عزوجل) وتقوى الله اتخاذ وقاية من عقابه بفعل‬ ‫أوامره واجتناب نواهيه وهذا حق الله عزوجل‬ ‫(والسمع والطاعة) ‪ :‬يعني لولاة الأمور أي اسمعوا ما يقولون وما به‬ ‫يأمرون واجتنبوا ما عنه ينهون‬ ‫(وإن تأمر عليكم عبد) يعني وإن كان الأمير عبدا فأسمعوا له وأطيعوه ‪،‬‬ ‫وهذا هو مقتضى عموم الآية ( َيا أَ ُّي َها الَّ ِذي َن آ َم ُنوا َأ ِطي ُعوا ال َّلهَ َوأَ ِطي ُعوا‬ ‫ال َّر ُسولَ َوأُو ِلي ا ْل َأ ْم ِر ِم ْن ُك ْم ‪[ )...‬النساء‪]59‬‬

‫(فإنه من يعش منكم بعدي) أي من تطول حياته فسيرى اختلافاً كثيراً ووقع‬ ‫ذلك كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم فقد حصل الاختلاف الكثير في زمن‬ ‫الصحابة رضي الله عنهم وفيما بعدهم‬ ‫ثم أمر صلى الله عليه وسلم بأن نلتزم بسنته أي بطريقته وطريقة الخلفاء‬ ‫الراشدين المهديين‪ ،‬والخلفاء الذين خلفوا النبي صلى الله عليه وسلم في‬ ‫أمته علما وعبادة ودعوة وعلى رأسهم الخلفاء الأربعة أبوبكر وعمر‬ ‫وعثمان وعلي رضي الله عنهم‬ ‫(المهديين) وصف كاشف‪ ،‬لأن كل رشاد فهو مهدي ومعنى المهدين الذين‬ ‫هدوا أي هداهم الله عزوجل لطريق الحق‬ ‫(عضوا عليها بالنواجذ) وهي أقصى الأضراس وهو كناية عن شدة التمسك‬ ‫بها‪.‬‬ ‫ثم حذر النبي صلى الله عليه وسلم من محدثات الأمور فقال‪:‬‬ ‫(إياكم) أي أحذركم من محدثات الأمور‬ ‫وهي ما أحدث في الدين بلا دليل شرعي وذلك لأنه لما امر بلزوم السنة حذر‬ ‫من البدعة وقال ‪( :‬فإن كل بدعة ضلالة)‬ ‫وفي الحدي ِث فوائد منها ‪ :‬حرص النبي صلى الله عليه وسلم على موعظة‬ ‫أصحابه ‪ ،‬حيث يأتي بالمواعظ المؤثرة التي توجل لها القلوب وتذرف منها‬ ‫الأعين ‪.‬‬ ‫ومنها ‪ :‬الوصية بتقوى الله عزوجل ‪ ،‬فهذه الوصية هي وصية الله في‬ ‫الأولين والآخرين لقوله تعالى ( َو َل َق ْد َو َّص ْي َنا الَّ ِذي َن أُو ُتوا ا ْل ِك َتا َب ِم ْن َق ْبلِ ُك ْم‬ ‫َوإِ َّيا ُك ْم أَ ِن ا َّت ُقوا ال َّل َه ‪[ )...‬النساء‪. ]131‬‬ ‫ومنها ‪ :‬الوصية بالسمع والطاعة لولاة الأمور وقد أمر الله بذلك في قوله {‬ ‫َيا أَ ُّي َها ا َلّ ِذي َن آ َم ُنوا أَ ِطي ُعوا ال َّل َه َو َأ ِطي ُعوا ال َّر ُسولَ َوأُو ِلي ا ْل َأ ْم ِر ِم ْن ُك ْم ‪}...‬‬ ‫[النساء‪ ]59‬وهذا الأمر مشروط بأن لا يؤمر بمعصية الله ‪ ،‬فإن أمر‬

‫بمعصية فلا سمع ولا طاعة في معصية الله لقول النبي صلى الله عليه وسلم‬ ‫‪ -‬إنما الطاعة في المعروف‬ ‫ومن هنا نتبين الفائدة في قوله تعالى ‪َ {:‬يا أَ ُّي َها ا َّل ِذي َن آ َم ُنوا أَ ِطي ُعوا ال َّل َه‬ ‫َوأَ ِطي ُعوا ال َّر ُسولَ َوأُولِي ا ْلأَ ْم ِر ِم ْن ُك ْم ‪[ } ...‬النساء‪]59‬‬ ‫حيث لم يعد الفعل عند ذكر طاعة أولياء الأمور بل جعلها تابعة لطاعة الله‬ ‫ورسوله‬ ‫ومنها ‪ :‬طلب الوصية من أصحاب العلم ‪.‬‬ ‫ومنها ‪ :‬ظهور آية من آيات الرسول صلى الله عليه وسلم حيث قال ‪( :‬من‬ ‫يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا) والذين عاشوا من الصحابة رأوا‬ ‫اختلافا كثيرا‬ ‫ومن فوائد الحديث ‪ :‬لزوم التمسك بسنة الرسول عليه الصلاة والسلام لا‬ ‫سيما عند الاختلاف والتفرق ولهذا قال ‪( :‬فعليكم بسنتي)‬ ‫ومن فوائد الحديث ‪ :‬التحذير من محدثات الأمور ‪ ،‬والمراد بها المحدثات في‬ ‫الدين‬ ‫ومن فوائد الحديث ‪ :‬أن كل بدعة ضلالة ‪ ،‬وأنه ليس في البدع ما هو‬ ‫مستحسن كما زعمه بعض العلماء ‪ ،‬بل كل البدع ضلالة فمن ظن أن البدعة‬ ‫حسنة فإنها لا تخلو من أحد أمرين ‪ :‬إما أنها ليست بدعة وظنها الناس‬ ‫بدعة‪ ،‬وإما أنها ليست حسنة وظن هو أنها حسنة‬ ‫وأما أن تكون بدعة وحسنة فهذا مستحيل بقول النبي صلى الله عليه‬ ‫وسلم(فإن كل بدعة ضلالة)‬

‫الحديث الثامن والخمسون بعد المائة‬ ‫َع ْن أَبي هرير َة رضي الله عنه‪ :‬أ َّن َر ُسول الله صلى الله عليه وسلم َقالَ‪ُ (( :‬كلُّ‬ ‫أُ َّمتِي َيد ُخلُو َن ال َج َّن َة إلا َم ْن أ َبى))‪ .‬قيلَ‪َ :‬و َم ْن َيأ َبى َيا َر ُسول الله؟ َقالَ‪َ (( :‬م ْن‬ ‫أَ َطا َع ِني َد َخلَ ال َج َّن َة‪َ ،‬و َم ْن َع َصانِي َف َق ْد أ َبى))‬ ‫(رواه البخاري)‬ ‫شرح الحديث‬ ‫معنى الحديث ‪ :‬أن أمته التي تطيعه وتتبع سبيله تدخل الجنة‪ ،‬ومن لم يتبعه‬ ‫فقد أبى‪ ،‬من تابع الرسول صلى الله عليه وسلم ووحد الله‪ ،‬واستقام على‬ ‫الشريعة فأدى الصلوات وأدى الزكاة‪ ،‬وصام رمضان‪ ،‬وبر والديه وكف عن‬ ‫محارم الله فهذا يدخل الجنة؛ لأنه تابع الرسول صلى الله عليه وسلم‬ ‫أما من أبى ولم ينقد للشرع فهذا معناه‪ :‬قد أبى‪ ،‬معناه أنه امتنع من دخول‬ ‫الجنة بأعماله السيئة‬ ‫فالواجب على المسلم أن ينقاد لشرع الله وأن يتبع محمدا عليه الصلاة‬ ‫والسلام فيما جاء به‪ ،‬فاتباعه صلى الله عليه وسلم من أسباب المحبة محبة‬ ‫الله للعبد‪ ،‬ومن أسباب المغفرة ومن أسباب دخول الجنة‬ ‫أما عصيانه ومخالفته‪ ،‬فذلك من أسباب غضب الله ومن أسباب دخول النار‬ ‫ومن فعل ذلك فقد أبى‪ ،‬فمن امتنع من طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم‬ ‫فقد أبى دخول الجنة‪ ،‬فالواجب على كل عاقل‪ ،‬وعلى كل مسلم أن يوحد الله‪،‬‬ ‫وأن يلتزم بالإسلام‪ ،‬وأن يتبع الرسول صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬ويطيع أوامره‬ ‫وينتهي عن نواهيه فهذا هو سبيل الجنة وهذا هو طريقها‪ ،‬ومن امتنع من‬ ‫هذا فقد أبى‬

‫الحديث التاسع والخمسون بعد المائة‬ ‫عن أَبي مسلم‪ ،‬وقيل‪ :‬أَبي إياس َسلمة ب ِن عمرو ب ِن الأكوع رضي الله عنه‬ ‫أ َّن َر ُجلا أَ َكلَ ِع ْن َد َر ُسول الله صلى الله عليه وسلم ِب ِش َمالِ ِه‪َ ،‬ف َقالَ‪ُ (( :‬كلْ‬ ‫بِ َي ِمين َك)) َقالَ‪ :‬لا أ ْس َتطي ُع‬ ‫َقالَ‪(( :‬لاَ اس َت َط ْع َت))‪َ .‬ما َم َن َع ُه إلا ال ِك ْب ُر‪ ،‬ف َما َر َف َع َها إِ َلى فِي ِه‬ ‫( رواه مسلم)‬ ‫شرح الحديث‬ ‫هذا الرجل أكل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بشماله‪ ،‬وهذا مقام يتعين‬ ‫فيه التعليم والإنكار‬ ‫فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ( :‬كل بيمينك)‬ ‫وهذا فيه تعليم‪ ،‬وهو أبلغ مما لو قال له‪ :‬لا تأكل بشمالك‬ ‫قال‪( :‬كل بيمينك) فهذا متضمن للنهي عن الأكل بالشمال‪ ،‬وفيه تعليم للهدي‬ ‫الكامل والسنة في الأكل‬ ‫قال‪\" :‬لا أستطيع\"‬ ‫الذي يظهر هنا أنه لم يكن به بأس ولا علة‪ ،‬ولو كان به علة أولا فإن ذلك‬ ‫قد يلاحظ بالنسبة للنبي صلى الله عليه وسلم فلا يأمره بما لا يستطيع‪ ،‬ومن‬ ‫جهة أخرى النبي صلى الله عليه وسلم دعا عليه ولو كان به بأس أو علة‪،‬‬ ‫أو كان ذلك لعذر ما دعا عليه‬ ‫فقال الرجل‪\" :‬لا أستطيع\" فالحامل له على ذلك هو الكبر‬ ‫لما قال له النبي صلى الله عليه وسلم ‪( :‬كل بيمينك)‬ ‫حصل عنده شيء من عزة النفس أخذته العزة بالإثم‪ ،‬فقال‪\" :‬لا أستطيع\"‪،‬‬ ‫وهذا عذر كاذب‪ ،‬ورد لأمر النبي صلى الله عليه وسلم‬ ‫قال ‪\" :‬ما منعه إلا الكبر\"‬

‫فالنبي صلى الله عليه وسلم دعا عليه فقال‪ ( :‬لا استطعت)‬ ‫قال‪ :‬فما رفعها إلى ِفيه‪ ،‬يعني كأن يده قد ُشلت‪.‬‬ ‫وفي الحدي ِث ‪ :‬بيا ُن َهد ِيه ص َّلى اللهُ عليه وسلَّم في َتناو ِل ال َّطعا ِم‪.‬‬ ‫وفيه‪ :‬الأ ْم ُر بِالأك ِل ِباليمي ِن‪.‬‬ ‫وفيه‪ :‬الأم ُر بِالمعرو ِف وال َّنه ُي َع ِن الم ْنك ِر في كلِّ حال‪.‬‬ ‫وفيه‪ :‬أ َّن ِمن ه ْديِه ص َّلى اللهُ عليه وس َلّم ال ُّدعا َء على َمن قص َد ال ُخرو َج َعن‬ ‫أحكا ِم ال َّشريع ِة ع ْمدا‬

‫الحديث الستون بعد المائة‬ ‫عن أَبي عب ِد الله النعمان بن بشير َرض َي الله عنهما‪َ ،‬قالَ‪ :‬سمعت َر ُسول الله‬ ‫صلى الله عليه وسلم يقول‪:‬‬ ‫((لَ ُت َس ُّو َّن ُصفُو َف ُك ْم‪ ،‬أَ ْو َل ُي َخالِ َف َّن اللهُ َب ْي َن ُو ُجو ِه ُك ْم))‬ ‫( ُم َّت َف ٌق َعلَي ِه)‬ ‫شرح الحديث‬ ‫وفي رواية لمسلم‪َ :‬كا َن َر ُسول الله صلى الله عليه وسلم ُي َس ِّوي ُص ُفو َف َنا حتى‬ ‫كأ َّنما ُي َس ِّوي بِ َها ال ِق َدا َح َح َّتى إِ َذا َرأَى أَ َّنا َق ْد َع َق ْل َنا َع ْن ُه‪ُ .‬ث َّم َخ َر َج َيوما فقا َم‬ ‫َح َّتى َكا َد أ ْن ُي َك ِّب َر فرأَى َرجلا َباديا َص ْد ُر ُه‪َ ،‬ف َقالَ‪ِ (( :‬ع َبا َد الله‪ ،‬لَ ُت َس ُّو َّن ُصفُو َف ُك ْم‬ ‫أَ ْو لَ ُي َخالِ َف َّن اللهُ َب ْي َن ُو ُجو ِه ُك ْم))‬ ‫عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‪:‬‬ ‫(لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم)‬ ‫الجملة الأولى مؤكدة بثلاث مؤكدات ‪:‬‬ ‫بالقسم المقدر واللام لتسون ونون التوكيد‬ ‫(أو ليخالفن الله بين وجوهكم) يعني إن لم تسون الصفوف خالف الله بين‬ ‫وجوهكم وهذه الجملة أيضا مؤكدة بثلاث مؤكدات ‪ :‬بالقسم واللام والنون‬ ‫واختلف العلماء ‪ -‬رحمهم الله ‪ -‬في معنى مخالفة الوجه‬ ‫فقال بعضهم‪ :‬إن المعنى أن الله يخالف بين وجوههم مخالفة حسية بحيث‬ ‫يلوي الرقبة حتى يكون وجه هذا مخالف لوجه هذا والله على كل شيء قدير‬ ‫‪ ،‬هذه عقوبة حسية‬ ‫وقال بعض العلماء المراد بالمخالفة المعنوية يعني مخالفة القلوب لأن القلب‬ ‫له اتجاه فإذا اتفقت القلوب على وجهة واحدة حصل في هذا الخير الكثير‬ ‫وإذا اختلفت تفرقت الأمة‬

‫فالمراد بالمخالفة مخالفة القلوب وهذا التفسير أصح لأنه قد ورد في بعض‬ ‫الألفاظ (أو ليخالفن الله بين قلوبكم)‬ ‫فالمراد بقوله‪( :‬أو ليخالفن الله بين وجوهكم) أي بين وجهات نظركم وذلك‬ ‫باختلاف القلوب‬ ‫ففي هذا دليل على وجوب تسوية الصفوف وأنه يجب على المأمورين أن‬ ‫تسوى صفوفهم وأنهم إن لم يفعلوا ذلك فقد عرضوا أنفسهم لعقوبة الله‬ ‫و على الأئمة أن ينظروا في الصف فإذا وجدوا فيه اعوجاجا أو تقدما أو‬ ‫تأخرا نبهوا على ذلك وكان النبي صلى الله عليه وسلم أحيانا يمشي على‬ ‫الصفوف ويسويها بيده الكريمة عليه الصلاة والسلام من أول الصف لآخره‬ ‫وقد ذ َكر العلما ُء في معنى تسوي ِة ال َّص ِّف أمورا‪:‬‬ ‫▪أ َّولها‪ :‬أ َّن حصولَ الاستقام ِة والاعتدا ِل مطلو ٌب ظاهرا وباطنا‪.‬‬ ‫▪ثانيها‪ :‬لئ َّلا يتخلَّ َلهم ال َّشيطا ُن ف ُيف ِس َد صلا َتهم بالوسوس ِة‪.‬‬ ‫▪ثالثها‪ :‬ما في ذلك ِمن ُحس ِن الهيئ ِة‪.‬‬ ‫▪رابعها‪ :‬أ َّن في ذلك تم ُّك َنهم ِمن صلاتِهم مع كثر ِة جم ِعهم‪ ،‬فإذا ترا ُّصوا‬ ‫َو ِس َع جمي َعهم المسج ُد‪ ،‬وإذا لم يف َعلوا ذلك ضاق عنهم‪.‬‬ ‫ثم قال في رواية كان النبي صلى الله عليه وسلم يسوي صفوفنا كأنما يسوى‬ ‫بها القداح‬ ‫والقداح هي خشب السهام حين تنحت وتبرى‪ ،‬وكانوا يسوونها تماما بحيث‬ ‫لا يتقدم شيء على شيء مثل المشط يكون مستويا‬ ‫فالمعنى أنه كان يبالغ في تسوية الصفوف كأنما يسوى بها القداح لشدة‬ ‫استوائها واعتدالها‬ ‫\"حتى إذا رأى أنا قد عقلنا عنه\" يعني فهمنا وعرفنا أن التسوية لابد منها‬ ‫خرج ذات يوم فرأى رجلا باديا صدره‬

‫فقال ‪ ( :‬عباد الله لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم) فدل هذا‬ ‫على سبب قول الرسول صلى الله عليه وسلم لتسون صفوفكم لأن سببه‬ ‫التسوية أنه رأى رجلا باديا صدره فقط يعني ظاهرا صدره قليلا من على‬ ‫الصف فدل ذلك على أن من هدى النبي صلى الله عليه وسلم أنه يتفقد‬ ‫الصف وأنه يتوعد من يتقدم على الصف بهذا الوعيد لتسون صفوفكم أو‬ ‫ليخالفن الله بين وجوهكم‬

‫الحديث الحادي والستون بعد المائة‬ ‫عن أَبي موسى رضي الله عنه َقالَ‪ :‬ا ْح َتر َق َب ْي ٌت بال َم ِدي َن ِة َعلَى أ ْهلِ ِه ِم َن ال َّلي ِل‪،‬‬ ‫َفلَ َّما ُح ِّد َث رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ب َشأ ِن ِه ْم‪َ ،‬قالَ‪:‬‬ ‫((إ َّن ه ِذ ِه ال َّنا َر َع ُدو َل ُك ْم‪َ ،‬فإِ َذا ِن ْم ُت ْم‪َ ،‬فأ ْط ِف ُئو َها َع ْن ُك ْم))‬ ‫( ُم َّت َف ٌق َعلَي ِه)‬ ‫شرح الحديث‬ ‫ُح ِّد َث رسولُ الله ص َّلى الله عليه وس َّلم بشأ ِن بيت اح َت َرق في المدين ِة‪ ،‬فن َّبه‬ ‫ص َلّى الله عليه وس َّلم على ضر ِر ال َّنار وخط ِرها إذا لم ُتح َفظ و ُترا َع‪ ،‬ح َّتى‬ ‫س َّماها َع ُدوا للنا ِس‪ ،‬وأ َمرهم بأن ُيط ِفئوا النا َر عند إرادة ال َّنو ِم ح َّتى لا َتنت ِش َر‬ ‫في غفلة منهم‬ ‫فقد وقع في عهﺪ الﻨﺒي صلى الله عليه وسلم أن قﻮما احﺘﺮق علﻴهﻢ بﻴﺘهﻢ في‬ ‫اللﻴﻞ‪ ،‬فﺒلغ ذلﻚ الﻨﺒي صلى الله عليه وسلم فقال‪:‬‬ ‫((إن هﺬه الﻨار عﺪو لﻜﻢ‪ ،‬فإذا نﻤﺘﻢ فأﻃفﺌﻮها عﻨﻜﻢ))‬ ‫هﺬه الﻨار الﺘي خلقها الله عﺰ وجﻞ وأنﺸأ شﺠﺮتها‪ ،‬وامﺘﻦ الله بها على‬ ‫عﺒاده‪ ،‬فقال سﺒﺤانه وتعالى ‪:-‬‬ ‫﴿ أَ َف َرأَ ْي ُت ُم ال َّنا َر ا ّلَتِي ُتو ُرو َن * أَأَ ْن ُت ْم أَ ْن َشأْ ُت ْم َش َج َر َت َها أَ ْم َن ْح ُن ا ْل ُم ْن ِش ُئو َن ﴾‬ ‫[الواقعة‪]72 - 71 :‬‬ ‫والﺠﻮاب‪ :‬بﻞ أنﺖ يا ربﻨا الﺬي أنﺸأتها‬ ‫﴿ َن ْح ُن َج َع ْل َنا َها َت ْذ ِك َرة َو َم َتاعا لِ ْل ُم ْق ِوي َن ﴾ [الواقعة‪]73 :‬‬ ‫تﺬكﺮة يﺘﺬكﺮ الإنﺴان بها جهﻨﻢ‪ ،‬فإن هﺬه الﻨار جﺰﺀ مﻦ سﺘﻴﻦ جﺰءا مﻦ نار‬ ‫جهﻨﻢ‪ ،‬كﻞ نار الﺪنﻴا الﺸﺪيﺪة الﺤﺮارة والﺨفﻴفة‪ ،‬كلها جﺰﺀ مﻦ سﺘﻴﻦ جﺰءا‬ ‫مﻦ نار جهﻨﻢ‬ ‫و يقﻮل تعالى‪َ ﴿ :‬و َم َتاعا لِ ْل ُم ْق ِوي َن}‬

‫يعﻨي‪ :‬جعلﻨاها مﺘاعا للﻤﺴافﺮيﻦ‪ ،‬وغﻴﺮهﻢ مﻦ الﻤﺤﺘاجﻴﻦ إلﻴها‪ ،‬يﺘﻤﺘعﻮن‬ ‫بها‪ ،‬ويﺴﺘﺪفﺌﻮن بها في الﺸﺘاﺀ‪ ،‬ويﺴﺨﻨﻮن بها مﻴاههﻢ‪ ،‬ويﻄﺒﺨﻮن علﻴها‬ ‫أﻃعﻤﺘهﻢ؛ ففﻴها فﻮائﺪ ومﻨافع‪ ،‬ولﻜﻦ قﺪ تﻜﻮن مﻀﺮة‬ ‫كﻤا قال الﻨﺒي صلى الله عليه وسلم في هﺬا الﺤﺪيﺚ‪:‬‬ ‫((إن هﺬه الﻨارعﺪو لﻜﻢ))‬ ‫فهي عﺪو إذا لﻢ يﺤﺴﻦ الإنﺴان ضﺒﻄها وقﻴﺪها‪ ،‬وصارت عﺪوا إذا فﺮط فﻴها‬ ‫أو تعﺪى؛ فرط فﻴها بأن لﻢ يﺒعﺪ ما تﻜﻮن سﺒﺒا لاشﺘعاله‪ ،‬أو تعﺪى فﻴها بأن‬ ‫أوقﺪها حﻮل ما يﺸﺘعﻞ سﺮيعا؛ كالﺒﻨﺰيﻦ والغاز وما أشﺒه ذلﻚ؛ فإنها تﻜﻮن‬ ‫عﺪوا للإنﺴان‪.‬‬ ‫وفي هﺬا دلﻴﻞ على‪ :‬أن الإنﺴان يﻨﺒغي أن يﺘﺨﺬ الاحﺘﻴاط في الأمﻮر الﺘي‬ ‫يﺨﺸى شﺮها؛ ولهﺬا أمﺮ الإنﺴان عﻨﺪ الﻨﻮم أن يﻄفئ الﻨار‬ ‫وإذا كان هﺬا في نار الﺪنﻴا‪ ،‬فﻜﺬلﻚ يﺠﺐ أن يﺤﺘﺮس مﻤا يﻜﻮن سﺒﺒا لعﺬاب‬ ‫الﻨار في الآخﺮة مﻦ أسﺒاب الﻤعاصي ووسائلها‬

‫الحديث الثاني والستون بعد المائة‬ ‫َع ْن أبي موسى رضي الله عنه َقالَ‪َ :‬قالَ َر ُسول الله صلى الله عليه وسلم‪:‬‬ ‫((إ َّن َم َثلَ َما َب َع َثنِي الله ِب ِه ِم َن ال ُه َدى وال ِع ْلم َك َم َث ِل َغيث أَ َصا َب أ ْرضا َف َكا َن ْت‬ ‫ِم ْن َها َطائِف ٌة َط ِّي َب ٌة‪َ ،‬ق ِبلَ ِت ال َما َء َفأَ ْن َب َت ِت ال َكلأَ وال ُع ْش َب ال َك ِثي َر‪َ ،‬و َكا َن ِم ْن َها أَ َجا ِد ُب‬ ‫أم َس َك ِت ال َماء َف َن َف َع اللهُ ِب َها ال َّنا َس َف َشر ُبوا ِم ْن َها َو َس ُقوا َو َز َر ُعوا‪َ ،‬وأَ َصا َب‬ ‫َطائفة ِم ْن َها أ ْخ َرى إ َّن َما ِه َي قي َعا ٌن لا ُت ْم ِس ُك َماء َولا ُت ْنبِ ُت َكلأ‪َ ،‬ف َذلِ َك َم َثلُ َم ْن‬ ‫َفقُ َه في ِدي ِن اللهِ َو َن َف َع ُه ب َما َب َع َثنِي الله ِب ِه َف َعلِ َم َو َع ّلَ َم‪َ ،‬و َم َثلُ َم ْن لَ ْم َي ْر َف ْع ِب َذلِ َك‬ ‫َرأسا َو َل ْم َي ْق َبلْ ُه َدى اللهِ ا َلّ ِذي أُ ْر ِس ْل ُت ِب ِه))‬ ‫( ُم َّت َف ٌق َع َلي ِه)‬ ‫شرح الحديث‬ ‫قال القرطبي ‪ :‬هذا مثل ضربه النبي صلى الله عليه وسلم لما جاء به من‬ ‫الدين‪ ،‬وشبه السامعين له بالأرض المختلفة‬ ‫فمنهم ‪ :‬العالم العامل المعلم‪ ،‬فهو بمنزلة الأرض الطيبة شربت فانتفعت في‬ ‫نفسها‪ ،‬وأنبتت فنفعت غيرها‪.‬‬ ‫ومنهم‪ :‬الجامع للعلم المستغرق لزمانه فيه‪ ،‬غير أنه لم يعمل بنوافله أو لم‬ ‫يتف َّقه فيما جمع‪ ،‬لكنه أ َّداه لغيره فهو بمنزلة الأرض التي يستقر فيها الماء‬ ‫فينتفع الناس به‪ ،‬وهو المشار إليه بقوله‪(( :‬ن َّضر الله امرءا سمع مقالتي‪،‬‬ ‫فأ َّداها كما سمعها))‪.‬‬ ‫ومنهم‪ :‬من يسمع العلم فلا يحفظه‪ ،‬ولا يعمل به‪ ،‬ولا ينقله لغيره‪ ،‬فهو‬ ‫بمنزلة الأرض السبخة‪ ،‬أو الملساء التي لا تقبل الماء‪ ،‬أو تفسده‬ ‫(مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضا)‬ ‫الغيث يعني المطر فكانت هذه الأرض ثلاثة أقسام‪:‬‬ ‫قسم رياض قبلت الماء وأنبتت العشب الكثير والزرع فانتفع الناس بها‬ ‫وقسم آخر قيعان أمسكت الماء وانتفع الناس به فاستقوا منه ورووا منه‬

‫والقسم الثالث أرض سبخة ابتلعت الماء ولم تنبت الكلأ‬ ‫فهكذا الناس بالنسبة لما بعث الله به النبي صلى الله عليه وسلم من العلم‬ ‫والهدي منهم من فقه في دين الله فعلم وعلم وانتفع الناس بعلمه وانتفع هو‬ ‫بعلمه وهذا كمثل الأرض التي أنبتت العشب والكلأ فأكل الناس منها وأكلت‬ ‫منها مواشيه‬ ‫والقسم الثاني في قوم حملوا الهدي ولكن لم يفقهوا في هذا الهدى شيئا‬ ‫بمعنى أنهم كانوا رواة للعلم والحديث لكن ليس عندهم فقه فهؤلاء مثلهم‬ ‫مثل الأرض التي حفظت الماء واستقى الناس منه وشربوا منه لكن الأرض‬ ‫نفسها لم تنبت شيئا لأن هؤلاء يروون أحاديث وينقلونها ولكن ليس عندهم‬ ‫فيها فقه وفهم‬ ‫والقسم الثالث من لم يرفع بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من العلم‬ ‫والهدى رأسا وأعرض عنه ولم يبال به فهذا لم ينتفع بما جاء به النبي عليه‬ ‫الصلاة والسلام ولم ينفع غيره فمثله كمثل الأرض التي ابتلعت الماء ولم‬ ‫تنبت شيئا ‪.‬‬ ‫وفي الحدي ِث ‪ :‬دليل على أن من فقه في دين الله وعلم من سنة رسول الله‬ ‫صلى الله عليه وسلم ما يعلم فإنه خير الأقسام لأنه علم وفقه لينتفع وينفع‬ ‫الناس‬ ‫ويليه من علم ولكن لم يفقه يعني روى الحديث وحمله لكن لم يفقه منه شيئا‬ ‫وإنما هو رواية فقط هذا يأتي في المرتبة الثانية في الفضل بالنسبة لأهل‬ ‫العلم والإيمان‬ ‫والقسم الثالث لا خير فيه رجل أصابه ما أصابه من العلم والهدى الذي جاء‬ ‫به النبي عليه الصلاة والسلام ولكنه لم يرفع به رأسا ولم ينتفع به ولم‬ ‫يعلمه الناس فكان كمثل الأرض السبخة التي ابتلعت الماء ولم تنبت شيئا‬ ‫للناس ولم يبق الماء على سطحها حتى ينتفع الناس به‬

‫الحديث الثالث والستون بعد المائة‬ ‫عن جابر رضي الله عنه َقالَ‪َ :‬قالَ َر ُسول الله صلى الله عليه وسلم‪َ (( :‬م َثلِي‬ ‫َو َم َثلُ ُك ْم َك َم َث ِل َر ُجل أ ْو َق َد َنارا َف َج َعلَ ال َج َنا ِد ُب وال َف َرا ُش َي َق ْع َن ِفي َها َو ُه َو َي ُذ ُّب ُه َّن‬ ‫َع ْن َها‪َ ،‬وأَ َنا آخ ٌذ ب ُح َجز ُك ْم َع ِن ال َّنا ِر‪َ ،‬وأ ْن ُت ْم َت َفلَّتو َن ِم ْن َي َد َّي))‬ ‫( رواه مسلم)‬ ‫شرح الحديث‬ ‫عن جابر رضي الله عنهما ‪ ،‬عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‪( :‬مثلي‬ ‫ومثلكم كمثل رجل أوقد نارا )‬ ‫أراد النبي عليه الصلاة والسلام بهذا المثل أن يبين حاله مع أمته عليه‬ ‫الصلاة والسلام ‪ ،‬وذكر أن هذه الحال كحال رجل في برية ‪ ،‬أوقد نارا ‪،‬‬ ‫فجعل الجنادب والفراش يقعن فيها‪ ،‬والجنادب ‪ :‬نوع من الجراد‬ ‫( يقعن فيها ) لأن هذه هي عادة الفراش والجنادب والحشرات الصغيرة إذا‬ ‫أوقد إنسان نارا في البر ؛ فإنها تأوي إلى هذا الضوء ‪.‬‬ ‫( وأنا آخذ بحجزكم ) يعني لأمنعكم من الوقوع فيها ‪ ،‬ولكنكم تفلتون من‬ ‫يدي‬ ‫والحجز‪ :‬جمع حجزة وهي معقد الإزار والسراويل‬ ‫ففي هذا دليل على حرص النبي صلى الله عليه وسلم على حماية أمته من‬ ‫النار ‪ ،‬وأنه يأخذ بحجزها ويشدها حتى لا تقع في هذه النار ‪ ،‬ولكننا نفلت‬ ‫من ذلك‬ ‫ومن فوائد هذا الحديث ‪ :‬أنه ينبغي للإنسان أن يتبع سنة الرسول صلى الله‬ ‫عليه وسلم في كل ما أمر به وفي كل ما نهى عنه وأن يوقن أنه ليس هناك‬ ‫سبيل إلى النجاة إلا باتباعه ‪ ،‬والسير في طريقه ‪ ،‬والتمسك بهديه ‪.‬‬

‫الحديث الرابع والستون بعد المائة‬ ‫َع ْن جابر رضي الله عنه أ َّن َر ُسول الله صلى الله عليه وسلم َأ َم َر ِب َل ْع ِق‬ ‫الأَ َصا ِب ِع َوال َّص ْح َف ِة‪َ ،‬و َقالَ‪(( :‬إ َّن ُك ْم لا َت ْدرو َن في أَ ِّيها ال َب َر َك ُة))‬ ‫(رواه مسلم)‬ ‫وفي رواية لَ ُه‪(( :‬إِ َذا َو َق َع ْت لُ ْق َم ُة أَ َح ِد ُك ْم َف ْل َيأ ُخ ْذ َها‪َ ،‬فل ُي ِم ْط َما َكا َن بِ َها ِم ْن أذى‪،‬‬ ‫َو ْل َيأ ُك ْل َها َولا َي َد ْع َها لِل َّشي َطا ِن‪َ ،‬ولا َي ْم َس ْح َي َد ُه بالم ْن ِدي ِل َح َّتى َي ْل َع َق أ َصاب َع ُه َفإِ َّن ُه‬ ‫لا َي ْد ِري في أ ِّي َط َعا ِم ِه ال َب َر َك ُة))‬ ‫وفي رواية لَ ُه‪(( :‬إ َّن ال َّشي َطا َن َي ْح ُض ُر َأ َح َد ُك ْم ِع ْن َد ُكلِّ َشيء ِم ْن َشأنِ ِه‪َ ،‬ح َّتى‬ ‫َي ْح ُض َر ُه ِع ْن َد َط َعا ِم ِه‪َ ،‬فإ َذ َس َق َط ْت ِم ْن أَ َح ِد ُك ْم اللُّ ْق َم ُة َفل ُي ِم ْط َما َكا َن بِ َها ِم ْن أ َذى‪،‬‬ ‫َف ْل َيأ ُك ْل َها َولا َي َد ْع َها لِل َّشي َطا ِن))‬ ‫شرح الحديث‬ ‫عن جابر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم في آداب من آداب‬ ‫الأكل منها أن الإنسان إذا فرغ من أكله فإنه يلعق الصحفة ويلعق أصابعه‬ ‫يعني يلحسها حتى لا يبقى فيها أثر الطعام فإنكم لا تدرون في أي طعامكم‬ ‫البركة فهذان أدبان‪:‬‬ ‫الأول لعق الصحفة‬ ‫والثاني لعق الأصابع‬ ‫والنبي عليه الصلاة والسلام لا يأمر أمته بشيء إلا وفيه الخير والبركة‬ ‫ولهذا قال الأطباء إن في لعق الأصابع من بعد الطعام فائدة وهو تيسير‬ ‫الهضم لأن الأنامل هذه فيها مادة تفرزها عند اللعق بعد الطعام تيسر الهضم‬ ‫ونحن نقول هذا من باب معرفة حكمة الشرع فيما يأمر به وإلا فالأصل أننا‬ ‫نلعقها امتثالا لأمر النبي صلى الله عليه وسلم‬

‫ووكثير من الناس لا يطبقون هذه السنة تجده ينتهي من الطعام وحافته التي‬ ‫حوله كلها طعام وتجده أيضا يذهب ويغسل دون أن يلعق أصابعه والنبي‬ ‫عليه الصلاة والسلام نهى أن يمسح الإنسان يديه بالمنديل حتى يلعق‬ ‫وينظفها من الطعام ثم بعد ذلك يمسح بالمنديل ثم بعد ذلك يغسلها إذا شاء‬ ‫كذلك‬ ‫أيضا من آداب الأكل أن الإنسان إذا سقطت لقمة على الأرض فإنه لا يدعها‬ ‫لأن الشيطان يحضر للإنسان في جميع شئونه من أكل وشرب وجماع ‪ ،‬فإذا‬ ‫لم تسم الله عند الأكل شاركك في الأكل‪ ،‬ولهذا تنزع البركة من الطعام إذا لم‬ ‫يسم عليه‬ ‫وإذا سميت الله على الطعام ثم سقطت اللقمة من يدك فإن الشيطان يأخذها‬ ‫فيأكلها‪ ،‬ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم دلنا على الخير فقال‪( :‬‬ ‫فليأخذها فليمط ما كان بها من أذى وليأكلها ولا يدعها للشيطان) خذها وأمط‬ ‫ما بها من أذى من تراب أو غير ذلك ثم كلها ولا تدعها للشيطان‬ ‫والإنسان إذا فعل هذا امتثالا لأمر النبي صلى الله عليه وسلم وتواضعا لله‬ ‫عز وجل وحرمانا للشيطان من أكلها حصل على هذه الفوائد الثلاثة الامتثال‬ ‫لأمر النبي صلى الله عليه وسلم والتواضع وحرمان الشيطان من أكلها هذه‬ ‫فوائد ثلاث‬

‫الحديث الخامس والستون بعد المائة‬ ‫عن ابن عباس رضي الله عنهما‪َ ،‬قالَ‪َ :‬قا َم ِفي َنا َر ُسول الله صلى الله عليه‬ ‫وسلم ِب َمو ِع َظة‪َ ،‬ف َقالَ‪َ (( :‬يا أ ُّي َها ال َّنا ُس‪ ،‬إ َّن ُك ْم َم ْح ُشورو َن إِلَى الله َت َعالَى ُح َفاة‬ ‫ُع َراة ُغ ْرلا { َك َما َب َد ْأ َنا أَ َّولَ َخ ْلق ُن ِعي ُدهُ َو ْعدا َع َل ْي َنا إِ َّنا ُك َّنا َفا ِعلِي َن} [الأنبياء‪:‬‬ ‫‪.))]104‬‬ ‫ألا َوإ َّن أَ َّولَ ال َخلائِ ِق ُي ْكسى َيو َم القِ َيا َم ِة إبراهي ُم صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ألا‬ ‫َوإِ َّن ُه َس ُي َجا ُء بِرجال ِم ْن أُ َّمتي َف ُيؤ َخ ُذ ِب ِه ْم َذا َت ال َّشما ِل‪َ ،‬فأَ ُقولُ‪َ :‬يا َر ِّب‬ ‫أ ْص َحابِي‪َ .‬ف ُي َقالُ‪ :‬إ َّن َك لا َت ْد ِري َما أ ْح َد ُثوا َب ْع َد َك‪َ .‬فأ ُقولُ َكما َقالَ ال َعب ُد ال َّصا ِل ُح‪:‬‬ ‫{ َو ُك ْن ُت َع َل ْي ِه ْم َش ِهيدا َما ُد ْم ُت فِي ِه ْم} إِ َلى قولِ ِه‪{ :‬ال َع ِزي ُز ال َح ِكي ُم} [المائدة‪:‬‬ ‫‪َ ]118 -117‬ف ُي َقالُ لِي‪(( :‬إ َّن ُه ْم لَ ْم َي َزالُوا ُم ْر َت ِّدي َن َعلَى أ ْع َقابِ ِه ْم ُم ْن ُذ‬ ‫َفا َر ْق َت ُه ْم))‬ ‫( ُم َّت َف ٌق َع َلي ِه)‬ ‫شرح الحديث‬ ‫عن أبن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال‪ :‬قام فينا رسول الله صلى الله عليه‬ ‫وسلم خطيبا؛ وكان من عادة النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬بل من هدي النبي‬ ‫عليه الصلاة والسلام‪ ،‬أنه كان يخطب أصحابه الخطب الراتبة والخطب‬ ‫العارضة‪ .‬وهذه من خطبه العارضة صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فقد قام فيهم‬ ‫خطيبا وقال‪( :‬إنكم محشورون يوم القيامة حفاة عراة غرلا)‬ ‫محشورون‪ :‬يعنى مجمعون في صعيد واحد ليس فيه جبال‪ ،‬وليس فيه‬ ‫أودية‪ ،‬ولا بناء‪ ،‬ولا أشجار‪ ،‬يسمعهم الداعي‪ ،‬وينفذهم البصر‪ ،‬يعني لو‬ ‫دعاهم داع لأسمعهم جميعا؛ لأنه ليس هناك ما يحول بينهم وبين إسماعهم‬ ‫وينفذهم البصر أي يدركهم جميعا‪.‬‬ ‫(حفاة عراة غرلا) وفي رواية‪( :‬بهما)‬ ‫حفاة‪ :‬ليس عليهم نعال‪ ،‬ولا خفاف‪ ،‬عراة‪ :‬ليس عليهم كسوة‬

‫غرلا‪ :‬يعني غير مختونين‪ ،‬بهما‪ :‬أي ليس معهم مال‬ ‫فيكون الإنسان مجردا من كل شيء‪ ،‬ثم استدل لذلك بقوله تعالى ( َك َما َب َد ْأ َنا‬ ‫أَ َّولَ َخ ْلق ُن ِعي ُدهُ َو ْعدا َع َل ْي َنا إِ َّنا ُك َّنا َفا ِع ِلي َن) (الأنبياء‪ :‬من الآية‪)104‬‬ ‫يعني أن الله يحشرهم كما بدأهم أول خلق‪ ،‬يخرجون من بطون الأرض كما‬ ‫خرجوا من بطون أمهاتهم‪ ،‬حفاة عراة غرلا؛ ( َك َما َب َد ْأ َنا َأ َّولَ َخ ْلق ُن ِعي ُد ُه)‬ ‫ثم قال عز وجل‪َ ( :‬و ْعدا َعلَ ْي َنا) أي مؤكدا‪ ،‬أكده الله على نفسه‪ ،‬لأن هذا‬ ‫المقام يقضي التوكيد‪ ،‬فإن من البشر من كذب بالحشر ‪ ،‬وقال‪( :‬إِ ْن ِه َي إِ َّلا‬ ‫َح َيا ُت َنا ال ُّد ْن َيا َن ُمو ُت َو َن ْح َيا َو َما َن ْح ُن ِب َم ْب ُعوثِي َن) (المؤمنون‪ ، )37 :‬فقال عز‬ ‫وجل‪َ ( :‬و ْعدا َعلَ ْي َنا إِ َّنا ُك َّنا َفا ِعلِي َن) ‪.‬‬ ‫حدث النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ بهذا الحديث‪ ،‬فقالت عائشة رضى الله‬ ‫عنها‪ :‬واسوءتاه‪ .‬الرجال والنساء ينظر بعضهم إلى بعض؟ فقال النبي صلى‬ ‫الله عليه وسلم‪( :‬يا عائشة‪ ،‬الأمر أعظم من أن يهمهم ذلك) الأمر عظيم‪ ،‬ما‬ ‫ينظر أحد لأحد ( َي ْو َم َي ِف ُّر ا ْل َم ْر ُء ِم ْن أَ ِخي ِه َوأُ ِّم ِه َوأَبِي ِه َو َصا ِح َب ِت ِه َو َبنِي ِه لِ ُكلِّ‬ ‫ا ْم ِرئ ِم ْن ُه ْم َي ْو َمئِذ َشأْ ٌن ُي ْغ ِني ِه) (عبس‪. )37-34 :‬‬ ‫حتى الرسل ـ عليهم الصلاة والسلام ـ عند عبور الصراط فدعاؤهم‪ :‬اللهم‬ ‫سلم‪ ،‬اللهم سلم‪ ،‬لا يدري أحد أينجو أم لا‪ .‬الأمر عظيم‪ .‬ولهذا قال النبي عليه‬ ‫الصلاة والسلام‪( :‬الأمر أعظم من أن يهمهم ذلك) ثم قال‪( :‬ألا وأن أول من‬ ‫يكسى إبراهيم) إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام‪ ،‬هو أول من يكسى يوم‬ ‫القيامة‪.‬‬ ‫ولا يقال‪ :‬لماذا كان أول من يكسى‪ ،‬لأن الفضائل لا يسأل عنها‪ ،‬كما قال الله‬ ‫تعالى‪َ ( :‬ذلِ َك َف ْضلُ ال َّل ِه ُي ْؤتِي ِه َم ْن َي َشا ُء َوال َّلهُ ُذو ا ْل َف ْض ِل ا ْل َع ِظي ِم) (الحديد‪ :‬من‬ ‫الآية‪)21‬‬ ‫وفي الحدي ِث دليل على أن الناس يكسون بعد أن يخرجون حفاة عراة غرلا‪.‬‬

‫ثم ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أنه يؤتي برجال من أمته فيؤخذ بهم ذات‬ ‫الشمال‪ ،‬أي إلى طريق أهل النار‬ ‫فيقول النبي صلى الله عليه وسلم‪( :‬أصحابي) أي يشفع إلى ـ الله سبحانه‬ ‫وتعالى ـ فيهم‪ ،‬فيقال له‪( :‬إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك)‬ ‫فيقول النبي صلى الله عليه وسلم كما قال العبد الصالح؛ يعني به عيسى بن‬ ‫مريم؛ حين يقول يوم القيامة إذا قال الله تعالى له‪( :‬أَأَ ْن َت ُق ْل َت لِل َّنا ِس‬ ‫ا َّت ِخ ُذو ِني َوأُ ِّم َي إِ َل َه ْي ِن ِم ْن ُدو ِن ال َّلهِ) كما يزعم النصارى الذين يقولون‪ :‬أنهم‬ ‫متبعون له‪َ ( :‬قالَ ُس ْب َحا َن َك َما َي ُكو ُن لِي أَ ْن أَقُولَ َما لَ ْي َس لِي ِب َح ٍّق) (المائدة‪:‬‬ ‫‪ )116‬لأن الألوهية ليست حقا لأحد إلا الله رب العالمين‬ ‫فإذا قيل للنبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة ( إنك لا تدري ماذا أحدثوا‬ ‫بعدك) ‪ ،‬قال كما قال عيسى بن مريم‪َ ( :‬و ُك ْن ُت َع َل ْي ِه ْم َش ِهيدا َما ُد ْم ُت فِي ِه ْم َف َل َّما‬ ‫َت َو َّف ْي َتنِي ُك ْن َت أَ ْن َت ال َّرقِي َب َع َل ْي ِه ْم َوأَ ْن َت َعلَى ُكلِّ َش ْيء َش ِهي ٌد) ‪.‬‬ ‫ثم يقال للرسول عليه الصلاة والسلام‪( :‬إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم‬ ‫منذ فارقتهم) فيقول النبي عليه الصلاة والسلام‪:‬‬ ‫(سحقا ُسحقا)‬

‫الحديث السادس والستون بعد المائة‬ ‫عن أَبي سعيد عبد الله بن ُم َغ َّفل رضي الله عنه َقالَ‪َ :‬ن َهى َر ُسول الله صلى الله‬ ‫عليه وسلم َع ِن ال َخ ْذ ِف‪ ،‬وقالَ‪(( :‬إ َّن ُه لا َي ْق ُتلُ ال َّص ْي َد‪َ ،‬ولا َي ْن َكأُ ال َع ُد َّو‪ ،‬وإ َّن ُه َي ْف َقأُ‬ ‫ال َع ْي َن‪َ ،‬و َي ْك ِس ُر ال ِّس َّن))‬ ‫( ُم َّت َف ٌق َعلَي ِه)‬ ‫شرح الحديث‬ ‫وفي رواية‪ :‬أ َّن َقريبا لا ْب ِن ُم َغ َّفل َخ َذ َف َف َن َها ُه‪َ ،‬وقالَ‪ :‬إ َّن َر ُسول الله صلى الله‬ ‫عليه وسلم َن َهى َعن ال َخ ْذ ِف‪َ ،‬و َقالَ‪(( :‬إ َّن َها لا َت ِصي ُد َصيدا)) ُث َّم عا َد‪َ ،‬ف َقالَ‪:‬‬ ‫أُ َح ِّد ُث َك أ َّن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم َن َهى َع ْن ُه‪ُ ،‬ث َّم ُع ْد َت َتخذ ُف!؟ لا‬ ‫أُ َك ِلّ ُم َك أَ َبدا‬ ‫الخذف‪ :‬رمي الحصى بالسبابة والإبهام‬ ‫وقد نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم وعلل ذلك بأنه يفقأ العين ويكسر‬ ‫السن إذا أصابه‪ ،‬ولا يصيد الصيد لأنه ليس له نفوذ‪( ،‬ولا ينكأ العدو) يعني‬ ‫لا يدفع العدو؛ لأن العدو إنما ينكأ بالسهام لا بهذه الحصاة الصغيرة‪ ،‬فهي‬ ‫توذينا نحن ولاتجلب لنا منفعة‬ ‫ثم إن قريبا لابن مغفل خرج بخذف‪ ،‬فنهاه عن الخذف وقال‪ :‬إن النبي صلى‬ ‫الله عليه وسلم نهى عن الخذف‪ ،‬ثم إنه رآه مرة ثانية يخذف فقال له‪:‬‬ ‫(أخبرتك أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الخذف‪ ،‬فجعلت تخذف!! لا‬ ‫أكلمك أبدا)‬ ‫فهجره؛ لأنه خالف نهي النبي صلى الله عليه وسلم‬

‫ولكن إذا قال قائل‪ :‬هل مثل الأمر يوجب الهجر وقد نهى النبي صلى الله عليه‬ ‫وسلم عن هجر المؤمن فوق ثلاث؟‬ ‫فالجواب عن هذا‪ :‬أن هذا الصحابي فعل ذلك من باب التعزير‪ ،‬ورأي في هذا‬ ‫تعزير لهذا الرجل الذي خالف نهي النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وإلا فالأصل‬ ‫أن المؤمن إذا فعل ذنبا وتاب منه‪ ،‬فإنه يغفر له ما سلف‪،‬‬ ‫وفي الحدي ِث‪ :‬النه ُي عن ال َلّ ِع ِب ب َر ْميِ الأحجا ِر ال ِّصغا ِر؛ ِل َما فيها من َضرر‪.‬‬ ‫وفيه‪ :‬تأدي ُب َمن خالَ َف ال ُّس َّنة النبو َّي ِة وأوام َر ال َّشر ِع‪ ،‬و َتعذي ُره‪.‬‬

‫الحديث السابع والستون بعد المائة‬ ‫َعن عابس بن َربيعة‪َ ،‬قالَ‪َ :‬رأ ْي ُت ُع َم َر بن الخطاب رضي الله عنه ُي َق ِّبلُ‬ ‫ال َح َج َر‪َ -‬ي ْعنِي‪ :‬الأ ْس َو َد‪َ -‬و َي ُقولُ‪:‬‬ ‫إني أَ ْعلَ ُم أ َّن َك َح َج ٌر َما َت ْن َف ُع َولا َت ُض ُّر‪َ ،‬و َلولا أ ِّني َرأ ْي ُت رسولَ الله صلى الله‬ ‫عليه وسلم ُي َق ِّبلُ َك َما َق َّب ْل ُت َك‬ ‫( ُم َّت َف ٌق َعلَي ِه)‬ ‫شرح الحديث‬ ‫كان عمر رضي الله عنه يطوف بالكعبة‪ ،‬فقبل الحجر الأسود‪ ،‬وقد شرع الله ـ‬ ‫سبحانه وتعالى ـ لعباده أن يقبلوه؛ لكمال الذل والعبودية‬ ‫ولهذا قال عمر رضي الله عنه حين قبله (إني أعلم أنك حجر ماتنفع ولا‬ ‫تضر )‬ ‫وصدق رضي الله عنه‪ ،‬فإن الأحجار لا تضر ولا تنفع‪ .‬الضرر والنفع بيد الله‬ ‫ـ عز وجل ـ كما قال تعالى‪ُ ( :‬قلْ َم ْن ِب َي ِد ِه َملَ ُكو ُت ُكلِّ َش ْيء َو ُه َو ُي ِجي ُر َولا‬ ‫ُي َجا ُر َع َل ْي ِه إِ ْن ُك ْن ُت ْم َت ْع َل ُمو َن َس َي ُقولُو َن لِ َّل ِه)‬ ‫(المؤمنون‪)89-88 :‬‬ ‫وقد بين رضى الله عنه أن تقبيله إياه لمجرد اتباع النبي صلى الله عليه‬ ‫وسلم‪ ،‬فقال (ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك)‬ ‫يعني فأنا أقبلك اتباعا للسنة‪ ،‬لا رجاء للنفع‪ ،‬أو خوف الضرر؛ ولكن لأن‬ ‫النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك‬ ‫ولهذا لا يشرع أن يقبل شيء من الكعبة المشرفة إلا الحجر الأسود فقط‪ ،‬أما‬ ‫الركن اليماني فيستلم باليد اليمنى ( يعني يمسح ولا يقبل)‬

‫ثم أن بقية الأركان‪ :‬الركن الشامي‪ ،‬والعراقي‪ ،‬يعني الشمالي الشرقي‬ ‫والشمالي الغربي‪ ،‬هذان الركنان لا يقبلان ولا يمسحان‪ ،‬وذلك لأنهما ليس‬ ‫على قواعد إبراهيم عليه الصلاة والسلام‬ ‫وفي الحديث ‪ :‬دليل على أن كمال التعبد أن ينقاد الإنسان لله عز وجل‪ ،‬سواء‬ ‫عرف السبب والحكمة في المشروعية أم لم يعرف ‪ ،‬فعلى المؤمن إذا قيل له‬ ‫أفعل؛ أن يقول‪ :‬سمعنا وأطعنا‪ ،‬وإن عرفت الحكمة فهو نور على نور‪ ،‬وإن‬ ‫لم تعرف فالحكمة أمر الله ـ تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم‬ ‫وهي قاعدة عظيمة في إ ِّتباع النبي صلى الله عليه وسلم فيما يفعله‪ ،‬ولو لم‬ ‫نعلم الحكمة فيه‬ ‫وفيه‪ :‬دفع ما وقع لبعض الجهال من أن في ال َح َجر خاصية ترجع إلى ذاته‬ ‫وفيه‪ :‬بيان ال ُّس َن ِن بالقول‪ ،‬والفعل‪ ،‬وأ َّن الإمام إذا خ ِش َي على أحد من فعله‬ ‫فساد اعتقاد أن يبادر إلى بيان الأمر‬

‫المقدمة‬ ‫باب وجوب الانقياد لحكم الله تعالى‬ ‫الحديث الثامن والستون بعد المائة‬ ‫عن أَبي هريرة رضي الله عنه َقالَ‪ :‬لَ َّما َن َزلَ ْت َعلَى َر ُسول الله صلى الله عليه‬ ‫وسلم‪{ :‬لِ َّل ِه َما فِي ال َّس َما َوا ِت َو َما ِفي ا ْلأَ ْر ِض َوإِ ْن ُت ْب ُدوا َما ِفي أَ ْنفُ ِس ُك ْم أَ ْو‬ ‫ُت ْخ ُفو ُه ُي َحا ِس ْب ُك ْم بِ ِه ال َّلهُ} [البقرة‪ ]284 :‬الآية‪.‬‬ ‫ا ْش َت َّد ذلِ َك َعلَى أ ْص َحا ِب َر ُسول الله صلى الله عليه وسلم‪َ ،‬فأ َتوا َر ُسول الله‬ ‫صلى الله عليه وسلم ُث َّم َب َر ُكوا َعلَى ال ُّر َك ِب‪َ ،‬ف َقالُوا‪ :‬أ ْي رسولَ الله‪ُ ،‬ك ِّل ْف َنا ِم َن‬ ‫الأَع َما ِل َما ُن ِطي ُق‪ :‬ال َّصلا َة وال ِج َها َد وال ِّصيا َم وال َّص َد َق َة‪َ ،‬و َق ْد أُ ْن ِزلَ ْت َعلَ ْي َك ه ِذ ِه‬ ‫الآ َي ُة َولا ُنطيقُها‪َ .‬قالَ َر ُسول الله صلى الله عليه وسلم‪(( :‬أ ُت ِري ُدو َن أ ْن َت ُقولُوا‬ ‫َك َما َقالَ أَ ْهلُ الك َتا َبي ِن ِم ْن َق ْبلِ ُك ْم‪َ :‬س ِم ْع َنا َو َع َص ْي َنا؟ َبلْ ُقولُوا‪َ :‬س ِمع َنا َو َأ َط ْع َنا‬ ‫ُغ ْف َرا َن َك َر َّب َنا َوإِ َل ْي َك ال َم ِصي ُر)) [ َقالُوا‪ :‬سمعنا و َأطعنا غفرانك ربنا وإِليك‬ ‫المصير]‪.‬‬ ‫َف َل َّما ا ْق َت َرأَ َها القو ُم‪َ ،‬و َذ َّل ْت ِب َها أ ْلس َن ُت ُه ْم أ ْن َزلَ اللهُ َت َعالَى في إث ِر َها‪{ :‬آ َم َن‬ ‫ال َّر ُسولُ ِب َما أُ ْن ِزلَ إِ َل ْي ِه ِم ْن َر ِّب ِه َوا ْل ُم ْؤ ِم ُنو َن ُكل آ َم َن ِباللهِ َو َملائِ َكتِ ِه َو ُك ُت ِب ِه‬ ‫َو ُر ُسلِ ِه لا ُن َف ِّر ُق َب ْي َن أَ َحد ِم ْن ُر ُس ِل ِه َو َقالُوا َس ِم ْع َنا َوأَ َط ْع َنا ُغ ْف َرا َن َك َر َّب َنا َوإِ َل ْي َك‬ ‫ا ْل َم ِصي ُر} [البقرة‪َ ]285 :‬ف َل َّما َف َعلُوا ذ ِل َك َن َس َخ َها اللهُ َت َعالَى‪َ ،‬فأن َزلَ الله‪ -‬عز‬ ‫وجل‪{ :‬لا ُي َك ِّل ُف اللهُ َن ْفسا إِلا ُو ْس َع َها َل َها َما َك َس َب ْت َو َعلَ ْي َها َما ا ْك َت َس َب ْت َر َّب َنا لا‬ ‫ُت َؤا ِخ ْذ َنا إِ ْن َن ِسي َنا أَ ْو َأ ْخ َطأْ َنا} َقالَ‪َ :‬ن َع ْم { َر َّب َنا َولا َت ْح ِملْ َع َل ْي َنا إِ ْصرا َك َما َح َم ْل َت ُه‬ ‫َع َلى ا َلّ ِذي َن ِم ْن َق ْبلِ َنا} َقالَ‪َ :‬ن َع ْم { َر َّب َنا َولا ُت َح ِّم ْل َنا َما لا َطا َق َة َل َنا ِبه} َقالَ‪َ :‬ن َع ْم‬ ‫{ َوا ْع ُف َع َّنا َوا ْغفِ ْر َل َنا َوا ْر َح ْم َنا أَ ْن َت َم ْولا َنا َفا ْن ُص ْر َنا َع َلى ا ْل َق ْو ِم ا ْل َكافِ ِري َن}‬ ‫َقالَ‪َ :‬ن َع ْم‪.‬‬ ‫(رواه مسلم)‬

‫شرح الحديث‬ ‫الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ لما نزل الله على نبيه هذه الآية ( َوإِ ْن ُت ْب ُدوا َما‬ ‫فِي أَ ْنفُ ِس ُك ْم أَو ُت ْخ ُفو ُه ُي َحا ِس ْب ُك ْم ِب ِه ال َّلهُ) (البقرة‪)284 :‬‬ ‫كبر ذلك عليهم وشق عليهم ذلك؛ لأن ما في النفس من الحديث أمر لا‬ ‫مسيطر عليه‪ ،‬فالشيطان يأتي الإنسان ويحدثه في نفسه بأشياء منكرة‬ ‫عظيمة‪ ،‬منها ما يتعلق بالنفس‪ ،‬ومنها ما يتعلق بالمال‪ ،‬أشياء كثيرة يلقيها‬ ‫الشيطان في قلب الإنسان ‪،‬والله عز وجل يقول‪َ ( :‬وإِ ْن ُت ْب ُدوا َما ِفي أَ ْنفُ ِس ُك ْم أَو‬ ‫ُت ْخفُو ُه ُي َحا ِس ْب ُك ْم بِ ِه ال َّلهُ) (البقرة‪)284 :‬‬ ‫فإذا كان كذلك؛ هلك الناس فجاء الصحابة‪ ،‬رضي الله عنهم إلى النبي صلى‬ ‫الله عليه وسلم‪ ،‬فجثوا على ركبهم‪ ،‬وقد فعلوا ذلك من شدة الأمر‪ .‬فالإنسان‬ ‫إذا نزل به أمر شديد يجثو على ركبتيه‬ ‫وقالوا‪ :‬يا رسول الله؛ إن الله تعالى أمرنا بنا نطيق؛ الصلاة‪ ،‬والجهاد‪،‬‬ ‫والصيام‪ ،‬والصدقة‪ ،‬فنصلي‪ ،‬ونجاهد‪ ،‬ونتصدق‪ ،‬ونصوم‪ .‬لكنه أنزل هذه‬ ‫الآية‪َ ( :‬وإِ ْن ُت ْب ُدوا َما ِفي أَ ْنفُ ِس ُك ْم َأو ُت ْخ ُفوهُ ُي َحا ِس ْب ُك ْم بِ ِه ال َّلهُ) (البقرة‪)284 :‬‬ ‫وهذه شديدة عليهم لا أحد يطيق أن يمنع نفسه عما تحدثه به من الأمور‬ ‫التي لو حوسب عليها لهلك‬ ‫فقال النبي عليه الصلاة والسلام‪( :‬أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين‬ ‫من قبلكم‪ :‬سمعنا وعصينا)‬ ‫أهل الكتابين هم اليهود والنصارى‪ .‬فاليهود كتابهم التوراة‪ ،‬والنصارى‬ ‫كتابهم الإنجيل وهو متم للتوراة‪.‬‬ ‫واليهود والنصارى عصوا أنبياءهم وقالوا‪ :‬سمعنا وعصينا‪ ،‬فهل تريدون أن‬ ‫تكونوا مثلهم؟‬

‫(ولكن قولوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير) ‪ .‬هكذا يجب على‬ ‫المسلم إذا سمع أمر الله ورسوله أن يقول‪( :‬سمعنا وأطعنا) ويمتثل بقدر ما‬ ‫يستطيع‪ ،‬ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها‬ ‫ثم إنهم لما قالوا‪ :‬سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير‪ ،‬ولانت لها‬ ‫نفوسهم‪ ،‬وذلت لها ألسنتهم أنزل الله بعدها‪( :‬آ َم َن ال َّر ُسولُ بِ َما أُ ْن ِزلَ إِلَ ْي ِه ِم ْن‬ ‫َر ِّب ِه َوا ْل ُم ْؤ ِم ُنو َن) (البقرة ‪)285‬‬ ‫يعني‪ :‬والمؤمنون آمنوا ( ُكل آ َم َن ِبال َّل ِه َو َملائِ َك ِت ِه َو ُك ُتبِ ِه َو ُر ُسلِ ِه لا ُن َف ِّر ُق َب ْي َن‬ ‫أَ َحد ِم ْن ُر ُس ِل ِه َو َقالُوا َس ِم ْع َنا َو َأ َط ْع َنا ُغ ْف َرا َن َك َر َّب َنا َوإِلَ ْي َك ا ْل َم ِصي ُر) (البقرة‪:‬‬ ‫‪)285‬‬ ‫فبين الله عز وجل في هذه الآية الثناء على رسوله صلى الله عليه وآله‬ ‫وسلم‪ ،‬وعلى المؤمنين؛ لأنهم قالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك‬ ‫المصير‬ ‫ثم أنزل الله (لا ُي َك ِّل ُف ال َّلهُ َن ْفسا إِ َّلا ُو ْس َع َها َل َها َما َك َس َب ْت َو َعلَ ْي َها َما ا ْك َت َس َب ْت)‬ ‫(البقرة‪)286 :‬‬ ‫فالذي ليس في وسع الإنسان لا يكلفه الله به‪ ،‬ولا حرج عليه فيه‪ ،‬مثل‬ ‫الوسواس التي تهجم على القلب‪ ،‬ولكن الإنسان إذا لم يركن إليها‪ ،‬ولم‬ ‫يصدق بها‪ ،‬فإنها لا تضره‪ ،‬لأن هذه ليست داخلة في وسعه‪ ،‬والله عز وجل‬ ‫يقول‪( :‬لا ُي َك ِّل ُف ال َّلهُ َن ْفسا إِ َّلا ُو ْس َع َها) (البقرة ‪)286‬‬ ‫( َر َّب َنا لا ُت َؤا ِخ ْذ َنا إِ ْن َن ِسي َنا أَ ْو أَ ْخ َطأْ َنا) قال ‪ :‬نعم‬ ‫يعني قال الله ‪ :‬نعم لا أؤخذكم إن نسيتم أو أخطأتم‬ ‫( َر َّب َنا َولا َت ْح ِم ْل َع َل ْي َنا إِ ْصرا َك َما َح َم ْل َت ُه َع َلى ا َّل ِذي َن ِم ْن َق ْبلِ َنا) قال‪ :‬نعم ( َر َّب َنا‬ ‫َولا ُت َح ِّم ْل َنا َما لا َطا َق َة لَ َنا بِ ِه) قال الله نعم‪.‬‬

‫ولهذا لا يكلف الله تعالى في شرعه ما لا يطيقه الإنسان‪ ،‬بل إذا عجز عن‬ ‫الشيء انتقل إلى بديله إذا كان له بدل‪ ،‬أو سقط عنه إن لم يكن له بدل‬ ‫وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‪(( :‬إ َّن الله تجاوز لي عن‬ ‫أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم أو تعمل))‬ ‫( َوا ْع ُف َع َّنا َوا ْغفِ ْر لَ َنا َوا ْر َح ْم َنا أَ ْن َت َم ْولا َنا َفا ْن ُص ْر َنا َع َلى ا ْل َق ْو ِم ا ْل َكا ِف ِري َن)‬ ‫(البقرة‪ . )286 :‬قال الله‪ :‬نعم‪.‬‬ ‫( َوا ْع ُف َع َّنا َوا ْغ ِف ْر لَ َنا) هذه ثلاث كلمات‪ ،‬كل كلمة لها معنى‬ ‫( َوا ْع ُف َع َّنا) يعني تقصيرنا في الواجب‬ ‫( َوا ْغفِ ْر لَ َنا) يعني انتهاكنا للمحرم‬ ‫( َوا ْر َح ْم َنا) يعني وفقنا للعمل الصالح‬ ‫فالإنسان إما أن يترك واجبا أو يفعل محرما‪ ،‬فإن ترك الواجب فإنه يقول‪:‬‬ ‫اعف عنا‪ ،‬أي اعف عنا ما قصرنا فيه من الواجب‪ ،‬وإن فعل المحرم‪ ،‬فإنه‬ ‫يقول‪ :‬اغفر لنا‪ ،‬يعني ما اقترفنا من الذنوب‪ ،‬أو يطلب تثبيتا وتأييدا على‬ ‫الخير في قوله ( َوا ْر َح ْم َنا) ‪.‬‬ ‫(أَ ْن َت َم ْولا َنا) أي متولي أمورنا في الدنيا والآخرة‪ ،‬فتولنا في الدنيا وانصرنا‬ ‫على القوم الكافرين‬ ‫( َفا ْن ُص ْر َنا َع َلى ا ْل َق ْو ِم ا ْل َكافِ ِري َن) قد يتبادر للإنسان أن المراد أعداؤنا من‬ ‫الكفار‪ ،‬ولكنه أعم حتى أنه يتناول الانتصار على الشيطان؛ لأن الشيطان‬ ‫رأس الكافرين‬ ‫نستفيد من هذه الآيات الكريمة أن الله ـ سبحانه وتعالى لا يحملنا ما لا طاقة‬ ‫لنا به‪ ،‬ولا يكلفنا إلا وسعنا‪ ،‬وأن الوساوس التي تجول في صدورنا إذا لم‬ ‫نركن إليها‪ ،‬ولم نطمئن إليها‪ ،‬ولم نأخذ بها‪ ،‬فإنها لا تضر‬

‫المقدمة‬ ‫باب النهي عن البدع ومحدثات الأمور‬ ‫الحديث التاسع والستون بعد المائة‬ ‫عن عائشة َر ِضي الله عنها‪َ ،‬قا َل ْت‪َ :‬قالَ َر ُسول الله صلى الله عليه وسلم‪:‬‬ ‫(( َم ْن أ ْح َد َث في أ ْم ِر َنا َه َذا َما لَ ْي َس ِم ْن ُه َف ُه َو َرد)) ُم َّت َف ٌق َع َلي ِه‬ ‫وفي رواية لمسلم‪َ (( :‬م ْن َع ِملَ َع َملا لَ ْي َس َع َلي ِه أم ُرنا َف ُه َو َرد))‪.‬‬ ‫شرح الحديث‬ ‫حديث عائشة رضي الله عنها هذا فهو نصف الدين ؛ لأن الأعمال إما ظاهرة‬ ‫وإما باطنة‪ ،‬فالأعمال الباطنة ميزانها حديث عمر بن الخطاب رضي الله‬ ‫عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‪( :‬إنما الأعمال بالنيات‪ ،‬وإنما لكل‬ ‫امرئ ما نوى‪ ) ..‬وميزان الأعمال الظاهرة حديث عائشة رضي الله عنها‬ ‫هذا‪( :‬من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) أي مردود على صاحبه‬ ‫غير مقبول منه‬ ‫(أمرنا) المراد به ديننا وشرعنا ‪ ،‬فأمر الله المراد به في هذا الحديث شرع‬ ‫الله‪ ،‬من أحدث فيه ما ليس منه فهو رد‬ ‫وفي هذا دليل واضح على أن العبادة إذا لم نعلم أنها من دين الله فهي‬ ‫مردودة‪ ،‬وإذا كانت العبادة مردودة فإنه يحرم على الإنسان أن يتعبد لله بها‬ ‫وفي اللفظ الثاني‪( :‬من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) وهو أشد من‬ ‫الأول؛ لأنه قوله‪( :‬من عمل عملا ليس عليه أمرنا) يعني لابد أن نعلم بأن كل‬ ‫عمل عملناه عليه أمر الله ورسوله وإلا فهو مردود‪ ،‬وهو يشمل العبادات‬ ‫ويشمل المعاملات‪ ،‬ولهذا لو باع الإنسان بيعا فاسدا‪ ،‬أو رهن رهنا فاسدا‪ ،‬أو‬ ‫أوقف وقفا فاسدا‪ ،‬فكله غير صحيح ومردود على صاحبه ولا ينفذ‬ ‫هذا الحديث‪ :‬من أصول الدين وقواعده‪ ،‬فيحتج به في إبطال جميع العقود‬ ‫المنهي عنها‪ ،‬وفي ر ِّد المحدثاث وجميع المنهيات‬

‫الحديث السبعون بعد المائة‬ ‫وعن جابر رضي الله عنه َقالَ‪َ :‬كا َن َر ُسولُ الله صلى الله عليه وسلم إِ َذا َخ َط َب‬ ‫ا ْح َم َّر ْت َعي َنا ُه‪َ ،‬و َعلا َصو ُت ُه‪َ ،‬وا ْش َت َّد َغ َض ُب ُه‪َ ،‬ح َّتى َكأ َّن ُه ُم ْن ِذ ُر َجيش‪َ ،‬ي ُقولُ‪:‬‬ ‫(( َص َّب َح ُك ْم َو َم َّسا ُك ْم)) َو َيقُولُ‪ُ (( :‬ب ِعث ُت أ َنا وال َّسا َع ُة َك َها َتي ِن)) َو َي ْق ِر ُن َب ْي َن‬ ‫أُص ُب َعي ِه ال َّس َّبا َب ِة َوال ُو ْس َطى‪َ ،‬و َيقُولُ‪:‬‬ ‫((أ َّما َب ْع ُد‪َ ،‬فإ َّن َخ ْي َر ال َحدي ِث ِك َتا ُب الله‪َ ،‬و َخي َر ال َه ْديِ َه ْد ُي ُم َح َّمد صلى الله‬ ‫عليه وسلم‪َ ،‬و َش َّر الأُ ُمو ِر ُم ْح َد َثا ُت َها‪َ ،‬و ُكلَّ ِب ْد َعة َضلا َل ٌة)) ُث َّم َي ُقولُ‪(( :‬أ َنا أ ْو َلى‬ ‫بِ ُكلِّ ُمؤ ِمن ِم ْن َنف ِس ِه‪َ ،‬م ْن َت َر َك َمالا َفل َأ ْهلِ ِه‪َ ،‬و َم ْن َت َر َك َد ْينا أَ ْو َض َياعا َفإلَ َّي‬ ‫َو َعلَ َّي))‬ ‫( رواه مسلم)‬ ‫شرح الحديث‬ ‫عن جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنهما قال‪ :‬كان النبي صلى الله عليه‬ ‫وسلم‪( :‬إذا خطب) يعني يوم الجمعة‬ ‫(احمرت عيناه وعلا صوته‪ ،‬واشتد غضبه) وإنما كان يفعل هذا لأنه أقوى‬ ‫في التأثير على السامع‪ ،‬فالخطبة ينبغي أن تحرك القلوب‪ ،‬وتؤثر في‬ ‫النفوس‪ ،‬وذلك في موضوعها‪ ،‬وفي كيفية أدائها‬ ‫وكان صلى الله عليه وسلم يقول‪( :‬بعثت أنا والساعة كهاتين) ويقرن بين‬ ‫السبابة والوسطى‪ ،‬يعني بين الإصبعين‪ ،‬السبابة وهي التي بين الوسطى‬ ‫والإبهام‪ ،‬والوسطى‪ ،‬وأنت إذا قرنت بينهما وجدتهما متجاورين ليس بينهما‬ ‫إلا فرق يسير‪ ،‬والمعنى أن أجل الدنيا قريب وأنه ليس ببعيد‬ ‫محدثات الأمور ما لم يكن معروفا في الكتاب والسنة ولا أصل له فيهما‪.‬‬ ‫ثم يقول‪( :‬أنا أولى بكل مؤمن من نفسه)‬

‫كما قال ربه عز وجل‪( :‬ال َّن ِب ُّي أَ ْو َلى ِبا ْل ُم ْؤ ِم ِني َن ِم ْن أَ ْنفُ ِس ِه ْم) (الأحزاب‪)6 :‬‬ ‫فهو أولى بك من نفسك‪ ،‬وهو بالمؤمنين رؤوف رحيم عليه الصلاة والسلام‬ ‫ثم يقول‪( :‬من ترك مالا فلأهله) يعني من ترك من الأموات مالا فلأهله؛‬ ‫يرثونه حسب ما جاء في كتاب الله وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم‬ ‫(ومن ترك دينا أو ضياعا) ‪ ،‬يعني أولادا صغارا يضيعون (فإلي وعلي) ‪،‬‬ ‫يعني فأمرهم إلي‪ ،‬أنا وليهم‪ ،‬والدين علي أنا أقضيه‪ ،‬هكذا كان صلى الله‬ ‫عليه وسلم حين فتح الله عليه‬

‫المقدمة‬ ‫باب في من سن سنة حسنة أو سيئة‬ ‫الحديث الحادي والسبعون بعد المائة‬ ‫عن أَبي عمرو جرير بن عبد الله رضي الله عنه َقالَ‪ :‬كنا في َص ْد ِر ال َّن َها ِر‬ ‫ِع ْن َد َر ُسول الله صلى الله عليه وسلم َف َجاءهُ َقو ٌم ُع َرا ٌة ُم ْج َتابي ال ِّن َمار َأ ْو‬ ‫ال َع َباء‪ُ ،‬م َت َق ِّل ِدي ال ُّس ُيوف‪َ ،‬عا َّم ُت ُه ْم من ُمضر‪َ ،‬بلْ ُك ُّل ُه ْم ِم ْن ُم َض َر‪َ ،‬ف َت َم َّع َر َو ْج ُه‬ ‫َر ُسول الله صلى الله عليه وسلم لما َرأَى ِب ِه ْم ِم َن ال َفا َقة‪َ ،‬ف َد َخلَ ُث َّم َخ َر َج‪َ ،‬فأَ َم َر‬ ‫بِلالا َفأَ َّذ َن َوأَ َقا َم‪ ،‬ف َص َّلى ُث َّم َخ َط َب‪َ ،‬ف َقالَ‪َ {(( :‬يا أَ ُّي َها ال َّنا ُس ا َّتقُوا َر َّب ُك ُم الَّ ِذي‬ ‫َخ َل َق ُك ْم ِم ْن َن ْفس َوا ِح َدة} إِ َلى آخر الآية‪{ :‬إِ َّن اللهَ َكا َن َع َل ْي ُك ْم َر ِقيبا}‪ ،‬والآية‬ ‫الأُ ْخ َرى التي في آخر ال َح ْش ِر‪َ { :‬يا أَ ُّي َها ا َّل ِذي َن آ َم ُنوا ا َّتقُوا اللهَ َو ْل َت ْن ُظ ْر َن ْف ٌس َما‬ ‫َق َّد َم ْت لِ َغد} َت َص َّد َق َر ُجلٌ ِم ْن ِدي َنا ِر ِه‪ِ ،‬م ْن ِدره ِم ِه‪ِ ،‬م ْن َثوبِ ِه‪ِ ،‬م ْن َصا ِع ُب ِّر ِه‪ِ ،‬م ْن‬ ‫َصا ِع َت ْم ِر ِه‪َ -‬ح َّتى َقالَ‪َ :‬ولَ ْو ِبش ِّق َتم َرة))‬ ‫َف َجا َء َر ُجلٌ ِم َن الأَ ْن َصا ِر ِب ُص َّرة َكا َد ْت َك ُّف ُه َتع َج ُز َعن َها‪َ ،‬بلْ َق ْد َع َج َز ْت‪ُ ،‬ث َّم َت َتا َب َع‬ ‫ال َّنا ُس َح َّتى َرأ ْي ُت َكو َم ْي ِن ِم ْن َط َعام َو ِث َياب‪َ ،‬ح َّتى َرأ ْي ُت َو ْج َه َر ُسول الله صلى‬ ‫الله عليه وسلم َي َت َه َّللُ َكأ َّن ُه ُم ْذ َه َب ٌة‪َ .‬ف َقالَ َر ُسول الله صلى الله عليه وسلم‪:‬‬ ‫(( َم ْن َس َّن في الإسلا ِم س َّنة َح َس َنة َف َل ُه أ ْج ُر َها‪َ ،‬وأ ْج ُر َم ْن َع ِملَ ِب َها ِم ْن َب ْع َد ُه‪،‬‬ ‫ِم ْن َغي ِر أ ْن َي ْن ُق َص ِم ْن أُ ُجوره ْم َشي ٌء‪َ ،‬و َم ْن َس َّن في الإ ْسلا ِم ُس َّنة َس ِّي َئة َكا َن‬ ‫َع َلي ِه ِو ْز ُر َها‪َ ،‬و ِو ْز ُر َم ْن َع ِملَ بِ َها ِم ْن َب ْع ِد ِه‪ِ ،‬م ْن َغي ِر أ ْن َي ْن ُق َص ِم ْن أ ْو َزا ِره ْم‬ ‫َشي ٌء)) رواه مسلم‬ ‫شرح الحديث‬ ‫(( ُم ْج َتا ِبي ال ِّن َما ِر)) وال ِّن َما ِر َج ْم ُع َن ِم َرة َو ِه َي ِك َسا ٌء ِم ْن ُصوف ُم َخ َّط ٌط‪َ .‬و َم ْع َنى‬ ‫(( ُم ْج َتا ِبي َها))‪ ،‬أي‪ :‬لاَ ِبسي َها َق ْد َخ َر ُقو َها في ُرؤو ِس ِهم‬ ‫(( َت َم َّع َر)) أ ْي َت َغ َّي َر‬

‫(( َكأَ َّن ُه ُم ْذ َه َب ٌة)) المقصود به الصفا ُء والاستنارة‬ ‫سبب َت َم ُّع ِر َو ْجه رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ش َّدة احتياج هؤلاء مع عدم‬ ‫مواساة الأغنياء لهم‪ ،‬مما يدفع ضررهم‪ ،‬ولهذا استنار وجهه حين حصل ما‬ ‫يسد فاقتهم‪.‬‬ ‫حديث جرير بن عبد اله البجلي رضي الله عنه‪ ،‬وهو حديث عظيم يتبين منه‬ ‫حرص النبي صلى الله عليه وسلم وشفقته على أمته صلوات الله وسلامه‬ ‫عليه‬ ‫فبينما هم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في أول النهار إذا جاء قوم‬ ‫عامتهم من مضر أو كلهم من مضر مجتابي النمار‪ ،‬مقلدي السيوف رضي‬ ‫الله عنهم‬ ‫يعني أن الإنسان ليس عليه إلا ثوبه قد اجتباه يستر به عورته‪ ،‬وقد ربطه‬ ‫على رقبته‪ ،‬ومعهم السيوف استعدادا لما يؤمرون به من الجهاد رضي الله‬ ‫عنهم‪.‬‬ ‫فتمعر وجه النبي صلى الله عليه وسلم‬ ‫يعني تغير وتلون لما رأى فيهم من الحاجة‪ ،‬وهم من مضر‪ ،‬من أشرف قبائل‬ ‫العرب‪ ،‬وقد بلغت بهم الحاجة إلى هذا الحال‬ ‫ثم دخل بيته عليه الصلاة والسلام‪ ،‬ثم خرج‪ ،‬ثم أمر بلالا فأذن‪ ،‬ثم صلى‪ ،‬ثم‬ ‫خطب الناس عليه الصلاة والسلام‪ ،‬فحمد الله صلى الله عليه وسلم كما هي‬ ‫عادته‪ ،‬ثم قرا قول الله تعالى‪َ ( :‬يا أَ ُّي َها ال َّنا ُس ا َّت ُقوا َر َّب ُك ُم ا َّل ِذي َخلَ َق ُك ْم ِم ْن‬ ‫َن ْفس َوا ِح َدة َو َخ َل َق ِم ْن َها َز ْو َج َها َو َب َّث ِم ْن ُه َما ِر َجالا َك ِثيرا َونِ َساء َوا َّت ُقوا ال َّل َه‬ ‫ا ّلَ ِذي َت َسا َءلُو َن ِب ِه َوا ْلأَ ْر َحا َم إِ َّن ال َّل َه َكا َن َعلَ ْي ُك ْم َرقِيبا) (النساء‪ ، )1 :‬وقوله‬ ‫تعالى‪َ ( :‬يا أَ ُّي َها ا َّل ِذي َن آ َم ُنوا ا َّتقُوا ال َّل َه َو ْل َت ْن ُظ ْر َن ْف ٌس َما َق َّد َم ْت لِ َغد َوا َّت ُقوا ال َّل َه إِ َّن‬ ‫ال َّلهَ َخبِي ٌر ِب َما َت ْع َملُو َن) (الحشر‪)18 :‬‬

‫ثم حث على الصدقة‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫تصدق رجل بديناره‪ ،‬وتصدق بدرهمه‪ ،‬تصدق بثوبه‪ ،‬تصدق بصاع بره‪،‬‬ ‫تصدق بصاع تمره‪ ،‬حتى ذكر ولو شق تمرة‬ ‫وكان الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ أحرص الناس على الخير‪ ،‬وأسرعهم‬ ‫إليه‪ ،‬وأشدهم مسابقة‪ ،‬فخرجوا إلى بيوتهم فجاءوا بالصدقات‪ ،‬حتى جاء‬ ‫رجل بصرة معه في يده كادت تعجز يده عن حملها‪ ،‬بل قد عجزت من فضة‬ ‫ثم وضعها بين يدي الرسول عليه الصلاة والسلام‬ ‫ثم رأى جرير كومين من الطعام والثياب وغيرها قد جمع في المسجد‪ ،‬فصار‬ ‫وجه النبي عليه الصلاة والسلام بعد أن تعمر‪ ،‬صار يتهلل كأنه مذهبة‪ ،‬يعني‬ ‫من شدة بريقه ولمعانه وسروره عليه الصلاة والسلام لما حصل من هذه‬ ‫المسابقة التي فيها سد حاجة هؤلاء الفقراء‬ ‫ثم قال صلى الله عليه وسلم (من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها‪،‬‬ ‫وأجر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء‪ ،‬ومن سن‬ ‫في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير‬ ‫أن ينقص من أوزارهم شيء) ‪.‬‬ ‫والمراد بالسنة في قوله صلى الله عليه وسلم‪( :‬من سن في الإسلام سنة‬ ‫حسنة)‬ ‫ابتدأ العمل بسنة‪ ،‬وليس من أحدث؛ لأن من أحدث في الإسلام ما ليس منه‬ ‫فهو رد وليس بحسن‪ ،‬لكن المراد بمن سنها أي صار أول من عمل بها؛‬ ‫كهذا الرجل الذي جاء بالصرة رضي الله عنه‪ ،‬فدل هذا على أن الإنسان إذا‬ ‫وفق لسن سنة في الإسلام سواء بادر إليها أو أحياها بعد أن أميتت‪.‬‬ ‫وذلك لأن السنة في الإسلام ثلاثة أقسام‪:‬‬ ‫سنة سيئة‪ :‬وهي البدعة‪ ،‬فهي سيئة وإن استحسنها من سنها لقول النبي‬ ‫صلى الله عليه وسلم‪( :‬كل بدعة ضلالة) ‪.‬‬

‫وسنة حسنة‪ :‬وهي على نوعين‪:‬‬ ‫النوع الأول‪ :‬أن تكون السنة مشروعة ثم يترك العمل بها ثم يوجد من‬ ‫يجددها‪ ،‬مثل قيام رمضان بإمام‪ ،‬فإن النبي صلى الله عليه وسلم شرع لأمته‬ ‫في أول الأمر الصلاة بإمام في قيام رمضان‪ ،‬ثم تخلف خشية أن تفرض على‬ ‫الأمة‪ ،‬ثم ترك الأمر في آخر حياة النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وفي عهد أبي‬ ‫بكر رضي الله عنه وفي أول خلافة عمر‪ ،‬ثم رأى عمر رضي الله عنه أن‬ ‫يجمع الناس على إمام واحد ففعل‪ ،‬فهو رضي الله عنه قد سن في الإسلام‬ ‫سنة حسنة؛ لأنه أحيا سنة كانت قد تركت‪.‬‬ ‫والنوع الثاني‪ :‬من السنن الحسنة أن يكون الإنسان أول من يبادر إليها‪ ،‬مثل‬ ‫حال الرجل الذي بادر بالصدقة حتى تتابع الناس ووافقوه على ما فعل‪.‬‬ ‫فالحاصل أن من سن في الإسلام سنة حسنة‪ ،‬ولا سنة حسنة إلا ما جاء به‬ ‫الشرع فله أجره وأجر من عمل بها من بعده‪.‬‬ ‫فالمراد في الحديث من سابق إليها وأسرع‪ ،‬كما هو ظاهر السبب في‬ ‫الحديث‪ ،‬أو من أحياها بعد أن أميتت فهذا له أجرها وأجر من عمل بها‬ ‫وفي الحدي ِث الترغيب في فعل السنن التي أميتت وتركت وهجرت‪ ،‬فإنه يكتب‬ ‫لمن أحياها أجرها وأجر من عمل بها‬ ‫وفيه التحذير من السنن السيئة‪ ،‬وأن من سن سنة سيئة؛ فعليه وزرها‬ ‫ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة‬

‫الحديث الثاني والسبعون بعد المائة‬ ‫وعن اب ِن مسعود رضي الله عنه أن ال َّنبي صلى الله عليه وسلم َقالَ‪َ (( :‬ل ْي َس‬ ‫ِم ْن َن ْفس ُت ْق َتلُ ُظ ْلما إلا َكا َن َعلَى ا ْب ِن آ َد َم الأ ْو ِل ِك ْفلٌ ِم ْن َد ِم َها‪ ،‬لأَ َّن ُه َكا َن أ َّولَ‬ ‫َم ْن َس َّن ال َقتلَ))‬ ‫( ُم َّت َف ٌق َع َلي ِه)‬ ‫شرح الحديث‬ ‫م ِن ابتد َع في ال ِّدي ِن أو َس َّن ُس َّنة س ِّي َئة فإ َّن عليها ِو ْز َر ذلك و ِو ْز َر َم ْن عملَ‬ ‫بها إلى يو ِم القيام ِة‬ ‫و َل َّما كا َن اب ُن آد َم الأ َّولُ هو أ َّولَ َمن َس َّن القتلَ بِغي ِر ح ٍّق‪ ،‬وذلك ِبقتلِه َأخاه؛‬ ‫فإ َّن عليه و ْزرا و ِكفلا‪ ،‬أي‪ :‬نصيبا ِمن كلِّ ق ْتل يح ُد ُث إلى يو ِم القيام ِة‬ ‫واب ُن آد َم الأ َّولُ هو قابيل الذي قتل أخاه هابيل‬ ‫وهو ا َّلذي ق َّص اللهُ سبحانه وتعالى علينا قِ َّص َته في سور ِة المائد ِة في قولِه‪:‬‬ ‫{ َوا ْتلُ َع َل ْي ِه ْم َن َبأَ ا ْب َن ْي آَ َد َم ِبا ْل َح ِّق إِ ْذ َق َّر َبا قُ ْر َبانا‪[ } .....‬المائدة‪]31 – 27 :‬‬

‫المقدمة‬ ‫باب في الدلاله على خير والدعاء إلي هدى أو ضلالة‬ ‫الحديث الثالث والسبعون بعد المائة‬ ‫عن أَبي مسعود ُعقب َة ب ِن عمرو الأنصاري البدري رضي الله عنه َقالَ‪َ :‬قالَ‬ ‫رسولُ الله صلى الله عليه وسلم‪َ (( :‬م ْن َدلَّ َعلَى َخ ْير َفلَ ُه ِم ْثلُ أ ْج ِر َفا ِعلِ ِه))‬ ‫رواه مسلم‬ ‫وأوله عن أبي مسعود قال‪ :‬جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫فقال‪ :‬إني أب ِدع بي فاحملني‪ .‬قال‪(( :‬ما عندي))‪ .‬قال رجل‪َ :‬يا رسول الله‪ ،‬أنا‬ ‫أدله على من يحمله‪ ،‬فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪:‬‬ ‫((من دلَّ على خير فله مثل أجر فاعله))‬ ‫شرح الحديث‬ ‫الح ُّض على فِع ِل الخي ِر وال َّتحري ُض عليه من أسبا ِب َتكا ُف ِل المجتم ِع المسلِ ِم‬ ‫و َتكا ُملِه‪.‬‬ ‫وفي هذا الحدي ِث أ َّن هذا ال َّر ُجلَ َل َّما جاء إلى ال َّنب ِّي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وقال‬ ‫له‪ :‬إ ِّني أُ ْب ِد َع بي َيع ِني‪ :‬ان َق َط َع بي ال َّسبيلُ؛ لأ َّن دا َّبتي قد مات ْت‬ ‫فاح ِم ْل ِني‪ :‬أي اج َع ْلنِي محمولا على دا َّبة غي ِرها‪.‬‬ ‫فاع َت َذ َر له ال َّنب ُّي صلَّى اللهُ عليه وس َّلم أ َّنه ليس عن َده شي ٌء َيح ِملُه عليه‪ ،‬فقال‬ ‫رجلٌ كان حا ِضرا هذا ال َموق َف‪ :‬أنا أَ ُد ُّله على َمن َيح ِملُه‬ ‫فقال له ص َلّى اللهُ عليه وسلَّم‪َ ( :‬من َدلَّ على َخير فله ِمثلُ أَ ْج ِر فا ِعلِه)‬ ‫لأ َّنه َتس َّب َب في ُحصولِه و ِفع ِله والإعا َن ِة عليه‬ ‫و َقولُه صلَّى اللهُ عليه وس َّلم‪( :‬له ِمثلُ أَ ْج ِر فاعلِه) أي‪ :‬أ َّن لل َّدالِّ َثوابا كما أ َّن‬ ‫للفاع ِل َثوابا‬ ‫وفي الحدي ِث ‪َ :‬فضلُ َم ْن دلَّ على َخير‪ ،‬وفيه أيضا َفضلُ َمن أعا َن على فِ ْع ِل‬ ‫الخي ِر‪ ،‬و َفضلُ َتعلي ِم الخي ِر خا َّصة لِ َم ْن َيعملُ به‪.‬‬

‫الحديث الرابع والسبعون بعد المائة‬ ‫وعن أَبي هريرة رضي الله عنه‪ :‬أ َّن َر ُسول الله صلى الله عليه وسلم‪َ ،‬قالَ‪:‬‬ ‫(( َم ْن َد َعا إِلَى ُه َدى‪َ ،‬كا َن َل ُه ِم َن ال َأ ْج ِر ِم ْثلُ أ ُجو ِر َم ْن َتبِ َعه‪ ،‬لاَ َي ْنقُ ُص ذ ِل َك ِم ْن‬ ‫أ ُجو ِره ْم َشيئا‪َ ،‬و َم ْن َد َعا إِلَى َضلاَ َلة‪َ ،‬كا َن َعلَي ِه ِم َن الإ ْث ِم ِم ْثلُ آ َثا ِم َم ْن َتبِ َع ُه‪ ،‬لا‬ ‫َي ْن ُق ُص ذلِ َك ِم ْن آ َثا ِم ِه ْم َشيئا))‬ ‫رواه مسلم‬ ‫شرح الحديث‬ ‫عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‪\" :‬من دعا‬ ‫إلى هدى؛ كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم‬ ‫شيئا\" من دعا إلى هدى‪ :‬يعني بينه للناس ودعاهم إليه‬ ‫مثل أن يبين للناس أن ركعتي الضحى سنة‪ ،‬وأنه ينبغي للإنسان أن يصلي‬ ‫ركعتين في الضحى‪ ،‬ثم تبعه الناس وصاروا يصلون الضحى‪ ،‬فإن له مثل‬ ‫أجورهم من غير أن ينقص من أجورهم شيئا؛ لأن فضل الله واسع‬ ‫\"و من دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك‬ ‫من آثامهم شيئا\" أي إذا دعا إلى وزر وإلى ما فيه الإثم‪ ،‬مثل أن يدعو الناس‬ ‫إلى لهو أو باطل أو غناء أو ربا أو غير ذلك من المحارم‪ ،‬فإن كل إنسان‬ ‫تأثر بدعوته فإنه ُيكتب له مثل أوزارهم؛ لأنه دعا إلى الوزر‬ ‫والدعوة إلى الهدي والدعوة إلى الوزر تكون بالقول؛ كما لو قال أفعل كذا‬ ‫أفعل كذا‪ ،‬وتكون بالفعل خصوصا من الذي ُيقتدي به من الناس‪ ،‬فإنه إذا كان‬ ‫ُيقتدي به ثم فعل شيئا فكأنه دعا الناس إلى فعله‬ ‫وفي هذا دليلٌ على أن المتسبب كالمباشر‪ ،‬فهذا الذي دعا إلى الهدى تسبب‬ ‫فكان له مثل أجر من فعله‪ ،‬والذي دعا إلى السوء أو إلى الوزر تسبب فكان‬ ‫عليه مثل وزر من اتبعه‪.‬‬ ‫وقد أخذ العلماء الفقهاء من ذلك قاعدة‪( :‬بأن السبب كالمباشرة)‬

‫الحديث الخامس والسبعون بعد المائة‬ ‫وعن أَبي العباس سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه‪ :‬أ َّن َر ُسول الله‬ ‫صلى الله عليه وسلم َقالَ يوم َخي َبر‪(( :‬لأُ ْع ِط َي َّن ال َّرا َي َة َغدا رجلا َي ْف َت ُح الله َع َلى‬ ‫َي َدي ِه‪ُ ،‬يح ُّب الل َه َو َرسو َل ُه‪ ،‬و ُي ِح ُّب ُه اللهُ َو َر ُسولُ ُه))‪َ ،‬ف َبا َت ال َّنا ُس َي ُدو ُكو َن َل ْي َل َت ُه ْم‬ ‫أ ُّي ُه ْم ُي ْع َطا َها‪َ .‬ف َل َّما أ ْص َب َح ال َّنا ُس َغ َد ْوا َعلَى رسو ِل الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫ُكلُّ ُه ْم َي ْر ُجو أ ْن ُي ْع َطا َها‪َ .‬ف َقالَ‪(( :‬أي َن َعلِ ُّي ب ُن أَبي طالب؟)) فقيلَ‪َ :‬يا رسولَ‬ ‫الله‪ُ ،‬ه َو َي ْش َتكي َع ْي َني ِه‪َ .‬قالَ‪َ (( :‬فأَ ْر ِسلُوا إِلَ ْيه)) َفأُتِ َي ِب ِه َف َب َص َق رسولُ الله‬ ‫صلى الله عليه وسلم في َع ْي َن ْي ِه‪َ ،‬و َد َعا َل ُه َف َب ِر َئ َح َّتى كأ ْن لَ ْم ي ُكن بِ ِه َو َج ٌع‪،‬‬ ‫فأ ْعطاهُ ال َّرا َي َة‪ .‬ف َقالَ َعلي رضي الله عنه‪َ :‬يا َر ُسول الل ِه‪ ،‬أقا ِتلُه ْم َح َّتى َي ُكو ُنوا‬ ‫ِم ْثلَ َنا؟ َف َقالَ‪(( :‬ا ْن ُف ْذ َعلَى ِر ْسلِ َك َح َّتى َت ْن ِزلَ ب َسا َحته ْم‪ُ ،‬ث َّم ا ْد ُع ُه ْم إِلَى الإ ْسلاَ ِم‪،‬‬ ‫َوأ ْخ ِب ْر ُه ْم بِ َما َي ِج ُب َع َل ْي ِه ْم ِم ْن َح ِّق اللهِ َت َعا َلى ِفي ِه‪َ ،‬ف َوالله لأَ ْن َي ْه ِد َي اللهُ بِ َك‬ ‫َر ُجلا َوا ِحدا َخي ٌر لَ َك ِم ْن ُح ْم ِر ال َّن َعم))‬ ‫ُم َّت َف ٌق َع َلي ِه‬ ‫شرح الحديث‬ ‫(( َي ُدو ُكو َن))‪ :‬أي َي ُخو ُضو َن َو َي َت َح َّد ُثو َن‪.‬‬ ‫وخيبر مزارع وحصون لليهود‪ ،‬وسكنها اليهود كما سكن طائفة منهم‬ ‫المدينة نفسها‪ ،‬وحصل منهم ما حصل من العهد مع النبي عليه الصلاة‬ ‫والسلام‪ ،‬ثم الخيانة‪ ،‬وكانوا في المدينة ثلاث قبائل‪ :‬بنو قينقاع‪ ،‬وبنو‬ ‫النضير‪ ،‬وبنو قريظة‪ ،‬وكلهم عاهد النبي صلى الله عليه الصلاة والسلام‪،‬‬ ‫ولكنهم نقضوا العهد كلهم‪ ،‬فهزمهم الله على يد النبي صلى الله عليه وسلم‬ ‫قوله صلي الله عليه وسلم‪ \" :‬لأعطين الراية رجلا يفتح الله على يديه‪ ،‬يحب‬ ‫الله ورسوله ويحبه اللهُ ورسولُه\" هذا يتضمن بشرى عامة‪ ،‬وبشرى خاصة‬ ‫أما العامة فهي قوله‪ \" :‬يفتح الله على يديه\"‬

‫وأما الخاصة فهي قوله‪ \" :‬يجب الله ورسو َله ويحبه اللهُ ورسولُه\"‬ ‫وهما منقبتان عظيمتان‪.‬‬ ‫الأولى‪ :‬أن يفتح الله على يديه؛ لأن من فتح الله على يديه نال خيرا كثيرا‪،‬‬ ‫فإنه إذا هدى الله به رجلا واحدا‪ ،‬كان خيرا له من حمر النعم‪ :‬يعني من الإبل‬ ‫الحمر وإنما خص الإبل الحمر؛ لأنها أغلى الأموال عند العرب‪.‬‬ ‫الثانية‪ :‬يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله‪ ،‬وفي ذلك فضل لعلى بن أبي‬ ‫طالب رضي الله عنه لأن الناس في تلك الليلة جعلوا يدوكون يعني يخوضون‬ ‫ويتكلمون من هذا الرجل؟‬ ‫فلما أصبح النبي صلى الله عليه وسلم قال‪ \" :‬أين علي بن أبي طالب؟ \"‬ ‫فقيل‪ :‬هو يشتكي عينيه‬ ‫يعني أن عينيه تؤلمه ويشتكيها‪ ،‬فدعا به فأتي به‪ ،‬فبصق في عينيه ودعا له‬ ‫فبرئ كأن لم يكن به وجع‪ ،‬وهذه من آيات الله عز وجل‬ ‫وفي الحدي ِث ‪ :‬دليل على أن الإنسان قد يهبه الله تعالى من الفضائل ما لم‬ ‫يخطر له على بال‪ ،‬فعلي ليس حاضرا وربما لا يكون عنده علم بأصل‬ ‫المسألة ومع ذلك جعل الله له هذه المنقبة ففي هذا دليلٌ على أن الإنسان قد‬ ‫يحرم الشيء مع ترقبه له‪ ،‬وقد ُيعطى الشيء مع عدم خطوره على باله‬ ‫فقال علي رضي الله عنه \" يا رسول الله أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا\" يعني‬ ‫أقاتلهم حتى يكونوا مسلمين أم ماذا فقال له النبي صلى الله عليه وسلم‪:‬‬ ‫\" انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم\"‬ ‫ولم يقل له قاتلهم حتى يكونوا مثلنا‪ ،‬وذلك لأن الكفار لا يقاتلون على الإسلام‬ ‫ويرغمون عليه‪ ،‬وإنما يقاتلون ليذلوا لأحكام الإسلام فيعطوا الجزية عن يد‬ ‫وهم صاغرون أو يدخلوا في الإسلام‬ ‫قوله‪ \" :‬على رسلك\" أي لا تمشيك عجلا فتتعب أنت‪ ،‬ويتعب الجيش‪ ،‬ويتعب‬ ‫من معك‪ ،‬ولكن على رسلك حتى تنزل بساحتهم أي يجانبهم‬

‫قوله صلى الله عليه وسلم‪ \" :‬ثم ادعهم إلى الإسلام وأخبرهم‬ ‫بما يجب عليهم من حق الله فيه\" فأمره صلى الله عليه وسلم بأمرين‪:‬‬ ‫الأمر الأول‪ :‬الدعوة إلى الإسلام‬ ‫الأمر الثاني‪ :‬قال‪ \" :‬وأخبرهم بما يحب عليهم من حق الله تعالى فيه\" وهو‬ ‫السمع والطاعة لأوامر الله ورسوله‬ ‫وفي الحدي ِث ‪ :‬في قوله صلى الله عليه وسلم‪ \" :‬فو الله لأن يهدي الله بك‬ ‫رجلا واحدا خير لك من حمر النعم\"‬ ‫يهديه‪ :‬أي يوفقه بسببك إلى الإسلام فإنه خير لك من حمر النعم يعني من‬ ‫الإبل الحمر‪ ،‬وذلك لأن الإبل الحمر عند العرب كانت من أنفس الأموال‬ ‫وفي هذا الحديث من الفوائد‪:‬‬ ‫ظهور آية من آيات النبي صلى الله عليه وسلم وهي أنه لما بصق في عيني‬ ‫على بن أبي طالب رضي الله عنه برىء حتى كأن لم يكن به وجع‪.‬‬ ‫وفيه أيضا آية أخرى‪ :‬وهي قوله\" يفتح الله علي يديه\" وهي خبر غيبي‪،‬‬ ‫ومع ذلك فتح الله علي يديه‪.‬‬ ‫وفيه أيضا من الفوائد‪ :‬تحري الإنسان للخير والسبق إليه لأن الصحابة‬ ‫جعلوا في تلك الليلة يبحثون من يكون‪.‬‬

‫الحديث السادس والسبعون بعد المائة‬ ‫وعن أنس رضي الله عنه‪ :‬أن فتى ِم ْن أسلم َقالَ‪َ :‬يا َر ُسول الله‪ ،‬إ ِّني أُ ِري ُد‬ ‫ال َغ ْز َو َو َل ْي َس معي َما أ َت َج َّهز ِب ِه‪َ ،‬قالَ‪(( :‬ائ ِت ُفلاَنا فإ َّن ُه َق ْد َكا َن َت َج َّه َز‬ ‫َف َم ِر َض)) َفأ َتاهُ‪َ ،‬ف َقالَ‪ :‬إ َّن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ُي ْق ِر ُئ َك ال َّسلا َم‪،‬‬ ‫َو َيقُولُ‪ :‬أ ْعطني ا َّل ِذي َت َج َّه ْز َت ِب ِه‪َ ،‬ف َقالَ‪َ :‬يا ُفلاَ َن ُة‪ ،‬أ ْع ِطي ِه ا ّلَ ِذي َت َج َّه ْز ُت ِب ِه‪،‬‬ ‫َولا َت ْحبِسي ِم ْن ُه َشيئا‪َ ،‬فواللهِ لا َت ْح ِب ِسين ِم ْن ُه َشيئا َف ُي َبار َك َل ِك ِفي ِه‬ ‫( رواه مسلم)‬ ‫شرح الحديث‬ ‫هذا الحديث فيه الدلالة على الخير‪ ،‬فإن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه‬ ‫وسم ليطلب منه أن يتجهز إلى الغزو‪ ،‬فأرشده النبي صلى الله عليه وسمل‬ ‫ودله على رجل كان قد تجهز براحلته وما يلزمه لسفره ولكنه مرض‪ ،‬فلم‬ ‫يتمكن من الخروج إلى الجهاد‬ ‫فجاء الرجل إلى صاحبه الذي كان قد تجهز فأخبره بما قال النبي صلى الله‬ ‫عليه وسلم‪ ،‬فقال لامرأته‪ :‬أخرجي ما تجهزت به ولا تحبسي منه شيئا‪ ،‬فو‬ ‫الله لا تحبسين منه شيئا ف ُيبارك لنا فيه‬ ‫ففي هذا دليلٌ على أن الإنسان إذا دل أحدا على الخير فإنه يثاب على ذلك‪،‬‬ ‫وقد سبق أن \" من دل على خير فله مثل أجر فاعله\"‪.‬‬ ‫وفيه دليلٌ أيضا على أن من أراد عملا صالحا فحبسه عنه مرض‪ ،‬فإنه‬ ‫ينبغي أن يدفع ما بذله لهذا العمل الصالح إلى من يقوم به حتى يكتب له‬ ‫الأجر كاملا‪ ،‬لأن الإنسان إذا مرض وقد أراد العمل وتجهز له‪ ،‬ولكن حال‬ ‫بينه وبين العمل مرضه‪ ،‬فإنه يكتب له الأجر كاملا‬

‫المقدمة‬ ‫باب التعاون على البر والتقوى‬ ‫الحديث السابع والسبعون بعد المائة‬ ‫وعن أَبي عبد الرحمن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه َقالَ‪َ :‬قالَ رسولُ‬ ‫الله صلى الله عليه وسلم‪َ (( :‬م ْن َج َّه َز َغا ِزيا في َسبي ِل اللهِ َف َق ْد َغ َزا‪َ ،‬و َم ْن َخلَ َف‬ ‫َغازيا في أ ْهلِ ِه ِب َخير َف َق ْد َغ َزا))‬ ‫ُم َّت َف ٌق َع َلي ِه‬ ‫شرح الحديث‬ ‫\" من جهز غازيا في سبيل الله فقد غزا‪ ،‬ومن خلف غازيا في أهله بخير فقد‬ ‫غزا\"‬ ‫وهذا من التعاون على البر والتقوى‪ ،‬فإذا جهز الإنسان غازيا‪ ،‬يعني براحلته‬ ‫ومتاعه وسلاحه‪ ،‬ثلاثة أشياء‪ :‬الراحلة‪ ،‬والمتاع‪ ،‬والسلاح‪ ،‬إذا جهزه بذلك‬ ‫فقد غزا‪ ،‬أي كتب له أجر الغازي‪ ،‬لأنه أعانه على الخير‬ ‫وكذلك من خلفه في أهله بخير فقد غزا‪ ،‬يعني لو أن الغازي أراد أن يغزو‬ ‫ولكنه أشكل عليه أهله من يكون عند حاجاتهم‪ ،‬فانتدب رجلا من المسلمين‬ ‫وقال‪ :‬أخلفني في أهلي بخير‪ ،‬فإن هذا الذي خلفه يكون له أجر الغازي؛ لأنه‬ ‫أعانه‬ ‫فإعانة الغازي تكون على وجهين‪:‬‬ ‫الأول‪ :‬أن يعينه في رحله‪ ،‬ومتاعه‪ ،‬وسلاحه‪.‬‬ ‫والثاني‪ :‬أن يعينه في كونه خلفا عنه في أهله؛ لأن هذا من أكبر العون‬ ‫ويؤخذ من مثال الغازي أن كل من أعان شخصا في طاعة الله فله مثل أجره‪،‬‬ ‫فالقاعدة العامة‪ :‬أن من أعان شخصا في طاعة من طاعة الله كان له مثل‬ ‫أجره‪ ،‬من غير أن ينقص من أجره شيئا‬

‫الحديث الثامن والسبعون بعد المائة‬ ‫وعن أَبي سعيد الخدري رضي الله عنه‪ :‬أن َر ُسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫بعث بعثا إِ َلى بني لِ ْح َيان ِم ْن ُه َذ ْيل‪َ ،‬ف َقالَ‪:‬‬ ‫((لِ َي ْن َب ِع ْث ِم ْن ُكلِّ َر ُجلَ ْي ِن أَ َح ُد ُه َما َوالأ ْج ُر َب ْي َن ُه َما))‬ ‫رواه مسلم‬ ‫شرح الحديث‬ ‫والمقصود من ذلك ألا تخرج القبيلة بأسرها‪ ،‬كما قال الله تعالى‪َ ( :‬و َما َكا َن‬ ‫ا ْل ُم ْؤ ِم ُنو َن لِ َينفِ ُرو ْا َكآ َّفة َفلَ ْولاَ َن َف َر ِمن ُكلِّ ِف ْر َقة ِّم ْن ُه ْم َطآئِ َف ٌة ِّل َي َت َف َّق ُهو ْا فِي ال ِّدي ِن‬ ‫َولِ ُين ِذ ُرو ْا َق ْو َم ُه ْم إِ َذا َر َج ُعو ْا إِلَ ْي ِه ْم َل َع َّل ُه ْم َي ْح َذ ُرو َن) [التوبة‪]122:‬‬ ‫فيخرج من كل رجلين رجل من هذه القبيلة‪ ،‬ويبقى البقية يتعاهدون أهل‬ ‫هؤلاء الذين قد خرجوا‪ ،‬ويقومون على حوائجهم وشئونهم‪ ،‬فقال النبي صلى‬ ‫الله عليه وسلم ‪ \" :‬والأجر بينهما\" لأن أحدهما يغزو‪ ،‬والآخر يكون رافدا‬ ‫له‪ ،‬وإلا لو كان الغزو يؤدي إلى ضياع الأولاد والأهل والأموال لما خرج‬ ‫أحد‪ ،‬فهم بحاجة إلى أن ُيخلَفوا في أهلهم بخير‬ ‫فهذا كله يدل على المعنى الذي من أجله ساق المؤلف هذه الأحاديث وهو‬ ‫التعاون على البر والتقوى‬ ‫وأن من أعان غيره على خير وفتح الباب أمامه فإنه يكون له كأجره بإذن‬ ‫الله ‪-‬تبارك وتعالى‪ -‬وهذا له صور كثيرة جدا‪ ،‬فلا يعجز الإنسان أن يكون‬ ‫سببا إلى طاعة الله يدل على الخير‬

‫الحديث التاسع والسبعون بعد المائة‬ ‫وعن ابن عباس رضي الله عنهما‪ :‬أ َّن َر ُسول الله صلى الله عليه وسلم َل ِق َي‬ ‫َر ْكبا بال َّر ْو َحا ِء‪َ ،‬ف َقالَ‪َ (( :‬م ِن ال َق ْو ُم؟)) قالوا‪ :‬المسلمون‪ ،‬فقالوا‪ :‬من أن َت؟‬ ‫َقالَ‪َ (( :‬ر ُسول الله))‪ ،‬فرفعت إِ َل ْيه امرأ ٌة صبيا‪َ ،‬ف َقالَ ْت‪ :‬ألِ َه َذا َحج؟ َقالَ‪َ (( :‬ن َع ْم‪،‬‬ ‫َو َل ِك أ ْج ٌر))‬ ‫رواه مسلم‬ ‫شرح الحديث‬ ‫عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما‪ ،‬أن النبي صلى الله عليه وسلم لقي‬ ‫ركبا بالروحاء والروحاء مكان بين مكة والمدينة‪ ،‬وكان هذا في حجة‬ ‫الوداع‪ ،‬فقال لهم‪ \" :‬من القوم؟\"‬ ‫قالوا‪ :‬المسلمون‪ ،‬فقالوا‪ :‬فمن أنت؟‬ ‫قال‪ \" :‬أنا رسول الله صلى الله عليه وسلم\"‬ ‫وكأنهم لم يعرفوه صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬إما لأن الوقت كان ليلا‪ ،‬أو أنه‬ ‫ناداهم وهو مع أصحابه صلى الله عليه وسلم فلم يميزوه‪ ،‬أو أن القوم كانوا‬ ‫ممن أسلموا في أرضهم‪ ،‬ولم يهاجروا إلى المدينة‪ ،‬فلم يتشرفوا برؤيته قبل‬ ‫ذلك‬ ‫فرفعت إليه امرأة صبيا فقالت‪ :‬لهذا حج؟ قال \" نعم ولك أجر\"‬ ‫وجاء في بعض الروايات ما يدل على أن هذا الصبي لا زال صغيرا دون سن‬ ‫التمييز‪ ،‬وهذا يدل على صحة حج الصبي‪ ،‬سواء كان مميزا‪ ،‬أو غير مميز‪،‬‬ ‫لكن ذلك لا يجزئه عن حجة الإسلام‬ ‫ألهذا حج؟ قال‪ ( :‬نعم‪ ،‬ولك أجر)‬


Like this book? You can publish your book online for free in a few minutes!
Create your own flipbook