Important Announcement
PubHTML5 Scheduled Server Maintenance on (GMT) Sunday, June 26th, 2:00 am - 8:00 am.
PubHTML5 site will be inoperative during the times indicated!

Home Explore قصص الصحابة

قصص الصحابة

Published by كتاب فلاش Flash Book, 2021-03-28 18:49:42

Description: قصص الصحابة

Search

Read the Text Version

‫‪www.alukah.net‬‬ ‫ﺷﺒﻜﺔ‬ ‫‪M‬‬ ‫فق�ال قومه‪ :‬لقد خرج محم�د بن عبد الله فينا يزعم أنه نبي‬ ‫آخر الزمان‪ ،‬وقد تبعه أبو بكر‪.‬‬ ‫وتذك�ر طلح�ة قول الراهب ل�ه‪ ،‬ثم فكر قليًل�اً ‪ :‬محمد بن‬ ‫عب�د الله‪ ،‬إنه الصادق الأمين ال�ذي لم يجرب الناس عليه كذ ًبا‪،‬‬ ‫وأب�و بكر ذلك الرجل الذي كانت قريش جميعها تعرف أمانته‬ ‫وحسن أخلاقه‪.‬‬ ‫وانطل�ق طلحة إلى دار أبي بكر يس�أله عن أم�ر هذا الدين‬ ‫الجدي�د‪ ،‬والنبي الأخير‪ ،‬واس�تقبله الصديق في حف�اوة بالغة‪،‬‬ ‫وراح يحدثه عن الإسلام في رقة وعذوبة‪ ،‬وهو يس�تمع منص ًتا‬ ‫إلى أبي بكر وقد أعجبه الإسلام‪ ،‬ولم يجد طلحة فر ًقا بين كلام‬ ‫الراهب وكلام أبي بكر‪.‬‬ ‫وأحس الصديق بأن الإيمان قد غزا قلب طلحة فأخذه إلى‬ ‫رس�ول الله‪ ،0‬وفي دار النب�ي ‪0‬جل�س طلحة‬ ‫أمام�ه وهو يتلو عليه آيات الله من الق�رآن‪ ،‬ورأى طلحة النور‬ ‫يغشاه‪ ،‬والطمأنينة تسكن قلبه‪.‬‬ ‫‪100 n‬‬ ‫‪‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬ ‫ﺷﺒﻜﺔ‬ ‫‪M‬‬ ‫فس�الت الدموع على خديه وهو يعلن‪ :‬أشهد أن لا إله إلا‬ ‫الله وأن محم ًدا رسول الله‪.‬‬ ‫ولم يسبق أحد طلحة إلى الإسلام إلا ثلاثة فقط‪ ،‬وتحققت‬ ‫نبوءة الراهب البصري‪.‬‬ ‫وخ�رج طلحة من عند رس�ول الله ‪ 0‬قد أشرقت‬ ‫ش�مس الإيامن في قلبه‪ ،‬وس�طع نور الح�ق في نفس�ه‪ ،‬فأصبح‬ ‫الإسلام خي ًرا له م�ن الدني�ا وما عليه�ا‪ ،‬وأصبح رس�ول الله‬ ‫‪0‬أحب الناس إلى قلبه‪.‬‬ ‫ولكن قري ًش�ا علمت بإسلام طلحة بن عبيد الله التيمي‪،‬‬ ‫ولم يك�ن طلحة عب ًدا ممل�و ًكا كبلال وخباب ولكنه كان س�ي ًدا‬ ‫شري ًفا‪ ،‬فأثر ذلك في نفوس�هم‪ ،‬فدعوه بالرف�ق أولاً ليعود عن‬ ‫الإسلام إلى دين قومه‪ ،‬لكنه كان ق�د ذاق حلاوة الإيمان فأبى‬ ‫إلا أن يظل على الإسلام ولو كلفه ذلك حياته‪.‬‬ ‫ولم تس�كت قري�ش عن�ه‪ ،‬فق�د أمروا أس�د قري�ش‪ ،‬وهو‬ ‫«نوفل ب�ن خويلد» ليعذب طلحة ومعه أبا بكر الصديق‪ ،‬فقام‬ ‫‪n 101‬‬ ‫‪ ‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬ ‫ﺷﺒﻜﺔ‬ ‫‪M‬‬ ‫«نوفل» وهو القوي الشديد فربط أبا بكر وطلحة في حبل واحد‬ ‫وتركهما للغلمان والس�فهاء يضربونهما بالحج�ارة‪ ،‬ويعذبونهما‪،‬‬ ‫ولكن خرجت كلمات الإيمان منهما‪.‬‬ ‫لا إله إلا الله محمد رسول الله‪.‬‬ ‫ولما يئست قريش منهما تركوهما وقد زادهما التعذيب إيما ًنا‬ ‫وقوة وصلابة‪ ،‬وسمي الرجلان‪ :‬بـ «القرينين»؛ فقد جمع بينهما‬ ‫الإيمان والتضحية في سبيل الله‪.‬‬ ‫جهاد طلحة بن عبيد الله‬ ‫ثلاثة عشر عا ًما هي عمر الإسلام في مكة ذاق المس�لمون‬ ‫فيه�ا صن�وف العذاب والإي�ذاء‪ ،‬لكنهم صبروا على ما أوذوا‬ ‫حتى أتاهم نصر الله تعالى‪.‬‬ ‫وكلما اش�تدت ن�ار الع�ذاب في مكة‪ ،‬اش�تعلت في القلب‬ ‫حرارة الإيمان وتوهجت‪ ،‬ووسط ظلمات مكة كان النور يشرق‬ ‫في قلوب بعض الناس ليدخلوا في دين الله‪.‬‬ ‫‪102 n‬‬ ‫‪ ‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬ ‫ﺷﺒﻜﺔ‬ ‫‪M‬‬ ‫لك�ن العذاب ي�زداد يو ًما بعد يوم‪ ،‬ولذل�ك أمر الله تعالى‬ ‫نبيه بالهجرة من مكة إلى المدينة‪.‬‬ ‫ونظ�ر أبو طلحة إلى المدينة ليجدها هي تلك الأرض التي‬ ‫فيه�ا «نخيل وم�اء»‪ ،‬وتذكر كلمات راهب بصري‪ ،‬واس�تبشر‬ ‫بنصر الله تعالى للمسلمين‪.‬‬ ‫ونادى منادي الجهاد‪ ،‬فركب طلحة فرسه مجاه ًدا في سبيل‬ ‫الله؛ ليك�ون في مقدمة جيش المس�لمين المقات�ل ضد المشركين‪،‬‬ ‫وقب�ل غ�زو ب�در أرس�له النب�ي م�ع س�عيد ب�ن زي�د في مهمة‬ ‫اس�تطلاعية‪ ،‬وذل�ك ليعرفا ع�دد المشركين وم�كان تجمعهم‪،‬‬ ‫وعادا إلى المدينة ليجدا نصرالله قد تنزل على المسلمين‪ ،‬فأعطاهما‬ ‫النبي ‪0‬من الغنائم‪ ،‬ف�كان طلحة هو الحاضر الغائب‬ ‫يوم بدر‪.‬‬ ‫وكان ي�وم «أحد» هو يوم طلحة بح�ق‪ ،‬وكان أبو بكر إذا‬ ‫ذك�ر أمامه م�ا حدث في ُأحد ق�ال‪« :‬ذاك يوم طلح�ة»‪ ،‬في يوم‬ ‫أحد كان النصر حلي ًفا للمسلمين في بداية الأمر‪.‬‬ ‫‪n 103‬‬ ‫‪‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬ ‫ﺷﺒﻜﺔ‬ ‫‪M‬‬ ‫ولكن المس�لمين من الرم�اة عصوا أمر رس�ولهم‪ ،‬وتركوا‬ ‫أماكنهم‪ ،‬فانكشف المسلمون‪.‬‬ ‫وجاء خالد بن الوليد ‪ -‬وكان كاف ًرا وقتها ‪ -‬فهجم هجو ًما‬ ‫ش�دي ًدا على مؤخرة جيش المس�لمين فارتب�ك الجيش ووقع في‬ ‫صفوفه الخوف‪ ،‬وانقلب النصر إلى هزيمة‪.‬‬ ‫وكان غ�رض المشركين قت�ل رس�ول الله ‪،0‬‬ ‫فأح�اط المشركون بالنبي ‪0‬يريدون قتله‪ ،‬ورأى طلحة‬ ‫رس�ول الله ق�د أحاط ب�ه المشركون من كل جان�ب‪ ،‬وهذه هي‬ ‫دم�اء النب�ي قد س�الت على وجهه‪ ،‬ف�إن المشركين ق�د أصابوه‬ ‫وأوشكوا على قتله‪.‬‬ ‫فانربى طلح�ة يش�ق الصف�وف حت�ى وص�ل إلى النب�ي‬ ‫‪ ،0‬وراح طلح�ة يهج�م بس�يفه على المشركين فكان‬ ‫جي ًش�ا وحده والمشركون يتراجعون أم�ام صيحاته‪ ،‬وضرباته‪،‬‬ ‫وطعناته‪ ،‬وأسرع أبو بكر وأبو عبيدة بن الجراح إلى رس�ول الله‬ ‫‪ ،0‬ليمسحا الدم عن وجهه ورأسه‪.‬‬ ‫‪104 n‬‬ ‫‪ ‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬ ‫ﺷﺒﻜﺔ‬ ‫‪M‬‬ ‫فقال لهما‪« :‬عليكم بصاحبكما فقد أوجب»‪.‬‬ ‫أي أن طلح�ة ق�د اس�تحق الجنة‪ ،‬فاحملاه‪ ،‬وحم�ل أبو بكر‬ ‫طلح�ة وكان قد وقع على الأرض وفي جس�ده س�تون طعنة أو‬ ‫يزيد‪.‬‬ ‫ونظ�ر أب�و عبيدة إلى طلح�ة فوجده بلا كف في ي�ده‪ ،‬فإذا‬ ‫بكفه قد وقع بجواره ليس بعي ًدا عنه‪ ،‬فقد قطع المشركون كف‬ ‫طلح�ة ‪ ،I‬وكان قد حمل رس�ول الله ‪0‬على كتفه‬ ‫بعي ًدا عنهم‪.‬‬ ‫وي�ا للروع�ة فإن�ه ش�هيد يمشي على الأرض‪ ،‬حت�ى قال‬ ‫رس�ول الله‪« :0‬من س��ره أن ينظر إلى ش��هيد يمشي‬ ‫على الأرض فلينظر إلى طلحة بن عبيد الله»‪.‬‬ ‫ومن يومها سمي طلحة «الشهيد الحي»‪.‬‬ ‫مواقف إيمانية لطلحة بن عبيد الله‬ ‫كانلطلحة‪ I‬مواقفإيمانيةكثيرة‪،‬فقدكان‪I‬‬ ‫يسمي أبناءه بأسماء الأنبياء‪ ،‬وأمهاتهم‪ ،‬فكان من أولاده‪n:‬‬ ‫‪105‬‬ ‫‪ ‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬ ‫ﺷﺒﻜﺔ‬ ‫‪M‬‬ ‫محم�د‪ ،‬وعم�ران‪ ،‬وموس�ى‪ ،‬ويعق�وب‪ ،‬وإسامعيل‪،‬‬ ‫وإسحاق‪ ،‬وزكريا‪ ،‬ويوسف ‪ ،‬ويحيى‪ ،‬وعيسى‪.‬‬ ‫ومن بناته كانت‪ :‬مريم‪ ،‬وعائشة‪ ،‬وأم إسحاق‪.‬‬ ‫وم��ن مواقف��ه الإيماني��ة أي ًض�ا أ ن�ه كان كثير الصدق�ة‬ ‫والإنفاق في س�بيل الله حتى سماه النبي ‪0‬طلحة الخير‪،‬‬ ‫وطلحة الجود(((‪ ،‬وطلحة الفياض(((‪ .‬فقد كان غن ًيا كثير المال‬ ‫يتصدق به كله في سبيل الله‪ ،‬يوزعه على الفقراء والمساكين‪.‬‬ ‫وتحكي زوجته عنه أنه تصدق يو ًما بمائة ألف درهم‪.‬‬ ‫وتحك�ي أن�ه ذات ليل�ة ظ�ل مس�تيق ًظا لم ين�م‪ ،‬فقالت له‪:‬‬ ‫م�اذا بك يا أبا محمد؟ فقال‪:‬كيف ينام من في بيته س�بعمائة ألف‬ ‫درهم؟‪.‬‬ ‫فقالت‪ :‬أين أنت من المحتاجين والفقراء من المسلمين؟‪.‬‬ ‫(‪ )1‬الكرم‪.‬‬ ‫(‪ )2‬الفياض‪ :‬هو الذي يفيض بالمال‪ ،‬كما يفيض النهر بالماء‪n.‬‬ ‫‪106‬‬ ‫‪‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬ ‫ﺷﺒﻜﺔ‬ ‫‪M‬‬ ‫فقام طلحة ومعه بع�ض أصحابه‪ ،‬قد وضع المال في صرة‬ ‫ليوزعه على فقراء المس�لمين‪ ،‬حتى لم يبق درهم واحد في داره‪،‬‬ ‫وتكرر هذا الموقف كثي ًرا‪.‬‬ ‫ولك�ن لم تهنأ الحياة للمس�لمين بعد وف�اة النبي‪0‬‬ ‫وصاحبيه أبي بكر وعمر فاش�تعلت نار الفتنة‪ ،‬حتى قتل عثمان‬ ‫اب�ن عف�ان ‪ I‬ش�هي ًدا مظلو ًما‪ ،‬وتبعه كثير من المس�لمين‬ ‫الصالحين م�ن أصح�اب رس�ول الله ‪ 0‬بع�د أن ُس�ل‬ ‫سيف الفتنة‪.‬‬ ‫وفي هذه الفتنة استشهد طلحة رضي الله وبكاه المسلمون‪،‬‬ ‫وتذكر علي ‪ I‬قول النبي‪« :0‬طلحة والزبير ابن‬ ‫العوام جاراي في الجنة»‪.‬‬ ‫ووق�ف أح�د المس�لمين يق�ول‪[ :‬ﭑﭒﭓﭔ‬ ‫ﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛ ﭜﭝﭞﭟﭠ]‬ ‫[‪]23 :2‬‬ ‫‪n 107‬‬ ‫‪‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬ ‫ﺷﺒﻜﺔ‬ ‫‪M‬‬ ‫ث�م دخ�ل طلح�ة وعلي�ه ثوب�ان أخرضان فق�ال‬ ‫رس�ول الله‪ :0‬ه�ذا منه�م وأش�ار إلى طلح�ة‪ .‬ولح�ق‬ ‫طلح�ة بالمؤمنين الذي�ن صدقوا ما عاه�دوا الله عليه ليمرح في‬ ‫جن�ات النعيم‪ ،‬وكانت وفاته ‪ I‬عام (‪36‬هـ) بعد معركة‬ ‫الجمل‪.‬‬ ‫‪sss‬‬ ‫‪108 n‬‬ ‫‪ ‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬ ‫ﺷﺒﻜﺔ‬ ‫‪M‬‬ ‫عبد الرحمن بن عوف ‪I‬‬ ‫عبد الرحمن بن عوف‪ :‬هو عبد الرحمن بن عوف بن عبد‬ ‫ابن الحارث بن زهرة القرش�ى الزهري‪ ،‬أحد العشرة المبشرين‬ ‫بالجنة‪ ،‬هاجر إلى أرض الحبشة وحضر المعارك والغزوات كلها‬ ‫مع رسول الله ‪.0‬‬ ‫أمه‪ :‬الشفاء بنت عوف‪ ،‬أسلمت مع الأوائل وهاجرت‪.‬‬ ‫إسلام عبد الرحمن بن عوف‬ ‫كان عبد الرحمن بن عوف واح ًدا ممن هاجروا إلى الحبش�ة‬ ‫فرا ًرا بدينهم‪ ،‬وبح ًثا عن العدل في مملكة النجاشي‪.‬‬ ‫لك�ن كي�ف لقلب عب�د الرحم�ن أن يتحم�ل الابتعاد عن‬ ‫رس�ول الله ‪0‬فعاد سري ًعا يس�تقبل آي�ات الله ُتتلى عليه‬ ‫فيحفظها بقلبه ولسانه‪.‬‬ ‫‪n 109‬‬ ‫‪ ‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬ ‫ﺷﺒﻜﺔ‬ ‫‪M‬‬ ‫وع�اد عب�د الرحمن م�رة أخرى مهاج� ًرا ولكن ه�ذه المرة‬ ‫إلى المدين�ة‪ ،‬حيث أقام رس�ول الله ‪0‬هن�اك دولته التي‬ ‫أسسها على القرآن والسنة‪.‬‬ ‫وآخ�ي رس�ول الله ‪ 0‬بين عبد الرحم�ن بن عوف‬ ‫وبين سعد بن الربيع أحد الأنصار الذين آمنوا بالله ورسوله‪.‬‬ ‫وانطلق س�عد بن الربيع بعب�د الرحمن إلى داره‪ ،‬وكأنما عاد‬ ‫بمكس�ب وربح وخير لأهله‪ ،‬فق�د كان الأنصار أه�ل الكرم‬ ‫والإيث�ار((( ‪ ،‬وجاء س�عد بماله ووضعه بين ي�دي عبد الرحمن‬ ‫وقال له‪:‬‬ ‫هذا مالي اقس�مه نصفين‪ ،‬واختر نص ًفا تأخذه لنفسك‪ .‬ثم‬ ‫ج�اء بزوجتين وقال‪ :‬وهاتان زوجت�اي اختر إحداهما فأطلقها‬ ‫لك فتتزوجها‪.‬‬ ‫ث�م قال‪ :‬وهذه داري م�ن طابقين‪ ،‬اختر الطابق الذي تحبه‬ ‫واسكن فيه‪.‬‬ ‫(‪ )1‬تفضيل الغير على النفس‪n.‬‬ ‫‪110‬‬ ‫‪‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬ ‫ﺷﺒﻜﺔ‬ ‫‪M‬‬ ‫وأمام نهر العطاء المتدفق‪ ،‬تبسم عبد الرحمن بن عوف‪.‬‬ ‫وقال لس�عد ب�ن الربيع‪ :‬ي�ا أخي بارك الله ل�ك في مالك‪،‬‬ ‫وزوجتيك‪ ،‬ودارك‪ ،‬ولكن ُد ّلني على السوق‪.‬‬ ‫وخرج عبد الرحمن بن عوف ليحمل على كتفه حط ًبا يبيعه‬ ‫للن�اس‪ ،‬ويبدأ حياة الكد والجه�اد‪ ،‬ومعها تبدأ حياة الإيمان في‬ ‫مدينة رسول الله‪.0‬‬ ‫إنفاق عبد الرحمن بن عوف‬ ‫مضى قليل م�ن الوقت على عب�د الرحمن وه�و في المدينة‪،‬‬ ‫وإذا برس�ول الله ‪ 0‬يعل�م أن عب�د الرحم�ن ب�ن عوف‬ ‫سيتزوج‪.‬‬ ‫ولم يكن الزواج وقتها بالأمر اليسير؛ لأنه يحتاج إلى ما يدفعه‬ ‫مه ًرا لزوجته الجديدة‪ ،‬وما يدفعه ثمنًا للدار التي سيسكنها‪.‬‬ ‫فجاء رسول الله ‪ 0‬مهن ًئا لعبد الرحمن بن عوف‪.‬‬ ‫فقال ل�ه‪ :‬تزوجت يا عبد الرحمن بن عوف! وكأنه يس�أله‬ ‫‪n 111‬‬ ‫عن صحة هذا الخبر‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬ ‫ﺷﺒﻜﺔ‬ ‫‪M‬‬ ‫فقال عبد الرحمن‪ :‬نعم يا رسول الله تزوجت‪.‬‬ ‫فق�ال رس�ول الله ‪ :0‬وما دفعت مه� ًرا لزوجتك‪،‬‬ ‫قال وزن نواة من ذهب يا رسول الله‪.‬‬ ‫فق�ال النبي له‪ :‬اذبح ولو ش�اة للمس�لمين‪ ،‬ب�ارك الله لك‬ ‫في مال�ك‪ .‬وذب�ح عب�د الرحمن هذه الش�اة‪ ،‬واس�تجيبت دعوة‬ ‫النب�ي‪ ،0‬وب�ارك الله في مال عبد الرحم�ن فصار واح ًدا‬ ‫من أغنى أغنياء المدينة ‪.I‬‬ ‫ليجم�ع عب�د الرحمن بين العل�م‪ ،‬والجه�اد‪ ،‬والغني وهو‬ ‫ما لم يجتمع إلا لقليل من الصحابة وقتها‪.‬‬ ‫وي�وم بدر خرج عب�د الرحمن في جيش الإيامن مجاه ًدا في‬ ‫س�بيل الله يرجو إما النصر أو الش�هادة‪ ،‬وتجل�ت بطولته‪ ،‬وهو‬ ‫يقطع رق�اب المشركين بس�يفه‪ ،‬حتى ص�دق الله وعده‪ ،‬ونصر‬ ‫المسلمين من جنده‪.‬‬ ‫‪112 n‬‬ ‫‪‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬ ‫ﺷﺒﻜﺔ‬ ‫‪M‬‬ ‫وبج�وار طلح�ة والزبير يوم ُأح�د كان عب�د الرحمن أحد‬ ‫المدافعين عن رسول الله ‪.0‬‬ ‫وأح�د الذي�ن ثبتوا في ه�ذه المعركة التي أوش�ك رس�ول‬ ‫الله فيه�ا أن يقتل�ه المشركون‪ ،‬حتى وجدوا في جس�ده أكثر من‬ ‫عشرين طعنة رمح‪ ،‬أو ضربة سيف‪ ،‬حتى أصابه عرج في قدمه‬ ‫‪.I‬‬ ‫وش�هد عب�د الرحم�ن الغ�زوات والمع�ارك كله�ا م�ع‬ ‫رس�ول الله‪ ،0‬فل�م يش�غله مال�ه‪ ،‬ولم تله�ه تجارته عن‬ ‫الجهاد‪ ،‬أو العلم‪ ،‬بل كان المال عو ًنا له على الطاعة‪ ،‬والجهاد‪.‬‬ ‫وإذا كان عثامن ‪ I‬ق�د تربع بامل وفير حت�ى قال‬ ‫رسول الله‪ :0‬اللهم عثمان رضيت عنه فارض عنه‪.‬‬ ‫فق�د دفع عب�د الرحمن نصف ماله لرس�ول الله ‪0‬‬ ‫لكي يجهز به جي ًشا خرج لقتال المشركين‪.‬‬ ‫فدع�ا ل�ه رس�ول الله ‪ 0‬قائًل�اً ‪ :‬ب�ارك الله لك فيما‬ ‫أعطيت‪ ،‬وبارك لك فيما أمسكت‪n .‬‬ ‫‪113‬‬ ‫‪ ‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬ ‫ﺷﺒﻜﺔ‬ ‫‪M‬‬ ‫ويظ�ل ي�وم «تب�وك» ه�و الأش�هر والأفض�ل في أي�ام‬ ‫عبد الرحمن بن عوف ‪.I‬‬ ‫ففي ذلك اليوم أمر الله نبيه بالخروج إلى تبوك لغزو الروم‬ ‫في بلادهم‪.‬‬ ‫ولم تكن الثمار قد نضجت بعد على الشجر ليبيعها المسلمون‬ ‫ويتبرعوا بثمنها‪ ،‬وكان الجميع يشتكي الفقر وقتها‪ ،‬ولكن أمر‬ ‫الله تعالى يجب أن يطاع‪.‬‬ ‫فج�اء أبو بكر بمال�ه كله‪ ،‬وجاء عمر بنص�ف ماله‪ ،‬وأنفق‬ ‫عثمان ما استطاع من ماله‪.‬‬ ‫ولكن هذا كله لم يكف لتجهيز جيش العسرة الذي سيقاتل‬ ‫الروم‪.‬‬ ‫فج�اء عبد الرحمن بن ع�وف يحمل في صرة له مائتي أوقية‬ ‫م�ن ذه�ب‪ ،‬ووضعه�ا في حج�ر رس�ول الله‪ ،0‬حتى‬ ‫تعجب الصحابة جمي ًعا‪ ،‬وظن عمر بن الخطاب أن عبد الرحمن‬ ‫قد أذنب ذن ًبا ويريد التوبة منه فدفع هذا المال‪n.‬‬ ‫‪114‬‬ ‫‪‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬ ‫ﺷﺒﻜﺔ‬ ‫‪M‬‬ ‫ولكن الله تعالى يظهر براءة عبد الرحمن‪ ،‬ونقاء قلبه فيقول‬ ‫ل�ه ‪« :0‬م��اذا أبقيت لأهلك يا عب��د الرحمن؟» قال‪:‬‬ ‫كثي ًرا يا رسول الله‪ ،‬أكثر مما أنفقت‪ ،‬فقال النبي‪« :‬وكم أبقيت‬ ‫لهم»‪ ،‬فقال‪ :‬أبقيت لهم الله ورسوله‪.‬‬ ‫ومضى جي�ش المس�لمين إلى تب�وك‪ ،‬وأقيم�ت الصلاة‪،‬‬ ‫ورسول الله وقتها غائب‪.‬‬ ‫فق�د كان يتطه�ر‪ ،‬فتق�دم عب�د الرحم�ن بن ع�وف ليصلي‬ ‫بالمس�لمين‪ ،‬وج�اء رس�ول الله ‪ ،0‬فصلى خل�ف عبد‬ ‫الرحمن‪ ،‬وبعد أن انتهى من صلاته قال‪ :‬أحسنتم‪ ،‬وما توفى الله‬ ‫نب ًيا حتى يصلي وراء رجل صالح من أمته‪.‬‬ ‫فنع�م الرج�ل الصال�ح عب�د الرحمن بن ع�وف ‪،I‬‬ ‫يتص�دق بمال�ه‪ ،‬ويجاه�د بس�يفه‪ ،‬ويصيل خلف�ه رس�ول الله‬ ‫‪ 0‬الذي جعله الله إما ًما للعالمين‪.‬‬ ‫‪n 115‬‬ ‫‪‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬ ‫ﺷﺒﻜﺔ‬ ‫‪M‬‬ ‫زهده وورعه‬ ‫ت�وفي النب�ي ‪ 0‬وبقي�ت دعوت�ه لعب�د الرحم�ن‪:‬‬ ‫بارك الله لك في مالك‪.‬‬ ‫فلا ي�زال عبد الرحمن يربح الربح الوفير في تجارته‪ ،‬حتى‬ ‫ص�ار م�ا في بيته من ا لمال أكثر مما في بيت مال المس�لمين جمي ًعا‪،‬‬ ‫ولكن�ه مال الرج�ل الصالح ال�ذي يتصدق به على المس�لمين‪،‬‬ ‫ويتقرب به إلى الله تعالى‪.‬‬ ‫قال رس�ول الله لزوجاته أمهات المؤمنين قبل موته‪« :‬لن‬ ‫يحنو عليكن بعدي إلا الصالحون» فكان من هؤلاء الصالحين‬ ‫«عبد الرحمن بن عوف»‪.‬‬ ‫فقد باع أر ًضا له ثمنها أربعون ألف دينار‪.‬‬ ‫فقسم المال في بني زهرة ‪ -‬وهم قومه ‪ -‬ثم بعث إلى أمهات‬ ‫المؤمنين بامل وفير‪ ،‬وف�ا ًء لرس�ول الله ‪ ،0‬فدعت له‬ ‫أم المؤمنين عائش�ة فقالت‪ :‬س�قى الله ابن عوف من سلس�بيل‬ ‫‪116 n‬‬ ‫الجنة‪.‬‬ ‫‪ ‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬ ‫ﺷﺒﻜﺔ‬ ‫‪M‬‬ ‫لم يكن مال عبد الرحمن ميرا ًثا من أحد‪ ،‬لكنه كان يكس�به‬ ‫بعرقه وكده في التجارة‪ ،‬وكان هدفه واح ًدا دائماً ‪ :‬المال ُيكتسب‬ ‫من أجل أن ينفق في سبيل الله‪.‬‬ ‫ويو ًما من الأيام قامت المدينة كلها على صوت قوي‪ ،‬فظن‬ ‫الجمي�ع أن الأع�داء قد أغاروا على المدينة‪ ،‬ولك�ن الحقيقة أن‬ ‫قافل�ة تجارية لعبد الرحمن بن عوف قوامها س�بعمائة بعير محملة‬ ‫بكل شيء من الخيرات فاهتزت المدينة لذلك‪.‬‬ ‫وهن�ا قال�ت عائش�ة ‪ :J‬س�معت رس�ول الله‬ ‫‪0‬يق�ول‪« :‬ق��د رأيت عب��د الرحمن بن ع��وف يدخل‬ ‫الجنة حبًوا»(((‪.‬‬ ‫ولأن عائش�ة هي الصادقة الت�ي لا تكذب‪ ،‬وكانت أحب‬ ‫الن�اس إلى رس�ول الله ‪ ،0‬فق�د س�ارع عب�د الرحم�ن‬ ‫ليتصدق بهذه القافلة وهو يقول‪:‬‬ ‫‪n 117‬‬ ‫(‪ )1‬زح ًفا‪.‬‬ ‫‪ ‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬ ‫ﺷﺒﻜﺔ‬ ‫‪M‬‬ ‫إني أش�هدك أن هذه القافلة بأحمالها وأقتابها وأحلاسها في‬ ‫سبيل الله‪.D‬‬ ‫على قدر ه�ذا الث�راء لم يكن عب�د الرحمن بن ع�وف يهتم‬ ‫بالدنيا‪ ،‬وزينتها‪ ،‬بل كل ماله لله ‪ D‬لا يبقي منه شي ًئا لنفسه‪،‬‬ ‫ونال بذلك احترام الصحابة جمي ًعا كأبي بكر‪ ،‬وعمر الذي جعله‬ ‫أحد المرشحين للخلافة بعد موته‪.‬‬ ‫ولكن عبد الرحمن كان زاه ًدا في الخلافة فخلع نفسه منها‪،‬‬ ‫ثم كان هو القائم بمش�ورة المسلمين حتى صار عثمان بن عفان‬ ‫خليفة للمسلمين‪.‬‬ ‫وذات يوم كان عبد الرحمن صائماً ‪ ،‬فجاءوا له بالطعام وفيه‬ ‫خبز ولحم‪ ،‬فنظر إلى الطعام وهو يقول‪:‬‬ ‫م�ات رس�ول الله ‪ 0‬ولم يش�بع هو وأه�ل بيته من‬ ‫خبز الش�عير‪ ،‬وقتل مصعب بن عمير وهو خير مني‪ ،‬فكفن في‬ ‫بردة((( إن غطي رأسه بدت((( رجلاه‪ ،‬وإن غطي رجلاه بدت‬ ‫(‪ )2‬ظهرت‪n.‬‬ ‫(‪ )1‬غطاء‪.‬‬ ‫‪118‬‬ ‫‪ ‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬ ‫ﺷﺒﻜﺔ‬ ‫‪M‬‬ ‫رأس�ه‪ ،‬وقتل حمزة وهو خير مني فلم يوجد له ما يكفن فيه إلا‬ ‫بردة‪ ،‬وإني أخشى أن يكون الله قد عجل لنا بحسناتنا‪.‬‬ ‫ث�م بكى عب�د الرحمن‪ ،‬وت�رك الطع�ام‪ ،‬ولم يأكل�ه بعد أن‬ ‫أخذه الش�وق للقاء الله‪ ،‬ورس�وله‪ ،‬وأصحابه الذين سبقوه إلى‬ ‫الفردوس الأعلى‪.‬‬ ‫ولم يطل الشوق به إلى الله ورسوله‪.‬‬ ‫فف�ي ي�وم م�ن أيام الع�ام الث�اني والثلاثين للهج�رة رقد‬ ‫عبد الرحمن في فراشه ينتظر قدوم رسل الله ليتو َّفو ُه‪ ،‬حتى يدفن‬ ‫بجوار أصحابه الذين سبقوه إلى الجنة‪ ،‬وأحس عبد الرحمن بأن‬ ‫الجنة قد تزينت له‪.‬‬ ‫وسمع بشارة ملائكة الرحمن له برضوان الله تعالى‪ ،‬فأسلم‬ ‫الروح لله‪ ،‬فج�اء الصحابة يحملونه إلى قبره‪ ،‬ويودعونه بدموع‬ ‫عيونهم‪ ،‬وحزن قلوبهم‪.‬‬ ‫وأراح الله عب�د الرحم�ن م�ن الفتن�ة فلم يش�هدها‪ ،‬فأدرك‬ ‫صفو الدنيا‪ ،‬ولحق بركب الصالحين في الآخرة‪.‬‬ ‫‪n 119‬‬ ‫‪‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬ ‫ﺷﺒﻜﺔ‬ ‫‪M‬‬ ‫سعد بن أبي وقاص ‪I‬‬ ‫س��عد بن أبي وقاص‪ :‬هو مال�ك بن وهيب بن عبد مناف‬ ‫اب�ن زهرة ب�ن كلاب الزهرى‪ ،‬أح�د العشرة المبشري�ن بالجنة‪،‬‬ ‫وأول من رمى بس�هم في س�بيل الله‪ ،‬ش�هد الغ�زوات كلها مع‬ ‫رسول الله ‪.0‬‬ ‫إسلام سعد بن أبي وقاص‬ ‫عاش سعد بن أبي وقاص بن وهيب بن عبد مناف في بني‬ ‫زهرة أخوال رسول الله‪.0‬‬ ‫وكان وهي�ب ج�د س�عد‪ ،‬ه�و ع�م آمن�ة بنت وه�ب‪ ،‬أم‬ ‫النب�ي ‪ ،O‬ف�كان الن�اس يعرفون س�ع ًدا بأنه خال‬ ‫رس�ول الله ‪ ،0‬وحينام رآه رس�ول الله‪0‬فخ�ر‬ ‫ب�ه لش�جاعته‪ ،‬وقوته‪ ،‬وص�دق إيمانه‪ ،‬فقال‪ :‬ه�ذا خالي فليرني‬ ‫امرؤ خاله‪.‬‬ ‫‪120 n‬‬ ‫‪‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬ ‫ﺷﺒﻜﺔ‬ ‫‪M‬‬ ‫وقد كان إسلامه مبك� ًرا‪ ،‬فقد كان يعرف النبي‪0‬‬ ‫جي ًدا‪ ،‬ويعرف صدقه وأمانته‪.‬‬ ‫وكثي ًرا ما التقاه قبل البعث�ة‪ ،‬وعرف عنه النبي حبه للقتال‬ ‫وشجاعته‪.‬‬ ‫وكان سعد مغر ًما بالرماية‪ ،‬فكان يدرب نفسه على الرماية‬ ‫بالس�هام‪ ،‬ف�كان إسلام «س�عد بن أبي وقاص» س�هلاً يسي ًرا‬ ‫ولم يكن صع ًبا‪ ،‬بل إنه أسرع للإسلام فكان ثالث ثلاثة أسلموا‪،‬‬ ‫وكان يقول‪:‬‬ ‫لقد مكثت سبعة أيام وإني لثلث الإسلام‪.‬‬ ‫ولم تختلف الحال كثي ًرا مع سعد‪ ،‬فحينما علمت أمه «حمنة»‬ ‫بإسلامه غضبت غض ًبا شدي ًدا‪.‬‬ ‫وقالت له‪ :‬يا س�عد‪ ،‬أتترك دين�ك ودين آبائك‪ ،‬وتتبع دينًا‬ ‫جدي� ًدا؟ والله لا أذوق طعا ًم�ا ولا شرا ًب�ا حتى تع�ود عن هذا‬ ‫الدين‪ .‬فقال سعد‪ :‬والله لا أدع ديني ولا أفارقه‪.‬‬ ‫‪n 121‬‬ ‫‪‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬ ‫ﺷﺒﻜﺔ‬ ‫‪M‬‬ ‫وصمم�ت الأم على موقفها‪ ،‬وه�ي أن س�ع ًدا يحبها وأنه‬ ‫سيرق قلبه إذا رآها ضعيفة الجس�د معتلة الصحة‪ ،‬ومضت في‬ ‫طريقها‪.‬‬ ‫ولكن سع ًدا أح ّب الله ورسوله فقال لأمه‪:‬‬ ‫والله ي�ا أماه لو أن لك س�بعين نف ًس�ا خرجت نف ًس�ا وراء‬ ‫نفس ما تركت ديني أب ًدا‪ ،‬وأيقنت الأم بأن ولدها قد تغير ولن‬ ‫يعود لسابق عهده أب ًدا‪ ،‬فأكلت حزينة غاضبة‪.‬‬ ‫ويجعل الله تعالى س�ع ًدا آية من آيات القرآن فأنزل سبحانه‬ ‫قوله تع�الى‪[ :‬ﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏ ﮐﮑﮒ‬ ‫ﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙ] [‪.]15 :x‬‬ ‫وأم�ا أن�ه أول م�ن رم�ى بس�هم في س�بيل الله‪ ،‬فق�د كان‬ ‫المسلمون في مكة يصلون في شعاب((( مكة س ًّرا‪ ،‬فرآهم بعض‬ ‫المشركين فقاتلوهم‪ ،‬فقام س�عد ب�ن أبي وقاص فقاتلهم ورمى‬ ‫أحدهم فسال دمه‪ ،‬فكان أول دم أريق في الإسلام‪.‬‬ ‫(‪ )1‬شعاب‪ :‬جمع شعب‪ ،‬وهو الطريق الضيق الذي يمكن للإنسان الا َختباء‬ ‫‪122 n‬‬ ‫فيه‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬ ‫ﺷﺒﻜﺔ‬ ‫‪M‬‬ ‫ودخل سعد مع رسول الله ‪ 0‬في شعب أبي طالب‬ ‫ليتحمل الجوع معه ثلاثة أعوام كاملة‪.‬‬ ‫فأكل ورق الش�جر حتى أذن الله لهذه المحنة أن تنجلي‪ ،‬ثم‬ ‫هاجر سعد ‪ I‬إلى المدينة مع من هاجر في سبيل الله‪.‬‬ ‫جهاد سعد بن أبي وقاص‬ ‫هاج�ر «عمير بن أبي وق�اص» مع أخيه س�عد إلى المدينة‪،‬‬ ‫ودعا داعي الجهاد‪ :‬حي على الجهاد‪.‬‬ ‫فخ�رج س�عد حاملاً س�يفه ورمح�ه وكان س�عد وقتها قد‬ ‫تعدى العشرين من عمره‪.‬‬ ‫أما عمير فكان صغي ًرا لم يتجاوز الثالث�ة أو الرابعة عشرة‬ ‫م�ن عمره‪ ،‬وم�ن عادة رس�ول الله ‪ 0‬أن يرى جيش�ه‪،‬‬ ‫فيرد الصغار الذين لا طاقة لهم على القتال ولا قوة‪.‬‬ ‫ورأى رس�ول الله ‪ 0‬عمي ًرا وه�و يتخف�ى حت�ى‬ ‫لا يرده النبي‪ ،‬ولا يقاتل مع المسلمين‪ ،‬ولكن النبي ‪0‬رآه‬ ‫‪n 123‬‬ ‫‪ ‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬ ‫ﺷﺒﻜﺔ‬ ‫‪M‬‬ ‫ف�رده‪ ،‬فبكى عمير حتى رق النبي ل�ه وأخرجه مع جيش بدر‪،‬‬ ‫وبجوار سعد وقف عمير يجاهد في سبيل الله‪.‬‬ ‫وانجلى الغبار عن أربعة عشر ش�هي ًدا من المس�لمين‪ ،‬كان‬ ‫أصغرهم عمير بن أبي وقاص‪.‬‬ ‫وع�اد س�عد يحمل النصر في ي�د‪ ،‬والبكاء على أخيه في يد‬ ‫أخرى‪.‬‬ ‫ومضت حياة الجهاد سريعة تن ُق ُل المس�لمين من معركة إلى‬ ‫أخرى‪.‬‬ ‫فجاءت «أح�د» وعصى رماة نبينا ‪ 0‬قوله وتركوا‬ ‫أماكنه�م‪ ،‬وهجم المشركون على جيش المس�لمين حتى وصلوا‬ ‫إلى رس�ول الله الذي لم يثبت بج�واره إلا نفر قليل من أصحابه‬ ‫منهم سعد بن أبي وقاص ‪ ،I‬ورآه النبي ‪ 0‬فقال‬ ‫له‪ :‬ارددهم‪ ،‬أي‪ :‬صد المشركين‪.‬‬ ‫‪124 n‬‬ ‫‪‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬ ‫ﺷﺒﻜﺔ‬ ‫‪M‬‬ ‫فقال س�عد‪ :‬وكي�ف أفعل ذلك وحدي؟ ثم أخرج س�هماً‬ ‫م�ن كنانته(((‪ ،‬ورمى ب�ه رجلاً من المشركين فقتله‪ ،‬فأخذ نفس‬ ‫السهم فقتل به آخر من المشركين‪.‬‬ ‫وهك�ذا قتل هذا الس�هم عد ًدا كبي ًرا م�ن المشركين‪ ،‬فأخذ‬ ‫سعد هذا السهم‪.‬‬ ‫وقال‪ :‬هذا سهم مبارك‪ ،‬وكان لا يخوض معركة إلا ومعه‬ ‫هذا السهم حتى مات ‪. I‬‬ ‫وفي هذا اليوم الحزين جاءت «أم أيمن» تسقي الجرحى في‬ ‫ساحة المعركة‪ ،‬فضربها كافر بسهم فوقعت وتكشفت عورتها‪،‬‬ ‫فضحك منها الكافر‪ ،‬فأخذ رس�ول الله ‪ 0‬س�هماً وقال‬ ‫لسعد‪ :‬ارم فداك أبي وأمي‪.‬‬ ‫وهك�ذا جمع رس�ول الله ‪ 0‬لس�عد بين أبي�ه وأمه‪،‬‬ ‫ولم يكن هذا لأحد س�وى س�عد ‪ ،I‬فلما رمى س�عد هذا‬ ‫(‪ )1‬الكنانة‪ :‬جعبة السهام‪.‬‬ ‫‪n 125‬‬ ‫‪ ‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬ ‫ﺷﺒﻜﺔ‬ ‫‪M‬‬ ‫الس�هم أصاب به الكاف�ر في رقبته فمات‪ ،‬فضحك رس�ول الله‬ ‫‪.0‬‬ ‫وقال‪ :‬استقاد((( لها سعد‪ ،‬أجاب الله دعوته‪.‬‬ ‫وصار سلاح سعد في كل معاركه «سهم مبارك»‪« ،‬ودعاء‬ ‫متقبل»‪ ،‬ولازال سعد يذكر قول الرسول ‪0‬له‪« :‬أطب‬ ‫مطعمك يا سعد تكن مجاب الدعوة»‪.‬‬ ‫ويذك�ر تلك الدع�وة الأخرى‪ :‬اللهم س�دد رميته وأجب‬ ‫دعوت�ه‪ .‬واس�تجاب الله لدع�اء نبي�ه ‪ 0‬فص�ار س�عد‬ ‫‪ I‬صاحب رمية سديدة‪ ،‬ودعاء مقبول‪.‬‬ ‫سعد ومعركة القادسية‬ ‫أما الرمية السديدة‪ ،‬والسهم الصائب فقد ظهر واض ًحا في‬ ‫معارك الإسلام التي خاضها سعد ضد جحافل المشركين قائ ًدا‬ ‫للمسلمين في فتوحات فارس ينشر الإسلام في ربوعها‪.‬‬ ‫(‪ )1‬اقتص وأخذ بالثأر‪n .‬‬ ‫‪126‬‬ ‫‪ ‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬ ‫ﺷﺒﻜﺔ‬ ‫‪M‬‬ ‫قبل المعركة الشهيرة في بلاد فارس وهي «القادسية»‪ ،‬كان‬ ‫الفرس قد جمعوا للمسلمين جمو ًعا كثيرة‪.‬‬ ‫وأراد عم�ر ب�ن الخط�اب أمير المؤمنين في ذل�ك الوقت‬ ‫الخروج بنفس�ه للق�اء الفرس‪ ،‬وقيادة جيش المس�لمين‪ ،‬ولكن‬ ‫علي بن أبي طالب ‪ I‬أقنعه بالعدول عن هذه الفكرة‪.‬‬ ‫ولم يك�ن لمثل هذه المهمة الصعب�ة إلا رجل قوي في إيمانه‪،‬‬ ‫وجسده‪ ،‬وهنا قال عبد الرحمن بن عوف لعمر‪ :‬إليك الأسد في‬ ‫براثنه(((‪ .‬سعد بن أبي وقاص‪.‬‬ ‫ونظر عمر فرأى س�ع ًدا هو الأس�د الذي ت�وكل إليه هذه‬ ‫المهمة الشاقة‪ ،‬فعينه على جيشه وقال له‪ :‬يا سعد لا يغرنك من‬ ‫الله أن قيل‪ :‬خال رس�ول الله ‪ ،0‬وصاحب رسول الله‪،‬‬ ‫ف�إن الله ‪ D‬لا يمح�و الَس�يَ ِء بالسيَّ ِ ء‪ ،‬ولكنه يمحو الس�يئة‬ ‫بالحس�نة‪ ،‬ي�ا س�عد‪ ...‬إن الله لي�س بين�ه وبين أحد نس�ب إلا‬ ‫الطاعة‪...‬‬ ‫(‪ )1‬براثن‪ :‬جمع برثن وهي المخالب‪ ،‬والمقصود أن لسعد مخالب ينتصر بها‬ ‫كما ينتصر الأسد بمخالبه‪n .‬‬ ‫‪127‬‬ ‫‪‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬ ‫ﺷﺒﻜﺔ‬ ‫‪M‬‬ ‫وخرج سعد بن أبي وقاص أس ًدا لله ورسوله يقود المسلمين‬ ‫في معركة فاصلة في القادسية‪.‬‬ ‫وهناك أطفأ الله بس�عد نار المج�وس‪ ،‬وطهر أرض فارس‬ ‫من النَّجس‪ ،‬واتخذ من معابد النار مساج َد ُيعبد فيها الله ‪،D‬‬ ‫وس�قطت «المدائن» عاصمة الفرس في يد المس�لمين‪ ،‬وأعز الله‬ ‫جنده‪.‬‬ ‫ورغم أن س�ع ًدا كان يعاني م�ن الآلام وقتها إلا أنه تحامل‬ ‫على نفس�ه‪ ،‬وقاد المسلمين إلى نصر الله الموعود‪ ،‬وهم يرددون‪:‬‬ ‫حسبنا الله ونعم الوكيل‪.‬‬ ‫وس�ار س�عد والمس�لمون على مي�اه ِد ْج َلة حت�ى عبروا إلى‬ ‫المشركين‪ ،‬وقضوا على الفرس تما ًما‪ ،‬وقائدهم صاحب الس�هم‬ ‫الصائب والرمية السديدة‪.‬‬ ‫سعد و دعاوه المستجاب‬ ‫أما الدعاء المس�تجاب‪ ،‬فكان سلا ًحا ثان ًيا يستخدمه سعد‬ ‫‪128 n‬‬ ‫ضد أعداء الله‪.‬‬ ‫‪ ‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬ ‫ﺷﺒﻜﺔ‬ ‫‪M‬‬ ‫فقد كانت أبواب السامء مفتوحة لدعاء س�عد‪ ،‬يستجيب‬ ‫الله له متى دعاه ورجاه‪.‬‬ ‫لق�د كان لس�عد صبي�ة صغار وكان س�نه كبي ًرا‪ ،‬إذ تأخر‬ ‫إنجابه للولد فترة من الوقت‪ ،‬ومرض سعد‪ ،‬حتى أوشك على‬ ‫الوفاة ولكنه دعا الله‪.‬‬ ‫فق�ال‪ :‬ي�ا رب إن لي بنين صغا ًرا‪ ،‬فأخ�ر عني الموت حتى‬ ‫يبلغ�وا‪ ،‬فأخ�ر الله تعالى س�ع ًدا عشرين عا ًما أخ�رى حتى كبر‬ ‫أولاده‪.‬‬ ‫ويو ًم�ا من الأيام خ�اض((( أحد الن�اس في علي‪،I‬‬ ‫وطلحة والزبير‪ ،‬فنهاه س�عد عن ذلك‪ ،‬فلم ينته الرجل‪ ،‬وكرر‬ ‫ما قال‪.‬‬ ‫فقام س�عد‪ :‬انته وإلا دعوت عليك‪ .‬فقال الرجل ساخ ًرا‪:‬‬ ‫كأنك نبي ستستجاب دعوتك؟‪.‬‬ ‫‪n 129‬‬ ‫(‪ )1‬قال قولاً سي ًئا‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬ ‫ﺷﺒﻜﺔ‬ ‫‪M‬‬ ‫فقال سعد‪ ،I‬فتوضأ‪ ،‬وصلى ركعتين‪ ،‬ودعا على هذا‬ ‫الرجل‪ ،‬وما هي إلا لحظات حتى كان الرجل عبرة وآية تش�هد‬ ‫لس�عد بأن الله قد قب�ل دعوته‪ ،‬لقد خرجت ناقة قوية‪ ،‬ش�اردة‬ ‫كأنها تبحث عن الرجل الذي دعا عليه س�عد‪ ،‬فلما رأته ضربته‬ ‫بأقدامها حتى أسقطته أر ًضا‪ ،‬ولا زالت تضربه حتى مات غير‬ ‫مأسوف عليه‪.‬‬ ‫زهد وورع سعد‬ ‫ولم يب�ق من خير الدنيا كثير بعد وفاة الرس�ول ‪0‬‬ ‫وأبي بك�ر‪ ،‬وعم�ر‪ ،‬وعثامن‪ ،‬وعيل فبق�ي المس�لمون يقاتلون‬ ‫بعضهم البعض‪.‬‬ ‫واعتزل سعد الفتنة فلم يقاتل مع علي أو معاوية‪ ،‬وآثر(((‬ ‫البقاء في المدينة بعي ًدا عن هذه الفتنة‪ ،‬وبقي وال ًيا عليها‪.‬‬ ‫‪130 n‬‬ ‫(‪ )1‬ف ّضل‪.‬‬ ‫‪ ‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬ ‫ﺷﺒﻜﺔ‬ ‫‪M‬‬ ‫وجاء يوم�ه الذي مات فيه‪ ،‬فق�ال لأولاده‪ :‬إن لي ُج َّبة(((‬ ‫م�ن صوف‪ ،‬لقيت بها المشركين في ب�در‪ ،‬وإني أريد أن ألقى الله‬ ‫فيها ‪ ،‬فكفنوني بها إذا مت‪.‬‬ ‫وفي صبيحة يوم من أيام العام الخامس والخمسين للهجرة‪،‬‬ ‫نعى المس�لمون س�ع ًدا‪ ،‬ودفنوه في قبره بالبقي�ع بجوار صحابة‬ ‫النب�ي‪ ،0‬فصلت علي�ه أمهات المؤمنين‪ ،‬وبكينه بكا ًء‬ ‫شدي ًدا‪ ،‬فمات صاحب الرمية السديدة‪ ،‬والدعوة المجابة‪.‬‬ ‫ف�إلى جن�ات الله‪ ،‬ورضوان�ه‪ ،‬ومغفرت�ه‪ ،‬وبقي�ت كلم�ة‬ ‫رسول الله‪« :0‬ارم سعد فداك أبي وأمي»‪.‬‬ ‫‪sss‬‬ ‫‪n 131‬‬ ‫(‪ )1‬ثوب من صوف‪.‬‬ ‫‪ ‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬ ‫ﺷﺒﻜﺔ‬ ‫‪M‬‬ ‫سعيد بن زيد ‪I‬‬ ‫ه��و‪ :‬س�عيد ب�ن زيد ب�ن عمرو ب�ن ُنفي�ل الع�دوي‪ ،‬أحد‬ ‫العرشة المبشرين بالجن�ة‪ ،‬حضر الغزوات كلها مع رس�ول الله‬ ‫‪0‬إلا غزوة بدر‪.‬‬ ‫أمه‪ :‬فاطمة بنت بعجة بن أمية‪.‬‬ ‫إسلام سعيد بن زيد‬ ‫كان إسلام س�عيد ب�ن زي�د قديًم�اً ومبك� ًرا قب�ل دخ�ول‬ ‫رسول الله‪ 0‬دار الأرقم بن أبي الأرقم‪.‬‬ ‫وظل س�عيد يخفي إيمانه وهو صابر على أذى قومه‪ ،‬حتى‬ ‫لا يطرد من مكة كما ُطرد أبوه من ذي قبل‪ ،‬وعلم عمر بإسلامه‬ ‫فأراد أن يقتله‪ ،‬وضربه حتى أدمى وجهه‪.‬‬ ‫ولكن كان صبر س�عيد على عمر من أس�باب إسلام عمر‬ ‫‪ I‬كما ذكرناه في قصة إسلام عمر‪.‬‬ ‫‪132 n‬‬ ‫‪‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬ ‫ﺷﺒﻜﺔ‬ ‫‪M‬‬ ‫جهاد سعيد بن زيد‬ ‫وهاج�ر س�عيد إلى المدين�ة مع زوجت�ه فاطم�ة‪ ،‬وقبل بدر‬ ‫اخت�اره رس�ول الله ‪ 0‬ليذهب مع طلحة ب�ن عبيد الله‬ ‫ليعرف عدد المشركين‪ ،‬ويس�تطلع تحركاتهم‪ ،‬فغاب س�عيد عن‬ ‫«ب�در» ولكن رس�ول الله ‪ 0‬أعطاه م�ن غنائمها فكان‬ ‫كمن حضرها وشهدها‪.‬‬ ‫ثم شهد سعيد المشاهد كلها مع رسول الله ‪0‬يقاتل‬ ‫بسيفه‪ ،‬ويؤمن بقلبه حتى كان مع رسول الله ذات يوم على جبل‬ ‫حراء ومعه بعض المسلمين من الصحابة‪ ،‬فاهتز جبل حراء‪.‬‬ ‫فق�ال النب�ي‪ :0‬اثبت ح�راء ‪ -‬أي اس�كن ‪ -‬فإنه‬ ‫ليس عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد‪.‬‬ ‫ولم�ا س�أل الناس س�عي ًدا م�ن كان مع�ك قال‪ :‬أب�و بكر‪،‬‬ ‫وعم�ر‪ ،‬وعثامن‪ ،‬وعيل‪ ،‬والزبير‪ ،‬وطلحة‪ ،‬وعب�د الرحمن بن‬ ‫عوف‪ ،‬وس�عد بن مالك‪ ،‬وقال عنه النبي‪ :0‬سعيد بن‬ ‫‪n 133‬‬ ‫زيد في الجنة‪.‬‬ ‫‪ ‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬ ‫ﺷﺒﻜﺔ‬ ‫‪M‬‬ ‫فكان س�عيد واح ًدا من العرشة المبشرين بالجنة ‪،I‬‬ ‫وظ�ل على عهده مع رس�ول الله ‪ 0‬يقات�ل المشركين في‬ ‫بلاد «ف�ارس» حتى أطفأ الله به وبأصحابه نار المجوس‪ ،‬وآمن‬ ‫أهل فارس بالله تعالى‪.‬‬ ‫ولم�ا انتهت الفت�وح في بلاد فارس‪ ،‬لم يهدأ س�عيد بل حمل‬ ‫سيفه ومتاعه إلى ناحية أخرى من البلاد التي غزاها المسلمون‪،‬‬ ‫وكانت هذه المرة هي بلاد الشام‪ ،‬حيث كانت المعركة الفاصلة‬ ‫بين المسلمين والروم‪ ،‬وهي معركة «اليرموك»‪.‬‬ ‫وكان انتص�ار الروم في هذه المعركة قري ًبا ج ًدا منهم لكثرة‬ ‫عددهم وعدتهم‪ ،‬وقلة عدد المسلمين‪.‬‬ ‫أما هزيمة الروم فكات تعني سقوط الشام كاملة في أيدي‬ ‫المسلمين‪ ،‬فاستعد الفريقان جي ًدا لهذه المعركة‪.‬‬ ‫وج�اء جيش ال�روم تع�داده مائة وعرشون أل ًف�ا‪ ،‬وعدد‬ ‫المسلمين أربعة وعشرون أل ًفا‪ ،‬وتراءى الجيشان‪.‬‬ ‫‪134 n‬‬ ‫‪ ‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬ ‫ﺷﺒﻜﺔ‬ ‫‪M‬‬ ‫وج�اء الرهب�ان والقساوس�ة يحمل�ون صلبانه�م ويعلون‬ ‫أصواتهم بالصلوات‪ ،‬فدب الرعب في قلوب المس�لمين‪ ،‬حينما‬ ‫ردد جيش الروم هذه الصلوات‪.‬‬ ‫فكان صوتهم كالجبال حين تتحرك من مكانها‪ ،‬وقام قائد‬ ‫المسلمين أبو عبيدة بن الجراح يخطب في المسلمين‪.‬‬ ‫ي��ا عب��اد الله‪ :‬انرصوا الله ينصرك�م ويثب�ت أقدامك�م‪،‬‬ ‫اصبروا فإن الصبر منجاة من الكفر‪ ،‬ومرضاة للرب‪ ..‬والزموا‬ ‫الصم�ت حت�ى آمركم ‪ ،‬واذك�روا الله‪ ،D‬ومن بين صفوف‬ ‫المسلمين خرج رجل فقال لأبي عبيدة‪:‬‬ ‫‪ ‬ي�ا أب�ا عبيدة إني ذاهب للش�هادة الآن‪ ،‬وخ�ارج لمقاتلة‬ ‫هؤلاء‪ ،‬فهل لك من رسالة تبعثها إلى رسول الله‪0‬؟‪.‬‬ ‫فقال أبو عبيدة‪ ،‬نعم‪ ،‬أقرئه منا السلام‪ ،‬وقل له‪ :‬إنا وجدنا‬ ‫ما وعدنا ربنا ح ًقا‪.‬‬ ‫وهنا يقول س�عيد بن زي�د‪ :I‬فلما رأيت هذا الرجل‬ ‫قد ركب جواده‪ ،‬وس�ل س�يفه‪ ،‬ومضى إلى أعداء الله يقاتلهم‪n،‬‬ ‫‪135‬‬ ‫‪‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬ ‫ﺷﺒﻜﺔ‬ ‫‪M‬‬ ‫حت�ى أس�ندت ركبتي إلى الأرض‪ ،‬ورمي�ت بِ ُرمحِْ ي أول فارس‬ ‫م�ن ال�روم‪ ،‬ثم ن�زع الله ما في قلب�ي من الخ�وف‪ ،‬ودخلت بين‬ ‫صفوف الأعداء‪ ،‬أقاتلهم حتى نصرنا الله تعالى‪.‬‬ ‫وكان أبو عبيدة يعلم جي ًدا صدق إيمان سعيد‪.‬‬ ‫فأس�ند إليه فتح «دمش�ق» ث�م جعله وال ًي�ا عليها‪ ،‬ومضى‬ ‫الجميع إلى الله‪ ،‬وبقي سعيد بن زيد حتى عصر بني أمية‪.‬‬ ‫تقواه وزهده وورعه‬ ‫في عهد الدولة الأموية عاش س�عيد بن زيد يبكي صحابة‬ ‫رس�ول الله ‪ 0‬الذين ماتوا قبله‪ ،‬وبقي هو يش�هد الفتنة‬ ‫ودخ�ول الدنيا بزينتها على المس�لمين‪ ،‬ففضل العودة إلى المدينة‬ ‫والإقام�ة بها‪ ،‬وكان واليها في ذلك الوقت مروان بن الحكم بن‬ ‫العاص‪.‬‬ ‫وخرجت امرأة تسمى «أروى بنت أويس»‪.‬‬ ‫فقالت‪ :‬إن س�عي ًدا سرق م�ن أرضي‪ ،‬وأدخلها في أرضه‪،‬‬ ‫وشق ذلك على سعيد بن زيد صحابي رسول الله وأحد العشرة‬ ‫‪136 n‬‬ ‫المبشرين بالجنة‪.‬‬ ‫‪ ‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬ ‫ﺷﺒﻜﺔ‬ ‫‪M‬‬ ‫فق�ال‪ :‬اللهم إن كانت كاذب�ة‪ ،‬فأذهب بصرها‪ ،‬واقتلها في‬ ‫أرضها‪.‬‬ ‫ون�زل المطر من السامء حتى بين الحد ال�ذي زعمت المرأة‬ ‫أن س�عي ًدا قد جاوزه‪ ،‬ثم عمي بصره�ا‪ ،‬وما هي إلا أيام حتى‬ ‫وقعت في حفرة من أرضها فماتت فيها‪.‬‬ ‫واستجاب الله لسعيد بن زيد المظلوم‪ ،‬والمدعي عليه كذ ًبا‬ ‫وبهتا ًنا‪.‬‬ ‫وذات صب�اح‪ ،‬ف�زع أهل المدينة على ص�وت الناعي ينعي‬ ‫«س�عيد ب�ن زي�د» ‪ ،I‬وكان ذل�ك في خلاف�ة معاوية بن‬ ‫أبي سفيان في العام الخمسين للهجرة‪.‬‬ ‫ودفن�ه س�عد بن أبي وقاص‪ ،‬وعب�د الله بن عمر ‪،L‬‬ ‫فسلام عليه في الآخرين‪.‬‬ ‫‪sss‬‬ ‫‪n 137‬‬ ‫‪ ‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬ ‫ﺷﺒﻜﺔ‬ ‫‪M‬‬ ‫أبي عبيدة عامر بن عبد الله بن الجراح ‪I‬‬ ‫ه��و‪ :‬عام�ر ب�ن عب�د الله ب�ن الج�راح الق�رشي الفه�ري‪،‬‬ ‫أب�و ُعبيدة بن الجراح‪ ،‬هاجر إلى الحبش�ة الهج�رة الثانية‪ ،‬حضر‬ ‫الغ�زوات كله�ا مع رس�ول الله ‪ ،0‬وهو أح�د العشرة‬ ‫المبشرين بالجنة‪ ،‬وهو أمين هذه الأمة‪.‬‬ ‫إسلام أبي ُعبيدة‬ ‫أس�لم أبو عبي�دة في اليوم التالي لإسلام أبي بكر الصديق‬ ‫‪.I‬‬ ‫ف�كان واح� ًدا ممن هداهم الله إلى الإسلام على يد أبي بكر‬ ‫‪.I‬‬ ‫وكبقية إخوانه ممن أسلموا تحمل أبو عبيدة العذاب في مكة‬ ‫صاب� ًرا راض ًيا لا يصده الأذى عن دين الله‪ ،‬بل يزيده التعذيب‬ ‫إيما ًنا بالله‪ ،‬واتبا ًعا لرسول الله ‪.0‬‬ ‫‪138 n‬‬ ‫‪‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬ ‫ﺷﺒﻜﺔ‬ ‫‪M‬‬ ‫وكان أحد المهاجرين إلى الحبش�ة في الهجرة الثانية‪ ،‬ولكنه‬ ‫لم يج�د هن�اك ما يرج�وه‪ ،‬فلئن عاش آمنً�ا بدين�ه‪ ،‬إلا أنه عاش‬ ‫محرو ًم�ا من رؤية نبي�ه‪ ،0‬فلملم متاعه القليل وعاد إلى‬ ‫مكة يقاس�م إخوانه أيام العذاب في مك�ة‪ ،‬وكأن العذاب صار‬ ‫بر ًدا وسلا ًما عليهم جمي ًعا‪.‬‬ ‫ون�زل وح�ي الله آم� ًرا نبي�ه بالهجرة م�ن مك�ة إلى المدينة‪،‬‬ ‫ففارق أبو عبيدة وطنه ودياره‪ ،‬وفر بدينه‪ ،‬ليلحق بفئة المؤمنين‬ ‫في المدينة ويسكن الإيمان المدينة‪ ،‬ويسكن المؤمنون المدينة حتى‬ ‫كانت المدينة دار الإيمان والمؤمنين سو ًيا‪.‬‬ ‫شجاعة أبي عبيدة وولاؤه للإسلام‬ ‫كان سيف أبي عبيدة بن الجراح نعم السيف للرجل المؤمن‬ ‫الذي لا يرفعه إلا في وجه الكفار حين يأبون إلا الكفر والفسوق‬ ‫والعصيان‪ ،‬ولكن سيف أبي عبيدة من طراز خاص‪.‬‬ ‫فقد كان الجميع في شبه الجزيرة العربية يخشون بطش هذا‬ ‫الس�يف وقوته‪ ،‬فكانوا يبتعدون عنه خش�ية الموت تحت حده‪،‬‬ ‫‪n 139‬‬ ‫‪‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬ ‫ﺷﺒﻜﺔ‬ ‫‪M‬‬ ‫ولم يتص�ور أح�د من الن�اس يو ًما أن س�يف أبي عبيدة س�وف‬ ‫يحصد رقبة أبيه‪ ،‬نعم لقد قتل أبو عبيدة والده ولكن كيف؟‪.‬‬ ‫كان عب�د الله بن الجراح والد أبي عبيدة رجلاً كاف ًرا‪ ،‬كثي ًرا‬ ‫ما عذب المس�لمين وآذاهم‪ ،‬حتى هاجر أبو عبيدة والمس�لمون‬ ‫إلى المدينة‪.‬‬ ‫وجاءت مكة برجالها تريد حرب الإسلام فكان اللقاء في‬ ‫«بدر»‪ ،‬وفي معسكر المسلمين وقف أبو عبيدة بن الجراح خلف‬ ‫راية «لا إله إلا الله»‪.‬‬ ‫أما عبد الله فقد وقف في معسكر الشرك تحت راية الأصنام‬ ‫والكف�ر‪ ،‬وهاج�م عب�د الله جي�ش المس�لمين برضاوة‪ ،‬وكان‬ ‫أبو عبيدة يرى أباه‪ ،‬فيختبىء منه ويتوارى‪ ،‬ولكن يعود الرجل‬ ‫للهج�وم مرة أخرى‪ ،‬وكلما حاول أبو عبي�دة أن يبتعد عن أبيه‬ ‫تعرض له والده‪ ،‬وأراد قتله‪ ،‬وقتل رجالاً من المسلمين‪.‬‬ ‫وهن�ا تداخلت الأفكار في قلب أبي عبيدة‪ ،‬من ينصر؟ الله‬ ‫‪140 n‬‬ ‫أم أبوه؟‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬ ‫ﺷﺒﻜﺔ‬ ‫‪M‬‬ ‫وجاء الجواب س��ري ًعا‪ :‬الله‪ ،‬فضرب أبو عبيدة والده فقتله‬ ‫وهو الكافر المشرك الذي انتهى نسبه بولده يوم أن اختار ولده‬ ‫الإيمان ورفضه هو‪.‬‬ ‫ويظل أبو عبيدة حزينًا حتى أنزل الله تعالى‪[ :‬ﭑﭒﭓ‬ ‫ﭔﭕﭖﭗ ﭘﭙﭚﭛﭜﭝ‬ ‫ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥﭦ ﭧ‬ ‫ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮﭯ ﭰ‬ ‫ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ‬ ‫ﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃ ﮄ ﮅﮆﮇﮈ] [‪.]22:q‬‬ ‫وفي « ُأح�د» كان المشرك�ون ق�د أحاط�وا برس�ول الله‬ ‫‪ 0‬يري�دون قتله والخلاص منه‪ ،‬وأصيب رس�ول الله‬ ‫‪ 0‬بعد انكش�اف المس�لمين وتفرقهم‪ ،‬وكسرت رباعية‬ ‫رسول الله‪ ،‬وشجت رأسه‪.‬‬ ‫واقرتب أح�د المشركين واس�مه «اب�ن قمئ�ة» فرضب‬ ‫رس�ول الله ‪ 0‬بس�يفه‪ ،‬ودخل�ت حلقت�ان م�ن درع‬ ‫‪n 141‬‬ ‫الرسول في وجنتيه‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬ ‫ﺷﺒﻜﺔ‬ ‫‪M‬‬ ‫واقرتب أب�و بكر‪ ،‬وأب�و عبي�دة‪ ،‬وأراد أبو بك�ر أن ينتزع‬ ‫الحلقتين م�ن وجنتي رس�ول الله ‪ ،0‬ولك�ن أبا عبيدة‬ ‫أراد أن تكون له مكرمة مع رسول الله فقال‪:‬‬ ‫‪ ‬أقسم بالله عليك أن تترك هذا الأمر لي‪.‬‬ ‫وبثنيتي�ه‪ ،‬انتزع أبو عبيدة الحلقتين من وجنتي رس�ول الله‬ ‫‪ ،0‬فوقعت ثنيت�اه فأصابه الهتم حتى صار كما قال عنه‬ ‫أبو بكر‪ :I‬كان أبو عبيدة أحسن الناس هتماً ‪.‬‬ ‫أبو ُعبيدة أمين هذه الأمة‬ ‫كان رس�ول الله ‪0‬يحُ ب أبا عبيدة ح ًبا شدي ًدا حتى‬ ‫قال‪« :‬إن لكل أمة أميًنا وإن أميننا أيتها الأمة أبو عبيدة بن‬ ‫الجراح»‪.‬‬ ‫وجاء وفد من اليمن‪ ،‬فس�ألوا رسول الله ‪0‬رجلاً‬ ‫يك�ون معه�م يعلمهم القرآن والس�نة فبعث معه�م أبا عبيدة‪،‬‬ ‫وأخذ بيده وهو يقول‪ :‬هذا أمين هذه الأمة‪.‬‬ ‫وفي واحدة من روائع القصص عن أبي عبيدة‪n.‬‬ ‫‪142‬‬ ‫‪ ‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬ ‫ﺷﺒﻜﺔ‬ ‫‪M‬‬ ‫ر ُوي أن رس�ول الله ‪ 0‬بعث�ه قب�ل صل�ح الحديبية‬ ‫ليعترض عِي�رِ ً ا((( لقريش وكان أمير المس�لمين أبا عبيدة ومعه‬ ‫ثلاثمائة من الصحابة‪.‬‬ ‫وأثناء الغزوة أصابهم جوع ش�ديد‪ ،‬حتى أكلوا((( الخبط‪،‬‬ ‫فسمي الجيش‪ :‬جيش الخبط‪ ،‬ولم يبق للجيش سوى التمر الذي‬ ‫كان معهم يأكلونه‪ ،‬ف�كان أبو عبيدة يعطي الرجل تمرة واحدة‬ ‫كل يوم يمصها الرجل ثم يشرب بعدها الماء فتكفيه إلى الليل‪.‬‬ ‫ويم�ن الله على المس�لمين‪ ،‬وإذا هم في س�اعة جوع ش�ديد‬ ‫يق�ذف البح�ر عليه�م حيوا ًنا اس�مه «العنرب» وهو م�ن أنواع‬ ‫الحيتان‪ ،‬يستخرج منه العنبر‪.‬‬ ‫فأخ�ذه المس�لمون وانتفع�وا بلحم�ه‪ ،‬ودهنوا أجس�امهم‬ ‫بزيت�ه‪ ،‬فطعموا وش�بعوا بعد الجوع‪ ،‬ولما عادوا إلى رس�ول الله‬ ‫‪ 0‬ذكروا له قصة هذا العنبر‪.‬‬ ‫(‪ )1‬قافلة‪.‬‬ ‫(‪ )2‬الخبط‪ :‬هو ورق الشجر الذي يسقط حينما يهز الإنسان الشجرة‪n.‬‬ ‫‪143‬‬ ‫‪‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬ ‫ﺷﺒﻜﺔ‬ ‫‪M‬‬ ‫فق�ال لهم‪ :‬هو رزق أخرج�ه الله لكم فهل معكم من لحمه‬ ‫شيء؟‪.‬‬ ‫فأخرج أبو عبيدة لحم العنبر وأطعم رسول الله ‪0‬‬ ‫وصحابت�ه‪ ،‬فأكلوا من�ه‪ ،‬وهكذا أطعم الجوع�ى من أصحاب‬ ‫سرية «الخبط» أهل المدينة من رزق الله‪.D‬‬ ‫جهاد أبي عبيدة ووفاته‬ ‫وبعد وفاة النبي ‪0‬كان س�يف أبي عبيدة في خدمة‬ ‫الإسلام‪ ،‬فكان قائ ًدا لجيش المس�لمين في فتوحات الش�ام‪ ،‬بل‬ ‫كان هو قائد جيش «اليرموك» الذي قضى على وجود الروم في‬ ‫الش�ام ورد بيت المقدس إلى ُملك المس�لمين‪،‬وولاه عمر حكم‬ ‫الشام فكان وال ًيا عليها‪.‬‬ ‫وأراد عمر أن يختبر واليه أمين الأمة وصحابي رسول الله‪،‬‬ ‫فذه�ب عمر إلى الش�ام‪ ،‬وخرج الجميع يتلق�اه‪ ،‬ولم يكن معهم‬ ‫أبو عبيدة بن الجراح‪.‬‬ ‫‪144 n‬‬ ‫‪ ‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬ ‫ﺷﺒﻜﺔ‬ ‫‪M‬‬ ‫فقال عمر‪ :‬أين أخي؟ فقالوا‪ :‬من أخوك يا أمير المؤمنين؟‪.‬‬ ‫قال‪ :‬أبو عبيدة بن الجراح‪ .‬فقالوا‪ :‬يأتيك الآن‪.‬‬ ‫وجاء أبوعبيدة فتعان�ق مع عمر‪ ،I‬وذهب عمر إلى‬ ‫دار أبي عبي�دة فنظ�ر فيه�ا‪ ،‬فلم يجد س�وى الس�يف‪ ،‬والترس‪،‬‬ ‫وسرج الدابة‪.‬‬ ‫فقال عمر‪ :‬ألا اتخذت ما اتخذ أصحابك؟ يقصد بذلك أن‬ ‫يجهز بيته بالمتاع‪.‬‬ ‫فقال أبو عبيدة‪ :‬هذا يبلغني المقيل‪.‬‬ ‫فعلم عمر صدق أخيه أبي عبيدة‪ ،‬أنه مجاهد لا يحتاج إلا إلى‬ ‫الس�يف يضرب به العدو‪ ،‬والرتس يصد به‪ ،‬والفرس يركبها‪،‬‬ ‫ولا شيء آخر لأنه يريد الشهادة‪.‬‬ ‫وكان أب�و عبي�دة يق�ول للن�اس‪ :‬ما م�ن الناس م�ن أحمر‬ ‫ولا أسود‪ ،‬ولا حر ولا عبد‪ ،‬عجمي ولا عربي‪ ،‬أعلم أنه أفضل‬ ‫مني بتقوى إلا أحببت أن أكون معه‪.‬‬ ‫‪n 145‬‬ ‫‪‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬ ‫ﺷﺒﻜﺔ‬ ‫‪M‬‬ ‫فهو يسير على ق�ول الح�ق ‪[ :D‬ﮁ ﮂﮃﮄ‬ ‫ﮅ] [‪.]13 :Y‬‬ ‫وفي الش�ام كان�ت حي�اة أبي عبي�دة م�ن ي�وم فتحها حتى‬ ‫مات‪ ،‬وفي أواخر حياة أبي عبيدة نزل بالمس�لمين طاعون شهير‬ ‫حصد أرواح عدد من الصحابة الكرام‪ ،‬وهو طاعون ُس�مي بـ‬ ‫«طاعون عمواس»‪.‬‬ ‫ولما وق�ع هذا الطاعون‪ ،‬تحدث الن�اس أنه غضب من الله‬ ‫على المسمين‪ ،‬فقام أبو عبيدة خطي ًبا في المسلمين فقال‪:‬‬ ‫أيه�ا الن�اس إن ه�ذا الوجع رحم� ُة ربكم‪ ،‬ودع�وة نبيكم‪،‬‬ ‫وموت الصالحين من قبلكم‪ ،‬وإن أبا عبيدة يس�أل الله أن يقسم‬ ‫له منه حظه‪.‬‬ ‫واس�تجاب الله لدع�اء أمين الأمة فما لب�ث إلا قليلاً حتى‬ ‫توف�اه رب�ه ‪ D‬في العام الثامن عشر للهج�رة في خلافة عمر‬ ‫ابن الخطاب‪.‬‬ ‫‪146 n‬‬ ‫‪‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬ ‫ﺷﺒﻜﺔ‬ ‫‪M‬‬ ‫وحينام حرضت الوف�اة عم�ر ق�ال لم�ن حول�ه‪ :‬ل�و كان‬ ‫أبو عبيدة بن الجراح ح ًيا لا ستخلفته‪.‬‬ ‫‪sss‬‬ ‫‪n 147‬‬ ‫‪‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬ ‫ﺷﺒﻜﺔ‬ ‫‪M‬‬ ‫معاذ بن جبل ‪I‬‬ ‫ه��و‪ :‬مع�اذ ب�ن جب�ل ب�ن عم�رو ب�ن أوس‪ ،‬كان‬ ‫رس�ول الله ‪0‬يحب�ه كثي ًرا وكان يحمل�ه خلف�ه على‬ ‫دابت�ه في بعض الأحي�ان‪ ،‬وحضر المعارك والغ�زوات كلها مع‬ ‫رسول الله‪.0‬‬ ‫إسلام معاذ بن جبل‬ ‫أس�لم مع�اذ بن جب�ل وهو ابن ثامني عشرة س�نة‪ ،‬لما رأى‬ ‫رس�ول الله ‪0‬وس�كن الإيمان والنور في قلبه حين جاء‬ ‫إلى رؤية رسول الله‪ 0‬في المدينة‪.‬‬ ‫أعلم الأمة بالحلال والحرام‬ ‫معاذ بن جبل‬ ‫لق�د كانت حياة مع�اذ قصيرة للغاي�ة‪ ،‬فلقد توفى ‪I‬‬ ‫وعم�ره ثماني�ة وثلاثون عا ًم�ا فقط‪ ،‬وإذا أردن�ا أن نحدد عمره‬ ‫‪148 n‬‬ ‫‪ ‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬ ‫ﺷﺒﻜﺔ‬ ‫‪M‬‬ ‫الإيمان َّي لوجدن�اه عشرين عا ًما فقط‪ ،‬ورغم ذلك فإننا لو أردنا‬ ‫أن نملأ كت ًبا عن معاذ لفعلنا‪.‬‬ ‫لم يك�ن مع�اذ ليضيع لحظة واحدة من حيات�ه بجوار النبي‬ ‫‪ ،0‬فالتزم�ه يحرض جلس�اته في المس�جد النبوي‪ ،‬حتى‬ ‫اس�تطاع أن يحف�ظ القرآن على عهد النب�ي ‪0‬في وقت‬ ‫لم يكن حفظة القرآن إلا قليلاً من قليل‪.‬‬ ‫وكان معاذ إذا س�مع ش�ي ًئا من رسول الله ‪ 0‬وعاه‬ ‫وحفظ�ه حتى قال عنه النبي ‪« :0‬أعلم أمتي بالحلال‬ ‫والحرام معاذ بن جبل»‪.‬‬ ‫وفي م�رة ق�ال ل�ه النب�ي ‪« :0‬ي��ا مع��اذ والله إني‬ ‫أحب��ك فلا تن��س أن تقول ُدبر كل ص�ل�اة‪ :‬اللهم أعني على‬ ‫ذكرك وشكرك وحسن عبادتك»‪.‬‬ ‫وأي فخر ووسام أعظم من أن يقول النبي لأحد صحابته‪:‬‬ ‫إني أحب�ك والله‪ ،‬لقد كان رس�ول الله ‪ 0‬يعلم الخير في‬ ‫‪n 149‬‬ ‫‪‬‬


Like this book? You can publish your book online for free in a few minutes!
Create your own flipbook