Important Announcement
PubHTML5 Scheduled Server Maintenance on (GMT) Sunday, June 26th, 2:00 am - 8:00 am.
PubHTML5 site will be inoperative during the times indicated!

Home Explore كليلة ودمنة بالمصرى#سمير_عبد_الباقى

كليلة ودمنة بالمصرى#سمير_عبد_الباقى

Published by noha.skillbuild02, 2020-03-28 16:05:02

Description: كليلة ودمنة بالمصرى#سمير_عبد_الباقى

Keywords: كليلة ودمنة بالمصرى#سمير_عبد_الباقى

Search

Read the Text Version

‫له‪ ،‬بد�أ ينمي لديه رغبة في الانتقام الخفيف لتنبيه ا إلمبراطور‪ ،‬ومنعه من‬ ‫التمادي وخا�صة بعدما حدث في حفل عيد ميلاد ا إلمبراطور ‪ -‬الذي �أقامه‬ ‫في ال�سهل الممتد �أمام ذلك المنزل الذي ك�سبه في �سباق (تعاليبو) والحمار‪.‬‬ ‫يومها �سخر الإمبراطور ‪ -‬مرة أ�خرى ‪ -‬من (تعاليبو) علانية‬ ‫و أ�مام الجمع الكبير من �أ�صحاب المخالب وا ألنياب والنفوذ الذين ُدعوا‬ ‫من الغابة والغابات المجاورة لي�شاركوا (المده�ش) عيد مولده العظيم‪.‬‬ ‫كان الأ�سد يومها من غاية ال�سعادة وك أ�نه ولد لأول مرة ف أ�خذ‬ ‫يوزع مداعباته ونكاته على الجميع‪ ..‬يلعب مع ال�صغار ويمزح مع‬ ‫الكبار‪ ،‬ويلقي فكاهات �سخيفة لا ت�ضحك أ�ح ًدا ‪ -‬ينفجر لها الجميع‬ ‫�ضاحكين حتى طوب ا ألر�ض والجذور العمياء‪ .‬ورغم اهتمام الجميع‬ ‫به‪ ،‬ف�إن (تعاليبو) عندما و�صل ا�ستقبل بعا�صفة من الت�صفيق لمدة دقائق‬ ‫متوا�صلة‪ ..‬مما جعل الإمبراطور يم�ضغ قلبه المرتجف غيرة وغ�ض ًبا‬ ‫لكنه ابت�سم ورحب به ودعاه �إلى الجلو�س �إلى جواره وهو يغلي!!‬ ‫وعندما بد�أ الرق�ص كان (تعاليبو) بخفة حركته و�أناقته المعهودة نجم‬ ‫الحفل بحق‪ ،‬ف�سرق الأ�ضواء من ا إلمبراطور مرة �أخرى‪ .‬وعندما ابتد أ�‬ ‫يرق�ص مع الماعز الجبلية البي�ضاء رق�صة علمتها له لأول مرة فلفتت معه‬ ‫ا ألنظار جميعها ‪� -‬صاح الأ�سد في �صوت حانق �سمعته حتى جرذان المطبخ‬ ‫وال�سحالي جالبة الماء‪ ..‬وهو يحاول الظهور وك�أنه يداعب �صديقه‪:‬‬ ‫‪ -‬جميل؛ يا وزيري العزيز‪ -‬جميل! ولكن لو كان ذيلك في جمال‬ ‫ذيل �صديقتك العنزة ومرفو ًعا مثلها لكان منظرك أ�جمل و�أروع‪..‬‬ ‫و�ضحك ا إلمبراطور‪ ،‬وطب ًعا �ضحك الجميع مجاراة له رغم �أن‬ ‫كثيرين قد �أح�سوا با إلهانة‪ ..‬وعاد الإمبراطور يقول‪:‬‬ ‫أ�ر�أيت؟ �إنك تبت�سم لها من بين أ�نيابك‪ ..‬ولكن تذكر أ�ن هناك‬ ‫قانو ًنا يمنعك من التهامها �أمامي‪ ..‬فلا تدفعك خفتها إ�لى التفكير في فكرة‬ ‫خبيثة‪ ..‬حذار يا (تعاليبو) فالعنزة �ضيفتي ولي�ست دجاجة زوجها مغفل!‬ ‫و�ضحك الأ�سد مرة �أخرى‪ ..‬ف�ضحك البع�ض مجاراة ونفا ًقا‪..‬‬ ‫ولكن الكثيرين ترددوا ألن الإمبراطور يذكر (تعاليبو) بالما�ضي الذي‬ ‫ن�سيه الجميع و أ�ح�س الإمبراطور �أنه ف�ضح غ�ضبه فا�ستدرك وقال‪:‬‬ ‫على كل حال �س�أ�سمح لك بالتهامها إ�ذا هي لم ت�ستطع �أن تعلمني‬ ‫رق�صتها الجديدة!‬ ‫‪100‬‬ ‫‪Kalilah and Dimnah final.indd 100‬‬ ‫� ��‪/���� ��:‬‏� ‏‪��/‬‬

‫واعتبر الجميع هذا القول محاولة لإزالة �أثر ا إلهانة ال�سابقة ف�ضحكوا‬ ‫جمي ًعا مجاراة ل�ضحكة الإمبراطور حتى الثعلب �ضحك‪ ..‬بالرغم من‬ ‫حرقة أ�نفا�سه التي كادت من �شدة غيظه أ�ن تحق ذقن العنزة‪..‬‬ ‫وانتهت ال�سهرة؛‬ ‫ولكن (تعاليبو) ظل �ساه ًرا يفكر فيما حدث وهو ي أ�كل �أظافره بعد أ�ن‬ ‫جعل منه ا أل�سد �أ�ضحوكة للجميع‪ ،‬حتى (جنادب البوابة) و( فراخ غيط‬ ‫الحمار)‪ ،‬ومتى؟ في حفل عيد ميلاده‪ ،‬الذي جعله (تعاليبو) عي ًدا قوم ًيا‬ ‫للغابة و�أين؟ في بيت الحمار‪ ،‬الذي ك�سبه (تعاليبو) له بجريه وتعبه ومكره‪.‬‬ ‫ولم يعد قلب (تعاليبو) مثلما كان‪ ..‬فهو لم يعد مطمئ ًنا لر�ضاء‬ ‫ا إلمبراطور الذي قد يغدر به في �أي وقت‪ ،‬كما غدر بالكثيرين ممن‬ ‫خدموه ب إ�خلا�ص وتذكر موت (بولينياب) لهفوة ب�سيطة‪ ،‬وانتزاع بيت‬ ‫(الحمار كار) ل�شهوة عبيطة وقتل الثيران الثلاثة لفكرة حويطة‪.‬‬ ‫قرر (تعاليبو) أ�ن يكون أ�كثر حذ ًرا‪ ،‬و أ�ن ي�شتغل لح�سابه قليل ًا حتى‬ ‫ي�ضمن�شي ًئاي�ستند�إليه‪،‬يوميقلبلها إلمبراطور�سحنتهفيطردهمنخدمته‪،‬‬ ‫وو�ضع خطة للانتقام البطيء عزم على �أن يبد أ�ها مع إ��شراقة �شم�س اليوم‬ ‫الأول من العام الجديد في حياة ا إلمبراطور (المده�ش �أبو لبدة)‪.‬‬ ‫وما �أن أ��شرقت �شم�س ال�صباح حتى كان (تعاليبو) مرتد ًيا ثياب‬ ‫الريا�ضة‪ ،‬واق ًفا في ن�شاط أ�مام �سرير ا إلمبراطور‪ ،‬يداعبه ويوقظه‬ ‫ي�ستقبل عامه الجديد ال�سعيد‪ ،‬و أ�خذ يدغدغه مته ًما �إياه بالك�سل والا�ست�سلام‬ ‫لل�سنوات قائلاً ‪:‬‬ ‫‪-‬لا يا مولاي؟ لا‪ ..‬لي�س هذا طبع ال�شباب! لا تترك أ�عداءك‬ ‫يتهمونك بالكبر وال�شيخوخة‪ ،‬إ�ذا علموا �أنك تريد أ�ن تظل بفرا�شك حتى‬ ‫الظهيرة‪ ..‬لا‪ ..‬لا‪ ..‬اثبت لهم �أن ال�شباب يبد أ� منذ اليوم و أ�نك مختلف‬ ‫عن كل الحيوانات ألن عمرك ينق�ص عا ًما كلما مر عام من حياتك‪،‬‬ ‫على العك�س منهم‪ ،‬هيا هيا‪ ..‬يا مليكي‪.‬‬ ‫و أ�قنع (تعاليبو) الأ�سد ‪ -‬وما �أ�سهل ذلك عليه ‪ -‬حتى قام و أ�فاق‬ ‫وقد دبت في عروقه فورة ال�شباب وروح المرح فارتدى ملاب�س اللعب‬ ‫والريا�ضة لي�شارك (تعاليبو) اللعبة الجديدة التي قال له �إنه ا�ستورد قواعدها‬ ‫من تقاليد الغابات ال�شمالية الغربية لتقوية أ�نياب ا أل�سود والأ�سماك علمها‬ ‫له �صديق من أ��سماك المن�شار يعي�ش في كهف ال�صخور النارية تحت الماء‪.‬‬ ‫‪101‬‬ ‫‪Kalilah and Dimnah final.indd 101‬‬ ‫� ��‪ ���� ��:‬‏‪ �/‬‏‪��/‬‬

‫وما كان �أ�سهل أ�ن ي�صدق ا إلمبراطور فما أ�كثر ما كان يندفع �إلى‬ ‫ت�صديق كل ما يقوله (تعاليبو) فم�ضى معه م�سر ًعا في خطوات منتظمة‬ ‫قافزة راق�صة وهو يهتف‪� ..‬شمال يمين‪ ..‬واحد اثنين‪ ،‬حتى و�صلا �إلى‬ ‫�سفح الجبل ال�شرقي حيث �ساحة الألعاب المقامة على �أحدث طرز �ساحات‬ ‫ا أللعاب المعمول بها في الغابات ال�سويدية‪.‬‬ ‫و أ�خذ (تعاليبو) في ابت�سامة المدرب المحنك والمهرج الم�ضحك و إ�قناع‬ ‫ال�صديق المقرب ي�شرح لعبته لل�سبع المده�ش قائلاً ؛‬ ‫‪ -‬هذه اللعبة يا مولاي ا�سمها لعبة ((ام�سك معي الكرة الحجرية))‬ ‫وطب ًعا لا بد �أن يم�سكها الواحد منا با أل�سنان حتى تعود الفائدة على‬ ‫ا أل�سنان بالذات‪.‬‬ ‫منا من ي�صعد �إلى أ�على الجبل ليختار كرة من ال�صخور النارية‬ ‫يقذفها بطريقة فنية �إلى أ��سفل وعلى الآخر أ�ن ي�ستقبلها ب أ��سنانه‪ ..‬على‬ ‫�شرط �ألا يخطئوها و إ�لا احت�سبت نقطة �ضده ‪ -‬وهكذا والفائز هو من‬ ‫يجمع �أكبر عدد من النقاط! أ�ر�أيت؟ غاية في ال�سهولة!!‬ ‫�صاح ا إلمبراطور كالطفل المرح ال�صغير‪:‬‬ ‫‪ -‬فهمت‪ ..‬فهمت و�س�أبد أ� �أنا و�س�أغلبك‪ ..‬فلا يمكن �أن ينهزم‬ ‫( أ�بو لبدة)‪ ..‬هيا‪ ..‬ف�إن اللعبة قد ا�ستهوتني ج ًدا ‪ -‬بالإ�ضافة إ�لى �أن‬ ‫�شهيتي مفتوحة به�شتقة ( أ��سماك المن�شار ال�سفاحة) يا �صديقي‪ ..‬وانطلق‬ ‫الإمبراطور ي�صعد الجبل ليبد�أ اللعب‪ ..‬وبينما كان يختار �صخرة كروية‬ ‫�صالحة‪ ،‬كان (تعاليبو) يبحث لنف�سه عن مخب�أ كروي �صالح ليحتمي فيه‬ ‫في اللحظة المنا�سبة‪.‬‬ ‫و�صاح ا أل�سد بعد �أن ا�ستعد بالكرة ال�صخرية مناد ًيا زميله؛‬ ‫ ‪ -‬هل �أنت م�ستعد يا (تعاليبو)؟‬ ‫و�صرخ (تعاليبو) من أ��سفل وقد أ�ظهر نف�سه له فات ًحا فمه‪:‬‬ ‫‪ -‬نعم يا مولاي‪ ..‬عد حتى ثلاثة و أ�لق بها‪..‬‬ ‫و�ألقى ا إلمبراطور بالكرة ال�صخرية‪ ..‬فاندفعت تتدحرج مثيرة‬ ‫زوبعة من الغبار �أخفت الثعلب عن نظر ا أل�سد‪ ،‬فانتهزها الثعلب فر�صة‬ ‫ولج أ� �إلى مخب�أه ا ألمين مبتع ًدا عن طريقها‪.‬‬ ‫وبعد أ�ن ا�ستقرت انطلق يم�سك بها بين أ��سنانه مظه ًرا نف�سه‬ ‫ل إلمبراطور‪ ،‬طال ًبا احت�ساب نقطة لأنه تمكن من التقاطها ولم يرق ل أل�سد‬ ‫‪102‬‬ ‫‪Kalilah and Dimnah final.indd 102‬‬ ‫� ��‪ ���� ��:‬‏‪ �/‬‏‪��/‬‬

‫أ�ن ي�سجل (تعاليبو) نقطة أ�و �أن ينجح في التقاط الكرة‪ ،‬و�صمم على أ�ن‬ ‫يثبت أ�نه أ�قدر منه و أ�حق بت�سجيل نقطتين لا نقطة واحدة‪ ..‬ف�أ�سرع يبادله‬ ‫مكانه وهو يقول‪:‬‬ ‫أ�نت لك نقطة‪ ،‬فخذ كرة أ�كبر ألنني أ�ريد ت�سجيل نقطتين في كل‬ ‫مرة‪..‬‬ ‫وطب ًعا كان على (تعاليبو) �أن ينفذ رغبة مولاه و أ�وامره فاختار‬ ‫كرة تليق بمقامه و أ�ر�سلها نحو فمه المفتوح على آ�خره هناك أ��سفل‬ ‫الجبل‪ ،‬و�أخفى (تعاليبو) ابت�سامته وهو ي�شاهد إ�مبراطوره يبذل جهده‬ ‫لكي يثبت أ�نه �أقدر منه في ا إلم�ساك بالكرات الحجرية فاندفع لي�صطدم‬ ‫بالكرة ا�صطدا ًما ملك ًيا يليق ب�أ�سد لكنه ز أ�ر ز أ�رة تليق بما حدث له عندما‬ ‫ا�صطدمت بقمة �أنفه مبا�شرة‪ ،‬وب�صعوبة �شديدة أ�خفى �ألمه ألنه لا يليق‬ ‫بالإمبراطور أ�ن يكون أ�قل من ثعلبه جل ًدا واحتمالا‪ ،‬لكنه مهما فعل فلم‬ ‫يكن ي�ستطيع �أن يخفي تلك ((البالونة)) التي برزت في قمة �أنفه حمراء‬ ‫زرقاء م�ؤلمة تليق ب�أ�سد في لعبة الإم�ساك بالكرات الحجرية!!‬ ‫والحقيقة �أن هذه كانت بداية‪ ،‬فعلى الرغم من �أن ا إلمبراطور ف�شل‬ ‫في اختلاق تبرير لظهور هذه الكرة‪ ،‬وبالرغم من امتناع (تعاليبو) عن‬ ‫تقديم تف�سير ي�ساعد الملك في الإجابة على من ي�س أ�ل عنها‪ ..‬إ�لا أ�نه �أظهر‬ ‫�شجاعة إ�مبراطورية في احتمال ا أللم و�إن كان قد ف�شل تما ًما في منعه من‬ ‫الانت�شار في ر�أ�سه فا�ضطر للاعتكاف �أيا ًما طويلة لم ي�سمح بمقابلته فيها‬ ‫إ�لا لأقرب المقربين من �أهل العرين‪.‬‬ ‫وم�ضى (تعاليبو) بطريقته ين�شر عد ًدا من ال�شائعات حول اعتكاف‬ ‫ا إلمبراطور وحول بالونة �أنفه المثيرة للت�سا ؤ�ل‪ ،‬فقد قيل وانت�شر القول‪:‬‬ ‫إ�ن الإمبراطور �أ�صيب في معركة مع ا إلمبراطورة ولكن لا �أحد ي ؤ�كد‬ ‫ذلك �أو ينفيه‪ .‬ومن يجر ؤ�؟!‬ ‫وقد قيل وانت�شر أ�ن الإمبراطور كان متوج ًها ألحد كهوفه ال�سرية‬ ‫ذات ليلة فوجد به وح�ًشا خراف ًيا ت�شع عينه في الظلام وله قرون مهولة‬ ‫وظلال فظيعة و�صوت رهيب و�أن الوح�ش نطحه نطحة قا�سية فانطلق‬ ‫مذعو ًرا حتى قابل الثعلب فو�صف له الوح�ش الذي نطحه‪ ،‬ففهم الثعلب‬ ‫أ�ن الوح�ش المرعب لي�س �سوى عنزة تائهة ماكرة ا�ستغلت الظلام لتخيف‬ ‫ا إلمبراطور‪ ..‬ولكن الإمبراطور رف�ض �أن ي�صدق الثعلب‪ ،‬وكيف‬ ‫‪103‬‬ ‫‪Kalilah and Dimnah final.indd 103‬‬ ‫� ��‪ ���� ��:‬‏‪ �/‬‏‪��/‬‬

‫ي�صدق ( أ�بو لبدة المده�ش) أ�نه خاف من عنزة‪� ،‬أو أ�ن عنزة هي التي‬ ‫تركت علامة مثل هذه فوق أ�نف ا أل�سد‪.‬‬ ‫‪ -‬وقيل أ�ي ً�ضا وانت�شر أ�ن ظهور تلك ((البالونة)) الم�ؤلمة البارزة‬ ‫كالزلطة فوق مقدمة أ�نف الإمبراطور لي�ست �سوى نتيجة �سخرية �أحد‬ ‫الثعالب ‪ -‬من أ�بناء عمومة (تعاليبو) المتمردين من ا أل�سد عندما طارده‬ ‫ا ألخير وهو ي�سرق �أحد مخازنه‪..‬‬ ‫وهي ق�صة طريفة لو �صحت لأ�صبحت نكتة ترويها أ�جيال بني‬ ‫الثعالب �سخرية من بني الرئبال‪.‬‬ ‫فالحكاية تقول إ�ن ا إلمبراطور �شاهد ثعل ًبا مت�شر ًدا ي�سرق ع�سلاً من‬ ‫إ�حدى خلايا النحل التي يملكها‪ ،‬ولما هجم عليه ليم�سك به �سخر منه الثعلب‬ ‫وانطلق هار ًبا و�صمم الإمبراطور على مطاردة ذلك الثعلب المت�شرد‬ ‫بنف�سه‪:‬‬ ‫أ�و ًال لينتقم منه ب�سبب �سخريته‪ ،‬وثان ًيا ليتخذ من ق�صته �سب ًبا لتوبيخ‬ ‫(تعاليبو) على �أفعال �أهله و�أبناء عمومته المت�شردين‪.‬‬ ‫فانطلق خلفه حتى عرف بيته ولكن الثعلب أ�فلت منه وتظاهر الأ�سد‬ ‫بالعودة والكف عن المطاردة ثم ا�ستدار ودخل بيت الثعلب وجل�س ينتظر‬ ‫عودته وهو يظن �أنها خدعة عظيمة �سترويها الأجيال‪ .‬لكن الثعلب‬ ‫المت�شرد عندما عاد إ�لى بيته ر�أى آ�ثار ا أل�سد الداخلة �إليه‪ ،‬ولم ير �آثار‬ ‫�أقدام خارجة منه ففهم الموقف وقرر ال�سخرية من ا إلمبراطور فنادى‬ ‫هام�ًسا لبع�ض الحيوانات والطيور ال�صغيرة لت�شهد ذلك الموقف الظريف‬ ‫الذي �أوقع ا إلمبراطور نف�سه فيه! ثم تقدم الثعلب من البيت و�صاح‪.‬‬ ‫م�ساء الخير يا بيتي العزيز‪ ..‬لقد ا�شتقت �أليك كعادتي كل يوم فكيف‬ ‫حالك؟‬ ‫وطب ًعا لم يرد البيت عليه‪ ،‬فقال معات ًبا‪:‬‬ ‫لمِ َ لا ترد على يا بيتي العزيز لقد عدت �إليك مرة أ�خرى‪ ..‬ولا بد‬ ‫أ�نك م�شتاق لي كما أ�نا م�شتاق �إليك‪..‬‬ ‫ا�ستمر البيت �صام ًتا طب ًعا‪ ،‬فالبيوت لا تتكلم‪ ،‬لا بيوت الثعالب ولا‬ ‫بيوت الحواديت‪ ..‬وكتم كل حيوان وطير هناك �أنفا�سه و�ضحكته ألنهم‬ ‫جمي ًعا �أدركوا ما يريده الثعلب الذي جعل �صوته حزي ًنا وقال‪:‬‬ ‫لماذا لا ترد على يا بيتي العزيز‪ ..‬أ�لم تعجبك تحيتي‪� ..‬س�أزيدها من‬ ‫‪104‬‬ ‫‪Kalilah and Dimnah final.indd 104‬‬ ‫� ��‪ ���� ��:‬‏‪ �/‬‏‪��/‬‬

‫�أجل خاطرك‪ ..‬أ�لف م�ساء الخير وليكن نهارك وليلك �سعي ًدا‪ ..‬ولكن لماذا‬ ‫لا ترد علي‪ ..‬هل �أنت غا�ضب مني؟ كنت دائ ًما ترحب بي عندما أ�عود‪..‬‬ ‫لا بد �أنك غا�ضب ولذلك �س أ�ذهب ألبيت في مكان آ�خر إ�ن لم ترد علي‪.‬‬ ‫ووقع ا إلمبراطور المرعب أ�بو لبدة في الفخ ك�أي �أحمق‪� ..‬شرب‬ ‫المقلب كاملاً ‪ ..‬وحاول بكل ما ي�ستطيع تقليد �صوت البيت‪ ..‬وبالذات‬ ‫تقليد �صوت بيت الثعلب قدر إ�مكانه وقال‪:‬‬ ‫�أنا ل�ست غا�ض ًبا منك يا �صاحبي‪ ..‬م�ساء الخير‪..‬‬ ‫وطب ًعا انفجر الثعلب المت�شرد و�أ�صدقا ؤ�ه من الحيوانات والطيور‬ ‫ال�صغيرة في ال�ضحك لأن �صوت الأ�سد يظل دائ ًما ي�شبه �صوت ا أل�سد‬ ‫حتى عندما يحاول تقليد �صوت بيوت الثعالب و�صاح الثعلب المت�شرد‬ ‫�ساخ ًرا‪:‬‬ ‫ ‪ -‬يا لك من إ�مبراطور غبي‪ ..‬هل �صدقت ح ًقا أ�ن هناك بيو ًتا‬ ‫يمكن �أن تتكلم؟!‬ ‫وخرج ا أل�سد مزمج ًرا غا�ض ًبا يود تمزيق الثعلب ففوجئ بذلك‬ ‫الجمع الكبير من الحيوانات ال�صغيرة والطيور ي�ستقبله �ساخ ًرا‪ ،‬فكاد‬ ‫يموت من الخجل لظهوره بمظهر الأحمق الغبي‪ ..‬وم�ضى متعث ًرا‬ ‫بي نيله وهو يتلفت وراءه حتى ابتعد قليلاً ثم انطلق مهرو اًل فمحاو ًال‬ ‫الاختفاء فا�صطدم ب�شجرة �صلبة تركت علامة �سخريتها هي الأخرى‬ ‫على قمة أ�نفه‪.‬‬ ‫وقيل‪ ..‬وقيل‪ ..‬وقيل‪� ..‬شائعات وحكايات‪ ..‬كانت ت�صل إ�لى‬ ‫أ��سماع الأ�سد المري�ض المت�ألم فيغلي من الغيظ والغ�ضب‪ ،‬وهو يلعن اليوم‬ ‫الذي فكر فيه �أن ي�صبح بطلاً في لعبة الكرات الحجرية!‬ ‫‪105‬‬ ‫� ��‪ ���� ��:‬‏‪/�/‬‏��‬ ‫‪Kalilah and Dimnah final.indd 105‬‬

‫�سكين الأرنبة العجوز‬ ‫كان (تعاليبو) ي�ؤمن بالحكمة التي تقول‪:‬‬ ‫ما طار طير وارتفع �إلا كما طار وقع‪ ..‬ولكنه للأ�سف كان يظن �أنها‬ ‫لا تنطبق إ�لا على الطيور‪ ..‬ولم يفهم رغم ذكائه �أنها تنطبق �أي ً�ضا على‬ ‫الثعالب‪ ..‬فظل حتى اللحظة ا ألخيرة ي ؤ�كد لنف�سه أ�نه ما من أ�حد في الغابة‬ ‫‪ -‬حتى ا إلمبراطور نف�سه ‪ -‬ي�ستطيع أ�ن يقف في طريق عبقريته وذكائه‪..‬‬ ‫ولكنه �أي ً�ضا كان من الدهاء ليفكر في نف�سه قليلاً وفي �ضرورة أ�ن‬ ‫ي ؤ�من م�ستقبله خو ًفا من غدر ِه مفاجئ ًة �أو غ�ضب ٍة مبا ِغته‪ ..‬خا�صة بعد‬ ‫أ�ن ت أ�كد �أن ا إلمبراطور قد بد أ� ي�شك في م�س ؤ�وليته المبا�شرة عن موجة‬ ‫ال�شائعات وا إلهانات التي تتهام�س بها طيور اللقلق الثرثارة‪ ،‬وقد لمح له‬ ‫ذات مرة �أن مثل هذه الحكايات لا يخترعها �إلا عقل ثعلب داهية‪.‬‬ ‫وبدا (تعاليبو) بالفعل في تنفيذ خطة طويلة المدى لتكوين ثروة؛ وخطة‬ ‫عاجلةلتهريبكلمات�ستطيعيداهالو�صول إ�ليهو�إخفائهبعي ًداعنا ألنظار‪.‬‬ ‫ولم يكن ا إلمبراطور من الغباء بحيث لا يح�س بذلك‪ ..‬على العك�س‬ ‫لقد عرفه و�شجعه ألنه كان مت أ�ك ًدا من أ�ن (تعاليبو) (العفيف) �إذا بد�أ‬ ‫طريق البحث عن المال وجمعه وتهريبه ف�إنه لن يتوقف و�سيزداد ج�ش ًعا‬ ‫يو ًما بعد يوم و أ�ن زيادة ج�شعه �ستقل من حذره وت�ضعف من هيبته‪،‬‬ ‫وذلك لأنه �سوف يرتكب أ�عما ًال كثيرة تحط من �ش أ�نه ولن يتوقف حتى‬ ‫تنفجر بطنه من التخمة‪ ،‬فمن ي�شرب من ماء البحر المالح لن يرتوي أ�ب ًدا!‬ ‫وبالفعل هذا ما حدث يا من تقر أ�ون هذه ال�سيرة الحيوانية التي‬ ‫عانيت ا ألمرين طوال ع�شر �سنوات �أو �أكثر في جمع وثائقها ودرا�سة‬ ‫مراجعها‪ ،‬التي أ��صاب معظمها التلف ب�سبب ا ألهواء والتقلبات ال�سيا�سية‬ ‫وم ؤ�امرات �أ�صحاب الم�صالح والغرائز الحيوانية‪..‬‬ ‫فكثير من رقائق قلف ا أل�شجار التي دونت عليها بوا�سطة طيور‬ ‫نقاري الخ�شب قد �أتلفت عم ًدا �أو تلفت بفعل الأمطار �أو النمل ا ألبي�ض‬ ‫أ�و الفطريات‪..‬‬ ‫كما �أن كثي ًرا من دوريات مجلات الموز ا ألخ�ضر قد اختفت عم ًدا أ�و‬ ‫أ�خفيت أ�و �ضاعت �صدفة‪ ..‬و�إذا كان من ال�صعب تتبع �سيرة إ�ن�سان على‬ ‫هذه الدرجة من الأهمية في �أية دولة ف إ�نه من ا ألمور ا ألكثر �صعوبة تتبع‬ ‫‪106‬‬ ‫‪Kalilah and Dimnah final.indd 106‬‬ ‫� ��‪ ���� ��:‬‏‪/�/‬‏��‬

‫�سيرة ثعلب له �صفات وقدرات ومكانة (تعاليبو) في �أية غابة‪.‬‬ ‫ف�أنت لات�ضمنبقاء أ�عدائه �أعداء أ�و أ��صدقائه �أ�صدقاء ولذلك فا ألحداث‬ ‫والروايات ت�ضطرب وتختلف وتت�ضارب وعلى الم ؤ�رخ وعالم التاريخ‬ ‫الحيواني‪ ،‬أ�ن يخمن �أ�شيا ًء كثيرة و�أن يعيد ربط العلاقات ويجتهد في‬ ‫�صياغة المهو�ش وتو�ضيح الغام�ض وترتيب الم�ضطرب‪ ،‬حتى يجد القارئ‬ ‫بين يديه في النهاية حكاية أ�و رواية م�سلية وممتعة وبها حكمة‪..‬‬ ‫كانت هذه فكرتي لكتابة هذه ال�سيرة ولذلك كان تعبي �شدي ًدا؛ ولكن‬ ‫كتابة ق�صة حياة (تعاليبو) و�سيرته حتى ا آلن كما يقولون في قريتنا كانت‬ ‫كو ًما وكتابة الف�صل ا ألخير كانت كومين‪ ..‬ألنه من ال�سهل أ�ن تعثر على‬ ‫وثائق وحكايات عن ثعلب ي�شق طريقه نحو قمة المجد وال�سلطة‪ ،‬فهناك‬ ‫كتب كثيرة ودوريات و�أخبار و�صحف وبرقيات ور�سائل جامعية‬ ‫تتحدث عنه وتتخذ من حياته و أ�فعاله و�أقواله مادة للبحث وللت�أمل‪..‬‬ ‫على عك�س ما قد تجده عن الثعلب نف�سه في بداية �أفول نجمه وتزايد‬ ‫ال�ساخرين منه وال�شامتين فيه ل�ضياع النفوذ‪ .‬وتكاثر الأعداء الذين‬ ‫يريدون الانتقام لم�شاعر الغيرة التي أ�كلت قلوبهم منه أ�يام �سعده ومجده‪..‬‬ ‫على كل حال‪ ..‬ف�أنا قد لج أ�ت لبع�ض الخيال الق�ص�صي لمحاولة �صياغة‬ ‫ق�صة مقتله المفاجئ حتى تبدو منطقية ومت�صلة بق�صة حياته و أ�عماله‪..‬‬ ‫م�ستعي ًنا ببع�ض الروايات الغام�ضة ومان�شتات ال�صحف المعادية‪..‬‬ ‫وحكايات العجائز من �سلاحف الماء والبراري‪ ،‬كذلك م�ستعي ًنا ب ُخراف ٍة‬ ‫�ساذجة كانت تحكيها لنا جدتنا العجوز التي لم تكن تكره في حياتها �شي ًئا‬ ‫قدر كراهيتها للثعالب‪ .‬وكانت ت�صورها دائ ًما على �أنها ب�شر �سخطهم الله‬ ‫العظيم المنتقم ب�سبب أ�عمالهم ال�شريرة التي لم تترك طي ًرا أ�و حيوا ًنا أ�و ب�ش ًرا‬ ‫إ�لا و�سخرت منه و�سرقته دون أ�ن تفكر مرة واحدة في فعل �شيء طيب‪..‬‬ ‫على كل حال لي�س هذا مجال تحليل عقد جدتي النف�سية أ�و محاولة‬ ‫بحث وتف�سير كراهيتها للثعالب‪ ..‬فهذا �ش�أن المهمتين بالعلاقات بين‬ ‫الحيوان وا إلن�سان أ�ما نحن فما بقى لنا �سوى �أن نختتم هذه ال�سيرة العجيبة‬ ‫وا ألحداث الغريبة بما ا�ستطعنا الح�صول عليه والو�صول إ�ليه بكثير من‬ ‫البحث والتعب وقليل من الخيال‪.‬‬ ‫ذات �صباح عادي ك أ�ي �صباح عادي �آخر وعند �أحد المنحنيات‬ ‫الخفية لدرب من دروب الغابة المظلمة ‪ -‬وهو درب قريب من النهر‬ ‫‪107‬‬ ‫‪Kalilah and Dimnah final.indd 107‬‬ ‫� ��‪/���� ��:‬‏� ‏‪��/‬‬

‫حيث تعي�ش وتتجمع في أ�وكار و أ�ع�شا�ش ع�شوائية وحفر فقيرة قبائل‬ ‫كثيرة العدد من الحيوانات والطيور ال�صغيرة ال�ضعيفة ‪ -‬وجدت جثة‬ ‫(تعاليبو) مذبوحة‪.‬‬ ‫وك�أنما تفجرت �ساعتها في الغابة قنبلة من العواء وال�صراخ والزعيق‬ ‫والزئير والنباح‪� ،‬إذ طارت الطيور ولم تهبط وهاجت الحيوانات ولم‬ ‫تهد�أ وقامت الدنيا ولم تقعد‪ .‬كان الجميع يتحدثون دون أ�ن يهتم أ�حد‬ ‫ب�سماع أ�حد‪ ،‬وكان الجميع يهرولون دون �أن يعرف أ�ي منهم إ�لى أ�ين‬ ‫يذهب‪ ..‬كان حاد ًثا تاريخ ًيا رهي ًبا‪..‬‬ ‫وقيل يومها كلام كثير حول مقتل (تعاليبو)‪ ..‬قال البع�ض �إن‬ ‫جماعة من القطط قد خرجت عليه في الظلام فذبحته بعد أ�ن �ضربته‬ ‫�ضر ًبا مبر ًحا انتقاما منه ب�سبب تحريم �صيد الفئران عليهم �إلا بت�صريح‬ ‫ر�سمي‪..‬‬ ‫وهم�س �آخرون �أنه اختلف مع بع�ض أ�بناء آ�وي من �أولاد عمومته‬ ‫حول توزيع �أرباح �أغرا�ض وم�صالح و أ�موال خا�صة به يديرها بع�ضهم‬ ‫في أ�مور وعمليات تجارية م�شبوهة‪.‬‬ ‫بينما �أكدت بع�ض الم�صادر الوا�سعة الاطلاع من طيور البوم �أن‬ ‫ا ألمر يتعلق بم�ؤامرة كان تدبر في �صمت �ضد ا إلمبراطور ولكن �شركاء‬ ‫الثعلب خافوا �أن يف�شي �سرهم كما فعل مع الدب والذئب من قبل فقرروا‬ ‫التخل�ص منه!‬ ‫ولكن هم�ًسا تناقلته الآذان ب�سرعة ي ؤ�كد �أن ا إلمبراطور نف�سه‬ ‫هو الذي قتل (تعاليبو) بعد أ�ن �ضاق ذر ًعا بال�شائعات التي ي ؤ�لفها عنه‬ ‫وين�شرها للنيل من مكانته وهو المده�ش المرعب‪.‬‬ ‫وقد لقي هذا التف�سير �صدى كبي ًرا بين الحيوانات والطيور ف�سرى بين‬ ‫أ��شجار الغابة و أ�ركانها ودروبها ال�سرية �سريان النار في اله�شيم‪ ،‬لدرجة‬ ‫أ�ن مظاهر ًة من الثعالب المت�شردة والثعالب ال�صحراوية قامت تطالب‬ ‫بالانتقام لمقتل ال�شهيد الذي كان حتى الأم�س مكرو ًها منهم كراهية عمياء‪.‬‬ ‫ولكنبلا ًغار�سم ًياينعي(تعاليبوالعظيم)ويذكرهبالاحتراموالتقدي�س‬ ‫اللائق بذكرى الخادم ا ألول للعرين ا إلمبراطوري �صدر على الفور‬ ‫لي ؤ�كد الأ�سف الملكي لموته وليهدد بالعقاب الرادع كل من يتحدث في أ�مور‬ ‫تم�س �شرفه الثعلبي �أو ت�شكك في عمق علاقته بالعرين و أ�هله‪.‬‬ ‫‪108‬‬ ‫‪Kalilah and Dimnah final.indd 108‬‬ ‫� ��‪ ���� ��:‬‏‪ �/‬‏‪��/‬‬

‫ثم انتهي البيان بفقره �شديدة الحزن وا أل�سف ب�سبب الانتحار المفاجئ‬ ‫للوزير ذي الذيل المنفو�ش والذكاء الباهر‪ ..‬والذي حدث أل�سباب‬ ‫�شخ�صية تقت�ضي ظروف �أمن الغابة الداخلية والخارجية عدم الحديث‬ ‫عنها على الإطلاق‪..‬‬ ‫و�آثرت الحيوانات كلها ال�سلامة والهم�س وك ّفت عن الحديث علانية‬ ‫في هذا ا ألمر الذي بدا وك أ�نه لم يعد يهمها في كثير أ�و قليل‪ ..‬لكن هذا لم‬ ‫يكن �صحي ًحا و�إلا لما عرفنا نحن ق�صة الأرنبة العجوز التي قتلت الثعلب‬ ‫الذي لم يكن من النوع الذي يفكر في الانتحار تحت أ�ية ظروف‪.‬‬ ‫إ�حدى الوثائق تقول إ�ن تلك ا ألرنبة العجوز التي ت�سكن عند‬ ‫�شاطئ النهر هي نف�سها أ�رملة ذلك ا ألرنب الذي مزقه (تعاليبو)‬ ‫واقت�سمه مع الذئب في تلك الحفرة التي لج أ� �إليها الطابور الهارب رع ًبا‬ ‫من خطر وقوع ال�سماء على ا ألر�ض‪.‬‬ ‫ولكن وثيقة أ�خرى تبدو �أكثر دقة قالت �إنما هي زوجة (بولودان)‬ ‫�سائ�س ا إلمبراطور ال�شهيد ‪ -‬و إ�نها ب�سبب الظروف التي �أحاطت بمقتل‬ ‫زوجها كانت تح�صل على معا�ش ا�ستثنائي وتتمتع بحماية ملكية خا�صة؛‬ ‫وذكرت روايات مختلفة كثيرة غير م ؤ�كدة عنها‪ ،‬كان �أكثرها إ�معانا في‬ ‫الخيال �أنها تملك قد ًرا �سحر ًيا �أهدته لها إ�حدى جنيات النهر عندما �سمعت‬ ‫بكاءها على زوجها المقتول ور�أت وحدتها بعد رحيله‪.‬‬ ‫وقيل إ�ن ذلك ال ِقدر الم�سحور كان يمتلئ بالطعام على الفور كلما فرغ‬ ‫منه الطعام ولذلك كان بيت الأرنبة ا ألرملة العجوز يمتلئ دائ ًما بالطيور‬ ‫والحيواناتال�صغيرةالتيت�أتيمنكلمكانلتجدعندهادائ ًما�شي ًئات أ�كله‪..‬‬ ‫وعلم (تعاليبو) ب أ�مر ذلك ال ِقدر ف�صمم على الح�صول عليه ب أ�ي‬ ‫ثمن‪ ،‬فلو كان �صحي ًحا ما قيل عن قدرته العجيبة ف�إن (تعاليبو) �سي�ضمن‬ ‫عن طريقه و�سيلة دائمة للح�صول على ما يريد من فرائ�س لذيذة بدون‬ ‫أ�ي جهد في �صيدها �أو مطاردتها ألنها �ستنجذب ب�سبب الجوع إ�لى حيث‬ ‫يوجد القدر الممتلئ دائ ًما بالطعام‪.‬‬ ‫وقد حاول (تعاليبو) الح�صول على القدر بي ًعا و�شرا ًء ولكن ا ألرملة‬ ‫لم ت�ستجب إلغراءات الأموال التي عر�ضها ثم ًنا له‪ ..‬بل �إنها حذرت‬ ‫ال�سم�سار الذي كان يتولى مفاو�ضتها من الحديث مرة أ�خرى عن مثل‬ ‫هذه الخرافات‪.‬‬ ‫‪109‬‬ ‫‪Kalilah and Dimnah final.indd 109‬‬ ‫� ��‪ ���� ��:‬‏‪/�/‬‏��‬

‫كما�أنهلميكني�ستطيعالح�صولعلىالقدراغت�صاباوعنوة ألنالأرنبة‬ ‫كانت تحت الحماية ا إلمبراطورية بو�صفها �أرملة ل�شهيد �إمبراطوري‪..‬‬ ‫وكان لجو�ؤه إ�لى القوة يعني الا�صطدام المبا�شر با إلرادة‬ ‫الإمبراطورية وهذا لم يكن في �صالحه خا�صة في الأيام الأخيرة التي‬ ‫أ��صبحت فيها علاقته بالأ�سد تت�سم بالتوتر الخفي وعدم الر�ضاء الكامل‪.‬‬ ‫ولم تغب محاولات الثعلب هذه عن ا إلمبراطور فقد حدثه ذات ليلة‬ ‫�ساخ ًرا من تلك الخرافات ال�صبيانية التي تحكي عن قدور م�سحورة‪ ،‬ثم‬ ‫ن�صحه محذ ًرا من حماقات التعر�ض ل ألرامل ف إ�ن ذلك لا يليق بوزير‬ ‫عبقري في بلاط (مده�ش) مثله‪.‬‬ ‫ولكن كل هذا لم ي�صرف (تعاليبو) عن التفكير في القدر �أو في الو�سيلة‬ ‫ال�ضرورية للح�صول عليه‪ ..‬ولما ا�شتدت به الرغبة و�ضاقت به ال�سبل‪،‬‬ ‫توجه بنف�سه إ�لى الأرنبة يطلب منها التنازل عن القدر وليعر�ض عليها‬ ‫الح�صول على أ�ي �شيء تطلبه في المقابل‪ .‬لكن الأرنبة ا�ستقبلته بجفاء يليق‬ ‫بقاتل زوجها وهددته ب�إبلاغ ا إلمبراطور إ�ن لم يبتعد عنها ويتركها في‬ ‫حالها؛ولكن (تعاليبو)‪ ..‬لم يقبل أ�ن تخاطبه ا ألرنبة بهذه اللهجة و�أح�س‬ ‫في ذلك �إهانة لا يغ�سلها �إلا الدم‪ .‬فهو ما يزال (تعاليبو) الذي لم يقف في‬ ‫طريقه �شخ�ص أ�و �شيء‪( ،‬تعاليبو) الذي �سخر من كل الحيوانات ومكر‬ ‫ب أ�عظمها قوة والذي ت�صدى ذات يوم للإمبراطور نف�سه وانت�صر عليه‪..‬‬ ‫فهل تعاند معه أ�رنبة عجوز و أ�رملة وتجعله يكابد ويتعذب ب�سب‬ ‫فكرة الا�ستيلاء على القدر التي ت�سيطر على م�شاعره؟ ولذلك لم‬ ‫ي�ستطع أ�ن يكتم غيظه وغ�ضبه فقال ل ألرنبة العجوز وهو يفت�ش البيت‬ ‫دون �أن يجد �شي ًئا‪:‬‬ ‫‪ -‬لا نتمادى أ�يتها ا ألرنبة العجوز التي لا ت�ساوي �شي ًئا �سوف أ�ح�ضر‬ ‫عند منت�صف الليل و�س أ�منحك فر�صة إلظهار القدر وت�سليمه لفر�صة أ�خيرة‬ ‫حتى منت�صف الليل‪ ..‬وعندها لن يكون أ�مامك �سوى اختيار واحد‪..‬‬ ‫القدر أ�و تلحقين بزوجك الغالي غير م�أ�سوف عليك‪..‬‬ ‫وحاولت الأرنبة �أن تتكلم ولكنه �صاح بها أ�ن تخر�س وخرج غا�ض ًبا‬ ‫متوع ًدا‪ ..‬وهو يغلي من الغيظ والانفعال‪ .‬أ�خذت الأرنبة العجوز تدور‬ ‫في بيتها والحيرة تم أل قلبها‪ ،‬ماذا تفعل؟‪� ..‬ألي�س هناك حيوان في هذه‬ ‫الغابة ي�ستطيع أ�ن يوقف هذا الظالم الخبيث عند حده؟‪ ..‬كادت تبكي‬ ‫‪110‬‬ ‫‪Kalilah and Dimnah final.indd 110‬‬ ‫� ��‪ ���� ��:‬‏‪ �/‬‏‪��/‬‬

‫و أ�ح�ست أ�نها وحيدة بلا ن�صير أ�و �صديق‪ ..‬واغرورقت عيناها بالدموع‬ ‫وهمت �إلى حيث تغ�سل وجهها فوقعت عيناها على �سكين مطبخها الكبيرة‬ ‫تلمع في الركن‪ ،‬وك�أنها فكرة تبرق في الظلام؛ ووجدت الأرنبة نف�سها‬ ‫وقد دفعتها قوة �سحرية غام�ضة ناحية ال�سكين وقد جفت دموعها وهد�أ‬ ‫قلبها ووجدت نف�سها تم�سك بها ثم‪ ..‬تبت�سم‪..‬‬ ‫وما إ�ن �أم�سكت ال�سكين حتى أ�ح�ست براحة عظيمة وقوة خارقة‪..‬‬ ‫و أ�ح�ست �أنها بحاجة للتحدث مع أ�ي حيوان �آخر ألن ا ألفكار في ر�أ�سها‬ ‫تدوي وتوتر قلبها يزيد انفعالها‪..‬‬ ‫ف أ�خذت ال�سكين وخرجت إ�لى ال�شارع الخالي‪ ..‬وجل�ست �أمام عتبة‬ ‫البيت ولما لم تجد �أح ًدا من جيرانها في هذه ال�ساعة التي يذهب فيها الجميع‬ ‫إ�لى العمل‪ ..‬أ�ح�ضرتا حج ًرا وو�ضعته أ�مامها‪ ..‬و�أخذت ت�سلي نف�سها‬ ‫ب�سن ال�سكين فوقها وهي تميل �أما ًما وخل ًفا مع حركة يديها بال�سكين فوق‬ ‫الحجر‪:‬‬ ‫�سويت�ش‪� ..‬سويت�ش‪..‬‬ ‫�أخذ �صوت ال�سكين فوق الحجر يغنى في �صوت عال‪ ..‬وفي لحن‬ ‫منغم جميل‪..‬‬ ‫�سويت�ش‪� ..‬سويت�ش‪..‬‬ ‫و�أعطاها ال�صوت ثقة أ�كبر و�أ�شاع ابت�سامة عر�ضة على وجهها‪..‬‬ ‫فازداد حما�سها و�أخذت تغيرّ من النغمة طو اًل وق�ص ًرا وهدو ًءا و�سرعة‬ ‫وك�أنها تتغنى بها‪ ،‬واقترب ع�صفور �أخ�ضر �صغير‪ ..‬وقد جذب انتباهه‬ ‫ال�صوت الغريب الذي ي�سري بين الأ�شجار في �سكون الظهيرة‪..‬‬ ‫‪ -‬ماذا تفعلين يا �سيدتي ا ألرنبة؟‪..‬‬ ‫التفتت �إليه ا ألرنبة في حب وقالت‪:‬‬ ‫‪ -‬ابني‪� ،‬أ�سن �سكيني انتظا ًرا لح�ضور (تعاليبو) الظالم عند منت�صف‬ ‫الليل‪.‬‬ ‫‪ -‬ولماذا ت�سنين ال�سكين يا جدتي؟‬ ‫‪ -‬لكي �ألقن (تعاليبو) در�ًسا لا ين�ساه‪.‬‬ ‫فتح الع�صفور عينيه من الده�شة وهو يتعجب من جر�أتها ثم أ�خذ‬ ‫ي�صفق بجناحيه معج ًبا ب�شجاعتها‪ ..‬و�شجعته ابت�سامتها فم�ضى يزغرد‬ ‫ويغني حولها‪.‬‬ ‫‪111‬‬ ‫‪Kalilah and Dimnah final.indd 111‬‬ ‫� ��‪ ���� ��:‬‏‪ �/‬‏‪��/‬‬

‫هل تطلبين م�ساعدة يا جدتي يا أ�رنبة‪..‬‬ ‫�أنا معك �سنغلبه‪..‬‬ ‫لو ت�سمحين جدتي‬ ‫ثم طلب منها أ�ن ت�سمح له بالدخول �إلى بيتها ليظل �إلى جانبها في‬ ‫انتظار الثعلب فقبلت العجوز مرحبة‪ ،‬وهي ترد عليه مغنية;‬ ‫أ�نت معي‪ ..‬يا مرحبا‪..‬‬ ‫وحدي �أنا لا حول لي‬ ‫ودخل الع�صفور وا�ستقر في ركن غرفة نومها وانتظر‪ ،‬وا�ستمرت‬ ‫ا ألرنبة العجوز تعزف ب�سكينها على الحجر‪.‬‬ ‫�سويت�ش‪� ..‬سويت�ش‬ ‫حتى مرت بها �سلحفاة عجوز كانت في طريقها إ�لى النهر فقالت‪:‬‬ ‫ ‪ -‬ماذا تفعلين يا �سيدتي؟‬ ‫‪� -‬أنا أ��سن �سكيني انتظا ًرا لح�ضور (تعاليبو) الظالم عند منت�صف‬ ‫الليل؟‬ ‫‪ -‬ولماذا ت�سنين ال�سكين يا �سيدتي؟‬ ‫لكي أ�لقن (تعاليبو) در�ًسا لا ين�ساه‪..‬‬ ‫لأول وهلة فكرت ال�سلحفاة في الاحتماء بدرقتها من هذه الكارثة‬ ‫ولكن �صوت ال�سكين فوق الحجر زودها ببع�ض ال�شجاعة فقالت‪:‬‬ ‫يا جدتي يا �أرنبة‬ ‫هل تطلبين م�ساعدة‬ ‫�أنا معك �سنغلبه‬ ‫لو ت�سمحين جدتي‬ ‫وطلبت منها أ�ن ت�سمح لها بالدخول إ�لى بيتها لتكون بجانبها عندما‬ ‫ي�أتي ذلك الثعلب الظالم‪ ..‬فرحبت بها العجوز وقالت مغنية‪:‬‬ ‫�أنت معي‪ ..‬يا مرحبا‪..‬‬ ‫وحدي �أنا لا حول لي‬ ‫ودخلت ال�سلحفاة تبحث لنف�سها عن مكان تختبئ فيه و�ساعدتها‬ ‫ا ألرنبة على ال�صعود إ�لى �أعلى الباب في انتظار الثعلب‪ ..‬بينما عادت‬ ‫ا ألرنبة تعزف ب�سكينها على الحجر وقد ازداد حما�سها‪..‬‬ ‫وجاءت إ�ليها بي�ضة نعامة وع�شر حبات من حبات الب�سلة الجافة‬ ‫ونحلة ع�سل ذهبية و أ�بو جلمبو �صغير وكلهم عر�ضوا م�ساعدتهم وكلهم‬ ‫دخلوا إ�لى البيت في انتظار الثعلب الظالم‪:‬‬ ‫�أخفت البي�ضة نف�سها في تراب الموقد؛‬ ‫وغط�س أ�بو جلمبو في دورق المياه؛‬ ‫بينما ا�ستقرتا النحلة فوق طرف �سرير ا ألرنبة؛‬ ‫ونثرت حبات الب�سلة الجافة نف�سها خلف الباب مبا�شرة‪.‬‬ ‫‪112‬‬ ‫‪Kalilah and Dimnah final.indd 112‬‬ ‫� ��‪/���� ��:‬‏� ‏‪��/‬‬

‫وظل الجميع �ساكتين �ساكنين يفكرون في اللحظة التي �سيواجهون‬ ‫فيها (تعاليبو) وقد ملأتهم أ�غنية ال�سكين فوق الحجر‪�( ..‬سويت�ش �سويت�ش)‬ ‫بالحما�س والثقة‪ ..‬و�أعطاهم وجودهم م ًعا قوة جبارة وحما�ًسا كبي ًرا‬ ‫أ�كبر بكثير من �أج�سامهم ال�صغيرة الرقيقة‪..‬‬ ‫واتفق الجميع على ترك الباب مفتو ًحا‪ ،‬و�أن تطف أ� �أنوار البيت‬ ‫انتظا ًرا ل�ساعة منت�صف الليل الموعودة‪ ..‬ونامت ا ألرنبة على �سريرها‬ ‫وهي تحت�ضن �سكينها ال�ضخمة الغالية في حب وثقة؛‬ ‫وعند منت�صف الليل و�صل (تعاليبو) وهو م�صمم على عدم‬ ‫الرجوع �إلا ومعه القدر الم�سحور أ�و قلب الأرنبة العجوز‪ ..‬ولما‬ ‫و�صل إ�لى الباب طرقه ولكن أ�ح ًدا لم يرد‪..‬‬ ‫فظن �أن الأرنبة قد هربت‪ ،‬فدفع الباب بحنق واندفع �إلى الداخل‬ ‫حيث كان الظلام �سائ ًدا‪ ..‬فتعثر ولما حاول أ�ن ي�ستند على الحائط أ�خذت‬ ‫الب�صلة تدحرج نف�سها تحت أ�قدامه فتطوحه وتنزلق تحته يمي ًنا و�شما ًال‬ ‫فتمرجحه حتى كاد أ�ن يقع‪ .‬ف أ��سرع يبحث عن عو ٍد م�شتعل لينير به‬ ‫طريقه‪ ،‬ولكنه ما كاد ينحني على الموقد حتى انفجرت البي�ضة في وجهه‬ ‫ف أ�عمته �أكثر‪.‬‬ ‫وانخلع قلبه ألنه لم ي�ستطع و�سط الظلام ال�سائد �أن يف�سر ما حدث‪،‬‬ ‫ف�أخذ يتح�س�س طريقه حتى عثر على الدورق‪ ،‬فلما �أراد �أن يغ�سل وجهه‬ ‫وعينيه أ�طبق �أبو جلمبو على أ�نفه بكلاّ بتيه الحادتين ف�صرخ و أ�خذ يتخبط‬ ‫في الظلام‪ .‬ف أ��سرع الع�صفور ي�ضربه وينقره بينما أ�خذت النحلة تل�سعه‬ ‫وتزن حول �أذنيه‪..‬‬ ‫و ُخ ّيل �إليه أ�ن مئات من المردة وال�شياطين قد �أحاطت به وج�سم له‬ ‫الظلام خياله المرتعب‪ ..‬فلم يجد �سبيلاً �سوى الفرار بنف�سه لكنه عندما‬ ‫اندفع ليخرج ا�صطدم بالباب ف أ��سقطت ال�سلحفاة نف�سها فوق ر أ��سه �سقطة‬ ‫أ�فقدته قدرته على حفظ توازنه فاختل ووقع‪..‬‬ ‫ورفعت ا ألرنبة العجوز �سكينها الكبيرة عال ًيا وهوت بها مرة واحدة‬ ‫فقط؛؛ وهكذا انتهت ق�صة حياة (تعاليبو) وانتهت ملاعيبه‪..‬‬ ‫ولكن الحواديت لم تنته ألنها لا يمكن أ�ن تنتهي‪..‬‬ ‫وهلالما هناك توتة توتة‪ ،‬فرغت الحدوتة ف إ�نك لا بد �ستجد بعدها‪:‬‬ ‫كان ياما كان‪ ..‬في يوم من الأيام‪..‬‬ ‫‪113‬‬ ‫‪Kalilah and Dimnah final.indd 113‬‬ ‫� ��‪/���� ��:‬‏� ‏‪��/‬‬

Kalilah and Dimnah final.indd 114 ��/‫‏� ‏‬/���� ��:�� �

‫القط م�شكاح والف�أر رماح‬ Kalilah and Dimnah final.indd 115 ��/‫� ‏‬/‫�� ���� ‏‬:�� �

‫من المطار إ�لى النار‬ ‫عندما ذهب (م�شكاح) إ�لى مكتب ت�شغيل العاطلين في الغابة لكي‬ ‫يطلب عملاً قيل له في كلمات جافة‪:‬‬ ‫‪ -‬لا يوجد عمل لك‪ ،‬فقد تقرر �إلغاء مهنة �صيد الفئران منذ فترة‪،‬‬ ‫هل �أنت نائم على أ�ذنيك؟‬ ‫لم يجب (م�شكاح) ألن المفاج أ�ة كانت مفاجئة‪ ،‬و ألنه لم يفهم كيف‬ ‫ينام قط على أ�ذنيه‪� ،‬إلا �إذا كان بهلوا ًنا‪ ،‬وا�شتد به الحزن والجوع فكتم‬ ‫�آهاته‪ ،‬و�صدرت عنه أ��صوات لا ت�شبه �صوت القطط‪.‬‬ ‫توجه على الفور إ�لى مكتب ال�سفر‪ ،‬طال ًبا ا إلذن بالرحيل �إلى غابة‬ ‫بح ًثا عن لقمة عي�ش �شريفة‪ ،‬وعمل يتنا�سب مع خبرته الوحيدة التي يتقنها‬ ‫وهي (�صيد الفئران)‪ ..‬لكنهم قالوا له في كلمات أ�كثر جفاء‪:‬‬ ‫‪ -‬لا يمكن ال�سماح ب�سفر َمن لا مهنة له!!‬ ‫‪ -‬رد في فزع‪:‬‬ ‫ولكني أ�تقن مهنة �صيد الفئران؛ قال له الموظف الم�س�ؤو ُل في غ�ض ٍب‪:‬‬ ‫‪ -‬أ�لا تفهم؟ لم يعد �صيد الفئران مهن ًة بعد أ�ن أ��صدر �إمبراطورنا (�أبو‬ ‫لبدة المده�ش) قانو ًنا ب إ�لغائها‪.‬‬ ‫عقدت الده�شة ل�سانه‪ ،‬وبذل جه ًدا خار ًقا ليحل العقدة‪ ..‬لكن ده�شته‬ ‫كانت مت�شابكة الأ�سباب فا�ستجمع ما بقى من قدرة ل�سانه على النطق‬ ‫و�صرخ ب�صعوبة قائلاً ‪:‬‬ ‫‪ -‬هذا ظلم فادح!‬ ‫وجد (م�شكاح) نف�سه محا ًطا ب�شعرات المخالب والأنياب الم�شهرة‬ ‫ان�شقت ا ألر�ض عن أ��صحابها فج�أة‪ ،‬و�أحاط به حرا�س مدنيون‪ ،‬كانوا في‬ ‫كل ركن يت�شممون ويت�ص ّنتون فالتقطوا ذبذبات �صوته الغا�ضبة ف أ��سرعوا‬ ‫بالقب�ض عليه‪.‬‬ ‫ابت�سم �أحدهم مك�ش ًرا‪ ..‬أ�و ك�شر مبت�س ًما وهو يقول‪:‬‬ ‫‪ -‬عن أ�ي ظلم تتحدث �أيها القط الجميل!‬ ‫ارتبك القط (م�شكاح) قليلاً للهجته ال�ساخرة ولكنه اطمئن لابت�سامته‬ ‫(الك�شرة) أ�و لتك�شيرته المبت�سمة و�س أ�له في ده�شة ممزوجة ببع�ض الرجاء‬ ‫‪116‬‬ ‫‪Kalilah and Dimnah final.indd 116‬‬ ‫� ��‪/���� ��:‬‏� ‏‪��/‬‬

‫وبكثير من الي أ��س‪:‬‬ ‫‪ -‬كيف يمنعون مهن ًة �شريفة وتاريخية ك�صيد الفئران؟ إ�ن �شيئا من‬ ‫هذا لا يمكن �أن يحدث حتى في غابات المدن الب�شرية‪..‬‬ ‫زاد (المك�شر) من ابت�سامته وقال؛‬ ‫‪� -‬ألا تعرف �أن ( أ�بو لبدة المده�ش) المرعب هو الذي �أ�صدر قانون‬ ‫التحريم هذا؟ كيف يمكن لقط مثلك أ�ن يفهم الحكمة وراء قانون �أ�صدره‬ ‫المرعب بنف�سه‪ ..‬كيف يمكن أ�ن يكون مرع ًبا ومده�ًشا إ�ذا كان كل من‬ ‫هب ود ّب �سيفهم �أ�سرار حكمته يا �أيها القط الجميل‪..‬‬ ‫ظن (م�شكاح) أ�ن طول الحديث بينهما يعني زوال تحفظه عليه‬ ‫فتبا�سط قائلاً ‪:‬‬ ‫‪ -‬لا بد �إذن أ�نها حكمة غبية‪ ،‬لأنها أ��صدرت قانو ًنا غب ًيا و�شا ًذا‪..‬‬ ‫فكيف يمكن �أن يكون لمنع �صيد الفئران حكمة‪ ..‬أ�ية حكمة؟ ما الحكمة في‬ ‫ترك الفئران تتكاثر‪� ..‬إن هذا لغباء �صريح‪..‬‬ ‫�أثناء كلامه كان الموظف الم�س�ؤول يقوم من مقعده �شي ًئا ف�شي ًئا‪ ..‬وقد‬ ‫ازدادت تك�شيرته ابت�سا ًما‪ ..‬ثم زمجر فج أ�ة وهو يدق على المكتب‪:‬‬ ‫‪-‬ها �أنتقد�ضيعتنف�سكياجميل‪..‬لقدو�صفتا إلمبراطورالمرعب‬ ‫المده�ش بالظلم و�سكتنا‪ ،‬ف أ�نت حر في ر أ�يك ونحن في غابة حرة‪ ،‬وي�ستطيع‬ ‫كل حر في غابة حرة �أن يعلن ر�أيه �أو يخفيه‪ ..‬هو حر‪ ..‬ولكني لم �أر‬ ‫ق ًطا في مثل غبائك‪� ..‬أتجر ؤ� على و�صف الإمبراطور المده�ش بالغباء وفي‬ ‫ح�ضورنا‪ ..‬لا‪ ..‬لقد حكمت على نف�سك بنف�سك ولا أ��ستطيع في الحالة هذه‬ ‫�إلا �أن �أقولها لك و�أذكرك بحقوق المتهم‪ ..‬هيا‪ ..‬خذوه‪..‬‬ ‫و�أخذوه من المطار إ�لى النار و أ�لقوا به في جب العرين الملكي‬ ‫وهو ال�سجن الخا�ص بمن يظهرون م�شاعرهم الم�ضادة والمعادية‬ ‫للإمبراطور‪ ..‬انتظا ًرا لمحاكمتهم محاكمة قانونية عادلة‪.‬فا إلمبراطور‬ ‫المده�ش الذي أ��صدر قانون تحريم �صيد الفئران‪ ،‬و�إلغائها كمهنة هو نف�سه‬ ‫ذلك ا إلمبراطور الذي أ��صدر قوانين الم�ساواة في الافترا�س المعروفة با�سم‬ ‫حق الافترا�س العام‪ ،‬والتي �ساوت بين كل الحيوانات و�أعطت للجميع‬ ‫حرية افترا�س الجميع بعد �أن كانت قوانين الغابة تعطي حق الافترا�س‪،‬‬ ‫للمفتر�سين دون الفرائ�س ولذا أ��صبح من حق كل مخالف للقانون �أن يقدم‬ ‫لمحاكمة عادلة‪ ..‬وقانونية تدعي ًما لحق ال�ضعفاء في العدالة والم�ساواة‪..‬‬ ‫‪117‬‬ ‫‪Kalilah and Dimnah final.indd 117‬‬ ‫� ��‪ ���� ��:‬‏‪ �/‬‏‪��/‬‬

‫عند دخول (م�شكاح ) �إلى �سجن العرين تليت عليه حقوقه كمتهم‬ ‫وحذروه من الكلام لأن كل ما �سينطق به �سيحا�سب عليه حتى لحظة‬ ‫مثوله �أمام المحكمة‪ ..‬وحين احتج ب أ�نه لا يعرف القراءة ولا الكتابة‪،‬‬ ‫ولذا لم يطلع على أ�ية �صحف ولم يعرف ب�صدور قانون �إلغاء مهنة ال�صيد‬ ‫هذا‪ ..‬قالوا له إ�ن الجهل بالقانون لا يعطيه الحق في مخالفته‪ .‬لكنه �أ�صر‬ ‫على معرفة ال�سر وراء هذا القانون الذي �سيعاقب ب�سببه حتى لا يقهره‬ ‫الظلم أ�كثر تحت وط�أه الجهل‪.‬‬ ‫ح�ضر �إليه حيوان قانوني �أ�شبه ما يكون بحمار‪ ..‬يرتدي باروكة‬ ‫من �شعر القردة فتلا عليه مذكرة تف�سيرية‪ ،‬لم يفهم منها �شي ًئا ثم قر أ� بعدها‬ ‫فذلكة تاريخية‪ ،‬وحيثيات ت�شرح أ��سباب �صدور ذلك القانون الذي �سلب‬ ‫القطط حقها ال�شرعي في ممار�سة مهنة �آبائها‪ ،‬و�أجدادها التاريخية و�ألقى‬ ‫بالع�شرات بل والمئات منها إ�لى الكهوف وال�سجون والمكامن انتظا ًرا‬ ‫للمحاكمة العادلة وا إلعدام‪ ..‬وبد أ� (م�شكاح)‪ ،‬يفهم ال�سر عندما ا�ستطرد‬ ‫حيوانالباروكةيحكيحكايةوقوعالأ�سدالمرعب(( أ�بولبدة))فيفخ�شبكي‬ ‫ن�صبه أ�حد ال�صيادين لخنزير بري فكاد يموت رع ًبا من ا أل�سر‪ ،‬وفقدان‬ ‫عر�ش الغابة ب�سبب الغياب فظل ي�صرخ ويز�أر م�ستنج ًدا والحيوانات تفر‬ ‫مبتعدة من الخوف والرعب‪ ..‬لولا �أن �سمع عويله ونواحه ف�أر ذكي‬ ‫ا�سمه ((رماح)) فاقترب غير �آبه بالزئير المخيف الباكي حتى �أ�صبح أ�مام‬ ‫ا إلمبراطور الأ�سير مبا�شرة فقال له في لهجة لا تخلو من الت أ�نيب والتقريع‪:‬‬ ‫‪ -‬تما�سك يا مولاي وكن �سب ًعا يليق با�سمه المرعب ماذا لو �سمعك‬ ‫رعاياك ال�صعاليك أ�ن المده�ش لا يبكي ب�سبب م�أزق ب�سيط كهذا‪..‬‬ ‫لي�ست هناك م�شكلة ما دمنا نحن رعاياك الطيبين باقين على حبك‪.‬‬ ‫ده�ش ا إلمبراطور‪ ،‬و�أعجب ب�شجاعة هذا الف�أر فكفا عن الزئير‬ ‫وقال له في ثقة ا�ستمدها من ثقة الف أ�ر الكبيرة‪:‬‬ ‫‪ -‬وهل ير�ضيك أ�ن ي�صبح �إمبراطورك مهر ًجا في �سيرك‪ ..‬أ�و‬ ‫فرجة لبني الإن�سان‪ ..‬محبو�ًسا في مكان �سخيف لا ت�شم فيه �سوى رائحة‬ ‫البول والفول ال�سوداني‪..‬‬ ‫قال له الف�أر اللماح (رماح)‪:‬‬ ‫‪ -‬هذا لم يحدث بعد يا مولاي‪ ..‬ف�صرخ فيه المرعب‪:‬‬ ‫‪� -‬سيحدث بالت�أكيد لو ح�ضر ال�صياد �صاحب ال�شبكة‪..‬‬ ‫‪118‬‬ ‫‪Kalilah and Dimnah final.indd 118‬‬ ‫� ��‪ ���� ��:‬‏‪ �/‬‏‪��/‬‬

‫�ضحك الف أ�ر وقال في رقة؛‬ ‫و أ�نا معك يا مولاي لن يحدث هذا �إلا على جثتي!‬ ‫بد أ� ال�شك يراود ا أل�سد وهو يت�أمل ج�سم (رماح) ال�ضئيل‪:‬‬ ‫‪ -‬هل �س�أخرج من هنا قبل أ�ن يحدث‪.‬‬ ‫تقدم الف أ�ر في ثقة وقال‪:‬‬ ‫‪� -‬ستخرج من هنا أ�كثر �إدها�ًشا �أيها المده�ش‪ ..‬و�ست�صبح �أكثر رهبة‬ ‫أ�يها المرعب‪ ..‬ف�أ�صغر جندي في جي�شك ‪ -‬أ�نا ‪� -‬سيثبت �أنه قادر على‬ ‫إ�نقاذ �شرف الغابة ب إ�نقاذك اعترا ًفا بف�ضلك وعدلك ولي�س طم ًعا في أ�ي‬ ‫جاه‪� ..‬أو مال‪� ..‬أو �سلطة‪..‬‬ ‫ثم قر�ض الف أ�ر (رماح) حبال ال�شبكة في �سرعة فائقة وحرر ا أل�سد‬ ‫(�أبو لبدة المرعب) و�أعاده إ�لى عرينه‪.‬‬ ‫وما أ�ن و�صل الأ�سد إ�لى بر ا ألمان‪ ..‬حتى �أ�سع على الفور‪،‬‬ ‫وا�ستدعى �أحذق م�ست�شاريه القانونيين ال�ضالعين في درا�سات فل�سفة قانون‬ ‫الغابة‪ ،‬وكلفهم ب�إ�صدار قانون جديد يق�ضي ب�إلغاء مهنة �صيد الفئران إ�لى‬ ‫الأبد‪ ،‬واعتبارها مهنة معادية ت�ضر ب أ�من الغابة وا�ستقرارها‪ ،‬وت�ضر‬ ‫بم�صالح العرين والحيوانات ال�صغيرة‪.‬‬ ‫وهكذا وجدت القطط نف�سها في محنة‪ ،‬وبلا مهنة بينما انطلقت‬ ‫الفئران من جحورها‪ ،‬ومكامنها الخفية �آمنة مطمئنة تتمتع بالحظوة‬ ‫والتكريم في كل مكان‪ .‬و أ��صبح �سعي القطط للح�صول على الطعام إ�ذا ما‬ ‫اقترن بعر�ض بالتفكير في التهام الفئران جريمة يعاقب عليها القانون‪..‬‬ ‫ووجد (م�شكاح) نف�سه ‪ -‬حين ذهب للبحث عن عمل قانوني �شريف‬ ‫‪� -‬ضد القانون‪ ،‬بل ومته ًما بالخيانة العظمي‪ ،‬و�سيق �إلى جب �سجن‬ ‫العرين منتظ ًرا الحكم ب�إعدامه ألنه و�صف المرعب العادل‪ ،‬والمده�ش‬ ‫بالخرف‪ ،‬واتهمه بالظلم ألنه �أن�صف الفئران‪ ،‬و�أطلقها حرة من الجحور‬ ‫وا ألركان‪ ،‬وحكم على جن�س القطط كله بالحرمان‪..‬‬ ‫‪119‬‬ ‫� ��‪ ���� ��:‬‏‪ �/‬‏‪��/‬‬ ‫‪Kalilah and Dimnah final.indd 119‬‬

‫م�شكاح يعد النجوم‬ ‫الليل طويل في �سجن العرين‪ ،‬خا�صة إ�ذا كان ال�سجين حيوا ًنا ينتظر‬ ‫مرور الوقت دون ت�سلية أ�و عمل‪� ،‬أو كان ق ًطا كم�شكاح ينتظر الموت‬ ‫دون أ�مل‪.‬‬ ‫وتزيد وط�أه الوقت البطيء �إذا كان الحيوان جاهلاً لا يعرف‬ ‫القراءة �أو الكتابة‪ ،‬فلا تجد �شي ًئا يقتل الملل‪ ..‬لكن (م�شكاح) كان مثل‬ ‫غيره من القطط لا ي�ست�سيغ التعليم خا�صة ومهنتهم لا يحتاج إ�تقانها �إلى‬ ‫درا�سة أ�و درجة علمية‪ ..‬فالفئران في كل مكان من قديم الزمان‪..‬‬ ‫ومن كل ا أل�صناف وا أللوان‪ ..‬ومخالب القطط لا تحتاج لل�سن بل‬ ‫جاهزة على الدوام‪ ..‬والقطط على اختلاف أ�نواعها تتقن �أ�ساليب البحث‬ ‫عن فري�ستها الخالدة �ش ًّما وترب ً�صا في �صمت ثم انق�ضا ً�ضا مفاج ًئا‪..‬‬ ‫القط لا يحتاج إ�لا ل إلح�سا�س الغريزي بالجوع الذي يلهب الدماغ‬ ‫برغبة حارقة في القن�ص ي�شعلها �شعور دائم بالنهم‪ ،‬تعمقه �شهية تقرق�ش‬ ‫الزلط وتطحن الهواء!‬ ‫ولو أ�ننا افتر�ضنا �أن (م�شكاح) كان يعرف القراءة والكتابة فما فائدة‬ ‫هذا في �سجن كهذا حيث لا كتب ولا �أوراق ولا أ�قلام‪ ..‬فقط �صمت‬ ‫و�سكون ي�ضم في جنباته حيوانات ممن لا يقر�أون ولا يكتبون من ذوي‬ ‫ا ألنياب والقرون‪..‬‬ ‫ودون أ�ن نفتر�ض هذه المرة‪ ،‬كان (م�شكاح) بالفعل لا يتقن �أية لعبة‬ ‫من �ألعاب الت�سلية فلا هو يعرف ال�شطرنج اللوزي ولا النرد القرودي‪..‬‬ ‫ولا حتى لعبة ال�سيجة ال�سنجابية‪ ..‬وحتى لو عرف أ� ًيا منها‪ ..‬مع َمن‬ ‫كان �سيلعب وهو محبو�س وحده في مكان‪..‬لا يت�سع بعد لحيوان ثان‪..‬‬ ‫‪ -‬لم يجد (م�شكاح) �أمامه طريقة لق�ضاء الوقت �إلا خد�ش الجدران‬ ‫مئات المرات حتى ت�ألمت مخالبه ‪.‬‬ ‫ولما تعب من هذه اللعبة بد أ� ال�سير جيئة وذها ًبا ‪ -‬ذها ًبا و إ�يا ًبا ‪-‬‬ ‫�صان ًعا خطو ًطا وهمية و�أقوا�ًسا متقاطعة �أو مت�صالبة أ�و متعاك�سة في‬ ‫كافة الاتجاهات حتى انهد حيله‪ ،‬وانقطع نف�سه من الم�شي‪ ،‬والالتفاف‪،‬‬ ‫والدوران على �أربع ثم على اثنين‪ ،‬زاح ًفا �أو قافزا‪ ..‬منحن ًيا أ�و منت�ص ًبا‬ ‫�أو مقرف ً�صا‪� ..‬صام ًتا حي ًنا وحي ًنا مغن ًيا حتى ك ّل وم ّل‪ ..‬وكاد عقله �أن‬ ‫‪120‬‬ ‫‪Kalilah and Dimnah final.indd 120‬‬ ‫� ��‪/���� ��:‬‏� ‏‪��/‬‬

‫يعتل وقارب توازنه أ�ن يختل‪.‬‬ ‫فا�ستلقى على ظهره و أ�خذ يعد النجوم من خلال نافذة زنزانته‬ ‫ال�صغيرة‪ ،‬واندمج في العد حتى ا�ستنفد كل ما تذكره‪ ،‬وعرفه من �أعداد‬ ‫و�أرقام وكاد يجن حين ظن �أن كل الكواكب‪ ،‬والنجوم التي تزين ال�سماء‬ ‫تجمعت كلها لتطل عليه من نافذة الزنزانة بمجرد �أن �شاهدته يعدها حتى‬ ‫لا يتمكن من ذلك �أبد أ�‪..‬‬ ‫فانقلب يائ�ًسا على بطنه وهو يعوي كالجير خاد�ًشا الأر�ض ب�أظافره‬ ‫و�أ�سنانه مطل ًقا �صرخات يائ�سة حزينة‪ ..‬فج�أة‪ ..‬ت�صلب ج�سده وتخ�شب‪،‬‬ ‫وهرب الدم من عروقه‪ ،‬ول�سعه عرق بارد �سال فوق �سل�سلته الفقرية‬ ‫حين �أح�س ي ًدا �صغيرة لينة تربت على قفاه‪ ..‬و�سمع �صو ًتا ناع ًما يعرف‬ ‫طبيعته جي ًدا يطلب منه في هدوء أ�ن يهد�أ‪ ،‬ولم ي�صدق أ�ذنيه‪..‬‬ ‫وكاد ي�ستجيب لغريزة القطط لممار�سة مهنتها المحرمة‪ ،‬وينق�ض‬ ‫قا�ض ًما تلك اليد ملته ًما �صاحب ذلك ال�صوت‪ ..‬لولا لمحة خاطفة من‬ ‫الوعي بالموقف الذي هو فيه‪ ..‬وقبل أ�ن ينفجر رغبة ورع ًبا طم�أنه‬ ‫�صاحب ال�صوت الهادئ الناعم بنبرة أ�كثر هدو ًءا ونعومة قائلاً ‪:‬‬ ‫‪ -‬لا تخف يا �صديقي‪ ..‬ف أ�نا �صديق حقيقي لك‪ ..‬ولا يبكي ال�صديق‪،‬‬ ‫أ�و يخاف‪ ،‬و إ�لى جواره �صديق!!‬ ‫كانت النبرة مطمئنة‪ ،‬فا�ستعاد دمه الهارب كي يتمكن من تليين‬ ‫ج�سده المت�صلب‪ ،‬ولي�ستطيع الاعتدال جال�ًسا‪ ..‬فجحظت عيناه وتدلى‬ ‫ل�سانه كالكلاب في ده�شة حقيقية‪ ..‬لقد ت أ�كدت ظنونه تما ًما‬ ‫وها هو أ�مامه ‪ -‬ف�أر حقيقي ‪ -‬رمادي له بطن د�سمه ويرتدي حلة‬ ‫كبار الموظفين الر�سميين في العرين‪ .‬المميزة الفريدة‪..‬‬ ‫كان مم�س ًكا بغليون فاخر من خ�شب البلوط في يده الي�سرى‪ ،‬أ�طلق‬ ‫الدخان من فمه في حذق �شديد وخبرة‪ ،‬على �شكل حلقات متتابعة كل‬ ‫واحدة أ��صغر من �سابقتها تقفز خلفها في تناغم مع حركة يده ال�صغيرة‬ ‫التي تربت على ركبته اليمنى‪..‬‬ ‫لم ي�ستطع (م�شكاح) النطق وده�ش لجر أ�ة هذا الف أ�ر‪ ..‬الف�أر ال�سمين‬ ‫المتهور الذي لديه هذا القدر الهائل من ال�شجاعة ليكون وحي ًدا في زنزانة‬ ‫�سجن �ضيقة مع قط جائع �سجين‪ ،‬يم أل قلبه الإح�سا�س بالظلم من العرين‬ ‫و�أهل العرين ب�سبب قانون منع �صيد الفئران اللعين‪.‬‬ ‫‪121‬‬ ‫‪Kalilah and Dimnah final.indd 121‬‬ ‫� ��‪/���� ��:‬‏� ‏‪��/‬‬

‫لكن الف�أر �صاحب الغليون كان يعرف �أن ابت�سامته ومهارته في‬ ‫إ�طلاق حلقات الدخان من فمه بانتظام‪ ،‬وبهذه الطريقة المرحة كافيتان‬ ‫لجعل القط عاجزا عن فعل أ�ي �شيء �شرد‪ ..‬و إ�بقائه محد ًقا في ده�شة‬ ‫تنقلب إ�لى إ�عجاب وهو م�ستغرق في متابعة حلقات الدخان المتناغمة‬ ‫المتتالية في إ�يقاع نادر‪ ..‬ومن ثم انكم�ش داخل أ��ضيق حيز ممكن من‬ ‫جلده منتظ ًرا ما �سيبادر �إلى فعله ال�ضيف المبت�سم؛ وبادر الف�أر بالفعل قائلاً‬ ‫وك�أنه يحاول قراءة ما يدور في ذهن القط ال�صامت‪:‬‬ ‫‪ -‬هل أ�نت تقول لنف�سك ا آلن‪ ..‬ماذا لو انق�ض�ضت عليه وابتلعته؟؟‬ ‫ماذا يمكن �أن يحدث لي �أ�سو�أ مما هو حادث بالفعل؟‪..‬‬ ‫�إنني �سجين انتظر ا إلعدام‪ ..‬ف ألعدم و�أنا �شبعان على الأقل أ�موت‬ ‫مرتاح ال�ضمير ‪� -‬أعني أ�نك توا�صل التفكير �أي تموت مرتاح ال�ضمير‬ ‫إ�ذ ي�صبح هناك �سبب وا�ضح لموتك لأنك لم ترتكب جر ًما حتى الآن كي‬ ‫ت�ستحقه ولكن يا �صديقي (م�شكاح) أ�حب أ�ن �ألفت نظرك لو �سمحت لي‪،‬‬ ‫أ�ن تفكيرك بهذه الطريقة �ساذج‪ ..‬وفكرة الانق�ضا�ض عل ّي والتهامي‬ ‫ت�صرف أ�حمق يمكن �أن يلج�أ �إليه أ�ي قط غبي غيرك‪ ..‬أ�ما �أنت‪..‬‬ ‫فيجب �أن تفكر في طريقة أ�ف�ضل‪..‬‬ ‫و أ� ؤ�كد لك �أنك �ستقول لنف�سك الآن‪�( ..‬إذا كان قتل هذا الف�أر �سيكون‬ ‫مبر ًرا كاف ًيا إلعدامي فلماذا لا تكون �صداقتي معه �سب ًبا لنجاتي‪ ..‬و إ�فلاتي‬ ‫‪ -‬اق�صد �إفلاتك أ�نت ‪ -‬من حبل الم�شنقة)‪..‬‬ ‫ات�سعت عينا (م�شكاح) ج ًدا لت�سع كل م�شاعر الده�شة التي داهمته فهو‬ ‫لم يفكر لا بهذه الطريقة‪ ،‬ولا بتلك لأنه كان جائ ًعا مرعو ًبا لدرجة لا‬ ‫ت�سمح له ب�أي تفكير‪..‬‬ ‫ثان ًيا‪ :‬ألنه رغم جوعه لا يزال يعرف �أنه �سجين ينتظر الإعدام ولا‬ ‫يجب أ�ن يزيد موقفه �سوءا‪..‬‬ ‫لكنه رغم كل ذلك‪ ..‬ا�ستوعب معنى العبارة ا ألخيرة التي قالها‬ ‫الف أ�ر‪ ..‬ففتحت أ�مامه بابا وا�سعا للأمل في النجاة والإفلات من الموت؛‬ ‫فابت�سم في بلاهة قط منده�ش جائع وقال‪..‬‬ ‫‪ -‬عندك أ�لف حق لقد فكرت هكذا بالفعل‪ ..‬ال�صداقة قد تكون وقاية‬ ‫من ا إلعدام!!‬ ‫كان الف�أر �صاحب الغليون يعرف أ�نه يكذب‪ ،‬ولكنه �سر بموافقته‬ ‫‪122‬‬ ‫‪Kalilah and Dimnah final.indd 122‬‬ ‫� ��‪ ���� ��:‬‏‪ �/‬‏‪��/‬‬

‫على الفكرة وقبول �صداقته‪ ،‬فهز ر أ��سه مبت�س ًما وقال‪:‬‬ ‫‪ -‬على كل حال وبرغم ما أ�كدته التقارير عنك‪� ،‬أنا كنت مت أ�ك ًدا أ�نك‬ ‫قط عاقل و�ستفهم و�سنتفق ب�سرعة وبو�ضوح‪..‬‬ ‫ولكن‪� ..‬سكت الف�أر وتطلع القط نحو الباب الذي �صل�صلت فوقه‬ ‫ال�سلا�سل ودار فيه المفتاح فات ًحا �أقفاله الحديدية‪ ..‬ثم فتح الباب ودخل‬ ‫(ظربان) ‪ -‬والظرب هو نوع من الفئران ‪ -‬يحملان �صينية عليها قطع‬ ‫من اللحم المطهي ببراعة جعلت رائحته الطيبة تفوح‪ ..‬محولة المكان �إلى‬ ‫مدخل مطبخ فاخر في �إحدى غابات الحيوانات الأكولة‪..‬‬ ‫فانقلبت معدة (م�شكاح) الخاوية وتفجرت في �أعماقه آ�هة جوع‬ ‫م�ؤلم‪ ،‬و�صرخة فرح يائ�س ترجمت حين و�صلت حلقه الجاف إ�لى‬ ‫�صرخة أ�قرب إ�لى زئير ا أل�سود‪ ،‬فا�ضطر لإطلاقها وتلوى مان ًعا‬ ‫نف�سه من الانق�ضا�ض على أ�ي طعام لا خو ًفا من أ�ن يبدو نه ًما أ�مام �صديقه‬ ‫المحترم‪ ..‬ولكن تع ًبا وعج ًزا من �شدة الجوع‪ ..‬غمز الف أ�ر للظربين ‪-‬‬ ‫�أن ينتظرا‪ ..‬والتفت �إلى القط و�أ�شار بطرف غليونه‪:‬‬ ‫‪ -‬اتفقنا؟‬ ‫رد القط في �ضعف و�شوق جارف لإنهاء الحديث والتهام الطعام‪:‬‬ ‫‪ -‬طب ًعا‪ ..‬على كل �شيء‪..‬‬ ‫وهنا �صافحة الف�أر م�صافحة الأ�صدقاء القدماء‪ ..‬و أ�مر الظربانين‬ ‫بالان�صراف بعد �أن و�ضع ال�صينية أ�مام (م�شكاح) الذي �أغم�ض عينيه‬ ‫وو�سع منخريه مت�شم ًما م�ستمت ًعا‪.‬‬ ‫ولما فتحهما في �شوق ونهم كان الف�أر والظربان قد غادروا المكان‬ ‫مت�سللين فانق�ض في �سرعة الم�شتاق على الطعام‪ ..‬وما أ�ن تذوق أ�ول‬ ‫ق�ضمة حتى تحجر فكاه وتراجع ج�سمه للخلف مذعو ًرا وقد ات�سعت عيناه‬ ‫ده�شة وفز ًعا‪ ..‬وم�ضغ ليت أ�كد وتذوق ليزداد يقي ًنا‪ ..‬ثم اندفع يم�ضغ‬ ‫ويتذوق ف�صدق ثم ازداد وبلع ما م�ضغه غير م�صدق‪ ..‬ثم �أ�سرع يق�ضم‬ ‫قطعة �أخرى فازداد عدم ت�صديقه‪ ..‬فالتهم وراءها عدة قطع لي�صدق‬ ‫مرة أ�خرى وليت�أكد أ�ن ما قدم إ�ليه في �سجن العرين ا إلمبراطوري وما‬ ‫ي�أكله وهو المتهم بمخالفة قوانين �صيد الفئران‪ ..‬ما هو �إلا لحم فئران‬ ‫متبل ولذيذ ومطهي ب أ�حدث و أ�غرب طرق الطهي الهندية‪.‬‬ ‫‪123‬‬ ‫‪Kalilah and Dimnah final.indd 123‬‬ ‫� ��‪ ���� ��:‬‏‪/�/‬‏��‬

‫في مهمة ر�سمية‬ ‫أ��شرقت �شم�س اليوم التالي جديدة ورائعة‪ ،‬ف أ��صبحت حركة القط‬ ‫�أهد أ� و أ�رق‪ ،‬بل لقد �شاهدته ال�شم�س يتمطى في الفرا�ش طويلاً في ك�سل‪،‬‬ ‫دون أ�ن تراوده أ�دنى رغبة في مغادرته‪.‬‬ ‫كان القط بعد أ�كلة الأم�س اللذين قد ن�سي تما ًما �أنه �سجين ومتهم‬ ‫ينتظر ا إلعدام عقا ًبا على تطاوله على ا إلمبراطور ( أ�بو لبدة المده�ش)‪،‬‬ ‫وبلغ من ن�سيانه لواقع ا ألمر أ�ن ابت�سم من أ�عماقه وهو ي�سترجع كل ما‬ ‫حدث في ا أليام القليلة الما�ضية‪.‬‬ ‫وحتى عندما تذكر كل �شيء ظلت ابت�سامته المطمئنة تت�سع وتزداد‬ ‫عم ًقا حتى تحولت �إلى قهقهة عر�ضية هانئة حين و�صلت به ذاكرته �إلى‬ ‫ما حدث با ألم�س‪ ..‬وهي حالة نف�سية يمكن �أن يتولى درا�ستها المهتمون‬ ‫بت�أثير لحم الفئران المتبل �إيجاب ًيا على القطط ال�سجينة في ال�سجون‬ ‫ا إلمبراطورية‪..‬‬ ‫وعلى ما يبدو لم يكن ذلك غائ ًبا عن ذهن �صاحبنا الف�أر �صاحب‬ ‫الغليون الذي زاره بالأم�س وزوده بالطعام‪ ،‬وعقد معه اتفا ًقا غام ً�ضا‬ ‫وافق عليه القط بكل حما�س جائع ينتظر ا إلعدام‪ ،‬دون �أن يعرف �شي ًئا‬ ‫عن �أهدافه‪ ،‬أ�و �شروطه أ�و عواقبه‪.‬‬ ‫مر الوقت عاد ًيا كعادته في كل �صباح �سعيد‪ ،‬إ�لا �أنه بعد فترة بدا‬ ‫في التباط�ؤ مع �صعود ال�شم�س إ�لى كبد ال�سماء‪ ..‬و أ�خذ في المرور بتثاقل‬ ‫متعمد تحت �أنف القط وب�صره‪..‬‬ ‫ونحن نعرف أ�ن للوقت �أحوال غريبة وطباع متقلبة‪ ،‬ف�أحيا ًنا‬ ‫يم�ضي دون �أن يلفت �أنظار القطط أ�و بني الإن�سان‪ .‬لكنه في �أحيان‬ ‫أ�خرى كما ت�أكد (م�شكاح) ا آلن تطول فيه الدقائق وتقف الثواني في بلادة‬ ‫ترف�ض التقدم وتمتنع عن دفع بع�ضها البع�ض كعادتها في الأيام العادية‪،‬‬ ‫كانت تتعمد �إغاظة القط‪ ،‬فحاول جاه ًدا �ألا يغتاظ �شاغلاً نف�سه ب أ��شياء‬ ‫كثيرة �سرعان ما كانت تف�شل في �صرف نظره عن مرور الوقت البطيء‬ ‫الثقيل إ�لى الدرجة التي وجد نف�سه يكاد ين�شق غي ًظا‪.‬‬ ‫وفي الحقيقة أ�ن ما ي�ضايقه لم يكن بطء الوقت‪ ،‬ولكن ألنه كان‬ ‫‪124‬‬ ‫‪Kalilah and Dimnah final.indd 124‬‬ ‫� ��‪ ���� ��:‬‏‪/�/‬‏��‬

‫يتوقع زيارة ما هذا ال�صباح‪ ..‬كان يتوقع أ�ي �شيء‪ ..‬إ��شارة‪ ،‬أ�و‬ ‫ر�سالة ت ؤ�كد أ�ن اتفاق ا ألم�س قد حدث بالفعل‪ ،‬ولكن �شي ًئا من ذلك لم‬ ‫يحدث فازداد الوقت بطئا وثقلاً ‪ ..‬وحينما ارتفعت ال�شم�س في ال�سماء‬ ‫أ��سقطت ب�ضع مربعات �ضوئية حادة على أ�ر�ض الزنزانة وك أ�نها تتحداه‬ ‫وتجبره على تنكر أ�ن الظهر قد ولى‪..‬‬ ‫بد�أ القلق ي�ساوره ب�شدة‪ ..‬خا�صة و�أنه قد أ�تم ه�ضم الطعام تما ًما‬ ‫و أ�فرغت معدته أ�ثقالها‪ ،‬وعاوده �سعار الجوع �أق�سى و أ��شد نبا ًحا مما كان‬ ‫عليه الحال قبل �أطباق الفئران المتبلة والمحمرة اللذيذة‪..‬‬ ‫فقفز من فرا�شه غا�ض ًبا وراح يروح ويجيء حول محيط الزنزانة‬ ‫تارة أ�و في دوائر منتظمة وغير منتظمة تارة أ�خرى‪ ..‬أ�و في خطط‬ ‫م�ستقيمة تارة ثالثة‪( ..‬وعادت ريما لعادتها القديمة) لقد فقد كل �شعور‬ ‫ا�ستثنائي بالاطمئنان وعاد �إليه الإح�سا�س العادي لقط ينتظر الإعدام‪..‬‬ ‫وفكر �أن يطلب الحار�س ي�ستف�سر منه عن �سبب الت أ�خير ولكنه وجد‬ ‫في ذلك حماقة كبرى‪ ..‬ألن ما حدث با ألم�س كان مخالفة لكل التعليمات‬ ‫واللوائح التي يفتر�ض أ�ن يراعيها الحرا�س‪ ،‬فالزيارة ممنوعة‪،‬‬ ‫والات�صال بال�سجناء محرم‪ ،‬فما بالك بتناول لحم الفئران متبلاً في عقر‬ ‫�سجن العرين الذي يعتبر مجرد التفكير في �صيد الفئران جريمة �شنعاء‪.‬‬ ‫منذ أ�ن نالوا الحظوة الكبرى لدى الإمبراطور وفتحت أ�مامهم‬ ‫�أبواب الوظائف والمراكز الكبرى بعد أ�ن كانوا أ�كثر �صعاليك الغابة‬ ‫احتقا ًرا و�إثارة للق�شعريرة!!‬ ‫هد�أ (م�شكاح) عندما اعترف بحماقة موافقته على تناول طعام‬ ‫مكون من لحم الفئران في زنزانته‪ ،‬حتى ولو كان الذي أ�ح�ضره ف أ�ر‬ ‫ر�سمي يتباهى بغليونه وردائه الر�سمي‪� ..‬إنها جريمة بكل المقايي�س‬ ‫وعليه أ�ن يبتلع غ�ضبه وقلته ويحمد الله على �أن كل ذلك لم ينك�شف‪.‬‬ ‫لكن الجوع ا�شتد عليه وقر�ص أ�معاءه ب�شدة فخرجت �أنفا�سه حارة‬ ‫تعك�س ا�شتداد غ�ضبه وقلقه‪ ..‬و أ�خذ يق�سم أ�مام النافذة الم�سجية بالق�ضبان أ�نه‬ ‫�سيلغي اتفاقه مع ذلك الف�أر إ�ن لم ي�صله خبر ما‪� ..‬أو �إذا لم يحدث تطور‬ ‫جديد في الأمر في مدة غاية ربع �ساعة‪ ..‬ثم مد المهلة �إلى ن�صف �ساعة‪.‬‬ ‫ولما قاربت على الانتهاء �صار أ�كثر ت�سام ًحا ومد المهلة �إلى �ساعة لا‬ ‫أ�كثر‪ ..‬ثم �أقنع نف�سه بمدها حتى غروب ال�شم�س بما �أنه لا يملك �ساعة‬ ‫‪125‬‬ ‫‪Kalilah and Dimnah final.indd 125‬‬ ‫� ��‪/���� ��:‬‏� ‏‪��/‬‬

‫ليقدر المهلة المحددة تما ًما‪ ..‬ثم ا�ست�سلم بعد قليل و�ألغى كل تفكير في أ�ية‬ ‫مهلة و�أخذ يموء في �ضعف قط جائع �سجين‪ ..‬وهو يراقب مربعات‬ ‫ال�ضوء وهي ت�صعد باهتة على الجدار كلما مالت ال�شم�س نحو المغيب‪..‬‬ ‫ولم تبد أ�ية �إ�شارة من �صاحب الغليون تب�شر بالأمل‪..‬‬ ‫عريت ال�شم�س وحط الظلام‪ ..‬وجل�س (م�شكاح) متع ًبا محب ًطا‬ ‫جائ ًعا ي ؤ�كد لنف�سه أ�ن ما حدث با ألم�س لم يكن �سوى حلم عابر لم يحدث في‬ ‫الواقع‪�..‬أو �إنه �إذا كان قد وقع مجرد و�سيلة من و�سائل التعذيب النف�سي‪..‬‬ ‫�إذ كيف ن�صدق أ�نه من الممكن �أن ي�سمح له ب�أكل فئران متبلة أ�و غير‬ ‫متبلة في �سجن إ�مبراطور حرم �صيد الفئران؟ ولمن؟ لقط جريمته كانت‬ ‫الاحتجاج على إ�لغاء المهنة المحرمة؟‪ ..‬تلك المهنة التي تثير ذكرياتها‬ ‫لعاب القطط كما يحدث له الآن‪ ..‬فتثير غددهم وتفي�ض منها الع�صائر‬ ‫فتوتر الأمعاء وتعكر المزاج وتبعث على الغ�ضب ثم الي أ��س‪ ..‬وتدفع‬ ‫القط المحا�صر للوقوف ب�أرجله ا ألربعة على حافة البكاء؛؛‬ ‫وقبل أ�ن يقرر للمرة الألف �إلغاء الاتفاق الغام�ض مع الف�أر تنبه إ�لى‬ ‫ال�صوت الرخيم العذب الذي �أحدثه حديد المفاتيح في حديد الأبواب المغلقة‪،‬‬ ‫فا�ستيقظت كل حوا�سه وانتع�شت �آماله المحبطة‪ ..‬وتنمر مت�صنعا الغ�ضب‬ ‫في ركنه ينتظر القادم وهو يرتع�ش وفي داخله لهفة حاول أ�ن يخفيها تحت‬ ‫ال�ستائر الثقيلة لت�صنع الغ�ضب‪ ..‬ودخل القادم‪ ..‬والحقيقة أ�نها دخلت‪..‬‬ ‫لم يكن ا آلتي ف أ�ر الأم�س الر�سمي �صاحب الغليون‪ ..‬لكنها كانت‬ ‫ف�أرة ر�سمية �أكثر جما اًل و�أكثر �سمنة فتح لها الظربان ال�سجانان الباب‬ ‫وهما ينحنيان في احترام ثم أ�غلقا الباب وان�صرفا‪..‬‬ ‫جز القط (م�شكاح) على أ��سنانه وحرك ر أ��سه بقوة م�صف ًقا ب أ�ذنيه‬ ‫ليت�أكد أ�نه لا يحلم‪ ،‬ومنع �آهة ا�شتهاء مفتر�سة من الانطلاق من بين �شفتيه‪،‬‬ ‫وا�ستطاع ب�صعوبة �أن يعيدها لبلعومه ويبتلعها مع لعابه الفا�ضح‪..‬‬ ‫وا�ستدار طال ًبا تف�سي ًرا لما يحدث‪ ،‬ولكن الف أ�رة الر�سمية �سكنت فترة‬ ‫كافية بال�ضبط لنفاد ال�صبر تما ًما‪ ..‬ثم تنحنحت معتذرة عن �إزعاجه قائلة‪:‬‬ ‫‪ -‬الحقيقة أ�نني ح�ضرت في مهمة ر�سمية‪..‬‬ ‫انتع�شت �آماله في تنفيذ اتفاق الأم�س‪ ..‬ولكنها لم تذكر �شي ًئا‬ ‫عن ذلك وقالت‪:‬‬ ‫‪ -‬لقد �أر�سلوني في مهمة بغي�ضة لا �أحبها‪ ..‬لقد طلبوا مني �أن أ�ك�شف‬ ‫‪126‬‬ ‫‪Kalilah and Dimnah final.indd 126‬‬ ‫� ��‪ ���� ��:‬‏‪/�/‬‏��‬

‫عليك ك�ش ًفا دقي ًقا لأن القانون يفر�ض أ�لا ن أ�خذ القطط بال�شبهات‪� ..‬إن‬ ‫�سلطات التحقيق قد تخطئ عادة في مثل حالتك لكن المحكمة تريد أ�ن تت�أكد‬ ‫ب�شكل قاطع أ�نك لم تخالف القانون بالفعل‪.‬‬ ‫كانت تتحدث ب�صوت رخيم عذب ولذيذ‪ ..‬أ�و هكذا خيل لمعدته‪..‬‬ ‫فقد كان قوامها ال�سمين يخايل جوعه وهي رائحة غادية �أمامه تترجرج‬ ‫كقالب من حلوى الفالوذج الم�صنوع من جيلي لحم الفئران على الطريقة‬ ‫الفرن�سية �أو هكذا خيل لأمعائه الخاوية‪..‬‬ ‫كان يتابعها محاولا منع نظراته من التفكير في لحمها ف�أخفى عينيه‬ ‫تحت كفيه بعد ف�شله في إ��سدال جفنيه‪ ..‬لكن خيالها كان يخترق عظامه‬ ‫حتى النخاع‪ ،‬خا�صة عندما �ضحكت �ضحكة فئرانية رائعة دمرت‬ ‫مقاومته وهي ت ؤ�كد له‪ :‬أ�ن عدالة إ�مبراطورنا المرعب حقيقة ولا تقبل‬ ‫أ�خذ المواطنين بال�شبهات‪ ..‬لا بد من الإجابة ب�صراحة هل خالفت القانون‬ ‫أ�م لا؟ إ�ن تطاولك على الإمبراطور لي�س جريمة‪ ..‬المهم �أن نت�أكد من‬ ‫براءتك من تهمة �أكل لحم الفئران‪..‬‬ ‫‪ -‬علينا أ�ن نجري بع�ض الفحو�ص لدمك ولع�صارات معدتك‪..‬‬ ‫لن�ؤكد لهم �أنك لم ت�أكل لحم الفئران منذ �صدور القانون‪ ..‬و�سيكون في‬ ‫ذلك �إعلا ًنا لبراءتك فيطلق �سراحك فو ًرا‪..‬‬ ‫والحقيقة �أن القط لم يتابع جي ًدا الجزء ا ألخير من كلامها فقد كانت‬ ‫ر�أ�سه تدور في البداية ب�سبب جوعه ورغبته القاتلة في التهامها‪..‬‬ ‫ثم بد أ� يدور �أكثر عندما ذكرت لحم الفئران و أ�كله وارتباط ذلك‬ ‫ب�إثبات براءته‪ ،‬كان ا ألمر أ�كثر تعقي ًدا من �أن يفهمه قط في مثل ظروفه‬ ‫ال�صعبة‪ ..‬خا�صة وقد تج�سد �أمامه فداحة ما ارتكبه بالا�سم بتحري�ض من‬ ‫ذلك الف أ�ر الر�سمي �صاحب الغليون‪ ..‬ف�أغ�شى عليه وكان هذا ما توقعته‬ ‫الف أ�رة‪ ..‬ف أ�مرت بحمله إ�لى حيث يمكن فح�صه وتحليل دمه‪.‬‬ ‫‪127‬‬ ‫� ��‪/���� ��:‬‏� ‏‪��/‬‬ ‫‪Kalilah and Dimnah final.indd 127‬‬

‫لا ت�صيدني ولكن كلني‬ ‫عندما �أفاق من إ�غماءته الطويلة‪ ،‬وجد نف�سه على �سرير �أبي�ض‬ ‫نظيف في حجرة بي�ضاء نظيفة‪ ،‬لها فتحة مزخرفة تطل على �شاطئ نهر‬ ‫الين�سون النظيف‪ ..‬الذي يحترق الأحرا�ش في �أكثر مناطقها جما ًال‬ ‫ووح�شية ونظافة‪..‬‬ ‫كانت ال�ستائر فيروزية وللملاءات البي�ضاء �شراريب �أرجوانية وعلى‬ ‫من�ضدة نظيفة ذات عجلات ثلاث كانت أ�طباق طعام ر آ�ها من قبل ت�صاعد‬ ‫منها �أبخرة يعرف رائحتها تما ًما‪ .‬فانتابه فزع قاتل جعله يقفز من مكانه‬ ‫ثم ينكم�ش مرتع�ًشا منده�ًشا لأنهم يكررون معه ذلك‪ .‬و أ�ين؟ في الم�ست�شفى‬ ‫حيث من المفتر�ض أ�ن يك�شف عن تناوله طعام لحم الفئران من عدمه‪..‬‬ ‫لكن �صو ًتا يعرفه جاءه هاد ًئا أ�لي ًفا من خلف �صفحات جريدة الموز‬ ‫الا�ستوائي الخ�ضراء المفرودة في فراغ الغرفة �أمامه وبين �سريره‬ ‫والكر�سي الفاخر المجاور للنافذة المزخرفة‪..‬‬ ‫قال له �صاحب ال�صوت‪:‬‬ ‫‪ -‬هدئ من روعك يا �صديقي أ�نت في �أمان تام هنا‪ ،‬ولا تدع‬ ‫الخوف يتملكك كال�سذج إ�لى هذه الدرجة يا عزيزي‪ ..‬المفرو�ض �أنك‬ ‫قط ذكي ولك ر أ�ي م�ستقل‪ ..‬وما دمت جائ ًعا فلا بد �أن ت أ�كل حتى يمكن‬ ‫أ�ن نتفاهم‪ ..‬كن عمل ًيا‪� ..‬ألي�س هذا هو طعامك المف�ضل‪.‬‬ ‫�س�أل (م�شكاح) في فزع‪:‬‬ ‫من �أي لحم �صنع هذا الطعام؟‬ ‫�ضحك الف أ�ر �صاحب الغليون وهو يلوح �صفحات الجريدة عن‬ ‫وجهه وقال مداع ًبا‪:‬‬ ‫‪ -‬هل فقدت حا�سة ال�شم يا �صديقي‪� ..‬إنه من الطعام الذي تف�ضله‬ ‫والذي يجعلك دون غيره قادرا على التفكير ال�سليم‪ ..‬وقد ملأت معدتك‬ ‫منه بالأم�س‪ ..‬وكانت له أ�ف�ضل النتائج!‬ ‫لم يعد القط قاد ًرا على الفهم‪ ..‬فا�ست�سلم لحالة الغباء المريحة التي‬ ‫يمار�سها كلما اختلطت �أمامه ال�سبل وتعقدت الأمور‪ ..‬بينما ا�ستمر الف أ�ر‬ ‫الر�سمي �صاحب الغليون �ضاح ًكا‪:‬‬ ‫‪ -‬لقد م�سحت ا ألطباق كلها لدرجة �أنهم لم يحتاجوا لغ�سلها بعدك‪..‬‬ ‫‪128‬‬ ‫‪Kalilah and Dimnah final.indd 128‬‬ ‫� ��‪ ���� ��:‬‏‪ �/‬‏‪��/‬‬

‫وا�ستغرق في القهقهة معج ًبا بفكاهته م ؤ�ملاً �أن ي�شاركه (م�شكاح)‬ ‫ال�ضحك‪ ..‬لكن القط �صرخ مرتع ًبا‪:‬‬ ‫ماذا تريد �أن تفعل بي؟‪ ..‬أ�نا لم آ�كل منه أ�م�س ولن �آكل منه أ�ب ًدا‪..‬‬ ‫ل�ست جائ ًعا‪ ..‬ولن �أرتكب تلك الحماقة مرة أ�خرى‪ ..‬إ�نهم �سيفح�صون‬ ‫معدتي؟ أ�لي�س كذلك؟ هل ظهرت نتيجة التحاليل يا �سيدي‪ ..‬أ�رجوك‬ ‫ارحمني‪ ..‬ف�أنا قط م�سكين وقعت في قب�ضة من لا يرحم‪..‬‬ ‫قهقه الف�أر الر�سمي مرة أ�خرى قهقهة ر�سمية عري�ضة ك�أي �ضبع‬ ‫�صومالي مرح وقال‪:‬‬ ‫‪ -‬عظيم‪ ..‬هذا تحول رائع‪ ..‬من المطلوب أ�ن تبدو حري ً�صا‪ ..‬لقد‬ ‫بد أ�ت في التفكير لمواجهة الموقف‪ ..‬وهذا تقدم كبير‪..‬‬ ‫كالعادة حاول (م�شكاح) �أن يفهم دون جدوى‪ ،‬وجل�س يائ�ًسا‪،‬‬ ‫فعاجله الف�أر قائلاً ‪:‬‬ ‫‪ -‬اطمئن؛ �إن من واجبي أ�ن أ�طمئنك‪..‬‬ ‫ثم �أبعد ال�صحيفة نهائ ًيا واقترب منه هام�ًسا‪:‬‬ ‫‪� -‬إن تقارير المعمل عنك كانت كلها �سلبية‪ ..‬لقد �أثبتت الباحثة‬ ‫العبقرية بالدليل العلمي القاطع أ�نك لم تتناول لحم الفئران منذ �صدور‬ ‫قانون تحريم �صيد الفئران‪ ..‬فماذا تريد �أعظم من هذا؟ا‬ ‫حاول (م�شكاح) �أن ينطق مظه ًرا ده�شته أ�و فرحه فلم ي�ستطع �سوى‬ ‫�أن يقول ب�صوت مبحوح‪:‬‬ ‫‪ -‬ولكني أ�كلت منه با ألم�س‪ ..‬كيف �إذن جاءت التحاليل �سلبية؟‬ ‫قطع الف�أر �صاحب الغليون �ضحكته‪� ..‬أعني �أنه �ضحك ثم قطع‬ ‫�ضحكته وقال؛‬ ‫‪ -‬أ�يها ال�ساذج الم�سكين‪ ،‬إ�نه مجرد تقرير مكتوب ومعتمد‪ ..‬مجرد‬ ‫ورق‪ ..‬ي�صبح ر�سم ًيا عندما نريد نحن ذلك‪ ..‬افهم‪� ..‬أنت ا آلن برئ‬ ‫تما ًما‪ ..‬كقط لم يتناول أ�ب ًدا �إلا لبن أ�مه القطة‪� ..‬أم �أنك كنت نف�ضل لبن‬ ‫الفئران‪ ..‬وانفجر �ضاح ًكا‪..‬‬ ‫والحقيقة �أنه كان في حالة معنوية عالية لا تنا�سب (م�شكاح) الذي‬ ‫قال في �صوت واهن‪:‬‬ ‫‪ -‬أ�يعني ذلك أ�نني لن �أعدم؟‬ ‫�صمت الف أ�ر الر�سمي �صاحب الغليون‪ ..‬ونظر في عينيه مبا�شرة‬ ‫‪129‬‬ ‫‪Kalilah and Dimnah final.indd 129‬‬ ‫� ��‪/���� ��:‬‏� ‏‪��/‬‬

‫نظرة �صامتة‪ ..‬ثم �أدار ر�أ�سه عنه وم�ضى ناحية النافذة‪ ..‬يت أ�مل المنظر‬ ‫الخارجي‪ ..‬مما كاد يذهب بعقل (م�شكاح)‪ ..‬لولا �أن الف أ�ر ا�ستدار في‬ ‫الوقت المنا�سب وقال‪:‬‬ ‫‪ -‬إ�ن هذا يتوقف عليك وحدك‪� ..‬ألم يكن هذا جزء من اتفاقنا؟‪..‬‬ ‫هل ن�سيت؟‬ ‫لم يكن (م�شكاح) قاد ًرا على تذكر �أي �شيء‪ ..‬ولكن الحديث بهذا‬ ‫الود عن اتفاق ما تم بينهما كان �شي ًئا كحبل النجاة لغريق لا يعرف‬ ‫ال�سباحة‪ ..‬المهم أ�ن هناك اتفاق ما يجعلهما �صديقين وهذا يكفيه الآن فهز‬ ‫ر أ��سه مواف ًقا بينما ا�ستمر الف أ�ر في الحديث قائلاً ‪:‬‬ ‫‪ -‬قلت لك أ�ن �صداقتي �ستكون باب ال�سعادة الذي �سيفتح �أمامك �آفاق‬ ‫حياة جديدة �أتنكر؟ أ�م أ�نك ما زلت تعاني من �آثار العلاقة الأزلية بين‬ ‫القط والف أ�ر؟‬ ‫‪ -‬لا يا �صديقي لنبد أ� �صفحة جديدة واثبت ل�صديقك الجديد �أنه جدير‬ ‫بثقتك‪ ..‬كما وثق هو بك‪ ..‬هيا‪ ..‬تقدم وكل‪ ..‬طعامك المف�ضل‪..‬‬ ‫ولكن لا ت أ�كلني أ�نا‪ ..‬فل�ست مجه ًزا بعد لهذه اللحظة‪ ..‬هيا‪..‬‬ ‫وا�ستغرق في ال�ضحك مرة �أخرى‪ ..‬وكان (م�شكاح) معج ًبا بروحه‬ ‫المرحة يحاول �أن يجاريه في الابت�سام والمرح فقال ب�صوت �أقل �ضع ًفا‪:‬‬ ‫‪ -‬لا �أريد �أن أ�خالف القانون؛‬ ‫اقترب منه الف�أر �صاحب الغليون وهم�س بنف�س طبقة �صوته في ود‪:‬‬ ‫يا �صديقي (م�شكاح)‪ ..‬ا�سمع كلام �صديقك (رماح)‪ ..‬نعم هذا‬ ‫هو ا�سمي يا �صديقي‪ ..‬وافهم لقد حرمت القوانين �صيد الفئران‪..‬‬ ‫و�ألغتها كمهنة محترمة‪ ،‬كو�سيلة للك�سب والق�سوة‪ ..‬ولكنها لم تمنع �أكل‬ ‫الفئران‪ ..‬أ�لي�س كذلك‪ ..‬هل لاحظت في القانون �أي بند أ�و فقرة تحرم‬ ‫أ�كل الفئران في قانون حماية الفئران من ال�صيد‪.‬‬ ‫ات�سعت عينا (م�شكاح) ده�شة ووا�صل (رماح) حديثه ب�صوت عميق‬ ‫حزين‪:‬‬ ‫‪ -‬ولو فهمت ذلك‪ ..‬لعرفت أ�ن هذا القانون اللعين كارثة‪..‬‬ ‫فازدادت ده�شة (م�شكاح) و�س أ�له‪:‬‬ ‫‪ -‬هل �أنت و أ�نت ف أ�ر �ضد قانون حماية الفئران‪ ..‬إ�نك ف أ�ر ويجب‬ ‫أ�ن تقنا مع قانون يحمي بني جن�سك‪� ..‬إن ما يده�شني هو أ�نك تلعن هذا‬ ‫‪130‬‬ ‫‪Kalilah and Dimnah final.indd 130‬‬ ‫� ��‪ ���� ��:‬‏‪/�/‬‏��‬

‫القانون وتحر�ضني على �أكل لحم ع�شيرتك‪..‬‬ ‫هز (رماح) الحزين ر�أ�سه المملوءة بالحزن وقال نافذ ال�صبر‪:‬‬ ‫‪� -‬ستظل غب ًيا يا �صديقي حتى لو �أكلت أ�طنا ًنا من لحم الفئران‪..‬‬ ‫رد ((م�شكاح)) ب�سرعة‪:‬‬ ‫‪ -‬لم أ�فهم‪..‬‬ ‫ف�صاح به (رماح)‪:‬‬ ‫ولن تفهم على ا إلطلاق‪..‬‬ ‫�سقط ر أ��س (م�شكاح) على �صدره ي�أ�ًسا وقال‪:‬‬ ‫‪� -‬ساعدني على الفهم‪ ..‬أ�رجوك و إ�لا طار عقلي‪..‬‬ ‫اعتدل (رماح) في كر�سيه وكان قد جل�س عليه منذ برهة‪ ،‬وجره‬ ‫نحو ال�سرير و أ�خذ في هدوء ي�شرح للقط �أ�ضرار قانون حماية الفئران‬ ‫من ال�صيد على الفئران‪..‬‬ ‫‪ -‬و�أخذ ين�شط ذاكرته م�ستعي ًدا تلك ا أليام الخوالي عندما كانت القطط‬ ‫لا هم لها �سوى البحث عن الفئران‪ ،‬وكانت الفئران تعي�ش على حافة‬ ‫الخطر ك�أي مخلوقات برية رومان�سية وكان �إح�سا�سها الدائم بالخطر‬ ‫يجعلها تتدرب با�ستمرار‪ ،‬وتكت�سب مهارات فنون الحرب من كر وفر‬ ‫وهرب ومراوغة وقفز ونط واختفاء واحتماء وت�سلق وتزحلق‪..‬‬ ‫كانت الفئران ترى في الظلام‪ ،‬وتعبر الأنهار �سباحة وتتحمل‬ ‫الجوع والعط�ش ولم يفقدوا أ�ب ًدا ميزة البديهة الحا�ضرة‪ ،‬وكانوا يثيرون‬ ‫الهلع والق�شعريرة‪ ،‬ولا يظهرون خوفهم أ�ب ًدا وكانوا ي�سكتون ويتجمدون‬ ‫ل�ساعات إ�ذا ما حو�صروا‪..‬كانوا يعرفون مقدار الخطر المترب�ص بهم‬ ‫عند كل ركن وفي كل زاوية‪ ،‬ولذا اكت�سبوا ح�صانة طبيعية وقدرة على‬ ‫تجنب الخطر واحتمال المكارة‪ ..‬بل وكانت عندهم مناعة خا�صة على‬ ‫مقاومة الأمرا�ض‪ ..‬وقدرة خا�صة على �صفاء التفكير‪ ..‬ولم يعرفوا‬ ‫الك�سل والترهل والبطنة فاكت�سبوا رجاحة العقل والفطنة‪ ..‬أ�ما ا آلن وبعد‬ ‫�أن حل بهم ا ألمان �صاروا يت�سكعون هنا وهناك بلا عمل‪ ،‬ي�أكلون في‬ ‫�شراهة ففقدوا القدرة على الفهم بل والقدرة على الحلم وا ألمل‪..‬‬ ‫وعندماو�صلالف أ�ر(رماح)�إلىهذهالنقطةكانالانفعالقدبلغبهمبل ًغا‬ ‫�شدي ًدا‪ ،‬جعل �صوته يتهدج حز ًنا‪ ،‬وعينيه تمتلئ بالدموع‪ ..‬فاحتقن �صوته‬ ‫مماجعلقلب(م�شكاح)يذوبعط ًفاعليهوعلىبنيجن�سهمنالفئران!‬ ‫‪131‬‬ ‫‪Kalilah and Dimnah final.indd 131‬‬ ‫� ��‪ ���� ��:‬‏‪ �/‬‏‪��/‬‬

‫هروب في منت�صف الليل‬ ‫�أح�س (م�شكاح) بتعاطف �شديد مع (رماح) الحزين الباكي الذي كان‬ ‫ي�شرح له م�أ�ساة الفئران منذ أ�ن �صدر قانون حمايتها بتحريم �صيدها‪ ..‬كان‬ ‫(رماح)رغمحلتهالر�سميةبلي ًغامثي ًراللعطفحتىكاد(م�شكاح)�أني�شاطره‬ ‫أ�حزانه بالبكاء‪ ..‬لكنه قرر على الفور أ�ن ي�ستجيب لرغبته في تناول طعامه‬ ‫المكون من لحم الفئران ليثبت له �أنه �صار يثق به كف�أر �صديق‪..‬‬ ‫وم�سح (رماح) دموعه بمنديل ورقي معطر‪ ،‬و�أكمل حديثه قائلاً‬ ‫في هدوء حزين‪:‬‬ ‫‪ -‬وها �أنت ترى بنف�سك ما و�صل �إليه حالنا يا (م�شكاح)‪ ..‬كنا‬ ‫فري�سة للقطط فقط‪ ..‬وكنا نعرف كيف نواجه ذلك‪� ..‬أما ا آلن فلا توجد‬ ‫مائدة في طول الغابة وعر�ضها‪ ،‬تخلو من طبق لحم فئران متبل‪ ،‬أ�و‬ ‫محمر‪ ،‬أ�و م�شوي؛ �أو م�سلوق‪ ..‬وظهرت الكتب التي ت�شرح طرق‬ ‫طهي الفئران عل ًنا‪..‬‬ ‫لقد ر أ�يت بنف�سي فئرا ًنا ت�أكل لحم فئران مطهي دون �أن ت�س أ�ل نف�سها‬ ‫من الذي أ�قام تلك الم�صانع ومن �سي�ضمن �أنها لن ت�صبح مادة خام لهذه‬ ‫ال�صناعة بين لحظة و أ�خرى‪� ..‬أبعد هذا توجد بلادة ح�س فئراني؟‬ ‫ع�صر الحزن قلب (م�شكاح)‪ ،‬حزن حقيقي لقط �صادق يحب لحم‬ ‫الفئران لكنه أ�حب �صديقه (رماح) �أكثر وخا�صة عندما و�ضحت لديه‬ ‫الم�أ�ساة عميقة �إلى هذه الدرجة وكادت الدموع تفطر من عينيه وهو يقول‪:‬‬ ‫‪ -‬يا ل أل�سف‪ ..‬إ�ذن لقد حلت اللعنة على جن�س الفئران‪..‬‬ ‫�إنها قد تنقر�ض من الوجود ب�سبب ذلك‪ ..‬قال(رماح) م ؤ�م ًنا على‬ ‫كلامه‪:‬‬ ‫‪ -‬لقد كنا في الما�ضي مف�ضلين عند �أبناء جن�سكم ب�شكل أ��سا�سي‪..‬‬ ‫�أما الآن فقد �صار لحم الفئران مف�ضلاً على كل الموائد‪ ..‬حتى موائد‬ ‫الفئران‪ ..‬لقد �صار طبق لحم الفئران في أ�ي �صورة من �صور الطهي‬ ‫الحديث‪ ..‬مظه ًرا من مظاهر الأبهة الاجتماعية في الغابة‪ ..‬أ�ترى بعد‬ ‫ذلك غرابة في اتفاقي معك‪� ..‬ضد هذه القوانين اللعينة؟‬ ‫قال القط وقد �سرى التعاطف في عروقه‪:‬‬ ‫‪132‬‬ ‫‪Kalilah and Dimnah final.indd 132‬‬ ‫� ��‪ ���� ��:‬‏‪ �/‬‏‪��/‬‬

‫الحقيقة لا‪ ..‬والحقيقة ا ألخرى الأكثر حقيقية أ�نني �أحبك لدرجة‬ ‫�أنني لن �أفكر في افترا�سك حتى لو �ألغي قانون �صيد الفئران‪..‬‬ ‫قال (رماح) مبت�س ًما في حزن‪:‬‬ ‫‪ -‬بالعك�س يا �صديقي ليتك تفعل ذلك‪ ..‬وا آلن‪ ..‬حتى تريحني‬ ‫من عذاب ر ؤ�يتي لقومي يتردون في هاوية البلادة‪ ..‬و�أن تنحدر بهم‬ ‫ا ألخلاق وين�سون تراث أ�جدادهم الفئران العظام إ�لى هذه الدرجة‪..‬‬ ‫في�ست�سلمون من أ�نف�سهم للمطابخ ويتقدمون للذبح في ك�سل وهم يتثاءبون‬ ‫لأنهم ن�سوا كل معاني الكرامة والهرب‪.‬‬ ‫اعتدل القط ورمق (رماح) الحزين بنظرة مت�سامحة و�سحب مائدة‬ ‫الطعام الزاخرة بلحوم الفئران ال�شهية وبد أ� ي أ�كل وهو يقول‪:‬‬ ‫‪� -‬أنا تحت أ�مرك يا �صديقي‪ ،‬أ�نا رهن �إ�شارتك‪ ..‬وعلى ا�ستعداد‬ ‫تام لتنفيذ كل ما تطلبه مني‪..‬‬ ‫اقترب الف�أر منه ثم هم�س في �صوت خفي�ض‪:‬‬ ‫الليلة‪� ..‬سنعمل على تهريبك من ال�سجن‪ ..‬ا�ستع�صت اللقمة على‬ ‫البلع‪ ..‬فناوله كوب ماء وقال‪:‬‬ ‫‪ -‬لا تخ�ش �شي ًئا‪ ،‬كل �شيء معد وجاهز‪ ..‬ومتفق عليه‪ ..‬ما عليك‬ ‫�إلا �أن تكون جاه ًزا للتنفيذ في الوقت المتفق عليه‪ ..‬وعندما ت�صل �إلى‬ ‫المكان المتفق عليه تبد�أ على الفور في تنفيذ الخطة المتفق‬ ‫عليها‪ ..‬هل اتفقنا؟‬ ‫�شرب القط الماء ثم �أ�صدر \"تكريعة\" مريعة وعاود التهام ما أ�مامه‬ ‫من طعام فئراني �شهي متبل وقال‪:‬‬ ‫‪ -‬ولو أ�نني لا أ�ذكر تما ًما ما الذي اتفقنا عليه‪ ..‬إ�لا أ�نني �أثق تما ًما‬ ‫بك ثقتي في �أمي رحمها الله‪ ..‬ومت�أكد أ�ننا �سننفذ ما اتفقنا عليه‪..‬‬ ‫وهنا تركه الف�أر متمن ًيا له �شهية طيبة وم�ضى ليجهز ولينفذ ما اتفقا‬ ‫عليه!!‬ ‫عند منت�صف الليل تما ًما ا�ستيقظ (م�شكاح) على �صوت المفتاح يدور‬ ‫ببطء في ثقب الباب‪..‬‬ ‫وفتح الباب على مهل ودون �صوت‪ ،‬وبرزت منه دمية كبيرة‬ ‫لقط في حجم القط العادي يحملها عدد من الفئران ثم أ�غلق الباب خلفهم‬ ‫بالمفتاح‪..‬‬ ‫‪133‬‬ ‫‪Kalilah and Dimnah final.indd 133‬‬ ‫� ��‪ ���� ��:‬‏‪/�/‬‏��‬

‫وارتفعت أ�يدي الفئران نحو أ�فواهها تحذره من �إ�صدار أ�ي �صوت‬ ‫عندما ر�أوا عينيه تلمعان والده�شة تدفعه إ�لى الكلام‪ ..‬و أ��سرع هو أ�ي ً�ضا‬ ‫ففعل مثلهم وو�ضع �إ�صبعه فوق فمه محذ ًرا وم�صد ًرا �صو ًتا (ه�ش �ش‬ ‫�ش) حتى لا تخرج من فمه �صرخة غبية ولدتها ده�شته من �سرعة و�إتقان‬ ‫الفئران لما فعلوا‪..‬‬ ‫فقد أ��سرعوا بخلع ملاب�سه الخا�صة بالم�ست�شفى دون أ�ن ي�ست أ�ذنوه‪..‬‬ ‫وب أ�يدي مدربة �ألب�سوه رداء ي�شبه رداء الحر�س في العرين الإمبراطوري‬ ‫وهو رداء منقط على طريقة الفهود ال�سوداء‪ ..‬ثم أ��سندوه على الحائط‬ ‫فظل ملتز ًما بو�ضعه‪ ،‬وا�ض ًعا إ��صبعه على فمه إ�معا ًنا في إ�جبار نف�سه على‬ ‫ال�صمت‪ ..‬ور�آهم وهم يلب�سون الدمية ملاب�سه فكاد ال�ضحك أ�ن يغلبه‬ ‫لولا نظرات لوم من �أحد الفئران الن�شطين‪..‬‬ ‫فاعتذر ب إ��شارة وم�ضى يتابع حركتهم وهم يحملون الدمية ويرقدونها‬ ‫في �سريره فعاودته الرغبة في ال�ضحك من فرط �سروره وهو يرى نف�سه‬ ‫نائ ًما في نف�س مكانه‪ ،‬هاد ًئا‪ ،‬ي�صدر �شخي ًرا مثل �شخيره بال�ضبط‪..‬‬ ‫لكنهم لم يتركوا له فر�صة التمتع بالمنظر الم�ضحك‪ ،‬و إ�نما أ�عادوا‬ ‫تحذيره‪ ،‬ودفعوه نحو الباب حيث دقه �أحدهم دقات منغمة خا�صة فانفتح‬ ‫على الممر الطولي الذي قطعوه في ثواني وهو و�سطهم ي�سير على أ�طراف‬ ‫أ��صابعه و�سبابته ما تزال معلقة �أمام فمه‪..‬‬ ‫في �آخر الممر كان عدد من الحرا�س والعاملين في الم�ست�شفى يلعبون‬ ‫لعبة (�آذان الخيل) الورقية في ان�سجام تام‪ ..‬وهي لعبة م�ضحكة ت�سلب من‬ ‫يندمج فيها لبه فيكون من ال�صعب عليه ملاحظة هروب �أي حيوان‪..‬‬ ‫حتى لو كان ق ًطا مثل (م�شكاح) و�سط مجموعة من الفئران‪..‬‬ ‫وعند البوابة الرئي�سة حياهم الحار�س ن�صف النع�سان تحية ر�سمية‬ ‫ثم ختم أ�وراق الزيارة و أ�غلق الباب خلفهم وهو يتنهد بكل حر�ص‪..‬‬ ‫عندما وجد القط (م�شكاح) نف�سه في ا ألحرا�ش ولي�س حوله �أية‬ ‫جدران �أو أ��سوار قرر �أن يتخل�ص من ده�شته ليواجه الموقف الجديد‬ ‫وتذكر �أنه لا يزال تار ًكا �إ�صبعه معل ًقا أ�مام فمه في حركة تحذير عبيطة‬ ‫ف أ��سرع و�أنزل ذراعه مت�أملاً الموقف الذي أ�خذ يت�ضح له ببطء �شديد‪..‬‬ ‫إ�ن (رماح) �صديقه الر�سمي �صاحب الغليون قد نفذ ما وعده به‪..‬‬ ‫ها هو ينقذه من الموت ويهربه من �سجن ا إلمبراطور المرعب‪ ..‬لقد نفذ‬ ‫‪134‬‬ ‫‪Kalilah and Dimnah final.indd 134‬‬ ‫� ��‪ ���� ��:‬‏‪/�/‬‏��‬

‫الاتفاق تما ًما من ناحيته لكن (م�شكاح) حتى الآن لم يفهم ما هو المطلوب‬ ‫منه‪ ..‬إ�ن لكل اتفاق طرفان فما الذي يجب عليه �أن يفعله ليفي هو أ�ي ً�ضا‬ ‫بوعوده ‪ -‬التي لا يعرفها ‪ -‬تنفي ًذا للاتفاق الذي لا يعرف ملامحه‪.‬‬ ‫و أ�خذ ال�س ؤ�ال يلح عليه ب�شدة‪:‬‬ ‫‪ -‬ما الذي يريده الف�أر (رماح) منه لقاء إ�طلاق �سراحه و إ�نقاذه من‬ ‫�إعدام محقق؟‬ ‫جاءته الإجابة ب�سرعة مذهلة‪..‬‬ ‫‪ -‬فعند أ�ول انحناءة في الطريق ر�أى (رماح) في زيه الر�سمي‬ ‫قاد ًما وهو محاط بموكب من حيوانات الحمل والحرا�س يحملون �أكيا�ًسا‬ ‫و�صناديق مختلفة ا ألحجام وا أل�شكال‪ ..‬ودون كلمة‪ ..‬التحم الموكبان‬ ‫واتجها في �صمت نحو �شجرة تين بنغالي عالية كثيفة الجذور لدرجة تبدو‬ ‫معها كتلة واحدة مت�شابكة لا منفذ فيها‪ ..‬لكن الحر�س �أزاحوا بع�ض‬ ‫الجذور فانفتح فيها ممر �ضيق انح�شروا فيه واح ًدا بعد ا آلخر �إلى م�ساحة‬ ‫خفية وا�سعة تحت الجذع الرئي�سي لل�شجرة‪..‬‬ ‫وهناك �أنزلت الحيوانات �أثقالها على الأر�ض وب إ��شارة من الف أ�ر‬ ‫(رماح) ان�صرف الجميع في لمح الب�صر �أو اختفوا بين الجذور المت�شابكة‪..‬‬ ‫لم يتح الفر�صة لـ (م�شكاح) �أن يتبين ا ألمر‪..‬‬ ‫بقى (م�شكاح) و(ورماح) وحدهما دون كلمة‪ ..‬ثم انفجر (رماح)‬ ‫�ضاح ًكا وا�ستمر ي�ضحك حتى ا�ضطر (م�شكاح) لمجاراته دون أ�ن يفهم‬ ‫�سب ًبا ل�ضحكاته لكن (رماح) لم يهتم بذلك ودعاه للجلو�س و أ��شعل م�صبا ًحا‬ ‫له �ضوء بارد ك�ضوء �أجنحة الفرا�شات الا�ستوائية‪ ..‬على �ضوئه أ�خذ‬ ‫(م�شكاح) يت أ�مل المكان الغريب‪ ..‬الذي كان مجه ًزا بكل و�سائل الراحة‬ ‫ل�صياد جبلي �أو لقاطع طريق‪� ..‬أو لمجرم خارج على القانون‪..‬‬ ‫كانت هناك �أ�سلحة مختلفة و�شباك �صيد وحراب من مختلف‬ ‫الأطوال‪ ..‬وفخاخ من مختلف ا ألحجام ل�صيد مختلف الحيوانات‪..‬‬ ‫لكن م�صائد الفئران كانت كثيرة بحيث أ�عطت انطبا ًعا أ�ن هذا المكان‬ ‫يخ�ص مطاردي الفئران المخالفين لقانون الحماية الم�شهور!!‬ ‫‪135‬‬ ‫� ��‪ ���� ��:‬‏‪ �/‬‏‪��/‬‬ ‫‪Kalilah and Dimnah final.indd 135‬‬

‫ع�صابة م�شكاح‬ ‫التفت (رماح) نحو (م�شكاح) في ود وقال‪:‬‬ ‫‪ -‬والآن يا �صديقي ابتد أ� الجد‪ ..‬وها هي فر�صتك لكي تنفذ ما اتفقنا‬ ‫عليه‪ ..‬إ�ن هذا المكان ال�سري لا يعرفه إ�لا م�ساعدي المخل�صين وجذور‬ ‫التين تحجبه تما ًما عن أ�عين المتطفلين والب�صا�صين‪ ..‬فهو �إذن المكان‬ ‫المثالي الذي يمكن أ�ن تحتمي به أ�نت وع�صابة القطط التي �ستكونها يا‬ ‫(م�شكاح) لتبد أ� مهمتك الجديدة كما ين�ص اتفاقنا‪..‬‬ ‫كعادته لم يفهم عندما تفاجئه ا ألحداث وتت�سارع حوله‪ ..‬فقال في‬ ‫ده�شة وا�ستغراب يليقان بقط لم يفهم‪:‬‬ ‫ع�صابة؟‪� ..‬أية ع�صابة؟‪ ..‬هل �س�أكون ع�صابة من القطط؟ ولماذا؟‬ ‫لم يكن (رماح) على ا�ستعداد لابتلاع غ�ضبه �إزاء هذا الغباء ف�صاح‬ ‫به متعم ًدا �إظهار نف�سه أ��شد غ�ض ًبا‪:‬‬ ‫هل أ�نت غبي؟ �أم تتغابى؟ هل �أنقذتك من ال�شنق لتتراجع عما اتفقنا‬ ‫عليه؟‬ ‫رد القط ب�سرعة معتذ ًرا ل�سوء الفهم هذا؛ أ�نا لم أ�تراجع عن اتفاقنا‪..‬‬ ‫على العك�س �أنا متفهم له غاية الفهم‪ ..‬ولكني حتى ا آلن لم أ�عرف ما هو‬ ‫المطلوب مني؟ ا ألمور تجري ب�سرعة و�أعجز عن ملاحقتها ف أ�رجوك‪..‬‬ ‫واحدة‪ ..‬واحدة‪ ..‬حتى أ��ستوعب الموقف‪.‬‬ ‫قال (رماح) في �سخرية‪:‬‬ ‫كنت أ�ظن أ�نك �أكثر ذكاء ولذا اخترتك بعد ملاحظة �شديدة من بين‬ ‫ع�شرات القطط ال�سجينة‪� ..‬إنني �أتعجب كيف كانت الفئران تخاف منكم‬ ‫إ�ذا كان الباقون مثلك يمتلكون هذا القدر ال�شائن من الغباء‪.‬‬ ‫أ�ح�س القط ألول مرة بالإهانة‪ ..‬فزمجر وك�شر وبد أ�ت تنتابه نوبة‬ ‫غ�ضب‪..‬والعجيب�أن(رماح)�سرلذلكووقفم�شج ًعاينتظرانفجارغ�ضبه‪.‬‬ ‫هيا ت�شجع‪ ..‬اغ�ضب لكرامتك‪� ..‬ألا تح�س با إلهانة ألن ف أ� ًرا مثلي‬ ‫�أهان بني جن�سك‪ ..‬هه‪ ..‬ل�ست ا آلن في ال�سجن ول�ست أ�نا ف�أ ًرا ر�سمي‪..‬‬ ‫�إنك الآن قط حر و أ�نا ف�أر لا �أكثر‪ ..‬هيا‪ ..‬إ�نني أ�تهمك بالغباء‪ ..‬وهي‬ ‫تهمة كادوا يقطعون رقبتك ألنك اتهمت بها (القانون) الذي �أ�صدره‬ ‫المرعب‪� ..‬أنها تهمة حقيرة‪ ..‬فافعل �شيئا لتدافع به عن كرامتك‪.‬‬ ‫‪136‬‬ ‫‪Kalilah and Dimnah final.indd 136‬‬ ‫� ��‪ ���� ��:‬‏‪/�/‬‏��‬

‫لم ت�ؤت كلمات (رماح) المثيرة إ�لا برد فعل عك�سي‪ ..‬فقد ذهب‬ ‫غ�ضب (م�شكاح) تما ًما‪ ..‬ووقف منده�ًشا يتابع الف أ�ر وهو ي�ستثير غ�ضبه في‬ ‫هدوء‪ ..‬وعدم فهم‪ ..‬وهو يت�ساءل؛ لماذا تريد ا�ستفزازي‪ ..‬لقد وعدت‬ ‫ب أ�لا �أفتر�سك حتى لو أ�تيحت لي الفر�صة‪� ..‬أنا لا �آكل أ��صدقائي‪ ..‬فا�سترح‬ ‫أ�نت واهد�أ وحاول �أن ت�شرح لي ما هو المطلوب مني ألنفذه فو ًرا‪..‬‬ ‫بلع (رماح) انفعالاته وقال في هدوء‪:‬‬ ‫أ�ريدك �أن تكون ع�صابة من القطط ال�شر�سة الغا�ضبة‪ ..‬تزلزل‬ ‫�أمان الفئران وتهز �أمن الغابة‪ ..‬وتدك �أ�سا�سات ومبررات ذلك القانون‬ ‫الغبي الذي يمنع �صيد الفئران‪.‬‬ ‫قال (م�شكاح)‪:‬‬ ‫�أتريدني وتحر�ضني على مخالفة القانون و�أنت �أحد حرا�سه يا‬ ‫(رماح)؟‬ ‫تمالك (رماح) نف�سه وبلع ب�صعوبة وقال‪:‬‬ ‫�أنت بهروبك يا �أبله خالفت القانون بالفعل‪ ..‬و�أ�صبح حكم الإعدام‬ ‫الذي ينتظرك لأكل لحوم الفئران حكمين لا حك ًما واح ًدا‪ ..‬و�ست�شنق‬ ‫مرتين �أ�شدهما ب�سبب هروبك و�سيكون ذلك بمجرد القب�ض عليك وبدون‬ ‫محاكمة ألنك لم تثق في عدالة ا إلمبراطور أ�مام التهمة الأولى وعمدت‬ ‫إ�لى الهرب‪ ..‬أ�ي �أنك �سوف ت�شنق‪ ..‬فما الذي ي�ضيرك من تكوين‬ ‫ع�صابة ل�صيد الفئران؟‬ ‫وك�أنما لم يفهم (م�شكاح) �شي ًئا فعاودته حالة الغباء وقال‪:‬‬ ‫‪ -‬وما فائدة ذلك؟‪ ..‬إ�ن �صيد الفئران محرم نفذ �صبر (رماح)‬ ‫وقال‪:‬‬ ‫�أعرف أ�يها الغبي! �صيد الفئران محرم‪ ..‬و�أنا ف�أر و أ�دعوك ل�صيد‬ ‫بني ع�شيرتي‪ ..‬نعم أ�ريد �أن تكون ع�صابة �شر�سة مخالفة للقانون لكي‬ ‫ت�صيدوا كل ف�أر يقع عليه ب�صركم‪ ..‬وهو أ�مر �سهل ألنهم موجودون في‬ ‫كل مكان ك�سالى و أ�غبياء ولحمهم �صار الطبق المف�ضل على كل الموائد‪.‬‬ ‫قال (م�شكاح)‪:‬‬ ‫‪ -‬أ�عرف ذلك‪ ..‬ولماذا نتعب أ�نف�سنا �إذا كان لحمها متوف ًرا‪ ..‬لماذا‬ ‫نكون ع�صابة ونتعب �أنف�سنا بالمخالفة للقانون‪..‬‬ ‫هنا ا�شتد الي�أ�س بـ (رماح)‪ ..‬و أ�ح�س �أنه لا �سبيل لإفهام هذا القط‬ ‫‪137‬‬ ‫‪Kalilah and Dimnah final.indd 137‬‬ ‫� ��‪ ���� ��:‬‏‪ �/‬‏‪��/‬‬

‫الغبي‪ ..‬ف�صاح �صيحة غا�ضبة‪ ..‬فامتلأ المكان عن آ�خره بالحر�س‪..‬‬ ‫ان�شقت عنهم الجذور المتكاثفة �شاهرين �أ�سلحتهم ومخالبهم‪..‬‬ ‫و�صاح (رماح)‪:‬‬ ‫‪ -‬خذوه‪� ..‬أعيدوه �إلى ال�سجن‪ ..‬إ�ن أ�مثاله من الهاربين الأغبياء‬ ‫لا ي�ستحقون إ�لا ال�شنق على الفور‪ ..‬هيا‪..‬‬ ‫انهار (م�شكاح) تما ًما و�سقط على ركبته باك ًيا مت�ضر ًعا ي�ستعطف‬ ‫(رماح) �ألا يعيده �إلى ال�سجن‪ ..‬طال ًبا منه بع�ض ال�صبر حتى يفهم‬ ‫و�سيجده عند ح�سن ظنه‪ ..‬أ��شار (رماح) للحر�س فتراجعوا بانتظام‬ ‫واختفوا ومد يده إ�لى القط و أ�عانه على النهو�ض وهو يطيب خاطره‪..‬‬ ‫بكى (م�شكاح) وهو يعتذر �إليه ب�شدة لأن الغباء يتملكه عندما يجوع‬ ‫فلا ي�ستطيع ا�ستيعاب ا ألفكار الهامة‪ ..‬ألن �صراخ معدته يغلق منافذ‬ ‫الفهم في عقله‪..‬‬ ‫و�أبدى الف�أر تفه ًما ألنه يعرف ذلك عنه‪ ..‬ف�أ�صدر �صو ًتا خا ً�صا‬ ‫فانفجرت جذور التين البنغالي عن �أربعة حرا�س يحملون مائدة عامرة‬ ‫ب�ألوان عديدة من الطعام المف�ضل لديه والم�صنوع من لحوم فئران‬ ‫طازجة‪ ..‬و�ضعوها أ�مام القط وتراجعوا �إلى مكانهم‪..‬‬ ‫تردد (م�شكاح) قليلاً وقد ات�سع منخاريه �شو ًقا وا�شتيا ًقا للرائحة‬ ‫ال�شهية ولم يجر�ؤ على التقدم نحوها على الفور ف أ�خذ يت�شمم الهواء محاو ًال‬ ‫�إبعاد أ�فكاره منتظ ًرا ا إلذن له بالأكل‪..‬‬ ‫وتركه (رماح) ليتعذب قليلاً حتى بد�أ الف�شل في التظاهر بالتما�سك‬ ‫يبدو عليه ف�سمح له فانق�ض عليها انق�ضا�ض الن�سر على ف�أر مذعور!‬ ‫ما أ�ن ابتلع عدة لقيمات كبيرة حتى �سكتت آ�هات معدته وابتد�أت‬ ‫نوافذ الفهم في عقلة تتفتح قليلاً قليلاً وبدا عليه الا�ستعداد للفهم‪..‬‬ ‫فاقترب (رماح) وجل�س بجواره وابتد�أ يحكي له كمن يتلو على طفل‬ ‫على و�شك النوم حكاية م�شوقة‪ ..‬قال (رماح)‪:‬‬ ‫‪� -‬س أ�عيد عليك ما �سبق أ�ن رويته لك من البداية فحاول �أن تركز‬ ‫لأنها �ستكون �آخر مرة أ�حكي لك فيها من البداية عن م�أ�ساتنا التي ت�ضطرنا‬ ‫للتعامل معك بهذا ال�صبر‪ ..‬و ألن تكرار ما قلت �سيخل ببناء الرواية‬ ‫التي يكتبها الم ؤ�لف عنا‪ ..‬و�صحيح �أن التكرار يعلم الحمار حتى لو كان‬ ‫ق ًطا‪ ..‬ولكن ما ذنب القراء؟ المهم‪ ..‬أ�نت تعرف أ�ن (المده�ش أ�بو لبدة)‬ ‫‪138‬‬ ‫‪Kalilah and Dimnah final.indd 138‬‬ ‫� ��‪/���� ��:‬‏� ‏‪��/‬‬

‫حرم مهنة �صيد الفئران إ�كرا ًما لذلك الف�أر الغبي الذي أ�نقذ حياته عندما‬ ‫وقع في �شباك الفخ اللعين ذات يوم ب�أن قر�ض الحبال‪ ،‬فجلب بفعلته‬ ‫العار على جن�س الفئران‪.‬‬ ‫و�ست�س أ�لني طب ًعا كما يفعلون في الحكايات الكلا�سيكية عن‬ ‫الحيوانات‪ ..‬كيف كان ذلك؟! �أقول لك‪ ..‬لم تعد الفئران كما كانوا‪..‬‬ ‫حذرين ن�شطين يفهمون كل إ��شارة خطر وي�ستجيبون لكل دافع للحياة‪..‬‬ ‫لم يعودوا يدربون أ�نف�سهم ولا أ�ولادهم على التعلق بحبال النجاة‪..‬‬ ‫من الم أ�زق والأخطار ولم يعودوا يلقنونهم درو�س الحكمة في الحذر‬ ‫وال�صبر وفنون التخفي والهرب مما كان ي�شحذ خيالهم وينمي فنونهم‬ ‫مثلما كانوا يفعلون ومثلما كان حالهم حتى ذلك اليوم الم�ش�ؤوم الذي‬ ‫�صاروا فيه �آمنين ي�شغلون أ�رقى المنا�صب والمراتب في العرين فركنوا‬ ‫إ�لى الك�سل والرخاوة‪ ..‬حتى �سمنوا فلم يعودوا ي�صلحون ل�شيء �سوي‬ ‫الأكل وتزيين كل الموائد‪..‬‬ ‫و أ�نت بنف�سك لم�ست �أننا نحن الفئران عندما نريد أ�ن نكرمك نقدم لك‬ ‫لحم الفئران‪ ..‬هل هذا عدل يا (م�شكاح)‪ ..‬هل هذه حياة تليق بالفئران!‬ ‫كان (رماح) يحكي وقد زاد انفعاله مما �أثر ب�شدة في وجدان وعقل‬ ‫القط المندمج في التهام لحم الفئران فعبر بكل حركة ممكنة لا تعطله عن‬ ‫الم�ضغ والبلع عن فهمه للموقف وا�ستيعابه ل ألمر‪..‬‬ ‫وا�ستمر (رماح) يقول وقد ذاد انفعاله كلما ت أ�كد أ�ن القط بد أ� في تفهم‬ ‫الموقف‪:‬‬ ‫‪ -‬لا تخذلني يا (م�شكاح)‪� ..‬أريدك �أن تعيد الفئران إ�لى �صوابهم و أ�ن‬ ‫ترد لهم عقولهم‪� ..‬أريدك �أن ت�شن مع ع�صابتك حر ًبا �شعواء تحرمهم‬ ‫من الأمان وتدفعهم إ�لى تذكر ما�ضيهم المليء بالحركة وا إلبداع‪..‬‬ ‫�أريدهم فرائ�س �صعبة تقاوم عندما تطارد وترد الهجوم قدر ا�ستطاعتها‬ ‫لا أ�ريدهم �أن يظلوا �صي ًدا �سهلاً وطعا ًما على كل الموائد‪..‬‬ ‫ارحمني يا (م�شكاح)‪ ..‬ف�أنت لا تعرف مقدار م�أ�ساتي ‪.‬‬ ‫‪139‬‬ ‫� ��‪ ���� ��:‬‏‪/�/‬‏��‬ ‫‪Kalilah and Dimnah final.indd 139‬‬

‫قناع القردة‬ ‫انتهي (م�شكاح) من طعامه وبدا عليه الفهم التام لكل ما قاله (رماح)‬ ‫الذي كان الانفعال قد بلغ به مبل ًغا كبي ًرا وهو يكمل �شرح م�أ�ساته‪:‬‬ ‫‪ -‬لعلك الآن تدرك �سر اهتمامي �شخ�ص ًيا بهذا الأمر‪ ..‬ألنني‬ ‫أ�نا الذي جلبت العار على بني جن�سي‪ ..‬و أ�نا ال�سبب في �إ�صدار ذلك‬ ‫القانون‪ ،‬ولو كنت أ�عرف ما �سيجره إ�نقاذي للمرعب من الأ�سر على‬ ‫بني جلدتي لتركته ي�صبح لاع ًبا في �سيرك أ�و �أ�سي ًرا في حديقة حيوانات‪..‬‬ ‫�إنني أ�تعذب يا (م�شكاح)‪ ..‬لقد ا�ستمر�أ الفئران حياة ا ألمان‬ ‫فتحولوا لفرائ�س �سهلة غير �شرعية هل ت�صدق‪ ..‬إ�ن بع�ض الأرانب‬ ‫الار�ستقراطية‪ ..‬ت�أكل لحم فئران م�صنع على هيئة �أعواد بر�سيم‬ ‫خ�ضراء؟ أ�ت�صدق؟‬ ‫وانخرط (رماح) في بكاء م�ؤلم عندما و�صل إ�لى هذا الموقف‬ ‫المحزن الذي أ�غاظ (م�شكاح) نف�سه‪ ..‬أ�ن ت�صبح الفئران طب ًعا على موائد‬ ‫الأرانب‪ ..‬إ�ن هذا كثير‪ ..‬كثير‪..‬‬ ‫ا�ستعاد (م�شكاح) كل لياقته البدنية والعقلية بعد أ�ن �أتى على كل ما‬ ‫على المائدة من أ�طباق �شهية‪ ..‬فربت على كتف الف�أر في حنان حقيقي‬ ‫ون�صحه أ�ن يم�سح دموعه و أ�ن يتما�سك حتى لا يراه أ�حد أ�تباعه في لحظة‬ ‫�ضعفه هذه فيفقد احترامه له‪ ..‬و أ�ق�سم له بحق ما بينهما من �صداقة أ�نه‬ ‫�سينفذ كل طلباته‪ ..‬و�سوف يحيل حياة الفئران �إلى جحيم ليرفع عنهم‬ ‫ذل الحياة الناعمة الك�سول التي حولتهم �إلى فرائ�س �سهلة غبية حتى‬ ‫ل ألرانب‪ ..‬و�صافحه (رماح) مود ًعا وهو ي�شد على يده في حما�س وود‬ ‫متمن ًيا له النجاح في مهمته وهو يقول‪:‬‬ ‫‪ -‬لديك هنا كل ما يلزمك من �أ�سلحة و�أدوات ونقود تكفي لتدريب‬ ‫جي�ش كامل من القطط فابد�أ على الفور‪ ..‬ولن �أن�سى �أب ًدا هذا المعروف‪..‬‬ ‫ولن ين�ساه ال�شرفاء من جن�س الفئران‪� ..‬إن كل ما �سترتكبه من أ�عمال‬ ‫فظيعة �سوف ترفع الذل عن جن�س الفئران وتعيد أ�جيالنا �إلى الحياة ال�صعبة‬ ‫التي فطرونا عليها‪ ..‬هيا‪ ..‬و�سوف تجد مني كل م�ساندة ممكنة‪..‬‬ ‫قال هذا وتركه واختفى بين جذور �شجرة التين المت�شابكة بينما فرك‬ ‫(م�شكاح) كفيه وهو يت أ�مل ذلك المكان المح�صن الرائع ويفكر في بداية‬ ‫�صارخة ليعلن بها الحرب على الفئران كي يعيد لهم كرامتهم ال�ضائعة‪.‬‬ ‫(المذبحة) هكذا �صدرت �صحيفة الموز الا�ستوائي يت�صدرها هذا‬ ‫‪140‬‬ ‫‪Kalilah and Dimnah final.indd 140‬‬ ‫� ��‪ ���� ��:‬‏‪/�/‬‏��‬

‫المان�شيت المثير ألن �أحد محرريها كان مدع ًوا لحفل عيد الميلاد الذي كانت‬ ‫تقيمه �إحدى عائلات الفئران الر�سمية لع�شرين من �صغارها ولدوا في‬ ‫�ساعة واحدة بجوار بئر ا ألمنيات‪ ،‬التي تتو�سط الم�سافة بين حي ا ألرانب‬ ‫و�ضاحية الفهود‪ ..‬و�شاهد المحرر بنف�سه ور�صد الحادث الرهيب‪..‬‬ ‫الذي اندفعت فيه تلك الوحو�ش الغريبة التي ت�شبه القطط و�إن كانت‬ ‫ترتدي �أقنعة ت�شبه ر�ؤو�س القردة مقتحمة حفلاً فحطمت روعة المو�سيقى‬ ‫وقلبت ال�ضحكات �إلى �صرخات فزع ورعب و أ��ضاف المحرر‪:‬‬ ‫�إن المهاجمين لم ت�أخذهم �شفقة أ�و رحمة ب أ�حد‪ ،‬ويبدو �أنهم مدربين‬ ‫تدري ًبا راق ًيا على أ��صول وقواعد مهنة �صيد الفئران المحرمة مما أ�ثار‬ ‫ده�شة الجميع‪ ،‬و�شل تفكيرهم خا�صة بعد أ�ن كانوا قد ظنوا �أنها اندثرت‬ ‫و أ��صبحت من المهن المنقر�ضة بف�ضل قوانين التجريم الم�شهورة‪..‬‬ ‫وقد بدت جموع الفئران في الحفل عاجزة وبلا حيلة‪ ..‬وتلك‬ ‫(الوحو�ش) تنق�ض عليها فتحيل �سعادتها حز ًنا وغناءها �صرا ًخا م�ؤل ًما‪..‬‬ ‫وي�ستمر المحرر في الت أ�كيد‪..‬‬ ‫(�إن الوحو�ش لم تتعر�ض له ب أ�دنى أ�ذى لأنها على ما يبدو قد‬ ‫لاحظت أ�قلام الب�سط التي يحملها و�أوراق الموز التي ي�سجل عليها‬ ‫تفا�صيل ما جرى ويبدو أ�نها كانت تريد من ا إلعلام أ�ن يحكي بقوة عن‬ ‫الحادث‪ ..‬وتعرف أ�ن جريدته بالذات هي �أو�سع جرائد الغابة انت�شا ًرا‬ ‫وبذلك تنت�شر �أخبار مذبحتهم التهديدية ب�سرعة وك أ�نها تريد تحدي الغابة‬ ‫وقوانينها وتعلن م�س�ؤوليتها المبا�شرة عن الحادث الجلل)‪.‬‬ ‫ا�شتد غ�ضب المرعب (�أبو لبدة المده�ش) عندما و�صلته أ�نباء الهجوم‬ ‫الغادر على حفل عيد الميلاد الفئراني‪ ..‬وعقد مجل�سه الا�ست�شاري ب�سرعة‬ ‫لمواجهة الموقف ولكن �صديقه الف أ�ر (رماح) عندما طلب منه باعتباره‬ ‫ممثلاً لجن�س الفئران في المجل�س �أن يبدي ر�أيه‪ ..‬فاج أ�هم ب�أنه يعتبر‬ ‫الحادث حاد ًثا فرد ًيا ولا يجب الاهتمام الزائد به فهو مجرد جريمة‬ ‫لمجموعة من الحيوانات ال�سكارى بدليل ارتدائهم لأقنعة م�ضحكة عند‬ ‫هجومهم الغادر‪..‬‬ ‫ولما كان المرعب يثق فيه ثقة مطلقة‪ .‬ولأنه الف أ�ر الوحيد في المجل�س‪..‬‬ ‫فقد وافق المجل�س على تحويل المو�ضوع برمته �إليه و إ�لى لجنة ي�شكلها‬ ‫للتحري والبحث حتى يكون القرار قائ ًما على معلومات �صحيحة‪..‬‬ ‫‪141‬‬ ‫‪Kalilah and Dimnah final.indd 141‬‬ ‫� ��‪ ���� ��:‬‏‪/�/‬‏��‬

‫وفي الحقيقة أ�نه لج�أ إ�لى ذلك حتى يعطي الفر�صة ل�صديقه (م�شكاح)‬ ‫�أن يكفر فعلته دون مواجهة حقيقية حتى ت ؤ�تي الحوادث ثمارها‬ ‫المرجوة‪ ..‬لا على الإمبراطور ولكن على جن�س الفئران نف�سه الذي لا‬ ‫بد �أن (المذبحة) قد �أطلقت بينهم �صفارة إ�نذار �شديدة ومريرة؛‬ ‫وحتى لا يعوق تدخل ا إلمبراطور بقوة خطته أ�ن يذوق بنو جن�سه‬ ‫ب�شاعة الافترا�س الغادر ليعيد إ�ليهم قدراتهم الميتة على حماية �أنف�سهم‬ ‫ب�أنف�سهم‪ ..‬ولو كان ال�سبيل إ�لى ذلك تقديم المزيد من ال�ضحايا البلهاء‪..‬‬ ‫وكما توقع الف�أر على عك�س ما اقنع به المده�ش‪ ..‬هاجمت نف�س‬ ‫الع�صابة المجهولة حفل زفاف فئراني جماعي تعودت �إحدى العائلات‬ ‫الفئرانية ال�سابقة إ�قامته في موعد محدد كل عام على �شاطئ نهر الخيار‬ ‫لمن بلغ �سن الزواج من أ�فرادها‪..‬‬ ‫وبلغ بها الا�ستهتار والغباء �أنها لم تقم اعتبا ًرا للهجوم ال�سابق فكان‬ ‫ال�ضحايا �أكثر‪ ..‬وكان وقع الحادث أ�كبر‪ ..‬خا�صة وقد (ت�صادف) وجود‬ ‫نف�س المحرر ب�صحيفة الموز الا�ستوائي في ذلك الحفل‪ ..‬ففاز بال�سبق‬ ‫ال�صحفي للمرة الثانية وبيعت كل الن�سخ من �صحيفته و أ�عيد طبعها عدة‬ ‫مرات لي�صدر قرا ًرا من رئي�س تحريرها بترقيته وتعيينه رئي�ًسا لق�سم �أخبار‬ ‫المذابح الفئرانية الجماعية‪ ..‬الذي �أن�شئ ب�سرعة وزود بكل ا إلمكانات‪..‬‬ ‫وفي العرين كان الغ�ضب قد بلغ مداه‪ ..‬وز�أر المرعب زئير‬ ‫الخوف فهز أ�عماق �سكون الغابة‪ ..‬وزلزل �أمانها‪ ..‬فتوقع الجميع �ش ًرا‬ ‫م�ستطي ًرا‪..‬‬ ‫وا�ستدعى ا إلمبراطور �صديقة (رماح) على عجل وقبل أ�ن يطلب‬ ‫منه تف�سي ًرا قدم (رماح) له تقري ًرا مف�صلاً عن الخطر الداهم الذي‬ ‫تعر�ضت له الغابة و�ستظل تتعر�ض له‪ ..‬طالما ظل قانون تحريم �صيد‬ ‫الفئران قائ ًما‪ ..‬لأن كل ممنوع مرغوب ولأن كل الحوادث أ�ثبتت أ�ن‬ ‫ا ألمر يتعلق بالفئران دون غيرها‪ ..‬وك�شف التقرير عن طبيعة الع�صابة‬ ‫و أ�نها مكونة من عدد من القطط المتمردة على القانون نف�سه‪..‬‬ ‫‪ -‬لقد أ�ردت يا مولاي أ�ن أ�جنبك القلق‪ ..‬فكلفت خير م�ساعدي‬ ‫ب أ�ن يبحثوا ا ألمر من كل جوانبه‪ ..‬إ�ننا في ع�صر المعلومات ولم تكن‬ ‫لدينا المعلومات الكافية من قبل لن�صدر حك ًما‪� ..‬أما الآن فكل التفا�صيل‬ ‫معرو�ضة على جلالتكم وكلها ت ؤ�كد �سلامة وجهة نظركم وعمق حكمتكم‬ ‫‪142‬‬ ‫‪Kalilah and Dimnah final.indd 142‬‬ ‫� ��‪ ���� ��:‬‏‪ �/‬‏‪��/‬‬

‫التي �أ�صدرتم بها قانون حماية الفئران بتحريم مهنة �صيدهم‪ ..‬وهي‬ ‫�أي ً�ضا ت�ؤكد حكمتكم لو �أنكم بعد الاطلاع على هذا التقرير قررتم �إلغاء‬ ‫هذا القانون المخالف لطبيعة ا ألمور الحيوانية والم�ضاد لد�ستور الغابات‬ ‫الخالدة‪..‬‬ ‫كان (رماح) م ؤ�ث ًرا كعادته فا�ستحوذ على إ�عجاب الجميع بما فيهم‬ ‫ا إلمبراطورة‪ ..‬و أ�خذ ((�أبو لبدة المده�ش)) يقلب �أوراق التقرير ب�إمعان‬ ‫�أو تظاهر بذلك مبد ًيا بين لحظة و�أخرى علامات الإعجاب‪.‬‬ ‫ف�أمر بت�شكيل عدة لجان فنية لدرا�سة الموقف خا�صة و أ�ن الحوادث‬ ‫بد أ�ت ت�سري أ�نبا�ؤها من كل أ�نحاء الغابة‪..‬‬ ‫و أ�جمعت اللجان كلها على ما تو�صل إ�ليه التقرير ا ألول الذي حظي‬ ‫بموافقة ا إلمبراطور من أ�ن هذه الع�صابة �إنما هي �إفراز طبيعي لإلغاء‬ ‫مهنة �شريفة وتاريخية وهي مهنة �صيد الفئران التي تخ�ص�ص فيها القطط‬ ‫منذ الع�صور الأولى‪..‬‬ ‫و أ�لقى الف أ�ر (رماح) خطا ًبا تاريخ ًيا طالب فيه ‪-‬لا بتوفير الحماية‬ ‫للفئران‪ -‬ولكن برفعها عنهم لأن الطبيعي �أن يدافع كل حيوان عن نف�سه‬ ‫(هذا هو قانون الغابة الأزلي) ولكنه طالب بمهلة إلعادة تدريب ا ألجيال‬ ‫الجديدة من الفئران على فنون الدفاع عن النف�س‪ ..‬وختم خطابه بلهجة‬ ‫م�ؤثرة وهو يقول‪:‬‬ ‫‪� -‬إن عطفك يا مولاي المده�ش كان �شاملاً وعا ًما لدرجة أ�ن الفئران‬ ‫في ظله تكاثروا وانت�شروا و�سمنوا وارتقوا بطريقة لا تلائم مكانتهم‬ ‫التاريخية‪ ..‬في ال�شقوق والجحور ومجاري المياه ومن حقهم أ�ن ترفع‬ ‫عنهم حمايتك ليتمكنوا من مواجهة أ�عدائهم الذين من حقهم هم �أي ً�ضا �أن‬ ‫تكون لهم مهنة �شريفة كتبت عليهم منذ أ�يام الطوفان الكبير حيث كلف‬ ‫القط بمطاردة الف أ�ر حتى لا يترك له فر�صة لخرق ال�سفينة‪..‬‬ ‫وفي الوقت الذي بد أ�ت فيه تدريبات �شباب الفئران وت أ�هيلهم لمواجهة‬ ‫�شروط الحياة الجديدة‪ ..‬تم تدريب الكبار على ا�ستعادة لياقتهم لا�ستعادة‬ ‫نمط الحياة القديم لخو�ض ال�صراع التاريخي بين القطط والفئران الذي‬ ‫تعطل ق�س ًرا هاذت الكارثة‪..‬‬ ‫وبالتدريج ق ّلت هجمات ع�صابة القطط المدبرة التي قادها بجدارة‬ ‫القط (م�شكاح) وق ّل اهتمام �صحيفة الموز الا�ستوائي بها و إ�ن كانت قد‬ ‫‪143‬‬ ‫‪Kalilah and Dimnah final.indd 143‬‬ ‫� ��‪ ���� ��:‬‏‪/�/‬‏��‬

‫أ�فردت �صفحات جديدة للحوادث العادية التي انت�شرت ب�شكل طبيعي بين‬ ‫القطط والفئران‪..‬‬ ‫وتوارى الفئران معظم الوقت عن ا ألنظار وعادوا لل�سير في‬ ‫الظلام فا�شتدت حدة أ�ب�صارهم‪ ..‬وتعودوا ت�سلق الأماكن ال�صعبة فنمت‬ ‫ع�ضلاتهم وزال ترهلهم واحتلوا كما تعودوا كل أ�ركان الغابة المظلمة‬ ‫وحواف الجداول المعقدة الجذور‪.‬‬ ‫والغريب أ�ن �سعر لحوم الفئران ارتفع ارتفا ًعا جنون ًيا واحتكر‬ ‫بع�ض المجهولين الكبار �صناعة تعيلب لحم الفئران المتبل وبدون �أن يبدو‬ ‫الأمر مق�صو ًدا‪ ..‬دبر (رماح) لـ (م�شكاح) ورفاقه وظائف كبيرة في‬ ‫هذه الم�صانع‪ ..‬التي اكت�سبت �شهرة عالمية وك�سبت �أموا ًال طائلة‪.‬‬ ‫وهكذا عادت القطط لممار�سة حياتها الطبيعية دون خوف و�صدر‬ ‫عف ٌو عام على �أولئك الذين خالفوا القانون ال ُملغى وظهرت على �صدر‬ ‫�صحيفة الموز الا�ستوائي �صورة تاريخية نادرة للقط (م�شكاح) والف أ�ر‬ ‫(رماح) م�ستغرقين في �ضحك ٍة عميق ٍة ي�شاركهما فيها المرعب نف�سه‪..‬‬ ‫وهما يعلنان ت�أ�سي�س �شركة م�شتركة بين القط والف أ�ر لتوفير �أدوات �صيد‬ ‫الفئران ولمهمات الدفاع �ضد القطط كبداية لعودة الحياة الطبيعية‪ ،‬للحياة‬ ‫في الغابة‪ ..‬وكان تحت ال�صورة تعبير �ضاحك يقول فيه الف�أر (رماح)‬ ‫‪ -‬إ�نني أ��شهد لك بالبراعة‪ ..‬ولكن لن �أعطيك فر�صة ما لتذ ّوق‬ ‫لحمي‪ ..‬حتى ولو بد�أنا حر ًبا �شرعية عادلة‪ ..‬يكون �شاه ًدا علينا فيها‬ ‫حبيبنا و�إمبراطورنا المرعب (�أبو لبدة المده�ش)!! و�سي�صدقونني‪ ..‬فلا‬ ‫�ش أ�ن لك بنا‪..‬‬ ‫و�سكت طب ًعا‪ ..‬فلب�سب�س الحق في �أن يت�صرف بحرية‪ ..‬كل القطط‬ ‫لها الحق �أن تت�صرف بحرية‪ ..‬ولكنني �أعلن ب أ�على �صوت أ�نه لا �شان‬ ‫لي بهذا القط أ�و بحكاياته �صادقة كانت أ�م كاذبة‪ ..‬وهو وحده الم�س�ؤول‬ ‫عنها‪ ..‬و�أنتم طب ًعا إ�ن �صدقتم أ�ن هناك ق ًطا يمكن أ�ن ي�ؤلف حكايات‬ ‫حقيقة‪ ..‬فا�سمعوها أ�نتم منه‪� ..‬أما �أنا‪ ..‬فقد �سمعتها أ�لف مرة‪ ..‬ورغم‬ ‫ذلك �س أ��سمعها معكم للمرة ا ألولى بعد الألف‪..‬‬ ‫قال ب�سب�س‪:‬‬ ‫‪ -‬كان ياما كان‪ ..‬كنت في زم ٍن ما�ٍض بعيد �أعي�ش في الغابة‪..‬‬ ‫وكانت الغاب ُة مثلها مثل �أي غابة‪ ..‬وا�سع ًة �شا�سع ًة‪ ..‬كبيرة خ�ضراء فيها‬ ‫‪144‬‬ ‫‪Kalilah and Dimnah final.indd 144‬‬ ‫� ��‪ ���� ��:‬‏‪/�/‬‏��‬

‫أ��شجار من كل الأنواع وجميع الأ�شكال‪ ..‬العالية والق�صيرة وال�سميكة‬ ‫والرفيعة‪ ..‬القائمة والزاحفة‪� ..‬ألف �صنف ونوع‪ ..‬وفي تلك الغابة‪..‬‬ ‫مثلها مثل أ�ي غابة‪ ..‬كانت تعي�ش حيوانات من كل نوع‪� ..‬أنواع‬ ‫تعرفونها و أ�نواع لا تعرفونها‪ ..‬هناك القطط والكلاب والأرانب‬ ‫والأفيال‪ ..‬وال�سباع وال�ضباع‪ ..‬والقنافذ والقلا�شط والمفاجيع والمقا�شط‬ ‫والجرابيع وال�سيد ق�شطة‪ .‬حيوانات كثيرة‪ ..‬أ��شكال و أ�لوان‪..‬‬ ‫باخت�صار‪ ..‬كانت الغاب ُة مثلها مثل �أي غابة‪ ..‬غابة حقيقة‪..‬‬ ‫�ستقولون �إن مل َك الغابة كان �سب ًعا‪..‬لأ طب ًعا‪ ..‬لي�س هذا �صحي ًحا ففي‬ ‫�أيامي تلك كان ملك الغابة هو جدي العزيز العجوز‪ ..‬ب�سبو�س الأول!!‬ ‫أ�ت�ضحكون؟!‬ ‫لكم الحق‪ ..‬ف�أنتم تظنون �أن القط لا ي�صلح لحكم الغابة؟! ولكنكم‬ ‫مخطئون في ظنكم‪ ..‬و�صدقوني‪� ..‬أن أ�ي قط‪� ..‬أو �أي دب من �أي‬ ‫نوع‪ ..‬ي�ستطيع �أن ي�صبح مل ًكا على �أية غابة في الدنيا‪ ..‬فما بالكم وجدي‬ ‫هو ب�سبو�س �صاحب المواهب التي لا يمكن أ�ن تتوفر إ�لا لقلة من القطط‬ ‫في ع�صر واحد‪ ..‬حيث ي�شاء وحين ي�شاء‪ ..‬و�أكثر من ذلك كان ِمواء‬ ‫جدي �ساعة الغ�ضب يجعل كل الحيوانات تخاف أ�و على ا ألقل تتظاهر‬ ‫بالخوف خو ًفا من جدي‪ ..‬الفيل نف�سه كان يك� ّش من الخوف في�صبح‬ ‫ف أ� ًرا‪ ..‬وهذا ال�سر في وجود تلك الحيوانات التي ت�سمى قلا�شط وهي‬ ‫فئران لها زلومة‪ ..‬ما زلتم ت�ضحكون‪..‬‬ ‫على �أية حال‪� ..‬سواء كنتم ت�ضحكون معي �أو ت�ضحكون علي‪..‬‬ ‫فا�ضحكوا‪ ..‬الذنب لي�س ذنبكم‪ ..‬ولكنه ذنب تلك الكتب التي تقول‬ ‫دائ ًما‪ ..‬إ�ن ملك الغابة‪ ..‬لا بد أ�ن يكون أ��س ًدا‪ ..‬ولم تتوا�ضع مرة لتقول‬ ‫إ�ن القط يمكن �أن يكون مل ًكا على غابة‪..‬‬ ‫الكتب يا �أ�صدقائي كما أ�عتقد لا تثق في القطط‪ .‬وما دام قانون الغابة‬ ‫يقول في �أول مادة �إن ملك الغابة هو ال�سبع بالتحديد‪ ..‬ف َمن ي�ستطيع �أن‬ ‫يقول غير ذلك‪ ..‬ال�ِّسباع و�ضعت ذلك القانون وهي تحميه‪ ..‬ولكن‬ ‫جدي رغم ذلك‪ ..‬ورغم أ�ن أ�ح ًدا لم يكن يفكر في غير ذلك‪ ..‬ا�ستطاع‬ ‫أ�ن يثبت �أنه ي�ستطيع أ�ن يكون مل ًكا على الغابة‪ ..‬خل ًفا لل�سبع الذي كان‬ ‫يتولى عر�شها قبله وا�سمه (�سبع البرمبة)‪ ..‬وهو �سبع عجوز له لبدة‬ ‫فاخرة من النوع الغ�ضنفر‪..‬‬ ‫‪145‬‬ ‫‪Kalilah and Dimnah final.indd 145‬‬ ‫� ��‪ ���� ��:‬‏‪ �/‬‏‪��/‬‬

‫وكان ذلك ال�سبع قد حاز إ�عجاب الحيوانات وا�ستحق احترامها‪..‬‬ ‫فقد كان رهي ًبا عجي ًبا �شديد البط�ش والق�سوة له قب�ضة من حديد‪..‬‬ ‫كالحديد‪ ..‬وعندما كان يغلبة النوم ‪ -‬ولقد كان النوم هو ال�شيء الوحيد‬ ‫الذي ي�ستطيع �أن يغلبه‪ -‬ينام‪ ..‬ويترك �صوت �شخيره ي ؤ�كد للجميع �أنه‬ ‫يراهم وي�سمعهم‪ ..‬فكانت الحيوانات تكتم �أنفا�َسها وت�سير في حذ ٍر �شديد‬ ‫خ�شية إ�يقاظه‪ ..‬من النوم ‪.‬‬ ‫وفي يو ٍم من الأيام كان ا أل�سد نائ ًما �ساعة القيلولة بعد أ�كلة �سمينة‬ ‫التهم فيها كعادته ثلاثة ِخراف م�سكينة‪ .‬و�أثناء نومه حدثت أ�خطر حادثة‬ ‫يمكن �أن تحدث في غابة‪ ..‬وبد�أ مع هذه الحادثة وب�سببها مجد عائلتنا‪..‬‬ ‫ألنها كانت ال�سبب في تولي جدنا العظيم ب�سبو�س عر�ش الغابة‪ ..‬لا‬ ‫تتعجبوا‪ ..‬ولا ت�س أ�لوا‪..‬‬ ‫�س أ�حكي لكم‪ ..‬ف�أنا أ�حب �أن �أحكي‪..‬‬ ‫كان الأ�سد المرعب نائ ًما‪ ..‬وكانت الحيوانات من أ�كبر فيل حتى‬ ‫أ��صغر دودة أ�ر�ض نائمة �أو متظاهرة بالنوم‪ ..‬وكانت �أذن ال�سبع‬ ‫العظيم مفتوحة كعادته عند النوم حتى ت�سمع أ�قل هم�سة يمكن أ�ن يهم�س‬ ‫بها حيوان لجاره‪ ..‬وفج�أة‪..‬‬ ‫دفع الهواء بعو�ضه �صغيرة إ�لى فراغ �أذن الملك‪ ..‬وارتبكت‬ ‫البعو�ضة‪ ..‬فتخبطت بين �شعيرات الأذن الكثيفة وعز عليها الخلا�ص‪..‬‬ ‫وا�ستيقظ ال�سبع غا�ض ًبا‪ ..‬مزمج ًرا‪ ..‬وخافت البعو�ضة أ�كثر فاندفعت‬ ‫�إلى الداخل أ�كثر ف�أكثر‪ ..‬وال�سبع يحاول أ�ن ينالها بمخالبه تارة �أو بهز‬ ‫ر�أ�سه ب�شدة تارة �أخري‪ ..‬ولكن الكارثة كانت قد حدثت‪..‬‬ ‫وها هو ملك الغابة ي�صرخ من الألم والغ�ضب‪ ..‬وانقلبت الغابة‬ ‫ر�أ�ًسا على عقب‪ ..‬و�أطلق بروجي ا إلنذار الملكي بمعرفة أ�كبر ا ألفيال‬ ‫و�أعلنت الطوارئ وا�ستدعي الديوان الملكي من �سما�سرة ووكلاء‬ ‫�شركات المبيدات الح�شرية‪ ،‬أ�ن يعلنوا الحرب على الح�شرات‪� ..‬أو �ضد‬ ‫البعو�ض على ا ألقل‪..‬‬ ‫ولكن قبائل البعو�ض أ�علنت أ��سفها لما حدث وا�ستنكرت ما فعلته‬ ‫البعو�ضة واتهمتها بالحماقة‪ ..‬وعدم تقدير الم�س�ؤولية‪ ..‬هذا �إذا ثبت أ�نها‬ ‫فعلت ذلك متعمدة!‬ ‫وعلى العموم لم ي�ضيع �أحد وقته في بحث الدوافع لأن الكارثة‬ ‫‪146‬‬ ‫‪Kalilah and Dimnah final.indd 146‬‬ ‫� ��‪ ���� ��:‬‏‪/�/‬‏��‬

‫حدثت بالفعل والملك يعاني ا آلن آ�لا ًما رهيبة‪ ..‬هذا غير �إح�سا�سه العميق‬ ‫با إلهانة لتطاول البعو�ضة على ُحرمة �أذنه الملكية‪..‬‬ ‫ووجدها بع�ض الك ّتاب فر�صة لل�شهرة ولتملق الأ�سد المري�ض‪..‬‬ ‫فقام الكاتب المعروف (طيري �ألا طيري)‪ ،‬و(ع�صفور الجنة �أبو‬ ‫�شعيرة) م ؤ�لفا كتاب (غني يا ع�صافيري)‪ ..‬بت أ�ليف كتاب عن الحادثة‪..‬‬ ‫ا�سمه‪( ..‬ا ألوزان والعرو�ض في تاريخ جن�س البعو�ض)‪ ..‬كما �أن‬ ‫الناقد المعروف (م�أم أ� أ�بو �صوف)‪ ..‬أ��سرع بكتابة ع�شرات الم�شكلات في‬ ‫المدار�س ا ألميرية‪..‬‬ ‫وانطلق ع�شرات وع�شرات ممن يعرفون القراءة والكتابة بلغة‬ ‫الغابة يكتبون الكتب وي�ؤلفون المراجع عن تاريخ البعو�ض‪ ..‬وعن‬ ‫اليوم الموعود الذي ظهرت فيه ا أل�سود وعن ذلك اليوم الم�شهود الذي‬ ‫�سيذكره بالتاريخ‪ ..‬وعن الحوادث التي حدثت ل ألذن الملكية‪ ..‬عبر‬ ‫الع�صور‪..‬‬ ‫وجن جنون ا أل�سد ‪ ..‬فم�ضي يز أ�ر ويج أ�ر ويوجه �ضربات ع�شوائية‬ ‫هنا وهناك‪ ..‬وزاد هذا من عجز الحيوانات عن الت�صرف‪ ..‬لأنه كلما‬ ‫زاد �صراخه �ش ّلهم الخوف �أكثر‪ ..‬وكانت البعو�ضة تزداد خو ًفا ورع ًبا‬ ‫ولا تجر�ؤ على الخروج‪..‬‬ ‫و�إن كانت والحق يقال ف َّكرت في الت�سلل ولكن أ�ذن الملك‬ ‫الأ�سد كانت ف ًخا حقي ًقا وكه ًفا �شديد العمق فف�شلت في التقدم خطوة إ�لى‬ ‫الخارج‪ ..‬فا�ستولت عليها روح عدم تقدير الم�س�ؤولية وعرفت أ�نها ميتة‬ ‫في كل ا ألحوال‪ ..‬فبقيت حيث هي‪ ..‬بل وم�ضت تغني وترق�ص أ�غنية‬ ‫ورق�صة الانتحار التي يتقنها جن�س البعو�ض عندما يقترب من النار‪..‬‬ ‫والتي كثي ًرا ما ن�سمعها في ليالي ال�صيف بالقرب من م�صابيح الكهرباء‪..‬‬ ‫وطب ًعا زاد ذلك ا ألمور �سو ًءا‪ ..‬ألنها مع كل حركة كانت تزيد‬ ‫آ�لام الملك‪ ..‬فيزداد �صراخه وغ�ضبة‪ ..‬ويزداد ي�أ�سها من النجاة‪..‬‬ ‫فتندفع في الرق�ص والغناء أ�كثر‪ ..‬مما كان يجعل الملك الوقور يتلوى‬ ‫على ا ألر�ض أ�ل ًما‪ ..‬وغ�ضبا‪..‬‬ ‫أ��سد ها‬ ‫أ��صاب‬ ‫�شدي ًدا لما‬ ‫احلدزننيااً‬ ‫وفي الحقيقة‪ ..‬حزنت الحيوانات‬ ‫بطريقة‬ ‫حزنها‬ ‫تعبر عن‬ ‫وملكها‪ ..‬ولكنها مثل أ�ي حيوانات في‬ ‫حيوانية فكانت تتجمع في حلقات في الدروب وال�سفوح وعند �شاطئ‬ ‫‪147‬‬ ‫‪Kalilah and Dimnah final.indd 147‬‬ ‫� ��‪/���� ��:‬‏� ‏‪��/‬‬

‫النهر‪ ،‬وتدور حول بع�ضها‪ ،‬ثم ت�صرخ وتقفز فج�أة مولولة �صارخة‪.‬‬ ‫لكن الديوان الملكي وجد �أنها طريقة غير ح�ضارية ولا تليق بغابة‬ ‫متقدمة مثل غابتهم فعقدوا اجتما ًعا عاجلاً اختيرت فيه الببغاء لت�شرف‬ ‫�إ�شرا ًفا كل ًيا‪ ..‬على تنظيم حزن و أ�لم الحيوانات‪ ..‬حتى لا يتحول ا أل�سى‬ ‫الملكي �إلى فو�ضى‪ ..‬وحتى لا يتعار�ض مع فترات هياج و�صراخ‬ ‫الملك‪..‬‬ ‫كانت أ�يا ًما ع�صيبة!!‬ ‫إ�ذ اختلت الأمور في المملكة‪ ..‬وتوقف العمل في كل دواوين‬ ‫ومكاتب الغابة الحكومية‪ ..‬وتوقف �إعطاء �شهادات ميلاد للكتاكيت‬ ‫والأرانب والغزلان وت�سبب ذلك في التهام أ�عداد كبيرة منها �س ًّرا‪ ..‬كما‬ ‫زيفت �شهادات الوفاة و أ�وامر الافترا�س وكانت الأوراق ت�ستخدم عدة‬ ‫مرات بلا رقابة حقيقية‪ ..‬و أ�قفلت الم�ست�شفيات‪ ..‬ورف�ضت أ��سراب ( أ�بو‬ ‫قردان) إ�عطاء الحقن �أو معالجة الجروح‪..‬‬ ‫و أ�علنت أ�نه ما دام الملك الأ�سد جري ًحا فكل الجراح بعد جرحه لا‬ ‫ت�ستحق ال�شفاء‪ ..‬و�أنها لن تعالج �أح ًدا قبل أ�ن ي�شفى الملك‪ ..‬كما �أن‬ ‫الهداهد �أ�ضربت عن �إعطاء أ�ية �شهادات ر�سمية لل�سبب نف�سه‪ ..‬وتعطلت‬ ‫الحياة الر�سمية في الغابة‪..‬‬ ‫وا�ضطر الديوان الملكي أ�ن يعقد اجتما ًعا ها ًما آ�خر‪ ..‬لدرا�سة ا ألمر‬ ‫بعد كل هذه التطورات‪ ..‬و�ضم الاجتماع (تعلوب) و(تعليب) من �أبناء‬ ‫تعاليبو ‪ ..‬الم�ست�شار ال�سابق للملك‪ ..‬والذئب (�سرحان بولينياب)‪..‬‬ ‫حار�س الخزائن الملكية الجديد والكلب (دحروج دي لمعووج) مدير‬ ‫البوابة الملكية و(ماتو الأفوكاتو) الحمار العجوز المتحدث با�سم الملك‬ ‫الأ�سد في الهيئة العامة ل ألدغال و(دبدوب ال�سابع التابع) رئي�س الديوان‬ ‫الملكي‪ ..‬والفيل (جنزبيل أ�بو زلومة واحدة) قائد فرق الحر�س‪..‬‬ ‫و(ديك النهار) ر�سول الات�صال بمملكة الطيور والغراب (النوحي)‬ ‫حامل خاتم المملكة وب�شير الخير‪ ..‬و(مح�سوب القنفد المحبوب) الم�س ؤ�ول‬ ‫عن كل الأمور ال�شائكة‪..‬‬ ‫ثم حاملي ا ألو�سمة والنيا�شين الزهرية وكذلك ر�ؤ�ساء مجلات‬ ‫و�صحف الموز ا ألخ�ضر‪ ..‬و أ�كثر من ذلك �ضم الاجتماع (بولودان‬ ‫الجبان) آ�خر �سلالة (بولودان �أرنب ال�سهول)‪ ..‬وكان الجميع يعرفون‬ ‫‪148‬‬ ‫‪Kalilah and Dimnah final.indd 148‬‬ ‫� ��‪ ���� ��:‬‏‪/�/‬‏��‬

‫�أنه لا فائدة من ح�ضوره‪ ..‬ومع ذلك دعوه دعوة ر�سمية حر ً�صا على‬ ‫�أن يكون الاجتماع ممثلاً لكل الطوائف الحيوانية‪ ..‬وحتى لا تدعي �أي‬ ‫طائفة أ�و قبيلة حيوانية �أنها �صاحبة الف�ضل في حل الم�شكلة‪� ..‬إذا حلت‬ ‫الق�ضية �صدفة �أثناء الاجتماع ولم يعلم بذلك �أحد‪..‬‬ ‫وظل مجل�س الديوان الملكي ينعقد وينف�ض‪ ..‬ثم ينعقد لينف�ض‪..‬‬ ‫وارتفع ال�ضجيج والزعيق والنهيق أ�كثر من مرة وتكلم ع�شرات‬ ‫المخل�صين أ�كثر من مرة وفي وقت واحد‪..‬‬ ‫ومع ذلك ظلت الم�شكلة قائمة و�صراخ ا أل�سد ي�أتي إ�ليهم من بعيد‬ ‫أ��سو�أ مما كان‪ ..‬و�أخي ًرا و�صلوا لقرار حاز موافقة الجميع ور�ضاها ذلك‬ ‫ب أ�ن يظل المجل�س منعق ًدا ب�صفة دائمة حتى ُي�شفى الملك‪ ..‬على �أن ت�صرف‬ ‫المكاف�أة المقدرة كل �ساعة‪..‬‬ ‫وقدم الفيل اقترا ًحا ب أ�ن ي�ستعمل زلومته في �شفط البعو�ضة ح�سب‬ ‫نظرية تفريغ الهواء‪ ..‬ولكن مخ الملك كاد �أن يخرج حين حاول ذلك‬ ‫ولم تخرج البعو�ضة واتهم بع�ض الحا�ضرين الفيل ب�أنه يريد قتله لي�ستولي‬ ‫على العر�ش ب�صفته ولي العهد‪ ..‬و�ألقي به في ال�سجن فعلاً ‪ ..‬لولا‬ ‫تدخلت الملكة و أ�فرجت عنه‪..‬‬ ‫وفي إ�حدى نوبات الي أ��س ا�ستطاع �سما�سرة ووكلاء �شركات‬ ‫المبيدات تحري�ض دعاة الحرب في الغابة ف�أعلنت الحرب �ضد كل‬ ‫الح�شرات و�ضد جن�س البعو�ض بالذات‪ ..‬و�أريقت مئات ا آللاف من‬ ‫جالونات المبيدات‪ ..‬وراجت �سوقها وارتفع �سعرها‪ ..‬وانت�شرت عنها‬ ‫ا إلعلانات‪ ..‬ولكن كل ذلك كان بلا فائدة‪ !..‬بل وزاد أ�لم الملك الأ�سد‬ ‫ب�سبب �إح�سا�سه بالذنب حيال كل ح�شرة أ�و بعو�ضة تموت وهي تق�سم �أنه‬ ‫لا ذنب لها فيما حدث‪!..‬‬ ‫واقترح (ماتو الأفوكاتو) مفاو�ضة البعو�ضة وتنفيذ �شروطها إ�ن‬ ‫كانت ب�سيطة‪ ..‬ولكن البعو�ضة رف�ضت �أن تخرج ل�شدة خوفها وبدون‬ ‫أ�ن تفكر في ا ألمر جي ًدا طلبت من الفيل أ�ن ي أ�تي �إليها حيث هي ليفاو�ضها‪..‬‬ ‫ولم تكن البعو�ضة باقتراحها تق�صد أ�ن تجعل الأرنب (بولودان ال�صغير)‬ ‫ي�ضحك تلك ال�ضحكة ال�ساخرة ب�سبب خياله المري�ض‪..‬‬ ‫فقد تخيل ما يحدث لو أ�ن الفيل وافق بالفعل‪ ..‬ودخل �إليها‪ ..‬لذا‬ ‫�ضحك �ضحكة الموت التي كانت �ضحكة طويلة مجلجلة وماجنة و�ساد‬ ‫‪149‬‬ ‫‪Kalilah and Dimnah final.indd 149‬‬ ‫� ��‪/���� ��:‬‏� ‏‪��/‬‬


Like this book? You can publish your book online for free in a few minutes!
Create your own flipbook