له ،بد�أ ينمي لديه رغبة في الانتقام الخفيف لتنبيه ا إلمبراطور ،ومنعه من التمادي وخا�صة بعدما حدث في حفل عيد ميلاد ا إلمبراطور -الذي �أقامه في ال�سهل الممتد �أمام ذلك المنزل الذي ك�سبه في �سباق (تعاليبو) والحمار. يومها �سخر الإمبراطور -مرة أ�خرى -من (تعاليبو) علانية و أ�مام الجمع الكبير من �أ�صحاب المخالب وا ألنياب والنفوذ الذين ُدعوا من الغابة والغابات المجاورة لي�شاركوا (المده�ش) عيد مولده العظيم. كان الأ�سد يومها من غاية ال�سعادة وك أ�نه ولد لأول مرة ف أ�خذ يوزع مداعباته ونكاته على الجميع ..يلعب مع ال�صغار ويمزح مع الكبار ،ويلقي فكاهات �سخيفة لا ت�ضحك أ�ح ًدا -ينفجر لها الجميع �ضاحكين حتى طوب ا ألر�ض والجذور العمياء .ورغم اهتمام الجميع به ،ف�إن (تعاليبو) عندما و�صل ا�ستقبل بعا�صفة من الت�صفيق لمدة دقائق متوا�صلة ..مما جعل الإمبراطور يم�ضغ قلبه المرتجف غيرة وغ�ض ًبا لكنه ابت�سم ورحب به ودعاه �إلى الجلو�س �إلى جواره وهو يغلي!! وعندما بد�أ الرق�ص كان (تعاليبو) بخفة حركته و�أناقته المعهودة نجم الحفل بحق ،ف�سرق الأ�ضواء من ا إلمبراطور مرة �أخرى .وعندما ابتد أ� يرق�ص مع الماعز الجبلية البي�ضاء رق�صة علمتها له لأول مرة فلفتت معه ا ألنظار جميعها � -صاح الأ�سد في �صوت حانق �سمعته حتى جرذان المطبخ وال�سحالي جالبة الماء ..وهو يحاول الظهور وك�أنه يداعب �صديقه: -جميل؛ يا وزيري العزيز -جميل! ولكن لو كان ذيلك في جمال ذيل �صديقتك العنزة ومرفو ًعا مثلها لكان منظرك أ�جمل و�أروع.. و�ضحك ا إلمبراطور ،وطب ًعا �ضحك الجميع مجاراة له رغم �أن كثيرين قد �أح�سوا با إلهانة ..وعاد الإمبراطور يقول: أ�ر�أيت؟ �إنك تبت�سم لها من بين أ�نيابك ..ولكن تذكر أ�ن هناك قانو ًنا يمنعك من التهامها �أمامي ..فلا تدفعك خفتها إ�لى التفكير في فكرة خبيثة ..حذار يا (تعاليبو) فالعنزة �ضيفتي ولي�ست دجاجة زوجها مغفل! و�ضحك الأ�سد مرة �أخرى ..ف�ضحك البع�ض مجاراة ونفا ًقا.. ولكن الكثيرين ترددوا ألن الإمبراطور يذكر (تعاليبو) بالما�ضي الذي ن�سيه الجميع و أ�ح�س الإمبراطور �أنه ف�ضح غ�ضبه فا�ستدرك وقال: على كل حال �س�أ�سمح لك بالتهامها إ�ذا هي لم ت�ستطع �أن تعلمني رق�صتها الجديدة! 100 Kalilah and Dimnah final.indd 100 � ��/���� ��:� ��/
واعتبر الجميع هذا القول محاولة لإزالة �أثر ا إلهانة ال�سابقة ف�ضحكوا جمي ًعا مجاراة ل�ضحكة الإمبراطور حتى الثعلب �ضحك ..بالرغم من حرقة أ�نفا�سه التي كادت من �شدة غيظه أ�ن تحق ذقن العنزة.. وانتهت ال�سهرة؛ ولكن (تعاليبو) ظل �ساه ًرا يفكر فيما حدث وهو ي أ�كل �أظافره بعد أ�ن جعل منه ا أل�سد �أ�ضحوكة للجميع ،حتى (جنادب البوابة) و( فراخ غيط الحمار) ،ومتى؟ في حفل عيد ميلاده ،الذي جعله (تعاليبو) عي ًدا قوم ًيا للغابة و�أين؟ في بيت الحمار ،الذي ك�سبه (تعاليبو) له بجريه وتعبه ومكره. ولم يعد قلب (تعاليبو) مثلما كان ..فهو لم يعد مطمئ ًنا لر�ضاء ا إلمبراطور الذي قد يغدر به في �أي وقت ،كما غدر بالكثيرين ممن خدموه ب إ�خلا�ص وتذكر موت (بولينياب) لهفوة ب�سيطة ،وانتزاع بيت (الحمار كار) ل�شهوة عبيطة وقتل الثيران الثلاثة لفكرة حويطة. قرر (تعاليبو) أ�ن يكون أ�كثر حذ ًرا ،و أ�ن ي�شتغل لح�سابه قليل ًا حتى ي�ضمن�شي ًئاي�ستند�إليه،يوميقلبلها إلمبراطور�سحنتهفيطردهمنخدمته، وو�ضع خطة للانتقام البطيء عزم على �أن يبد أ�ها مع إ��شراقة �شم�س اليوم الأول من العام الجديد في حياة ا إلمبراطور (المده�ش �أبو لبدة). وما �أن أ��شرقت �شم�س ال�صباح حتى كان (تعاليبو) مرتد ًيا ثياب الريا�ضة ،واق ًفا في ن�شاط أ�مام �سرير ا إلمبراطور ،يداعبه ويوقظه ي�ستقبل عامه الجديد ال�سعيد ،و أ�خذ يدغدغه مته ًما �إياه بالك�سل والا�ست�سلام لل�سنوات قائلاً : -لا يا مولاي؟ لا ..لي�س هذا طبع ال�شباب! لا تترك أ�عداءك يتهمونك بالكبر وال�شيخوخة ،إ�ذا علموا �أنك تريد أ�ن تظل بفرا�شك حتى الظهيرة ..لا ..لا ..اثبت لهم �أن ال�شباب يبد أ� منذ اليوم و أ�نك مختلف عن كل الحيوانات ألن عمرك ينق�ص عا ًما كلما مر عام من حياتك، على العك�س منهم ،هيا هيا ..يا مليكي. و أ�قنع (تعاليبو) الأ�سد -وما �أ�سهل ذلك عليه -حتى قام و أ�فاق وقد دبت في عروقه فورة ال�شباب وروح المرح فارتدى ملاب�س اللعب والريا�ضة لي�شارك (تعاليبو) اللعبة الجديدة التي قال له �إنه ا�ستورد قواعدها من تقاليد الغابات ال�شمالية الغربية لتقوية أ�نياب ا أل�سود والأ�سماك علمها له �صديق من أ��سماك المن�شار يعي�ش في كهف ال�صخور النارية تحت الماء. 101 Kalilah and Dimnah final.indd 101 � �� ���� ��: �/��/
وما كان �أ�سهل أ�ن ي�صدق ا إلمبراطور فما أ�كثر ما كان يندفع �إلى ت�صديق كل ما يقوله (تعاليبو) فم�ضى معه م�سر ًعا في خطوات منتظمة قافزة راق�صة وهو يهتف� ..شمال يمين ..واحد اثنين ،حتى و�صلا �إلى �سفح الجبل ال�شرقي حيث �ساحة الألعاب المقامة على �أحدث طرز �ساحات ا أللعاب المعمول بها في الغابات ال�سويدية. و أ�خذ (تعاليبو) في ابت�سامة المدرب المحنك والمهرج الم�ضحك و إ�قناع ال�صديق المقرب ي�شرح لعبته لل�سبع المده�ش قائلاً ؛ -هذه اللعبة يا مولاي ا�سمها لعبة ((ام�سك معي الكرة الحجرية)) وطب ًعا لا بد �أن يم�سكها الواحد منا با أل�سنان حتى تعود الفائدة على ا أل�سنان بالذات. منا من ي�صعد �إلى أ�على الجبل ليختار كرة من ال�صخور النارية يقذفها بطريقة فنية �إلى أ��سفل وعلى الآخر أ�ن ي�ستقبلها ب أ��سنانه ..على �شرط �ألا يخطئوها و إ�لا احت�سبت نقطة �ضده -وهكذا والفائز هو من يجمع �أكبر عدد من النقاط! أ�ر�أيت؟ غاية في ال�سهولة!! �صاح ا إلمبراطور كالطفل المرح ال�صغير: -فهمت ..فهمت و�س�أبد أ� �أنا و�س�أغلبك ..فلا يمكن �أن ينهزم ( أ�بو لبدة) ..هيا ..ف�إن اللعبة قد ا�ستهوتني ج ًدا -بالإ�ضافة إ�لى �أن �شهيتي مفتوحة به�شتقة ( أ��سماك المن�شار ال�سفاحة) يا �صديقي ..وانطلق الإمبراطور ي�صعد الجبل ليبد�أ اللعب ..وبينما كان يختار �صخرة كروية �صالحة ،كان (تعاليبو) يبحث لنف�سه عن مخب�أ كروي �صالح ليحتمي فيه في اللحظة المنا�سبة. و�صاح ا أل�سد بعد �أن ا�ستعد بالكرة ال�صخرية مناد ًيا زميله؛ -هل �أنت م�ستعد يا (تعاليبو)؟ و�صرخ (تعاليبو) من أ��سفل وقد أ�ظهر نف�سه له فات ًحا فمه: -نعم يا مولاي ..عد حتى ثلاثة و أ�لق بها.. و�ألقى ا إلمبراطور بالكرة ال�صخرية ..فاندفعت تتدحرج مثيرة زوبعة من الغبار �أخفت الثعلب عن نظر ا أل�سد ،فانتهزها الثعلب فر�صة ولج أ� �إلى مخب�أه ا ألمين مبتع ًدا عن طريقها. وبعد أ�ن ا�ستقرت انطلق يم�سك بها بين أ��سنانه مظه ًرا نف�سه ل إلمبراطور ،طال ًبا احت�ساب نقطة لأنه تمكن من التقاطها ولم يرق ل أل�سد 102 Kalilah and Dimnah final.indd 102 � �� ���� ��: �/��/
أ�ن ي�سجل (تعاليبو) نقطة أ�و �أن ينجح في التقاط الكرة ،و�صمم على أ�ن يثبت أ�نه أ�قدر منه و أ�حق بت�سجيل نقطتين لا نقطة واحدة ..ف�أ�سرع يبادله مكانه وهو يقول: أ�نت لك نقطة ،فخذ كرة أ�كبر ألنني أ�ريد ت�سجيل نقطتين في كل مرة.. وطب ًعا كان على (تعاليبو) �أن ينفذ رغبة مولاه و أ�وامره فاختار كرة تليق بمقامه و أ�ر�سلها نحو فمه المفتوح على آ�خره هناك أ��سفل الجبل ،و�أخفى (تعاليبو) ابت�سامته وهو ي�شاهد إ�مبراطوره يبذل جهده لكي يثبت أ�نه �أقدر منه في ا إلم�ساك بالكرات الحجرية فاندفع لي�صطدم بالكرة ا�صطدا ًما ملك ًيا يليق ب�أ�سد لكنه ز أ�ر ز أ�رة تليق بما حدث له عندما ا�صطدمت بقمة �أنفه مبا�شرة ،وب�صعوبة �شديدة أ�خفى �ألمه ألنه لا يليق بالإمبراطور أ�ن يكون أ�قل من ثعلبه جل ًدا واحتمالا ،لكنه مهما فعل فلم يكن ي�ستطيع �أن يخفي تلك ((البالونة)) التي برزت في قمة �أنفه حمراء زرقاء م�ؤلمة تليق ب�أ�سد في لعبة الإم�ساك بالكرات الحجرية!! والحقيقة �أن هذه كانت بداية ،فعلى الرغم من �أن ا إلمبراطور ف�شل في اختلاق تبرير لظهور هذه الكرة ،وبالرغم من امتناع (تعاليبو) عن تقديم تف�سير ي�ساعد الملك في الإجابة على من ي�س أ�ل عنها ..إ�لا أ�نه �أظهر �شجاعة إ�مبراطورية في احتمال ا أللم و�إن كان قد ف�شل تما ًما في منعه من الانت�شار في ر�أ�سه فا�ضطر للاعتكاف �أيا ًما طويلة لم ي�سمح بمقابلته فيها إ�لا لأقرب المقربين من �أهل العرين. وم�ضى (تعاليبو) بطريقته ين�شر عد ًدا من ال�شائعات حول اعتكاف ا إلمبراطور وحول بالونة �أنفه المثيرة للت�سا ؤ�ل ،فقد قيل وانت�شر القول: إ�ن الإمبراطور �أ�صيب في معركة مع ا إلمبراطورة ولكن لا �أحد ي ؤ�كد ذلك �أو ينفيه .ومن يجر ؤ�؟! وقد قيل وانت�شر أ�ن الإمبراطور كان متوج ًها ألحد كهوفه ال�سرية ذات ليلة فوجد به وح�ًشا خراف ًيا ت�شع عينه في الظلام وله قرون مهولة وظلال فظيعة و�صوت رهيب و�أن الوح�ش نطحه نطحة قا�سية فانطلق مذعو ًرا حتى قابل الثعلب فو�صف له الوح�ش الذي نطحه ،ففهم الثعلب أ�ن الوح�ش المرعب لي�س �سوى عنزة تائهة ماكرة ا�ستغلت الظلام لتخيف ا إلمبراطور ..ولكن الإمبراطور رف�ض �أن ي�صدق الثعلب ،وكيف 103 Kalilah and Dimnah final.indd 103 � �� ���� ��: �/��/
ي�صدق ( أ�بو لبدة المده�ش) أ�نه خاف من عنزة� ،أو أ�ن عنزة هي التي تركت علامة مثل هذه فوق أ�نف ا أل�سد. -وقيل أ�ي ً�ضا وانت�شر أ�ن ظهور تلك ((البالونة)) الم�ؤلمة البارزة كالزلطة فوق مقدمة أ�نف الإمبراطور لي�ست �سوى نتيجة �سخرية �أحد الثعالب -من أ�بناء عمومة (تعاليبو) المتمردين من ا أل�سد عندما طارده ا ألخير وهو ي�سرق �أحد مخازنه.. وهي ق�صة طريفة لو �صحت لأ�صبحت نكتة ترويها أ�جيال بني الثعالب �سخرية من بني الرئبال. فالحكاية تقول إ�ن ا إلمبراطور �شاهد ثعل ًبا مت�شر ًدا ي�سرق ع�سلاً من إ�حدى خلايا النحل التي يملكها ،ولما هجم عليه ليم�سك به �سخر منه الثعلب وانطلق هار ًبا و�صمم الإمبراطور على مطاردة ذلك الثعلب المت�شرد بنف�سه: أ�و ًال لينتقم منه ب�سبب �سخريته ،وثان ًيا ليتخذ من ق�صته �سب ًبا لتوبيخ (تعاليبو) على �أفعال �أهله و�أبناء عمومته المت�شردين. فانطلق خلفه حتى عرف بيته ولكن الثعلب أ�فلت منه وتظاهر الأ�سد بالعودة والكف عن المطاردة ثم ا�ستدار ودخل بيت الثعلب وجل�س ينتظر عودته وهو يظن �أنها خدعة عظيمة �سترويها الأجيال .لكن الثعلب المت�شرد عندما عاد إ�لى بيته ر�أى آ�ثار ا أل�سد الداخلة �إليه ،ولم ير �آثار �أقدام خارجة منه ففهم الموقف وقرر ال�سخرية من ا إلمبراطور فنادى هام�ًسا لبع�ض الحيوانات والطيور ال�صغيرة لت�شهد ذلك الموقف الظريف الذي �أوقع ا إلمبراطور نف�سه فيه! ثم تقدم الثعلب من البيت و�صاح. م�ساء الخير يا بيتي العزيز ..لقد ا�شتقت �أليك كعادتي كل يوم فكيف حالك؟ وطب ًعا لم يرد البيت عليه ،فقال معات ًبا: لمِ َ لا ترد على يا بيتي العزيز لقد عدت �إليك مرة أ�خرى ..ولا بد أ�نك م�شتاق لي كما أ�نا م�شتاق �إليك.. ا�ستمر البيت �صام ًتا طب ًعا ،فالبيوت لا تتكلم ،لا بيوت الثعالب ولا بيوت الحواديت ..وكتم كل حيوان وطير هناك �أنفا�سه و�ضحكته ألنهم جمي ًعا �أدركوا ما يريده الثعلب الذي جعل �صوته حزي ًنا وقال: لماذا لا ترد على يا بيتي العزيز ..أ�لم تعجبك تحيتي� ..س�أزيدها من 104 Kalilah and Dimnah final.indd 104 � �� ���� ��: �/��/
�أجل خاطرك ..أ�لف م�ساء الخير وليكن نهارك وليلك �سعي ًدا ..ولكن لماذا لا ترد علي ..هل �أنت غا�ضب مني؟ كنت دائ ًما ترحب بي عندما أ�عود.. لا بد �أنك غا�ضب ولذلك �س أ�ذهب ألبيت في مكان آ�خر إ�ن لم ترد علي. ووقع ا إلمبراطور المرعب أ�بو لبدة في الفخ ك�أي �أحمق� ..شرب المقلب كاملاً ..وحاول بكل ما ي�ستطيع تقليد �صوت البيت ..وبالذات تقليد �صوت بيت الثعلب قدر إ�مكانه وقال: �أنا ل�ست غا�ض ًبا منك يا �صاحبي ..م�ساء الخير.. وطب ًعا انفجر الثعلب المت�شرد و�أ�صدقا ؤ�ه من الحيوانات والطيور ال�صغيرة في ال�ضحك لأن �صوت الأ�سد يظل دائ ًما ي�شبه �صوت ا أل�سد حتى عندما يحاول تقليد �صوت بيوت الثعالب و�صاح الثعلب المت�شرد �ساخ ًرا: -يا لك من إ�مبراطور غبي ..هل �صدقت ح ًقا أ�ن هناك بيو ًتا يمكن �أن تتكلم؟! وخرج ا أل�سد مزمج ًرا غا�ض ًبا يود تمزيق الثعلب ففوجئ بذلك الجمع الكبير من الحيوانات ال�صغيرة والطيور ي�ستقبله �ساخ ًرا ،فكاد يموت من الخجل لظهوره بمظهر الأحمق الغبي ..وم�ضى متعث ًرا بي نيله وهو يتلفت وراءه حتى ابتعد قليلاً ثم انطلق مهرو اًل فمحاو ًال الاختفاء فا�صطدم ب�شجرة �صلبة تركت علامة �سخريتها هي الأخرى على قمة أ�نفه. وقيل ..وقيل ..وقيل� ..شائعات وحكايات ..كانت ت�صل إ�لى أ��سماع الأ�سد المري�ض المت�ألم فيغلي من الغيظ والغ�ضب ،وهو يلعن اليوم الذي فكر فيه �أن ي�صبح بطلاً في لعبة الكرات الحجرية! 105 � �� ���� ��:/�/�� Kalilah and Dimnah final.indd 105
�سكين الأرنبة العجوز كان (تعاليبو) ي�ؤمن بالحكمة التي تقول: ما طار طير وارتفع �إلا كما طار وقع ..ولكنه للأ�سف كان يظن �أنها لا تنطبق إ�لا على الطيور ..ولم يفهم رغم ذكائه �أنها تنطبق �أي ً�ضا على الثعالب ..فظل حتى اللحظة ا ألخيرة ي ؤ�كد لنف�سه أ�نه ما من أ�حد في الغابة -حتى ا إلمبراطور نف�سه -ي�ستطيع أ�ن يقف في طريق عبقريته وذكائه.. ولكنه �أي ً�ضا كان من الدهاء ليفكر في نف�سه قليلاً وفي �ضرورة أ�ن ي ؤ�من م�ستقبله خو ًفا من غدر ِه مفاجئ ًة �أو غ�ضب ٍة مبا ِغته ..خا�صة بعد أ�ن ت أ�كد �أن ا إلمبراطور قد بد أ� ي�شك في م�س ؤ�وليته المبا�شرة عن موجة ال�شائعات وا إلهانات التي تتهام�س بها طيور اللقلق الثرثارة ،وقد لمح له ذات مرة �أن مثل هذه الحكايات لا يخترعها �إلا عقل ثعلب داهية. وبدا (تعاليبو) بالفعل في تنفيذ خطة طويلة المدى لتكوين ثروة؛ وخطة عاجلةلتهريبكلمات�ستطيعيداهالو�صول إ�ليهو�إخفائهبعي ًداعنا ألنظار. ولم يكن ا إلمبراطور من الغباء بحيث لا يح�س بذلك ..على العك�س لقد عرفه و�شجعه ألنه كان مت أ�ك ًدا من أ�ن (تعاليبو) (العفيف) �إذا بد�أ طريق البحث عن المال وجمعه وتهريبه ف�إنه لن يتوقف و�سيزداد ج�ش ًعا يو ًما بعد يوم و أ�ن زيادة ج�شعه �ستقل من حذره وت�ضعف من هيبته، وذلك لأنه �سوف يرتكب أ�عما ًال كثيرة تحط من �ش أ�نه ولن يتوقف حتى تنفجر بطنه من التخمة ،فمن ي�شرب من ماء البحر المالح لن يرتوي أ�ب ًدا! وبالفعل هذا ما حدث يا من تقر أ�ون هذه ال�سيرة الحيوانية التي عانيت ا ألمرين طوال ع�شر �سنوات �أو �أكثر في جمع وثائقها ودرا�سة مراجعها ،التي أ��صاب معظمها التلف ب�سبب ا ألهواء والتقلبات ال�سيا�سية وم ؤ�امرات �أ�صحاب الم�صالح والغرائز الحيوانية.. فكثير من رقائق قلف ا أل�شجار التي دونت عليها بوا�سطة طيور نقاري الخ�شب قد �أتلفت عم ًدا �أو تلفت بفعل الأمطار �أو النمل ا ألبي�ض أ�و الفطريات.. كما �أن كثي ًرا من دوريات مجلات الموز ا ألخ�ضر قد اختفت عم ًدا أ�و أ�خفيت أ�و �ضاعت �صدفة ..و�إذا كان من ال�صعب تتبع �سيرة إ�ن�سان على هذه الدرجة من الأهمية في �أية دولة ف إ�نه من ا ألمور ا ألكثر �صعوبة تتبع 106 Kalilah and Dimnah final.indd 106 � �� ���� ��:/�/��
�سيرة ثعلب له �صفات وقدرات ومكانة (تعاليبو) في �أية غابة. ف�أنت لات�ضمنبقاء أ�عدائه �أعداء أ�و أ��صدقائه �أ�صدقاء ولذلك فا ألحداث والروايات ت�ضطرب وتختلف وتت�ضارب وعلى الم ؤ�رخ وعالم التاريخ الحيواني ،أ�ن يخمن �أ�شيا ًء كثيرة و�أن يعيد ربط العلاقات ويجتهد في �صياغة المهو�ش وتو�ضيح الغام�ض وترتيب الم�ضطرب ،حتى يجد القارئ بين يديه في النهاية حكاية أ�و رواية م�سلية وممتعة وبها حكمة.. كانت هذه فكرتي لكتابة هذه ال�سيرة ولذلك كان تعبي �شدي ًدا؛ ولكن كتابة ق�صة حياة (تعاليبو) و�سيرته حتى ا آلن كما يقولون في قريتنا كانت كو ًما وكتابة الف�صل ا ألخير كانت كومين ..ألنه من ال�سهل أ�ن تعثر على وثائق وحكايات عن ثعلب ي�شق طريقه نحو قمة المجد وال�سلطة ،فهناك كتب كثيرة ودوريات و�أخبار و�صحف وبرقيات ور�سائل جامعية تتحدث عنه وتتخذ من حياته و أ�فعاله و�أقواله مادة للبحث وللت�أمل.. على عك�س ما قد تجده عن الثعلب نف�سه في بداية �أفول نجمه وتزايد ال�ساخرين منه وال�شامتين فيه ل�ضياع النفوذ .وتكاثر الأعداء الذين يريدون الانتقام لم�شاعر الغيرة التي أ�كلت قلوبهم منه أ�يام �سعده ومجده.. على كل حال ..ف�أنا قد لج أ�ت لبع�ض الخيال الق�ص�صي لمحاولة �صياغة ق�صة مقتله المفاجئ حتى تبدو منطقية ومت�صلة بق�صة حياته و أ�عماله.. م�ستعي ًنا ببع�ض الروايات الغام�ضة ومان�شتات ال�صحف المعادية.. وحكايات العجائز من �سلاحف الماء والبراري ،كذلك م�ستعي ًنا ب ُخراف ٍة �ساذجة كانت تحكيها لنا جدتنا العجوز التي لم تكن تكره في حياتها �شي ًئا قدر كراهيتها للثعالب .وكانت ت�صورها دائ ًما على �أنها ب�شر �سخطهم الله العظيم المنتقم ب�سبب أ�عمالهم ال�شريرة التي لم تترك طي ًرا أ�و حيوا ًنا أ�و ب�ش ًرا إ�لا و�سخرت منه و�سرقته دون أ�ن تفكر مرة واحدة في فعل �شيء طيب.. على كل حال لي�س هذا مجال تحليل عقد جدتي النف�سية أ�و محاولة بحث وتف�سير كراهيتها للثعالب ..فهذا �ش�أن المهمتين بالعلاقات بين الحيوان وا إلن�سان أ�ما نحن فما بقى لنا �سوى �أن نختتم هذه ال�سيرة العجيبة وا ألحداث الغريبة بما ا�ستطعنا الح�صول عليه والو�صول إ�ليه بكثير من البحث والتعب وقليل من الخيال. ذات �صباح عادي ك أ�ي �صباح عادي �آخر وعند �أحد المنحنيات الخفية لدرب من دروب الغابة المظلمة -وهو درب قريب من النهر 107 Kalilah and Dimnah final.indd 107 � ��/���� ��:� ��/
حيث تعي�ش وتتجمع في أ�وكار و أ�ع�شا�ش ع�شوائية وحفر فقيرة قبائل كثيرة العدد من الحيوانات والطيور ال�صغيرة ال�ضعيفة -وجدت جثة (تعاليبو) مذبوحة. وك�أنما تفجرت �ساعتها في الغابة قنبلة من العواء وال�صراخ والزعيق والزئير والنباح� ،إذ طارت الطيور ولم تهبط وهاجت الحيوانات ولم تهد�أ وقامت الدنيا ولم تقعد .كان الجميع يتحدثون دون أ�ن يهتم أ�حد ب�سماع أ�حد ،وكان الجميع يهرولون دون �أن يعرف أ�ي منهم إ�لى أ�ين يذهب ..كان حاد ًثا تاريخ ًيا رهي ًبا.. وقيل يومها كلام كثير حول مقتل (تعاليبو) ..قال البع�ض �إن جماعة من القطط قد خرجت عليه في الظلام فذبحته بعد أ�ن �ضربته �ضر ًبا مبر ًحا انتقاما منه ب�سبب تحريم �صيد الفئران عليهم �إلا بت�صريح ر�سمي.. وهم�س �آخرون �أنه اختلف مع بع�ض أ�بناء آ�وي من �أولاد عمومته حول توزيع �أرباح �أغرا�ض وم�صالح و أ�موال خا�صة به يديرها بع�ضهم في أ�مور وعمليات تجارية م�شبوهة. بينما �أكدت بع�ض الم�صادر الوا�سعة الاطلاع من طيور البوم �أن ا ألمر يتعلق بم�ؤامرة كان تدبر في �صمت �ضد ا إلمبراطور ولكن �شركاء الثعلب خافوا �أن يف�شي �سرهم كما فعل مع الدب والذئب من قبل فقرروا التخل�ص منه! ولكن هم�ًسا تناقلته الآذان ب�سرعة ي ؤ�كد �أن ا إلمبراطور نف�سه هو الذي قتل (تعاليبو) بعد أ�ن �ضاق ذر ًعا بال�شائعات التي ي ؤ�لفها عنه وين�شرها للنيل من مكانته وهو المده�ش المرعب. وقد لقي هذا التف�سير �صدى كبي ًرا بين الحيوانات والطيور ف�سرى بين أ��شجار الغابة و أ�ركانها ودروبها ال�سرية �سريان النار في اله�شيم ،لدرجة أ�ن مظاهر ًة من الثعالب المت�شردة والثعالب ال�صحراوية قامت تطالب بالانتقام لمقتل ال�شهيد الذي كان حتى الأم�س مكرو ًها منهم كراهية عمياء. ولكنبلا ًغار�سم ًياينعي(تعاليبوالعظيم)ويذكرهبالاحتراموالتقدي�س اللائق بذكرى الخادم ا ألول للعرين ا إلمبراطوري �صدر على الفور لي ؤ�كد الأ�سف الملكي لموته وليهدد بالعقاب الرادع كل من يتحدث في أ�مور تم�س �شرفه الثعلبي �أو ت�شكك في عمق علاقته بالعرين و أ�هله. 108 Kalilah and Dimnah final.indd 108 � �� ���� ��: �/��/
ثم انتهي البيان بفقره �شديدة الحزن وا أل�سف ب�سبب الانتحار المفاجئ للوزير ذي الذيل المنفو�ش والذكاء الباهر ..والذي حدث أل�سباب �شخ�صية تقت�ضي ظروف �أمن الغابة الداخلية والخارجية عدم الحديث عنها على الإطلاق.. و�آثرت الحيوانات كلها ال�سلامة والهم�س وك ّفت عن الحديث علانية في هذا ا ألمر الذي بدا وك أ�نه لم يعد يهمها في كثير أ�و قليل ..لكن هذا لم يكن �صحي ًحا و�إلا لما عرفنا نحن ق�صة الأرنبة العجوز التي قتلت الثعلب الذي لم يكن من النوع الذي يفكر في الانتحار تحت أ�ية ظروف. إ�حدى الوثائق تقول إ�ن تلك ا ألرنبة العجوز التي ت�سكن عند �شاطئ النهر هي نف�سها أ�رملة ذلك ا ألرنب الذي مزقه (تعاليبو) واقت�سمه مع الذئب في تلك الحفرة التي لج أ� �إليها الطابور الهارب رع ًبا من خطر وقوع ال�سماء على ا ألر�ض. ولكن وثيقة أ�خرى تبدو �أكثر دقة قالت �إنما هي زوجة (بولودان) �سائ�س ا إلمبراطور ال�شهيد -و إ�نها ب�سبب الظروف التي �أحاطت بمقتل زوجها كانت تح�صل على معا�ش ا�ستثنائي وتتمتع بحماية ملكية خا�صة؛ وذكرت روايات مختلفة كثيرة غير م ؤ�كدة عنها ،كان �أكثرها إ�معانا في الخيال �أنها تملك قد ًرا �سحر ًيا �أهدته لها إ�حدى جنيات النهر عندما �سمعت بكاءها على زوجها المقتول ور�أت وحدتها بعد رحيله. وقيل إ�ن ذلك ال ِقدر الم�سحور كان يمتلئ بالطعام على الفور كلما فرغ منه الطعام ولذلك كان بيت الأرنبة ا ألرملة العجوز يمتلئ دائ ًما بالطيور والحيواناتال�صغيرةالتيت�أتيمنكلمكانلتجدعندهادائ ًما�شي ًئات أ�كله.. وعلم (تعاليبو) ب أ�مر ذلك ال ِقدر ف�صمم على الح�صول عليه ب أ�ي ثمن ،فلو كان �صحي ًحا ما قيل عن قدرته العجيبة ف�إن (تعاليبو) �سي�ضمن عن طريقه و�سيلة دائمة للح�صول على ما يريد من فرائ�س لذيذة بدون أ�ي جهد في �صيدها �أو مطاردتها ألنها �ستنجذب ب�سبب الجوع إ�لى حيث يوجد القدر الممتلئ دائ ًما بالطعام. وقد حاول (تعاليبو) الح�صول على القدر بي ًعا و�شرا ًء ولكن ا ألرملة لم ت�ستجب إلغراءات الأموال التي عر�ضها ثم ًنا له ..بل �إنها حذرت ال�سم�سار الذي كان يتولى مفاو�ضتها من الحديث مرة أ�خرى عن مثل هذه الخرافات. 109 Kalilah and Dimnah final.indd 109 � �� ���� ��:/�/��
كما�أنهلميكني�ستطيعالح�صولعلىالقدراغت�صاباوعنوة ألنالأرنبة كانت تحت الحماية ا إلمبراطورية بو�صفها �أرملة ل�شهيد �إمبراطوري.. وكان لجو�ؤه إ�لى القوة يعني الا�صطدام المبا�شر با إلرادة الإمبراطورية وهذا لم يكن في �صالحه خا�صة في الأيام الأخيرة التي أ��صبحت فيها علاقته بالأ�سد تت�سم بالتوتر الخفي وعدم الر�ضاء الكامل. ولم تغب محاولات الثعلب هذه عن ا إلمبراطور فقد حدثه ذات ليلة �ساخ ًرا من تلك الخرافات ال�صبيانية التي تحكي عن قدور م�سحورة ،ثم ن�صحه محذ ًرا من حماقات التعر�ض ل ألرامل ف إ�ن ذلك لا يليق بوزير عبقري في بلاط (مده�ش) مثله. ولكن كل هذا لم ي�صرف (تعاليبو) عن التفكير في القدر �أو في الو�سيلة ال�ضرورية للح�صول عليه ..ولما ا�شتدت به الرغبة و�ضاقت به ال�سبل، توجه بنف�سه إ�لى الأرنبة يطلب منها التنازل عن القدر وليعر�ض عليها الح�صول على أ�ي �شيء تطلبه في المقابل .لكن الأرنبة ا�ستقبلته بجفاء يليق بقاتل زوجها وهددته ب�إبلاغ ا إلمبراطور إ�ن لم يبتعد عنها ويتركها في حالها؛ولكن (تعاليبو) ..لم يقبل أ�ن تخاطبه ا ألرنبة بهذه اللهجة و�أح�س في ذلك �إهانة لا يغ�سلها �إلا الدم .فهو ما يزال (تعاليبو) الذي لم يقف في طريقه �شخ�ص أ�و �شيء( ،تعاليبو) الذي �سخر من كل الحيوانات ومكر ب أ�عظمها قوة والذي ت�صدى ذات يوم للإمبراطور نف�سه وانت�صر عليه.. فهل تعاند معه أ�رنبة عجوز و أ�رملة وتجعله يكابد ويتعذب ب�سب فكرة الا�ستيلاء على القدر التي ت�سيطر على م�شاعره؟ ولذلك لم ي�ستطع أ�ن يكتم غيظه وغ�ضبه فقال ل ألرنبة العجوز وهو يفت�ش البيت دون �أن يجد �شي ًئا: -لا نتمادى أ�يتها ا ألرنبة العجوز التي لا ت�ساوي �شي ًئا �سوف أ�ح�ضر عند منت�صف الليل و�س أ�منحك فر�صة إلظهار القدر وت�سليمه لفر�صة أ�خيرة حتى منت�صف الليل ..وعندها لن يكون أ�مامك �سوى اختيار واحد.. القدر أ�و تلحقين بزوجك الغالي غير م�أ�سوف عليك.. وحاولت الأرنبة �أن تتكلم ولكنه �صاح بها أ�ن تخر�س وخرج غا�ض ًبا متوع ًدا ..وهو يغلي من الغيظ والانفعال .أ�خذت الأرنبة العجوز تدور في بيتها والحيرة تم أل قلبها ،ماذا تفعل؟� ..ألي�س هناك حيوان في هذه الغابة ي�ستطيع أ�ن يوقف هذا الظالم الخبيث عند حده؟ ..كادت تبكي 110 Kalilah and Dimnah final.indd 110 � �� ���� ��: �/��/
و أ�ح�ست أ�نها وحيدة بلا ن�صير أ�و �صديق ..واغرورقت عيناها بالدموع وهمت �إلى حيث تغ�سل وجهها فوقعت عيناها على �سكين مطبخها الكبيرة تلمع في الركن ،وك�أنها فكرة تبرق في الظلام؛ ووجدت الأرنبة نف�سها وقد دفعتها قوة �سحرية غام�ضة ناحية ال�سكين وقد جفت دموعها وهد�أ قلبها ووجدت نف�سها تم�سك بها ثم ..تبت�سم.. وما إ�ن �أم�سكت ال�سكين حتى أ�ح�ست براحة عظيمة وقوة خارقة.. و أ�ح�ست �أنها بحاجة للتحدث مع أ�ي حيوان �آخر ألن ا ألفكار في ر�أ�سها تدوي وتوتر قلبها يزيد انفعالها.. ف أ�خذت ال�سكين وخرجت إ�لى ال�شارع الخالي ..وجل�ست �أمام عتبة البيت ولما لم تجد �أح ًدا من جيرانها في هذه ال�ساعة التي يذهب فيها الجميع إ�لى العمل ..أ�ح�ضرتا حج ًرا وو�ضعته أ�مامها ..و�أخذت ت�سلي نف�سها ب�سن ال�سكين فوقها وهي تميل �أما ًما وخل ًفا مع حركة يديها بال�سكين فوق الحجر: �سويت�ش� ..سويت�ش.. �أخذ �صوت ال�سكين فوق الحجر يغنى في �صوت عال ..وفي لحن منغم جميل.. �سويت�ش� ..سويت�ش.. و�أعطاها ال�صوت ثقة أ�كبر و�أ�شاع ابت�سامة عر�ضة على وجهها.. فازداد حما�سها و�أخذت تغيرّ من النغمة طو اًل وق�ص ًرا وهدو ًءا و�سرعة وك�أنها تتغنى بها ،واقترب ع�صفور �أخ�ضر �صغير ..وقد جذب انتباهه ال�صوت الغريب الذي ي�سري بين الأ�شجار في �سكون الظهيرة.. -ماذا تفعلين يا �سيدتي ا ألرنبة؟.. التفتت �إليه ا ألرنبة في حب وقالت: -ابني� ،أ�سن �سكيني انتظا ًرا لح�ضور (تعاليبو) الظالم عند منت�صف الليل. -ولماذا ت�سنين ال�سكين يا جدتي؟ -لكي �ألقن (تعاليبو) در�ًسا لا ين�ساه. فتح الع�صفور عينيه من الده�شة وهو يتعجب من جر�أتها ثم أ�خذ ي�صفق بجناحيه معج ًبا ب�شجاعتها ..و�شجعته ابت�سامتها فم�ضى يزغرد ويغني حولها. 111 Kalilah and Dimnah final.indd 111 � �� ���� ��: �/��/
هل تطلبين م�ساعدة يا جدتي يا أ�رنبة.. �أنا معك �سنغلبه.. لو ت�سمحين جدتي ثم طلب منها أ�ن ت�سمح له بالدخول �إلى بيتها ليظل �إلى جانبها في انتظار الثعلب فقبلت العجوز مرحبة ،وهي ترد عليه مغنية; أ�نت معي ..يا مرحبا.. وحدي �أنا لا حول لي ودخل الع�صفور وا�ستقر في ركن غرفة نومها وانتظر ،وا�ستمرت ا ألرنبة العجوز تعزف ب�سكينها على الحجر. �سويت�ش� ..سويت�ش حتى مرت بها �سلحفاة عجوز كانت في طريقها إ�لى النهر فقالت: -ماذا تفعلين يا �سيدتي؟ � -أنا أ��سن �سكيني انتظا ًرا لح�ضور (تعاليبو) الظالم عند منت�صف الليل؟ -ولماذا ت�سنين ال�سكين يا �سيدتي؟ لكي أ�لقن (تعاليبو) در�ًسا لا ين�ساه.. لأول وهلة فكرت ال�سلحفاة في الاحتماء بدرقتها من هذه الكارثة ولكن �صوت ال�سكين فوق الحجر زودها ببع�ض ال�شجاعة فقالت: يا جدتي يا �أرنبة هل تطلبين م�ساعدة �أنا معك �سنغلبه لو ت�سمحين جدتي وطلبت منها أ�ن ت�سمح لها بالدخول إ�لى بيتها لتكون بجانبها عندما ي�أتي ذلك الثعلب الظالم ..فرحبت بها العجوز وقالت مغنية: �أنت معي ..يا مرحبا.. وحدي �أنا لا حول لي ودخلت ال�سلحفاة تبحث لنف�سها عن مكان تختبئ فيه و�ساعدتها ا ألرنبة على ال�صعود إ�لى �أعلى الباب في انتظار الثعلب ..بينما عادت ا ألرنبة تعزف ب�سكينها على الحجر وقد ازداد حما�سها.. وجاءت إ�ليها بي�ضة نعامة وع�شر حبات من حبات الب�سلة الجافة ونحلة ع�سل ذهبية و أ�بو جلمبو �صغير وكلهم عر�ضوا م�ساعدتهم وكلهم دخلوا إ�لى البيت في انتظار الثعلب الظالم: �أخفت البي�ضة نف�سها في تراب الموقد؛ وغط�س أ�بو جلمبو في دورق المياه؛ بينما ا�ستقرتا النحلة فوق طرف �سرير ا ألرنبة؛ ونثرت حبات الب�سلة الجافة نف�سها خلف الباب مبا�شرة. 112 Kalilah and Dimnah final.indd 112 � ��/���� ��:� ��/
وظل الجميع �ساكتين �ساكنين يفكرون في اللحظة التي �سيواجهون فيها (تعاليبو) وقد ملأتهم أ�غنية ال�سكين فوق الحجر�( ..سويت�ش �سويت�ش) بالحما�س والثقة ..و�أعطاهم وجودهم م ًعا قوة جبارة وحما�ًسا كبي ًرا أ�كبر بكثير من �أج�سامهم ال�صغيرة الرقيقة.. واتفق الجميع على ترك الباب مفتو ًحا ،و�أن تطف أ� �أنوار البيت انتظا ًرا ل�ساعة منت�صف الليل الموعودة ..ونامت ا ألرنبة على �سريرها وهي تحت�ضن �سكينها ال�ضخمة الغالية في حب وثقة؛ وعند منت�صف الليل و�صل (تعاليبو) وهو م�صمم على عدم الرجوع �إلا ومعه القدر الم�سحور أ�و قلب الأرنبة العجوز ..ولما و�صل إ�لى الباب طرقه ولكن أ�ح ًدا لم يرد.. فظن �أن الأرنبة قد هربت ،فدفع الباب بحنق واندفع �إلى الداخل حيث كان الظلام �سائ ًدا ..فتعثر ولما حاول أ�ن ي�ستند على الحائط أ�خذت الب�صلة تدحرج نف�سها تحت أ�قدامه فتطوحه وتنزلق تحته يمي ًنا و�شما ًال فتمرجحه حتى كاد أ�ن يقع .ف أ��سرع يبحث عن عو ٍد م�شتعل لينير به طريقه ،ولكنه ما كاد ينحني على الموقد حتى انفجرت البي�ضة في وجهه ف أ�عمته �أكثر. وانخلع قلبه ألنه لم ي�ستطع و�سط الظلام ال�سائد �أن يف�سر ما حدث، ف�أخذ يتح�س�س طريقه حتى عثر على الدورق ،فلما �أراد �أن يغ�سل وجهه وعينيه أ�طبق �أبو جلمبو على أ�نفه بكلاّ بتيه الحادتين ف�صرخ و أ�خذ يتخبط في الظلام .ف أ��سرع الع�صفور ي�ضربه وينقره بينما أ�خذت النحلة تل�سعه وتزن حول �أذنيه.. و ُخ ّيل �إليه أ�ن مئات من المردة وال�شياطين قد �أحاطت به وج�سم له الظلام خياله المرتعب ..فلم يجد �سبيلاً �سوى الفرار بنف�سه لكنه عندما اندفع ليخرج ا�صطدم بالباب ف أ��سقطت ال�سلحفاة نف�سها فوق ر أ��سه �سقطة أ�فقدته قدرته على حفظ توازنه فاختل ووقع.. ورفعت ا ألرنبة العجوز �سكينها الكبيرة عال ًيا وهوت بها مرة واحدة فقط؛؛ وهكذا انتهت ق�صة حياة (تعاليبو) وانتهت ملاعيبه.. ولكن الحواديت لم تنته ألنها لا يمكن أ�ن تنتهي.. وهلالما هناك توتة توتة ،فرغت الحدوتة ف إ�نك لا بد �ستجد بعدها: كان ياما كان ..في يوم من الأيام.. 113 Kalilah and Dimnah final.indd 113 � ��/���� ��:� ��/
Kalilah and Dimnah final.indd 114 ��/� /���� ��:�� �
القط م�شكاح والف�أر رماح Kalilah and Dimnah final.indd 115 ��/� /�� ���� :�� �
من المطار إ�لى النار عندما ذهب (م�شكاح) إ�لى مكتب ت�شغيل العاطلين في الغابة لكي يطلب عملاً قيل له في كلمات جافة: -لا يوجد عمل لك ،فقد تقرر �إلغاء مهنة �صيد الفئران منذ فترة، هل �أنت نائم على أ�ذنيك؟ لم يجب (م�شكاح) ألن المفاج أ�ة كانت مفاجئة ،و ألنه لم يفهم كيف ينام قط على أ�ذنيه� ،إلا �إذا كان بهلوا ًنا ،وا�شتد به الحزن والجوع فكتم �آهاته ،و�صدرت عنه أ��صوات لا ت�شبه �صوت القطط. توجه على الفور إ�لى مكتب ال�سفر ،طال ًبا ا إلذن بالرحيل �إلى غابة بح ًثا عن لقمة عي�ش �شريفة ،وعمل يتنا�سب مع خبرته الوحيدة التي يتقنها وهي (�صيد الفئران) ..لكنهم قالوا له في كلمات أ�كثر جفاء: -لا يمكن ال�سماح ب�سفر َمن لا مهنة له!! -رد في فزع: ولكني أ�تقن مهنة �صيد الفئران؛ قال له الموظف الم�س�ؤو ُل في غ�ض ٍب: -أ�لا تفهم؟ لم يعد �صيد الفئران مهن ًة بعد أ�ن أ��صدر �إمبراطورنا (�أبو لبدة المده�ش) قانو ًنا ب إ�لغائها. عقدت الده�شة ل�سانه ،وبذل جه ًدا خار ًقا ليحل العقدة ..لكن ده�شته كانت مت�شابكة الأ�سباب فا�ستجمع ما بقى من قدرة ل�سانه على النطق و�صرخ ب�صعوبة قائلاً : -هذا ظلم فادح! وجد (م�شكاح) نف�سه محا ًطا ب�شعرات المخالب والأنياب الم�شهرة ان�شقت ا ألر�ض عن أ��صحابها فج�أة ،و�أحاط به حرا�س مدنيون ،كانوا في كل ركن يت�شممون ويت�ص ّنتون فالتقطوا ذبذبات �صوته الغا�ضبة ف أ��سرعوا بالقب�ض عليه. ابت�سم �أحدهم مك�ش ًرا ..أ�و ك�شر مبت�س ًما وهو يقول: -عن أ�ي ظلم تتحدث �أيها القط الجميل! ارتبك القط (م�شكاح) قليلاً للهجته ال�ساخرة ولكنه اطمئن لابت�سامته (الك�شرة) أ�و لتك�شيرته المبت�سمة و�س أ�له في ده�شة ممزوجة ببع�ض الرجاء 116 Kalilah and Dimnah final.indd 116 � ��/���� ��:� ��/
وبكثير من الي أ��س: -كيف يمنعون مهن ًة �شريفة وتاريخية ك�صيد الفئران؟ إ�ن �شيئا من هذا لا يمكن �أن يحدث حتى في غابات المدن الب�شرية.. زاد (المك�شر) من ابت�سامته وقال؛ � -ألا تعرف �أن ( أ�بو لبدة المده�ش) المرعب هو الذي �أ�صدر قانون التحريم هذا؟ كيف يمكن لقط مثلك أ�ن يفهم الحكمة وراء قانون �أ�صدره المرعب بنف�سه ..كيف يمكن أ�ن يكون مرع ًبا ومده�ًشا إ�ذا كان كل من هب ود ّب �سيفهم �أ�سرار حكمته يا �أيها القط الجميل.. ظن (م�شكاح) أ�ن طول الحديث بينهما يعني زوال تحفظه عليه فتبا�سط قائلاً : -لا بد �إذن أ�نها حكمة غبية ،لأنها أ��صدرت قانو ًنا غب ًيا و�شا ًذا.. فكيف يمكن �أن يكون لمنع �صيد الفئران حكمة ..أ�ية حكمة؟ ما الحكمة في ترك الفئران تتكاثر� ..إن هذا لغباء �صريح.. �أثناء كلامه كان الموظف الم�س�ؤول يقوم من مقعده �شي ًئا ف�شي ًئا ..وقد ازدادت تك�شيرته ابت�سا ًما ..ثم زمجر فج أ�ة وهو يدق على المكتب: -ها �أنتقد�ضيعتنف�سكياجميل..لقدو�صفتا إلمبراطورالمرعب المده�ش بالظلم و�سكتنا ،ف أ�نت حر في ر أ�يك ونحن في غابة حرة ،وي�ستطيع كل حر في غابة حرة �أن يعلن ر�أيه �أو يخفيه ..هو حر ..ولكني لم �أر ق ًطا في مثل غبائك� ..أتجر ؤ� على و�صف الإمبراطور المده�ش بالغباء وفي ح�ضورنا ..لا ..لقد حكمت على نف�سك بنف�سك ولا أ��ستطيع في الحالة هذه �إلا �أن �أقولها لك و�أذكرك بحقوق المتهم ..هيا ..خذوه.. و�أخذوه من المطار إ�لى النار و أ�لقوا به في جب العرين الملكي وهو ال�سجن الخا�ص بمن يظهرون م�شاعرهم الم�ضادة والمعادية للإمبراطور ..انتظا ًرا لمحاكمتهم محاكمة قانونية عادلة.فا إلمبراطور المده�ش الذي أ��صدر قانون تحريم �صيد الفئران ،و�إلغائها كمهنة هو نف�سه ذلك ا إلمبراطور الذي أ��صدر قوانين الم�ساواة في الافترا�س المعروفة با�سم حق الافترا�س العام ،والتي �ساوت بين كل الحيوانات و�أعطت للجميع حرية افترا�س الجميع بعد �أن كانت قوانين الغابة تعطي حق الافترا�س، للمفتر�سين دون الفرائ�س ولذا أ��صبح من حق كل مخالف للقانون �أن يقدم لمحاكمة عادلة ..وقانونية تدعي ًما لحق ال�ضعفاء في العدالة والم�ساواة.. 117 Kalilah and Dimnah final.indd 117 � �� ���� ��: �/��/
عند دخول (م�شكاح ) �إلى �سجن العرين تليت عليه حقوقه كمتهم وحذروه من الكلام لأن كل ما �سينطق به �سيحا�سب عليه حتى لحظة مثوله �أمام المحكمة ..وحين احتج ب أ�نه لا يعرف القراءة ولا الكتابة، ولذا لم يطلع على أ�ية �صحف ولم يعرف ب�صدور قانون �إلغاء مهنة ال�صيد هذا ..قالوا له إ�ن الجهل بالقانون لا يعطيه الحق في مخالفته .لكنه �أ�صر على معرفة ال�سر وراء هذا القانون الذي �سيعاقب ب�سببه حتى لا يقهره الظلم أ�كثر تحت وط�أه الجهل. ح�ضر �إليه حيوان قانوني �أ�شبه ما يكون بحمار ..يرتدي باروكة من �شعر القردة فتلا عليه مذكرة تف�سيرية ،لم يفهم منها �شي ًئا ثم قر أ� بعدها فذلكة تاريخية ،وحيثيات ت�شرح أ��سباب �صدور ذلك القانون الذي �سلب القطط حقها ال�شرعي في ممار�سة مهنة �آبائها ،و�أجدادها التاريخية و�ألقى بالع�شرات بل والمئات منها إ�لى الكهوف وال�سجون والمكامن انتظا ًرا للمحاكمة العادلة وا إلعدام ..وبد أ� (م�شكاح) ،يفهم ال�سر عندما ا�ستطرد حيوانالباروكةيحكيحكايةوقوعالأ�سدالمرعب(( أ�بولبدة))فيفخ�شبكي ن�صبه أ�حد ال�صيادين لخنزير بري فكاد يموت رع ًبا من ا أل�سر ،وفقدان عر�ش الغابة ب�سبب الغياب فظل ي�صرخ ويز�أر م�ستنج ًدا والحيوانات تفر مبتعدة من الخوف والرعب ..لولا �أن �سمع عويله ونواحه ف�أر ذكي ا�سمه ((رماح)) فاقترب غير �آبه بالزئير المخيف الباكي حتى �أ�صبح أ�مام ا إلمبراطور الأ�سير مبا�شرة فقال له في لهجة لا تخلو من الت أ�نيب والتقريع: -تما�سك يا مولاي وكن �سب ًعا يليق با�سمه المرعب ماذا لو �سمعك رعاياك ال�صعاليك أ�ن المده�ش لا يبكي ب�سبب م�أزق ب�سيط كهذا.. لي�ست هناك م�شكلة ما دمنا نحن رعاياك الطيبين باقين على حبك. ده�ش ا إلمبراطور ،و�أعجب ب�شجاعة هذا الف�أر فكفا عن الزئير وقال له في ثقة ا�ستمدها من ثقة الف أ�ر الكبيرة: -وهل ير�ضيك أ�ن ي�صبح �إمبراطورك مهر ًجا في �سيرك ..أ�و فرجة لبني الإن�سان ..محبو�ًسا في مكان �سخيف لا ت�شم فيه �سوى رائحة البول والفول ال�سوداني.. قال له الف�أر اللماح (رماح): -هذا لم يحدث بعد يا مولاي ..ف�صرخ فيه المرعب: � -سيحدث بالت�أكيد لو ح�ضر ال�صياد �صاحب ال�شبكة.. 118 Kalilah and Dimnah final.indd 118 � �� ���� ��: �/��/
�ضحك الف أ�ر وقال في رقة؛ و أ�نا معك يا مولاي لن يحدث هذا �إلا على جثتي! بد أ� ال�شك يراود ا أل�سد وهو يت�أمل ج�سم (رماح) ال�ضئيل: -هل �س�أخرج من هنا قبل أ�ن يحدث. تقدم الف أ�ر في ثقة وقال: � -ستخرج من هنا أ�كثر �إدها�ًشا �أيها المده�ش ..و�ست�صبح �أكثر رهبة أ�يها المرعب ..ف�أ�صغر جندي في جي�شك -أ�نا � -سيثبت �أنه قادر على إ�نقاذ �شرف الغابة ب إ�نقاذك اعترا ًفا بف�ضلك وعدلك ولي�س طم ًعا في أ�ي جاه� ..أو مال� ..أو �سلطة.. ثم قر�ض الف أ�ر (رماح) حبال ال�شبكة في �سرعة فائقة وحرر ا أل�سد (�أبو لبدة المرعب) و�أعاده إ�لى عرينه. وما أ�ن و�صل الأ�سد إ�لى بر ا ألمان ..حتى �أ�سع على الفور، وا�ستدعى �أحذق م�ست�شاريه القانونيين ال�ضالعين في درا�سات فل�سفة قانون الغابة ،وكلفهم ب�إ�صدار قانون جديد يق�ضي ب�إلغاء مهنة �صيد الفئران إ�لى الأبد ،واعتبارها مهنة معادية ت�ضر ب أ�من الغابة وا�ستقرارها ،وت�ضر بم�صالح العرين والحيوانات ال�صغيرة. وهكذا وجدت القطط نف�سها في محنة ،وبلا مهنة بينما انطلقت الفئران من جحورها ،ومكامنها الخفية �آمنة مطمئنة تتمتع بالحظوة والتكريم في كل مكان .و أ��صبح �سعي القطط للح�صول على الطعام إ�ذا ما اقترن بعر�ض بالتفكير في التهام الفئران جريمة يعاقب عليها القانون.. ووجد (م�شكاح) نف�سه -حين ذهب للبحث عن عمل قانوني �شريف � -ضد القانون ،بل ومته ًما بالخيانة العظمي ،و�سيق �إلى جب �سجن العرين منتظ ًرا الحكم ب�إعدامه ألنه و�صف المرعب العادل ،والمده�ش بالخرف ،واتهمه بالظلم ألنه �أن�صف الفئران ،و�أطلقها حرة من الجحور وا ألركان ،وحكم على جن�س القطط كله بالحرمان.. 119 � �� ���� ��: �/��/ Kalilah and Dimnah final.indd 119
م�شكاح يعد النجوم الليل طويل في �سجن العرين ،خا�صة إ�ذا كان ال�سجين حيوا ًنا ينتظر مرور الوقت دون ت�سلية أ�و عمل� ،أو كان ق ًطا كم�شكاح ينتظر الموت دون أ�مل. وتزيد وط�أه الوقت البطيء �إذا كان الحيوان جاهلاً لا يعرف القراءة �أو الكتابة ،فلا تجد �شي ًئا يقتل الملل ..لكن (م�شكاح) كان مثل غيره من القطط لا ي�ست�سيغ التعليم خا�صة ومهنتهم لا يحتاج إ�تقانها �إلى درا�سة أ�و درجة علمية ..فالفئران في كل مكان من قديم الزمان.. ومن كل ا أل�صناف وا أللوان ..ومخالب القطط لا تحتاج لل�سن بل جاهزة على الدوام ..والقطط على اختلاف أ�نواعها تتقن �أ�ساليب البحث عن فري�ستها الخالدة �ش ًّما وترب ً�صا في �صمت ثم انق�ضا ً�ضا مفاج ًئا.. القط لا يحتاج إ�لا ل إلح�سا�س الغريزي بالجوع الذي يلهب الدماغ برغبة حارقة في القن�ص ي�شعلها �شعور دائم بالنهم ،تعمقه �شهية تقرق�ش الزلط وتطحن الهواء! ولو أ�ننا افتر�ضنا �أن (م�شكاح) كان يعرف القراءة والكتابة فما فائدة هذا في �سجن كهذا حيث لا كتب ولا �أوراق ولا أ�قلام ..فقط �صمت و�سكون ي�ضم في جنباته حيوانات ممن لا يقر�أون ولا يكتبون من ذوي ا ألنياب والقرون.. ودون أ�ن نفتر�ض هذه المرة ،كان (م�شكاح) بالفعل لا يتقن �أية لعبة من �ألعاب الت�سلية فلا هو يعرف ال�شطرنج اللوزي ولا النرد القرودي.. ولا حتى لعبة ال�سيجة ال�سنجابية ..وحتى لو عرف أ� ًيا منها ..مع َمن كان �سيلعب وهو محبو�س وحده في مكان..لا يت�سع بعد لحيوان ثان.. -لم يجد (م�شكاح) �أمامه طريقة لق�ضاء الوقت �إلا خد�ش الجدران مئات المرات حتى ت�ألمت مخالبه . ولما تعب من هذه اللعبة بد أ� ال�سير جيئة وذها ًبا -ذها ًبا و إ�يا ًبا - �صان ًعا خطو ًطا وهمية و�أقوا�ًسا متقاطعة �أو مت�صالبة أ�و متعاك�سة في كافة الاتجاهات حتى انهد حيله ،وانقطع نف�سه من الم�شي ،والالتفاف، والدوران على �أربع ثم على اثنين ،زاح ًفا �أو قافزا ..منحن ًيا أ�و منت�ص ًبا �أو مقرف ً�صا� ..صام ًتا حي ًنا وحي ًنا مغن ًيا حتى ك ّل وم ّل ..وكاد عقله �أن 120 Kalilah and Dimnah final.indd 120 � ��/���� ��:� ��/
يعتل وقارب توازنه أ�ن يختل. فا�ستلقى على ظهره و أ�خذ يعد النجوم من خلال نافذة زنزانته ال�صغيرة ،واندمج في العد حتى ا�ستنفد كل ما تذكره ،وعرفه من �أعداد و�أرقام وكاد يجن حين ظن �أن كل الكواكب ،والنجوم التي تزين ال�سماء تجمعت كلها لتطل عليه من نافذة الزنزانة بمجرد �أن �شاهدته يعدها حتى لا يتمكن من ذلك �أبد أ�.. فانقلب يائ�ًسا على بطنه وهو يعوي كالجير خاد�ًشا الأر�ض ب�أظافره و�أ�سنانه مطل ًقا �صرخات يائ�سة حزينة ..فج�أة ..ت�صلب ج�سده وتخ�شب، وهرب الدم من عروقه ،ول�سعه عرق بارد �سال فوق �سل�سلته الفقرية حين �أح�س ي ًدا �صغيرة لينة تربت على قفاه ..و�سمع �صو ًتا ناع ًما يعرف طبيعته جي ًدا يطلب منه في هدوء أ�ن يهد�أ ،ولم ي�صدق أ�ذنيه.. وكاد ي�ستجيب لغريزة القطط لممار�سة مهنتها المحرمة ،وينق�ض قا�ض ًما تلك اليد ملته ًما �صاحب ذلك ال�صوت ..لولا لمحة خاطفة من الوعي بالموقف الذي هو فيه ..وقبل أ�ن ينفجر رغبة ورع ًبا طم�أنه �صاحب ال�صوت الهادئ الناعم بنبرة أ�كثر هدو ًءا ونعومة قائلاً : -لا تخف يا �صديقي ..ف أ�نا �صديق حقيقي لك ..ولا يبكي ال�صديق، أ�و يخاف ،و إ�لى جواره �صديق!! كانت النبرة مطمئنة ،فا�ستعاد دمه الهارب كي يتمكن من تليين ج�سده المت�صلب ،ولي�ستطيع الاعتدال جال�ًسا ..فجحظت عيناه وتدلى ل�سانه كالكلاب في ده�شة حقيقية ..لقد ت أ�كدت ظنونه تما ًما وها هو أ�مامه -ف�أر حقيقي -رمادي له بطن د�سمه ويرتدي حلة كبار الموظفين الر�سميين في العرين .المميزة الفريدة.. كان مم�س ًكا بغليون فاخر من خ�شب البلوط في يده الي�سرى ،أ�طلق الدخان من فمه في حذق �شديد وخبرة ،على �شكل حلقات متتابعة كل واحدة أ��صغر من �سابقتها تقفز خلفها في تناغم مع حركة يده ال�صغيرة التي تربت على ركبته اليمنى.. لم ي�ستطع (م�شكاح) النطق وده�ش لجر أ�ة هذا الف أ�ر ..الف�أر ال�سمين المتهور الذي لديه هذا القدر الهائل من ال�شجاعة ليكون وحي ًدا في زنزانة �سجن �ضيقة مع قط جائع �سجين ،يم أل قلبه الإح�سا�س بالظلم من العرين و�أهل العرين ب�سبب قانون منع �صيد الفئران اللعين. 121 Kalilah and Dimnah final.indd 121 � ��/���� ��:� ��/
لكن الف�أر �صاحب الغليون كان يعرف �أن ابت�سامته ومهارته في إ�طلاق حلقات الدخان من فمه بانتظام ،وبهذه الطريقة المرحة كافيتان لجعل القط عاجزا عن فعل أ�ي �شيء �شرد ..و إ�بقائه محد ًقا في ده�شة تنقلب إ�لى إ�عجاب وهو م�ستغرق في متابعة حلقات الدخان المتناغمة المتتالية في إ�يقاع نادر ..ومن ثم انكم�ش داخل أ��ضيق حيز ممكن من جلده منتظ ًرا ما �سيبادر �إلى فعله ال�ضيف المبت�سم؛ وبادر الف�أر بالفعل قائلاً وك�أنه يحاول قراءة ما يدور في ذهن القط ال�صامت: -هل أ�نت تقول لنف�سك ا آلن ..ماذا لو انق�ض�ضت عليه وابتلعته؟؟ ماذا يمكن �أن يحدث لي �أ�سو�أ مما هو حادث بالفعل؟.. �إنني �سجين انتظر ا إلعدام ..ف ألعدم و�أنا �شبعان على الأقل أ�موت مرتاح ال�ضمير � -أعني أ�نك توا�صل التفكير �أي تموت مرتاح ال�ضمير إ�ذ ي�صبح هناك �سبب وا�ضح لموتك لأنك لم ترتكب جر ًما حتى الآن كي ت�ستحقه ولكن يا �صديقي (م�شكاح) أ�حب أ�ن �ألفت نظرك لو �سمحت لي، أ�ن تفكيرك بهذه الطريقة �ساذج ..وفكرة الانق�ضا�ض عل ّي والتهامي ت�صرف أ�حمق يمكن �أن يلج�أ �إليه أ�ي قط غبي غيرك ..أ�ما �أنت.. فيجب �أن تفكر في طريقة أ�ف�ضل.. و أ� ؤ�كد لك �أنك �ستقول لنف�سك الآن�( ..إذا كان قتل هذا الف�أر �سيكون مبر ًرا كاف ًيا إلعدامي فلماذا لا تكون �صداقتي معه �سب ًبا لنجاتي ..و إ�فلاتي -اق�صد �إفلاتك أ�نت -من حبل الم�شنقة).. ات�سعت عينا (م�شكاح) ج ًدا لت�سع كل م�شاعر الده�شة التي داهمته فهو لم يفكر لا بهذه الطريقة ،ولا بتلك لأنه كان جائ ًعا مرعو ًبا لدرجة لا ت�سمح له ب�أي تفكير.. ثان ًيا :ألنه رغم جوعه لا يزال يعرف �أنه �سجين ينتظر الإعدام ولا يجب أ�ن يزيد موقفه �سوءا.. لكنه رغم كل ذلك ..ا�ستوعب معنى العبارة ا ألخيرة التي قالها الف أ�ر ..ففتحت أ�مامه بابا وا�سعا للأمل في النجاة والإفلات من الموت؛ فابت�سم في بلاهة قط منده�ش جائع وقال.. -عندك أ�لف حق لقد فكرت هكذا بالفعل ..ال�صداقة قد تكون وقاية من ا إلعدام!! كان الف�أر �صاحب الغليون يعرف أ�نه يكذب ،ولكنه �سر بموافقته 122 Kalilah and Dimnah final.indd 122 � �� ���� ��: �/��/
على الفكرة وقبول �صداقته ،فهز ر أ��سه مبت�س ًما وقال: -على كل حال وبرغم ما أ�كدته التقارير عنك� ،أنا كنت مت أ�ك ًدا أ�نك قط عاقل و�ستفهم و�سنتفق ب�سرعة وبو�ضوح.. ولكن� ..سكت الف�أر وتطلع القط نحو الباب الذي �صل�صلت فوقه ال�سلا�سل ودار فيه المفتاح فات ًحا �أقفاله الحديدية ..ثم فتح الباب ودخل (ظربان) -والظرب هو نوع من الفئران -يحملان �صينية عليها قطع من اللحم المطهي ببراعة جعلت رائحته الطيبة تفوح ..محولة المكان �إلى مدخل مطبخ فاخر في �إحدى غابات الحيوانات الأكولة.. فانقلبت معدة (م�شكاح) الخاوية وتفجرت في �أعماقه آ�هة جوع م�ؤلم ،و�صرخة فرح يائ�س ترجمت حين و�صلت حلقه الجاف إ�لى �صرخة أ�قرب إ�لى زئير ا أل�سود ،فا�ضطر لإطلاقها وتلوى مان ًعا نف�سه من الانق�ضا�ض على أ�ي طعام لا خو ًفا من أ�ن يبدو نه ًما أ�مام �صديقه المحترم ..ولكن تع ًبا وعج ًزا من �شدة الجوع ..غمز الف أ�ر للظربين - �أن ينتظرا ..والتفت �إلى القط و�أ�شار بطرف غليونه: -اتفقنا؟ رد القط في �ضعف و�شوق جارف لإنهاء الحديث والتهام الطعام: -طب ًعا ..على كل �شيء.. وهنا �صافحة الف�أر م�صافحة الأ�صدقاء القدماء ..و أ�مر الظربانين بالان�صراف بعد �أن و�ضع ال�صينية أ�مام (م�شكاح) الذي �أغم�ض عينيه وو�سع منخريه مت�شم ًما م�ستمت ًعا. ولما فتحهما في �شوق ونهم كان الف�أر والظربان قد غادروا المكان مت�سللين فانق�ض في �سرعة الم�شتاق على الطعام ..وما أ�ن تذوق أ�ول ق�ضمة حتى تحجر فكاه وتراجع ج�سمه للخلف مذعو ًرا وقد ات�سعت عيناه ده�شة وفز ًعا ..وم�ضغ ليت أ�كد وتذوق ليزداد يقي ًنا ..ثم اندفع يم�ضغ ويتذوق ف�صدق ثم ازداد وبلع ما م�ضغه غير م�صدق ..ثم �أ�سرع يق�ضم قطعة �أخرى فازداد عدم ت�صديقه ..فالتهم وراءها عدة قطع لي�صدق مرة أ�خرى وليت�أكد أ�ن ما قدم إ�ليه في �سجن العرين ا إلمبراطوري وما ي�أكله وهو المتهم بمخالفة قوانين �صيد الفئران ..ما هو �إلا لحم فئران متبل ولذيذ ومطهي ب أ�حدث و أ�غرب طرق الطهي الهندية. 123 Kalilah and Dimnah final.indd 123 � �� ���� ��:/�/��
في مهمة ر�سمية أ��شرقت �شم�س اليوم التالي جديدة ورائعة ،ف أ��صبحت حركة القط �أهد أ� و أ�رق ،بل لقد �شاهدته ال�شم�س يتمطى في الفرا�ش طويلاً في ك�سل، دون أ�ن تراوده أ�دنى رغبة في مغادرته. كان القط بعد أ�كلة الأم�س اللذين قد ن�سي تما ًما �أنه �سجين ومتهم ينتظر ا إلعدام عقا ًبا على تطاوله على ا إلمبراطور ( أ�بو لبدة المده�ش)، وبلغ من ن�سيانه لواقع ا ألمر أ�ن ابت�سم من أ�عماقه وهو ي�سترجع كل ما حدث في ا أليام القليلة الما�ضية. وحتى عندما تذكر كل �شيء ظلت ابت�سامته المطمئنة تت�سع وتزداد عم ًقا حتى تحولت �إلى قهقهة عر�ضية هانئة حين و�صلت به ذاكرته �إلى ما حدث با ألم�س ..وهي حالة نف�سية يمكن �أن يتولى درا�ستها المهتمون بت�أثير لحم الفئران المتبل �إيجاب ًيا على القطط ال�سجينة في ال�سجون ا إلمبراطورية.. وعلى ما يبدو لم يكن ذلك غائ ًبا عن ذهن �صاحبنا الف�أر �صاحب الغليون الذي زاره بالأم�س وزوده بالطعام ،وعقد معه اتفا ًقا غام ً�ضا وافق عليه القط بكل حما�س جائع ينتظر ا إلعدام ،دون �أن يعرف �شي ًئا عن �أهدافه ،أ�و �شروطه أ�و عواقبه. مر الوقت عاد ًيا كعادته في كل �صباح �سعيد ،إ�لا �أنه بعد فترة بدا في التباط�ؤ مع �صعود ال�شم�س إ�لى كبد ال�سماء ..و أ�خذ في المرور بتثاقل متعمد تحت �أنف القط وب�صره.. ونحن نعرف أ�ن للوقت �أحوال غريبة وطباع متقلبة ،ف�أحيا ًنا يم�ضي دون �أن يلفت �أنظار القطط أ�و بني الإن�سان .لكنه في �أحيان أ�خرى كما ت�أكد (م�شكاح) ا آلن تطول فيه الدقائق وتقف الثواني في بلادة ترف�ض التقدم وتمتنع عن دفع بع�ضها البع�ض كعادتها في الأيام العادية، كانت تتعمد �إغاظة القط ،فحاول جاه ًدا �ألا يغتاظ �شاغلاً نف�سه ب أ��شياء كثيرة �سرعان ما كانت تف�شل في �صرف نظره عن مرور الوقت البطيء الثقيل إ�لى الدرجة التي وجد نف�سه يكاد ين�شق غي ًظا. وفي الحقيقة أ�ن ما ي�ضايقه لم يكن بطء الوقت ،ولكن ألنه كان 124 Kalilah and Dimnah final.indd 124 � �� ���� ��:/�/��
يتوقع زيارة ما هذا ال�صباح ..كان يتوقع أ�ي �شيء ..إ��شارة ،أ�و ر�سالة ت ؤ�كد أ�ن اتفاق ا ألم�س قد حدث بالفعل ،ولكن �شي ًئا من ذلك لم يحدث فازداد الوقت بطئا وثقلاً ..وحينما ارتفعت ال�شم�س في ال�سماء أ��سقطت ب�ضع مربعات �ضوئية حادة على أ�ر�ض الزنزانة وك أ�نها تتحداه وتجبره على تنكر أ�ن الظهر قد ولى.. بد�أ القلق ي�ساوره ب�شدة ..خا�صة و�أنه قد أ�تم ه�ضم الطعام تما ًما و أ�فرغت معدته أ�ثقالها ،وعاوده �سعار الجوع �أق�سى و أ��شد نبا ًحا مما كان عليه الحال قبل �أطباق الفئران المتبلة والمحمرة اللذيذة.. فقفز من فرا�شه غا�ض ًبا وراح يروح ويجيء حول محيط الزنزانة تارة أ�و في دوائر منتظمة وغير منتظمة تارة أ�خرى ..أ�و في خطط م�ستقيمة تارة ثالثة( ..وعادت ريما لعادتها القديمة) لقد فقد كل �شعور ا�ستثنائي بالاطمئنان وعاد �إليه الإح�سا�س العادي لقط ينتظر الإعدام.. وفكر �أن يطلب الحار�س ي�ستف�سر منه عن �سبب الت أ�خير ولكنه وجد في ذلك حماقة كبرى ..ألن ما حدث با ألم�س كان مخالفة لكل التعليمات واللوائح التي يفتر�ض أ�ن يراعيها الحرا�س ،فالزيارة ممنوعة، والات�صال بال�سجناء محرم ،فما بالك بتناول لحم الفئران متبلاً في عقر �سجن العرين الذي يعتبر مجرد التفكير في �صيد الفئران جريمة �شنعاء. منذ أ�ن نالوا الحظوة الكبرى لدى الإمبراطور وفتحت أ�مامهم �أبواب الوظائف والمراكز الكبرى بعد أ�ن كانوا أ�كثر �صعاليك الغابة احتقا ًرا و�إثارة للق�شعريرة!! هد�أ (م�شكاح) عندما اعترف بحماقة موافقته على تناول طعام مكون من لحم الفئران في زنزانته ،حتى ولو كان الذي أ�ح�ضره ف أ�ر ر�سمي يتباهى بغليونه وردائه الر�سمي� ..إنها جريمة بكل المقايي�س وعليه أ�ن يبتلع غ�ضبه وقلته ويحمد الله على �أن كل ذلك لم ينك�شف. لكن الجوع ا�شتد عليه وقر�ص أ�معاءه ب�شدة فخرجت �أنفا�سه حارة تعك�س ا�شتداد غ�ضبه وقلقه ..و أ�خذ يق�سم أ�مام النافذة الم�سجية بالق�ضبان أ�نه �سيلغي اتفاقه مع ذلك الف�أر إ�ن لم ي�صله خبر ما� ..أو �إذا لم يحدث تطور جديد في الأمر في مدة غاية ربع �ساعة ..ثم مد المهلة �إلى ن�صف �ساعة. ولما قاربت على الانتهاء �صار أ�كثر ت�سام ًحا ومد المهلة �إلى �ساعة لا أ�كثر ..ثم �أقنع نف�سه بمدها حتى غروب ال�شم�س بما �أنه لا يملك �ساعة 125 Kalilah and Dimnah final.indd 125 � ��/���� ��:� ��/
ليقدر المهلة المحددة تما ًما ..ثم ا�ست�سلم بعد قليل و�ألغى كل تفكير في أ�ية مهلة و�أخذ يموء في �ضعف قط جائع �سجين ..وهو يراقب مربعات ال�ضوء وهي ت�صعد باهتة على الجدار كلما مالت ال�شم�س نحو المغيب.. ولم تبد أ�ية �إ�شارة من �صاحب الغليون تب�شر بالأمل.. عريت ال�شم�س وحط الظلام ..وجل�س (م�شكاح) متع ًبا محب ًطا جائ ًعا ي ؤ�كد لنف�سه أ�ن ما حدث با ألم�س لم يكن �سوى حلم عابر لم يحدث في الواقع�..أو �إنه �إذا كان قد وقع مجرد و�سيلة من و�سائل التعذيب النف�سي.. �إذ كيف ن�صدق أ�نه من الممكن �أن ي�سمح له ب�أكل فئران متبلة أ�و غير متبلة في �سجن إ�مبراطور حرم �صيد الفئران؟ ولمن؟ لقط جريمته كانت الاحتجاج على إ�لغاء المهنة المحرمة؟ ..تلك المهنة التي تثير ذكرياتها لعاب القطط كما يحدث له الآن ..فتثير غددهم وتفي�ض منها الع�صائر فتوتر الأمعاء وتعكر المزاج وتبعث على الغ�ضب ثم الي أ��س ..وتدفع القط المحا�صر للوقوف ب�أرجله ا ألربعة على حافة البكاء؛؛ وقبل أ�ن يقرر للمرة الألف �إلغاء الاتفاق الغام�ض مع الف�أر تنبه إ�لى ال�صوت الرخيم العذب الذي �أحدثه حديد المفاتيح في حديد الأبواب المغلقة، فا�ستيقظت كل حوا�سه وانتع�شت �آماله المحبطة ..وتنمر مت�صنعا الغ�ضب في ركنه ينتظر القادم وهو يرتع�ش وفي داخله لهفة حاول أ�ن يخفيها تحت ال�ستائر الثقيلة لت�صنع الغ�ضب ..ودخل القادم ..والحقيقة أ�نها دخلت.. لم يكن ا آلتي ف أ�ر الأم�س الر�سمي �صاحب الغليون ..لكنها كانت ف�أرة ر�سمية �أكثر جما اًل و�أكثر �سمنة فتح لها الظربان ال�سجانان الباب وهما ينحنيان في احترام ثم أ�غلقا الباب وان�صرفا.. جز القط (م�شكاح) على أ��سنانه وحرك ر أ��سه بقوة م�صف ًقا ب أ�ذنيه ليت�أكد أ�نه لا يحلم ،ومنع �آهة ا�شتهاء مفتر�سة من الانطلاق من بين �شفتيه، وا�ستطاع ب�صعوبة �أن يعيدها لبلعومه ويبتلعها مع لعابه الفا�ضح.. وا�ستدار طال ًبا تف�سي ًرا لما يحدث ،ولكن الف أ�رة الر�سمية �سكنت فترة كافية بال�ضبط لنفاد ال�صبر تما ًما ..ثم تنحنحت معتذرة عن �إزعاجه قائلة: -الحقيقة أ�نني ح�ضرت في مهمة ر�سمية.. انتع�شت �آماله في تنفيذ اتفاق الأم�س ..ولكنها لم تذكر �شي ًئا عن ذلك وقالت: -لقد �أر�سلوني في مهمة بغي�ضة لا �أحبها ..لقد طلبوا مني �أن أ�ك�شف 126 Kalilah and Dimnah final.indd 126 � �� ���� ��:/�/��
عليك ك�ش ًفا دقي ًقا لأن القانون يفر�ض أ�لا ن أ�خذ القطط بال�شبهات� ..إن �سلطات التحقيق قد تخطئ عادة في مثل حالتك لكن المحكمة تريد أ�ن تت�أكد ب�شكل قاطع أ�نك لم تخالف القانون بالفعل. كانت تتحدث ب�صوت رخيم عذب ولذيذ ..أ�و هكذا خيل لمعدته.. فقد كان قوامها ال�سمين يخايل جوعه وهي رائحة غادية �أمامه تترجرج كقالب من حلوى الفالوذج الم�صنوع من جيلي لحم الفئران على الطريقة الفرن�سية �أو هكذا خيل لأمعائه الخاوية.. كان يتابعها محاولا منع نظراته من التفكير في لحمها ف�أخفى عينيه تحت كفيه بعد ف�شله في إ��سدال جفنيه ..لكن خيالها كان يخترق عظامه حتى النخاع ،خا�صة عندما �ضحكت �ضحكة فئرانية رائعة دمرت مقاومته وهي ت ؤ�كد له :أ�ن عدالة إ�مبراطورنا المرعب حقيقة ولا تقبل أ�خذ المواطنين بال�شبهات ..لا بد من الإجابة ب�صراحة هل خالفت القانون أ�م لا؟ إ�ن تطاولك على الإمبراطور لي�س جريمة ..المهم �أن نت�أكد من براءتك من تهمة �أكل لحم الفئران.. -علينا أ�ن نجري بع�ض الفحو�ص لدمك ولع�صارات معدتك.. لن�ؤكد لهم �أنك لم ت�أكل لحم الفئران منذ �صدور القانون ..و�سيكون في ذلك �إعلا ًنا لبراءتك فيطلق �سراحك فو ًرا.. والحقيقة �أن القط لم يتابع جي ًدا الجزء ا ألخير من كلامها فقد كانت ر�أ�سه تدور في البداية ب�سبب جوعه ورغبته القاتلة في التهامها.. ثم بد أ� يدور �أكثر عندما ذكرت لحم الفئران و أ�كله وارتباط ذلك ب�إثبات براءته ،كان ا ألمر أ�كثر تعقي ًدا من �أن يفهمه قط في مثل ظروفه ال�صعبة ..خا�صة وقد تج�سد �أمامه فداحة ما ارتكبه بالا�سم بتحري�ض من ذلك الف أ�ر الر�سمي �صاحب الغليون ..ف�أغ�شى عليه وكان هذا ما توقعته الف أ�رة ..ف أ�مرت بحمله إ�لى حيث يمكن فح�صه وتحليل دمه. 127 � ��/���� ��:� ��/ Kalilah and Dimnah final.indd 127
لا ت�صيدني ولكن كلني عندما �أفاق من إ�غماءته الطويلة ،وجد نف�سه على �سرير �أبي�ض نظيف في حجرة بي�ضاء نظيفة ،لها فتحة مزخرفة تطل على �شاطئ نهر الين�سون النظيف ..الذي يحترق الأحرا�ش في �أكثر مناطقها جما ًال ووح�شية ونظافة.. كانت ال�ستائر فيروزية وللملاءات البي�ضاء �شراريب �أرجوانية وعلى من�ضدة نظيفة ذات عجلات ثلاث كانت أ�طباق طعام ر آ�ها من قبل ت�صاعد منها �أبخرة يعرف رائحتها تما ًما .فانتابه فزع قاتل جعله يقفز من مكانه ثم ينكم�ش مرتع�ًشا منده�ًشا لأنهم يكررون معه ذلك .و أ�ين؟ في الم�ست�شفى حيث من المفتر�ض أ�ن يك�شف عن تناوله طعام لحم الفئران من عدمه.. لكن �صو ًتا يعرفه جاءه هاد ًئا أ�لي ًفا من خلف �صفحات جريدة الموز الا�ستوائي الخ�ضراء المفرودة في فراغ الغرفة �أمامه وبين �سريره والكر�سي الفاخر المجاور للنافذة المزخرفة.. قال له �صاحب ال�صوت: -هدئ من روعك يا �صديقي أ�نت في �أمان تام هنا ،ولا تدع الخوف يتملكك كال�سذج إ�لى هذه الدرجة يا عزيزي ..المفرو�ض �أنك قط ذكي ولك ر أ�ي م�ستقل ..وما دمت جائ ًعا فلا بد �أن ت أ�كل حتى يمكن أ�ن نتفاهم ..كن عمل ًيا� ..ألي�س هذا هو طعامك المف�ضل. �س�أل (م�شكاح) في فزع: من �أي لحم �صنع هذا الطعام؟ �ضحك الف أ�ر �صاحب الغليون وهو يلوح �صفحات الجريدة عن وجهه وقال مداع ًبا: -هل فقدت حا�سة ال�شم يا �صديقي� ..إنه من الطعام الذي تف�ضله والذي يجعلك دون غيره قادرا على التفكير ال�سليم ..وقد ملأت معدتك منه بالأم�س ..وكانت له أ�ف�ضل النتائج! لم يعد القط قاد ًرا على الفهم ..فا�ست�سلم لحالة الغباء المريحة التي يمار�سها كلما اختلطت �أمامه ال�سبل وتعقدت الأمور ..بينما ا�ستمر الف أ�ر الر�سمي �صاحب الغليون �ضاح ًكا: -لقد م�سحت ا ألطباق كلها لدرجة �أنهم لم يحتاجوا لغ�سلها بعدك.. 128 Kalilah and Dimnah final.indd 128 � �� ���� ��: �/��/
وا�ستغرق في القهقهة معج ًبا بفكاهته م ؤ�ملاً �أن ي�شاركه (م�شكاح) ال�ضحك ..لكن القط �صرخ مرتع ًبا: ماذا تريد �أن تفعل بي؟ ..أ�نا لم آ�كل منه أ�م�س ولن �آكل منه أ�ب ًدا.. ل�ست جائ ًعا ..ولن �أرتكب تلك الحماقة مرة أ�خرى ..إ�نهم �سيفح�صون معدتي؟ أ�لي�س كذلك؟ هل ظهرت نتيجة التحاليل يا �سيدي ..أ�رجوك ارحمني ..ف�أنا قط م�سكين وقعت في قب�ضة من لا يرحم.. قهقه الف�أر الر�سمي مرة أ�خرى قهقهة ر�سمية عري�ضة ك�أي �ضبع �صومالي مرح وقال: -عظيم ..هذا تحول رائع ..من المطلوب أ�ن تبدو حري ً�صا ..لقد بد أ�ت في التفكير لمواجهة الموقف ..وهذا تقدم كبير.. كالعادة حاول (م�شكاح) �أن يفهم دون جدوى ،وجل�س يائ�ًسا، فعاجله الف�أر قائلاً : -اطمئن؛ �إن من واجبي أ�ن أ�طمئنك.. ثم �أبعد ال�صحيفة نهائ ًيا واقترب منه هام�ًسا: � -إن تقارير المعمل عنك كانت كلها �سلبية ..لقد �أثبتت الباحثة العبقرية بالدليل العلمي القاطع أ�نك لم تتناول لحم الفئران منذ �صدور قانون تحريم �صيد الفئران ..فماذا تريد �أعظم من هذا؟ا حاول (م�شكاح) �أن ينطق مظه ًرا ده�شته أ�و فرحه فلم ي�ستطع �سوى �أن يقول ب�صوت مبحوح: -ولكني أ�كلت منه با ألم�س ..كيف �إذن جاءت التحاليل �سلبية؟ قطع الف�أر �صاحب الغليون �ضحكته� ..أعني �أنه �ضحك ثم قطع �ضحكته وقال؛ -أ�يها ال�ساذج الم�سكين ،إ�نه مجرد تقرير مكتوب ومعتمد ..مجرد ورق ..ي�صبح ر�سم ًيا عندما نريد نحن ذلك ..افهم� ..أنت ا آلن برئ تما ًما ..كقط لم يتناول أ�ب ًدا �إلا لبن أ�مه القطة� ..أم �أنك كنت نف�ضل لبن الفئران ..وانفجر �ضاح ًكا.. والحقيقة �أنه كان في حالة معنوية عالية لا تنا�سب (م�شكاح) الذي قال في �صوت واهن: -أ�يعني ذلك أ�نني لن �أعدم؟ �صمت الف أ�ر الر�سمي �صاحب الغليون ..ونظر في عينيه مبا�شرة 129 Kalilah and Dimnah final.indd 129 � ��/���� ��:� ��/
نظرة �صامتة ..ثم �أدار ر�أ�سه عنه وم�ضى ناحية النافذة ..يت أ�مل المنظر الخارجي ..مما كاد يذهب بعقل (م�شكاح) ..لولا �أن الف أ�ر ا�ستدار في الوقت المنا�سب وقال: -إ�ن هذا يتوقف عليك وحدك� ..ألم يكن هذا جزء من اتفاقنا؟.. هل ن�سيت؟ لم يكن (م�شكاح) قاد ًرا على تذكر �أي �شيء ..ولكن الحديث بهذا الود عن اتفاق ما تم بينهما كان �شي ًئا كحبل النجاة لغريق لا يعرف ال�سباحة ..المهم أ�ن هناك اتفاق ما يجعلهما �صديقين وهذا يكفيه الآن فهز ر أ��سه مواف ًقا بينما ا�ستمر الف أ�ر في الحديث قائلاً : -قلت لك أ�ن �صداقتي �ستكون باب ال�سعادة الذي �سيفتح �أمامك �آفاق حياة جديدة �أتنكر؟ أ�م أ�نك ما زلت تعاني من �آثار العلاقة الأزلية بين القط والف أ�ر؟ -لا يا �صديقي لنبد أ� �صفحة جديدة واثبت ل�صديقك الجديد �أنه جدير بثقتك ..كما وثق هو بك ..هيا ..تقدم وكل ..طعامك المف�ضل.. ولكن لا ت أ�كلني أ�نا ..فل�ست مجه ًزا بعد لهذه اللحظة ..هيا.. وا�ستغرق في ال�ضحك مرة �أخرى ..وكان (م�شكاح) معج ًبا بروحه المرحة يحاول �أن يجاريه في الابت�سام والمرح فقال ب�صوت �أقل �ضع ًفا: -لا �أريد �أن أ�خالف القانون؛ اقترب منه الف�أر �صاحب الغليون وهم�س بنف�س طبقة �صوته في ود: يا �صديقي (م�شكاح) ..ا�سمع كلام �صديقك (رماح) ..نعم هذا هو ا�سمي يا �صديقي ..وافهم لقد حرمت القوانين �صيد الفئران.. و�ألغتها كمهنة محترمة ،كو�سيلة للك�سب والق�سوة ..ولكنها لم تمنع �أكل الفئران ..أ�لي�س كذلك ..هل لاحظت في القانون �أي بند أ�و فقرة تحرم أ�كل الفئران في قانون حماية الفئران من ال�صيد. ات�سعت عينا (م�شكاح) ده�شة ووا�صل (رماح) حديثه ب�صوت عميق حزين: -ولو فهمت ذلك ..لعرفت أ�ن هذا القانون اللعين كارثة.. فازدادت ده�شة (م�شكاح) و�س أ�له: -هل �أنت و أ�نت ف أ�ر �ضد قانون حماية الفئران ..إ�نك ف أ�ر ويجب أ�ن تقنا مع قانون يحمي بني جن�سك� ..إن ما يده�شني هو أ�نك تلعن هذا 130 Kalilah and Dimnah final.indd 130 � �� ���� ��:/�/��
القانون وتحر�ضني على �أكل لحم ع�شيرتك.. هز (رماح) الحزين ر�أ�سه المملوءة بالحزن وقال نافذ ال�صبر: � -ستظل غب ًيا يا �صديقي حتى لو �أكلت أ�طنا ًنا من لحم الفئران.. رد ((م�شكاح)) ب�سرعة: -لم أ�فهم.. ف�صاح به (رماح): ولن تفهم على ا إلطلاق.. �سقط ر أ��س (م�شكاح) على �صدره ي�أ�ًسا وقال: � -ساعدني على الفهم ..أ�رجوك و إ�لا طار عقلي.. اعتدل (رماح) في كر�سيه وكان قد جل�س عليه منذ برهة ،وجره نحو ال�سرير و أ�خذ في هدوء ي�شرح للقط �أ�ضرار قانون حماية الفئران من ال�صيد على الفئران.. -و�أخذ ين�شط ذاكرته م�ستعي ًدا تلك ا أليام الخوالي عندما كانت القطط لا هم لها �سوى البحث عن الفئران ،وكانت الفئران تعي�ش على حافة الخطر ك�أي مخلوقات برية رومان�سية وكان �إح�سا�سها الدائم بالخطر يجعلها تتدرب با�ستمرار ،وتكت�سب مهارات فنون الحرب من كر وفر وهرب ومراوغة وقفز ونط واختفاء واحتماء وت�سلق وتزحلق.. كانت الفئران ترى في الظلام ،وتعبر الأنهار �سباحة وتتحمل الجوع والعط�ش ولم يفقدوا أ�ب ًدا ميزة البديهة الحا�ضرة ،وكانوا يثيرون الهلع والق�شعريرة ،ولا يظهرون خوفهم أ�ب ًدا وكانوا ي�سكتون ويتجمدون ل�ساعات إ�ذا ما حو�صروا..كانوا يعرفون مقدار الخطر المترب�ص بهم عند كل ركن وفي كل زاوية ،ولذا اكت�سبوا ح�صانة طبيعية وقدرة على تجنب الخطر واحتمال المكارة ..بل وكانت عندهم مناعة خا�صة على مقاومة الأمرا�ض ..وقدرة خا�صة على �صفاء التفكير ..ولم يعرفوا الك�سل والترهل والبطنة فاكت�سبوا رجاحة العقل والفطنة ..أ�ما ا آلن وبعد �أن حل بهم ا ألمان �صاروا يت�سكعون هنا وهناك بلا عمل ،ي�أكلون في �شراهة ففقدوا القدرة على الفهم بل والقدرة على الحلم وا ألمل.. وعندماو�صلالف أ�ر(رماح)�إلىهذهالنقطةكانالانفعالقدبلغبهمبل ًغا �شدي ًدا ،جعل �صوته يتهدج حز ًنا ،وعينيه تمتلئ بالدموع ..فاحتقن �صوته مماجعلقلب(م�شكاح)يذوبعط ًفاعليهوعلىبنيجن�سهمنالفئران! 131 Kalilah and Dimnah final.indd 131 � �� ���� ��: �/��/
هروب في منت�صف الليل �أح�س (م�شكاح) بتعاطف �شديد مع (رماح) الحزين الباكي الذي كان ي�شرح له م�أ�ساة الفئران منذ أ�ن �صدر قانون حمايتها بتحريم �صيدها ..كان (رماح)رغمحلتهالر�سميةبلي ًغامثي ًراللعطفحتىكاد(م�شكاح)�أني�شاطره أ�حزانه بالبكاء ..لكنه قرر على الفور أ�ن ي�ستجيب لرغبته في تناول طعامه المكون من لحم الفئران ليثبت له �أنه �صار يثق به كف�أر �صديق.. وم�سح (رماح) دموعه بمنديل ورقي معطر ،و�أكمل حديثه قائلاً في هدوء حزين: -وها �أنت ترى بنف�سك ما و�صل �إليه حالنا يا (م�شكاح) ..كنا فري�سة للقطط فقط ..وكنا نعرف كيف نواجه ذلك� ..أما ا آلن فلا توجد مائدة في طول الغابة وعر�ضها ،تخلو من طبق لحم فئران متبل ،أ�و محمر ،أ�و م�شوي؛ �أو م�سلوق ..وظهرت الكتب التي ت�شرح طرق طهي الفئران عل ًنا.. لقد ر أ�يت بنف�سي فئرا ًنا ت�أكل لحم فئران مطهي دون �أن ت�س أ�ل نف�سها من الذي أ�قام تلك الم�صانع ومن �سي�ضمن �أنها لن ت�صبح مادة خام لهذه ال�صناعة بين لحظة و أ�خرى� ..أبعد هذا توجد بلادة ح�س فئراني؟ ع�صر الحزن قلب (م�شكاح) ،حزن حقيقي لقط �صادق يحب لحم الفئران لكنه أ�حب �صديقه (رماح) �أكثر وخا�صة عندما و�ضحت لديه الم�أ�ساة عميقة �إلى هذه الدرجة وكادت الدموع تفطر من عينيه وهو يقول: -يا ل أل�سف ..إ�ذن لقد حلت اللعنة على جن�س الفئران.. �إنها قد تنقر�ض من الوجود ب�سبب ذلك ..قال(رماح) م ؤ�م ًنا على كلامه: -لقد كنا في الما�ضي مف�ضلين عند �أبناء جن�سكم ب�شكل أ��سا�سي.. �أما الآن فقد �صار لحم الفئران مف�ضلاً على كل الموائد ..حتى موائد الفئران ..لقد �صار طبق لحم الفئران في أ�ي �صورة من �صور الطهي الحديث ..مظه ًرا من مظاهر الأبهة الاجتماعية في الغابة ..أ�ترى بعد ذلك غرابة في اتفاقي معك� ..ضد هذه القوانين اللعينة؟ قال القط وقد �سرى التعاطف في عروقه: 132 Kalilah and Dimnah final.indd 132 � �� ���� ��: �/��/
الحقيقة لا ..والحقيقة ا ألخرى الأكثر حقيقية أ�نني �أحبك لدرجة �أنني لن �أفكر في افترا�سك حتى لو �ألغي قانون �صيد الفئران.. قال (رماح) مبت�س ًما في حزن: -بالعك�س يا �صديقي ليتك تفعل ذلك ..وا آلن ..حتى تريحني من عذاب ر ؤ�يتي لقومي يتردون في هاوية البلادة ..و�أن تنحدر بهم ا ألخلاق وين�سون تراث أ�جدادهم الفئران العظام إ�لى هذه الدرجة.. في�ست�سلمون من أ�نف�سهم للمطابخ ويتقدمون للذبح في ك�سل وهم يتثاءبون لأنهم ن�سوا كل معاني الكرامة والهرب. اعتدل القط ورمق (رماح) الحزين بنظرة مت�سامحة و�سحب مائدة الطعام الزاخرة بلحوم الفئران ال�شهية وبد أ� ي أ�كل وهو يقول: � -أنا تحت أ�مرك يا �صديقي ،أ�نا رهن �إ�شارتك ..وعلى ا�ستعداد تام لتنفيذ كل ما تطلبه مني.. اقترب الف�أر منه ثم هم�س في �صوت خفي�ض: الليلة� ..سنعمل على تهريبك من ال�سجن ..ا�ستع�صت اللقمة على البلع ..فناوله كوب ماء وقال: -لا تخ�ش �شي ًئا ،كل �شيء معد وجاهز ..ومتفق عليه ..ما عليك �إلا �أن تكون جاه ًزا للتنفيذ في الوقت المتفق عليه ..وعندما ت�صل �إلى المكان المتفق عليه تبد�أ على الفور في تنفيذ الخطة المتفق عليها ..هل اتفقنا؟ �شرب القط الماء ثم �أ�صدر \"تكريعة\" مريعة وعاود التهام ما أ�مامه من طعام فئراني �شهي متبل وقال: -ولو أ�نني لا أ�ذكر تما ًما ما الذي اتفقنا عليه ..إ�لا أ�نني �أثق تما ًما بك ثقتي في �أمي رحمها الله ..ومت�أكد أ�ننا �سننفذ ما اتفقنا عليه.. وهنا تركه الف�أر متمن ًيا له �شهية طيبة وم�ضى ليجهز ولينفذ ما اتفقا عليه!! عند منت�صف الليل تما ًما ا�ستيقظ (م�شكاح) على �صوت المفتاح يدور ببطء في ثقب الباب.. وفتح الباب على مهل ودون �صوت ،وبرزت منه دمية كبيرة لقط في حجم القط العادي يحملها عدد من الفئران ثم أ�غلق الباب خلفهم بالمفتاح.. 133 Kalilah and Dimnah final.indd 133 � �� ���� ��:/�/��
وارتفعت أ�يدي الفئران نحو أ�فواهها تحذره من �إ�صدار أ�ي �صوت عندما ر�أوا عينيه تلمعان والده�شة تدفعه إ�لى الكلام ..و أ��سرع هو أ�ي ً�ضا ففعل مثلهم وو�ضع �إ�صبعه فوق فمه محذ ًرا وم�صد ًرا �صو ًتا (ه�ش �ش �ش) حتى لا تخرج من فمه �صرخة غبية ولدتها ده�شته من �سرعة و�إتقان الفئران لما فعلوا.. فقد أ��سرعوا بخلع ملاب�سه الخا�صة بالم�ست�شفى دون أ�ن ي�ست أ�ذنوه.. وب أ�يدي مدربة �ألب�سوه رداء ي�شبه رداء الحر�س في العرين الإمبراطوري وهو رداء منقط على طريقة الفهود ال�سوداء ..ثم أ��سندوه على الحائط فظل ملتز ًما بو�ضعه ،وا�ض ًعا إ��صبعه على فمه إ�معا ًنا في إ�جبار نف�سه على ال�صمت ..ور�آهم وهم يلب�سون الدمية ملاب�سه فكاد ال�ضحك أ�ن يغلبه لولا نظرات لوم من �أحد الفئران الن�شطين.. فاعتذر ب إ��شارة وم�ضى يتابع حركتهم وهم يحملون الدمية ويرقدونها في �سريره فعاودته الرغبة في ال�ضحك من فرط �سروره وهو يرى نف�سه نائ ًما في نف�س مكانه ،هاد ًئا ،ي�صدر �شخي ًرا مثل �شخيره بال�ضبط.. لكنهم لم يتركوا له فر�صة التمتع بالمنظر الم�ضحك ،و إ�نما أ�عادوا تحذيره ،ودفعوه نحو الباب حيث دقه �أحدهم دقات منغمة خا�صة فانفتح على الممر الطولي الذي قطعوه في ثواني وهو و�سطهم ي�سير على أ�طراف أ��صابعه و�سبابته ما تزال معلقة �أمام فمه.. في �آخر الممر كان عدد من الحرا�س والعاملين في الم�ست�شفى يلعبون لعبة (�آذان الخيل) الورقية في ان�سجام تام ..وهي لعبة م�ضحكة ت�سلب من يندمج فيها لبه فيكون من ال�صعب عليه ملاحظة هروب �أي حيوان.. حتى لو كان ق ًطا مثل (م�شكاح) و�سط مجموعة من الفئران.. وعند البوابة الرئي�سة حياهم الحار�س ن�صف النع�سان تحية ر�سمية ثم ختم أ�وراق الزيارة و أ�غلق الباب خلفهم وهو يتنهد بكل حر�ص.. عندما وجد القط (م�شكاح) نف�سه في ا ألحرا�ش ولي�س حوله �أية جدران �أو أ��سوار قرر �أن يتخل�ص من ده�شته ليواجه الموقف الجديد وتذكر �أنه لا يزال تار ًكا �إ�صبعه معل ًقا أ�مام فمه في حركة تحذير عبيطة ف أ��سرع و�أنزل ذراعه مت�أملاً الموقف الذي أ�خذ يت�ضح له ببطء �شديد.. إ�ن (رماح) �صديقه الر�سمي �صاحب الغليون قد نفذ ما وعده به.. ها هو ينقذه من الموت ويهربه من �سجن ا إلمبراطور المرعب ..لقد نفذ 134 Kalilah and Dimnah final.indd 134 � �� ���� ��:/�/��
الاتفاق تما ًما من ناحيته لكن (م�شكاح) حتى الآن لم يفهم ما هو المطلوب منه ..إ�ن لكل اتفاق طرفان فما الذي يجب عليه �أن يفعله ليفي هو أ�ي ً�ضا بوعوده -التي لا يعرفها -تنفي ًذا للاتفاق الذي لا يعرف ملامحه. و أ�خذ ال�س ؤ�ال يلح عليه ب�شدة: -ما الذي يريده الف�أر (رماح) منه لقاء إ�طلاق �سراحه و إ�نقاذه من �إعدام محقق؟ جاءته الإجابة ب�سرعة مذهلة.. -فعند أ�ول انحناءة في الطريق ر�أى (رماح) في زيه الر�سمي قاد ًما وهو محاط بموكب من حيوانات الحمل والحرا�س يحملون �أكيا�ًسا و�صناديق مختلفة ا ألحجام وا أل�شكال ..ودون كلمة ..التحم الموكبان واتجها في �صمت نحو �شجرة تين بنغالي عالية كثيفة الجذور لدرجة تبدو معها كتلة واحدة مت�شابكة لا منفذ فيها ..لكن الحر�س �أزاحوا بع�ض الجذور فانفتح فيها ممر �ضيق انح�شروا فيه واح ًدا بعد ا آلخر �إلى م�ساحة خفية وا�سعة تحت الجذع الرئي�سي لل�شجرة.. وهناك �أنزلت الحيوانات �أثقالها على الأر�ض وب إ��شارة من الف أ�ر (رماح) ان�صرف الجميع في لمح الب�صر �أو اختفوا بين الجذور المت�شابكة.. لم يتح الفر�صة لـ (م�شكاح) �أن يتبين ا ألمر.. بقى (م�شكاح) و(ورماح) وحدهما دون كلمة ..ثم انفجر (رماح) �ضاح ًكا وا�ستمر ي�ضحك حتى ا�ضطر (م�شكاح) لمجاراته دون أ�ن يفهم �سب ًبا ل�ضحكاته لكن (رماح) لم يهتم بذلك ودعاه للجلو�س و أ��شعل م�صبا ًحا له �ضوء بارد ك�ضوء �أجنحة الفرا�شات الا�ستوائية ..على �ضوئه أ�خذ (م�شكاح) يت أ�مل المكان الغريب ..الذي كان مجه ًزا بكل و�سائل الراحة ل�صياد جبلي �أو لقاطع طريق� ..أو لمجرم خارج على القانون.. كانت هناك �أ�سلحة مختلفة و�شباك �صيد وحراب من مختلف الأطوال ..وفخاخ من مختلف ا ألحجام ل�صيد مختلف الحيوانات.. لكن م�صائد الفئران كانت كثيرة بحيث أ�عطت انطبا ًعا أ�ن هذا المكان يخ�ص مطاردي الفئران المخالفين لقانون الحماية الم�شهور!! 135 � �� ���� ��: �/��/ Kalilah and Dimnah final.indd 135
ع�صابة م�شكاح التفت (رماح) نحو (م�شكاح) في ود وقال: -والآن يا �صديقي ابتد أ� الجد ..وها هي فر�صتك لكي تنفذ ما اتفقنا عليه ..إ�ن هذا المكان ال�سري لا يعرفه إ�لا م�ساعدي المخل�صين وجذور التين تحجبه تما ًما عن أ�عين المتطفلين والب�صا�صين ..فهو �إذن المكان المثالي الذي يمكن أ�ن تحتمي به أ�نت وع�صابة القطط التي �ستكونها يا (م�شكاح) لتبد أ� مهمتك الجديدة كما ين�ص اتفاقنا.. كعادته لم يفهم عندما تفاجئه ا ألحداث وتت�سارع حوله ..فقال في ده�شة وا�ستغراب يليقان بقط لم يفهم: ع�صابة؟� ..أية ع�صابة؟ ..هل �س�أكون ع�صابة من القطط؟ ولماذا؟ لم يكن (رماح) على ا�ستعداد لابتلاع غ�ضبه �إزاء هذا الغباء ف�صاح به متعم ًدا �إظهار نف�سه أ��شد غ�ض ًبا: هل أ�نت غبي؟ �أم تتغابى؟ هل �أنقذتك من ال�شنق لتتراجع عما اتفقنا عليه؟ رد القط ب�سرعة معتذ ًرا ل�سوء الفهم هذا؛ أ�نا لم أ�تراجع عن اتفاقنا.. على العك�س �أنا متفهم له غاية الفهم ..ولكني حتى ا آلن لم أ�عرف ما هو المطلوب مني؟ ا ألمور تجري ب�سرعة و�أعجز عن ملاحقتها ف أ�رجوك.. واحدة ..واحدة ..حتى أ��ستوعب الموقف. قال (رماح) في �سخرية: كنت أ�ظن أ�نك �أكثر ذكاء ولذا اخترتك بعد ملاحظة �شديدة من بين ع�شرات القطط ال�سجينة� ..إنني �أتعجب كيف كانت الفئران تخاف منكم إ�ذا كان الباقون مثلك يمتلكون هذا القدر ال�شائن من الغباء. أ�ح�س القط ألول مرة بالإهانة ..فزمجر وك�شر وبد أ�ت تنتابه نوبة غ�ضب..والعجيب�أن(رماح)�سرلذلكووقفم�شج ًعاينتظرانفجارغ�ضبه. هيا ت�شجع ..اغ�ضب لكرامتك� ..ألا تح�س با إلهانة ألن ف أ� ًرا مثلي �أهان بني جن�سك ..هه ..ل�ست ا آلن في ال�سجن ول�ست أ�نا ف�أ ًرا ر�سمي.. �إنك الآن قط حر و أ�نا ف�أر لا �أكثر ..هيا ..إ�نني أ�تهمك بالغباء ..وهي تهمة كادوا يقطعون رقبتك ألنك اتهمت بها (القانون) الذي �أ�صدره المرعب� ..أنها تهمة حقيرة ..فافعل �شيئا لتدافع به عن كرامتك. 136 Kalilah and Dimnah final.indd 136 � �� ���� ��:/�/��
لم ت�ؤت كلمات (رماح) المثيرة إ�لا برد فعل عك�سي ..فقد ذهب غ�ضب (م�شكاح) تما ًما ..ووقف منده�ًشا يتابع الف أ�ر وهو ي�ستثير غ�ضبه في هدوء ..وعدم فهم ..وهو يت�ساءل؛ لماذا تريد ا�ستفزازي ..لقد وعدت ب أ�لا �أفتر�سك حتى لو أ�تيحت لي الفر�صة� ..أنا لا �آكل أ��صدقائي ..فا�سترح أ�نت واهد�أ وحاول �أن ت�شرح لي ما هو المطلوب مني ألنفذه فو ًرا.. بلع (رماح) انفعالاته وقال في هدوء: أ�ريدك �أن تكون ع�صابة من القطط ال�شر�سة الغا�ضبة ..تزلزل �أمان الفئران وتهز �أمن الغابة ..وتدك �أ�سا�سات ومبررات ذلك القانون الغبي الذي يمنع �صيد الفئران. قال (م�شكاح): �أتريدني وتحر�ضني على مخالفة القانون و�أنت �أحد حرا�سه يا (رماح)؟ تمالك (رماح) نف�سه وبلع ب�صعوبة وقال: �أنت بهروبك يا �أبله خالفت القانون بالفعل ..و�أ�صبح حكم الإعدام الذي ينتظرك لأكل لحوم الفئران حكمين لا حك ًما واح ًدا ..و�ست�شنق مرتين �أ�شدهما ب�سبب هروبك و�سيكون ذلك بمجرد القب�ض عليك وبدون محاكمة ألنك لم تثق في عدالة ا إلمبراطور أ�مام التهمة الأولى وعمدت إ�لى الهرب ..أ�ي �أنك �سوف ت�شنق ..فما الذي ي�ضيرك من تكوين ع�صابة ل�صيد الفئران؟ وك�أنما لم يفهم (م�شكاح) �شي ًئا فعاودته حالة الغباء وقال: -وما فائدة ذلك؟ ..إ�ن �صيد الفئران محرم نفذ �صبر (رماح) وقال: �أعرف أ�يها الغبي! �صيد الفئران محرم ..و�أنا ف�أر و أ�دعوك ل�صيد بني ع�شيرتي ..نعم أ�ريد �أن تكون ع�صابة �شر�سة مخالفة للقانون لكي ت�صيدوا كل ف�أر يقع عليه ب�صركم ..وهو أ�مر �سهل ألنهم موجودون في كل مكان ك�سالى و أ�غبياء ولحمهم �صار الطبق المف�ضل على كل الموائد. قال (م�شكاح): -أ�عرف ذلك ..ولماذا نتعب أ�نف�سنا �إذا كان لحمها متوف ًرا ..لماذا نكون ع�صابة ونتعب �أنف�سنا بالمخالفة للقانون.. هنا ا�شتد الي�أ�س بـ (رماح) ..و أ�ح�س �أنه لا �سبيل لإفهام هذا القط 137 Kalilah and Dimnah final.indd 137 � �� ���� ��: �/��/
الغبي ..ف�صاح �صيحة غا�ضبة ..فامتلأ المكان عن آ�خره بالحر�س.. ان�شقت عنهم الجذور المتكاثفة �شاهرين �أ�سلحتهم ومخالبهم.. و�صاح (رماح): -خذوه� ..أعيدوه �إلى ال�سجن ..إ�ن أ�مثاله من الهاربين الأغبياء لا ي�ستحقون إ�لا ال�شنق على الفور ..هيا.. انهار (م�شكاح) تما ًما و�سقط على ركبته باك ًيا مت�ضر ًعا ي�ستعطف (رماح) �ألا يعيده �إلى ال�سجن ..طال ًبا منه بع�ض ال�صبر حتى يفهم و�سيجده عند ح�سن ظنه ..أ��شار (رماح) للحر�س فتراجعوا بانتظام واختفوا ومد يده إ�لى القط و أ�عانه على النهو�ض وهو يطيب خاطره.. بكى (م�شكاح) وهو يعتذر �إليه ب�شدة لأن الغباء يتملكه عندما يجوع فلا ي�ستطيع ا�ستيعاب ا ألفكار الهامة ..ألن �صراخ معدته يغلق منافذ الفهم في عقله.. و�أبدى الف�أر تفه ًما ألنه يعرف ذلك عنه ..ف�أ�صدر �صو ًتا خا ً�صا فانفجرت جذور التين البنغالي عن �أربعة حرا�س يحملون مائدة عامرة ب�ألوان عديدة من الطعام المف�ضل لديه والم�صنوع من لحوم فئران طازجة ..و�ضعوها أ�مام القط وتراجعوا �إلى مكانهم.. تردد (م�شكاح) قليلاً وقد ات�سع منخاريه �شو ًقا وا�شتيا ًقا للرائحة ال�شهية ولم يجر�ؤ على التقدم نحوها على الفور ف أ�خذ يت�شمم الهواء محاو ًال �إبعاد أ�فكاره منتظ ًرا ا إلذن له بالأكل.. وتركه (رماح) ليتعذب قليلاً حتى بد�أ الف�شل في التظاهر بالتما�سك يبدو عليه ف�سمح له فانق�ض عليها انق�ضا�ض الن�سر على ف�أر مذعور! ما أ�ن ابتلع عدة لقيمات كبيرة حتى �سكتت آ�هات معدته وابتد�أت نوافذ الفهم في عقلة تتفتح قليلاً قليلاً وبدا عليه الا�ستعداد للفهم.. فاقترب (رماح) وجل�س بجواره وابتد�أ يحكي له كمن يتلو على طفل على و�شك النوم حكاية م�شوقة ..قال (رماح): � -س أ�عيد عليك ما �سبق أ�ن رويته لك من البداية فحاول �أن تركز لأنها �ستكون �آخر مرة أ�حكي لك فيها من البداية عن م�أ�ساتنا التي ت�ضطرنا للتعامل معك بهذا ال�صبر ..و ألن تكرار ما قلت �سيخل ببناء الرواية التي يكتبها الم ؤ�لف عنا ..و�صحيح �أن التكرار يعلم الحمار حتى لو كان ق ًطا ..ولكن ما ذنب القراء؟ المهم ..أ�نت تعرف أ�ن (المده�ش أ�بو لبدة) 138 Kalilah and Dimnah final.indd 138 � ��/���� ��:� ��/
حرم مهنة �صيد الفئران إ�كرا ًما لذلك الف�أر الغبي الذي أ�نقذ حياته عندما وقع في �شباك الفخ اللعين ذات يوم ب�أن قر�ض الحبال ،فجلب بفعلته العار على جن�س الفئران. و�ست�س أ�لني طب ًعا كما يفعلون في الحكايات الكلا�سيكية عن الحيوانات ..كيف كان ذلك؟! �أقول لك ..لم تعد الفئران كما كانوا.. حذرين ن�شطين يفهمون كل إ��شارة خطر وي�ستجيبون لكل دافع للحياة.. لم يعودوا يدربون أ�نف�سهم ولا أ�ولادهم على التعلق بحبال النجاة.. من الم أ�زق والأخطار ولم يعودوا يلقنونهم درو�س الحكمة في الحذر وال�صبر وفنون التخفي والهرب مما كان ي�شحذ خيالهم وينمي فنونهم مثلما كانوا يفعلون ومثلما كان حالهم حتى ذلك اليوم الم�ش�ؤوم الذي �صاروا فيه �آمنين ي�شغلون أ�رقى المنا�صب والمراتب في العرين فركنوا إ�لى الك�سل والرخاوة ..حتى �سمنوا فلم يعودوا ي�صلحون ل�شيء �سوي الأكل وتزيين كل الموائد.. و أ�نت بنف�سك لم�ست �أننا نحن الفئران عندما نريد أ�ن نكرمك نقدم لك لحم الفئران ..هل هذا عدل يا (م�شكاح) ..هل هذه حياة تليق بالفئران! كان (رماح) يحكي وقد زاد انفعاله مما �أثر ب�شدة في وجدان وعقل القط المندمج في التهام لحم الفئران فعبر بكل حركة ممكنة لا تعطله عن الم�ضغ والبلع عن فهمه للموقف وا�ستيعابه ل ألمر.. وا�ستمر (رماح) يقول وقد ذاد انفعاله كلما ت أ�كد أ�ن القط بد أ� في تفهم الموقف: -لا تخذلني يا (م�شكاح)� ..أريدك �أن تعيد الفئران إ�لى �صوابهم و أ�ن ترد لهم عقولهم� ..أريدك �أن ت�شن مع ع�صابتك حر ًبا �شعواء تحرمهم من الأمان وتدفعهم إ�لى تذكر ما�ضيهم المليء بالحركة وا إلبداع.. �أريدهم فرائ�س �صعبة تقاوم عندما تطارد وترد الهجوم قدر ا�ستطاعتها لا أ�ريدهم �أن يظلوا �صي ًدا �سهلاً وطعا ًما على كل الموائد.. ارحمني يا (م�شكاح) ..ف�أنت لا تعرف مقدار م�أ�ساتي . 139 � �� ���� ��:/�/�� Kalilah and Dimnah final.indd 139
قناع القردة انتهي (م�شكاح) من طعامه وبدا عليه الفهم التام لكل ما قاله (رماح) الذي كان الانفعال قد بلغ به مبل ًغا كبي ًرا وهو يكمل �شرح م�أ�ساته: -لعلك الآن تدرك �سر اهتمامي �شخ�ص ًيا بهذا الأمر ..ألنني أ�نا الذي جلبت العار على بني جن�سي ..و أ�نا ال�سبب في �إ�صدار ذلك القانون ،ولو كنت أ�عرف ما �سيجره إ�نقاذي للمرعب من الأ�سر على بني جلدتي لتركته ي�صبح لاع ًبا في �سيرك أ�و �أ�سي ًرا في حديقة حيوانات.. �إنني أ�تعذب يا (م�شكاح) ..لقد ا�ستمر�أ الفئران حياة ا ألمان فتحولوا لفرائ�س �سهلة غير �شرعية هل ت�صدق ..إ�ن بع�ض الأرانب الار�ستقراطية ..ت�أكل لحم فئران م�صنع على هيئة �أعواد بر�سيم خ�ضراء؟ أ�ت�صدق؟ وانخرط (رماح) في بكاء م�ؤلم عندما و�صل إ�لى هذا الموقف المحزن الذي أ�غاظ (م�شكاح) نف�سه ..أ�ن ت�صبح الفئران طب ًعا على موائد الأرانب ..إ�ن هذا كثير ..كثير.. ا�ستعاد (م�شكاح) كل لياقته البدنية والعقلية بعد أ�ن �أتى على كل ما على المائدة من أ�طباق �شهية ..فربت على كتف الف�أر في حنان حقيقي ون�صحه أ�ن يم�سح دموعه و أ�ن يتما�سك حتى لا يراه أ�حد أ�تباعه في لحظة �ضعفه هذه فيفقد احترامه له ..و أ�ق�سم له بحق ما بينهما من �صداقة أ�نه �سينفذ كل طلباته ..و�سوف يحيل حياة الفئران �إلى جحيم ليرفع عنهم ذل الحياة الناعمة الك�سول التي حولتهم �إلى فرائ�س �سهلة غبية حتى ل ألرانب ..و�صافحه (رماح) مود ًعا وهو ي�شد على يده في حما�س وود متمن ًيا له النجاح في مهمته وهو يقول: -لديك هنا كل ما يلزمك من �أ�سلحة و�أدوات ونقود تكفي لتدريب جي�ش كامل من القطط فابد�أ على الفور ..ولن �أن�سى �أب ًدا هذا المعروف.. ولن ين�ساه ال�شرفاء من جن�س الفئران� ..إن كل ما �سترتكبه من أ�عمال فظيعة �سوف ترفع الذل عن جن�س الفئران وتعيد أ�جيالنا �إلى الحياة ال�صعبة التي فطرونا عليها ..هيا ..و�سوف تجد مني كل م�ساندة ممكنة.. قال هذا وتركه واختفى بين جذور �شجرة التين المت�شابكة بينما فرك (م�شكاح) كفيه وهو يت أ�مل ذلك المكان المح�صن الرائع ويفكر في بداية �صارخة ليعلن بها الحرب على الفئران كي يعيد لهم كرامتهم ال�ضائعة. (المذبحة) هكذا �صدرت �صحيفة الموز الا�ستوائي يت�صدرها هذا 140 Kalilah and Dimnah final.indd 140 � �� ���� ��:/�/��
المان�شيت المثير ألن �أحد محرريها كان مدع ًوا لحفل عيد الميلاد الذي كانت تقيمه �إحدى عائلات الفئران الر�سمية لع�شرين من �صغارها ولدوا في �ساعة واحدة بجوار بئر ا ألمنيات ،التي تتو�سط الم�سافة بين حي ا ألرانب و�ضاحية الفهود ..و�شاهد المحرر بنف�سه ور�صد الحادث الرهيب.. الذي اندفعت فيه تلك الوحو�ش الغريبة التي ت�شبه القطط و�إن كانت ترتدي �أقنعة ت�شبه ر�ؤو�س القردة مقتحمة حفلاً فحطمت روعة المو�سيقى وقلبت ال�ضحكات �إلى �صرخات فزع ورعب و أ��ضاف المحرر: �إن المهاجمين لم ت�أخذهم �شفقة أ�و رحمة ب أ�حد ،ويبدو �أنهم مدربين تدري ًبا راق ًيا على أ��صول وقواعد مهنة �صيد الفئران المحرمة مما أ�ثار ده�شة الجميع ،و�شل تفكيرهم خا�صة بعد أ�ن كانوا قد ظنوا �أنها اندثرت و أ��صبحت من المهن المنقر�ضة بف�ضل قوانين التجريم الم�شهورة.. وقد بدت جموع الفئران في الحفل عاجزة وبلا حيلة ..وتلك (الوحو�ش) تنق�ض عليها فتحيل �سعادتها حز ًنا وغناءها �صرا ًخا م�ؤل ًما.. وي�ستمر المحرر في الت أ�كيد.. (�إن الوحو�ش لم تتعر�ض له ب أ�دنى أ�ذى لأنها على ما يبدو قد لاحظت أ�قلام الب�سط التي يحملها و�أوراق الموز التي ي�سجل عليها تفا�صيل ما جرى ويبدو أ�نها كانت تريد من ا إلعلام أ�ن يحكي بقوة عن الحادث ..وتعرف أ�ن جريدته بالذات هي �أو�سع جرائد الغابة انت�شا ًرا وبذلك تنت�شر �أخبار مذبحتهم التهديدية ب�سرعة وك أ�نها تريد تحدي الغابة وقوانينها وتعلن م�س�ؤوليتها المبا�شرة عن الحادث الجلل). ا�شتد غ�ضب المرعب (�أبو لبدة المده�ش) عندما و�صلته أ�نباء الهجوم الغادر على حفل عيد الميلاد الفئراني ..وعقد مجل�سه الا�ست�شاري ب�سرعة لمواجهة الموقف ولكن �صديقه الف أ�ر (رماح) عندما طلب منه باعتباره ممثلاً لجن�س الفئران في المجل�س �أن يبدي ر�أيه ..فاج أ�هم ب�أنه يعتبر الحادث حاد ًثا فرد ًيا ولا يجب الاهتمام الزائد به فهو مجرد جريمة لمجموعة من الحيوانات ال�سكارى بدليل ارتدائهم لأقنعة م�ضحكة عند هجومهم الغادر.. ولما كان المرعب يثق فيه ثقة مطلقة .ولأنه الف أ�ر الوحيد في المجل�س.. فقد وافق المجل�س على تحويل المو�ضوع برمته �إليه و إ�لى لجنة ي�شكلها للتحري والبحث حتى يكون القرار قائ ًما على معلومات �صحيحة.. 141 Kalilah and Dimnah final.indd 141 � �� ���� ��:/�/��
وفي الحقيقة أ�نه لج�أ إ�لى ذلك حتى يعطي الفر�صة ل�صديقه (م�شكاح) �أن يكفر فعلته دون مواجهة حقيقية حتى ت ؤ�تي الحوادث ثمارها المرجوة ..لا على الإمبراطور ولكن على جن�س الفئران نف�سه الذي لا بد �أن (المذبحة) قد �أطلقت بينهم �صفارة إ�نذار �شديدة ومريرة؛ وحتى لا يعوق تدخل ا إلمبراطور بقوة خطته أ�ن يذوق بنو جن�سه ب�شاعة الافترا�س الغادر ليعيد إ�ليهم قدراتهم الميتة على حماية �أنف�سهم ب�أنف�سهم ..ولو كان ال�سبيل إ�لى ذلك تقديم المزيد من ال�ضحايا البلهاء.. وكما توقع الف�أر على عك�س ما اقنع به المده�ش ..هاجمت نف�س الع�صابة المجهولة حفل زفاف فئراني جماعي تعودت �إحدى العائلات الفئرانية ال�سابقة إ�قامته في موعد محدد كل عام على �شاطئ نهر الخيار لمن بلغ �سن الزواج من أ�فرادها.. وبلغ بها الا�ستهتار والغباء �أنها لم تقم اعتبا ًرا للهجوم ال�سابق فكان ال�ضحايا �أكثر ..وكان وقع الحادث أ�كبر ..خا�صة وقد (ت�صادف) وجود نف�س المحرر ب�صحيفة الموز الا�ستوائي في ذلك الحفل ..ففاز بال�سبق ال�صحفي للمرة الثانية وبيعت كل الن�سخ من �صحيفته و أ�عيد طبعها عدة مرات لي�صدر قرا ًرا من رئي�س تحريرها بترقيته وتعيينه رئي�ًسا لق�سم �أخبار المذابح الفئرانية الجماعية ..الذي �أن�شئ ب�سرعة وزود بكل ا إلمكانات.. وفي العرين كان الغ�ضب قد بلغ مداه ..وز�أر المرعب زئير الخوف فهز أ�عماق �سكون الغابة ..وزلزل �أمانها ..فتوقع الجميع �ش ًرا م�ستطي ًرا.. وا�ستدعى ا إلمبراطور �صديقة (رماح) على عجل وقبل أ�ن يطلب منه تف�سي ًرا قدم (رماح) له تقري ًرا مف�صلاً عن الخطر الداهم الذي تعر�ضت له الغابة و�ستظل تتعر�ض له ..طالما ظل قانون تحريم �صيد الفئران قائ ًما ..لأن كل ممنوع مرغوب ولأن كل الحوادث أ�ثبتت أ�ن ا ألمر يتعلق بالفئران دون غيرها ..وك�شف التقرير عن طبيعة الع�صابة و أ�نها مكونة من عدد من القطط المتمردة على القانون نف�سه.. -لقد أ�ردت يا مولاي أ�ن أ�جنبك القلق ..فكلفت خير م�ساعدي ب أ�ن يبحثوا ا ألمر من كل جوانبه ..إ�ننا في ع�صر المعلومات ولم تكن لدينا المعلومات الكافية من قبل لن�صدر حك ًما� ..أما الآن فكل التفا�صيل معرو�ضة على جلالتكم وكلها ت ؤ�كد �سلامة وجهة نظركم وعمق حكمتكم 142 Kalilah and Dimnah final.indd 142 � �� ���� ��: �/��/
التي �أ�صدرتم بها قانون حماية الفئران بتحريم مهنة �صيدهم ..وهي �أي ً�ضا ت�ؤكد حكمتكم لو �أنكم بعد الاطلاع على هذا التقرير قررتم �إلغاء هذا القانون المخالف لطبيعة ا ألمور الحيوانية والم�ضاد لد�ستور الغابات الخالدة.. كان (رماح) م ؤ�ث ًرا كعادته فا�ستحوذ على إ�عجاب الجميع بما فيهم ا إلمبراطورة ..و أ�خذ ((�أبو لبدة المده�ش)) يقلب �أوراق التقرير ب�إمعان �أو تظاهر بذلك مبد ًيا بين لحظة و�أخرى علامات الإعجاب. ف�أمر بت�شكيل عدة لجان فنية لدرا�سة الموقف خا�صة و أ�ن الحوادث بد أ�ت ت�سري أ�نبا�ؤها من كل أ�نحاء الغابة.. و أ�جمعت اللجان كلها على ما تو�صل إ�ليه التقرير ا ألول الذي حظي بموافقة ا إلمبراطور من أ�ن هذه الع�صابة �إنما هي �إفراز طبيعي لإلغاء مهنة �شريفة وتاريخية وهي مهنة �صيد الفئران التي تخ�ص�ص فيها القطط منذ الع�صور الأولى.. و أ�لقى الف أ�ر (رماح) خطا ًبا تاريخ ًيا طالب فيه -لا بتوفير الحماية للفئران -ولكن برفعها عنهم لأن الطبيعي �أن يدافع كل حيوان عن نف�سه (هذا هو قانون الغابة الأزلي) ولكنه طالب بمهلة إلعادة تدريب ا ألجيال الجديدة من الفئران على فنون الدفاع عن النف�س ..وختم خطابه بلهجة م�ؤثرة وهو يقول: � -إن عطفك يا مولاي المده�ش كان �شاملاً وعا ًما لدرجة أ�ن الفئران في ظله تكاثروا وانت�شروا و�سمنوا وارتقوا بطريقة لا تلائم مكانتهم التاريخية ..في ال�شقوق والجحور ومجاري المياه ومن حقهم أ�ن ترفع عنهم حمايتك ليتمكنوا من مواجهة أ�عدائهم الذين من حقهم هم �أي ً�ضا �أن تكون لهم مهنة �شريفة كتبت عليهم منذ أ�يام الطوفان الكبير حيث كلف القط بمطاردة الف أ�ر حتى لا يترك له فر�صة لخرق ال�سفينة.. وفي الوقت الذي بد أ�ت فيه تدريبات �شباب الفئران وت أ�هيلهم لمواجهة �شروط الحياة الجديدة ..تم تدريب الكبار على ا�ستعادة لياقتهم لا�ستعادة نمط الحياة القديم لخو�ض ال�صراع التاريخي بين القطط والفئران الذي تعطل ق�س ًرا هاذت الكارثة.. وبالتدريج ق ّلت هجمات ع�صابة القطط المدبرة التي قادها بجدارة القط (م�شكاح) وق ّل اهتمام �صحيفة الموز الا�ستوائي بها و إ�ن كانت قد 143 Kalilah and Dimnah final.indd 143 � �� ���� ��:/�/��
أ�فردت �صفحات جديدة للحوادث العادية التي انت�شرت ب�شكل طبيعي بين القطط والفئران.. وتوارى الفئران معظم الوقت عن ا ألنظار وعادوا لل�سير في الظلام فا�شتدت حدة أ�ب�صارهم ..وتعودوا ت�سلق الأماكن ال�صعبة فنمت ع�ضلاتهم وزال ترهلهم واحتلوا كما تعودوا كل أ�ركان الغابة المظلمة وحواف الجداول المعقدة الجذور. والغريب أ�ن �سعر لحوم الفئران ارتفع ارتفا ًعا جنون ًيا واحتكر بع�ض المجهولين الكبار �صناعة تعيلب لحم الفئران المتبل وبدون �أن يبدو الأمر مق�صو ًدا ..دبر (رماح) لـ (م�شكاح) ورفاقه وظائف كبيرة في هذه الم�صانع ..التي اكت�سبت �شهرة عالمية وك�سبت �أموا ًال طائلة. وهكذا عادت القطط لممار�سة حياتها الطبيعية دون خوف و�صدر عف ٌو عام على �أولئك الذين خالفوا القانون ال ُملغى وظهرت على �صدر �صحيفة الموز الا�ستوائي �صورة تاريخية نادرة للقط (م�شكاح) والف أ�ر (رماح) م�ستغرقين في �ضحك ٍة عميق ٍة ي�شاركهما فيها المرعب نف�سه.. وهما يعلنان ت�أ�سي�س �شركة م�شتركة بين القط والف أ�ر لتوفير �أدوات �صيد الفئران ولمهمات الدفاع �ضد القطط كبداية لعودة الحياة الطبيعية ،للحياة في الغابة ..وكان تحت ال�صورة تعبير �ضاحك يقول فيه الف�أر (رماح) -إ�نني أ��شهد لك بالبراعة ..ولكن لن �أعطيك فر�صة ما لتذ ّوق لحمي ..حتى ولو بد�أنا حر ًبا �شرعية عادلة ..يكون �شاه ًدا علينا فيها حبيبنا و�إمبراطورنا المرعب (�أبو لبدة المده�ش)!! و�سي�صدقونني ..فلا �ش أ�ن لك بنا.. و�سكت طب ًعا ..فلب�سب�س الحق في �أن يت�صرف بحرية ..كل القطط لها الحق �أن تت�صرف بحرية ..ولكنني �أعلن ب أ�على �صوت أ�نه لا �شان لي بهذا القط أ�و بحكاياته �صادقة كانت أ�م كاذبة ..وهو وحده الم�س�ؤول عنها ..و�أنتم طب ًعا إ�ن �صدقتم أ�ن هناك ق ًطا يمكن أ�ن ي�ؤلف حكايات حقيقة ..فا�سمعوها أ�نتم منه� ..أما �أنا ..فقد �سمعتها أ�لف مرة ..ورغم ذلك �س أ��سمعها معكم للمرة ا ألولى بعد الألف.. قال ب�سب�س: -كان ياما كان ..كنت في زم ٍن ما�ٍض بعيد �أعي�ش في الغابة.. وكانت الغاب ُة مثلها مثل �أي غابة ..وا�سع ًة �شا�سع ًة ..كبيرة خ�ضراء فيها 144 Kalilah and Dimnah final.indd 144 � �� ���� ��:/�/��
أ��شجار من كل الأنواع وجميع الأ�شكال ..العالية والق�صيرة وال�سميكة والرفيعة ..القائمة والزاحفة� ..ألف �صنف ونوع ..وفي تلك الغابة.. مثلها مثل أ�ي غابة ..كانت تعي�ش حيوانات من كل نوع� ..أنواع تعرفونها و أ�نواع لا تعرفونها ..هناك القطط والكلاب والأرانب والأفيال ..وال�سباع وال�ضباع ..والقنافذ والقلا�شط والمفاجيع والمقا�شط والجرابيع وال�سيد ق�شطة .حيوانات كثيرة ..أ��شكال و أ�لوان.. باخت�صار ..كانت الغاب ُة مثلها مثل �أي غابة ..غابة حقيقة.. �ستقولون �إن مل َك الغابة كان �سب ًعا..لأ طب ًعا ..لي�س هذا �صحي ًحا ففي �أيامي تلك كان ملك الغابة هو جدي العزيز العجوز ..ب�سبو�س الأول!! أ�ت�ضحكون؟! لكم الحق ..ف�أنتم تظنون �أن القط لا ي�صلح لحكم الغابة؟! ولكنكم مخطئون في ظنكم ..و�صدقوني� ..أن أ�ي قط� ..أو �أي دب من �أي نوع ..ي�ستطيع �أن ي�صبح مل ًكا على �أية غابة في الدنيا ..فما بالكم وجدي هو ب�سبو�س �صاحب المواهب التي لا يمكن أ�ن تتوفر إ�لا لقلة من القطط في ع�صر واحد ..حيث ي�شاء وحين ي�شاء ..و�أكثر من ذلك كان ِمواء جدي �ساعة الغ�ضب يجعل كل الحيوانات تخاف أ�و على ا ألقل تتظاهر بالخوف خو ًفا من جدي ..الفيل نف�سه كان يك� ّش من الخوف في�صبح ف أ� ًرا ..وهذا ال�سر في وجود تلك الحيوانات التي ت�سمى قلا�شط وهي فئران لها زلومة ..ما زلتم ت�ضحكون.. على �أية حال� ..سواء كنتم ت�ضحكون معي �أو ت�ضحكون علي.. فا�ضحكوا ..الذنب لي�س ذنبكم ..ولكنه ذنب تلك الكتب التي تقول دائ ًما ..إ�ن ملك الغابة ..لا بد أ�ن يكون أ��س ًدا ..ولم تتوا�ضع مرة لتقول إ�ن القط يمكن �أن يكون مل ًكا على غابة.. الكتب يا �أ�صدقائي كما أ�عتقد لا تثق في القطط .وما دام قانون الغابة يقول في �أول مادة �إن ملك الغابة هو ال�سبع بالتحديد ..ف َمن ي�ستطيع �أن يقول غير ذلك ..ال�ِّسباع و�ضعت ذلك القانون وهي تحميه ..ولكن جدي رغم ذلك ..ورغم أ�ن أ�ح ًدا لم يكن يفكر في غير ذلك ..ا�ستطاع أ�ن يثبت �أنه ي�ستطيع أ�ن يكون مل ًكا على الغابة ..خل ًفا لل�سبع الذي كان يتولى عر�شها قبله وا�سمه (�سبع البرمبة) ..وهو �سبع عجوز له لبدة فاخرة من النوع الغ�ضنفر.. 145 Kalilah and Dimnah final.indd 145 � �� ���� ��: �/��/
وكان ذلك ال�سبع قد حاز إ�عجاب الحيوانات وا�ستحق احترامها.. فقد كان رهي ًبا عجي ًبا �شديد البط�ش والق�سوة له قب�ضة من حديد.. كالحديد ..وعندما كان يغلبة النوم -ولقد كان النوم هو ال�شيء الوحيد الذي ي�ستطيع �أن يغلبه -ينام ..ويترك �صوت �شخيره ي ؤ�كد للجميع �أنه يراهم وي�سمعهم ..فكانت الحيوانات تكتم �أنفا�َسها وت�سير في حذ ٍر �شديد خ�شية إ�يقاظه ..من النوم . وفي يو ٍم من الأيام كان ا أل�سد نائ ًما �ساعة القيلولة بعد أ�كلة �سمينة التهم فيها كعادته ثلاثة ِخراف م�سكينة .و�أثناء نومه حدثت أ�خطر حادثة يمكن �أن تحدث في غابة ..وبد�أ مع هذه الحادثة وب�سببها مجد عائلتنا.. ألنها كانت ال�سبب في تولي جدنا العظيم ب�سبو�س عر�ش الغابة ..لا تتعجبوا ..ولا ت�س أ�لوا.. �س أ�حكي لكم ..ف�أنا أ�حب �أن �أحكي.. كان الأ�سد المرعب نائ ًما ..وكانت الحيوانات من أ�كبر فيل حتى أ��صغر دودة أ�ر�ض نائمة �أو متظاهرة بالنوم ..وكانت �أذن ال�سبع العظيم مفتوحة كعادته عند النوم حتى ت�سمع أ�قل هم�سة يمكن أ�ن يهم�س بها حيوان لجاره ..وفج�أة.. دفع الهواء بعو�ضه �صغيرة إ�لى فراغ �أذن الملك ..وارتبكت البعو�ضة ..فتخبطت بين �شعيرات الأذن الكثيفة وعز عليها الخلا�ص.. وا�ستيقظ ال�سبع غا�ض ًبا ..مزمج ًرا ..وخافت البعو�ضة أ�كثر فاندفعت �إلى الداخل أ�كثر ف�أكثر ..وال�سبع يحاول أ�ن ينالها بمخالبه تارة �أو بهز ر�أ�سه ب�شدة تارة �أخري ..ولكن الكارثة كانت قد حدثت.. وها هو ملك الغابة ي�صرخ من الألم والغ�ضب ..وانقلبت الغابة ر�أ�ًسا على عقب ..و�أطلق بروجي ا إلنذار الملكي بمعرفة أ�كبر ا ألفيال و�أعلنت الطوارئ وا�ستدعي الديوان الملكي من �سما�سرة ووكلاء �شركات المبيدات الح�شرية ،أ�ن يعلنوا الحرب على الح�شرات� ..أو �ضد البعو�ض على ا ألقل.. ولكن قبائل البعو�ض أ�علنت أ��سفها لما حدث وا�ستنكرت ما فعلته البعو�ضة واتهمتها بالحماقة ..وعدم تقدير الم�س�ؤولية ..هذا �إذا ثبت أ�نها فعلت ذلك متعمدة! وعلى العموم لم ي�ضيع �أحد وقته في بحث الدوافع لأن الكارثة 146 Kalilah and Dimnah final.indd 146 � �� ���� ��:/�/��
حدثت بالفعل والملك يعاني ا آلن آ�لا ًما رهيبة ..هذا غير �إح�سا�سه العميق با إلهانة لتطاول البعو�ضة على ُحرمة �أذنه الملكية.. ووجدها بع�ض الك ّتاب فر�صة لل�شهرة ولتملق الأ�سد المري�ض.. فقام الكاتب المعروف (طيري �ألا طيري) ،و(ع�صفور الجنة �أبو �شعيرة) م ؤ�لفا كتاب (غني يا ع�صافيري) ..بت أ�ليف كتاب عن الحادثة.. ا�سمه( ..ا ألوزان والعرو�ض في تاريخ جن�س البعو�ض) ..كما �أن الناقد المعروف (م�أم أ� أ�بو �صوف) ..أ��سرع بكتابة ع�شرات الم�شكلات في المدار�س ا ألميرية.. وانطلق ع�شرات وع�شرات ممن يعرفون القراءة والكتابة بلغة الغابة يكتبون الكتب وي�ؤلفون المراجع عن تاريخ البعو�ض ..وعن اليوم الموعود الذي ظهرت فيه ا أل�سود وعن ذلك اليوم الم�شهود الذي �سيذكره بالتاريخ ..وعن الحوادث التي حدثت ل ألذن الملكية ..عبر الع�صور.. وجن جنون ا أل�سد ..فم�ضي يز أ�ر ويج أ�ر ويوجه �ضربات ع�شوائية هنا وهناك ..وزاد هذا من عجز الحيوانات عن الت�صرف ..لأنه كلما زاد �صراخه �ش ّلهم الخوف �أكثر ..وكانت البعو�ضة تزداد خو ًفا ورع ًبا ولا تجر�ؤ على الخروج.. و�إن كانت والحق يقال ف َّكرت في الت�سلل ولكن أ�ذن الملك الأ�سد كانت ف ًخا حقي ًقا وكه ًفا �شديد العمق فف�شلت في التقدم خطوة إ�لى الخارج ..فا�ستولت عليها روح عدم تقدير الم�س�ؤولية وعرفت أ�نها ميتة في كل ا ألحوال ..فبقيت حيث هي ..بل وم�ضت تغني وترق�ص أ�غنية ورق�صة الانتحار التي يتقنها جن�س البعو�ض عندما يقترب من النار.. والتي كثي ًرا ما ن�سمعها في ليالي ال�صيف بالقرب من م�صابيح الكهرباء.. وطب ًعا زاد ذلك ا ألمور �سو ًءا ..ألنها مع كل حركة كانت تزيد آ�لام الملك ..فيزداد �صراخه وغ�ضبة ..ويزداد ي�أ�سها من النجاة.. فتندفع في الرق�ص والغناء أ�كثر ..مما كان يجعل الملك الوقور يتلوى على ا ألر�ض أ�ل ًما ..وغ�ضبا.. أ��سد ها أ��صاب �شدي ًدا لما احلدزننيااً وفي الحقيقة ..حزنت الحيوانات بطريقة حزنها تعبر عن وملكها ..ولكنها مثل أ�ي حيوانات في حيوانية فكانت تتجمع في حلقات في الدروب وال�سفوح وعند �شاطئ 147 Kalilah and Dimnah final.indd 147 � ��/���� ��:� ��/
النهر ،وتدور حول بع�ضها ،ثم ت�صرخ وتقفز فج�أة مولولة �صارخة. لكن الديوان الملكي وجد �أنها طريقة غير ح�ضارية ولا تليق بغابة متقدمة مثل غابتهم فعقدوا اجتما ًعا عاجلاً اختيرت فيه الببغاء لت�شرف �إ�شرا ًفا كل ًيا ..على تنظيم حزن و أ�لم الحيوانات ..حتى لا يتحول ا أل�سى الملكي �إلى فو�ضى ..وحتى لا يتعار�ض مع فترات هياج و�صراخ الملك.. كانت أ�يا ًما ع�صيبة!! إ�ذ اختلت الأمور في المملكة ..وتوقف العمل في كل دواوين ومكاتب الغابة الحكومية ..وتوقف �إعطاء �شهادات ميلاد للكتاكيت والأرانب والغزلان وت�سبب ذلك في التهام أ�عداد كبيرة منها �س ًّرا ..كما زيفت �شهادات الوفاة و أ�وامر الافترا�س وكانت الأوراق ت�ستخدم عدة مرات بلا رقابة حقيقية ..و أ�قفلت الم�ست�شفيات ..ورف�ضت أ��سراب ( أ�بو قردان) إ�عطاء الحقن �أو معالجة الجروح.. و أ�علنت أ�نه ما دام الملك الأ�سد جري ًحا فكل الجراح بعد جرحه لا ت�ستحق ال�شفاء ..و�أنها لن تعالج �أح ًدا قبل أ�ن ي�شفى الملك ..كما �أن الهداهد �أ�ضربت عن �إعطاء أ�ية �شهادات ر�سمية لل�سبب نف�سه ..وتعطلت الحياة الر�سمية في الغابة.. وا�ضطر الديوان الملكي أ�ن يعقد اجتما ًعا ها ًما آ�خر ..لدرا�سة ا ألمر بعد كل هذه التطورات ..و�ضم الاجتماع (تعلوب) و(تعليب) من �أبناء تعاليبو ..الم�ست�شار ال�سابق للملك ..والذئب (�سرحان بولينياب).. حار�س الخزائن الملكية الجديد والكلب (دحروج دي لمعووج) مدير البوابة الملكية و(ماتو الأفوكاتو) الحمار العجوز المتحدث با�سم الملك الأ�سد في الهيئة العامة ل ألدغال و(دبدوب ال�سابع التابع) رئي�س الديوان الملكي ..والفيل (جنزبيل أ�بو زلومة واحدة) قائد فرق الحر�س.. و(ديك النهار) ر�سول الات�صال بمملكة الطيور والغراب (النوحي) حامل خاتم المملكة وب�شير الخير ..و(مح�سوب القنفد المحبوب) الم�س ؤ�ول عن كل الأمور ال�شائكة.. ثم حاملي ا ألو�سمة والنيا�شين الزهرية وكذلك ر�ؤ�ساء مجلات و�صحف الموز ا ألخ�ضر ..و أ�كثر من ذلك �ضم الاجتماع (بولودان الجبان) آ�خر �سلالة (بولودان �أرنب ال�سهول) ..وكان الجميع يعرفون 148 Kalilah and Dimnah final.indd 148 � �� ���� ��:/�/��
�أنه لا فائدة من ح�ضوره ..ومع ذلك دعوه دعوة ر�سمية حر ً�صا على �أن يكون الاجتماع ممثلاً لكل الطوائف الحيوانية ..وحتى لا تدعي �أي طائفة أ�و قبيلة حيوانية �أنها �صاحبة الف�ضل في حل الم�شكلة� ..إذا حلت الق�ضية �صدفة �أثناء الاجتماع ولم يعلم بذلك �أحد.. وظل مجل�س الديوان الملكي ينعقد وينف�ض ..ثم ينعقد لينف�ض.. وارتفع ال�ضجيج والزعيق والنهيق أ�كثر من مرة وتكلم ع�شرات المخل�صين أ�كثر من مرة وفي وقت واحد.. ومع ذلك ظلت الم�شكلة قائمة و�صراخ ا أل�سد ي�أتي إ�ليهم من بعيد أ��سو�أ مما كان ..و�أخي ًرا و�صلوا لقرار حاز موافقة الجميع ور�ضاها ذلك ب أ�ن يظل المجل�س منعق ًدا ب�صفة دائمة حتى ُي�شفى الملك ..على �أن ت�صرف المكاف�أة المقدرة كل �ساعة.. وقدم الفيل اقترا ًحا ب أ�ن ي�ستعمل زلومته في �شفط البعو�ضة ح�سب نظرية تفريغ الهواء ..ولكن مخ الملك كاد �أن يخرج حين حاول ذلك ولم تخرج البعو�ضة واتهم بع�ض الحا�ضرين الفيل ب�أنه يريد قتله لي�ستولي على العر�ش ب�صفته ولي العهد ..و�ألقي به في ال�سجن فعلاً ..لولا تدخلت الملكة و أ�فرجت عنه.. وفي إ�حدى نوبات الي أ��س ا�ستطاع �سما�سرة ووكلاء �شركات المبيدات تحري�ض دعاة الحرب في الغابة ف�أعلنت الحرب �ضد كل الح�شرات و�ضد جن�س البعو�ض بالذات ..و�أريقت مئات ا آللاف من جالونات المبيدات ..وراجت �سوقها وارتفع �سعرها ..وانت�شرت عنها ا إلعلانات ..ولكن كل ذلك كان بلا فائدة !..بل وزاد أ�لم الملك الأ�سد ب�سبب �إح�سا�سه بالذنب حيال كل ح�شرة أ�و بعو�ضة تموت وهي تق�سم �أنه لا ذنب لها فيما حدث!.. واقترح (ماتو الأفوكاتو) مفاو�ضة البعو�ضة وتنفيذ �شروطها إ�ن كانت ب�سيطة ..ولكن البعو�ضة رف�ضت �أن تخرج ل�شدة خوفها وبدون أ�ن تفكر في ا ألمر جي ًدا طلبت من الفيل أ�ن ي أ�تي �إليها حيث هي ليفاو�ضها.. ولم تكن البعو�ضة باقتراحها تق�صد أ�ن تجعل الأرنب (بولودان ال�صغير) ي�ضحك تلك ال�ضحكة ال�ساخرة ب�سبب خياله المري�ض.. فقد تخيل ما يحدث لو أ�ن الفيل وافق بالفعل ..ودخل �إليها ..لذا �ضحك �ضحكة الموت التي كانت �ضحكة طويلة مجلجلة وماجنة و�ساد 149 Kalilah and Dimnah final.indd 149 � ��/���� ��:� ��/
Search
Read the Text Version
- 1
- 2
- 3
- 4
- 5
- 6
- 7
- 8
- 9
- 10
- 11
- 12
- 13
- 14
- 15
- 16
- 17
- 18
- 19
- 20
- 21
- 22
- 23
- 24
- 25
- 26
- 27
- 28
- 29
- 30
- 31
- 32
- 33
- 34
- 35
- 36
- 37
- 38
- 39
- 40
- 41
- 42
- 43
- 44
- 45
- 46
- 47
- 48
- 49
- 50
- 51
- 52
- 53
- 54
- 55
- 56
- 57
- 58
- 59
- 60
- 61
- 62
- 63
- 64
- 65
- 66
- 67
- 68
- 69
- 70
- 71
- 72
- 73
- 74
- 75
- 76
- 77
- 78
- 79
- 80
- 81
- 82
- 83
- 84
- 85
- 86
- 87
- 88
- 89
- 90
- 91
- 92
- 93
- 94
- 95
- 96
- 97
- 98
- 99
- 100
- 101
- 102
- 103
- 104
- 105
- 106
- 107
- 108
- 109
- 110
- 111
- 112
- 113
- 114
- 115
- 116
- 117
- 118
- 119
- 120
- 121
- 122
- 123
- 124
- 125
- 126
- 127
- 128
- 129
- 130
- 131
- 132
- 133
- 134
- 135
- 136
- 137
- 138
- 139
- 140
- 141
- 142
- 143
- 144
- 145
- 146
- 147
- 148
- 149
- 150
- 151
- 152
- 153
- 154
- 155
- 156
- 157
- 158
- 159
- 160
- 161