على أ�نه لا كلاب هناك فدخل إ�لى حلبة الرق�ص وهنا هتف الجميع له فر ًحا وترحي ًبا ب أ�ول �صديق يزورهم في ظل القوانين الجديدة ..اقترب تعاليبو من الديك وهم�س في �أذنه: -هل �صدقت الآن؟ لقد كنت ت�شك في إ�خلا�صي.. وقبله الديك معتذ ًرا له ب�شدة.. وهنا توقف تعاليبو عن الرق�ص وقال في �صوت وقور مهيب بعد أ�ن رفع الكتاب ال�ضخم العجيب فوق ر�أ�سه في تقدي�س: -ال ت�ضيعوا الوقت! لقد ظلمتم كثي ًرا و أ�نا �أعترف �أن جن�س الثعالب بالذات التهم منكم الكثيرين ،لدرجة أ�ن ج�سدي يرتع�ش عندما �أذكر ذلك ولقد وجد (تعاليبو) �أن واجب التكفير عن جرائم بني جن�سه يحتم عليه �أن يتفرغ لي�شرح لكم قوانين ال�صداقة الجديدة ،وموادها المختلفة تكفي ًرا عن ذنوب جن�س الثعالب كله. ثم �أخذ يت�شمم الهواء ويت�سمع حتى لا يفاجئه أ�حد أ�و يعكر عليه الجو دخيل وقال: -لقد جهزت مكا ًنا جميلاً ليكون مدر�سة تليق بكم �أنتم بالذات، هناك عند الغدير حيث الماء والطعام الوفير فهيا بنا فو ًرا لنبد�أ درو�سنا القانونية حتى لا يخدعكم أ�حد بعد ا آلن ،هيا ..لا ت�ضيعوا الوقت فقد بد�أ زمان الحرية للديكة والفراخ.. ثم هتف الثعلب في �صوت خفي�ض حتى لا ي�سمعه �أحد غيرهم: -الم�ستقبل للكتاكيت.. وردد الجميع الهتاف وراءه ،ولم ي�ضيع هو الوقت طب ًعا ،فم�ضى يتبعه الديك على ر�أ�س قبيلته ال�صغيرة �إلى حيث المدر�سة المزعومة ،وهم يغنون: تعاليبو هيا وتقدم قانون الحب �سيتكلم.. الغاب �سيغمره الحب والدنيا منا تتعلم وطب ًعا ،لم تكن هناك مدر�سة و�إنما كانت هناك �أ�سرة تعاليبو الجائعة تقف في ا�ستقبال القافلة الم�سكينة ..وحدث ما كان لا بد �أن يحدث لقبيلة من الدجاج والكتاكيت تحا�صرها أ��سرة من الثعالب ،ورغم قوانين 50 Kalilah and Dimnah final.indd 50 � �� ���� ��: �/��/
الأ�سد ( أ�بو لبدة المده�ش) الجديدة.. ولم يفلت من المجزرة �سوى الديك ،الذي انطلق منتوف الري�ش ممزق الرقبة �إلى حيث كان ا�ستعرا�ض ال�صداقة ما يزال يجري أ�مام العرين ف�صاح فيهم وهو يلقي بنف�سه و�سطهم زاع ًقا بالخبر الرهيب في وجه الجميع: -لقد ارتكب تعاليبو جريمة ب�شعة لي�س في حق الكتاكيت ا ألبرياء!! ولا في حق القانون الجديد العظيم ،ولكنها جريمة �ضد (الأ�سد ا إلمبراطور أ�بو لبدة المده�ش) �شخ�ص ًيا -وتحد ًيا �صار ًخا ألوامره المقد�سة في نف�س يوم الاحتفال بها.. فماذا �سيفعل ا أل�سد الإمبراطور؟. 51 � �� ���� ��: �/��/ Kalilah and Dimnah final.indd 51
ثورة (�أبو لبدة) حتى قبل ولايته للعر�ش كان �أبو لبدة ،يفكر في �أحوال رعيته البائ�سة ومنذ نعومة �أظافره أ�ظهر عبقرية فذة في التفرقة بين الع�سل ا ألبي�ض وا أل�سود ،وكان في �شبابه يظهر حز ًنا �شدي ًدا ألن �شعب الغابة وا ألحرا�ش المجاورة لا يعي�ش في �سلام ..وبالرغم من أ�نه كان م ؤ�م ًنا على الدوام �أن القوة هي التي يجب �أن تكون القانون الوحيد (و أ�ن البقاء للأقوى) هي �أهم مواد د�ستور الغابة المقد�س ،إ�لا أ�نه أ�ظهر با�ستمرار تعاط ًفا مع ا آلراء التي تدعو لتنظيم الافترا�س العام ،وانحاز �إلى كثير من الأفكار التي تدعو لإعادة �صياغة قوانين الغابة بما يكفل مزي ًدا من العدالة (في التطبيق). ولم يكن ( أ�بو لبدة) من ذلك النوع الذي تعجبه الحرية الزائدة عن الحد والتي �أعطيت ل ألقوياء لكي يفتر�سوا ال�ضعفاء بدون �أ�سباب تقريبا! أ�و التي تكفل للكبار حرية �سرقة والتهام ال�صغار دون أ�ذن ر�سمي منه (على الأقل!!). ولذلك ف�إنه عندما تولى عر�ش الغابة ،قرر �أن ي�ضع أ�فكاره مو�ضوع التنفيذ ،وا�ستدعى على عجل عد ًدا من زملاء درا�سته القدامى لي�ساعدوه في التطبيق .وكان منهم عدد من الم�شهود لهم ر�سميا بالكفاءة -مثل الذئب (بولينياب) الذي تولى رئا�سة هيئة تنظيم الافترا�س العام والدب (لبلب دبدوبة) الذي �أ�صبح رئي�ًسا للعرين ا إلمبراطوري والقط (بول�شناب) وغيرهم كثيرون وكثيرون. وبعد تفكير وتدبير وزمجرة وزئير ،قرر الأ�سد (�أبو لبده المده�ش) الدعوة �إلى اجتماع عام لكل الحيوانات ليعلن فيه بداية ع�صر جديد في حياة الغابة ولي�ضع نهاية لكل الحوادث الم�ؤ�سفة وجرائم القتل العمد التي كانت ترتكب �صبا ًحا وم�ساء -دون علم أ�حد -والتي كانت تجري في كل مكان بحجة الح�صول على الطعام( ،من وراء ظهره) �أو من (خلف ذيله) على حد تعبيره. وانطلق الر�سل (القرود) إ�لى جهات الغابة الأربع ..وظلوا يدقون الطبول ويعلنون الدعوة إ�لى ذلك الاجتماع الم�شهود ،في كل ناحية على ال�ساحل وخلف جبال النرج�س وفيما بين النهر والقرية م�ضى المب�شرون 52 Kalilah and Dimnah final.indd 52 � ��/���� ��:� ��/
يب�شرون كل ذوي الأربع ب�سلام جديد في حدود قانون الافترا�س العام المن�صو�ص عليه في كتاب الأدغال الذي تفر�ضه الطبيعة الحيوانية وحقيقة أ�ن البقاء للأ�صلح. وكانت الب�شرى م�صحوبة بدعوة كل ر�ؤ�ساء الع�شائر والقبائل الحيوانية والطيور ،لح�ضور الاجتماع الكبير في العرين الملكي ،لدرا�سة ا ألمر من مختلف الوجوه. وفي اليوم الموعود ..و�صل الجميع من أ�نحاء الإمبراطورية، الطيور التي تطير والتي لا ت�ستطيع الطيران والوحو�ش والحيوانات من كل ا ألنواع والأ�شكال وا أللوان ،الكبيرة وال�صغيرة ،ومتو�سطة الأحجام آ�كلة الع�شب و آ�كلة اللحم ،وجامعة الثمار ذات الظلف و�صاحبة المخالب وا ألنياب ،ق�صيرة الذيول وطويلة ا ألذناب ،طويلة ا آلذان والتي لا ت�سمع على ا إلطلاق ،المدرعة وذات ال�شوك ،المل�ساء وال�شعراء وذات ا أل�صداف والحرافي�ش ،ذات الدم البارد و�صاحبة الدم الحار. كلهم جاءوا له من كل �صوب لي�ؤكدوا ولاءهم واحترامهم الأكيد للإمبراطور القوي الجديد ولي�شكروا من �أعماق قلوبهم عدله ورحمته. وبينما كان ر�ؤ�ساء الع�شائر والقبائل ذوو المكانة في طريقهم إ�لى الاجتماع الذي �سيلقي فيه الإمبراطور الخطاب الافتتاحي للم ؤ�تمر �سرت هم�سات �سريعة حذره ،تقول إ�ن أ�حد ر�ؤ�ساء الع�شائر الهامة غير موجود و�أكد �أحدهم ( أ�نه لن يح�ضر) و�أ�ضاف في خبث ((ذلك ألنه يعار�ض �أوامر ال�سلام ا إلمبراطورية الجديدة ويراها خدعة ماكرة .للتدخل في حق ع�شيرته ا ألزلي في التهام ما ت�شاء من دواجن)). ويبدو �أن ا ألمر كان �صحي ًحا ،لأن مندوبي الغابات الأخرى لاحظوا أ�ن الغ�ضب كان وا�ض ًحا لكل ذي عينين على وجه الملك ،وفي �صوته .وف�سر البع�ض ذلك ب�أن الغائب يعتبر من أ�ذكى حيوانات الغابة و أ�كثرها مك ًرا ،و ألن على أ�كتاف �أجداده الثعالب القدماء قامت هذه ا إلمبراطورية ،ولذلك ف�إن تمرده �سيكون ذا �أثر بالغ ال�سوء في بداية عهد الإمبراطور العظيم ،ذلك لأن -الغائب -كان (تعاليبو) �شخ�ص ًيا، رئي�س ع�شيرة ذوي الذيول المنفو�شة ،و أ�كثر الذين يعمل لهم الأ�سد الجديد أ�لف ح�ساب ،ويتمنى أ�ن يكون �أحد رجال بلاطه ،لي�ستفيد من عبقريته وذكائه في �إحكام أ�حكام القانون الجديد. 53 Kalilah and Dimnah final.indd 53 � ��/���� ��:� ��/
وحاول أ�حد ال�شعراء على عادته أ�ن ينتهز الفر�صة ليتقرب من ا إلمبراطور ،فارتجل �شع ًرا يذم به ذلك المتمرد ا ألحمق ،ولكن الأ�سد قاطعه بزمجرة رهيبة جعلته يختفي تحت جلده ناد ًما على تهوره ا ألخرق وظهر وا�ض ًحا �أن الملك لا يريد �أن يبد أ� الحفل دون ح�ضور (تعاليبو) ،أ�و على الأقل قبل الت�أكد من أ��سباب رف�ضه الح�ضور ،ولكن الأكثر و�ضو ًحا كان عدم ح�ضور (تعاليبو) رغم مرور الوقت ،وقال البع�ض (لا بد �أن تعاليبو فعل �شي ًئا يخجل منه ،يمنعه من الح�ضور). ولكن البع�ض �سخر من هذا الر�أي (فتعاليبو) لا يخجل من �أعماله �أب ًدا ،ووجدها ((بولينياب)) فر�صة للانتقام ف أ�خذ يهم�س في �أذن الملك: -لا بد يا مولاي �أن (تعاليبو) يدبر م ؤ�امرة لتغيير د�ستور الغابة الذي ين�ص على أ�ن يتولى الأ�سد عر�شها. و�شهد حيوان �صغير �أتى به (بولينياب) ويبدو مثل جرذ من نوع غريب أ�ن (تعاليبو) قال أ�مامه أ�ن الثعالب هي �أذكى حيوانات الغابة. و أ��ضاف الدب أ�ن تعاليبو �س أ�له مرة(( :لماذا لا ي�صبح من حق أ�ي حيوان ي�ستطيع أ�ن يثبت كفاءته أ�ن ي�صبح مل ًكا؟)).. وزمجر الأ�سد غا�ض ًبا ،فكل الذين يهم�سون إ�ليه حيوانات لها مكانتها حتى الجرذ كان موظ ًفا في المخازن الملكية ولذلك كان عليه أ�ن ي�صدقهم و أ�ن ي�صدق أ�ن (تعاليبو) يدبر �شي ًئا خطي ًرا �ضده. بعد ذلك وبعد أ�ن ت�أكد الجميع �أن الملك ت أ�كدت لديه خيانة تعاليبو تطوع الع�شرات منهم للبحث عن أ��شياء يعرفونها أ�و كلمات �سمعوها لكي يقدموها دليلاً على خيانة الثعلب ،وليتقربوا بها إ�لى الإمبراطور وليثبتوا �إخلا�صهم للعر�ش. وكانالذئب(بولينياب)هو�أولمنتقدمباتهامهعلانية إ�ذتو�سطال�ساحة حاملا عد ًدا من ا ألوراق الر�سمية قال إ�نها و�صف كامل لمائة من الحوادث الب�شعةالتيارتكبها(تعاليبو)منذتولي(الأ�سدالمده�ش)عر�شالغابة. ووقف يطالب في �صوت عميق -حاول أ�ن يكون م ؤ�ث ًرا ج ًدا - بالعدالة لكل المظلومين والتع�ساء الذي فر�ضت الظروف عليهم �أن يكونوا خا�ضعين لحكم (تعاليبو). ثم ا�ستدار نحو جموع الحيوانات ووعد كل من يتقدم بال�شهادة �ضد تعاليبو بجائزة كبيرة . 54 Kalilah and Dimnah final.indd 54 � ��/���� ��:� ��/
وهنا اندفع عدد كبير من �صغار الحيوانات يقدمون ال�شكاوى �ضد (تعاليبو) .قالت الماعز الجبلية: -كنت أ��سير ذات يوم يا مولاي متعبة �أبحث عن طعام لأولادي ال�صغار عندما مررت بجوار �إحدى الآبار ،ف�سمعت �صوتا ينادي في ا�ستعطاف -أ�نقذوني -يا أ�هل الرحمة؛ ولما كان قلبي رحي ًما يا مولاي فقد تقدمت من البئر ،وهناك �شاهدت (تعاليبو) يجل�س في الدلو داخل البئر لا ي�ستطيع الخروج -ف�س�ألته: كيف أ�نقذك يا تعاليبو؟ فقال لي: اركبي الدلو الآخر �أيتها الماعز الطيبة. و ألنني طيبة القلب يا مولاي ،ركبت الدلو الآخر ،فوجدت نف�سي في قلب البئر بينما ارتفع الدلو الذي كان به تعاليبو �إلى ال�سطح .ف�صرخت فيه :لا تتركني هنا يا (تعاليبو) ،أ�نقذني مثلما أ�نقذتك. ولكنه �ضحك يا مولاي وم�ضى وتركني في البئر وحيدة �أكاد �أموت من البرد والخوف و�ضحكت بع�ض الحيوانات في ال�صفوف الخلفية وقالت أ�رنبة عجوز أ�فقدها (تعاليبو) زوجها ا ألحمق يوم �إ�شاعة �سقوط ال�سماء. -ت�ستحقين ما جرى لك أ�يتها الماعز الطيبة الغبية ،إ�نك مثل زوجي ا ألبله الذي دفع حياته ثمن ت�صديقه �أن ال�شعر الذي يغطي ج�سمه كاف ليكت�سب به �صداقة الثعالب والذئاب.. وبعد ذلك تقدم ذئب عجوز يتوك أ� على ع�صاه -وقال: -يا مولاي الأ�سد العظيم :إ�نني أ�طلب منكم الانتقام من ذلك الماكر الغادر (تعاليبو) ،لقد خدعني يا مولاي خدعة دنيئة ،ك�سرت ب�سببها قدماي يا مولاي. ف�صاح ا أل�سد به نافد ال�صبر: -احك ولكن أ�وجز. فبلع الذئب العجوز لعابه وقال: -كنا في ال�شتاء يا مولاي و�أنت تعرف ما ي�صنعه ال�شتاء بالن�سبة لنا �سكان الغابات ال�شمالية� ،إنه ف�صل بارد موح�ش ج ًدا ،بلا طعام و�شراب. وذات يوم ر أ�يت (تعاليبو) ينام على الطريق كالميت ،فاقتربت منه م�شف ًقا أ��س�أله عما به فنهرني وقال لي: 55 Kalilah and Dimnah final.indd 55 � �� ���� ��: �/��/
-ابتعد من هنا ولا تف�سد خطتي ف�إنني �أرى فلا ًحا قاد ًما من بعيد و�س أ�تماوت حتى يحملني في عربته لعلني �أجد �شي ًئا �آكله. وبالفعل يا مولاي حدث ما توقعه لقد ظل نائ ًما على الطريق واقتربت من بعيد عربة ريفية يقودها فلاح �ضخم ،فاختب أ�ت أ�نا ولم أ�تدخل حتى لا أ�ف�سد عليه خطته ،وفعلا حمله الرجل �إلى عربته يا مولاي ..ويا لحظه ..كانت مليئة بال�سمك الطازج ال�شهي ،ور أ�يته أ�نا من بعيد وهو يلتهم كفايته منه دون أ�ن يفكر في �إلقاء �سمكة واحدة لعجوز مثلي ،ولما انتهى من طعامه قفز واختفى. وجريت أ�نا عبر الغابة� ،أقطع الطرق على الفلاح والعربة؛ حتى كاد �صدري أ�ن ين�شق من كثرة ما جريت ،حتى �سبقت العربة فارتميت أ�مامها كالميت ،مثلما فعل تعاليبو بال�ضبط و�أخذت أ�عد الثواني منتظرا �أن يحملني الفلاح إ�لى العربة .ولكن الذي حدث لي كان مختلفا فلم �أ�شعر إ�لا وع�صا الرجل الغليظة ت�صكني في قوة و أ�خافتني المفاج أ�ة حتى �إنني فقدت الوعي وعجزت عن الهرب� ..أر�أيت يا مولاي خداع ذلك الماكر الجبان؟! فقال ا أل�سد غا�ض ًبا.. -وما ذنب (تعاليبو)؟ ..أ�نت الذي �ألقيت بنف�سك أ�مام الرجل، بلا �سبب. فرد الذئب العجوز في غباء.. -ولكن (تعاليبو) فعل ذلك ،وجعلني �أفعل مثله ،الرجل حمله �إلى عربته فلماذا �ضربني �أنا؟! إ�لا إ�ذا كان متف ًقا معه. فقال ا أل�سد نافد ال�صبر: � -أي�أرنبغبيهنايعرف أ�نالرجل أ�خذتعاليبولينتفعبجلدهوفروته أ�ما�أنتفلماذا�سي أ�خذك؟..لتخيف�أطفاله أ�ملتحر�سكتاكيتزوجته؟ ف�ضحك الذئب في بلاهة وقال: ولكن تعاليبو لم يذهب معه يا مولاي فلقد عدت بعد قليل أ�جر ج�سدي المك�سور ،فر�أيت تعاليبو يجل�س و أ�مامه كومة من ال�سمك ،يبدو أ�نه �سرقها من العربة ،ولكنني لما �س�ألته عنها كذب عل ّي وقال �إنه ا�صطادها بذيله. وهناك انفجر الجميع �ضاحكين �ساخرين ف�أ�سكتهم الأ�سد والتفت �إليهم الذئب العجوز قائلاً : -أ�لا ت�صدقون ذلك ،لقد أ�ق�سم لي �أنه ا�صطادها بذيله ،ودلني على 56 Kalilah and Dimnah final.indd 56 � �� ���� ��:/�/��
مكان بعيد و أ�ح�ضر لي قليلاً من الأغ�صان ألجل�س فوقها و أ�دلي ذيلي في حفرة حفرها لي في الثلج ،وقال لي أ�ن أ�بقى حتى ال�صباح و�سوف �أجد ال�سمك متعل ًقا بذيلي. و�ضحك ا أل�سد في نف�سه هذه المرة حتى كاد �أن ين�سى غ�ضبه حين قال الذئب وهو يبكي في غيظ: ولكنني لم �أجد في ال�صباح �أية �سمكة يا مولاي وحاولت �أن أ�خل�ص ذيلي من الحفرة دون جدوى ،لقد تجمد الماء حول ذيلي و�أم�سكني بقوة، حتى كدت �أموت من البرد دون �أن أ�ح�صل على �سمكة واحدة يا مولاي. وو�سط �ضحكات الجميع التي انفجرت عالية �صاخبة ،ان�سحب الذئب العجوز م�ستن ًدا �إلى ذراع ابن عمه (بولينياب) وهو ي�صرخ حان ًقا: ولا �سمكة واحدة يا مولاي ،ولا �سمكة. وكاد ا ألمر �أن يفلت من يد (بولينياب) فدفع بعدد كبير من رجاله يقدمون �شهادتهم �ضد (تعاليبو) ولكن الأ�سد كان يرى في كل ما يحكونه ما ي ؤ�كد له أ�ن غياب (تعاليبو) عن عرينه خ�سارة لا تعو�ض. وت�شاغل الأ�سد ب�أظافره ولبدته في الوقت الذي تقدم فيه كثير من ال�سيا�س والحرا�س ورجال ال�سيا�سة يدلون ب�شهاداتهم �ضد تعاليبو ، فتحدث الكلب الرومي حتى منت�صف النهار وتكلم ا ألرنب (بولودان) حتى الع�صر ،وو�صلت ال�ضجة وال�صخب أ�ق�صى ما يمكن عندما وقف ال�سيد (حمار كار) ال�شهير بالقانونجي يقدم الأدلة والبراهين مدعومة بن�صو�ص حقيقية ووهمية من القانون ت ؤ�كد وجهة نظره ،والحق �أن أ�حدا من الحا�ضرين لم يفهم وجهة نظر ال�سيد (حمار كار) أ�بد أ� رغم ال�سجع الجميل الذي يزين كلامه. ولم يفهموا �أي ً�ضا �إلى أ�ي جانب هو منحاز لدرجة أ�ن الأ�سد الذي كان في واد �آخر ،ثار ألنه ظن أ�ن الحمار يدافع عن حق (تعاليبو) في التمرد والثورة على ا إلمبراطور.. وهم�س أ�حد الظرفاء �إلى جاره يقول: -إ�ن هذا الحمار هو أ�قل بني ع�شيرته كفاءة ولذلك اختاروه لدرا�سة قانون الغاب وليدافع عنهم ،وهذا هو �سبب الظلم الدائم الواقع على جن�س الحمير تحت �سمع القانون وب�صره. ولما جاء دور الدفاع ..ده�ش الجميع ألن هناك من يفكر في الدفاع 57 Kalilah and Dimnah final.indd 57 � �� ���� ��:/�/��
عن (تعاليبو) بعد كل هذا ،وبد أ� القلق ي�ساور كل الذين �أ�ساءوا لتعاليبو ولكنهم اطم أ�نوا عندما علموا �أن الذي �سيدافع عنه لي�س �سوى قريبه ((ابن آ�وي)) فقال بع�ضهم: -من �سي�شهد للقرد غير الن�سنا�س. وتقدم (ابن آ�وي) في هدوء ،ف أ�خذ يكذب كل من تكلموا قبله ب�سهولة عجيبة جعلتهم جمي ًعا يندمون ،خا�صة لأن علامات الر�ضا كانت بادية على وجه الأ�سد الإمبراطور طوال حديث (ابن �آوي) .. وكان هذا على عك�س ما يرغب فيه (بولينياب) الذي كان ي�سعى لا�ست�صدار حكم إ�مبراطوري ب إ�باحة دم (تعاليبو) على الفور ،ف�أح�س بي�أ�س �شديد ،وكاد يعترف بف�شله م�ؤجلاً انتقامه لفر�صة �أخرى ،لولا أ�ن جاءه الفرج من حيث لا يتوقع ،ففي الوقت الذي كاد فيه (ابن �آوي) أ�ن يح�صل على ت�صفيق الملك نف�سه إ�عجا ًبا بح�سن دفاعه ،وت أ�يي ًدا له -اندفع إ�لى ال�ساحة (( -ديك النهار)). ذلك الديك الذي التهم (تعاليبو) �أ�سرته الم�سكينة منذ �ساعات قليله .ولم يكنمنالممكن أ�ني�سمحلهبالدخول إ�لىالقاعةهكذادونت�صريحر�سمي، لولا �أن �أحد م�ساعدي (بولينياب) �أدرك منذ ر�آه قاد ًما من بعيد منتوف الري�ش ،منكو�ش الذيل ،ي�سيل الدم من �صدره ورقبته � -أنه �سيكون �سب ًبا في إ��صدار الحكم ب�إدانة (تعاليبو) ،خا�صة ودم ال�ضحايا لم يجف بعد. ف�سمح له بالدخول على الفور إ�لى القاعة ،و�أحدث دخول الديك الأثر المطلوب فعندما ر آ�ه الحا�ضرون كتموا �أنفا�سهم ،فقد كانت هيئته المنتهكة محزنة لدرجة تجعل الحجر إ�ما أ�ن يذرف الدمع أ�و ي�سكت . ولهذا �ساد �صمت عميق حتى لقد �سمع الجميع حكة �أظافر ا أل�سد وارتعا�شة �أذن الحمار والتواء ذيل الفار الطباخ ،وبعد فترة من الترقب والتوتر تكلم (ديك النهار) في �صوت رهيب حزين با ٍك قائلاً : � -إنني �أ�شهدكم جمي ًعا يا أ�هلي وع�شيرتي ،على ما فعله ذلك الخائن (تعاليبو) بي وب�أ�سرتي المكونة من �سبعين كتكو ًتا ،وع�شر زوجات �سمينات من �أجمل من فق�س البي�ض. و�سال لعاب البع�ض �س ًرا وتمنوا لو �أنهم �شاركوا تعاليبو تلك الوليمة العظيمة ،ولكنهم جمي ًعا أ�خفوا رغباتهم إ�ذ انفجر الديك في بكاء مرير، و�أخذ ا أل�سد يربت على ظهره في أ�لم حتى انتبه الجميع على �صوت 58 Kalilah and Dimnah final.indd 58 � ��/���� ��:� ��/
ا إلمبراطورة الرحيمة وهي تطلب من الديك �أن يعيد الق�صة الم ؤ�لمة من البداية.وهم�س (بولينياب) في �أذنه واع ًدا �إياه بجائزة عظيمة ،من القمح الم�ستورد لو أ�نه ا�ستطاع �أن يزيل كل �أثر لدفاع ابن آ�وي ،و أ�ن ي�ؤثر في ا أل�سد الت�أثير المطلوب ويح�صل على ت�أييد الحا�ضرين لق�ضيته. وجمعالديككلمواهبهالفنية ،ألنهاكانتفر�صةلاي�ضيعها إ�لا�أحمق �أو حمار فقد كانت عيون الحا�ضرين جمي ًعا تفي�ض بالعطف عليه والرثاء له ،حتى أ�ولئك الذين أ�ثار �شهيتهم منظر الدماء و أ�ولئك الذين �سرح خيالهم إ�لى الكتاكيت ال�سبعين و�أمهاتهم الع�شر ،وكانت الإمبراطورة تبكي بحرقة -وهي تنظف مخالبها وتزوم في أ�لم ملكي حقيقي. وحكى (ديك النهار) كيف جاءهم (تعاليبو) مرتد ًيا زي رهبان العرين الملكي ،حاملاً كتا ًبا �ضخ ًما ادعى �أنه مجموعة القوانين الجديدة وادعى أ�ن ا إلمبراطور قد أ�وفده ليعلم أ��سرته المبادئ والقوانين الثورية الجديدة التي �سيحكم بها ال�ضرغام ..الغابة والآجام. -و�صدقناه يا مولاي� ،صدقناه ومن ي�ستطيع أ�ن يكذب ر�سو ًال موف ًدا من قبل الإمبراطور العظيم ،خا�صة و أ�ن الر�سل ب�شرونا، ووعدونا بع�صر ال�سلام العظيم. و�ضعنا ..خدعنا با�سم قوانينك الجديدة يا �ضرغام غابتنا ،و�ضاعت �أ�سرتي المكونة من �سبعين كتكو ًتا وع�شر زوجات �سمينات من أ�جمل من فق�س البي�ض على هذه الأر�ض .وجعلني (تعاليبو) وحي ًدا في هذا العالم الكئيب الرهيب الذي لولا عطفكم وكرمكم ،وت أ�كدي من أ�نكم �ستنتقمون لي يا من�صف المظلومين -لولا �إيماني بكم لانتحرت الآن -ا آلن - ولكنني واثق من عدالتكم الأبدية. وكان ختام حديثه م ؤ�ث ًرا للغاية ،ارتع�شت ب�سببه معظم الحيوانات المعذبة ،ورق�ص قلب (بولينياب) طب ًعا ،وا�شتعل ر أ��س الإمبراطور غ�ض ًبا و أ�ح�س بالذئب �أنه �سوف يح�صل على الراحة وهدوء البال أ�خي ًرا، و�أن الانتقام من (تعاليبو) �سيكون �شاملاً -ورهي ًبا. كانت ثورة الإمبراطور وغ�ضبه لهيبة قوانينه الجديدة غ�ضبة عظيمة ،خا�صة ..والحبر الذي كتبت به لم يجف بعد . وعندما يثور ( أ�بو لبدة المده�ش) فلن يقف في �سبيل انتقامه حيوان - أ� ًيا كان. 59 Kalilah and Dimnah final.indd 59 � ��/���� ��:� ��/
المطارة الرهيبة ثار ا أل�سد الإمبراطور ( أ�بو لبده المده�ش) وهو حينما يغ�ضب أ�و يثور ي�صبح رهي ًبا غري ًبا ،فلبدته الذهبية المنفو�شة ت�صبح منكو�شة وذيله الممدود ي�صبح مفرو ًدا ،و�شواربه المبرومة ترق�ص وتهتز كلما لهث �أو نف�س نف�ًسا من أ�نفا�سه الحارة المكتومة. وعندما ز أ�ر ا أل�سد للمرة الأخيرة يعلن ف�ض الاجتماع انتف�ضت الحيوانات المتجمعة في �ساحة العرين ..وارتع�شت وتفرقت في فو�ضى محدثة �ضجة كبيرة ..ا أل�سد معه حق! ..وقالت زرافة طويلة الرقبة.. نعم معه كل الحق! و�صاح �ضفدع كان يقف على �شاطئ الجدول: -يجب أ�ن ي�شنق (تعاليبو) مرتين� ،أو ًال لأنه خالف �أوامر الأ�سد ( أ�بو لبدة المده�ش) ،ومرة �أخرى ألنه انتحل �شخ�صية ر�سول الملك.. وقتل الكتاكيت! وز�أر ا أل�سد للمرة بعد الأخيرة ..وكان معنى ذلك أ�نه يطلب أ�حد المخل�صين لإيفاده في مهمة خطيرة. ولم يكن هناك من هو �أ�شد إ�خلا ً�صا للأ�سد .من الدب ((لبلب دبدوبة)) فتقدم وطلب الإذن بالذهاب و إ�ح�ضار ذلك الماكر المارق (تعاليبو) ح ًيا مقي ًدا با ألغلال والحبال. ونظر ا أل�سد إ�لى الدب نظرة عرفان و�شكر ،وحذره وهو يودعه من مكر الثعلب و أ�لاعيبه ،ولكن الدب ((لبلب دبدوبة)) ابت�سم في ثقة وقال: � -ضع ثقتك في خادمك المخل�ص يا مولاي المده�ش! فو�ضع ا أل�سد ثقته في الدب بناء على رغبته وجل�س ينتظر عودته منت�ص ًرا -بالطبع! وهناك بعي ًدا تحت �شم�س البراري الدافئة ،كان تعاليبو يلاعب �صغيريه (تعيلب) و(تعلبان) ويحكي لهما عن مغامراته ومقالبه ..عندما �شاهد �صديقنا ((لبلب)) قاد ًما من بعيد ،وهو يتلفت باحثا هنا وهناك! هم�س (تعاليبو) ل�صغيريه: -انظرا ،لقد جاء إ�لينا �ضيف ،لا بد أ�ن ا أل�سد �أر�سله ليقب�ض علي، 60 Kalilah and Dimnah final.indd 60 � ��/���� ��:� ��/
فابتعدا وانظرا ول�سوف ن�ضحك قليلاً ..واختفى (تعلبان وتعيلب) ،بينما �صاح تعاليبو ينادي الدب في ود وترحيب: -مرحبا (دبدوبة) ..من زمن لم نرك يا (لبلب) هل تبحث عن �شيء؟ آ�ه ..عرفت ما تبحث عنه فهل ت�سمح لي بم�ساعدتك. وفوجئ (دبدب) (بتعاليبو) أ�مامه يخاطبه ويكلمه دون خوف ،وهو الذي كان ي�ستعد لمعركة منتظرة �صحيح �أنه ارتبك قليلاً ولكنه تمالك نف�سه وقال في خ�شونة: -أ�نا قادم من عرين الإمبراطور.. فتظاهر تعاليبو بالده�شة وقال: -غير معقول؟ وهل ر أ�يته و�شاهدته بعينيك؟.. -طب ًعا.. -وهل كلمته و�سمعته ب أ�ذنيك؟.. -طب ًعا دون �شك! فاحت�ضن تعاليبو دبدوبة فج أ�ة و�أخذ يقبله وهو يقول: -ياه !.ما �أ�سعد حظك يا �أخي ،هل تت�صور يا �صديقي إ�نني �أموت �شو ًقا لر�ؤية أ��سدنا العظيم وخا�صة ،وخا�صة ،بعد أ�ن �أ�صدر �أمره �أن نعي�ش كلنا كا إلخوة في �سلام ..يا �سلااام! وده�ش الدب الم�شهور (لبلب دبدوبة) ،و�أح�س �أن دماغه مثل الطوبة ألنه لم يفهم �شي ًئا ،فالعدو الذي جاء يقب�ض عليه بالقوة يقبله في حب ،بل ويمدح الملك وي�شيد ب�أوامره الجديدة .فقال وهو يبرب�ش بعينه مرتب ًكا: -ولكن ..هل؟ هل أ�نت تتكلم الجد؟ هل �أنت موافق على �أمر ا أل�سد ب�أن يعي�ش كل الحيوانات في �سلام!؟ فتظاهر (تعاليبو) بالده�شة و�صاح: -وهل هناك �شك في ذلك؟ يا (لبلب)؟ فحار الدب �أكثر و أ�كثر ولم يدر ماذا يقول ،ف�أخذ يف�أفئ ويث�أثئ ثم قال: -ولكن يا (تعاليبو) أ�نت قتلت عائلة الديك بعد �صدور �أوامر ا أل�سد! فانتف�ض تعاليبو �صار ًخا مت�صن ًعا الغ�ضب: -أ�نا؟! 61 Kalilah and Dimnah final.indd 61 � ��/���� ��:� ��/
قال الدب: -نعم ..إ�نهم يقولون ذلك و�أنا ح�ضرت لكي �أقب�ض عليك و�آخذك �إلى عرين الأ�سد أل�شنقك مرتين ،إ�ن الكل يعرف أ�نك فعلت ذلك ،ولقد �سمعت الق�صة بنف�سي ..من ..الجميع. ف�صاح الثعلب م�ستنك ًرا.. � -إنهم يتقولون علي ويكذبون ..يتقولون ويكذبون دائما ولكن أ�نا لا يهمني ذلك ،الذي يهمني هو أ�نت يا لبلب!؟ هل ت�صدق هذه الأكاذيب عن (تعاليبو)؟! فزاد ا�ضطراب (دبدوبة) ،ولم يعد يفهم �شي ًئا ..وقال: -إ�ن الديك يا (تعاليبو) ،الديك هو الذي تقدم بال�شكوى �ضدك، لقد كان ممزق الرقبة منتوف الذيل. وهنا ع�صر (تعاليبو) جفونه بحركة يتقنها جي ًدا ،فت�ساقطت دموعه، وقال وهو ين�شج بالبكاء: -الديك؟ ..الديك؟ ..وت�صدقون الديك ،و أ�نا (تعاليبو) ذهبت �إليه بنف�سي �أدعوه للنزول من فوق ال�شجرة للعب ك�إخوة ولكنه رف�ض، أ�نا ذهبت إ�ليه م�سال ًما حتى قبل أ�ن يمر ر�سول الملك معل ًنا �أوامره الجديدة، هل تعرف ماذا فعل بي؟! -لا.. -طب ًعا لا ،ألنك لم تكن مع ًنا �ساعتها؛ لقد نادى كلاب القرية ال�شر�سة لتطردني وتطاردني ،وبعد ذلك ت�صدقونه! ت�صدقون ناب�ش التراب هذا ،لدرجة أ�ن ت�أتي أ�نت بنف�سك لتقب�ض على؟! أ�نا لا يهمني كل ذلك ،ولكن الذي يحزنني يا (دبدوبة) �أنك ت�صدق ذلك عني؟! قال (تعاليبو) هذا ،ثم ارتمى على �صدر الدب منتح ًبا باك ًيا؛ فارتبك هذا ج ًدا ،وظل فترة لا ي�ستطيع �أن يجيب بكلمة واحدة .لكنه �أخذ يربت على ظهره في عطف ثم قال.. -ال؛ يا (تعاليبو) �أنا لا يمكن أ�ن أ��صدق عنك هذا �أب ًدا ،فقط حاول أ�لا تبكي ،فقد قطعت قلبي. وهنا �أ�شرق وجه (تعاليبو) بابت�سامة رائعة ،وقال وقد م أل قلبه الر�ضا.. -الآن لا يهمني �شيء ،ما دمت أ�نت ت�صدقني ،هيا بنا ،أ�نا م�ستعد 62 Kalilah and Dimnah final.indd 62 � ��/���� ��:� ��/
للذهاب معك الآن حتى للموت. وكان (تعلبان) و(تعيلب) يراقبان ما يحدث ،وتعجب (تعيلب) ألن والده (تعاليبو) م�ضى مع الدب فعلاً ،وكاد ينادي عليه لولا أ�ن أ�م�سكا به (تعلبان) وحذره من التدخل حتى لا يف�سد خطة والده. وت�سلل الاثنان يراقبان من بعيد ما �سيحدث. �صاح (تعاليبو) في فرح وهو يلف ذراعه حول الدب في ود. -هذه الدنيا غريبة ج ًدا ت�صور يا (لبلب)� ،إنني عندما ر�أيتك قاد ًما من بعيد ظننت �أنك قادم لتبحث عن �شيء� ،شيء أ�نت تحبه ج ًدا فقلت لأولادي :ها هو �ضيف قد جاءنا ولا بد �أن نكرمه. ولم�ست عبارة (�شيء تحبه) وت ًرا ح�سا�ًسا عند الدب فقال: -أ�نت ذكي ج ًدا يا (تعاليبو)؛ فا�ستمر (تعاليبو) قائلاً .. -وقلت (لتعلبان) ولدي ال�صغير الذي �سوف أ�قدمه �إليك في مرة قادمة قلت له :لا بد �أن ن�ساعد �ضيفنا العظيم ..وندله على مكان ذلك ال�شيء الذي يحبه ولكن ت�صور ما الذي حدث! لقد كنت قاد ًما للقب�ض عل ّي ..ت�صور؟ وت�صور (دبدوبة) بالفعل ،ولكنه �أراد �أن يت�أكد -ف�س�أل: ولكن أ�ي �شيء تظن �أنني آ�تي للبحث عنه هنا؟ وكنت �ستدلني على مكانه؟ ف�ضربه (تعاليبو) �ضربة ودودة و�صاح في مرح: ها -الع�سل -طب ًعا ،ع�سل النحل الرائع وبكميات وافرة �أي ً�ضا! وغمز بعينه غمزة ذات معنى.. وهنا لم ي�ستطع الدب الاحتمال فرق�صت �شواربه واهتز ذيله و�أخذ يلعق �شفتيه بل�سانه ا ألحمر الطويل؛ وقال وهو يداري خجله بالنظر �إلى �أظافر يده: أ�لم أ�قل لك؟ �إنك ذكي ج ًدا -وخ�سارة �أنك تعرف كل �شيء تقري ًبا (يا تعاليبو) � -إنك تعرف �أنني أ�موت -أ�موت ح ًبا في الع�سل ،ف�أرجوك �أرجوك لا تذكره �أمامي -أ�رجوك! ف�إن بدني كله ينتف�ض �شو ًقا ولهفة عند نطق هذه الحروف الثلاثة الم�سحورة ع �س ل.. ولكن (تعاليبو) قال له مطمئنا.. -لا تق�شعر �أب ًدا ..فليق�شعر بدن أ�عدائك أ�ما �أنت ..وهم�س (تعلبان) 63 Kalilah and Dimnah final.indd 63 � �� ���� ��:/�/��
في أ�ذن (تعيلب): لقد وقع الدب في قب�ضة والدنا ،انظر �إليه إ�نه يكاد يرق�ص هبلاً ولا بد أ�نه يحلم بال�سباحة في نهر الع�سل!! وقاد (تعاليبو) �صديقه (لبلب) في طريق يعرفه الثعالب تما ًما ويتجنبون ال�سير فيه ،ألن به ع�شرات من الفخاخ القوية التي �أقامها الفلاحون ل�صيد الحيوانات التي ت�سرق حقولهم هناك .وبحركة خفيفة تخل�ص (تعاليبو) من ذراع �صديقه التي كانت تحت�ضنه في حب ودفعه دفعة خفيفة ج ًدا ..تعالت بعدها �صيحات الدب عالية ت�شق الف�ضاء - ي�ستنجد ب�صديقه ليخل�صه من الفخ اللعين الذي أ�طبق على قدمه بقوة! ولكن الدب ابتلع �صرخاته و آ�لامه في ح�سرة عندما �شاهد (تعاليبو) يرق�ص مع جرويه ال�صغيرين الذين خرجا فج�أة من بين الأ�شجار وهما ي�ضحكان في �سخرية ويغنيان: \"ما ر�أيك يا دبدوبة.. في ع�سل النحل المنع�ش؟ كل حتى ت�شبع منه .. وخذ الباقي للمده�ش!\" وبعد أ�ن �شبع (تعاليبو) �سخرية من الدب قال لهما: هيا بنا ،لقد غنينا و�ضحكنا وعلينا إ�ن ن�ستعد ا آلن لما �سيحدث بعد ذلك � -إلى اللقاء يا (دبدوبة) ولا تن�س �أن تبلغ تحياتي إ�لى ا إلمبراطور.. -وهاج ا أل�سد وماج ،عندما خرج لي�ستقبل ر�سوله العائد فوجده ممزق الفروة مقطع الذيل ،م�ضرو ًبا بالع�صي الغليظة.. -وما �أن و�صل الدب أ�مام الأ�سد حتى أ�نحنى باك ًيا يقول في حرقة: � -ضربني الفلاحون يا مولاي.. وطب ًعا لم يذكر �شي ًئا عن نهر الع�سل الذي كان يود الا�ستحمام فيه ولم يجد ا أل�سد وق ًتا أ�و قل ًبا لكي يلومه و�إن كان قد �أ�صدر �أم ًرا عاجل ًا ب�ألا تحمل الدببة جميعها ذيو اًل بعد الآن ،عقا ًبا لها على إ�همال رئي�سها وف�شله و�سماحه لنف�سه بالوقوع في الفخ. ز�أر الأ�سد مرة أ�خرى يطلب �شخ ً�صا آ�خر للذهاب لإح�ضار ذلك الذي ف�شل الدب في القب�ض عليه � -أي (تعاليبو) -ح ًيا أ�و ميتا. ودقت الطبول الملكية تودع القط (بول�شناب) قائد الحر�س الملكي 64 Kalilah and Dimnah final.indd 64 � �� ���� ��: �/��/
الذي تطوع للمهمة و�سط ت�صفيق الحيوانات والطيور .وكان (تعاليبو) في نف�س تلك اللحظة قد عاد للجلو�س هاد ًئا �أمام جحره ال�صيفي ينتظر و�صول ر�سول ا أل�سد الجديد ،وكما توقع بال�ضبط ر�آه قاد ًما وهو يت�شمم ا ألر�ض في اهتمام فابت�سم وا�ستعد لا�ستقباله بما يليق . انتظر (تعاليبو) حتى اقترب (بولي�شناب) منه ج ًدا -ف�صاح مرح ًبا به على حين غرة� ،صيحة �أزعجت القط وجعلته ينط في الهواء �صار ًخا يموء ويزمجر ثم يهبط مقو�ًسا ظهره ا�ستعدا ًدا للقتال.. لكن (تعاليبو) �ضحك وقال في هدوء: -هل أ�زعجتك يا �أعز القطط؟! فتمالك القط نف�سه و�أ�صلح من حاله ثم نظر إ�لى (تعاليبو) �شذ ًرا وقال في جديه: ا�سمع! ل�ست هنا أللعب معك فلي�س هناك هزار بيني وبينك ولي�س بيننا كلام -ولا �سلام ،ولا تظن أ�نني أ�حب الع�سل ،فاحذر ف أ�نت لن تخدعني، وهيا معي بالتي هي أ�ح�سن فا أل�سد ملكنا جمي ًعا ،ينتظرني عائ ًدا بك إ�ليه. فتظاهر (تعالييو) بالده�شة وقال وك�أنه ي�سمع ا�سم الأ�سد لأول مرة: -وما الذي يريده الأ�سد العظيم من حيوان �ضعيف م�شرد في البراري مثلي ،هل؟ هل -هو يريد أ�ن يلحقني بخدمته! ف�ضحك القط �ساخ ًرا ،وقال: -نعم� ..سوف يجعلك وزي ًرا للخداع ،ولكنك قبل �أن تت�سلم عملك عليك �أن تمر بكل الطقو�س اللازمة لهذا ،و أ�نت تعرف �أولها - وهو �أن تعلق بحبل �صغير في م�شنقة عالية.. -ثم �صرخ فيه فج أ�ة: -هيا! ،ولا تفكر في أ�حد أ�لاعيبك الخبيثة ،ف أ�نا حذر ج ًدا ،ويجب أ�ن تعرف �أني أ�ذكى مما تظن يا ملك الثعالب. فقال (تعاليبو) وهو يتظاهر بالي�أ�س والا�ست�سلام: -ح ًقا! هذا �صحيح ،ولا بد �أن �أحتفظ ب�شجاعتي الآن و�أنا أ�واجه م�صيري ا أل�سود ولكن فلتكن كري ًما معي يا �سيدي مثلما أ�نت حذر مني، �إنك لا تر�ضى أ�ن �أترك ابني هذين بلا طعام ،فا�سمح لي أ�ن أ�ذهب في حرا�ستك ،إ�لى مخزن قريب من هنا ،لا �صيد لهما عد ًدا من الفئران البرية ال�سمينة. 65 Kalilah and Dimnah final.indd 65 � ��/���� ��:� ��/
قال (تعلبان): -خذني معك يا �أبي ،ف�أنا ماهر ج ًدا في �صيد الفئران البرية ال�سمينة ،بل �إنني أ�مهر من ي�صيدها على �سطح هذه ا ألر�ض.. -فقاطعه (تعاليبو).. -كن م ؤ�د ًبا يا (تعلبان) ..ولا تتحدث عن مهارتك �أمام أ�عظم �صائد للفئران في العالم.. ف�ضحك (تعلبان) �ساخ ًرا هو و(تعيلب) الذي قال: لي�س هناك من هو أ�مهر من �أخي. وا�ست�شاط القط غ�ض ًبا لهذا التطاول عليه ،ولكن (تعاليبو) �أ�سرع ي�ستر�ضيه قائلاً .. لا ت ؤ�اخذهم يا �سيدي ،ف�إنهم �صغار لا يعرفون من أ�نتم ،ولم يروا من قبل ماذا تفعل أ�نت عندما تتجلى عبقريتك �أمام الفئران ،عندما ترغب في ال�صيد.. واهتز �شيء داخل القط ،ولعق فمه في نهم و�شد قامته في غرور والتفت في كبرياء قططي ناحية ال�صغيرين وقال للثعلب: هيا بنا ،و�سوف �أ�ساعدك في ال�صيد ،حتى لا ت�ضيع الوقت، ولنترك لهما ما ي�أكلان ولو �أن �صغيريك لي�سا على درجة كبيرة من الأدب! ولكني �س�أريهما �شي ًئا يتذكرونه هيا بنا. وظل تعاليبو يعتذر ويرجوه �ألا يفعل ذلك قائلاً أ�ن ا�شتراك ر�سول الملك معه في �صيد الفئران �شرف لا ي�ستحقه ثعلب هارب من العدالة مثله ..فتعجب القط وقال: ومن �سي�شترك معك؟! هل تظن �أنني �أ�سمح لنف�سي �أن �أ�شترك معك في عمل ..إ�ن كان هذا يعتبر عملاً � ..إنني �س أ��صيدها لك في ثوان، �س�أفعل ذلك لألقنك �أنت و�صغارك در�ًسا في ا ألخلاق ،و ألن العدالة تق�ضي ب�أن نجيب آ�خر رغبة يبديها من �سيموت م�شنو ًقا. وهنا أ��شار تعاليبو �إلى الطريق ،ونظر نظرة ذات معنى ل�صغيريه، الذين كتما �ضحكهما وهما يهمهمان: وقعت يا (بول�شناب) �أ�سير غرورك.. كان ذلك المخزن الذي أ��شار إ�ليه (تعاليبو) مخز ًنا مهجو ًرا منذ زمن بعيد ،وكان مظل ًما �شديد الظلمة ن�صب فيه الفلاحون فخا ًخا ل�صيد ابن 66 Kalilah and Dimnah final.indd 66 � �� ���� ��: �/��/
عر�س والجرذان التي كثي ًرا ما هاجمت محا�صيلهم وبمجرد أ�ن تدلى القط المتعالي من ال�سقف ولم�ست قدماه الأر�ض الرطبة حتى �صرخ �صرخة حادة ،بال�ضبط كما توقع له المنتظرون الثلاثة في الخارج. إ�ذ �أم�سك به أ�حد تلك الفخاخ بقوة وحاول هو جاه ًدا التخل�ص منه دون جدوى وزاد من رعب القط أ�نه لم يتبين حقيقة ما أ�م�سك به ب�سبب �شدة الظلام وخيل إ�ليه أ�ن وح�ًشا رهي ًبا قد أ�طبق على أ�قدامه ب�أ�سنانه الحادة ،خا�صة وقد راح تعاليبو وطفلاه يخرب�شون الحائط ويزيدون خوف القط الم�أ�سور في الظلام وهم يغنون.. بولي�شناب يا جبار فئران الغيط كبيرة خذ منها وارجع الدار كي ي أ�كل كل الجيرة لا تحزن �إن فاتك فار ف�ست أ�تي الفر�ص كثيرة ولا ندري كيف عاد (بولي�شناب) �إلى مولاه ا أل�سد ،يقولون إ�نه عاد ذليلاً مكتئ ًبا وذيله بين رجليه من الخجل ،ولكن الذي ندريه -أ�ن (تعاليبو) قال أل�سرته: � -سيثور ا أل�سد ويفور -و�سيطلب من الفيل تجهيز الجيو�ش للقب�ض علي ،فهيا بنا لأجد لكم مكا ًنا �أمي ًنا تعي�شون فيه فترة من الزمان حتى تنفرج الأمة وحتى �أ�ستطيع �أن �أواجه ما �سيحدث بعد ا آلن بذهن �صاف وتفكير �سليم. 67 � �� ���� ��:/�/�� Kalilah and Dimnah final.indd 67
محاكمة تعاليبو -كان تعاليبو على ح ٍق تما ًما ،فقد كان غ�ضب ا أل�سد �شدي ًدا عندما عاد �إليه (بولي�شناب) وذيله بين رجليه من الخجل والعار بعد �أن �ضربه أ��صحاب المخزن المهجور ونتفوا فروته ،و أ�ح�س كل من ر أ�ى الأ�سد �ساعتها أ�نه �سوف يتخذ قرا ًرا خطي ًرا لمواجهة أ�لاعيب تعاليبو فقد كان يدور حول نف�سه في القاعة الكبرى للعرين ك�أ�سد أ��سير في إ�حدى حدائق الحيوان. -وفي تلك اللحظة الخطيرة ظهرت حقيقة أ�ن الظفر لا يخرج من اللحم و أ�ن الدم لا ي�صبح ما ًء �أب ًدا ،فقد أ�خذ (ابن �آوي) يفكر ويفكر في و�سيلة لإنقاذ عائلة ابن عمه العزيز ،ولولا اعتماده على مكانة خا�صة له في قلب الأ�سد لما ا�ستطاع الدخول عليه وهو في هذه الحالة من الغ�ضب ليتقدم �إليه باقتراح إلنقاذ الموقف. -وطلب من الإمبراطور �إعطاءه فر�صة �أخيرة لإح�ضار (تعاليبو) م�ست�سل ًما خا�ض ًعا لكي يحاكم �أمام محكمة قانونية عادلة فتنتهي ا ألزمة على �صورة تر�ضي الجميع وترفع مكانة ا إلمبراطور كحاك ٍم بين رعاياه.. -و�سمح الإمبراطور (�أبو لبدة المده�ش) (لابن �آوي) بالذهاب لإح�ضار ابن عمه و�صديقه المخل�ص. كان (ابن آ�وي) يعرف دائ ًما أ�ين وكيف يجد (تعاليبو) وكان (تعاليبو) يعرف تما ًما �سبب ح�ضور ابن عمه ووافقه تما ًما على قوله: -لقد م�ضى وقت ال�ضحك فالأمر لم يعد فكاه ًيا وعليك �أن ت�سلم نف�سك للبلاط و إ�لا ف�سوف ي�ستنفر ا إلمبراطور كل جيو�ش الحيوانات والطيور للبحث عنك و�ساعتها لن ي�ستطيع �أحد الدفاع عنك فتعال معي و أ�نا �سوف �أ�ضمن نجاتك والعفو عنك ..ووافق (تعاليبو) على تقدير ابن عمه ل ألمور وعاد معه على الفور. لكن الخوف كان يملأ قلب (تعاليبو) كلما اقتربت رحلة العودة من نهايتها وكان قلقه يزداد �شيئا ف�شيئا ،خا�صة عندما ر�أى كل هذه الح�شود الهائلة من جماهير الحيوانات المختلفة الألوان وا أل�شكال التي تجمعت يدفعها الف�ضول كعادتها عندما تمر المواكب الر�سمية حتى ولو كانت تعلم �أن �صاحب الموكب لي�س �إلا ثعل ًبا تنتظره المحاكمة والعقاب الم�ؤكد. وقرر الثعلب بعد لحظة تفكير ثعلبية خاطفة أ�ن يحول ه�ؤلاء الذين 68 Kalilah and Dimnah final.indd 68 � �� ���� ��:/�/��
جاءوا للفرجة عليه �إلى م�ستقبلين له مرحبين به ،ف�شد قامته وم�شى باعتداد ملكي ينظر ذات اليمين وذات ال�شمال ،وهو يلوح بكفه عال ًيا ويهز ر أ��سه في �سمو. وفعل ت�صرفه هذا فعل ال�سحر في الحيوانات المحت�شدة .فبد أ�ت همهمات ا إلعجاب به ت�سري كالنار في اله�شيم ثم تحولت إ�لى �صيحات مبهورة وهتافات مرحبة وكاد رجال (بولينياب) يفقدون �سيطرتهم على النظام ولم ينقذ الموقف �إلا و�صول الموكب إ�لى باب العرين الملكي. لكنا إلمبراطورالمرعبرف�ضال�سماح(لتعاليبو)بالمثولبينيديهعلى الفوركما أ�نهرف�ضالتما�ًساقدمتهقبائلذويالذيولالمنفو�شةللعفوعنه. وقالبع�ضالخبثاءمنالعالمينببواطنالأمور�أنرف�ضا إلمبراطور لذلك ما هو �إلا تمثيلية متقنة ال�صنع متفق عليها من قبل ،ولكن الكثيرين ت�شككوا في ذلك خا�صة عندما خرج بع�ض الر�سل والمنادين من الق�صر وانت�شروا في �أرجاء الغابة ليعلنوا �أن المحاكمة وتنفيذ حكم ا إلعدام �سوف يتمان �صباح الغد أ�و م�ساءه على �أق�صى تقدير . وقد قيل �إن غ ًدا قريب لناظره و إ�ن يبدو بعي ًدا!.. وما أ�ن �صاح المنادي ودب الن�شاط في الغابة ،حتى كان الميدان قد ازدحم عن �آخره بجموع الحيوانات التي جاءت �أو على ا أل�صح بقيت منذ الأم�س في انتظار المحاكمة والتنفيذ �أو في انتظار معرفة كيف �ست�سير الأمور. وانعقدت هيئة الق�ضاة وجماعة المحلفين وا�ستدعي ال�شهود في حرا�سة م�شددة ومنع ات�صالهم ب�أحد خ�شية أ�ن ي ؤ�ثر عليهم �أي �شيء عدا الخوف من انتقام رجال (بولينياب). وجل�س ا إلمبراطور ،وقد هرب من وجهه كل تعبير .وبجواره جل�ست الإمبراطورة تتلفت في وقار يمي ًنا وي�سا ًرا لترى أ�ثر جمالها على الجموع ،وهي تمد رقبتها في حركة نبيلة مثل ديك تركي. واخترق الثعلب (تعاليبو) القواعد المنظمة للمحاكمات الوح�شية طال ًبا �أن يعترف وكان طلبه هذا �سب ًبا في إ�رباك كل الحا�ضرين من رجال القانون ورجال ال�ضبط والربط لكنهم حتى بعد الرجوع للمراجع لم يجدوا مف ًرا من الموافقة على طلبه .و�سمح له بالتقدم �إلى و�سط الحلبة لكي يراه وي�سمعه الجميع. هم�س البع�ض أ�نه �سوف يقلب المن�ضدة عليهم و أ�كد آ�خرون أ�ن هذا 69 Kalilah and Dimnah final.indd 69 � �� ���� ��: �/��/
ي ؤ�كد ما قالوه �ساب ًقا من أ�ن الأمر كله تمثيلية اتفق الجميع عليها ،بينما ف�سر غيرهم ذلك بقنوط الثعلب وي�أ�سه من أ�ي عفو ب�سبب فداحة جرائمه.. وهم�س (الحمار كار) ال�شهير بالقانونجي لزملائه الجال�سين في �صفوف المحامين قائلا: -إ�ن اعترافه ي�ؤكد وجهة نظري.. ولكنه لم ي�شرح �أب ًدا ما وجهة نظره وعندما طالبوه بها لزم ال�صمت م�شي ًرا إ�لى (تعاليبو) .الذي كان قد بد أ� يتكلم و�سط �صم ٍت رهيب. وابتد�أ (تعاليبو) في �صوت عميق جلي وا�ضح ي�شرح كيف لاقى ا ألمرين وهو يحاول تلقين أ�بناء الديك الأغبياء قوانين ا إلمبراطور الجديدة لكنهم لما جبلوا عليه من جبن وتع�صب ،رف�ضوا أ�ن يفهموا �أن عه ًدا من الحب وال�سلام قد حل على الغابة أ�ن هم �آمنوا بالمبادئ التي يريد الإمبراطور �أن ير�سيها . و�أنه ا�ضطر عندما �ضاقت به �سبل الإقناع أ�ن يتحمل وحده م�س�ؤولية تخلي�ص الع�صر الجديد من أ�مثالهم وقرر أ�ن موقفهم العدائي منه ومن القوانين الجديدة قد تمثل في جر�أة الديك نف�سه وتحري�ضه كلاب القرية على الثعلب الذي وهب نف�سه لخدمة ا إلمبراطور. ثم انتقل ب�سرعة وهو يطلب عدم مقاطعته لي�شرح الظروف التي لاب�ست رحلة الدب العظيم الكونت (لبلب دبدوبة) الذي ت�سكره رائحة الع�سل ورحلة رب الوقار والحكمة ال�سيد (بولي�شناب) عا�شق الفئران.. وقال �إنه كان مخل ً�صا يريد إ�كرامهم عندما دلهم على منابع الع�سل وم أ�وى الفئران و�أبدى أ��سفه ال�شديد لما حدث لهما بعد ذلك والذي لا دخل له به ،ثم �صاح في �صوت متهدج م ؤ�ثر نفذ إ�لى �أعمق �أعماق قلوب الحا�ضرين: � -إنني م�ستعد لتقديم روحي فداء لمبادئ إ�مبراطوري المحبوب ،ف ألكن أ�ول �شهيد في �سبيل عدله لأن المبادئ العظيمة في حاجة �إلى دماء ال�شهداء!! و�صفق الحا�ضرون من الذكور وبكت الحا�ضرات من ا إلناث، وهتف ال�صغار واندفع كل الجال�سين في �صفوف المحامين -وعلى ر�أ�سهم (حمار كار) ال�شهير نا�س ًيا موقفه ال�سابق -ليدافعوا عن ال�شهيد المنتظر. وحدثت �ضجة رهيبة واختلط ال�صياح بالنباح والزعيق بالنهيق فلم يفهم أ�حد �شي ًئا. 70 Kalilah and Dimnah final.indd 70 � �� ���� ��:/�/��
وانتهز (بولينياب) الفر�صة ف أ��سرع ب إ�ح�ضار �صحيفة �سوابق تعاليبو وكان �سجله حافلاً بالجرائم �سواء في ظل القوانين القديمة أ�و الجديدة فلم يجد المحلفون ب ًّدا من �إظهار عدم تحيزهم وعدم ت أ�ثرهم بالعواطف ب إ��صدار الحكم ب إ�عدامه �شن ًقا حتى الموت وا�ضعين الأمر كله بين يدي الإمبراطور �شخ�ص ًيا. وهنا ..ظن جي�ش ذوي الذيول المنفو�شة �أن م�ساعي (ابن �آوي) لم ت�سفر عننتيجةفان�سحبواجميعهماحتجا ًجاعلىهذهالخيانة،وكانهذاالان�سحاب �ضد رغبة ا إلمبراطور الذي يعرف أ�ن هذا الجن�س هو �أكثر أ�جنا�س الحيوان عد ًداوحكمةوخبرةب�شيءمنال�سيا�سةوالحكموالتنظيما إلداري. وا�ضطر إ�لى دخول العرين ليخفي ارتباكه الوا�ضح وعند ذلك فقد (لبلب دبدوبة) و(بولينياب) كل �سيطرة على الموقف وبدا وا�ض ًحا ارتباكهما ،فم�ضى (تعاليبو) ي�سخر منها وهو ي ؤ�كد ب�صوت عال �ضاحك أ�نه �سوف ينجو .بالرغم منهما ولن ي�صيبه �أي �أذى ،مما أ�ثار أ�عجاب كل ا إلناث المراهقات اللائي تجمعن حوله يطلبن منه توقيعه للذكرى. ولا يدري �أحد ما جرى بين ا أل�سد و(ابن �آوي) في الليل ،وارتبك المحللون الذين يعرفون ب�شكل م ؤ�كد أ�ن الأمر كله مدبر منذ البداية لأن ال�صباح حل ولم ي�صدر قرار العفو و�إنما �صحا الجميع على �صوت نقاري الخ�شب وهم يعدون الم�شنقة و�سط نف�س الميدان الذي جرت فيه المحاكمة. و أ�ح�ضر الحرا�س (تعاليبو) الذي بدا مره ًقا قل ًقا رغم محاولاته الظاهرة لإخفاء ذلك عن عيون �أعدائه و أ��صدقائه.. و�سمع الملك وهو يجل�س إ�لى جوار الإمبراطورية نهنهات و�شهقات بكاء مخنوقة هنا وهناك ،لكنه جل�س متج ًها وبدا �أن ا ألمر كله غير مفهوم ،عندما حلت اللحظة ا ألخيرة فطلب (تعاليبو) موج ًها التما�سه �إلى الإمبراطورة ،طال ًبا منها �أن ت�سمح له بالاعتراف ا ألخير الذي يثقل قلبه. وبحركة نبيلة �سمحت له ا إلمبراطورة ،م�ستندة �إلى �سيادة القانون وبحركة �أروع لا يتقنها إ�لا (تعاليبو) نف�سه ،أ�بعد حبل الم�شنقة عن رقبته وم�ضى يلوم نف�سه معتر ًفا ب أ�نه كان �آث ًما و أ�نه ي�ستحق كل ما جرى له وما �سيجري له في الم�ستقبل لأنه جمع ثروة هائلة من الجواهر واللآلئ خلال حياته الحافلة .و أ�نه لم يتح لنف�سه الفر�صة للا�ستمتاع بها �أو ا�ستخدامها إ�لا تمويل م ؤ�امرة (مزعومة) �ضد العرين بالا�شتراك مع أ�قرب النا�س 71 Kalilah and Dimnah final.indd 71 � �� ���� ��: �/��/
للإمبراطور وا إلمبراطورة ،و أ�نه ا آلن م�ضطر للاعتراف بذلك لأن �شركاءه ما زالوا يتمتعون بالر�ضاء ال�سامي بينما يموت هو دون �أن يعرف �أحد الطريق إ�لى كنزه وثروته المدفونة في مكان ما في الغابة. ارتجف قلب الأ�سد رع ًبا عند �سماعه بالم ؤ�امرة بينما �سال لعاب الإمبراطورة لذكر تلك الثروة الهائلة من ال آللئ والجواهر ،واهتز قلبها طر ًبا لخاطر مر بقلبها و�أوحى لها ب إ�مكان الح�صول عليها فطلبت من زوجها في دلال أ�ن يمنح (لتعاليبو) فر�صة ك�شف المت آ�مرين و إ�ثبات براءته و إ�نقاذ الكنز. ولما وافق الملك الإمبراطور ،انخلعت قلوب كل المقربين �إليه و�إلى الإمبراطورة وكل منهم يظن �أن تعاليبو كان يق�صده عندما تحدث عن �شركائه في الم�ؤامرة و�ساد �صمت عميق وترقب. وتعلقت ا ألب�صار ب�شفتي (تعاليبو) وتوترت الآذان في انتظار ما �سينطقبهمنكلماتوارتجفتالذيولقل ًقاعندمان�شر(تعاليبو)فوقوجهه �سحابة من الألم العميق وبد�أ يحكي بتمهل متعمد ،وتطويل مق�صود عن تلك الم ؤ�امرة الرهيبة التي كان �سيمولها بجواهره وكنزه ل�صالح �صديق الملك ال�صدوق الكونت (لبلب دبدوبة) حامل ا ألختام ورئي�س الديوان وزميله ال�سيد (بولي�شناب) القط المدلل الذي يعرف كل �أ�سرار ا إلمبراطورة. و�أدهى من ذلك �أن الذي كان �سيقع عليه الدور ا ألكبر في تنفيذ الجزء العملي من التمرد هو ال�سيد (بولينياب) حامي حمى ا ألمن الداخلي والذي طلب ن�صف الكنز له ولرجاله لمنع و�صول أ�ي �أنباء عن الم ؤ�امرة إ�لى الإمبراطور حتى يوم التنفيذ .وكان (تعاليبو) يعرف تما ًما أ�ن من ال�صعوبة �أن ي�صدق الإمبراطور مثل هذا الكلام عن أ�قرب م�ساعديه ورجاله فعمد �إلى تذكير الإمبراطور بم ؤ�امرة �شبيهة بتلك كان والده قد اكت�شفها أ�يام كان الإمبراطور مجرد �شبل �صغير وول ًيا للعهد . ثم عاد بلا منا�سبة وا�ضحة ي�صف كنزه الخفي وما به من ذهب وجواهر تغري أ�خل�ص الخل�صاء بالت آ�مر وحذر من أ�ن �أح ًدا لا يعرف مكانها و أ�نها �سوف ت�ضيع تما ًما إ�ن لم ي�سمح له با�ستخراجها و إ�هدائها إ�لى العر�ش تكفي ًرا عن تفكيره في خيانة الإمبراطور تلك الخيانة التي دفع �إليها في الحقيقة - كما قال هو -تحت �إغراء (دبدوبة) و(بولي�شناب) و(بولينياب). وكان الثلاثة قد انهاروا لما �شاهدوه من �صدى الأكاذيب (تعاليبو) 72 Kalilah and Dimnah final.indd 72 � �� ���� ��: �/��/
على وجه الإمبراطور وا إلمبراطورة ،و�صعق الثلاثة عندما هم�ست ا إلمبراطورة للإمبراطور طالبة منه العفو عن (تعاليبو) لإنقاذه العر�ش واعترافه ال�شريف. و�سمعوا بعدها زئير ا إلمبراطور المرعب يهز المكان �آم ًرا بالقب�ض عليهم و إ�يداعهم ال�سجن وم�صادرة كل أ�ملاكهم ،وكانت فداحة ا ألمر وا�ضحة جلية على وجهه وهو يقوم غا�ض ًبا منفعلاً تار ًكا ال�ساحة �إلى داخل العرين ليدر�س الموقف على مهل .وتم كل �شيء ب�سرعة وح�سم مثلما يتم في كل الظروف الم�شابهة؛ وذبح العدد المنا�سب لب�شاعة الم�ؤامرة. وقام رجال (بولينياب) �أنف�سهم بالقب�ض عليه وعلى من تقرر التخل�ص منهم ومن غيرهم.. و�ألقي بالمت آ�مرين الثلاثة في �سجن �سحيق انتظا ًرا للمحاكمة وللموت و أ�عيد (تعاليبو) إ�لى ال�ساحة مرتد ًيا عباءة من عباءات ال�شرف فهتفت الجموع بحياته و�س أ�لته ا إلمبراطورة وهي تلوح بيدها للحيوانات ..عن مكان الكنز ف أ�جاب وهو منحني عبر ال�شرفة: � -إنه هناك و�سط ا ألدغال المهجورة بجوار النخلات الثلاث القائمات عند النبع ذو ال�شعبتين. ولما أ�بدت ت�سا ؤ�ل المتعجب من وجود مثل هذا المكان المجهول ا�ست�شهد (تعاليبو) عل الفور ب�سائ�سها الخا�ص ال�سيد المقدام (�أرنوبة بولودان) ف أ�من ال�سائ�س المرتع�ش على كلامه وتطو ع ب�إخبارها لأول مرة ب�أنه مر على ذلك النبع كثي ًرا خلال العام الما�ضي. و�سرت هذه ال�شهادة ح�ضرة الإمبراطورة و أ�مرته أ�ن ي�صحب الثعلب في رحلته لإح�ضار الكنز ..ورحب (تعاليبو) ج ًدا بم�صاحبة ا ألرنب (بولودان) المخل�ص خا�صة و�أنه ينوي القيام برحلة ق�صيرة �إلى (معبد الفيل) ليقدم �شكره و�صلواته احتفا اًل بنجاته وليتطهر قبل �أن يلم�س جواهره مرة �أخرى. وعر�ض م�شروع الرحلة على ا إلمبراطور فوافق وقد أ��سعده �أن الأمور �سارت كما تمنى و إ�ن لم يظهر �سروره هذا ،لكنه أ��صدر �أوامره لكاهنه الملكي الخا�ص (الخروف �شحتوف �أبو �صوف ب�أب�أب�أاااه) بالذهاب مع (تعاليبو) لي�صلي معه ومن أ�جله حتى تتبارك رحلة التوبة هذه وليتبارك الكنز و�صاحبه التائب الكبير. 73 Kalilah and Dimnah final.indd 73 � �� ���� ��: �/��/
و أ��صدر أ�وامر �أخرى لكل رجال البلاط والحر�س الإمبراطوري كي يتجهزوا وليكونوا معه ومع ا إلمبراطورة في ا�ستقبال (تعاليبو) لدى عودته طهو ًرا من المعبد عند مفترق الطرق لم�صاحبته إ�لى حيث يرقد الكنز تحت النخلات الثلاث والنبع ذي ال�شعبتين ولم يجد (تعاليبو) غ�ضا�ضة في ذلك بل ابت�سم ابت�سامتين وفكر في فكرتين ثعلبيتين. Kalilah and Dimnah final.indd 74 74 � �� ���� ��: �/��/
الرحلة إ�لى القمة كانت رحلة التوبة والتطهير غاية في الب�ساطة والروعة ،فقد ارتدى (تعاليبو) ثو ًبا خا ً�صا بالحجاج المتطهرين تليت عليه �صلوات الكاهن (ب�أ ب أ� ب أ� ا ا ا ه) �سبع مرات و�أعارهم الملك إ�حدى العربات الملكية التي تجرها حيوانات ال�سي�سي (الميني مهر) ذات اللون المبرق�ش ي�سوقها ال�ساي�س الإمبراطوري (بولودان) مرتد ًيا حلة بالق�صب والذهب م�شغولة بخيوط حرير طبيعي في لون ثمار الكريز الدموية. وعلى حافة الأحرا�ش الكثيفة حيث كان (تعاليبو) يعرف أ�ن عائلته مختفية عن الأنظار في مكان يعرفه هناك ،ا�ستطاع (تعاليبو) �إقناع رفيقيه بترك العربة في ظل �شجرة وارفة ليكملا الرحلة داخل ا ألحرا�ش على الأقدام .ثم ا�ستطاع ب�سهولة يتقنها ف�صل رفيقيه أ�حدهما عن ا آلخر ثم قطم رقبة ا ألرنب بكل ب�ساطة عندما انفرد به وهو يقول لنف�سه ببرود: -لعل هذا يعلم الإمبراطور �شي ًئا عن الأتباع والمعاونين -فالأتباع ا ألغبياء لا ي�صنعون �سوى إ�مبراطورية غبية.. و أ��صدر (تعاليبو) �صفي ًرا خا ً�صا بفمه خرجت عليه عائلته فرحة مهلله ،فدعاهم لم�شاركته الوليمة احتفا اًل بعودته �سال ًما رغم كل �شيء ،ثم جل�س معهم في هدوء ي�ستمتع بق�ص ما حدث له �أو على ا أل�صح ما �أحدثه هو في �صفوف �أعدائه. بينما كانت �شم�س الخريف الدافئة تلم�س �أطراف أ�نوف الثعالب فتدغدغ م�شاعرهم. وطلب تعاليبو من زوجته �أن ت�ضع ر�أ�س الأرنب و�أطرافه وجلده الم�سلوخ الدامي في جوال من الكتان الجيد وتربطه جي ًدا وهو يقول: � -سيكون هذا در�ًسا �آخر ل إلمبراطور الذي يجب عليه دائما أ�ن يعرف الفرق بين التظاهر بالعدالة وبين العدالة الحقيقية تنفي ًذا لما يتفق عليه بين ال�شرفاء( .م�شي ًرا بذلك إ�لى ما قيل عن اتفاق بين ابن �آوي والإمبراطور حول المحاكمة وما يجب أ�ن يتم فيها). ولم يم�ض وقت طويل حتى و�صل الكاهن الكبير (با ب�أ با ا ا ا ه) متع ًبا بعد أ�ن ظل طوال ذلك الوقت يبحث عن رفيقيه �أو عن النبع ذي ال�شعبتين عب ًثا. 75 Kalilah and Dimnah final.indd 75 � ��/���� ��:� ��/
وتلمظت الثعلبة ولكن الثعلب قال لها هام�ًسا (�إن قتل الخروف لا يدخل �ضمن خطتها) و أ��سرع يرحب به معتذ ًرا له عن �سوء الحظ الذي فرق خطاهم و�أخبره �أن (بولودان) قد �شعر بوعكة مفاجئة ا�ضطر معها �أن يدخله حجرة الفرن الدافئة حتى ُي�شفى ،ولما طلب منه الخروف �أن يراه ل�صلى طال ًبا �شفاءه ،أ��سرع تعاليبو يعتذر إ�ليه قائلاً : -نحن لا نريد أ�ن ن�ضيع الوقت ،فلا بد أ�ن ا إلمبراطور ومرافقيه قد و�صلوا ا آلن �إلى النقطة المتفق عليها ولذلك فقد جهزت هدية متوا�ضعة من الل ؤ�ل ؤ� النادر والجواهر الفاخرة داخل هذا الكي�س وعليك أ�ن تحملها على وجه ال�سرعة يا �صديقي إ�لى الإمبراطورة و أ�ن تحمل معها تحياتي واعتذاري لان�شغالي ببع�ض الم�شاكل العائلية ولكن لا تن�سى أ�ن تخبرهم �أنني لا بد �س أ�عود حت ًما وب�سرعة ف�أنا لم أ�عد أ�طيق الغياب أ�و الابتعاد عن البلاط الإمبراطوري العظيم.. وفرح الخروف طب ًعا لأنه �سوف يكون حامل الب�شارة بالعثور على الكنز ،فلفع (الزكيبة الدامية) وم�ضى يرتل ويغني وهو يحلم بما ينتظره من نفوذ في البلاط وحظوة عند ا إلمبراطورة عا�شقة الجواهر. وا�شتد به الفرح فرق�ص �أغنية الخرفان ال�سعيدة بينما الت ّفت حوله عائلة الثعالب ت�شاهد رق�صته وتبارك م�ستقبله ،ثم ودعته حتى نهاية الطريق ،وعادت وقد فا�ضت بقلوبها ال�سعادة فيما عدا الثعلبة التي كان من ر أ�يها إ�خفاء معالم كل �شيء بالتهام الخروف هو ا آلخر و�إنكار ر�ؤية الاثنين على الإطلاق!! و ألي �إن�سان أ�و حيوان مطلق الحرية لتخيل مدى غ�ضب ا إلمبراطور عندما فتحت زكيبة الهدية ووجدت بداخلها أ��شلاء ا ألرنب (بولودان) الأثير لدى ا إلمبراطورة والذي ترك زوجته و أ�ولاده ووهب نف�سه لخدمة الق�صر. وللجميع أ�ي ً�ضا مطلق الحرية في ت�صور ال�صدمة التي أ��صابت ا إلمبراطورة عندما مدت يدها ملهوفة داخل الزكيبة لتخرج ملوثة بدم �أقرب كاتمي �أ�سرارها.. ولكن لي�س ألحد �أن يبالغ في تف�سير ما أ��صدره ا إلمبراطور من قرارات ر ًدا على تلك الخديعة القا�سية.. فقد �صدر ا ألمر ال�سامي على الفور بالعودة �أو ًال ،وخلال رحلة 76 Kalilah and Dimnah final.indd 76 � �� ���� ��: �/��/
العودة توالت القرارات العاجلة لت�صحيح آ�ثار الخدعة الكبرى وتخفيف �آثار الخيبة ا إلمبراطورية . أ�فرج عن الثلاثي البريء (بولينياب) و(بولي�شناب) و(دبدوبة) مع التر�ضية الكاملة والتعوي�ض. و أ�ر�سل ر�سو اًل �إمبراطور ًيا إ�لى حيث تقطن زوجة ال�سائ�س المخل�ص (بولودان) عند �شاطئ النهر حاملاً معه و�سا ًما وخطا ًبا ملك ًيا وقرا ًرا �إمبراطور ًيا بمنحها معا�ًشا ا�ستثنائ ًيا مدى الحياة و�إعفائها من ال�ضرائب المت أ�خرة وال�ضرائب الم�ستقبلية واعتبارها رعية خا�صة لها حقوق أ�فراد العائلة الإمبراطورية محظور على موظفي الغابة التعر�ض لها ب�سوء �أو إ�جبارها على عمل �شيء لا تر�ضاه. كما أ��صدر ا إلمبراطور قرا ًرا بحب�س الكاهن وعزله باعتباره قد �أهمل على الأقل في حماية ال�سائ�س إ�ن لم يكن قد تواط�أ مع الثعلب لكي يجعل من ا إلمبراطور أ��ضحوكة. و�أغاظت هذه الفكرة الإمبراطور ف�أمر بو�ضع كل ع�شيرته و أ�بناء عمومته من الخرفان والحملان والماعز تحت ت�صرف (بولينياب). ال�شخ�ص الوحيد الذي يعرف الطريقة المثلى للتعامل معها منذ زيارته لحظيرة القرية تلبية للدعوة المزعومة! لكنذلكلميخففمنغ�ضبةالإمبراطورف�أمرعندو�صوله�إلىالعرين ب إ�قامة حفل لا مثيل له على �شرف الثلاثي البريء لتقدم �إليهم فيها كافة التر�ضيات اللائقة لمحو ما لحقهم من عار و�إهانة ،والحقيقة أ�ن ا إلمبراطور كان يبغي أ�ن يمحو ببهجة الحفل ما بقلبه هو من ا�ضطراب وغ�ضب. ولكن (بولينياب) لم ي�سمح بذلك �إذ قدم �إليه ع�شرات من التقارير العاجلة قدمها إ�ليه رجاله الن�شطين عن جرائم جديدة ارتكبها (تعاليبو) متحد ًيا كل الم�شاعر وكل ا ألعراف .مما جعل الإمبراطور ينفجر ويز�أر في وح�شية مقر ًرا �إر�سال جي�شه لتحطيم ذلك المخادع عديم الحياء. لكن ر�سو اًل قدم إ�ليه و�أبلغه أ�ن الإمبراطورة تريد ر ؤ�يته على عجل فاعتذر ل�ضيوفه وم�ضى إ�لى جناحها ف أ�ثار هذا قلق (بولينياب) ف�أر�سل بع�ضهم خلفه لتق�صي حقيقة الأمر و�إبلاغه على الفور. وفي جناح ا إلمبراطورة كان هناك ابن آ�وي واق ًفا في أ�دب بجوارها لكن ا إلمبراطور تجاهله ولم يرد تحيته .وعندما قالت له الإمبراطورة إ�ن 77 Kalilah and Dimnah final.indd 77 � �� ���� ��:/�/��
(تعاليبو) برئ و�إن هناك �سوء فهم غير مق�صود هو �سبب كل ما حدث، رف�ض الإمبراطور �أن يقتنع وحاول ابن �آوي تذكير الإمبراطور بما كان قد تم الاتفاق عليه لكن ا إلمبراطور ظلعلى تجاهله له بل وكاد أ�نيفتكبه. لولا زمجرة عتاب من ا إلمبراطورة ردته عنه ،مذكرة �إياه أ�نه في حمايتها و�أنها ت�صدقه .ولم يجد الإمبراطور مف ًرا من الموافقة على قدوم (تعاليبو) ل�شرح ملاب�سات ما حدث بنف�سه حتى يمكن ت�صديقه. وعلى الفور انطلق ابن �آوي ليعود بابن عمه وانطلق بع�ضهم ليخبر (بولينياب) بما حدث حتى يدبر أ�مره هو الآخر. ولم يعد ل إلمبراطور أ�ي رغبة في المرح ف�أ�صبح الحفل كئي ًبا و أ��صبح ا ألمر كله غير مفهوم .وبذل (بولينياب) كل ما في و�سعه لمنع تعاطف الإمبراطور مع (تعاليبو) �أو ميله إ�لى جانب براءته. وقف (تعاليبو) �أمام الإمبراطور في هدوء و�شجاعة منحن ًيا يتقبل تعنيفه وتوبيخه ولومه دون كلمة ،وعندما رفع ر�أ�سه كانت �أمارات الده�شة محفورة على وجهه و أ�بدى ا�ستغرابه لما يقوله الملك و أ�نكر تما ًما أ�ن يكون هو الم�س ؤ�ول عما حدث (لبولودان) واتهم الكاهن (با با با ا ا ا ه) بقتله للا�ستيلاء على الهدايا والكنوز والتي �أر�سلها معه ،ولما اعتر�ض ا إلمبراطور على اتهامه للخروف أ��سرع ((تعاليبو)) يقول: -يا مولاي ..لا تن�س أ�ن كثي ًرا من العباءات ال�صوفية تخفي تحتها نفو�ًسا �شريرة كثيرة. لكن ا إلمبراطور تجن ًبا ل�ضغوط الإمبراطورة وخو ًفا من الوقوع في �شرك خداع الثعلب مرة أ�خرى انطلق مع حا�شيته لل�صيد تار ًكا ا ألمر كله بين يدي الق�ضاة ليبتوا فيه وليقرروا ما يرونه ح�سب ما تق�ضي ال�شرائع والقوانين. وانتاب الي أ��س (تعاليبو) للحظة ولكنه كعادته لم يدع م�شاعره تتغلب عليه فا�ستدعى ابن عمه ب�سرعة واتفق معه على تجنيد كل معارفهم في الق�صر وخارج الق�صر لتبرئة �ساحته .وذهب ابن �آوي لمقابلة ال�سيدة (الحيزبون نحلة ذات القرون) و�صيفة الإمبراطورة و�صانعة حلواها وطبيبتها الخا�صة التي ا�شتهرت برقاها ال�سحرية ذات الأثر الحا�سم �ضد الح�سد والحقد ،فظلت تز ّن على �أذن ا إلمبراطورة ُمظهر ًة كل العطف على (تعاليبو) الذي تعرف عنه ا إلخلا�ص للق�صر وتعرف رغبته في 78 Kalilah and Dimnah final.indd 78 � ��/���� ��:� ��/
�إهداء كل كنوز الدنيا إ�لى الإمبراطورة. و أ�خذت ت ؤ�كد أ�ن موت عبقري مثله �سيكون خ�سارة كبيرة لا تعو�ض و أ�خذت تروي عنه الطرائف والحكايات التي ت�ؤكد قدراته المتنوعة ومواهبه الفذة. و�أثناء رحلة ال�صيد تحدث كثيرون عر ً�ضا عن خدمات والد (تعاليبو) العظيمة للدولة وت�ضحياته في �سبيل البيت الإمبراطوري منذ ت أ��سي�سه و�أح�ضرت الثعلبة الزوجة �صندو ًقا �صغي ًرا به عقد من ل�ؤل ؤ� الخليج هدية للملكة ألنها �سمحت لها بزيارة زوجها ا ألمين. وفعل كل هذا فعله رغم مقاومة (بولينياب) ورجاله ،وتقدم ابن �آوي بطلب �إلى المحكمة يطلب فيه �أدلة مادية تثبت جرم (تعاليبو) وتحدى هو وهيئة الدفاع �أن يكون هناك �أي إ�ثبات �سوى تقارير رجال (بولينياب) الذين ي�أكلهم الحقد ودفعهم الغباء لتلطيخ �سمعة الأذكياء من �أمثال (تعاليبو). ولكن المحكمة تحت ت�أثير نفوذ (بولينياب) رف�ضت وجهة النظر هذه مما جعل (تعاليبو) يتقدم بورقه ا ألخيرة طال ًبا ت�سوية الأمر كله في قتال حر حتى الموت مع خ�صومه واح ًدا بعد الآخر ح�سب ما تق�ضي إ�حدى مواد قانون الغابة التي تبيح �إنهاء الم�شاكل المعقدة والق�ضايا العوي�صة بالقتال ،فيكون الحق في جانب المنت�صر لكي ي�ستولي على �أملاك المهزوم و�أمواله بل وعلى مركزه الر�سمي ،ولم يكن أ�مام جميع أ��صدقاء تعاليبو ما يفعلونه �سوى ال�ضغط في �سبيل قبول طلبه. وبينما كان طلب (تعاليبو) ي�سير في طريقه الروتيني أ��سرع (بولينياب) الذي كان يتحرق �شوقا للانتقام منه �إلى أ�خذ الموافقة أ�ن يكون هو ممثل الخ�صوم في قتال (تعاليبو). ولما علم (تعاليبو) حاول التراجع ،ولكن الإمبراطور كان قد وافق مبد ًيا إ�عجابه ب�شجاعته رغم كل �شيء ،وتحدد اليوم التالي للقاء الخ�صمين اللدودين في الفناء الدائري الذي يتو�سط حظائر الأغنام الإمبراطورية.. والحقيقة �أن الإمبراطور أ��سر ليلتها ل إلمبراطورة بتمنياته لتعاليبو بالانت�صار لأنه ي�ستحق كل خير و ألنه أ�نفع بذكائه للعرين و ألنها �ستكون فر�صة للتخل�ص من غباء بولينياب ومن ت�سلط رجاله وطموحهم الذي لا 79 Kalilah and Dimnah final.indd 79 � ��/���� ��:� ��/
حدود له ..وعندما و�صل لـ (تعاليبو) ذلك الخبر ارتفعت روحه المعنوية ونام نو ًما عمي ًقا هاد ًئا يحلم بالانت�صار. وفي ال�صباح التالي بينما كانت الا�ستعدادات تتم على قدم و�ساق في الفناء لجولة ال�صراع ا ألخيرة ،تناول (تعاليبو) فطو ًرا لذيذا حمل �إليه من مطابخ العرين وزارته (الحيزبون نحلة ذات القرون) و�صيفة الإمبراطورة ودهنت فروته بدهن �سحري �صنعته بنف�سها من نخاع التنين فبدا ناع ًما لاف ًتا للأنظار ،و أ�خبرته �أنه �سي�ضمن له الانت�صار و أ�بلغته تمنيات الإمبراطورة فارتفعت روحه المعنوية. بينما فقد (بولينياب) ن�صف قوته عندما �أبلغه رجاله بكل ذلك و�أح�س أ�ن ا ألر�ض غير ثابتة تحت أ�قدامه ،لكنه ا�ستجمع كل أ�حقاده وهو يتذكر كل ما �أ�صابه على يد (تعاليبو) فاندفع مزمج ًرا �إلى الحلبة. بينما تقدم (تعاليبو) في هدوء الواثق محي ًيا ا إلمبراطورة التي رمت �إليه بمنديلها ثم ا إلمبراطور الذي �أ�سرع يخفي ابت�سامة الت�شجيع عن عيون رجال (بولينياب) ال�سريين ثم حيا الحيوانات المحت�شدة والتي جاءت بدعوات ملكية خا�صة ابتداء من حامل أ�ختام المملكة حتى �شيخ حارة القرود حمر الم�ؤخرات. ودق الطبل معلنا بداية النزال ،ودار الثعلب حول نف�سه في حركة بارعة ومرغ ذيله في التراب ثم نف�ضه وهو يتظاهر بالهرب في عين (بولينياب) ف أ�عماه تقري ًبا .بينما راح هو يحيي في ثقة جموع الحيوانات، وغافله الذئب وطرحه أ�ر ً�ضا ودب أ��سنانه ال�شهيرة بين أ�فخاذه وت أ�لم الثعلب لكنه تحامل على نف�سه كالعادة وانزلق من بين يدي الذئب ي�ساعده الدهن الذي دهن به جلده واندفع ناحية �سور الحظائر ثم �صاح في الذئب قائلا: -أ��سرع يا (بولينياب) �سوف تفوتك الفر�صة أ�نهم يق�سمون الحملان الجديدة بين ال�ضيوف و�سي�ضيع ن�صيبك.. ولم يكن أ��شد من غباء الذئب �سوى ج�شعه فاندفع متعث ًرا ليح�صل على ن�صيبه المزعوم ف�ضج الح�ضور بال�ضحك مما أ�ربك الذئب وجعله ارتباكه فري�سة �سهلة فانق�ض عليه الثعلب وطرحه �أر ً�ضا وكاد �أن يقتله لولا �أن تدخل ا إلمبراطور �شخ�ص ًيا طالبا العفو عنه.. فقبل تعاليبو طلب الإمبراطور في توا�ضع مما جعل الح�ضور 80 Kalilah and Dimnah final.indd 80 � �� ���� ��: �/��/
يهتفون با�سمه في حب وتقدير والإمبراطور يعلن انت�صاره وبراءته. وتحول الحفل المقام لم�صارعة (تعاليبو) إ�لى حفل لتكريمه في �سرعة وك أ�ن الأمر كان مع ًدا من قبل وخلع ا إلمبراطور عليه خلعة فاخرة من الحرير الكريزي المزين بفروة الدب الأبي�ض وعينه وزيرا للأموال والكنوز وجاب ًيا لل�ضرائب و�ضمه هو و�أ�سرته �إلى البلاط مع منحهم كل حقوق الحيوانات النبيلة. 81 � �� ���� ��: �/��/ Kalilah and Dimnah final.indd 81
في خدمة ا إلمبراطور لم يكن هناك من هو �أكثر �سعادة من ا إلمبراطور لانت�صار (تعاليبو) �سوى ا إلمبراطورة ،وقد أ�ثبت (تعاليبو) أ�نه عند ح�سن ظنها تما ًما، و�أثبت للتاريخ ا إلمبراطوري أ�ن عد ًوا موهو ًبا قد ي�صبح يو ًما ما �صدي ًقا عظي ًما بقدر ما ي�صبح ال�صديق الغبي عد ًوا دون أ�ي يدري. وقد حاول الذئب (بولينياب) بكل قواه ورجاله ال�سريين �أن ي�ضع ا أل�شواك في طريق الثعلب ولكن كل ذلك كان عب ًثا وبلا فائدة ،كان الإمبراطور يمزق التقارير �ضد (تعاليبو) دون أ�ن يقر أ�ها و�أ�صبح يتمنى الفر�صة لكي يتخل�ص من (بولينياب) نف�سه ذلك ألن مواهب (تعاليبو) قد تجلت ولم يعد هناك لدى �أي إ�ن�سان أ�و حيوان أ�و طير أ�ي �شك في �أنه �سوف ي�صبح الحيوان ا ألول في الغابة ،و أ�ن ا أل�سد المده�ش أ�بو لبدة كان عنده حق في خوفه ،عندما كان (تعاليبو) متمر ًدا عليه. لقد عو�ض (تعاليبو) ا إلمبراطورة عن الكنز المزعوم الذي لم يعثر عليه عند النبع لأنه لم يوجد أ�بدا ،عو�ضها بع�شرات الكنوز جمعتها له الحدادي و�أولاد عر�س وثعابين الماء لدرجة أ�ن أ��صبحت الإمبراطورة �أغنى من �أية زوجة �سبع في �أية غابة حتى الغابات التي يحكمها �سباع من �أ�صول عريقة . كما �أن (تعاليبو) ا�ستطاع أ�ن يحل بب�ساطة ذلك التناق�ض الذي أ�وقع فيه الإمبراطور المده�ش نف�سه عندما أ�علن تلك القوانين الخا�صة بال�سلام والحب بين رعاياه والتي �سميت (بقانون الافترا�س العام ل�سيادة القانون والوئام) حيث لم ي�ستطع أ�حد من م�ساعديه أ�و م�ست�شاريه �أن يجيب على ت�سا ؤ�لات كثيرة حول تطبيق ذلك القانون ..لأنه إ�ذا كان الأمر �سي�صبح كذلك فكيف �سيح�صل الإمبراطور ب�سهولة وي�سر على �أوزي �صغير لإفطاره مثلا ،وكيف �سيتم إ�ح�ضار بقرة للغداء دون الدخول في دهاليز قانونية� ،أو دون الاحتفاظ بوجه النظام م�شرقا ،وبثياب الحكم غير ملطخة بدماء الرعايا الأبرياء. لم يكن (تعاليبو) قانون ًيا ولكنه كان خبي ًرا في تدبيج القوانين و�صياغة الحيثيات التي تحير أ�ذكى المحامين والد�ستوريين وتطلق يد الإمبراطور في الت�صرف دون أ�دنى �شبهة �أو نقد. 82 Kalilah and Dimnah final.indd 82 � ��/���� ��:� ��/
ولم يكن (تعاليبو) رجل دولة ولكنه ا�ستطاع أ�ن يلم بدقائق ا ألمور و أ�ن يجيب على أ�ي �س�ؤال و�أن يقدم �أية معلومة مطلوبة في الوقت المنا�سب �سواء �أكانت تلك المعلومة تتعلق ب�صبغات جلد النمور �أو بطرق زراعة وجمع التمور �أو تتعلق بعدد ال�شعيرات في ال�سنتيميتر المربع من جلد الليمور. كان (تعاليبو) يعرف أ�ين تخبئ الحيوانات ال�صغيرة غذائها و�أين تختزن النمل طعامها و أ�ين يحتفظ النحل بالغذاء الملكي ،ليح�ضر ل إلمبراطور ما يريد وكم يريد في اللحظة المنا�سبة ..وكان يعرف متى تمر الفلاحات بالجبن �إلى ال�سوق ومتى �ستخطف الغربان �أقرا�ص الجبن من فوق ر�ؤو�سهن ليذهب في اللحظة ،المنا�سبة ليجمعها لإفطار الإمبراطورة وكان يعرف �أين تحتفظ النعاج بتوائم الخرفان ،و أ�ين تخفي الغزلان ال�صغار الر�ضيعة ،وكيف يختار الوقت المنا�سب لاختيار ما ينا�سب ع�شاء ا إلمبراطور. ولم يكن (تعاليبو) يجد �صعوبة في الح�صول على �أفراخ اليمام والحمام والنوار�س حتى ولو كانت أ�ع�شا�شها فوق قمم النخيل العالي �أو في �شقوق الحوائط وال�شواطئ ال�صخرية ،فقد �أقنع الجميع بقدرته على �صعود أ�ية نخلة ،واختراق �أي حائط ،والغو�ص إ�لى �أعماق �أعمق بحيرة ،وعبور أ�كثر الأنهار والجداول ا�ضطرابا وثورة فا�ست�سلمت لقدراته كل الطيور والأ�سماك والحيوانات �آكلة الع�شب ،ولم يعد أ�حد ي�سمع �سوى زئير الر�ضا والان�سجام يم أل ا ألدغال وا آلجام ،منبع ًثا من العرين الملكي ،م ؤ�كدا قوة الإمبراطور ور�سوخ النظام. ولم يكن (تعاليبو) وقد و�صل إ�لى كل هذا يفكر لحظة في الق�ضاء على الذئب (بولينياب) ،فقد كان ي ؤ�كد �أن �أمثاله من الأغبياء �ضرورة حيوية لا�ستقرار النظام في الغابة ولإثبات قوة وحيوية قانون البقاء ل أل�صلح. وكان ي ؤ�كد وجهة نظره با�ستحالة ح�صوله على ا ألوزي ا ألبي�ض الذي حلم به ذات ليلة من ليالي الجوع الما�ضية �أيام الت�شرد ،وا�ستحالة �إظهار عبقريته وتوريثها لابنه يوم جعل الذئب ي�أكل ذيله ،ولا كيف و�صل �إلى ما و�صل إ�ليه الآن من �سمو وعظمة إ�ن لم يكن نقي�ضه الآخر (بولينياب) على قيد الحياة وعلى قدر من الغباء ي�شحذ عليه �سكين مواهبه فتظل م�صقولة لامعة ،نعم كان (تعاليبو) على عك�س (بولينياب) مخل ً�صا 83 Kalilah and Dimnah final.indd 83 � ��/���� ��:� ��/
في �إبقاء غريمه دائ ًما قري ًبا من العرين وحري ً�صا على عدم التخل�ص منه.. ف�أ�صحاب العقول لهم نوائب تموت ولا تقدرها الذئاب ولكن الغبي له م�اصئب تجند له ولو �سكن ال�سحاب وهذا ما كان يقدره (تعاليبو) ويعرف �أنه �سوف يحدث ،فالغبي يقتله غبا�ؤه ،ولذلك لم ي�شغل باله على الإطلاق بالق�ضاء على (بولينياب) الذي جاء اليوم الذي ق�ضى على نف�سه بنف�سه .و إ�ن �س�ألتم عرفتم!! ففي يوم من ا أليام ..كان الإمبراطور المده�ش �أبو لبدة مري ً�ضا متع ًبا ف أ�مره الأطباء بالخروج إ�لى ال�صيد والمرح ليتمتع بال�شم�س والهواء دون �أن يرهق نف�سه ف�أخذ معه (تعاليبو) الذي �أ�صبح لا يفارقه �أب ًدا.. و أ�خذ معه (بولينياب) بحكم مقت�ضيات ا ألمن ولي�صيد له أ�رن ًبا بر ًيا �أو غزا اًل �شار ًدا ولا نريد أ�ن ندخل في التفا�صيل ف إ�نها لا تفيدنا و إ�نما يعنينا ما حدث عندما ا�صطادوا بعد قليل غزا ًال من ذوي القرن الطويل. فقال الإمبراطور وهو يلهث من التعب والجوع: -هيا يا (بولينياب) العق ،لقد تعبنا اليوم ون�ستحق �أكلة �شهية فهيا ق�سم ال�ضحية. وبينما قال (تعاليبو) هام�ًسا ل إلمبراطور في أ�دب أ�ن التعب من �أجل إ��سعاده راحة ،راح (بولينياب) بكل همة يق�سم ال�صيد �أق�سا ًما ثلاثة بالت�ساوي ،وهو يظن أ�ن من حقه �أن ي�شارك ا إلمبراطور فري�سته ،حتى ولو كان هذا ا إلمبراطور هو الذي أ�علن قوانين الحب والعدالة. �أنا لا �أ�ستطيع �أن أ�قرر هل الحق معه �أم لا؟ ف�أنا ل�ست معهم ول�ست منهم بل ول�ست حتى فري�ستهم ألقول ر�أيي ..ولكن (تعاليبو) ابت�سم و�سكت بينما نظر ا إلمبراطور الجائع �إلى الأكوام الثلاثة في ت�سا�ؤل فلما �أجاب (بولينياب) نظرته بقوله م�شي ًرا �إلى �أحدها: تف�ضل يا مولاي بالهناء وال�شفاء.. التفت �إليه غا�ض ًبا ولطمه لطمة كومته على الأر�ض جثة هامدة �صامتة ك أ�ن لم يكن هناك أ�ي (بولينياب) في يوم من الأيام .والتفت الإمبراطور �أبو لبدة المده�ش نحو (تعاليبو) وقال في �صوت يخنقه الغيظ: ق�ّسم �أنت الطعام يا (تعاليبو). 84 Kalilah and Dimnah final.indd 84 � ��/���� ��:� ��/
وبهدوء �شديد يليق به ،وبابت�سامة تليق بالموقف حمل تعاليبو جثة الذئب وو�ضعها فوق ا ألكوام الثلاثة وقدم الجميع �إلى ا أل�سد قائلا: تف�ضل يا مولاي ..ف�أنت قد تعبت اليوم وت�ستحق �أن ت�شبع وتكتفي �أما أ�نا فيكفيني ر�ضاك عني وق�ضمة من ذيل الغزالة �أن تف�ضلت بها عل ّي.. وز�أر الأ�سد �ضاح ًكا وانق�ض على كوم اللحم يلتهمه ب�شهية عظيمة وهو يلقي بين الفينة والفينة بقطعة (تعاليبو) ..وهو يقول: قل لي يا (تعاليبو) العزيز يا �صاحب العقل اللذين� ،أين تعلمت الحكمة في تق�سيم ال�صيد بينك وبين ا ألباطرة المرعبين المده�شين؟ فابت�سم تعاليبو في توا�ض ٍع وقال: يا مولاي تعلمني جثث الذئاب الغبية كيف �أخاطب أ��صحاب القب�ضات القوية.. وارتفعت �ضحكاتهم عال ًيا ترعب �صغار الطيور والحيوانات والب�شر على امتداد ال�سمع ومدى الب�صر. 85 � ��/���� ��:� ��/ Kalilah and Dimnah final.indd 85
ال�سباق العظيم كان ا أل�سد حزي ًنا ج ًدا عندما دخل عليه (تعاليبو) ذات �صباح ،فح َّياه قائلاً : �صباح الخير يا أ�عظم الملوك ،و أ��شجع الأ�سود! ولكن ا أل�سد لم يرد عليه وبقي قاب ًعا وقد مد يديه وارتكز عليها بذقنه الملكية حزي ًنا مهمو ًما! فقال (تعاليبو): مولاي الحبيب ،لماذا أ�نت حزين؟ إ�نك تحكم �أكبر غابة في الدنيا، وكل ا أل�سود وال�سباع من �سلالة الغ�ضنفر الأكبر يح�سدونك ويتمنون أ�ن يكون لهم نفوذك وقوتك ورجالك؛ فاهتز ج�سم الأ�سد الإمبراطور أ�ل ًما وهو يت�أوه مما جعل ((تعاليبو)) ينتف�ض خو ًفا وحز ًنا أللمه وقال: يا مولاي الإمبراطور يا �أبا لبدة! �أيها المده�ش لا تخفي عني �شي ًئا، �إنني عبدك وخادمك ومو�ضع �سرك افتح قلبك أ�خفف عنك. فانتف�ض ا أل�سد واق ًفا فج�أة مما جعل (تعاليبو) ينتف�ض رع ًبا وهو يرى ا أل�سد يروح ويجيء في العرين وقد عقد ذيله الغ�ضب والألم ،وحاول (تعاليبو) أ�ن يقول �شيئا لكن زمجرة ا أل�سد أ�خر�سته ف�سكت منتظ ًرا ما �سيقول ،وبعد فترة رهيبة قال ا أل�سد: أ�نت تعرف يا (تعاليبو) �أنني لا أ�خ�شى أ�ح ًدا ،ومنذ حكمت هذه الغابة لم يجر�ؤ �سبع �أو نمر على منازعتي عر�شي ف أ�نا لا �أخ�شى أ�ح ًدا أ�لي�س كذلك؟ فوافق (تعاليبو) ب�سرعة: حا�شا لله يا مولاي -من ي�ستطيع �أن يقول غير ذلك؟! فقاطعه ا أل�سد �صار ًخا: � -أنا!� ..أنا الذي أ�قول ذلك! �إنني ا آلن لا �أنام ،عيوني لا تغفل يا (تعاليبو) و أ�ظل �ساه ًرا طول الليل �أفكر و أ�فكر والخوف والقلق يم آلن قلبي بالفزع من الم�ستقبل ألن ملكي �سي�ضيع يا (تعاليبو)� ،سي�ضيع .بينما نحن نتفرج. ولم يدر (تعاليبو) بماذا يجيب ا أل�سد ولكنه أ��سرع يقول في حنان: مولاي! �أخبرني بما يقلقك ،قل لي أ�نا ف�أنا (تعاليبو) حبيبك و�صفيك 86 Kalilah and Dimnah final.indd 86 � �� ���� ��:/�/��
الذي لم يخذلك منذ �شرفته و�ألحقته ببلاطك ،وجعلته مو�ضع �سرك. فقال ا أل�سد �أبو لبدة في �صوت متهدج مرتجف: الثيران الثلاثة! يا (تعاليبو)! الثيران الثلاثة �سيدمرون عر�شي: وما�ش أ�نهميامولاي؟هلبدرمنهم�شيء؟..هلجر أ�واعلىفعل�شيء. إ�نهم �سبب خوفي ورعبي ألنهم يزدادون قوة يو ًما بعد يوم وهم دائ ًما م ًعا! ي�أكلون وي�شربون م ًعا ،و�إذا دعوت �أحدهم �إلى عريني، لا ي أ�تي وحده أ�ب ًدا و إ�نما ي أ�تي ومعه ا آلخرون م ًعا� ..آنا �أخ�شاهم م ًعا. و�أظن �أنهم �سيغت�صبون عر�شي ذات يوم م ًعا ..فقال (تعاليبو) وقد �أدرك الموقف محاو اًل ا إلم�ساك بالخيوط كلها في يده كعادته.. في الحقيقة يا مولاي� ،أنت معك حق ،و�صلوا إ�لى غابتنا و�سمحت لهم أ�نت بالبقاء فيها ،وهم يت�صرفون وك�أنهم وحدهم الذين يم�شون على ا ألر�ض ول�سان حالهم يقول :يا أ�ر�ض اتهدي ما عليك قدي .وخا�صة ذلك الثور الأ�صفر الماكر �إنه يكرهني ج ًدا لأنه يعرف مكانتي عندك ،أ�ما الأ�سود! ف�آه منه وهو المدبر المفكر فقد �سمعته يتحدث عنك حدي ًثا يا مولاي لا أ��ستطيع �أن أ�عيده عليك ولكني �أراقبهم منذ ذلك اليوم بدقة حر ً�صا عليك. فزمجر ا أل�سد وقد حنقه الغ�ضب قائلاً : والثور الأحمر ،يا (تعاليبو) آ�ه من الثور الأحمر ف�إنني كلما نظرت في عينه الباردتين ال�صامتتين اق�شعر بدني من هول ما �أراه فيهما ..لا.. لا هذا ا ألمر يحتاج إ�لى حل حا اًل ..حا اًل و إ�لا �أ�صابني جنون .فتظاهر (تعاليبو) بالعجز ،لكي ي أ�تي بالحل بعد ذلك فيعترف له بالف�ضل كله وتكون المكاف�أة على قدر القلق .ف�صمت برهة وقال: ولكن كيف يا مولاي ..كيف؟.. ف�صاح به الأ�سد: �أنت الذي ت�س أ�ل؟!( ..تعاليبو)؟ �شغل مخك وحرك قدراتك وا�شحذ مواهبك ولا ت�س�ألني� .إنني آ�مرك �أن تبحث عن حل ،نعم فو ًرا! و�سوف تكون ..تكون ..تكون وزيري ا ألول إ�ن أ�نت نجحت في تخلي�صي من ه ؤ�لاء الوحو�ش الثلاثة. قال (تعاليبو) وهو يخفي �سعادته الغامرة: ا آلن وجدت الحل يا مولاي؛ هل تعرف ق�صة الرجل العجوز و�أبنائه يوم أ�راد أ�ن ين�صحهم عندما جاءه الموت ،رد ا أل�سد وقد أ��سعده 87 Kalilah and Dimnah final.indd 87 � �� ���� ��: �/��/
أ�ن يكون (تعاليبو) قد عثر على حيلة للتخل�ص من الثيران الثلاثة.. لا أ�عرف ق�ص ً�صا (يا تعاليبو) ..ف�أنا لم �أجد وقتا لقراءة الق�صة في �أي وقت ،لقد �شغلتني �أمور الغابة والحكم عن كل �شيء. فقال (تعاليبو) وقد �أخذ �صورة الحكيم الوقور: لا يهمك يا مولاي ،ف أ�نا قر�أت لك الكثير ،فاعتبرني كتابك المفتوح وا�سمح لي أ�ن �أذكرك بها :يحكى أ�ن رجلاً عجو ًزا طلب من أ�بنائه وهو على فرا�ش الموت أ�ن يح�ضروا حزمة من الع�صي وطلب منهم ك�سرها لكنهم عجزوا جمي ًعا عن ذلك وبعد ذلك طلب منهم �أن يفكوها، ليك�سروها :عو ًدا -عو ًدا ،فك�سروها بكل �سهولة ..ها ..ها..ها.. �ضحك (تعاليبو) ،لكن الأ�سد لم ي�شاركه �ضحكه ،فقال (تعاليبو): هه ،هل فهمت يا مولاي؟.. فرد الأ�سد في غباء عادي: _لا ..طب ًعا!! هل هذا وقت الحديث عن الع�صي؟! �أحدثك عن الثيران فتحدثي عن رجل عجوز وع�صي. ف�أ�سرع (تعاليبو) يبلع فكرته حتى لا يتمادى الأ�سد في غ�ضبه ويحدث ما لا يحمد عقباه .وبلع ابت�سامة �ساخرة وقال: لا يهم ..المهم ا آلن -أ�ن تعلن عن �سباق كبير يقام و�سنرى ما يمكن عمله يا ملك الزمان. وفي اليوم التالي.. م�ضى المنادون يعلنون عن ال�سباق الكبير الذي يقيمه الملك في ال�ساحة الملكية ،وتجمعت الحيوانات من كل نوع ومن كل �صنف وعلى الأغ�صان وقفت الطيور تغنى وت�صرخ ،و�ضرب البوق الملكي ،وتقدم ا إلمبراطور (�أبو لبدة) �إلى المق�صورة الملكية وهو يبدي �سرو ًرا بال ًغا ل�سعادة �شعبه الحبيب ،وفي طريقه ،ح ّيا الثيران الثلاثة بابت�سامة رقيقة وهو يخفي حقده عليهم و�أخذ (تعاليبو) يقدم الم�سابقات المختلفة ،فت�سابق �صقر ون�سر في الارتفاع �إلى طبقات الجو العليا ،ثم ت�سابقت �سلحفاتان في البطء و�سط �ضحكات الجميع ،وا�ستعر�ضت ا ألفيال خراطيمها الجديدة، بينما تبارت غزالة مع وعل في القفز العالي. وكان الحفل قد و�صل إ�لى ذروته عندما �أعلن (تعاليبو) عن تفاحة من الذهب يقدمها الملك ا أل�سد لمن يفوز في أ�كبر �سباق ت�شهده الغابة 88 Kalilah and Dimnah final.indd 88 � ��/���� ��:� ��/
بين الثيران الثلاثة في الجري وقبل �أن يعتر�ض واحد منهم� ،صفقت الحيوانات وهللت ،ورحب الجميع وحيوا الثيران الثلاثة وهتفوا لهم و أ�ظهر ا أل�سد ر�ضاه الملكي فلم يكن ممك ًنا �أن يعتذر الثيران بعد كل هذا.. وقام الثيران الثلاثة ،وا�صطفوا عند �أول ال�ساحة وجهز (تعاليبو) �شريط النهاية .ولما ا�ستعد الجميع ،أ�طلق (تعاليبو) �إ�شارة البدء وانطلق الثيران الثلاثة .وتعالى �ضحك الحيوانات لما حدث منهم وغ�ضب (تعاليبو) وزمجر الأ�سد في حنق �إذ بدا ا ألمر وك أ�نه لا فائدة من كل ما دبراه لقد كان الثيران الثلاثة يجرون م ًعا في �صف واحد إ�ذ اتفقوا على �أن ي�سيروا خطوة خطوة مع بع�ضهم حتى لا ي�سبق واحد منهم. ولم يكن (تعاليبو) لير�ضى بهذه النتيجة ألنه عندما فكر في هذه الحيلة ،كان يريد �أن يجعلهم يتناف�سون على التفاحة ،فتتفرق كلمتهم ويقع بينهم الخلاف ،لي�ستطيع هو بعد ذلك �أن يدبر و�سيلة لافترا�سهم، واح ًدا واح ًدا.. ولكن هاهم يف�سدون خطته ،ويجرون م ًعا ،وك�أنهم يقولون له: حتى التفاحة الذهبية لن تجعنا نختلف (يا تعاليبو) .لكن (تعاليبو) الذي لم يتعود �أن يهزم ،أ�علن �إعادة ال�سباق مرة �أخرى لت�ساوي النقط بين المت�سابقين .وتجاهل احتجاج الثيران الثلاثة على ذلك. وعلا �صوت النفير مرة أ�خرى وازداد تهليل الحيوانات وحما�سهم. فلم يجد الثيران الثلاثة ب ًدا من إ�عادة ال�سباق .ولكنهم اتفقوا على ال�سير م ًعا مرة �أخرى .و�ضحكت الحيوانات .وغ�ضب الملك وكظم غيظه. لكن (تعاليبو) كان قد دبر الأمر طب ًعا فقد اندفع أ�رنب �صغير إ�لى و�سط ال�ساحة �أمام الثيران بال�ضبط قرب خط النهاية!! فحاول الثور ا ألبي�ض تفاديه فا�صطدم بالثور الأ�سود ،و�سقط الاثنان م ًعا ،ووجد الثور ا ألحمر نف�سه مندف ًعا حتى خط النهاية ،دون أ�ن ي�ستطيع التحكم في خطواته ب�سبب ارتباكه ال�شديد فوجد نف�سه فائ ًزا في ال�سباق بالرغم منه. و�صاح (تعاليبو) منت�ص ًرا واندفع واندفعت الحيوانات خلفه تحيط بالثور الأحمر وتطوقه بالورود وتهتف با�سمه عال ًيا وتحمله حتى المق�صورة الملكية ليت�سلم التفاحة الملكية الذهبية. بينما كان الثوران ا آلخران ينف�ضان التراب عن ج�سديهما. ويم�سحان جروحهما دون أ�ن يدركا أ�ن كل �شيء قد تم �ضد رغبة الثور 89 Kalilah and Dimnah final.indd 89 � ��/���� ��:� ��/
ا ألحمر ،الذي كان يفكر في أ�ن يحتج ويعتذر وي�شرح ا ألمر ل�صديقيه فو ًرا ويرف�ض التفاحة. لولا أ�ن (تعاليبو) لم يتركه و أ�وعز للأ�سد أ�ن يدعوه إ�لى مائدته وحده ،حيث ظل طول اليوم مو�ضع حفاوة الملك وترحيبه ،دون �أن ي�ستطيع توجيه كلمة واحدة ل�صديقيه .وفي الم�ساء ودع ا إلمبراطور الثور ا ألحمر حتى باب العرين ،وهو يفرك مخالبه �سعي ًدا عندما كان (تعاليبو) يهم�س في �أذنه؛ ((ا�ستعد يا مولاي �إ ف�سوف تك�سر اليوم أ�ول ع�صا في الحزمة)). ولم يفهم الأ�سد معنى كلامه فقال. ع�صا؟ �أي ع�صا هل كان كل هذا التعب من أ�جل �أن �أك�سر ع�صا؟ �إنني أ�ريد الثور يا �صديقي. وبلع (تعاليبو) �سخريته ،وقال: أ�ق�صد �أول ثور يا مولاي ..أ�ول ثور ملكي! ف�ضحك ا أل�سد ،وبقي منتظ ًرا ما �سيحدث وقد حدث ألن الثورين الآخرين -بعد أ�ن ملأ و�شاة كثيرون أ�ذنيهما ب أ�كاذيب �ألفها (تعاليبو) - رف�ضا �أن يكلما �صديقهما ا ألحمر ،واتهماه ب أ�نه نق�ض اتفاقهم في �سبيل تفاحة تافهة ووليمة رخي�صة و أ�نه باع نف�سه للعرين الملكي بثمن رخي�ص .ولما حاول �أن ينفي هذه التهمة ب�شدة ،قال الثور ا أل�سود وهو يحاول نطحه: هل تنكر �أنك كنت �سعي ًدا و أ�نت محمول على الأعناق بينما نحن الاثنين نقف ذليلين معفرين بالتراب .وهنا غ�ضب الثور ا ألحمر وثار لكرامته وثار �أكثر ألن زميليه يفكران بهذه الطريقة .وحاول �شرح ا ألمر مرة أ�خرى ،ولكن الثور ا ألبي�ض رف�ض �أن ي�سمع له .ولم ي�ستطع الثور الأحمر إ�قناع رفيقيه ببراءته ،وكاد الثلاثة �أن يقتل بع�ضهم البع�ض ،خا�صة عندما طلبا منه غا�ضبين أ�ن يذهب ليعي�ش في مكان آ�خر. ولأول مرة منذ و�صل الثلاثة إ�لى تلك الغابة ،نام الثور ا ألحمر وحده .وكانت هي �أي ً�ضا آ� خر مرة. ففي منت�صف الليل� ،سمعت أ��صوات ا�ستغاثة عند �شاطئ النهر. لكن أ�ح ًدا لم يعرف أ�نها كانت ا�ستغاثات الثور الأحمر� ،إلا عندما �أ�شرقت ال�شم�س ،و�شوهد (تعاليبو) وهو يفطر بالبقايا التي خلفها ا أل�سد الإمبراطور!!. 90 Kalilah and Dimnah final.indd 90 � �� ���� ��:/�/��
وفي اليوم التالي ...كان ا أل�سد ( أ�بو لبدة المده�ش) �سعيدا غاية ال�سعادة ،ف�أنعم على (تعاليبو) بو�سام الموز الأخ�ضر ،بينما هم�س (تعاليبو) �ضاحكا: يا مولاي ..انتظر حتى تكتمل الخطة. ف�ضحك ا أل�سد وقال: �أنا واثق من عبقريتك يا (تعاليبو) فخذ الو�سام ولا تف�سد فرحتي!.. ف�شكره (تعاليبو) وقال: ا�ستعد يا مولاي ،فالليلة �سوف تك�سر الع�صا الأخرى ،وقبل أ�ن يعتر�ض ا أل�سد ،قال (تعاليبو) ب�سرعة م�ستدر ًكا (( أ�ق�صد الثور الثاني يا مولاي))! وهذا ما حدث بالفعل.. فقد دب الخلاف بين الثورين الأبي�ض وا أل�سود و أ�خذ كل منها يحمل الآخر م�س�ؤولية موت ثالثهم -الثور الأحمر.. قال الثور ا ألبي�ض وهو يلوم رفيقه ب�شدة: لقد أ��س أ�ت �إليه� ،أنت ال�سبب في قتله!.. فرد الثور الأ�سود غا�ض ًبا: ولكنك كنت ال�سبب فلولا ا�صطدامك بي لما �سقطنا م ًعا ولما وجد نف�سه فائ ًزا رغ ًما عنه! فخار الأبي�ض غا�ض ًبا: وهل كنت أ�نت �أعمى حتى تعتر�ض طريقي؟ فنطحه الأ�سود �صائ ًحا: �أنت الذي تعمدت ذلك ،ورف�ضت أ�ن ت�ستمع �إليه ألنك كنت تكرهه وتكرهني دائ ًما. وثارت الزوبعة وظل الثوران يتناطحان في غ�ضب ،حتى تك�سرت قرونهما و�سال الدم ،و�ضعفت قوتهما ،ف�سقطا متعبين ،ولما ا�ستردا جز ًءا من قوتهما ،م�ضى كل واحد منهما مبتع ًدا عن رفيقه إ�لى غير رجعة! وفي منت�صف الليلة التالية� ..سمع الجميع �صوت ا�ستغاثة مفجعة، ولكنهم جمي ًعا عرفوا هذه المرة �أنها ا�ستغاثة أ�حد الثورين -وت�ساءل كثيرون؟! من منهم كان ال�ضحية في هذه الليلة؟! وفي ال�صباح -كان الأ�سد �سعي ًدا غاية ال�سعادة ،فالآن لم يبق �سوى 91 Kalilah and Dimnah final.indd 91 � �� ���� ��:/�/��
ثور واحد ،لا خطر منه.. و�ضحك (تعاليبو).. والآن يا مولاي ما ر�أيك؟ هل زال الخوف؟ بعد �أن ك�سرت حزمة الع�صي كلها واحدة واحدة. فرد ا أل�سد: أ�ي حزمة؟ يا (تعاليبو)؟ هل �ستعود مرة �أخرى للتحدث با أللغاز؟ �أنا لا �أفهم ما تعني بحكاية الع�صي هذه؟ فقال (تعاليبو) يائ�ًسا: لا يهم �أن تفهم على ا إلطلاق يا مولاي فنحن هنا لتفهم نيابة عنك المهم �أنك تخل�صت من أ�عدائك الثلاثة جميعهم ولم يعد هناك ما يهددك.. ولكن ا أل�سد قال: -الثلاثة! ..كيف؟! �إن الثور ا ألبي�ض ما زال مطلق ال�سراح.. ولكن (تعاليبو) �ضحك وقال: -الأبي�ض؟! وهل تظن أ�نه �سيهرب �إنه �سي أ�تي إ�ليك �صاغ ًرا م�ست�سل ًما لأنه يعرف تما ًما �أنك �أكلته في اليوم الذي �أكلت فيه الثور ا ألحمر!! Kalilah and Dimnah final.indd 92 92 � �� ���� ��: �/��/
م�سائل هامة ج ًدا يقول مثل من �أمثلة الغابة التي توارثتها الوحو�ش جيلاً بعد جيل، وعرفها ال�صغير عن الكبير� ،إن (الأعور بين العميان ب�صير ويفوز باللحمة المكير) ولهذا ف إ�ن (تعاليبو) وقد ا�ستطاع التخل�ص من مناف�سة اللدود (بولينياب) ونجح في تخلي�ص ا إلمبراطور (�أبو لبدة المده�ش) من خطر الثيران الثلاثة� ،أ�صبح طريقه إ�لى قلب ا أل�سد وعقله مفتو ًحا. ولم يكن (تعاليبو) غب ًيا لت�ضيع من بين مخالبه الفر�صة ليكون مقد ًما حتى على (لبلب دبدوبة) م�ست�شار الإمبراطورة و(بولي�شناب) حامل أ�ختام العرين �أو غيرهم من كبار حيوانات البلاط الإمبراطوري وبلغ من �سلطانه على البلاط وعلى الغابة أ�نه في الوقت الذي كان فيه الأ�سد المرعب لا يبت في �أي أ�مر دون الرجوع إ�ليه ..كان هو يبت في أ�مور كثيرة دون �أن يرجع �إلى ا إلمبراطور ..ذلك ألن الإمبراطور كان قد بدا يمل من تلك القوانين التي ابتدعها بنف�سه يوم تولى العر�ش والخا�صة بتنظيم الافترا�س وكان يريد التراجع عنها دون أ�ن يقول �أحد �إنه تراجع عن تطبيق العدالة وال�سلام بين الحيوانات.. ولم يكن هناك أ�حد غير (تعاليبو) ي�ستطيع أ�ن يخلق مبررات كافية لتعطيل تلك القوانين أ�و حتى إ�لغائها تما ًما فهو الحكيم المكير الذي كان بالتمرد على تلك القوانين وال�سخرية منها خبير! ولكي ي�ضمن ا إلمبراطور أ�ن �أحدا لن ي�شوه تاريخه ..كلف (تعاليبو) بت�شكيل لجنة لت�سجيل وكتابة ق�صة حياته.. وجمع (تعاليبو) الخبراء والعلماء من ذوي الأعراف الذهبية ومن ذوي الر ؤ�و�س ال�صلعاء ،فكانوا يجتمعون كل �صباح وم�ساء ويحدثون �ضجة عظيمة تتلاءم مع خطورة ما يفعلون وما يكتبون ،وا�ستمر عملهم ليلاً ونها ًرا لمدة طويلة ج ًدا حتى بلغت كمية ما ا�ستخدموه من حبر قدر ما ي�سقط على الغابة من أ�مطار في ن�صف يوم من �أيام المو�سم المطير، وم ألت أ�وراق الموز والبردي المن�سوخة والمكتوبة والم�صورة عد ًدا من الحجرات العالية والمخازن الم�سورة. وكلها ت�ؤكد �سمو وكرم أ�خلاق ا إلمبراطور ( أ�بو لبدة المده�ش) و�إيمانه بقدرة الحيوانات على �صنع المعجزات وقدرته هو �شخ�صيا حتى 93 Kalilah and Dimnah final.indd 93 � ��/���� ��:� ��/
على �إحياء الأموات. وفي تلك ا أليام الخطيرة من تاريخ الغابة ،حيث كانت اللجان م�شغولة ب�إقناع ا ألجيال القادمة بعظمة الإمبراطور وتخليد �أعماله، كانت لجان القوانين ت�صوغ وتعدل ما ت�صوغه ثم تعود لت�صوغ ما تعدله. وكانت لجان التاريخ تدور وتناق�ش ما تدونه ثم تعود لتدون ما تناق�شه. والجميع يح�سون بمدى الم�س�ؤولية الملقاة على عاتق الجميع وكانت المهام ج�سيمة ،وا ألج�سام مهتمة والتاريخ م�شرئب للت�سجيل والتخليد - كان ا إلمبراطور نف�سه مهمو ًما وم�شغو اًل عن كل ذلك ب�أمر ركب ر أ��سه وكبر في مخه ،حتى حرم عليه النوم و�أورثه القلق والتوتر ،فقد كانت لبدته و أ�لف مو�سى أ�و كما يقولون بلغتنا ر�أ�سه و�ألف �سيف� ،أن يح�صل على ذلك البيت الجميل الرائع ال�صغير الذي يملكه �شيخ القانونجية وخبير التعديلات الد�ستورية (الحمار كار) على �شاطئ نهر الخيار. و أ�زعج هذا (تعاليبو) ج ًدا �إذ كيف الو�صول �إلى �صيغة للا�ستيلاء على البيت و�صاحبه هو المتخ�ص�ص في و�ضع هذه ال�صيغ ،وكيف يمكن التلاعب لنزع ملكيته ب�شكل قانوني معقول ..و�صاحبه هو الذي ي�ضع الإطارات القانونية ألي تلاعب قانوني مقبول. وقد حاول (تعاليبو) �أكثر من مرة �أن يلمح (للحمار كار) برغبة مولاهما ال�سامية في الا�ستيلاء على البيت ولكن الحمار كان على عادته - من الغباء بحيث فهم الأمر مقلو ًبا و�أر�سل برقية ي�شكر فيها ا إلمبراطور على اهتمامه براحة رعيته و�إعجابه ببيوتهم المتوا�ضعة. وحاول (تعاليبو) أ�ي ً�ضا من ناحية أ�خرى �صرف نظر ا إلمبراطور عن البيت المذكور دون جدوى فقد دخل خيال هذا البيت الكائن في منطقة التوت البري والغزلان المرحة نافوخ ا إلمبراطور ولن تخرج منه �أو ت�صرفه عنه دقات الطبل البلدي.. و�أمام �إلحاح الإمبراطور لم يجد (تعاليبو) ب ًدا من التفكير في و�سيلة ي�صادر بها بيت الحمار للم�صلحة العامة الإمبراطورية� ..أو العثور على طريقة تجعل الحمار يتخلى عن بيته طواعية و إ�هدائه للمده�ش. �صدر أ�مر برفع مرتب الحمار ون�صيبه من البر�سيم ا ألخ�ضر الم�ستورد كما �أخليت درجة ممتازة من درجات �سلم العرين لجلو�سه، ولكن الحمار لم يفهم �إ�شارة (تعاليبو) الخفية �إلى رد جميل الإمبراطور 94 Kalilah and Dimnah final.indd 94 � �� ���� ��:/�/��
و�شكره بتقديم هدية ،وك أ�ن له دما ًغا و�أذ ًنا غبية. ولم يجد (تعاليبو) أ�مام إ�لحاح الإمبراطور وغباء الحمار إ�لا اللجوء للحيلة إلنهاء هذا ا ألمر ال�سخيف فتحين الفر�صة -وهو القادر على خلق الفر�ص -و�أحرج الحمار وتحداه في �سباق جري علني تحت رعاية ا إلمبراطور يكون على المنهزم فيه ،أ�ن يحقق للمنت�صر رغبة واحدة مهما كانت.. ووقع الحمار في الفخ فقبل التحدي و أ�علن أ�نه مت�أكد من انت�صاره لدرجة أ�نه �سيحقق للثعلب لا رغبة واحدة ولكن رغبتين �أو ثلاث �إن �أراد ،يعني �إذا انت�صر! وعلم الإمبراطور المده�ش با ألمر فازداد قلقه واتهم (تعاليبو) بالغباء ليدخل في �سباق مثل هذا مع أ�كثر الحيوانات عدوا و أ�كبرهم �سرعة، بف�ضل حوافره وجبنه ،ولم يعجب (تعاليبو) أ�ن ي�صفه ا إلمبراطور بالغباء أ�مام الآخرين -و�أ�سرها في نف�سه ،لكنه �صمم على الفوز في ال�سباق . أ�و ًال؛ ليثبت للجميع وللإمبراطور بالذات أ�نه لي�س غب ًيا. وثان ًيا :لكي يزيد من أ�ف�ضاله على الإمبراطور ،وليقطع �آخر حبال ال�شك في أ�نه عماد (دولة أ�بو لبدة) ..و أ�ن ذكاءه يمثل دماغه المفكر الذي لا غنى عنه -حتى في أ�تفه الأمور التي يعجز �أمامها الإمبراطور. وجاء موعد ال�سباق ،فكان على كل من الثعلب والحمار أ�ن يقطع م�سافة معينة مختر ًقا الغابة حتى نهايتها ثم العودة -أ�حدهما بالدوران يمي ًنا والآخر بالدوران �شما ًال حول الغابة ،والعودة إ�لى حيث لجنة التحكيم -التي ير�أ�سها الإمبراطور نف�سه. و�أر�سلت بع�ض الطيور لترافق كل منهما ك�شهود على أ�ن �أحدهما لن يتوقف مرة واحدة وللت�أكد من أ�ن كلاً منهما قد قطع ال�سباق من نف�س الطريق المر�سوم وبلا خداع.. لم يكن ا إلمبراطور مطمئ ًنا تما ًما وهو يعطي أ��شارة البدء فقد كان الحمار مر ًحا واثقا من نف�سه �أكثر من العادة بينما كان (تعاليبو) مهمو ًما ومنخف�ض الروح المعنوية .وكان هذا �صحي ًحا فقد كان و�صف الإمبراطور له بالغباء أ�مام ا آلخرين ي�ضايقه تما ًما .لدرجة أ�نه ن�سي أ�ن يرتب �أموره مع ال�شهود كالعادة. وانطلق المت�سابقان النبيلان بعد أ�ن �أعطى ا إلمبراطور الإ�شارة 95 Kalilah and Dimnah final.indd 95 � �� ���� ��:/�/��
وانطلق ال�شهود من الطيور تتابع ال�سباق من ال�سماء ،وبعد فترة ق�ضاها في عقد مراهنات متعددة مع رعيته حول الفائز ،وكان واثقا من فوز (تعاليبو) رغم ثقته في قدرة الحمار على الجري ال�سريع و�صاح ا إلمبراطور فر ًحا عندما لمح الثعلب عند المنحنى يدور متج ًها إ�ليهم وهو يلهث متع ًبا .ولكن هذا لا يهم فالمهم �أنه قد و�صل �أو ًال .وبعد لحظات ظهر الحمار من الناحية المقابلة ولكنه كان يبذل غاية ما في و�سعه لي�صل بالفعل في نف�س الوقت الذي و�صل فيه (تعاليبو). واغتم الملك ولكنه مال جها ًرا نها ًرا �إلى جانب �إعلان فوز ((تعاليبو)) و أ�عطى ال�شهود من الطيور تقاريرهم ف�إذا بها مفاج أ�ة لم تعجب ا إلمبراطور فزمجر غا�ض ًبا منذ ًر]ا.. كان تقرير مراقبي (تعاليبو) ي ؤ�كد �أنه وقف مرتين لي�ستريح في الطريق بينما قال تقرير مراقبي الحمار إ�نه توقف لمرة واحدة ..غ�ضب ا إلمبراطور من (تعاليبو) وطالبه مزمج ًرا بتف�سير �سبب وقوفه و�صمت المحكمون خائفين وقال (تعاليبو): أ�نا لم أ�قف لأ�ستريح �أب ًدا ..على العك�س �أن المرتين اللتين وقفت فيهما يجب أ�ن تح�سبا لي كنقط أ�فوز بها على خ�صمي ف إ�نني لم أ�توقف إ�لا ألنني مهموم م�شغول ب�أمور الغابة والحياة.. لقد وقفت بالفعل وي�شهد ال�شهود أ�ن ذلك كان في منطقة مليئة بال�شجر الطويل وال�شجر الق�صير وقد حيرتني هذه الم�شكلة كثي ًرا لدرجة �أنه حتى الآن لا �أجد لها حلاً .وعلينا جمي ًعا �أن نفكر �سو ًيا لتف�سيرها حتى لا تحير �أبناءنا فيما بعد . قال الأ�سد: وما هي هذه الم�شكلة التي جعلتك تخ�سر ال�سباق؟ قال (تعاليبو): �أنا لم �أخ�سر بعد يا مولاي ..فيجب أ�و ًال أ�ن تقرر لجنة التحكيم ذلك ..هذا هو العدل ..ولجنة التحكيم لم تقرر ذلك ألنها الآن �ستحتار مثلي في حل تلك الق�ضية! قال �أحد �أع�ضاء اللجنة: وما هي تلك الق�ضية؟ قال (تعاليبو) بهدوء: 96 Kalilah and Dimnah final.indd 96 � �� ���� ��:/�/��
إ�ن الطريق كانت حوله ا أل�شجار الطويلة والق�صيرة ب�شكل غريب لدرجة جعلتني أ��س�أل ،أ�ق�صد �أتوقف لأ�س�أل ..لماذا هذه الأ�شجار طويلة أ�و تلك الأ�شجار ق�صيرة؟ ..ولماذا لا تكون الأ�شجار الق�صيرة طويلة والأ�شجار الطويلة ق�صيرة؟! واحتار الجميع فعلا وحتى (الحمار كار) خبير التبرير والتف�سير لم يجد أ�ية إ�جابة ولا أ�ي تعبير.. ولكن أ�حد المحلفين قال: هذه وعرفنا �سببا معقولا لتوقفك في المرة ا ألولى ،فما ال�سبب في الوقفة الثانية؟ قال (تعاليبو) بهدوء: لقد كانت الم�شكلة في المرة الثانية أ�كثر تعقي ًدا ..وال�س ؤ�ال �أكثر �صعوبة فقد ظهر �أمامي �أرنب ي�سابق غزا ًال وا�ضطررت للتوقف والتفكير في �أذني ا ألرنب الطويلتين و�أذني الغزال الق�صيرتين ،فلماذا لا يكون ل ألرنب أ�ذنان ق�صيرتان وللغزال �أذنان طويلتان ..والحقيقة �أيها ال�سادة� ..أنه لولا �إح�سا�سي �سرور الغور إ�ر�ضاء لجلالة الإمبراطور الذي �أعرف �أنه راهن على انت�صاري ..لبقيت هناك حتى ا آلن أ�فكر في م�شكلة أ�ذني الأرنب و�أذني الغزال.. وهنا �صاح ا إلمبراطور معلنا �أنه يعذر (تعاليبو) الذي لم يمنعه ال�سباق ولا التعب من التفكير في هذه الم�شاكل والم�سائل التي تهم الجميع.. ثم �أ�ضاف: فهل ي�ستطيع ال�سيد (حمار كار) �أن يف�سر لنا �سبب وقوفه أ�ثناء ال�سباق إ�لا إ�ذا كان قد وقف لي�ستريح لي�أكل بر�سي ًما .طب ًعا لي�ستطيع الفوز ب أ�ي �شكل ..لا فليقل لنا لماذا توقف؟ هل ي�صدق أ�حد �أنه يعرف هو الآخر نعمة التفكير؟ ثم ز أ�ر ز أ�رة ارتع�شت لها �سيقان الحمار ا ألربعة و�شل بها تفكيره فقال في �ضعف وخوف: يا مولاي ..نعم لقد . .كنت . .أ�ي ً�ضا� ..أفكر. . فقاطعه ا أل�سد أ�بو لبدة المده�ش غا�ض ًبا .. فيما كنت تفكر؟ ..وكيف تجر�ؤ على التفكير في هذا؟ قال الحمار مرتع�ًشا: 97 Kalilah and Dimnah final.indd 97 � �� ���� ��: �/��/
-في ماذا؟.. ز�أر الأ�سد: في الذي كنت تفكر فيه؟ هه كيف تجر�ؤ؟ فارتع�ش الحمار ومات رع ًبا . �أنا لم أ�كن �أفكر في �شي ..يا مولاي .. وهنا ابت�سم الإمبراطور �ساخ ًرا وقام وهو يقول لأع�ضاء لجنة التحكيم: وهكذا ترون أ�يها ال�سادة �أنه بينما ي�شغل عزيزنا (تعاليبو) نف�سه حتى وهو متعب ومرهق بق�ضايانا المهمة ..كان هذا الحمار يحاول الفوز بالغ�ش والخداع فيقف لي�ستريح ..وتريدون بعد ذلك �أن تناق�شوا فوز (تعاليبو) لا �أظن.. وم�ضى ا إلمبراطور إ�لى العرين تاركا لجنة التحكيم مرتبكة حتى فتح الله على رئي�سها معلنا فوز (تعاليبو) و�سط هتاف من راهنوا عليه!!.. وكان على الحمار �أن يحقق (لتعاليبو) ..ما يريد ..ونام الإمبراطور �أبو لبدة المده�ش مطمئ ًنا ألن (تعاليبو) يعرف ما يريد بالت�أكيد!! Kalilah and Dimnah final.indd 98 98 � �� ���� ��:/�/��
�إ�شاعات إ�مبراطورية لم يكن (يوم الحمار) هو اليوم الأول الذي أ�ح�س فيه (تعاليبو) ب إ�هانة الإمبراطور (�أبو لبدة المده�ش) له ،ولم يكن كذلك آ�خر يوم يح�س فيه بذلك ،بل لقد زاد إ�ح�سا�سه مع الأيام ب�أن ا أل�سد يتعمد �إهانته �أمام ا آلخرين. لم يكن (تعاليبو) بالغبي الذي لا ي�ستطيع تف�سير ذلك ،فالإمبراطور بد�أ يغار منه وبد�أ يخ�شاه ويخ�شى نفوذه ،فق�صائد الإعجاب (بتعاليبو) تم أل �صفحات جرائد الموز ومجلات جوز الهند ،والحقيقة �أن (تعاليبو) كان محط �إعجاب الكثيرين والكثيرات و أ�ولهم الإمبراطورة منذ عو�ضها عن الكنز المزعوم بمائة كنز حقيقي.. وبينما كانت اهتمامات ا إلمبراطور تتدنى وتهييف ،إ�ذ بد ًال من قوانين الافترا�س العام والعدالة وال�سلام في ربوع الغابات وبين الحيوانات �أ�صبح مهت ًما ببيت الحمار كار ال�صغير الكائن على نهر الخيار، �صحيح �أنه حافظ على بع�ض وعوده بالن�سبة للحيوانات ال�صغيرة ،فكانوا يجدون الطعام �إذا جاعوا ولم يجدوا طعا ًما ..وكانوا يجدون الأكفان �إذا ماتوا فقراء .وكان أ�ولادهم يجدون معا�شا منا�س ًبا بقدر ا إلمكان. كما �أنه رف�ض ب�شدة �أي انتقا�ص لحقوق �أرامل �شهداء الغابة من خدم العرين ال�سابقين ،وخا�صة من ماتوا �أثناء قيامهم بواجباتهم الر�سمية فظل �إعفا�ؤهم من ال�ضرائب �سار ًيا. مثل ا ألرنبة العجوز زوجة �سائ�س ا إلمبراطور الذي قتله (تعاليبو) غد ًرا �أيام المطاردة الرهيبة -وغيرها كثيرات وغيرها كثيرين. ولكن كل ذلك لم يمنع من انت�شار �شائعات كثيرة ،تقلل من هيبة ا إلمبراطور في الوقت الذي ظل (تعاليبو) -حتى الآن -محاف ًظا على هيبته ووقاره اللائق بالن�سبة للخادم الأول ل إلمبراطور وللعر�ش.. لدرجة �أن ا إلمبراطور أ��صبح يخفي عنه الكثير من مغامراته ال�شخ�صية في ال�صيد والقن�ص واللهو ،ولم يكن (تعاليبو) من ناحيته يرحب بم�شاركته عبثه خو ًفا من الإمبراطورة التي كثي ًرا ما كانت ت�س�أله فكان ينفي علمه بها -وكان �صاد ًقا وبري ًئا. ولكن�صبر(تعاليبو)لهحدود أ�ي ً�ضا..ولذلكفتكرار�إهانةالإمبراطور 99 Kalilah and Dimnah final.indd 99 � ��/���� ��:� ��/
Search
Read the Text Version
- 1
- 2
- 3
- 4
- 5
- 6
- 7
- 8
- 9
- 10
- 11
- 12
- 13
- 14
- 15
- 16
- 17
- 18
- 19
- 20
- 21
- 22
- 23
- 24
- 25
- 26
- 27
- 28
- 29
- 30
- 31
- 32
- 33
- 34
- 35
- 36
- 37
- 38
- 39
- 40
- 41
- 42
- 43
- 44
- 45
- 46
- 47
- 48
- 49
- 50
- 51
- 52
- 53
- 54
- 55
- 56
- 57
- 58
- 59
- 60
- 61
- 62
- 63
- 64
- 65
- 66
- 67
- 68
- 69
- 70
- 71
- 72
- 73
- 74
- 75
- 76
- 77
- 78
- 79
- 80
- 81
- 82
- 83
- 84
- 85
- 86
- 87
- 88
- 89
- 90
- 91
- 92
- 93
- 94
- 95
- 96
- 97
- 98
- 99
- 100
- 101
- 102
- 103
- 104
- 105
- 106
- 107
- 108
- 109
- 110
- 111
- 112
- 113
- 114
- 115
- 116
- 117
- 118
- 119
- 120
- 121
- 122
- 123
- 124
- 125
- 126
- 127
- 128
- 129
- 130
- 131
- 132
- 133
- 134
- 135
- 136
- 137
- 138
- 139
- 140
- 141
- 142
- 143
- 144
- 145
- 146
- 147
- 148
- 149
- 150
- 151
- 152
- 153
- 154
- 155
- 156
- 157
- 158
- 159
- 160
- 161