Important Announcement
PubHTML5 Scheduled Server Maintenance on (GMT) Sunday, June 26th, 2:00 am - 8:00 am.
PubHTML5 site will be inoperative during the times indicated!

Home Explore كليلة ودمنة بالمصرى#سمير_عبد_الباقى

كليلة ودمنة بالمصرى#سمير_عبد_الباقى

Published by noha.skillbuild02, 2020-03-28 16:05:02

Description: كليلة ودمنة بالمصرى#سمير_عبد_الباقى

Keywords: كليلة ودمنة بالمصرى#سمير_عبد_الباقى

Search

Read the Text Version

‫على أ�نه لا كلاب هناك فدخل إ�لى حلبة الرق�ص وهنا هتف الجميع له‬ ‫فر ًحا وترحي ًبا ب أ�ول �صديق يزورهم في ظل القوانين الجديدة‪ ..‬اقترب‬ ‫تعاليبو من الديك وهم�س في �أذنه‪:‬‬ ‫ ‪ -‬هل �صدقت الآن؟ لقد كنت ت�شك في إ�خلا�صي‪..‬‬ ‫وقبله الديك معتذ ًرا له ب�شدة‪..‬‬ ‫وهنا توقف تعاليبو عن الرق�ص وقال في �صوت وقور مهيب بعد أ�ن‬ ‫رفع الكتاب ال�ضخم العجيب فوق ر�أ�سه في تقدي�س‪:‬‬ ‫‪ -‬ال ت�ضيعوا الوقت! لقد ظلمتم كثي ًرا و أ�نا �أعترف �أن جن�س الثعالب‬ ‫بالذات التهم منكم الكثيرين‪ ،‬لدرجة أ�ن ج�سدي يرتع�ش عندما �أذكر ذلك‬ ‫ولقد وجد (تعاليبو) �أن واجب التكفير عن جرائم بني جن�سه يحتم عليه �أن‬ ‫يتفرغ لي�شرح لكم قوانين ال�صداقة الجديدة‪ ،‬وموادها المختلفة تكفي ًرا عن‬ ‫ذنوب جن�س الثعالب كله‪.‬‬ ‫ثم �أخذ يت�شمم الهواء ويت�سمع حتى لا يفاجئه أ�حد أ�و يعكر عليه الجو‬ ‫دخيل وقال‪:‬‬ ‫‪ -‬لقد جهزت مكا ًنا جميلاً ليكون مدر�سة تليق بكم �أنتم بالذات‪،‬‬ ‫هناك عند الغدير حيث الماء والطعام الوفير فهيا بنا فو ًرا لنبد�أ درو�سنا‬ ‫القانونية حتى لا يخدعكم أ�حد بعد ا آلن‪ ،‬هيا‪ ..‬لا ت�ضيعوا الوقت فقد بد�أ‬ ‫زمان الحرية للديكة والفراخ‪..‬‬ ‫ثم هتف الثعلب في �صوت خفي�ض حتى لا ي�سمعه �أحد غيرهم‪:‬‬ ‫ ‪ -‬الم�ستقبل للكتاكيت‪..‬‬ ‫وردد الجميع الهتاف وراءه‪ ،‬ولم ي�ضيع هو الوقت طب ًعا‪ ،‬فم�ضى‬ ‫يتبعه الديك على ر�أ�س قبيلته ال�صغيرة �إلى حيث المدر�سة المزعومة‪ ،‬وهم‬ ‫يغنون‪:‬‬ ‫تعاليبو هيا وتقدم‬ ‫قانون الحب �سيتكلم‪..‬‬ ‫الغاب �سيغمره الحب‬ ‫والدنيا منا تتعلم‬ ‫وطب ًعا‪ ،‬لم تكن هناك مدر�سة و�إنما كانت هناك �أ�سرة تعاليبو‬ ‫الجائعة تقف في ا�ستقبال القافلة الم�سكينة‪ ..‬وحدث ما كان لا بد �أن يحدث‬ ‫لقبيلة من الدجاج والكتاكيت تحا�صرها أ��سرة من الثعالب‪ ،‬ورغم قوانين‬ ‫‪50‬‬ ‫‪Kalilah and Dimnah final.indd 50‬‬ ‫� ��‪ ���� ��:‬‏‪ �/‬‏‪��/‬‬

‫الأ�سد ( أ�بو لبدة المده�ش) الجديدة‪..‬‬ ‫ولم يفلت من المجزرة �سوى الديك‪ ،‬الذي انطلق منتوف الري�ش‬ ‫ممزق الرقبة �إلى حيث كان ا�ستعرا�ض ال�صداقة ما يزال يجري أ�مام‬ ‫العرين ف�صاح فيهم وهو يلقي بنف�سه و�سطهم زاع ًقا بالخبر الرهيب في‬ ‫وجه الجميع‪:‬‬ ‫‪ -‬لقد ارتكب تعاليبو جريمة ب�شعة لي�س في حق الكتاكيت ا ألبرياء!!‬ ‫ولا في حق القانون الجديد العظيم‪ ،‬ولكنها جريمة �ضد (الأ�سد ا إلمبراطور‬ ‫أ�بو لبدة المده�ش) �شخ�ص ًيا ‪ -‬وتحد ًيا �صار ًخا ألوامره المقد�سة في نف�س يوم‬ ‫الاحتفال بها‪..‬‬ ‫فماذا �سيفعل ا أل�سد الإمبراطور؟‪.‬‬ ‫‪51‬‬ ‫� ��‪ ���� ��:‬‏‪ �/‬‏‪��/‬‬ ‫‪Kalilah and Dimnah final.indd 51‬‬

‫ثورة (�أبو لبدة)‬ ‫حتى قبل ولايته للعر�ش كان �أبو لبدة‪ ،‬يفكر في �أحوال رعيته‬ ‫البائ�سة ومنذ نعومة �أظافره أ�ظهر عبقرية فذة في التفرقة بين الع�سل‬ ‫ا ألبي�ض وا أل�سود‪ ،‬وكان في �شبابه يظهر حز ًنا �شدي ًدا ألن �شعب الغابة‬ ‫وا ألحرا�ش المجاورة لا يعي�ش في �سلام‪ ..‬وبالرغم من أ�نه كان م ؤ�م ًنا‬ ‫على الدوام �أن القوة هي التي يجب �أن تكون القانون الوحيد (و أ�ن البقاء‬ ‫للأقوى) هي �أهم مواد د�ستور الغابة المقد�س‪ ،‬إ�لا أ�نه أ�ظهر با�ستمرار‬ ‫تعاط ًفا مع ا آلراء التي تدعو لتنظيم الافترا�س العام‪ ،‬وانحاز �إلى كثير‬ ‫من الأفكار التي تدعو لإعادة �صياغة قوانين الغابة بما يكفل مزي ًدا من‬ ‫العدالة (في التطبيق)‪.‬‬ ‫ولم يكن ( أ�بو لبدة) من ذلك النوع الذي تعجبه الحرية الزائدة عن‬ ‫الحد والتي �أعطيت ل ألقوياء لكي يفتر�سوا ال�ضعفاء بدون �أ�سباب تقريبا!‬ ‫أ�و التي تكفل للكبار حرية �سرقة والتهام ال�صغار دون أ�ذن ر�سمي منه‬ ‫(على الأقل!!)‪.‬‬ ‫ولذلك ف�إنه عندما تولى عر�ش الغابة‪ ،‬قرر �أن ي�ضع أ�فكاره‬ ‫مو�ضوع التنفيذ‪ ،‬وا�ستدعى على عجل عد ًدا من زملاء درا�سته القدامى‬ ‫لي�ساعدوه في التطبيق‪ .‬وكان منهم عدد من الم�شهود لهم ر�سميا بالكفاءة‬ ‫‪ -‬مثل الذئب (بولينياب) الذي تولى رئا�سة هيئة تنظيم الافترا�س العام‬ ‫والدب (لبلب دبدوبة) الذي �أ�صبح رئي�ًسا للعرين ا إلمبراطوري والقط‬ ‫(بول�شناب) وغيرهم كثيرون وكثيرون‪.‬‬ ‫وبعد تفكير وتدبير وزمجرة وزئير‪ ،‬قرر الأ�سد (�أبو لبده المده�ش)‬ ‫الدعوة �إلى اجتماع عام لكل الحيوانات ليعلن فيه بداية ع�صر جديد في‬ ‫حياة الغابة ولي�ضع نهاية لكل الحوادث الم�ؤ�سفة وجرائم القتل العمد التي‬ ‫كانت ترتكب �صبا ًحا وم�ساء ‪ -‬دون علم أ�حد ‪ -‬والتي كانت تجري في‬ ‫كل مكان بحجة الح�صول على الطعام‪( ،‬من وراء ظهره) �أو من (خلف‬ ‫ذيله) على حد تعبيره‪.‬‬ ‫وانطلق الر�سل (القرود) إ�لى جهات الغابة الأربع‪ ..‬وظلوا يدقون‬ ‫الطبول ويعلنون الدعوة إ�لى ذلك الاجتماع الم�شهود‪ ،‬في كل ناحية على‬ ‫ال�ساحل وخلف جبال النرج�س وفيما بين النهر والقرية م�ضى المب�شرون‬ ‫‪52‬‬ ‫‪Kalilah and Dimnah final.indd 52‬‬ ‫� ��‪/���� ��:‬‏� ‏‪��/‬‬

‫يب�شرون كل ذوي الأربع ب�سلام جديد في حدود قانون الافترا�س العام‬ ‫المن�صو�ص عليه في كتاب الأدغال الذي تفر�ضه الطبيعة الحيوانية وحقيقة‬ ‫أ�ن البقاء للأ�صلح‪.‬‬ ‫وكانت الب�شرى م�صحوبة بدعوة كل ر�ؤ�ساء الع�شائر والقبائل‬ ‫الحيوانية والطيور‪ ،‬لح�ضور الاجتماع الكبير في العرين الملكي‪ ،‬لدرا�سة‬ ‫ا ألمر من مختلف الوجوه‪.‬‬ ‫وفي اليوم الموعود‪ ..‬و�صل الجميع من أ�نحاء الإمبراطورية‪،‬‬ ‫الطيور التي تطير والتي لا ت�ستطيع الطيران والوحو�ش والحيوانات‬ ‫من كل ا ألنواع والأ�شكال وا أللوان‪ ،‬الكبيرة وال�صغيرة‪ ،‬ومتو�سطة‬ ‫الأحجام آ�كلة الع�شب و آ�كلة اللحم‪ ،‬وجامعة الثمار ذات الظلف و�صاحبة‬ ‫المخالب وا ألنياب‪ ،‬ق�صيرة الذيول وطويلة ا ألذناب‪ ،‬طويلة ا آلذان‬ ‫والتي لا ت�سمع على ا إلطلاق‪ ،‬المدرعة وذات ال�شوك‪ ،‬المل�ساء وال�شعراء‬ ‫وذات ا أل�صداف والحرافي�ش‪ ،‬ذات الدم البارد و�صاحبة الدم الحار‪.‬‬ ‫كلهم جاءوا له من كل �صوب لي�ؤكدوا ولاءهم واحترامهم الأكيد‬ ‫للإمبراطور القوي الجديد ولي�شكروا من �أعماق قلوبهم عدله ورحمته‪.‬‬ ‫وبينما كان ر�ؤ�ساء الع�شائر والقبائل ذوو المكانة في طريقهم إ�لى‬ ‫الاجتماع الذي �سيلقي فيه الإمبراطور الخطاب الافتتاحي للم ؤ�تمر �سرت‬ ‫هم�سات �سريعة حذره‪ ،‬تقول إ�ن أ�حد ر�ؤ�ساء الع�شائر الهامة غير موجود‬ ‫و�أكد �أحدهم ( أ�نه لن يح�ضر) و�أ�ضاف في خبث ((ذلك ألنه يعار�ض‬ ‫�أوامر ال�سلام ا إلمبراطورية الجديدة ويراها خدعة ماكرة‪ .‬للتدخل في‬ ‫حق ع�شيرته ا ألزلي في التهام ما ت�شاء من دواجن))‪.‬‬ ‫ويبدو �أن ا ألمر كان �صحي ًحا‪ ،‬لأن مندوبي الغابات الأخرى‬ ‫لاحظوا أ�ن الغ�ضب كان وا�ض ًحا لكل ذي عينين على وجه الملك‪ ،‬وفي‬ ‫�صوته‪ .‬وف�سر البع�ض ذلك ب�أن الغائب يعتبر من أ�ذكى حيوانات الغابة‬ ‫و أ�كثرها مك ًرا‪ ،‬و ألن على أ�كتاف �أجداده الثعالب القدماء قامت هذه‬ ‫ا إلمبراطورية‪ ،‬ولذلك ف�إن تمرده �سيكون ذا �أثر بالغ ال�سوء في بداية‬ ‫عهد الإمبراطور العظيم‪ ،‬ذلك لأن ‪ -‬الغائب ‪ -‬كان (تعاليبو) �شخ�ص ًيا‪،‬‬ ‫رئي�س ع�شيرة ذوي الذيول المنفو�شة‪ ،‬و أ�كثر الذين يعمل لهم الأ�سد‬ ‫الجديد أ�لف ح�ساب‪ ،‬ويتمنى أ�ن يكون �أحد رجال بلاطه‪ ،‬لي�ستفيد من‬ ‫عبقريته وذكائه في �إحكام أ�حكام القانون الجديد‪.‬‬ ‫‪53‬‬ ‫‪Kalilah and Dimnah final.indd 53‬‬ ‫� ��‪/���� ��:‬‏� ‏‪��/‬‬

‫وحاول أ�حد ال�شعراء على عادته أ�ن ينتهز الفر�صة ليتقرب من‬ ‫ا إلمبراطور‪ ،‬فارتجل �شع ًرا يذم به ذلك المتمرد ا ألحمق‪ ،‬ولكن الأ�سد‬ ‫قاطعه بزمجرة رهيبة جعلته يختفي تحت جلده ناد ًما على تهوره ا ألخرق‬ ‫وظهر وا�ض ًحا �أن الملك لا يريد �أن يبد أ� الحفل دون ح�ضور (تعاليبو)‪ ،‬أ�و‬ ‫على الأقل قبل الت�أكد من أ��سباب رف�ضه الح�ضور‪ ،‬ولكن الأكثر و�ضو ًحا‬ ‫كان عدم ح�ضور (تعاليبو) رغم مرور الوقت‪ ،‬وقال البع�ض (لا بد �أن‬ ‫تعاليبو فعل �شي ًئا يخجل منه‪ ،‬يمنعه من الح�ضور)‪.‬‬ ‫ولكن البع�ض �سخر من هذا الر�أي (فتعاليبو) لا يخجل من �أعماله‬ ‫�أب ًدا‪ ،‬ووجدها ((بولينياب)) فر�صة للانتقام ف أ�خذ يهم�س في �أذن الملك‪:‬‬ ‫‪ -‬لا بد يا مولاي �أن (تعاليبو) يدبر م ؤ�امرة لتغيير د�ستور الغابة‬ ‫الذي ين�ص على أ�ن يتولى الأ�سد عر�شها‪.‬‬ ‫و�شهد حيوان �صغير �أتى به (بولينياب) ويبدو مثل جرذ من نوع‬ ‫غريب أ�ن (تعاليبو) قال أ�مامه أ�ن الثعالب هي �أذكى حيوانات الغابة‪.‬‬ ‫و أ��ضاف الدب أ�ن تعاليبو �س أ�له مرة‪(( :‬لماذا لا ي�صبح من حق أ�ي‬ ‫حيوان ي�ستطيع أ�ن يثبت كفاءته أ�ن ي�صبح مل ًكا؟))‪..‬‬ ‫وزمجر الأ�سد غا�ض ًبا‪ ،‬فكل الذين يهم�سون إ�ليه حيوانات لها مكانتها‬ ‫حتى الجرذ كان موظ ًفا في المخازن الملكية ولذلك كان عليه أ�ن ي�صدقهم‬ ‫و أ�ن ي�صدق أ�ن (تعاليبو) يدبر �شي ًئا خطي ًرا �ضده‪.‬‬ ‫بعد ذلك وبعد أ�ن ت�أكد الجميع �أن الملك ت أ�كدت لديه خيانة تعاليبو‬ ‫تطوع الع�شرات منهم للبحث عن أ��شياء يعرفونها أ�و كلمات �سمعوها لكي‬ ‫يقدموها دليلاً على خيانة الثعلب‪ ،‬وليتقربوا بها إ�لى الإمبراطور وليثبتوا‬ ‫�إخلا�صهم للعر�ش‪.‬‬ ‫وكانالذئب(بولينياب)هو�أولمنتقدمباتهامهعلانية إ�ذتو�سطال�ساحة‬ ‫حاملا عد ًدا من ا ألوراق الر�سمية قال إ�نها و�صف كامل لمائة من الحوادث‬ ‫الب�شعةالتيارتكبها(تعاليبو)منذتولي(الأ�سدالمده�ش)عر�شالغابة‪.‬‬ ‫ووقف يطالب في �صوت عميق ‪ -‬حاول أ�ن يكون م ؤ�ث ًرا ج ًدا ‪-‬‬ ‫بالعدالة لكل المظلومين والتع�ساء الذي فر�ضت الظروف عليهم �أن‬ ‫يكونوا خا�ضعين لحكم (تعاليبو)‪.‬‬ ‫ثم ا�ستدار نحو جموع الحيوانات ووعد كل من يتقدم بال�شهادة �ضد‬ ‫تعاليبو بجائزة كبيرة ‪.‬‬ ‫‪54‬‬ ‫‪Kalilah and Dimnah final.indd 54‬‬ ‫� ��‪/���� ��:‬‏� ‏‪��/‬‬

‫وهنا اندفع عدد كبير من �صغار الحيوانات يقدمون ال�شكاوى �ضد‬ ‫(تعاليبو)‪ .‬قالت الماعز الجبلية‪:‬‬ ‫ ‪ -‬كنت أ��سير ذات يوم يا مولاي متعبة �أبحث عن طعام لأولادي‬ ‫ال�صغار عندما مررت بجوار �إحدى الآبار‪ ،‬ف�سمعت �صوتا ينادي في‬ ‫ا�ستعطاف ‪ -‬أ�نقذوني ‪ -‬يا أ�هل الرحمة؛ ولما كان قلبي رحي ًما يا مولاي‬ ‫فقد تقدمت من البئر‪ ،‬وهناك �شاهدت (تعاليبو) يجل�س في الدلو داخل‬ ‫البئر لا ي�ستطيع الخروج ‪ -‬ف�س�ألته‪:‬‬ ‫كيف أ�نقذك يا تعاليبو؟‬ ‫فقال لي‪:‬‬ ‫اركبي الدلو الآخر �أيتها الماعز الطيبة‪.‬‬ ‫و ألنني طيبة القلب يا مولاي‪ ،‬ركبت الدلو الآخر‪ ،‬فوجدت نف�سي‬ ‫في قلب البئر بينما ارتفع الدلو الذي كان به تعاليبو �إلى ال�سطح‪ .‬ف�صرخت‬ ‫فيه‪ :‬لا تتركني هنا يا (تعاليبو)‪ ،‬أ�نقذني مثلما أ�نقذتك‪.‬‬ ‫ولكنه �ضحك يا مولاي وم�ضى وتركني في البئر وحيدة �أكاد �أموت‬ ‫من البرد والخوف و�ضحكت بع�ض الحيوانات في ال�صفوف الخلفية وقالت‬ ‫أ�رنبة عجوز أ�فقدها (تعاليبو) زوجها ا ألحمق يوم �إ�شاعة �سقوط ال�سماء‪.‬‬ ‫‪ -‬ت�ستحقين ما جرى لك أ�يتها الماعز الطيبة الغبية‪ ،‬إ�نك مثل زوجي‬ ‫ا ألبله الذي دفع حياته ثمن ت�صديقه �أن ال�شعر الذي يغطي ج�سمه كاف‬ ‫ليكت�سب به �صداقة الثعالب والذئاب‪..‬‬ ‫وبعد ذلك تقدم ذئب عجوز يتوك أ� على ع�صاه ‪ -‬وقال‪:‬‬ ‫‪ -‬يا مولاي الأ�سد العظيم‪ :‬إ�نني أ�طلب منكم الانتقام من ذلك الماكر‬ ‫الغادر (تعاليبو)‪ ،‬لقد خدعني يا مولاي خدعة دنيئة‪ ،‬ك�سرت ب�سببها‬ ‫قدماي يا مولاي‪.‬‬ ‫ف�صاح ا أل�سد به نافد ال�صبر‪:‬‬ ‫‪ -‬احك ولكن أ�وجز‪.‬‬ ‫فبلع الذئب العجوز لعابه وقال‪:‬‬ ‫ ‪ -‬كنا في ال�شتاء يا مولاي و�أنت تعرف ما ي�صنعه ال�شتاء بالن�سبة لنا‬ ‫�سكان الغابات ال�شمالية‪� ،‬إنه ف�صل بارد موح�ش ج ًدا‪ ،‬بلا طعام و�شراب‪.‬‬ ‫وذات يوم ر أ�يت (تعاليبو) ينام على الطريق كالميت‪ ،‬فاقتربت منه‬ ‫م�شف ًقا أ��س�أله عما به فنهرني وقال لي‪:‬‬ ‫‪55‬‬ ‫‪Kalilah and Dimnah final.indd 55‬‬ ‫� ��‪ ���� ��:‬‏‪ �/‬‏‪��/‬‬

‫‪ -‬ابتعد من هنا ولا تف�سد خطتي ف�إنني �أرى فلا ًحا قاد ًما من بعيد‬ ‫و�س أ�تماوت حتى يحملني في عربته لعلني �أجد �شي ًئا �آكله‪.‬‬ ‫وبالفعل يا مولاي حدث ما توقعه لقد ظل نائ ًما على الطريق واقتربت‬ ‫من بعيد عربة ريفية يقودها فلاح �ضخم‪ ،‬فاختب أ�ت أ�نا ولم أ�تدخل حتى‬ ‫لا أ�ف�سد عليه خطته‪ ،‬وفعلا حمله الرجل �إلى عربته يا مولاي‪ ..‬ويا‬ ‫لحظه‪ ..‬كانت مليئة بال�سمك الطازج ال�شهي‪ ،‬ور أ�يته أ�نا من بعيد وهو‬ ‫يلتهم كفايته منه دون أ�ن يفكر في �إلقاء �سمكة واحدة لعجوز مثلي‪ ،‬ولما‬ ‫انتهى من طعامه قفز واختفى‪.‬‬ ‫وجريت أ�نا عبر الغابة‪� ،‬أقطع الطرق على الفلاح والعربة؛ حتى كاد‬ ‫�صدري أ�ن ين�شق من كثرة ما جريت‪ ،‬حتى �سبقت العربة فارتميت أ�مامها‬ ‫كالميت‪ ،‬مثلما فعل تعاليبو بال�ضبط و�أخذت أ�عد الثواني منتظرا �أن يحملني‬ ‫الفلاح إ�لى العربة‪ .‬ولكن الذي حدث لي كان مختلفا فلم �أ�شعر إ�لا وع�صا‬ ‫الرجل الغليظة ت�صكني في قوة و أ�خافتني المفاج أ�ة حتى �إنني فقدت الوعي‬ ‫وعجزت عن الهرب‪� ..‬أر�أيت يا مولاي خداع ذلك الماكر الجبان؟!‬ ‫فقال ا أل�سد غا�ض ًبا‪..‬‬ ‫‪ -‬وما ذنب (تعاليبو)؟‪ ..‬أ�نت الذي �ألقيت بنف�سك أ�مام الرجل‪،‬‬ ‫بلا �سبب‪.‬‬ ‫فرد الذئب العجوز في غباء‪..‬‬ ‫ ‪ -‬ولكن (تعاليبو) فعل ذلك‪ ،‬وجعلني �أفعل مثله‪ ،‬الرجل حمله �إلى‬ ‫عربته فلماذا �ضربني �أنا؟! إ�لا إ�ذا كان متف ًقا معه‪.‬‬ ‫فقال ا أل�سد نافد ال�صبر‪:‬‬ ‫‪� -‬أي�أرنبغبيهنايعرف أ�نالرجل أ�خذتعاليبولينتفعبجلدهوفروته‬ ‫أ�ما�أنتفلماذا�سي أ�خذك؟‪..‬لتخيف�أطفاله أ�ملتحر�سكتاكيتزوجته؟‬ ‫ف�ضحك الذئب في بلاهة وقال‪:‬‬ ‫ولكن تعاليبو لم يذهب معه يا مولاي فلقد عدت بعد قليل أ�جر ج�سدي‬ ‫المك�سور‪ ،‬فر�أيت تعاليبو يجل�س و أ�مامه كومة من ال�سمك‪ ،‬يبدو أ�نه �سرقها‬ ‫من العربة‪ ،‬ولكنني لما �س�ألته عنها كذب عل ّي وقال �إنه ا�صطادها بذيله‪.‬‬ ‫وهناك انفجر الجميع �ضاحكين �ساخرين ف�أ�سكتهم الأ�سد والتفت‬ ‫�إليهم الذئب العجوز قائلاً ‪:‬‬ ‫‪ -‬أ�لا ت�صدقون ذلك‪ ،‬لقد أ�ق�سم لي �أنه ا�صطادها بذيله‪ ،‬ودلني على‬ ‫‪56‬‬ ‫‪Kalilah and Dimnah final.indd 56‬‬ ‫� ��‪ ���� ��:‬‏‪/�/‬‏��‬

‫مكان بعيد و أ�ح�ضر لي قليلاً من الأغ�صان ألجل�س فوقها و أ�دلي ذيلي في‬ ‫حفرة حفرها لي في الثلج‪ ،‬وقال لي أ�ن أ�بقى حتى ال�صباح و�سوف �أجد‬ ‫ال�سمك متعل ًقا بذيلي‪.‬‬ ‫و�ضحك ا أل�سد في نف�سه هذه المرة حتى كاد �أن ين�سى غ�ضبه حين قال‬ ‫الذئب وهو يبكي في غيظ‪:‬‬ ‫ولكنني لم �أجد في ال�صباح �أية �سمكة يا مولاي وحاولت �أن أ�خل�ص‬ ‫ذيلي من الحفرة دون جدوى‪ ،‬لقد تجمد الماء حول ذيلي و�أم�سكني بقوة‪،‬‬ ‫حتى كدت �أموت من البرد دون �أن أ�ح�صل على �سمكة واحدة يا مولاي‪.‬‬ ‫وو�سط �ضحكات الجميع التي انفجرت عالية �صاخبة‪ ،‬ان�سحب‬ ‫الذئب العجوز م�ستن ًدا �إلى ذراع ابن عمه (بولينياب) وهو ي�صرخ حان ًقا‪:‬‬ ‫ولا �سمكة واحدة يا مولاي‪ ،‬ولا �سمكة‪.‬‬ ‫وكاد ا ألمر �أن يفلت من يد (بولينياب) فدفع بعدد كبير من رجاله‬ ‫يقدمون �شهادتهم �ضد (تعاليبو) ولكن الأ�سد كان يرى في كل ما يحكونه‬ ‫ما ي ؤ�كد له أ�ن غياب (تعاليبو) عن عرينه خ�سارة لا تعو�ض‪.‬‬ ‫وت�شاغل الأ�سد ب�أظافره ولبدته في الوقت الذي تقدم فيه كثير من‬ ‫ال�سيا�س والحرا�س ورجال ال�سيا�سة يدلون ب�شهاداتهم �ضد تعاليبو ‪،‬‬ ‫فتحدث الكلب الرومي حتى منت�صف النهار وتكلم ا ألرنب (بولودان)‬ ‫حتى الع�صر‪ ،‬وو�صلت ال�ضجة وال�صخب أ�ق�صى ما يمكن عندما وقف‬ ‫ال�سيد (حمار كار) ال�شهير بالقانونجي يقدم الأدلة والبراهين مدعومة‬ ‫بن�صو�ص حقيقية ووهمية من القانون ت ؤ�كد وجهة نظره‪ ،‬والحق �أن‬ ‫أ�حدا من الحا�ضرين لم يفهم وجهة نظر ال�سيد (حمار كار) أ�بد أ� رغم‬ ‫ال�سجع الجميل الذي يزين كلامه‪.‬‬ ‫ولم يفهموا �أي ً�ضا �إلى أ�ي جانب هو منحاز لدرجة أ�ن الأ�سد الذي‬ ‫كان في واد �آخر‪ ،‬ثار ألنه ظن أ�ن الحمار يدافع عن حق (تعاليبو) في‬ ‫التمرد والثورة على ا إلمبراطور‪..‬‬ ‫وهم�س أ�حد الظرفاء �إلى جاره يقول‪:‬‬ ‫‪ -‬إ�ن هذا الحمار هو أ�قل بني ع�شيرته كفاءة ولذلك اختاروه‬ ‫لدرا�سة قانون الغاب وليدافع عنهم‪ ،‬وهذا هو �سبب الظلم الدائم الواقع‬ ‫على جن�س الحمير تحت �سمع القانون وب�صره‪.‬‬ ‫ولما جاء دور الدفاع‪ ..‬ده�ش الجميع ألن هناك من يفكر في الدفاع‬ ‫‪57‬‬ ‫‪Kalilah and Dimnah final.indd 57‬‬ ‫� ��‪ ���� ��:‬‏‪/�/‬‏��‬

‫عن (تعاليبو) بعد كل هذا‪ ،‬وبد أ� القلق ي�ساور كل الذين �أ�ساءوا لتعاليبو‬ ‫ولكنهم اطم أ�نوا عندما علموا �أن الذي �سيدافع عنه لي�س �سوى قريبه ((ابن‬ ‫آ�وي)) فقال بع�ضهم‪:‬‬ ‫ ‪ -‬من �سي�شهد للقرد غير الن�سنا�س‪.‬‬ ‫وتقدم (ابن آ�وي) في هدوء‪ ،‬ف أ�خذ يكذب كل من تكلموا قبله ب�سهولة‬ ‫عجيبة جعلتهم جمي ًعا يندمون‪ ،‬خا�صة لأن علامات الر�ضا كانت بادية‬ ‫على وجه الأ�سد الإمبراطور طوال حديث (ابن �آوي) ‪..‬‬ ‫وكان هذا على عك�س ما يرغب فيه (بولينياب) الذي كان ي�سعى‬ ‫لا�ست�صدار حكم إ�مبراطوري ب إ�باحة دم (تعاليبو) على الفور‪ ،‬ف�أح�س‬ ‫بي�أ�س �شديد‪ ،‬وكاد يعترف بف�شله م�ؤجلاً انتقامه لفر�صة �أخرى‪ ،‬لولا أ�ن‬ ‫جاءه الفرج من حيث لا يتوقع‪ ،‬ففي الوقت الذي كاد فيه (ابن �آوي) أ�ن‬ ‫يح�صل على ت�صفيق الملك نف�سه إ�عجا ًبا بح�سن دفاعه‪ ،‬وت أ�يي ًدا له ‪ -‬اندفع‬ ‫إ�لى ال�ساحة ‪(( -‬ديك النهار))‪.‬‬ ‫ذلك الديك الذي التهم (تعاليبو) �أ�سرته الم�سكينة منذ �ساعات قليله ‪ .‬ولم‬ ‫يكنمنالممكن أ�ني�سمحلهبالدخول إ�لىالقاعةهكذادونت�صريحر�سمي‪،‬‬ ‫لولا �أن �أحد م�ساعدي (بولينياب) �أدرك منذ ر�آه قاد ًما من بعيد منتوف‬ ‫الري�ش‪ ،‬منكو�ش الذيل‪ ،‬ي�سيل الدم من �صدره ورقبته ‪� -‬أنه �سيكون �سب ًبا‬ ‫في إ��صدار الحكم ب�إدانة (تعاليبو)‪ ،‬خا�صة ودم ال�ضحايا لم يجف بعد‪.‬‬ ‫ف�سمح له بالدخول على الفور إ�لى القاعة‪ ،‬و�أحدث دخول الديك‬ ‫الأثر المطلوب فعندما ر آ�ه الحا�ضرون كتموا �أنفا�سهم‪ ،‬فقد كانت هيئته‬ ‫المنتهكة محزنة لدرجة تجعل الحجر إ�ما أ�ن يذرف الدمع أ�و ي�سكت ‪.‬‬ ‫ولهذا �ساد �صمت عميق حتى لقد �سمع الجميع حكة �أظافر ا أل�سد‬ ‫وارتعا�شة �أذن الحمار والتواء ذيل الفار الطباخ‪ ،‬وبعد فترة من الترقب‬ ‫والتوتر تكلم (ديك النهار) في �صوت رهيب حزين با ٍك قائلاً ‪:‬‬ ‫‪� -‬إنني �أ�شهدكم جمي ًعا يا أ�هلي وع�شيرتي‪ ،‬على ما فعله ذلك الخائن‬ ‫(تعاليبو) بي وب�أ�سرتي المكونة من �سبعين كتكو ًتا‪ ،‬وع�شر زوجات‬ ‫�سمينات من �أجمل من فق�س البي�ض‪.‬‬ ‫و�سال لعاب البع�ض �س ًرا وتمنوا لو �أنهم �شاركوا تعاليبو تلك الوليمة‬ ‫العظيمة‪ ،‬ولكنهم جمي ًعا أ�خفوا رغباتهم إ�ذ انفجر الديك في بكاء مرير‪،‬‬ ‫و�أخذ ا أل�سد يربت على ظهره في أ�لم حتى انتبه الجميع على �صوت‬ ‫‪58‬‬ ‫‪Kalilah and Dimnah final.indd 58‬‬ ‫� ��‪/���� ��:‬‏� ‏‪��/‬‬

‫ا إلمبراطورة الرحيمة وهي تطلب من الديك �أن يعيد الق�صة الم ؤ�لمة من‬ ‫البداية‪.‬وهم�س (بولينياب) في �أذنه واع ًدا �إياه بجائزة عظيمة‪ ،‬من القمح‬ ‫الم�ستورد لو أ�نه ا�ستطاع �أن يزيل كل �أثر لدفاع ابن آ�وي‪ ،‬و أ�ن ي�ؤثر في‬ ‫ا أل�سد الت�أثير المطلوب ويح�صل على ت�أييد الحا�ضرين لق�ضيته‪.‬‬ ‫وجمعالديككلمواهبهالفنية‪ ،‬ألنهاكانتفر�صةلاي�ضيعها إ�لا�أحمق‬ ‫�أو حمار فقد كانت عيون الحا�ضرين جمي ًعا تفي�ض بالعطف عليه والرثاء‬ ‫له‪ ،‬حتى أ�ولئك الذين أ�ثار �شهيتهم منظر الدماء و أ�ولئك الذين �سرح خيالهم‬ ‫إ�لى الكتاكيت ال�سبعين و�أمهاتهم الع�شر‪ ،‬وكانت الإمبراطورة تبكي بحرقة‬ ‫‪ -‬وهي تنظف مخالبها وتزوم في أ�لم ملكي حقيقي‪.‬‬ ‫وحكى (ديك النهار) كيف جاءهم (تعاليبو) مرتد ًيا زي رهبان‬ ‫العرين الملكي‪ ،‬حاملاً كتا ًبا �ضخ ًما ادعى �أنه مجموعة القوانين الجديدة‬ ‫وادعى أ�ن ا إلمبراطور قد أ�وفده ليعلم أ��سرته المبادئ والقوانين الثورية‬ ‫الجديدة التي �سيحكم بها ال�ضرغام‪ ..‬الغابة والآجام‪.‬‬ ‫‪ -‬و�صدقناه يا مولاي‪� ،‬صدقناه ومن ي�ستطيع أ�ن يكذب ر�سو ًال‬ ‫موف ًدا من قبل الإمبراطور العظيم‪ ،‬خا�صة و أ�ن الر�سل ب�شرونا‪،‬‬ ‫ووعدونا بع�صر ال�سلام العظيم‪.‬‬ ‫و�ضعنا‪ ..‬خدعنا با�سم قوانينك الجديدة يا �ضرغام غابتنا‪ ،‬و�ضاعت‬ ‫�أ�سرتي المكونة من �سبعين كتكو ًتا وع�شر زوجات �سمينات من أ�جمل من‬ ‫فق�س البي�ض على هذه الأر�ض‪ .‬وجعلني (تعاليبو) وحي ًدا في هذا العالم‬ ‫الكئيب الرهيب الذي لولا عطفكم وكرمكم‪ ،‬وت أ�كدي من أ�نكم �ستنتقمون‬ ‫لي يا من�صف المظلومين ‪ -‬لولا �إيماني بكم لانتحرت الآن ‪ -‬ا آلن ‪-‬‬ ‫ولكنني واثق من عدالتكم الأبدية‪.‬‬ ‫وكان ختام حديثه م ؤ�ث ًرا للغاية‪ ،‬ارتع�شت ب�سببه معظم الحيوانات‬ ‫المعذبة‪ ،‬ورق�ص قلب (بولينياب) طب ًعا‪ ،‬وا�شتعل ر أ��س الإمبراطور‬ ‫غ�ض ًبا و أ�ح�س بالذئب �أنه �سوف يح�صل على الراحة وهدوء البال أ�خي ًرا‪،‬‬ ‫و�أن الانتقام من (تعاليبو) �سيكون �شاملاً ‪ -‬ورهي ًبا‪.‬‬ ‫كانت ثورة الإمبراطور وغ�ضبه لهيبة قوانينه الجديدة غ�ضبة‬ ‫عظيمة‪ ،‬خا�صة‪ ..‬والحبر الذي كتبت به لم يجف بعد ‪.‬‬ ‫وعندما يثور ( أ�بو لبدة المده�ش) فلن يقف في �سبيل انتقامه حيوان ‪-‬‬ ‫أ� ًيا كان‪.‬‬ ‫‪59‬‬ ‫‪Kalilah and Dimnah final.indd 59‬‬ ‫� ��‪/���� ��:‬‏� ‏‪��/‬‬

‫المطارة الرهيبة‬ ‫ثار ا أل�سد الإمبراطور ( أ�بو لبده المده�ش) وهو حينما يغ�ضب أ�و‬ ‫يثور ي�صبح رهي ًبا غري ًبا‪ ،‬فلبدته الذهبية المنفو�شة ت�صبح منكو�شة وذيله‬ ‫الممدود ي�صبح مفرو ًدا‪ ،‬و�شواربه المبرومة ترق�ص وتهتز كلما لهث �أو‬ ‫نف�س نف�ًسا من أ�نفا�سه الحارة المكتومة‪.‬‬ ‫وعندما ز أ�ر ا أل�سد للمرة الأخيرة يعلن ف�ض الاجتماع انتف�ضت‬ ‫الحيوانات المتجمعة في �ساحة العرين‪ ..‬وارتع�شت وتفرقت في فو�ضى‬ ‫محدثة �ضجة كبيرة‪ ..‬ا أل�سد معه حق!‪ ..‬وقالت زرافة طويلة الرقبة‪..‬‬ ‫نعم معه كل الحق!‬ ‫و�صاح �ضفدع كان يقف على �شاطئ الجدول‪:‬‬ ‫‪ -‬يجب أ�ن ي�شنق (تعاليبو) مرتين‪� ،‬أو ًال لأنه خالف �أوامر الأ�سد‬ ‫( أ�بو لبدة المده�ش)‪ ،‬ومرة �أخرى ألنه انتحل �شخ�صية ر�سول الملك‪..‬‬ ‫وقتل الكتاكيت!‬ ‫وز�أر ا أل�سد للمرة بعد الأخيرة‪ ..‬وكان معنى ذلك أ�نه يطلب أ�حد‬ ‫المخل�صين لإيفاده في مهمة خطيرة‪.‬‬ ‫ولم يكن هناك من هو �أ�شد إ�خلا ً�صا للأ�سد‪ .‬من الدب ((لبلب‬ ‫دبدوبة)) فتقدم وطلب الإذن بالذهاب و إ�ح�ضار ذلك الماكر المارق‬ ‫(تعاليبو) ح ًيا مقي ًدا با ألغلال والحبال‪.‬‬ ‫ونظر ا أل�سد إ�لى الدب نظرة عرفان و�شكر‪ ،‬وحذره وهو يودعه‬ ‫من مكر الثعلب و أ�لاعيبه‪ ،‬ولكن الدب ((لبلب دبدوبة)) ابت�سم في ثقة‬ ‫وقال‪:‬‬ ‫ ‪� -‬ضع ثقتك في خادمك المخل�ص يا مولاي المده�ش!‬ ‫فو�ضع ا أل�سد ثقته في الدب بناء على رغبته وجل�س ينتظر عودته‬ ‫منت�ص ًرا ‪ -‬بالطبع!‬ ‫وهناك بعي ًدا تحت �شم�س البراري الدافئة‪ ،‬كان تعاليبو يلاعب‬ ‫�صغيريه (تعيلب) و(تعلبان) ويحكي لهما عن مغامراته ومقالبه‪ ..‬عندما‬ ‫�شاهد �صديقنا ((لبلب)) قاد ًما من بعيد‪ ،‬وهو يتلفت باحثا هنا وهناك!‬ ‫هم�س (تعاليبو) ل�صغيريه‪:‬‬ ‫ ‪ -‬انظرا‪ ،‬لقد جاء إ�لينا �ضيف‪ ،‬لا بد أ�ن ا أل�سد �أر�سله ليقب�ض علي‪،‬‬ ‫‪60‬‬ ‫‪Kalilah and Dimnah final.indd 60‬‬ ‫� ��‪/���� ��:‬‏� ‏‪��/‬‬

‫فابتعدا وانظرا ول�سوف ن�ضحك قليلاً ‪ ..‬واختفى (تعلبان وتعيلب)‪ ،‬بينما‬ ‫�صاح تعاليبو ينادي الدب في ود وترحيب‪:‬‬ ‫‪ -‬مرحبا (دبدوبة)‪ ..‬من زمن لم نرك يا (لبلب) هل تبحث عن‬ ‫�شيء؟ آ�ه‪ ..‬عرفت ما تبحث عنه فهل ت�سمح لي بم�ساعدتك‪.‬‬ ‫وفوجئ (دبدب) (بتعاليبو) أ�مامه يخاطبه ويكلمه دون خوف‪ ،‬وهو‬ ‫الذي كان ي�ستعد لمعركة منتظرة �صحيح �أنه ارتبك قليلاً ولكنه تمالك نف�سه‬ ‫وقال في خ�شونة‪:‬‬ ‫‪ -‬أ�نا قادم من عرين الإمبراطور‪..‬‬ ‫فتظاهر تعاليبو بالده�شة وقال‪:‬‬ ‫ ‪ -‬غير معقول؟ وهل ر أ�يته و�شاهدته بعينيك؟‪..‬‬ ‫ ‪ -‬طب ًعا‪..‬‬ ‫ ‪ -‬وهل كلمته و�سمعته ب أ�ذنيك؟‪..‬‬ ‫‪ -‬طب ًعا دون �شك!‬ ‫فاحت�ضن تعاليبو دبدوبة فج أ�ة و�أخذ يقبله وهو يقول‪:‬‬ ‫‪ -‬ياه‪ !.‬ما �أ�سعد حظك يا �أخي‪ ،‬هل تت�صور يا �صديقي إ�نني �أموت‬ ‫�شو ًقا لر�ؤية أ��سدنا العظيم وخا�صة‪ ،‬وخا�صة‪ ،‬بعد أ�ن �أ�صدر �أمره �أن‬ ‫نعي�ش كلنا كا إلخوة في �سلام‪ ..‬يا �سلااام!‬ ‫وده�ش الدب الم�شهور (لبلب دبدوبة)‪ ،‬و�أح�س �أن دماغه مثل الطوبة‬ ‫ألنه لم يفهم �شي ًئا‪ ،‬فالعدو الذي جاء يقب�ض عليه بالقوة يقبله في حب‪ ،‬بل‬ ‫ويمدح الملك وي�شيد ب�أوامره الجديدة‪ .‬فقال وهو يبرب�ش بعينه مرتب ًكا‪:‬‬ ‫‪ -‬ولكن‪ ..‬هل؟ هل أ�نت تتكلم الجد؟ هل �أنت موافق على �أمر‬ ‫ا أل�سد ب�أن يعي�ش كل الحيوانات في �سلام!؟‬ ‫فتظاهر (تعاليبو) بالده�شة و�صاح‪:‬‬ ‫‪ -‬وهل هناك �شك في ذلك؟ يا (لبلب)؟‬ ‫فحار الدب �أكثر و أ�كثر ولم يدر ماذا يقول‪ ،‬ف�أخذ يف�أفئ ويث�أثئ ثم‬ ‫قال‪:‬‬ ‫ ‪ -‬ولكن يا (تعاليبو) أ�نت قتلت عائلة الديك بعد �صدور �أوامر‬ ‫ا أل�سد!‬ ‫فانتف�ض تعاليبو �صار ًخا مت�صن ًعا الغ�ضب‪:‬‬ ‫‪ -‬أ�نا؟!‬ ‫‪61‬‬ ‫‪Kalilah and Dimnah final.indd 61‬‬ ‫� ��‪/���� ��:‬‏� ‏‪��/‬‬

‫قال الدب‪:‬‬ ‫‪ -‬نعم‪ ..‬إ�نهم يقولون ذلك و�أنا ح�ضرت لكي �أقب�ض عليك و�آخذك‬ ‫�إلى عرين الأ�سد أل�شنقك مرتين‪ ،‬إ�ن الكل يعرف أ�نك فعلت ذلك‪ ،‬ولقد‬ ‫�سمعت الق�صة بنف�سي‪ ..‬من‪ ..‬الجميع‪.‬‬ ‫ف�صاح الثعلب م�ستنك ًرا‪..‬‬ ‫‪� -‬إنهم يتقولون علي ويكذبون‪ ..‬يتقولون ويكذبون دائما‬ ‫ولكن أ�نا لا يهمني ذلك‪ ،‬الذي يهمني هو أ�نت يا لبلب!؟ هل ت�صدق هذه‬ ‫الأكاذيب عن (تعاليبو)؟!‬ ‫فزاد ا�ضطراب (دبدوبة)‪ ،‬ولم يعد يفهم �شي ًئا‪ ..‬وقال‪:‬‬ ‫‪ -‬إ�ن الديك يا (تعاليبو)‪ ،‬الديك هو الذي تقدم بال�شكوى �ضدك‪،‬‬ ‫لقد كان ممزق الرقبة منتوف الذيل‪.‬‬ ‫وهنا ع�صر (تعاليبو) جفونه بحركة يتقنها جي ًدا‪ ،‬فت�ساقطت دموعه‪،‬‬ ‫وقال وهو ين�شج بالبكاء‪:‬‬ ‫ ‪ -‬الديك؟‪ ..‬الديك؟‪ ..‬وت�صدقون الديك‪ ،‬و أ�نا (تعاليبو) ذهبت‬ ‫�إليه بنف�سي �أدعوه للنزول من فوق ال�شجرة للعب ك�إخوة ولكنه رف�ض‪،‬‬ ‫أ�نا ذهبت إ�ليه م�سال ًما حتى قبل أ�ن يمر ر�سول الملك معل ًنا �أوامره الجديدة‪،‬‬ ‫هل تعرف ماذا فعل بي؟!‬ ‫‪-‬لا‪..‬‬ ‫‪ -‬طب ًعا لا‪ ،‬ألنك لم تكن مع ًنا �ساعتها؛ لقد نادى كلاب القرية‬ ‫ال�شر�سة لتطردني وتطاردني‪ ،‬وبعد ذلك ت�صدقونه! ت�صدقون ناب�ش‬ ‫التراب هذا‪ ،‬لدرجة أ�ن ت�أتي أ�نت بنف�سك لتقب�ض على؟! أ�نا لا يهمني كل‬ ‫ذلك‪ ،‬ولكن الذي يحزنني يا (دبدوبة) �أنك ت�صدق ذلك عني؟!‬ ‫قال (تعاليبو) هذا‪ ،‬ثم ارتمى على �صدر الدب منتح ًبا باك ًيا؛ فارتبك‬ ‫هذا ج ًدا‪ ،‬وظل فترة لا ي�ستطيع �أن يجيب بكلمة واحدة‪ .‬لكنه �أخذ يربت‬ ‫على ظهره في عطف ثم قال‪..‬‬ ‫‪ -‬ال؛ يا (تعاليبو) �أنا لا يمكن أ�ن أ��صدق عنك هذا �أب ًدا‪ ،‬فقط حاول‬ ‫أ�لا تبكي‪ ،‬فقد قطعت قلبي‪.‬‬ ‫وهنا �أ�شرق وجه (تعاليبو) بابت�سامة رائعة‪ ،‬وقال وقد م أل قلبه‬ ‫الر�ضا‪..‬‬ ‫ ‪ -‬الآن لا يهمني �شيء‪ ،‬ما دمت أ�نت ت�صدقني‪ ،‬هيا بنا‪ ،‬أ�نا م�ستعد‬ ‫‪62‬‬ ‫‪Kalilah and Dimnah final.indd 62‬‬ ‫� ��‪/���� ��:‬‏� ‏‪��/‬‬

‫للذهاب معك الآن حتى للموت‪.‬‬ ‫وكان (تعلبان) و(تعيلب) يراقبان ما يحدث‪ ،‬وتعجب (تعيلب) ألن‬ ‫والده (تعاليبو) م�ضى مع الدب فعلاً ‪ ،‬وكاد ينادي عليه لولا أ�ن أ�م�سكا به‬ ‫(تعلبان) وحذره من التدخل حتى لا يف�سد خطة والده‪.‬‬ ‫وت�سلل الاثنان يراقبان من بعيد ما �سيحدث‪.‬‬ ‫�صاح (تعاليبو) في فرح وهو يلف ذراعه حول الدب في ود‪.‬‬ ‫‪ -‬هذه الدنيا غريبة ج ًدا ت�صور يا (لبلب)‪� ،‬إنني عندما ر�أيتك قاد ًما‬ ‫من بعيد ظننت �أنك قادم لتبحث عن �شيء‪� ،‬شيء أ�نت تحبه ج ًدا فقلت‬ ‫لأولادي‪ :‬ها هو �ضيف قد جاءنا ولا بد �أن نكرمه‪.‬‬ ‫ولم�ست عبارة (�شيء تحبه) وت ًرا ح�سا�ًسا عند الدب فقال‪:‬‬ ‫‪ -‬أ�نت ذكي ج ًدا يا (تعاليبو)؛‬ ‫فا�ستمر (تعاليبو) قائلاً ‪..‬‬ ‫ ‪ -‬وقلت (لتعلبان) ولدي ال�صغير الذي �سوف أ�قدمه �إليك في مرة‬ ‫قادمة قلت له‪ :‬لا بد �أن ن�ساعد �ضيفنا العظيم‪ ..‬وندله على مكان ذلك‬ ‫ال�شيء الذي يحبه ولكن ت�صور ما الذي حدث! لقد كنت قاد ًما للقب�ض‬ ‫عل ّي‪ ..‬ت�صور؟‬ ‫وت�صور (دبدوبة) بالفعل‪ ،‬ولكنه �أراد �أن يت�أكد ‪ -‬ف�س�أل‪:‬‬ ‫ولكن أ�ي �شيء تظن �أنني آ�تي للبحث عنه هنا؟ وكنت �ستدلني على‬ ‫مكانه؟ ف�ضربه (تعاليبو) �ضربة ودودة و�صاح في مرح‪:‬‬ ‫ها ‪ -‬الع�سل ‪ -‬طب ًعا‪ ،‬ع�سل النحل الرائع وبكميات وافرة �أي ً�ضا!‬ ‫وغمز بعينه غمزة ذات معنى‪..‬‬ ‫وهنا لم ي�ستطع الدب الاحتمال فرق�صت �شواربه واهتز ذيله و�أخذ‬ ‫يلعق �شفتيه بل�سانه ا ألحمر الطويل؛ وقال وهو يداري خجله بالنظر �إلى‬ ‫�أظافر يده‪:‬‬ ‫أ�لم أ�قل لك؟ �إنك ذكي ج ًدا ‪ -‬وخ�سارة �أنك تعرف كل �شيء تقري ًبا‬ ‫(يا تعاليبو) ‪� -‬إنك تعرف �أنني أ�موت ‪ -‬أ�موت ح ًبا في الع�سل‪ ،‬ف�أرجوك‬ ‫�أرجوك لا تذكره �أمامي ‪ -‬أ�رجوك! ف�إن بدني كله ينتف�ض �شو ًقا ولهفة‬ ‫عند نطق هذه الحروف الثلاثة الم�سحورة ع �س ل‪..‬‬ ‫ولكن (تعاليبو) قال له مطمئنا‪..‬‬ ‫‪ -‬لا تق�شعر �أب ًدا‪ ..‬فليق�شعر بدن أ�عدائك أ�ما �أنت‪ ..‬وهم�س (تعلبان)‬ ‫‪63‬‬ ‫‪Kalilah and Dimnah final.indd 63‬‬ ‫� ��‪ ���� ��:‬‏‪/�/‬‏��‬

‫في أ�ذن (تعيلب)‪:‬‬ ‫لقد وقع الدب في قب�ضة والدنا‪ ،‬انظر �إليه إ�نه يكاد يرق�ص هبلاً ولا‬ ‫بد أ�نه يحلم بال�سباحة في نهر الع�سل!!‬ ‫وقاد (تعاليبو) �صديقه (لبلب) في طريق يعرفه الثعالب تما ًما‬ ‫ويتجنبون ال�سير فيه‪ ،‬ألن به ع�شرات من الفخاخ القوية التي �أقامها‬ ‫الفلاحون ل�صيد الحيوانات التي ت�سرق حقولهم هناك‪ .‬وبحركة خفيفة‬ ‫تخل�ص (تعاليبو) من ذراع �صديقه التي كانت تحت�ضنه في حب ودفعه‬ ‫دفعة خفيفة ج ًدا‪ ..‬تعالت بعدها �صيحات الدب عالية ت�شق الف�ضاء ‪-‬‬ ‫ي�ستنجد ب�صديقه ليخل�صه من الفخ اللعين الذي أ�طبق على قدمه بقوة!‬ ‫ولكن الدب ابتلع �صرخاته و آ�لامه في ح�سرة عندما �شاهد (تعاليبو)‬ ‫يرق�ص مع جرويه ال�صغيرين الذين خرجا فج�أة من بين الأ�شجار وهما‬ ‫ي�ضحكان في �سخرية ويغنيان‪:‬‬ ‫\"ما ر�أيك يا دبدوبة‪..‬‬ ‫في ع�سل النحل المنع�ش؟‬ ‫كل حتى ت�شبع منه ‪..‬‬ ‫وخذ الباقي للمده�ش!\"‬ ‫وبعد أ�ن �شبع (تعاليبو) �سخرية من الدب قال لهما‪:‬‬ ‫هيا بنا‪ ،‬لقد غنينا و�ضحكنا وعلينا إ�ن ن�ستعد ا آلن لما �سيحدث بعد ذلك‬ ‫‪� -‬إلى اللقاء يا (دبدوبة) ولا تن�س �أن تبلغ تحياتي إ�لى ا إلمبراطور‪..‬‬ ‫‪ -‬وهاج ا أل�سد وماج‪ ،‬عندما خرج لي�ستقبل ر�سوله العائد فوجده‬ ‫ممزق الفروة مقطع الذيل‪ ،‬م�ضرو ًبا بالع�صي الغليظة‪..‬‬ ‫‪ -‬وما �أن و�صل الدب أ�مام الأ�سد حتى أ�نحنى باك ًيا يقول في حرقة‪:‬‬ ‫‪� -‬ضربني الفلاحون يا مولاي‪..‬‬ ‫وطب ًعا لم يذكر �شي ًئا عن نهر الع�سل الذي كان يود الا�ستحمام فيه‬ ‫ولم يجد ا أل�سد وق ًتا أ�و قل ًبا لكي يلومه و�إن كان قد �أ�صدر �أم ًرا عاجل ًا ب�ألا‬ ‫تحمل الدببة جميعها ذيو اًل بعد الآن‪ ،‬عقا ًبا لها على إ�همال رئي�سها وف�شله‬ ‫و�سماحه لنف�سه بالوقوع في الفخ‪.‬‬ ‫ز�أر الأ�سد مرة أ�خرى يطلب �شخ ً�صا آ�خر للذهاب لإح�ضار ذلك‬ ‫الذي ف�شل الدب في القب�ض عليه ‪� -‬أي (تعاليبو) ‪ -‬ح ًيا أ�و ميتا‪.‬‬ ‫ودقت الطبول الملكية تودع القط (بول�شناب) قائد الحر�س الملكي‬ ‫‪64‬‬ ‫‪Kalilah and Dimnah final.indd 64‬‬ ‫� ��‪ ���� ��:‬‏‪ �/‬‏‪��/‬‬

‫الذي تطوع للمهمة و�سط ت�صفيق الحيوانات والطيور‪ .‬وكان (تعاليبو)‬ ‫في نف�س تلك اللحظة قد عاد للجلو�س هاد ًئا �أمام جحره ال�صيفي ينتظر‬ ‫و�صول ر�سول ا أل�سد الجديد‪ ،‬وكما توقع بال�ضبط ر�آه قاد ًما وهو يت�شمم‬ ‫ا ألر�ض في اهتمام فابت�سم وا�ستعد لا�ستقباله بما يليق ‪.‬‬ ‫انتظر (تعاليبو) حتى اقترب (بولي�شناب) منه ج ًدا ‪ -‬ف�صاح مرح ًبا‬ ‫به على حين غرة‪� ،‬صيحة �أزعجت القط وجعلته ينط في الهواء �صار ًخا‬ ‫يموء ويزمجر ثم يهبط مقو�ًسا ظهره ا�ستعدا ًدا للقتال‪..‬‬ ‫لكن (تعاليبو) �ضحك وقال في هدوء‪:‬‬ ‫‪ -‬هل أ�زعجتك يا �أعز القطط؟!‬ ‫فتمالك القط نف�سه و�أ�صلح من حاله ثم نظر إ�لى (تعاليبو) �شذ ًرا وقال‬ ‫في جديه‪:‬‬ ‫ا�سمع! ل�ست هنا أللعب معك فلي�س هناك هزار بيني وبينك ولي�س بيننا‬ ‫كلام ‪ -‬ولا �سلام‪ ،‬ولا تظن أ�نني أ�حب الع�سل‪ ،‬فاحذر ف أ�نت لن تخدعني‪،‬‬ ‫وهيا معي بالتي هي أ�ح�سن فا أل�سد ملكنا جمي ًعا‪ ،‬ينتظرني عائ ًدا بك إ�ليه‪.‬‬ ‫فتظاهر (تعالييو) بالده�شة وقال وك�أنه ي�سمع ا�سم الأ�سد لأول مرة‪:‬‬ ‫ ‪ -‬وما الذي يريده الأ�سد العظيم من حيوان �ضعيف م�شرد في‬ ‫البراري مثلي‪ ،‬هل؟ هل ‪ -‬هو يريد أ�ن يلحقني بخدمته!‬ ‫ف�ضحك القط �ساخ ًرا‪ ،‬وقال‪:‬‬ ‫ ‪ -‬نعم‪� ..‬سوف يجعلك وزي ًرا للخداع‪ ،‬ولكنك قبل �أن تت�سلم‬ ‫عملك عليك �أن تمر بكل الطقو�س اللازمة لهذا‪ ،‬و أ�نت تعرف �أولها ‪-‬‬ ‫وهو �أن تعلق بحبل �صغير في م�شنقة عالية‪..‬‬ ‫‪ -‬ثم �صرخ فيه فج أ�ة‪:‬‬ ‫ ‪ -‬هيا!‪ ،‬ولا تفكر في أ�حد أ�لاعيبك الخبيثة‪ ،‬ف أ�نا حذر ج ًدا‪ ،‬ويجب‬ ‫أ�ن تعرف �أني أ�ذكى مما تظن يا ملك الثعالب‪.‬‬ ‫فقال (تعاليبو) وهو يتظاهر بالي�أ�س والا�ست�سلام‪:‬‬ ‫‪ -‬ح ًقا! هذا �صحيح‪ ،‬ولا بد �أن �أحتفظ ب�شجاعتي الآن و�أنا أ�واجه‬ ‫م�صيري ا أل�سود ولكن فلتكن كري ًما معي يا �سيدي مثلما أ�نت حذر مني‪،‬‬ ‫�إنك لا تر�ضى أ�ن �أترك ابني هذين بلا طعام‪ ،‬فا�سمح لي أ�ن أ�ذهب في‬ ‫حرا�ستك‪ ،‬إ�لى مخزن قريب من هنا‪ ،‬لا �صيد لهما عد ًدا من الفئران‬ ‫البرية ال�سمينة‪.‬‬ ‫‪65‬‬ ‫‪Kalilah and Dimnah final.indd 65‬‬ ‫� ��‪/���� ��:‬‏� ‏‪��/‬‬

‫قال (تعلبان)‪:‬‬ ‫ ‪ -‬خذني معك يا �أبي‪ ،‬ف�أنا ماهر ج ًدا في �صيد الفئران البرية‬ ‫ال�سمينة‪ ،‬بل �إنني أ�مهر من ي�صيدها على �سطح هذه ا ألر�ض‪..‬‬ ‫ ‪ -‬فقاطعه (تعاليبو)‪..‬‬ ‫‪ -‬كن م ؤ�د ًبا يا (تعلبان)‪ ..‬ولا تتحدث عن مهارتك �أمام أ�عظم‬ ‫�صائد للفئران في العالم‪..‬‬ ‫ف�ضحك (تعلبان) �ساخ ًرا هو و(تعيلب) الذي قال‪:‬‬ ‫لي�س هناك من هو أ�مهر من �أخي‪.‬‬ ‫وا�ست�شاط القط غ�ض ًبا لهذا التطاول عليه‪ ،‬ولكن (تعاليبو) �أ�سرع‬ ‫ي�ستر�ضيه قائلاً ‪..‬‬ ‫لا ت ؤ�اخذهم يا �سيدي‪ ،‬ف�إنهم �صغار لا يعرفون من أ�نتم‪ ،‬ولم يروا‬ ‫من قبل ماذا تفعل أ�نت عندما تتجلى عبقريتك �أمام الفئران‪ ،‬عندما ترغب‬ ‫في ال�صيد‪..‬‬ ‫واهتز �شيء داخل القط‪ ،‬ولعق فمه في نهم و�شد قامته في غرور‬ ‫والتفت في كبرياء قططي ناحية ال�صغيرين وقال للثعلب‪:‬‬ ‫هيا بنا‪ ،‬و�سوف �أ�ساعدك في ال�صيد‪ ،‬حتى لا ت�ضيع الوقت‪،‬‬ ‫ولنترك لهما ما ي�أكلان ولو �أن �صغيريك لي�سا على درجة كبيرة من‬ ‫الأدب! ولكني �س�أريهما �شي ًئا يتذكرونه هيا بنا‪.‬‬ ‫وظل تعاليبو يعتذر ويرجوه �ألا يفعل ذلك قائلاً أ�ن ا�شتراك ر�سول‬ ‫الملك معه في �صيد الفئران �شرف لا ي�ستحقه ثعلب هارب من العدالة‬ ‫مثله‪ ..‬فتعجب القط وقال‪:‬‬ ‫ومن �سي�شترك معك؟! هل تظن �أنني �أ�سمح لنف�سي �أن �أ�شترك معك‬ ‫في عمل‪ ..‬إ�ن كان هذا يعتبر عملاً ‪� ..‬إنني �س أ��صيدها لك في ثوان‪،‬‬ ‫�س�أفعل ذلك لألقنك �أنت و�صغارك در�ًسا في ا ألخلاق‪ ،‬و ألن العدالة‬ ‫تق�ضي ب�أن نجيب آ�خر رغبة يبديها من �سيموت م�شنو ًقا‪.‬‬ ‫وهنا أ��شار تعاليبو �إلى الطريق‪ ،‬ونظر نظرة ذات معنى ل�صغيريه‪،‬‬ ‫الذين كتما �ضحكهما وهما يهمهمان‪:‬‬ ‫وقعت يا (بول�شناب) �أ�سير غرورك‪..‬‬ ‫كان ذلك المخزن الذي أ��شار إ�ليه (تعاليبو) مخز ًنا مهجو ًرا منذ زمن‬ ‫بعيد‪ ،‬وكان مظل ًما �شديد الظلمة ن�صب فيه الفلاحون فخا ًخا ل�صيد ابن‬ ‫‪66‬‬ ‫‪Kalilah and Dimnah final.indd 66‬‬ ‫� ��‪ ���� ��:‬‏‪ �/‬‏‪��/‬‬

‫عر�س والجرذان التي كثي ًرا ما هاجمت محا�صيلهم وبمجرد أ�ن تدلى‬ ‫القط المتعالي من ال�سقف ولم�ست قدماه الأر�ض الرطبة حتى �صرخ‬ ‫�صرخة حادة‪ ،‬بال�ضبط كما توقع له المنتظرون الثلاثة في الخارج‪.‬‬ ‫إ�ذ �أم�سك به أ�حد تلك الفخاخ بقوة وحاول هو جاه ًدا التخل�ص منه‬ ‫دون جدوى وزاد من رعب القط أ�نه لم يتبين حقيقة ما أ�م�سك به ب�سبب‬ ‫�شدة الظلام وخيل إ�ليه أ�ن وح�ًشا رهي ًبا قد أ�طبق على أ�قدامه ب�أ�سنانه‬ ‫الحادة‪ ،‬خا�صة وقد راح تعاليبو وطفلاه يخرب�شون الحائط ويزيدون‬ ‫خوف القط الم�أ�سور في الظلام وهم يغنون‪..‬‬ ‫بولي�شناب يا جبار‬ ‫فئران الغيط كبيرة‬ ‫خذ منها وارجع الدار‬ ‫كي ي أ�كل كل الجيرة‬ ‫لا تحزن �إن فاتك فار‬ ‫ف�ست أ�تي الفر�ص كثيرة‬ ‫ولا ندري كيف عاد (بولي�شناب) �إلى مولاه ا أل�سد‪ ،‬يقولون إ�نه‬ ‫عاد ذليلاً مكتئ ًبا وذيله بين رجليه من الخجل‪ ،‬ولكن الذي ندريه ‪ -‬أ�ن‬ ‫(تعاليبو) قال أل�سرته‪:‬‬ ‫‪� -‬سيثور ا أل�سد ويفور ‪ -‬و�سيطلب من الفيل تجهيز الجيو�ش للقب�ض‬ ‫علي‪ ،‬فهيا بنا لأجد لكم مكا ًنا �أمي ًنا تعي�شون فيه فترة من الزمان حتى تنفرج‬ ‫الأمة وحتى �أ�ستطيع �أن �أواجه ما �سيحدث بعد ا آلن بذهن �صاف وتفكير‬ ‫�سليم‪.‬‬ ‫‪67‬‬ ‫� ��‪ ���� ��:‬‏‪/�/‬‏��‬ ‫‪Kalilah and Dimnah final.indd 67‬‬

‫محاكمة تعاليبو‬ ‫ ‪ -‬كان تعاليبو على ح ٍق تما ًما‪ ،‬فقد كان غ�ضب ا أل�سد �شدي ًدا عندما‬ ‫عاد �إليه (بولي�شناب) وذيله بين رجليه من الخجل والعار بعد �أن �ضربه‬ ‫أ��صحاب المخزن المهجور ونتفوا فروته‪ ،‬و أ�ح�س كل من ر أ�ى الأ�سد �ساعتها‬ ‫أ�نه �سوف يتخذ قرا ًرا خطي ًرا لمواجهة أ�لاعيب تعاليبو فقد كان يدور حول‬ ‫نف�سه في القاعة الكبرى للعرين ك�أ�سد أ��سير في إ�حدى حدائق الحيوان‪.‬‬ ‫‪ -‬وفي تلك اللحظة الخطيرة ظهرت حقيقة أ�ن الظفر لا يخرج من‬ ‫اللحم و أ�ن الدم لا ي�صبح ما ًء �أب ًدا‪ ،‬فقد أ�خذ (ابن �آوي) يفكر ويفكر في‬ ‫و�سيلة لإنقاذ عائلة ابن عمه العزيز‪ ،‬ولولا اعتماده على مكانة خا�صة له‬ ‫في قلب الأ�سد لما ا�ستطاع الدخول عليه وهو في هذه الحالة من الغ�ضب‬ ‫ليتقدم �إليه باقتراح إلنقاذ الموقف‪.‬‬ ‫‪ -‬وطلب من الإمبراطور �إعطاءه فر�صة �أخيرة لإح�ضار (تعاليبو)‬ ‫م�ست�سل ًما خا�ض ًعا لكي يحاكم �أمام محكمة قانونية عادلة فتنتهي ا ألزمة على‬ ‫�صورة تر�ضي الجميع وترفع مكانة ا إلمبراطور كحاك ٍم بين رعاياه‪..‬‬ ‫‪ -‬و�سمح الإمبراطور (�أبو لبدة المده�ش) (لابن �آوي) بالذهاب‬ ‫لإح�ضار ابن عمه و�صديقه المخل�ص‪.‬‬ ‫كان (ابن آ�وي) يعرف دائ ًما أ�ين وكيف يجد (تعاليبو) وكان‬ ‫(تعاليبو) يعرف تما ًما �سبب ح�ضور ابن عمه ووافقه تما ًما على قوله‪:‬‬ ‫‪ -‬لقد م�ضى وقت ال�ضحك فالأمر لم يعد فكاه ًيا وعليك �أن ت�سلم‬ ‫نف�سك للبلاط و إ�لا ف�سوف ي�ستنفر ا إلمبراطور كل جيو�ش الحيوانات‬ ‫والطيور للبحث عنك و�ساعتها لن ي�ستطيع �أحد الدفاع عنك فتعال معي‬ ‫و أ�نا �سوف �أ�ضمن نجاتك والعفو عنك‪ ..‬ووافق (تعاليبو) على تقدير ابن‬ ‫عمه ل ألمور وعاد معه على الفور‪.‬‬ ‫لكن الخوف كان يملأ قلب (تعاليبو) كلما اقتربت رحلة العودة من‬ ‫نهايتها وكان قلقه يزداد �شيئا ف�شيئا‪ ،‬خا�صة عندما ر�أى كل هذه الح�شود‬ ‫الهائلة من جماهير الحيوانات المختلفة الألوان وا أل�شكال التي تجمعت‬ ‫يدفعها الف�ضول كعادتها عندما تمر المواكب الر�سمية حتى ولو كانت تعلم‬ ‫�أن �صاحب الموكب لي�س �إلا ثعل ًبا تنتظره المحاكمة والعقاب الم�ؤكد‪.‬‬ ‫وقرر الثعلب بعد لحظة تفكير ثعلبية خاطفة أ�ن يحول ه�ؤلاء الذين‬ ‫‪68‬‬ ‫‪Kalilah and Dimnah final.indd 68‬‬ ‫� ��‪ ���� ��:‬‏‪/�/‬‏��‬

‫جاءوا للفرجة عليه �إلى م�ستقبلين له مرحبين به‪ ،‬ف�شد قامته وم�شى‬ ‫باعتداد ملكي ينظر ذات اليمين وذات ال�شمال‪ ،‬وهو يلوح بكفه عال ًيا‬ ‫ويهز ر أ��سه في �سمو‪.‬‬ ‫وفعل ت�صرفه هذا فعل ال�سحر في الحيوانات المحت�شدة‪ .‬فبد أ�ت‬ ‫همهمات ا إلعجاب به ت�سري كالنار في اله�شيم ثم تحولت إ�لى �صيحات‬ ‫مبهورة وهتافات مرحبة وكاد رجال (بولينياب) يفقدون �سيطرتهم على‬ ‫النظام ولم ينقذ الموقف �إلا و�صول الموكب إ�لى باب العرين الملكي‪.‬‬ ‫لكنا إلمبراطورالمرعبرف�ضال�سماح(لتعاليبو)بالمثولبينيديهعلى‬ ‫الفوركما أ�نهرف�ضالتما�ًساقدمتهقبائلذويالذيولالمنفو�شةللعفوعنه‪.‬‬ ‫وقالبع�ضالخبثاءمنالعالمينببواطنالأمور�أنرف�ضا إلمبراطور‬ ‫لذلك ما هو �إلا تمثيلية متقنة ال�صنع متفق عليها من قبل‪ ،‬ولكن الكثيرين‬ ‫ت�شككوا في ذلك خا�صة عندما خرج بع�ض الر�سل والمنادين من الق�صر‬ ‫وانت�شروا في �أرجاء الغابة ليعلنوا �أن المحاكمة وتنفيذ حكم ا إلعدام �سوف‬ ‫يتمان �صباح الغد أ�و م�ساءه على �أق�صى تقدير ‪.‬‬ ‫وقد قيل �إن غ ًدا قريب لناظره و إ�ن يبدو بعي ًدا‪!..‬‬ ‫وما أ�ن �صاح المنادي ودب الن�شاط في الغابة‪ ،‬حتى كان الميدان قد‬ ‫ازدحم عن �آخره بجموع الحيوانات التي جاءت �أو على ا أل�صح بقيت منذ‬ ‫الأم�س في انتظار المحاكمة والتنفيذ �أو في انتظار معرفة كيف �ست�سير الأمور‪.‬‬ ‫وانعقدت هيئة الق�ضاة وجماعة المحلفين وا�ستدعي ال�شهود في حرا�سة‬ ‫م�شددة ومنع ات�صالهم ب�أحد خ�شية أ�ن ي ؤ�ثر عليهم �أي �شيء عدا الخوف‬ ‫من انتقام رجال (بولينياب)‪.‬‬ ‫وجل�س ا إلمبراطور‪ ،‬وقد هرب من وجهه كل تعبير‪ .‬وبجواره‬ ‫جل�ست الإمبراطورة تتلفت في وقار يمي ًنا وي�سا ًرا لترى أ�ثر جمالها على‬ ‫الجموع‪ ،‬وهي تمد رقبتها في حركة نبيلة مثل ديك تركي‪.‬‬ ‫واخترق الثعلب (تعاليبو) القواعد المنظمة للمحاكمات الوح�شية‬ ‫طال ًبا �أن يعترف وكان طلبه هذا �سب ًبا في إ�رباك كل الحا�ضرين من رجال‬ ‫القانون ورجال ال�ضبط والربط لكنهم حتى بعد الرجوع للمراجع لم‬ ‫يجدوا مف ًرا من الموافقة على طلبه‪ .‬و�سمح له بالتقدم �إلى و�سط الحلبة لكي‬ ‫يراه وي�سمعه الجميع‪.‬‬ ‫هم�س البع�ض أ�نه �سوف يقلب المن�ضدة عليهم و أ�كد آ�خرون أ�ن هذا‬ ‫‪69‬‬ ‫‪Kalilah and Dimnah final.indd 69‬‬ ‫� ��‪ ���� ��:‬‏‪ �/‬‏‪��/‬‬

‫ي ؤ�كد ما قالوه �ساب ًقا من أ�ن الأمر كله تمثيلية اتفق الجميع عليها‪ ،‬بينما ف�سر‬ ‫غيرهم ذلك بقنوط الثعلب وي�أ�سه من أ�ي عفو ب�سبب فداحة جرائمه‪..‬‬ ‫وهم�س (الحمار كار) ال�شهير بالقانونجي لزملائه الجال�سين في‬ ‫�صفوف المحامين قائلا‪:‬‬ ‫‪ -‬إ�ن اعترافه ي�ؤكد وجهة نظري‪..‬‬ ‫ولكنه لم ي�شرح �أب ًدا ما وجهة نظره وعندما طالبوه بها لزم ال�صمت‬ ‫م�شي ًرا إ�لى (تعاليبو)‪ .‬الذي كان قد بد أ� يتكلم و�سط �صم ٍت رهيب‪.‬‬ ‫وابتد�أ (تعاليبو) في �صوت عميق جلي وا�ضح ي�شرح كيف لاقى‬ ‫ا ألمرين وهو يحاول تلقين أ�بناء الديك الأغبياء قوانين ا إلمبراطور‬ ‫الجديدة لكنهم لما جبلوا عليه من جبن وتع�صب‪ ،‬رف�ضوا أ�ن يفهموا �أن‬ ‫عه ًدا من الحب وال�سلام قد حل على الغابة أ�ن هم �آمنوا بالمبادئ التي يريد‬ ‫الإمبراطور �أن ير�سيها ‪.‬‬ ‫و�أنه ا�ضطر عندما �ضاقت به �سبل الإقناع أ�ن يتحمل وحده م�س�ؤولية‬ ‫تخلي�ص الع�صر الجديد من أ�مثالهم وقرر أ�ن موقفهم العدائي منه ومن‬ ‫القوانين الجديدة قد تمثل في جر�أة الديك نف�سه وتحري�ضه كلاب القرية‬ ‫على الثعلب الذي وهب نف�سه لخدمة ا إلمبراطور‪.‬‬ ‫ثم انتقل ب�سرعة وهو يطلب عدم مقاطعته لي�شرح الظروف التي‬ ‫لاب�ست رحلة الدب العظيم الكونت (لبلب دبدوبة) الذي ت�سكره رائحة‬ ‫الع�سل ورحلة رب الوقار والحكمة ال�سيد (بولي�شناب) عا�شق الفئران‪..‬‬ ‫وقال �إنه كان مخل ً�صا يريد إ�كرامهم عندما دلهم على منابع الع�سل‬ ‫وم أ�وى الفئران و�أبدى أ��سفه ال�شديد لما حدث لهما بعد ذلك والذي لا‬ ‫دخل له به‪ ،‬ثم �صاح في �صوت متهدج م ؤ�ثر نفذ إ�لى �أعمق �أعماق قلوب‬ ‫الحا�ضرين‪:‬‬ ‫‪� -‬إنني م�ستعد لتقديم روحي فداء لمبادئ إ�مبراطوري المحبوب‪ ،‬ف ألكن‬ ‫أ�ول �شهيد في �سبيل عدله لأن المبادئ العظيمة في حاجة �إلى دماء ال�شهداء!!‬ ‫و�صفق الحا�ضرون من الذكور وبكت الحا�ضرات من ا إلناث‪،‬‬ ‫وهتف ال�صغار واندفع كل الجال�سين في �صفوف المحامين ‪ -‬وعلى ر�أ�سهم‬ ‫(حمار كار) ال�شهير نا�س ًيا موقفه ال�سابق ‪ -‬ليدافعوا عن ال�شهيد المنتظر‪.‬‬ ‫وحدثت �ضجة رهيبة واختلط ال�صياح بالنباح والزعيق بالنهيق فلم‬ ‫يفهم أ�حد �شي ًئا‪.‬‬ ‫‪70‬‬ ‫‪Kalilah and Dimnah final.indd 70‬‬ ‫� ��‪ ���� ��:‬‏‪/�/‬‏��‬

‫وانتهز (بولينياب) الفر�صة ف أ��سرع ب إ�ح�ضار �صحيفة �سوابق تعاليبو‬ ‫وكان �سجله حافلاً بالجرائم �سواء في ظل القوانين القديمة أ�و الجديدة‬ ‫فلم يجد المحلفون ب ًّدا من �إظهار عدم تحيزهم وعدم ت أ�ثرهم بالعواطف‬ ‫ب إ��صدار الحكم ب إ�عدامه �شن ًقا حتى الموت وا�ضعين الأمر كله بين يدي‬ ‫الإمبراطور �شخ�ص ًيا‪.‬‬ ‫وهنا‪ ..‬ظن جي�ش ذوي الذيول المنفو�شة �أن م�ساعي (ابن �آوي) لم ت�سفر‬ ‫عننتيجةفان�سحبواجميعهماحتجا ًجاعلىهذهالخيانة‪،‬وكانهذاالان�سحاب‬ ‫�ضد رغبة ا إلمبراطور الذي يعرف أ�ن هذا الجن�س هو �أكثر أ�جنا�س الحيوان‬ ‫عد ًداوحكمةوخبرةب�شيءمنال�سيا�سةوالحكموالتنظيما إلداري‪.‬‬ ‫وا�ضطر إ�لى دخول العرين ليخفي ارتباكه الوا�ضح وعند ذلك‬ ‫فقد (لبلب دبدوبة) و(بولينياب) كل �سيطرة على الموقف وبدا وا�ض ًحا‬ ‫ارتباكهما‪ ،‬فم�ضى (تعاليبو) ي�سخر منها وهو ي ؤ�كد ب�صوت عال �ضاحك‬ ‫أ�نه �سوف ينجو‪ .‬بالرغم منهما ولن ي�صيبه �أي �أذى‪ ،‬مما أ�ثار أ�عجاب‬ ‫كل ا إلناث المراهقات اللائي تجمعن حوله يطلبن منه توقيعه للذكرى‪.‬‬ ‫ولا يدري �أحد ما جرى بين ا أل�سد و(ابن �آوي) في الليل‪ ،‬وارتبك‬ ‫المحللون الذين يعرفون ب�شكل م ؤ�كد أ�ن الأمر كله مدبر منذ البداية لأن‬ ‫ال�صباح حل ولم ي�صدر قرار العفو و�إنما �صحا الجميع على �صوت نقاري‬ ‫الخ�شب وهم يعدون الم�شنقة و�سط نف�س الميدان الذي جرت فيه المحاكمة‪.‬‬ ‫و أ�ح�ضر الحرا�س (تعاليبو) الذي بدا مره ًقا قل ًقا رغم محاولاته‬ ‫الظاهرة لإخفاء ذلك عن عيون �أعدائه و أ��صدقائه‪..‬‬ ‫و�سمع الملك وهو يجل�س إ�لى جوار الإمبراطورية نهنهات و�شهقات‬ ‫بكاء مخنوقة هنا وهناك‪ ،‬لكنه جل�س متج ًها وبدا �أن ا ألمر كله غير‬ ‫مفهوم‪ ،‬عندما حلت اللحظة ا ألخيرة فطلب (تعاليبو) موج ًها التما�سه �إلى‬ ‫الإمبراطورة‪ ،‬طال ًبا منها �أن ت�سمح له بالاعتراف ا ألخير الذي يثقل قلبه‪.‬‬ ‫وبحركة نبيلة �سمحت له ا إلمبراطورة‪ ،‬م�ستندة �إلى �سيادة القانون‬ ‫وبحركة �أروع لا يتقنها إ�لا (تعاليبو) نف�سه‪ ،‬أ�بعد حبل الم�شنقة عن رقبته‬ ‫وم�ضى يلوم نف�سه معتر ًفا ب أ�نه كان �آث ًما و أ�نه ي�ستحق كل ما جرى له وما‬ ‫�سيجري له في الم�ستقبل لأنه جمع ثروة هائلة من الجواهر واللآلئ خلال‬ ‫حياته الحافلة‪ .‬و أ�نه لم يتح لنف�سه الفر�صة للا�ستمتاع بها �أو ا�ستخدامها‬ ‫إ�لا تمويل م ؤ�امرة (مزعومة) �ضد العرين بالا�شتراك مع أ�قرب النا�س‬ ‫‪71‬‬ ‫‪Kalilah and Dimnah final.indd 71‬‬ ‫� ��‪ ���� ��:‬‏‪ �/‬‏‪��/‬‬

‫للإمبراطور وا إلمبراطورة‪ ،‬و أ�نه ا آلن م�ضطر للاعتراف بذلك لأن‬ ‫�شركاءه ما زالوا يتمتعون بالر�ضاء ال�سامي بينما يموت هو دون �أن‬ ‫يعرف �أحد الطريق إ�لى كنزه وثروته المدفونة في مكان ما في الغابة‪.‬‬ ‫ارتجف قلب الأ�سد رع ًبا عند �سماعه بالم ؤ�امرة بينما �سال لعاب‬ ‫الإمبراطورة لذكر تلك الثروة الهائلة من ال آللئ والجواهر‪ ،‬واهتز‬ ‫قلبها طر ًبا لخاطر مر بقلبها و�أوحى لها ب إ�مكان الح�صول عليها فطلبت‬ ‫من زوجها في دلال أ�ن يمنح (لتعاليبو) فر�صة ك�شف المت آ�مرين و إ�ثبات‬ ‫براءته و إ�نقاذ الكنز‪.‬‬ ‫ولما وافق الملك الإمبراطور‪ ،‬انخلعت قلوب كل المقربين �إليه و�إلى‬ ‫الإمبراطورة وكل منهم يظن �أن تعاليبو كان يق�صده عندما تحدث عن‬ ‫�شركائه في الم�ؤامرة و�ساد �صمت عميق وترقب‪.‬‬ ‫وتعلقت ا ألب�صار ب�شفتي (تعاليبو) وتوترت الآذان في انتظار ما‬ ‫�سينطقبهمنكلماتوارتجفتالذيولقل ًقاعندمان�شر(تعاليبو)فوقوجهه‬ ‫�سحابة من الألم العميق وبد�أ يحكي بتمهل متعمد‪ ،‬وتطويل مق�صود عن تلك‬ ‫الم ؤ�امرة الرهيبة التي كان �سيمولها بجواهره وكنزه ل�صالح �صديق الملك‬ ‫ال�صدوق الكونت (لبلب دبدوبة) حامل ا ألختام ورئي�س الديوان وزميله‬ ‫ال�سيد (بولي�شناب) القط المدلل الذي يعرف كل �أ�سرار ا إلمبراطورة‪.‬‬ ‫و�أدهى من ذلك �أن الذي كان �سيقع عليه الدور ا ألكبر في تنفيذ‬ ‫الجزء العملي من التمرد هو ال�سيد (بولينياب) حامي حمى ا ألمن الداخلي‬ ‫والذي طلب ن�صف الكنز له ولرجاله لمنع و�صول أ�ي �أنباء عن الم ؤ�امرة‬ ‫إ�لى الإمبراطور حتى يوم التنفيذ ‪ .‬وكان (تعاليبو) يعرف تما ًما أ�ن من‬ ‫ال�صعوبة �أن ي�صدق الإمبراطور مثل هذا الكلام عن أ�قرب م�ساعديه‬ ‫ورجاله فعمد �إلى تذكير الإمبراطور بم ؤ�امرة �شبيهة بتلك كان والده قد‬ ‫اكت�شفها أ�يام كان الإمبراطور مجرد �شبل �صغير وول ًيا للعهد ‪.‬‬ ‫ثم عاد بلا منا�سبة وا�ضحة ي�صف كنزه الخفي وما به من ذهب وجواهر‬ ‫تغري أ�خل�ص الخل�صاء بالت آ�مر وحذر من أ�ن �أح ًدا لا يعرف مكانها و أ�نها‬ ‫�سوف ت�ضيع تما ًما إ�ن لم ي�سمح له با�ستخراجها و إ�هدائها إ�لى العر�ش تكفي ًرا‬ ‫عن تفكيره في خيانة الإمبراطور تلك الخيانة التي دفع �إليها في الحقيقة ‪-‬‬ ‫كما قال هو ‪ -‬تحت �إغراء (دبدوبة) و(بولي�شناب) و(بولينياب)‪.‬‬ ‫وكان الثلاثة قد انهاروا لما �شاهدوه من �صدى الأكاذيب (تعاليبو)‬ ‫‪72‬‬ ‫‪Kalilah and Dimnah final.indd 72‬‬ ‫� ��‪ ���� ��:‬‏‪ �/‬‏‪��/‬‬

‫على وجه الإمبراطور وا إلمبراطورة‪ ،‬و�صعق الثلاثة عندما هم�ست‬ ‫ا إلمبراطورة للإمبراطور طالبة منه العفو عن (تعاليبو) لإنقاذه العر�ش‬ ‫واعترافه ال�شريف‪.‬‬ ‫و�سمعوا بعدها زئير ا إلمبراطور المرعب يهز المكان �آم ًرا بالقب�ض‬ ‫عليهم و إ�يداعهم ال�سجن وم�صادرة كل أ�ملاكهم‪ ،‬وكانت فداحة ا ألمر‬ ‫وا�ضحة جلية على وجهه وهو يقوم غا�ض ًبا منفعلاً تار ًكا ال�ساحة �إلى‬ ‫داخل العرين ليدر�س الموقف على مهل‪ .‬وتم كل �شيء ب�سرعة وح�سم‬ ‫مثلما يتم في كل الظروف الم�شابهة؛ وذبح العدد المنا�سب لب�شاعة الم�ؤامرة‪.‬‬ ‫وقام رجال (بولينياب) �أنف�سهم بالقب�ض عليه وعلى من تقرر التخل�ص‬ ‫منهم ومن غيرهم‪..‬‬ ‫و�ألقي بالمت آ�مرين الثلاثة في �سجن �سحيق انتظا ًرا للمحاكمة وللموت‬ ‫و أ�عيد (تعاليبو) إ�لى ال�ساحة مرتد ًيا عباءة من عباءات ال�شرف فهتفت‬ ‫الجموع بحياته و�س أ�لته ا إلمبراطورة وهي تلوح بيدها للحيوانات‪ ..‬عن‬ ‫مكان الكنز ف أ�جاب وهو منحني عبر ال�شرفة‪:‬‬ ‫‪� -‬إنه هناك و�سط ا ألدغال المهجورة بجوار النخلات الثلاث‬ ‫القائمات عند النبع ذو ال�شعبتين‪.‬‬ ‫ولما أ�بدت ت�سا ؤ�ل المتعجب من وجود مثل هذا المكان المجهول ا�ست�شهد‬ ‫(تعاليبو) عل الفور ب�سائ�سها الخا�ص ال�سيد المقدام (�أرنوبة بولودان) ف أ�من‬ ‫ال�سائ�س المرتع�ش على كلامه وتطو ع ب�إخبارها لأول مرة ب�أنه مر على‬ ‫ذلك النبع كثي ًرا خلال العام الما�ضي‪.‬‬ ‫و�سرت هذه ال�شهادة ح�ضرة الإمبراطورة و أ�مرته أ�ن ي�صحب‬ ‫الثعلب في رحلته لإح�ضار الكنز‪ ..‬ورحب (تعاليبو) ج ًدا بم�صاحبة‬ ‫ا ألرنب (بولودان) المخل�ص خا�صة و�أنه ينوي القيام برحلة ق�صيرة �إلى‬ ‫(معبد الفيل) ليقدم �شكره و�صلواته احتفا اًل بنجاته وليتطهر قبل �أن يلم�س‬ ‫جواهره مرة �أخرى‪.‬‬ ‫وعر�ض م�شروع الرحلة على ا إلمبراطور فوافق وقد أ��سعده‬ ‫�أن الأمور �سارت كما تمنى و إ�ن لم يظهر �سروره هذا ‪ ،‬لكنه أ��صدر‬ ‫�أوامره لكاهنه الملكي الخا�ص (الخروف �شحتوف �أبو �صوف ب�أب�أب�أاااه)‬ ‫بالذهاب مع (تعاليبو) لي�صلي معه ومن أ�جله حتى تتبارك رحلة التوبة‬ ‫هذه وليتبارك الكنز و�صاحبه التائب الكبير‪.‬‬ ‫‪73‬‬ ‫‪Kalilah and Dimnah final.indd 73‬‬ ‫� ��‪ ���� ��:‬‏‪ �/‬‏‪��/‬‬

‫و أ��صدر أ�وامر �أخرى لكل رجال البلاط والحر�س الإمبراطوري‬ ‫كي يتجهزوا وليكونوا معه ومع ا إلمبراطورة في ا�ستقبال (تعاليبو)‬ ‫لدى عودته طهو ًرا من المعبد عند مفترق الطرق لم�صاحبته إ�لى حيث‬ ‫يرقد الكنز تحت النخلات الثلاث والنبع ذي ال�شعبتين ولم يجد (تعاليبو)‬ ‫غ�ضا�ضة في ذلك بل ابت�سم ابت�سامتين وفكر في فكرتين ثعلبيتين‪.‬‬ ‫‪Kalilah and Dimnah final.indd 74‬‬ ‫‪74‬‬ ‫� ��‪ ���� ��:‬‏‪ �/‬‏‪��/‬‬

‫الرحلة إ�لى القمة‬ ‫كانت رحلة التوبة والتطهير غاية في الب�ساطة والروعة‪ ،‬فقد ارتدى‬ ‫(تعاليبو) ثو ًبا خا ً�صا بالحجاج المتطهرين تليت عليه �صلوات الكاهن (ب�أ ب أ�‬ ‫ب أ� ا ا ا ه) �سبع مرات و�أعارهم الملك إ�حدى العربات الملكية التي تجرها‬ ‫حيوانات ال�سي�سي (الميني مهر) ذات اللون المبرق�ش ي�سوقها ال�ساي�س‬ ‫الإمبراطوري (بولودان) مرتد ًيا حلة بالق�صب والذهب م�شغولة بخيوط‬ ‫حرير طبيعي في لون ثمار الكريز الدموية‪.‬‬ ‫وعلى حافة الأحرا�ش الكثيفة حيث كان (تعاليبو) يعرف أ�ن عائلته‬ ‫مختفية عن الأنظار في مكان يعرفه هناك‪ ،‬ا�ستطاع (تعاليبو) �إقناع‬ ‫رفيقيه بترك العربة في ظل �شجرة وارفة ليكملا الرحلة داخل ا ألحرا�ش‬ ‫على الأقدام‪ .‬ثم ا�ستطاع ب�سهولة يتقنها ف�صل رفيقيه أ�حدهما عن ا آلخر‬ ‫ثم قطم رقبة ا ألرنب بكل ب�ساطة عندما انفرد به وهو يقول لنف�سه ببرود‪:‬‬ ‫‪ -‬لعل هذا يعلم الإمبراطور �شي ًئا عن الأتباع والمعاونين ‪ -‬فالأتباع‬ ‫ا ألغبياء لا ي�صنعون �سوى إ�مبراطورية غبية‪..‬‬ ‫و أ��صدر (تعاليبو) �صفي ًرا خا ً�صا بفمه خرجت عليه عائلته فرحة‬ ‫مهلله‪ ،‬فدعاهم لم�شاركته الوليمة احتفا اًل بعودته �سال ًما رغم كل �شيء‪ ،‬ثم‬ ‫جل�س معهم في هدوء ي�ستمتع بق�ص ما حدث له �أو على ا أل�صح ما �أحدثه‬ ‫هو في �صفوف �أعدائه‪.‬‬ ‫بينما كانت �شم�س الخريف الدافئة تلم�س �أطراف أ�نوف الثعالب‬ ‫فتدغدغ م�شاعرهم‪.‬‬ ‫وطلب تعاليبو من زوجته �أن ت�ضع ر�أ�س الأرنب و�أطرافه وجلده‬ ‫الم�سلوخ الدامي في جوال من الكتان الجيد وتربطه جي ًدا وهو يقول‪:‬‬ ‫‪� -‬سيكون هذا در�ًسا �آخر ل إلمبراطور الذي يجب عليه دائما أ�ن‬ ‫يعرف الفرق بين التظاهر بالعدالة وبين العدالة الحقيقية تنفي ًذا لما يتفق‬ ‫عليه بين ال�شرفاء‪( .‬م�شي ًرا بذلك إ�لى ما قيل عن اتفاق بين ابن �آوي‬ ‫والإمبراطور حول المحاكمة وما يجب أ�ن يتم فيها)‪.‬‬ ‫ولم يم�ض وقت طويل حتى و�صل الكاهن الكبير (با ب�أ با ا ا ا ه)‬ ‫متع ًبا بعد أ�ن ظل طوال ذلك الوقت يبحث عن رفيقيه �أو عن النبع ذي‬ ‫ال�شعبتين عب ًثا‪.‬‬ ‫‪75‬‬ ‫‪Kalilah and Dimnah final.indd 75‬‬ ‫� ��‪/���� ��:‬‏� ‏‪��/‬‬

‫وتلمظت الثعلبة ولكن الثعلب قال لها هام�ًسا (�إن قتل الخروف لا‬ ‫يدخل �ضمن خطتها) و أ��سرع يرحب به معتذ ًرا له عن �سوء الحظ الذي‬ ‫فرق خطاهم و�أخبره �أن (بولودان) قد �شعر بوعكة مفاجئة ا�ضطر معها‬ ‫�أن يدخله حجرة الفرن الدافئة حتى ُي�شفى‪ ،‬ولما طلب منه الخروف �أن‬ ‫يراه ل�صلى طال ًبا �شفاءه‪ ،‬أ��سرع تعاليبو يعتذر إ�ليه قائلاً ‪:‬‬ ‫ ‪ -‬نحن لا نريد أ�ن ن�ضيع الوقت‪ ،‬فلا بد أ�ن ا إلمبراطور ومرافقيه‬ ‫قد و�صلوا ا آلن �إلى النقطة المتفق عليها ولذلك فقد جهزت هدية‬ ‫متوا�ضعة من الل ؤ�ل ؤ� النادر والجواهر الفاخرة داخل هذا الكي�س وعليك‬ ‫أ�ن تحملها على وجه ال�سرعة يا �صديقي إ�لى الإمبراطورة و أ�ن تحمل‬ ‫معها تحياتي واعتذاري لان�شغالي ببع�ض الم�شاكل العائلية ولكن لا تن�سى‬ ‫أ�ن تخبرهم �أنني لا بد �س أ�عود حت ًما وب�سرعة ف�أنا لم أ�عد أ�طيق الغياب أ�و‬ ‫الابتعاد عن البلاط الإمبراطوري العظيم‪..‬‬ ‫وفرح الخروف طب ًعا لأنه �سوف يكون حامل الب�شارة بالعثور على‬ ‫الكنز‪ ،‬فلفع (الزكيبة الدامية) وم�ضى يرتل ويغني وهو يحلم بما ينتظره‬ ‫من نفوذ في البلاط وحظوة عند ا إلمبراطورة عا�شقة الجواهر‪.‬‬ ‫وا�شتد به الفرح فرق�ص �أغنية الخرفان ال�سعيدة بينما الت ّفت حوله‬ ‫عائلة الثعالب ت�شاهد رق�صته وتبارك م�ستقبله‪ ،‬ثم ودعته حتى نهاية‬ ‫الطريق‪ ،‬وعادت وقد فا�ضت بقلوبها ال�سعادة فيما عدا الثعلبة التي كان‬ ‫من ر أ�يها إ�خفاء معالم كل �شيء بالتهام الخروف هو ا آلخر و�إنكار ر�ؤية‬ ‫الاثنين على الإطلاق!!‬ ‫و ألي �إن�سان أ�و حيوان مطلق الحرية لتخيل مدى غ�ضب ا إلمبراطور‬ ‫عندما فتحت زكيبة الهدية ووجدت بداخلها أ��شلاء ا ألرنب (بولودان)‬ ‫الأثير لدى ا إلمبراطورة والذي ترك زوجته و أ�ولاده ووهب نف�سه‬ ‫لخدمة الق�صر‪.‬‬ ‫وللجميع أ�ي ً�ضا مطلق الحرية في ت�صور ال�صدمة التي أ��صابت‬ ‫ا إلمبراطورة عندما مدت يدها ملهوفة داخل الزكيبة لتخرج ملوثة بدم‬ ‫�أقرب كاتمي �أ�سرارها‪..‬‬ ‫ولكن لي�س ألحد �أن يبالغ في تف�سير ما أ��صدره ا إلمبراطور من‬ ‫قرارات ر ًدا على تلك الخديعة القا�سية‪..‬‬ ‫فقد �صدر ا ألمر ال�سامي على الفور بالعودة �أو ًال‪ ،‬وخلال رحلة‬ ‫‪76‬‬ ‫‪Kalilah and Dimnah final.indd 76‬‬ ‫� ��‪ ���� ��:‬‏‪ �/‬‏‪��/‬‬

‫العودة توالت القرارات العاجلة لت�صحيح آ�ثار الخدعة الكبرى وتخفيف‬ ‫�آثار الخيبة ا إلمبراطورية ‪.‬‬ ‫أ�فرج عن الثلاثي البريء (بولينياب) و(بولي�شناب) و(دبدوبة) مع‬ ‫التر�ضية الكاملة والتعوي�ض‪.‬‬ ‫و أ�ر�سل ر�سو اًل �إمبراطور ًيا إ�لى حيث تقطن زوجة ال�سائ�س المخل�ص‬ ‫(بولودان) عند �شاطئ النهر حاملاً معه و�سا ًما وخطا ًبا ملك ًيا وقرا ًرا‬ ‫�إمبراطور ًيا بمنحها معا�ًشا ا�ستثنائ ًيا مدى الحياة و�إعفائها من ال�ضرائب‬ ‫المت أ�خرة وال�ضرائب الم�ستقبلية واعتبارها رعية خا�صة لها حقوق أ�فراد‬ ‫العائلة الإمبراطورية محظور على موظفي الغابة التعر�ض لها ب�سوء �أو‬ ‫إ�جبارها على عمل �شيء لا تر�ضاه‪.‬‬ ‫كما أ��صدر ا إلمبراطور قرا ًرا بحب�س الكاهن وعزله باعتباره قد‬ ‫�أهمل على الأقل في حماية ال�سائ�س إ�ن لم يكن قد تواط�أ مع الثعلب لكي‬ ‫يجعل من ا إلمبراطور أ��ضحوكة‪.‬‬ ‫و�أغاظت هذه الفكرة الإمبراطور ف�أمر بو�ضع كل ع�شيرته و أ�بناء‬ ‫عمومته من الخرفان والحملان والماعز تحت ت�صرف (بولينياب)‪.‬‬ ‫ال�شخ�ص الوحيد الذي يعرف الطريقة المثلى للتعامل معها منذ زيارته‬ ‫لحظيرة القرية تلبية للدعوة المزعومة!‬ ‫لكنذلكلميخففمنغ�ضبةالإمبراطورف�أمرعندو�صوله�إلىالعرين‬ ‫ب إ�قامة حفل لا مثيل له على �شرف الثلاثي البريء لتقدم �إليهم فيها كافة‬ ‫التر�ضيات اللائقة لمحو ما لحقهم من عار و�إهانة‪ ،‬والحقيقة أ�ن ا إلمبراطور‬ ‫كان يبغي أ�ن يمحو ببهجة الحفل ما بقلبه هو من ا�ضطراب وغ�ضب‪.‬‬ ‫ولكن (بولينياب) لم ي�سمح بذلك �إذ قدم �إليه ع�شرات من التقارير‬ ‫العاجلة قدمها إ�ليه رجاله الن�شطين عن جرائم جديدة ارتكبها (تعاليبو)‬ ‫متحد ًيا كل الم�شاعر وكل ا ألعراف‪ .‬مما جعل الإمبراطور ينفجر ويز�أر‬ ‫في وح�شية مقر ًرا �إر�سال جي�شه لتحطيم ذلك المخادع عديم الحياء‪.‬‬ ‫لكن ر�سو اًل قدم إ�ليه و�أبلغه أ�ن الإمبراطورة تريد ر ؤ�يته على عجل‬ ‫فاعتذر ل�ضيوفه وم�ضى إ�لى جناحها ف أ�ثار هذا قلق (بولينياب) ف�أر�سل‬ ‫بع�ضهم خلفه لتق�صي حقيقة الأمر و�إبلاغه على الفور‪.‬‬ ‫وفي جناح ا إلمبراطورة كان هناك ابن آ�وي واق ًفا في أ�دب بجوارها‬ ‫لكن ا إلمبراطور تجاهله ولم يرد تحيته‪ .‬وعندما قالت له الإمبراطورة إ�ن‬ ‫‪77‬‬ ‫‪Kalilah and Dimnah final.indd 77‬‬ ‫� ��‪ ���� ��:‬‏‪/�/‬‏��‬

‫(تعاليبو) برئ و�إن هناك �سوء فهم غير مق�صود هو �سبب كل ما حدث‪،‬‬ ‫رف�ض الإمبراطور �أن يقتنع وحاول ابن �آوي تذكير الإمبراطور بما كان‬ ‫قد تم الاتفاق عليه لكن ا إلمبراطور ظلعلى تجاهله له بل وكاد أ�نيفتكبه‪.‬‬ ‫لولا زمجرة عتاب من ا إلمبراطورة ردته عنه‪ ،‬مذكرة �إياه أ�نه في‬ ‫حمايتها و�أنها ت�صدقه‪ .‬ولم يجد الإمبراطور مف ًرا من الموافقة على قدوم‬ ‫(تعاليبو) ل�شرح ملاب�سات ما حدث بنف�سه حتى يمكن ت�صديقه‪.‬‬ ‫وعلى الفور انطلق ابن �آوي ليعود بابن عمه وانطلق بع�ضهم ليخبر‬ ‫(بولينياب) بما حدث حتى يدبر أ�مره هو الآخر‪.‬‬ ‫ولم يعد ل إلمبراطور أ�ي رغبة في المرح ف�أ�صبح الحفل كئي ًبا و أ��صبح‬ ‫ا ألمر كله غير مفهوم‪ .‬وبذل (بولينياب) كل ما في و�سعه لمنع تعاطف‬ ‫الإمبراطور مع (تعاليبو) �أو ميله إ�لى جانب براءته‪.‬‬ ‫وقف (تعاليبو) �أمام الإمبراطور في هدوء و�شجاعة منحن ًيا يتقبل‬ ‫تعنيفه وتوبيخه ولومه دون كلمة‪ ،‬وعندما رفع ر�أ�سه كانت �أمارات‬ ‫الده�شة محفورة على وجهه و أ�بدى ا�ستغرابه لما يقوله الملك و أ�نكر تما ًما‬ ‫أ�ن يكون هو الم�س ؤ�ول عما حدث (لبولودان) واتهم الكاهن (با با با ا ا ا‬ ‫ه) بقتله للا�ستيلاء على الهدايا والكنوز والتي �أر�سلها معه‪ ،‬ولما اعتر�ض‬ ‫ا إلمبراطور على اتهامه للخروف أ��سرع ((تعاليبو)) يقول‪:‬‬ ‫‪ -‬يا مولاي‪ ..‬لا تن�س أ�ن كثي ًرا من العباءات ال�صوفية تخفي تحتها‬ ‫نفو�ًسا �شريرة كثيرة‪.‬‬ ‫لكن ا إلمبراطور تجن ًبا ل�ضغوط الإمبراطورة وخو ًفا من الوقوع‬ ‫في �شرك خداع الثعلب مرة أ�خرى انطلق مع حا�شيته لل�صيد تار ًكا‬ ‫ا ألمر كله بين يدي الق�ضاة ليبتوا فيه وليقرروا ما يرونه ح�سب ما تق�ضي‬ ‫ال�شرائع والقوانين‪.‬‬ ‫وانتاب الي أ��س (تعاليبو) للحظة ولكنه كعادته لم يدع م�شاعره تتغلب‬ ‫عليه فا�ستدعى ابن عمه ب�سرعة واتفق معه على تجنيد كل معارفهم في‬ ‫الق�صر وخارج الق�صر لتبرئة �ساحته‪ .‬وذهب ابن �آوي لمقابلة ال�سيدة‬ ‫(الحيزبون نحلة ذات القرون) و�صيفة الإمبراطورة و�صانعة حلواها‬ ‫وطبيبتها الخا�صة التي ا�شتهرت برقاها ال�سحرية ذات الأثر الحا�سم �ضد‬ ‫الح�سد والحقد‪ ،‬فظلت تز ّن على �أذن ا إلمبراطورة ُمظهر ًة كل العطف‬ ‫على (تعاليبو) الذي تعرف عنه ا إلخلا�ص للق�صر وتعرف رغبته في‬ ‫‪78‬‬ ‫‪Kalilah and Dimnah final.indd 78‬‬ ‫� ��‪/���� ��:‬‏� ‏‪��/‬‬

‫�إهداء كل كنوز الدنيا إ�لى الإمبراطورة‪.‬‬ ‫و أ�خذت ت ؤ�كد أ�ن موت عبقري مثله �سيكون خ�سارة كبيرة لا‬ ‫تعو�ض و أ�خذت تروي عنه الطرائف والحكايات التي ت�ؤكد قدراته‬ ‫المتنوعة ومواهبه الفذة‪.‬‬ ‫و�أثناء رحلة ال�صيد تحدث كثيرون عر ً�ضا عن خدمات والد‬ ‫(تعاليبو) العظيمة للدولة وت�ضحياته في �سبيل البيت الإمبراطوري منذ‬ ‫ت أ��سي�سه و�أح�ضرت الثعلبة الزوجة �صندو ًقا �صغي ًرا به عقد من ل�ؤل ؤ�‬ ‫الخليج هدية للملكة ألنها �سمحت لها بزيارة زوجها ا ألمين‪.‬‬ ‫وفعل كل هذا فعله رغم مقاومة (بولينياب) ورجاله‪ ،‬وتقدم‬ ‫ابن �آوي بطلب �إلى المحكمة يطلب فيه �أدلة مادية تثبت جرم (تعاليبو)‬ ‫وتحدى هو وهيئة الدفاع �أن يكون هناك �أي إ�ثبات �سوى تقارير رجال‬ ‫(بولينياب) الذين ي�أكلهم الحقد ودفعهم الغباء لتلطيخ �سمعة الأذكياء من‬ ‫�أمثال (تعاليبو)‪.‬‬ ‫ولكن المحكمة تحت ت�أثير نفوذ (بولينياب) رف�ضت وجهة النظر هذه‬ ‫مما جعل (تعاليبو) يتقدم بورقه ا ألخيرة طال ًبا ت�سوية الأمر كله في قتال‬ ‫حر حتى الموت مع خ�صومه واح ًدا بعد الآخر ح�سب ما تق�ضي إ�حدى‬ ‫مواد قانون الغابة التي تبيح �إنهاء الم�شاكل المعقدة والق�ضايا العوي�صة‬ ‫بالقتال‪ ،‬فيكون الحق في جانب المنت�صر لكي ي�ستولي على �أملاك المهزوم‬ ‫و�أمواله بل وعلى مركزه الر�سمي‪ ،‬ولم يكن أ�مام جميع أ��صدقاء تعاليبو‬ ‫ما يفعلونه �سوى ال�ضغط في �سبيل قبول طلبه‪.‬‬ ‫وبينما كان طلب (تعاليبو) ي�سير في طريقه الروتيني أ��سرع‬ ‫(بولينياب) الذي كان يتحرق �شوقا للانتقام منه �إلى أ�خذ الموافقة أ�ن يكون‬ ‫هو ممثل الخ�صوم في قتال (تعاليبو)‪.‬‬ ‫ولما علم (تعاليبو) حاول التراجع‪ ،‬ولكن الإمبراطور كان قد‬ ‫وافق مبد ًيا إ�عجابه ب�شجاعته رغم كل �شيء‪ ،‬وتحدد اليوم التالي للقاء‬ ‫الخ�صمين اللدودين في الفناء الدائري الذي يتو�سط حظائر الأغنام‬ ‫الإمبراطورية‪..‬‬ ‫والحقيقة �أن الإمبراطور أ��سر ليلتها ل إلمبراطورة بتمنياته لتعاليبو‬ ‫بالانت�صار لأنه ي�ستحق كل خير و ألنه أ�نفع بذكائه للعرين و ألنها �ستكون‬ ‫فر�صة للتخل�ص من غباء بولينياب ومن ت�سلط رجاله وطموحهم الذي لا‬ ‫‪79‬‬ ‫‪Kalilah and Dimnah final.indd 79‬‬ ‫� ��‪/���� ��:‬‏� ‏‪��/‬‬

‫حدود له‪ ..‬وعندما و�صل لـ (تعاليبو) ذلك الخبر ارتفعت روحه المعنوية‬ ‫ونام نو ًما عمي ًقا هاد ًئا يحلم بالانت�صار‪.‬‬ ‫وفي ال�صباح التالي بينما كانت الا�ستعدادات تتم على قدم و�ساق‬ ‫في الفناء لجولة ال�صراع ا ألخيرة‪ ،‬تناول (تعاليبو) فطو ًرا لذيذا حمل‬ ‫�إليه من مطابخ العرين وزارته (الحيزبون نحلة ذات القرون) و�صيفة‬ ‫الإمبراطورة ودهنت فروته بدهن �سحري �صنعته بنف�سها من نخاع‬ ‫التنين فبدا ناع ًما لاف ًتا للأنظار‪ ،‬و أ�خبرته �أنه �سي�ضمن له الانت�صار‬ ‫و أ�بلغته تمنيات الإمبراطورة فارتفعت روحه المعنوية‪.‬‬ ‫بينما فقد (بولينياب) ن�صف قوته عندما �أبلغه رجاله بكل ذلك و�أح�س‬ ‫أ�ن ا ألر�ض غير ثابتة تحت أ�قدامه‪ ،‬لكنه ا�ستجمع كل أ�حقاده وهو يتذكر‬ ‫كل ما �أ�صابه على يد (تعاليبو) فاندفع مزمج ًرا �إلى الحلبة‪.‬‬ ‫بينما تقدم (تعاليبو) في هدوء الواثق محي ًيا ا إلمبراطورة التي‬ ‫رمت �إليه بمنديلها ثم ا إلمبراطور الذي �أ�سرع يخفي ابت�سامة الت�شجيع‬ ‫عن عيون رجال (بولينياب) ال�سريين ثم حيا الحيوانات المحت�شدة والتي‬ ‫جاءت بدعوات ملكية خا�صة ابتداء من حامل أ�ختام المملكة حتى �شيخ‬ ‫حارة القرود حمر الم�ؤخرات‪.‬‬ ‫ودق الطبل معلنا بداية النزال‪ ،‬ودار الثعلب حول نف�سه في حركة‬ ‫بارعة ومرغ ذيله في التراب ثم نف�ضه وهو يتظاهر بالهرب في عين‬ ‫(بولينياب) ف أ�عماه تقري ًبا‪ .‬بينما راح هو يحيي في ثقة جموع الحيوانات‪،‬‬ ‫وغافله الذئب وطرحه أ�ر ً�ضا ودب أ��سنانه ال�شهيرة بين أ�فخاذه وت أ�لم‬ ‫الثعلب لكنه تحامل على نف�سه كالعادة وانزلق من بين يدي الذئب ي�ساعده‬ ‫الدهن الذي دهن به جلده واندفع ناحية �سور الحظائر ثم �صاح في الذئب‬ ‫قائلا‪:‬‬ ‫‪ -‬أ��سرع يا (بولينياب) �سوف تفوتك الفر�صة أ�نهم يق�سمون الحملان‬ ‫الجديدة بين ال�ضيوف و�سي�ضيع ن�صيبك‪..‬‬ ‫ولم يكن أ��شد من غباء الذئب �سوى ج�شعه فاندفع متعث ًرا ليح�صل‬ ‫على ن�صيبه المزعوم ف�ضج الح�ضور بال�ضحك مما أ�ربك الذئب وجعله‬ ‫ارتباكه فري�سة �سهلة فانق�ض عليه الثعلب وطرحه �أر ً�ضا وكاد �أن يقتله‬ ‫لولا �أن تدخل ا إلمبراطور �شخ�ص ًيا طالبا العفو عنه‪..‬‬ ‫فقبل تعاليبو طلب الإمبراطور في توا�ضع مما جعل الح�ضور‬ ‫‪80‬‬ ‫‪Kalilah and Dimnah final.indd 80‬‬ ‫� ��‪ ���� ��:‬‏‪ �/‬‏‪��/‬‬

‫يهتفون با�سمه في حب وتقدير والإمبراطور يعلن انت�صاره وبراءته‪.‬‬ ‫وتحول الحفل المقام لم�صارعة (تعاليبو) إ�لى حفل لتكريمه في �سرعة‬ ‫وك أ�ن الأمر كان مع ًدا من قبل وخلع ا إلمبراطور عليه خلعة فاخرة من‬ ‫الحرير الكريزي المزين بفروة الدب الأبي�ض وعينه وزيرا للأموال‬ ‫والكنوز وجاب ًيا لل�ضرائب و�ضمه هو و�أ�سرته �إلى البلاط مع منحهم كل‬ ‫حقوق الحيوانات النبيلة‪.‬‬ ‫‪81‬‬ ‫� ��‪ ���� ��:‬‏‪ �/‬‏‪��/‬‬ ‫‪Kalilah and Dimnah final.indd 81‬‬

‫في خدمة ا إلمبراطور‬ ‫لم يكن هناك من هو �أكثر �سعادة من ا إلمبراطور لانت�صار (تعاليبو)‬ ‫�سوى ا إلمبراطورة‪ ،‬وقد أ�ثبت (تعاليبو) أ�نه عند ح�سن ظنها تما ًما‪،‬‬ ‫و�أثبت للتاريخ ا إلمبراطوري أ�ن عد ًوا موهو ًبا قد ي�صبح يو ًما ما �صدي ًقا‬ ‫عظي ًما بقدر ما ي�صبح ال�صديق الغبي عد ًوا دون أ�ي يدري‪.‬‬ ‫وقد حاول الذئب (بولينياب) بكل قواه ورجاله ال�سريين �أن ي�ضع‬ ‫ا أل�شواك في طريق الثعلب ولكن كل ذلك كان عب ًثا وبلا فائدة‪ ،‬كان‬ ‫الإمبراطور يمزق التقارير �ضد (تعاليبو) دون أ�ن يقر أ�ها و�أ�صبح يتمنى‬ ‫الفر�صة لكي يتخل�ص من (بولينياب) نف�سه ذلك ألن مواهب (تعاليبو)‬ ‫قد تجلت ولم يعد هناك لدى �أي إ�ن�سان أ�و حيوان أ�و طير أ�ي �شك في �أنه‬ ‫�سوف ي�صبح الحيوان ا ألول في الغابة‪ ،‬و أ�ن ا أل�سد المده�ش أ�بو لبدة كان‬ ‫عنده حق في خوفه‪ ،‬عندما كان (تعاليبو) متمر ًدا عليه‪.‬‬ ‫لقد عو�ض (تعاليبو) ا إلمبراطورة عن الكنز المزعوم الذي لم يعثر‬ ‫عليه عند النبع لأنه لم يوجد أ�بدا‪ ،‬عو�ضها بع�شرات الكنوز جمعتها له‬ ‫الحدادي و�أولاد عر�س وثعابين الماء لدرجة أ�ن أ��صبحت الإمبراطورة‬ ‫�أغنى من �أية زوجة �سبع في �أية غابة حتى الغابات التي يحكمها �سباع من‬ ‫�أ�صول عريقة ‪.‬‬ ‫كما �أن (تعاليبو) ا�ستطاع أ�ن يحل بب�ساطة ذلك التناق�ض الذي أ�وقع‬ ‫فيه الإمبراطور المده�ش نف�سه عندما أ�علن تلك القوانين الخا�صة بال�سلام‬ ‫والحب بين رعاياه والتي �سميت (بقانون الافترا�س العام ل�سيادة القانون‬ ‫والوئام) حيث لم ي�ستطع أ�حد من م�ساعديه أ�و م�ست�شاريه �أن يجيب على‬ ‫ت�سا ؤ�لات كثيرة حول تطبيق ذلك القانون‪ ..‬لأنه إ�ذا كان الأمر �سي�صبح‬ ‫كذلك فكيف �سيح�صل الإمبراطور ب�سهولة وي�سر على �أوزي �صغير‬ ‫لإفطاره مثلا‪ ،‬وكيف �سيتم إ�ح�ضار بقرة للغداء دون الدخول في دهاليز‬ ‫قانونية‪� ،‬أو دون الاحتفاظ بوجه النظام م�شرقا‪ ،‬وبثياب الحكم غير‬ ‫ملطخة بدماء الرعايا الأبرياء‪.‬‬ ‫لم يكن (تعاليبو) قانون ًيا ولكنه كان خبي ًرا في تدبيج القوانين و�صياغة‬ ‫الحيثيات التي تحير أ�ذكى المحامين والد�ستوريين وتطلق يد الإمبراطور‬ ‫في الت�صرف دون أ�دنى �شبهة �أو نقد‪.‬‬ ‫‪82‬‬ ‫‪Kalilah and Dimnah final.indd 82‬‬ ‫� ��‪/���� ��:‬‏� ‏‪��/‬‬

‫ولم يكن (تعاليبو) رجل دولة ولكنه ا�ستطاع أ�ن يلم بدقائق ا ألمور‬ ‫و أ�ن يجيب على أ�ي �س�ؤال و�أن يقدم �أية معلومة مطلوبة في الوقت‬ ‫المنا�سب �سواء �أكانت تلك المعلومة تتعلق ب�صبغات جلد النمور �أو بطرق‬ ‫زراعة وجمع التمور �أو تتعلق بعدد ال�شعيرات في ال�سنتيميتر المربع من‬ ‫جلد الليمور‪.‬‬ ‫كان (تعاليبو) يعرف أ�ين تخبئ الحيوانات ال�صغيرة غذائها و�أين‬ ‫تختزن النمل طعامها و أ�ين يحتفظ النحل بالغذاء الملكي‪ ،‬ليح�ضر‬ ‫ل إلمبراطور ما يريد وكم يريد في اللحظة المنا�سبة‪ ..‬وكان يعرف‬ ‫متى تمر الفلاحات بالجبن �إلى ال�سوق ومتى �ستخطف الغربان �أقرا�ص‬ ‫الجبن من فوق ر�ؤو�سهن ليذهب في اللحظة‪ ،‬المنا�سبة ليجمعها لإفطار‬ ‫الإمبراطورة وكان يعرف �أين تحتفظ النعاج بتوائم الخرفان‪ ،‬و أ�ين‬ ‫تخفي الغزلان ال�صغار الر�ضيعة‪ ،‬وكيف يختار الوقت المنا�سب لاختيار‬ ‫ما ينا�سب ع�شاء ا إلمبراطور‪.‬‬ ‫ولم يكن (تعاليبو) يجد �صعوبة في الح�صول على �أفراخ اليمام‬ ‫والحمام والنوار�س حتى ولو كانت أ�ع�شا�شها فوق قمم النخيل العالي �أو‬ ‫في �شقوق الحوائط وال�شواطئ ال�صخرية‪ ،‬فقد �أقنع الجميع بقدرته على‬ ‫�صعود أ�ية نخلة‪ ،‬واختراق �أي حائط‪ ،‬والغو�ص إ�لى �أعماق �أعمق‬ ‫بحيرة‪ ،‬وعبور أ�كثر الأنهار والجداول ا�ضطرابا وثورة فا�ست�سلمت‬ ‫لقدراته كل الطيور والأ�سماك والحيوانات �آكلة الع�شب‪ ،‬ولم يعد أ�حد‬ ‫ي�سمع �سوى زئير الر�ضا والان�سجام يم أل ا ألدغال وا آلجام‪ ،‬منبع ًثا من‬ ‫العرين الملكي‪ ،‬م ؤ�كدا قوة الإمبراطور ور�سوخ النظام‪.‬‬ ‫ولم يكن (تعاليبو) وقد و�صل إ�لى كل هذا يفكر لحظة في الق�ضاء على‬ ‫الذئب (بولينياب)‪ ،‬فقد كان ي ؤ�كد �أن �أمثاله من الأغبياء �ضرورة حيوية‬ ‫لا�ستقرار النظام في الغابة ولإثبات قوة وحيوية قانون البقاء ل أل�صلح‪.‬‬ ‫وكان ي ؤ�كد وجهة نظره با�ستحالة ح�صوله على ا ألوزي ا ألبي�ض‬ ‫الذي حلم به ذات ليلة من ليالي الجوع الما�ضية �أيام الت�شرد‪ ،‬وا�ستحالة‬ ‫�إظهار عبقريته وتوريثها لابنه يوم جعل الذئب ي�أكل ذيله‪ ،‬ولا كيف‬ ‫و�صل �إلى ما و�صل إ�ليه الآن من �سمو وعظمة إ�ن لم يكن نقي�ضه الآخر‬ ‫(بولينياب) على قيد الحياة وعلى قدر من الغباء ي�شحذ عليه �سكين مواهبه‬ ‫فتظل م�صقولة لامعة‪ ،‬نعم كان (تعاليبو) على عك�س (بولينياب) مخل ً�صا‬ ‫‪83‬‬ ‫‪Kalilah and Dimnah final.indd 83‬‬ ‫� ��‪/���� ��:‬‏� ‏‪��/‬‬

‫في �إبقاء غريمه دائ ًما قري ًبا من العرين وحري ً�صا على عدم التخل�ص منه‪..‬‬ ‫ف�أ�صحاب العقول لهم نوائب‬ ‫تموت ولا تقدرها الذئاب‬ ‫ولكن الغبي له م�اصئب‬ ‫تجند له ولو �سكن ال�سحاب‬ ‫وهذا ما كان يقدره (تعاليبو) ويعرف �أنه �سوف يحدث‪ ،‬فالغبي‬ ‫يقتله غبا�ؤه‪ ،‬ولذلك لم ي�شغل باله على الإطلاق بالق�ضاء على (بولينياب)‬ ‫الذي جاء اليوم الذي ق�ضى على نف�سه بنف�سه‪ .‬و إ�ن �س�ألتم عرفتم!!‬ ‫ففي يوم من ا أليام‪ ..‬كان الإمبراطور المده�ش �أبو لبدة مري ً�ضا‬ ‫متع ًبا ف أ�مره الأطباء بالخروج إ�لى ال�صيد والمرح ليتمتع بال�شم�س والهواء‬ ‫دون �أن يرهق نف�سه ف�أخذ معه (تعاليبو) الذي �أ�صبح لا يفارقه �أب ًدا‪..‬‬ ‫و أ�خذ معه (بولينياب) بحكم مقت�ضيات ا ألمن ولي�صيد له أ�رن ًبا بر ًيا �أو‬ ‫غزا اًل �شار ًدا ولا نريد أ�ن ندخل في التفا�صيل ف إ�نها لا تفيدنا و إ�نما يعنينا ما‬ ‫حدث عندما ا�صطادوا بعد قليل غزا ًال من ذوي القرن الطويل‪.‬‬ ‫فقال الإمبراطور وهو يلهث من التعب والجوع‪:‬‬ ‫‪ -‬هيا يا (بولينياب) العق‪ ،‬لقد تعبنا اليوم ون�ستحق �أكلة �شهية فهيا‬ ‫ق�سم ال�ضحية‪.‬‬ ‫وبينما قال (تعاليبو) هام�ًسا ل إلمبراطور في أ�دب أ�ن التعب من‬ ‫�أجل إ��سعاده راحة‪ ،‬راح (بولينياب) بكل همة يق�سم ال�صيد �أق�سا ًما ثلاثة‬ ‫بالت�ساوي‪ ،‬وهو يظن أ�ن من حقه �أن ي�شارك ا إلمبراطور فري�سته‪ ،‬حتى‬ ‫ولو كان هذا ا إلمبراطور هو الذي أ�علن قوانين الحب والعدالة‪.‬‬ ‫�أنا لا �أ�ستطيع �أن أ�قرر هل الحق معه �أم لا؟ ف�أنا ل�ست معهم ول�ست‬ ‫منهم بل ول�ست حتى فري�ستهم ألقول ر�أيي‪ ..‬ولكن (تعاليبو) ابت�سم‬ ‫و�سكت بينما نظر ا إلمبراطور الجائع �إلى الأكوام الثلاثة في ت�سا�ؤل فلما‬ ‫�أجاب (بولينياب) نظرته بقوله م�شي ًرا �إلى �أحدها‪:‬‬ ‫تف�ضل يا مولاي بالهناء وال�شفاء‪..‬‬ ‫التفت �إليه غا�ض ًبا ولطمه لطمة كومته على الأر�ض جثة هامدة‬ ‫�صامتة ك أ�ن لم يكن هناك أ�ي (بولينياب) في يوم من الأيام‪ .‬والتفت‬ ‫الإمبراطور �أبو لبدة المده�ش نحو (تعاليبو) وقال في �صوت يخنقه الغيظ‪:‬‬ ‫ق�ّسم �أنت الطعام يا (تعاليبو)‪.‬‬ ‫‪84‬‬ ‫‪Kalilah and Dimnah final.indd 84‬‬ ‫� ��‪/���� ��:‬‏� ‏‪��/‬‬

‫وبهدوء �شديد يليق به‪ ،‬وبابت�سامة تليق بالموقف حمل تعاليبو جثة‬ ‫الذئب وو�ضعها فوق ا ألكوام الثلاثة وقدم الجميع �إلى ا أل�سد قائلا‪:‬‬ ‫تف�ضل يا مولاي‪ ..‬ف�أنت قد تعبت اليوم وت�ستحق �أن ت�شبع وتكتفي‬ ‫�أما أ�نا فيكفيني ر�ضاك عني وق�ضمة من ذيل الغزالة �أن تف�ضلت بها‬ ‫عل ّي‪..‬‬ ‫وز�أر الأ�سد �ضاح ًكا وانق�ض على كوم اللحم يلتهمه ب�شهية عظيمة‬ ‫وهو يلقي بين الفينة والفينة بقطعة (تعاليبو)‪ ..‬وهو يقول‪:‬‬ ‫قل لي يا (تعاليبو) العزيز يا �صاحب العقل اللذين‪� ،‬أين تعلمت‬ ‫الحكمة في تق�سيم ال�صيد بينك وبين ا ألباطرة المرعبين المده�شين؟‬ ‫فابت�سم تعاليبو في توا�ض ٍع وقال‪:‬‬ ‫يا مولاي تعلمني جثث الذئاب الغبية كيف �أخاطب أ��صحاب‬ ‫القب�ضات القوية‪..‬‬ ‫وارتفعت �ضحكاتهم عال ًيا ترعب �صغار الطيور والحيوانات‬ ‫والب�شر على امتداد ال�سمع ومدى الب�صر‪.‬‬ ‫‪85‬‬ ‫� ��‪/���� ��:‬‏� ‏‪��/‬‬ ‫‪Kalilah and Dimnah final.indd 85‬‬

‫ال�سباق العظيم‬ ‫كان ا أل�سد حزي ًنا ج ًدا عندما دخل عليه (تعاليبو) ذات �صباح‪ ،‬فح َّياه‬ ‫قائلاً ‪:‬‬ ‫�صباح الخير يا أ�عظم الملوك‪ ،‬و أ��شجع الأ�سود!‬ ‫ولكن ا أل�سد لم يرد عليه وبقي قاب ًعا وقد مد يديه وارتكز عليها بذقنه‬ ‫الملكية حزي ًنا مهمو ًما!‬ ‫فقال (تعاليبو)‪:‬‬ ‫مولاي الحبيب‪ ،‬لماذا أ�نت حزين؟ إ�نك تحكم �أكبر غابة في الدنيا‪،‬‬ ‫وكل ا أل�سود وال�سباع من �سلالة الغ�ضنفر الأكبر يح�سدونك ويتمنون أ�ن‬ ‫يكون لهم نفوذك وقوتك ورجالك؛ فاهتز ج�سم الأ�سد الإمبراطور أ�ل ًما‬ ‫وهو يت�أوه مما جعل ((تعاليبو)) ينتف�ض خو ًفا وحز ًنا أللمه وقال‪:‬‬ ‫يا مولاي الإمبراطور يا �أبا لبدة! �أيها المده�ش لا تخفي عني �شي ًئا‪،‬‬ ‫�إنني عبدك وخادمك ومو�ضع �سرك افتح قلبك أ�خفف عنك‪.‬‬ ‫فانتف�ض ا أل�سد واق ًفا فج�أة مما جعل (تعاليبو) ينتف�ض رع ًبا وهو يرى‬ ‫ا أل�سد يروح ويجيء في العرين وقد عقد ذيله الغ�ضب والألم‪ ،‬وحاول‬ ‫(تعاليبو) أ�ن يقول �شيئا لكن زمجرة ا أل�سد أ�خر�سته ف�سكت منتظ ًرا ما‬ ‫�سيقول‪ ،‬وبعد فترة رهيبة قال ا أل�سد‪:‬‬ ‫أ�نت تعرف يا (تعاليبو) �أنني لا أ�خ�شى أ�ح ًدا‪ ،‬ومنذ حكمت هذه الغابة‬ ‫لم يجر�ؤ �سبع �أو نمر على منازعتي عر�شي ف أ�نا لا �أخ�شى أ�ح ًدا أ�لي�س كذلك؟‬ ‫فوافق (تعاليبو) ب�سرعة‪:‬‬ ‫حا�شا لله يا مولاي ‪ -‬من ي�ستطيع �أن يقول غير ذلك؟! فقاطعه ا أل�سد‬ ‫�صار ًخا‪:‬‬ ‫‪� -‬أنا!‪� ..‬أنا الذي أ�قول ذلك! �إنني ا آلن لا �أنام‪ ،‬عيوني لا تغفل‬ ‫يا (تعاليبو) و أ�ظل �ساه ًرا طول الليل �أفكر و أ�فكر والخوف والقلق يم آلن‬ ‫قلبي بالفزع من الم�ستقبل ألن ملكي �سي�ضيع يا (تعاليبو)‪� ،‬سي�ضيع‪ .‬بينما‬ ‫نحن نتفرج‪.‬‬ ‫ولم يدر (تعاليبو) بماذا يجيب ا أل�سد ولكنه أ��سرع يقول في حنان‪:‬‬ ‫مولاي! �أخبرني بما يقلقك‪ ،‬قل لي أ�نا ف�أنا (تعاليبو) حبيبك و�صفيك‬ ‫‪86‬‬ ‫‪Kalilah and Dimnah final.indd 86‬‬ ‫� ��‪ ���� ��:‬‏‪/�/‬‏��‬

‫الذي لم يخذلك منذ �شرفته و�ألحقته ببلاطك‪ ،‬وجعلته مو�ضع �سرك‪.‬‬ ‫فقال ا أل�سد �أبو لبدة في �صوت متهدج مرتجف‪:‬‬ ‫الثيران الثلاثة! يا (تعاليبو)! الثيران الثلاثة �سيدمرون عر�شي‪:‬‬ ‫وما�ش أ�نهميامولاي؟هلبدرمنهم�شيء؟‪..‬هلجر أ�واعلىفعل�شيء‪.‬‬ ‫إ�نهم �سبب خوفي ورعبي ألنهم يزدادون قوة يو ًما بعد يوم وهم‬ ‫دائ ًما م ًعا! ي�أكلون وي�شربون م ًعا‪ ،‬و�إذا دعوت �أحدهم �إلى عريني‪،‬‬ ‫لا ي أ�تي وحده أ�ب ًدا و إ�نما ي أ�تي ومعه ا آلخرون م ًعا‪� ..‬آنا �أخ�شاهم م ًعا‪.‬‬ ‫و�أظن �أنهم �سيغت�صبون عر�شي ذات يوم م ًعا‪ ..‬فقال (تعاليبو) وقد‬ ‫�أدرك الموقف محاو اًل ا إلم�ساك بالخيوط كلها في يده كعادته‪..‬‬ ‫في الحقيقة يا مولاي‪� ،‬أنت معك حق‪ ،‬و�صلوا إ�لى غابتنا و�سمحت‬ ‫لهم أ�نت بالبقاء فيها‪ ،‬وهم يت�صرفون وك�أنهم وحدهم الذين يم�شون على‬ ‫ا ألر�ض ول�سان حالهم يقول‪ :‬يا أ�ر�ض اتهدي ما عليك قدي‪ .‬وخا�صة‬ ‫ذلك الثور الأ�صفر الماكر �إنه يكرهني ج ًدا لأنه يعرف مكانتي عندك‪ ،‬أ�ما‬ ‫الأ�سود! ف�آه منه وهو المدبر المفكر فقد �سمعته يتحدث عنك حدي ًثا يا مولاي‬ ‫لا أ��ستطيع �أن أ�عيده عليك ولكني �أراقبهم منذ ذلك اليوم بدقة حر ً�صا عليك‪.‬‬ ‫فزمجر ا أل�سد وقد حنقه الغ�ضب قائلاً ‪:‬‬ ‫والثور الأحمر‪ ،‬يا (تعاليبو) آ�ه من الثور الأحمر ف�إنني كلما نظرت‬ ‫في عينه الباردتين ال�صامتتين اق�شعر بدني من هول ما �أراه فيهما‪ ..‬لا‪..‬‬ ‫لا هذا ا ألمر يحتاج إ�لى حل حا اًل‪ ..‬حا اًل و إ�لا �أ�صابني جنون‪ .‬فتظاهر‬ ‫(تعاليبو) بالعجز‪ ،‬لكي ي أ�تي بالحل بعد ذلك فيعترف له بالف�ضل كله‬ ‫وتكون المكاف�أة على قدر القلق‪ .‬ف�صمت برهة وقال‪:‬‬ ‫ولكن كيف يا مولاي‪ ..‬كيف؟‪..‬‬ ‫ف�صاح به الأ�سد‪:‬‬ ‫�أنت الذي ت�س أ�ل؟!‪( ..‬تعاليبو)؟ �شغل مخك وحرك قدراتك وا�شحذ‬ ‫مواهبك ولا ت�س�ألني‪� .‬إنني آ�مرك �أن تبحث عن حل‪ ،‬نعم فو ًرا! و�سوف‬ ‫تكون‪ ..‬تكون‪ ..‬تكون وزيري ا ألول إ�ن أ�نت نجحت في تخلي�صي من‬ ‫ه ؤ�لاء الوحو�ش الثلاثة‪.‬‬ ‫قال (تعاليبو) وهو يخفي �سعادته الغامرة‪:‬‬ ‫ا آلن وجدت الحل يا مولاي؛ هل تعرف ق�صة الرجل العجوز‬ ‫و�أبنائه يوم أ�راد أ�ن ين�صحهم عندما جاءه الموت‪ ،‬رد ا أل�سد وقد أ��سعده‬ ‫‪87‬‬ ‫‪Kalilah and Dimnah final.indd 87‬‬ ‫� ��‪ ���� ��:‬‏‪ �/‬‏‪��/‬‬

‫أ�ن يكون (تعاليبو) قد عثر على حيلة للتخل�ص من الثيران الثلاثة‪..‬‬ ‫لا أ�عرف ق�ص ً�صا (يا تعاليبو)‪ ..‬ف�أنا لم �أجد وقتا لقراءة الق�صة في �أي‬ ‫وقت‪ ،‬لقد �شغلتني �أمور الغابة والحكم عن كل �شيء‪.‬‬ ‫فقال (تعاليبو) وقد �أخذ �صورة الحكيم الوقور‪:‬‬ ‫لا يهمك يا مولاي‪ ،‬ف أ�نا قر�أت لك الكثير‪ ،‬فاعتبرني كتابك المفتوح‬ ‫وا�سمح لي أ�ن �أذكرك بها‪ :‬يحكى أ�ن رجلاً عجو ًزا طلب من أ�بنائه‬ ‫وهو على فرا�ش الموت أ�ن يح�ضروا حزمة من الع�صي وطلب منهم‬ ‫ك�سرها لكنهم عجزوا جمي ًعا عن ذلك وبعد ذلك طلب منهم �أن يفكوها‪،‬‬ ‫ليك�سروها‪ :‬عو ًدا ‪ -‬عو ًدا‪ ،‬فك�سروها بكل �سهولة‪ ..‬ها‪ ..‬ها‪..‬ها‪..‬‬ ‫�ضحك (تعاليبو)‪ ،‬لكن الأ�سد لم ي�شاركه �ضحكه‪ ،‬فقال (تعاليبو)‪:‬‬ ‫هه‪ ،‬هل فهمت يا مولاي؟‪..‬‬ ‫فرد الأ�سد في غباء عادي‪:‬‬ ‫_لا‪ ..‬طب ًعا!! هل هذا وقت الحديث عن الع�صي؟! �أحدثك عن‬ ‫الثيران فتحدثي عن رجل عجوز وع�صي‪.‬‬ ‫ف�أ�سرع (تعاليبو) يبلع فكرته حتى لا يتمادى الأ�سد في غ�ضبه‬ ‫ويحدث ما لا يحمد عقباه‪ .‬وبلع ابت�سامة �ساخرة وقال‪:‬‬ ‫لا يهم‪ ..‬المهم ا آلن ‪ -‬أ�ن تعلن عن �سباق كبير يقام و�سنرى ما يمكن‬ ‫عمله يا ملك الزمان‪.‬‬ ‫وفي اليوم التالي‪..‬‬ ‫م�ضى المنادون يعلنون عن ال�سباق الكبير الذي يقيمه الملك في‬ ‫ال�ساحة الملكية‪ ،‬وتجمعت الحيوانات من كل نوع ومن كل �صنف وعلى‬ ‫الأغ�صان وقفت الطيور تغنى وت�صرخ‪ ،‬و�ضرب البوق الملكي‪ ،‬وتقدم‬ ‫ا إلمبراطور (�أبو لبدة) �إلى المق�صورة الملكية وهو يبدي �سرو ًرا بال ًغا‬ ‫ل�سعادة �شعبه الحبيب‪ ،‬وفي طريقه‪ ،‬ح ّيا الثيران الثلاثة بابت�سامة رقيقة‬ ‫وهو يخفي حقده عليهم و�أخذ (تعاليبو) يقدم الم�سابقات المختلفة‪ ،‬فت�سابق‬ ‫�صقر ون�سر في الارتفاع �إلى طبقات الجو العليا‪ ،‬ثم ت�سابقت �سلحفاتان في‬ ‫البطء و�سط �ضحكات الجميع‪ ،‬وا�ستعر�ضت ا ألفيال خراطيمها الجديدة‪،‬‬ ‫بينما تبارت غزالة مع وعل في القفز العالي‪.‬‬ ‫وكان الحفل قد و�صل إ�لى ذروته عندما �أعلن (تعاليبو) عن تفاحة‬ ‫من الذهب يقدمها الملك ا أل�سد لمن يفوز في أ�كبر �سباق ت�شهده الغابة‬ ‫‪88‬‬ ‫‪Kalilah and Dimnah final.indd 88‬‬ ‫� ��‪/���� ��:‬‏� ‏‪��/‬‬

‫بين الثيران الثلاثة في الجري وقبل �أن يعتر�ض واحد منهم‪� ،‬صفقت‬ ‫الحيوانات وهللت‪ ،‬ورحب الجميع وحيوا الثيران الثلاثة وهتفوا لهم‬ ‫و أ�ظهر ا أل�سد ر�ضاه الملكي فلم يكن ممك ًنا �أن يعتذر الثيران بعد كل هذا‪..‬‬ ‫وقام الثيران الثلاثة‪ ،‬وا�صطفوا عند �أول ال�ساحة وجهز (تعاليبو)‬ ‫�شريط النهاية‪ .‬ولما ا�ستعد الجميع‪ ،‬أ�طلق (تعاليبو) �إ�شارة البدء وانطلق‬ ‫الثيران الثلاثة‪ .‬وتعالى �ضحك الحيوانات لما حدث منهم وغ�ضب‬ ‫(تعاليبو) وزمجر الأ�سد في حنق �إذ بدا ا ألمر وك أ�نه لا فائدة من كل ما‬ ‫دبراه لقد كان الثيران الثلاثة يجرون م ًعا في �صف واحد إ�ذ اتفقوا على‬ ‫�أن ي�سيروا خطوة خطوة مع بع�ضهم حتى لا ي�سبق واحد منهم‪.‬‬ ‫ولم يكن (تعاليبو) لير�ضى بهذه النتيجة ألنه عندما فكر في هذه‬ ‫الحيلة‪ ،‬كان يريد �أن يجعلهم يتناف�سون على التفاحة‪ ،‬فتتفرق كلمتهم‬ ‫ويقع بينهم الخلاف‪ ،‬لي�ستطيع هو بعد ذلك �أن يدبر و�سيلة لافترا�سهم‪،‬‬ ‫واح ًدا واح ًدا‪..‬‬ ‫ولكن هاهم يف�سدون خطته‪ ،‬ويجرون م ًعا‪ ،‬وك�أنهم يقولون له‪:‬‬ ‫حتى التفاحة الذهبية لن تجعنا نختلف (يا تعاليبو)‪ .‬لكن (تعاليبو) الذي‬ ‫لم يتعود �أن يهزم‪ ،‬أ�علن �إعادة ال�سباق مرة �أخرى لت�ساوي النقط بين‬ ‫المت�سابقين‪ .‬وتجاهل احتجاج الثيران الثلاثة على ذلك‪.‬‬ ‫وعلا �صوت النفير مرة أ�خرى وازداد تهليل الحيوانات وحما�سهم‪.‬‬ ‫فلم يجد الثيران الثلاثة ب ًدا من إ�عادة ال�سباق‪ .‬ولكنهم اتفقوا على ال�سير‬ ‫م ًعا مرة �أخرى‪ .‬و�ضحكت الحيوانات‪ .‬وغ�ضب الملك وكظم غيظه‪.‬‬ ‫لكن (تعاليبو) كان قد دبر الأمر طب ًعا فقد اندفع أ�رنب �صغير إ�لى‬ ‫و�سط ال�ساحة �أمام الثيران بال�ضبط قرب خط النهاية!! فحاول الثور‬ ‫ا ألبي�ض تفاديه فا�صطدم بالثور الأ�سود‪ ،‬و�سقط الاثنان م ًعا‪ ،‬ووجد‬ ‫الثور ا ألحمر نف�سه مندف ًعا حتى خط النهاية‪ ،‬دون أ�ن ي�ستطيع التحكم في‬ ‫خطواته ب�سبب ارتباكه ال�شديد فوجد نف�سه فائ ًزا في ال�سباق بالرغم منه‪.‬‬ ‫و�صاح (تعاليبو) منت�ص ًرا واندفع واندفعت الحيوانات خلفه تحيط‬ ‫بالثور الأحمر وتطوقه بالورود وتهتف با�سمه عال ًيا وتحمله حتى‬ ‫المق�صورة الملكية ليت�سلم التفاحة الملكية الذهبية‪.‬‬ ‫بينما كان الثوران ا آلخران ينف�ضان التراب عن ج�سديهما‪.‬‬ ‫ويم�سحان جروحهما دون أ�ن يدركا أ�ن كل �شيء قد تم �ضد رغبة الثور‬ ‫‪89‬‬ ‫‪Kalilah and Dimnah final.indd 89‬‬ ‫� ��‪/���� ��:‬‏� ‏‪��/‬‬

‫ا ألحمر‪ ،‬الذي كان يفكر في أ�ن يحتج ويعتذر وي�شرح ا ألمر ل�صديقيه‬ ‫فو ًرا ويرف�ض التفاحة‪.‬‬ ‫لولا أ�ن (تعاليبو) لم يتركه و أ�وعز للأ�سد أ�ن يدعوه إ�لى مائدته‬ ‫وحده‪ ،‬حيث ظل طول اليوم مو�ضع حفاوة الملك وترحيبه‪ ،‬دون �أن‬ ‫ي�ستطيع توجيه كلمة واحدة ل�صديقيه‪ .‬وفي الم�ساء ودع ا إلمبراطور‬ ‫الثور ا ألحمر حتى باب العرين‪ ،‬وهو يفرك مخالبه �سعي ًدا عندما كان‬ ‫(تعاليبو) يهم�س في �أذنه؛ ((ا�ستعد يا مولاي �إ ف�سوف تك�سر اليوم أ�ول‬ ‫ع�صا في الحزمة))‪.‬‬ ‫ولم يفهم الأ�سد معنى كلامه فقال‪.‬‬ ‫ع�صا؟ �أي ع�صا هل كان كل هذا التعب من أ�جل �أن �أك�سر ع�صا؟‬ ‫�إنني أ�ريد الثور يا �صديقي‪.‬‬ ‫وبلع (تعاليبو) �سخريته‪ ،‬وقال‪:‬‬ ‫أ�ق�صد �أول ثور يا مولاي ‪ ..‬أ�ول ثور ملكي!‬ ‫ف�ضحك ا أل�سد‪ ،‬وبقي منتظ ًرا ما �سيحدث وقد حدث ألن الثورين‬ ‫الآخرين ‪ -‬بعد أ�ن ملأ و�شاة كثيرون أ�ذنيهما ب أ�كاذيب �ألفها (تعاليبو) ‪-‬‬ ‫رف�ضا �أن يكلما �صديقهما ا ألحمر‪ ،‬واتهماه ب أ�نه نق�ض اتفاقهم في �سبيل تفاحة‬ ‫تافهة ووليمة رخي�صة و أ�نه باع نف�سه للعرين الملكي بثمن رخي�ص‪ .‬ولما‬ ‫حاول �أن ينفي هذه التهمة ب�شدة‪ ،‬قال الثور ا أل�سود وهو يحاول نطحه‪:‬‬ ‫هل تنكر �أنك كنت �سعي ًدا و أ�نت محمول على الأعناق بينما نحن‬ ‫الاثنين نقف ذليلين معفرين بالتراب‪ .‬وهنا غ�ضب الثور ا ألحمر وثار‬ ‫لكرامته وثار �أكثر ألن زميليه يفكران بهذه الطريقة‪ .‬وحاول �شرح‬ ‫ا ألمر مرة أ�خرى‪ ،‬ولكن الثور ا ألبي�ض رف�ض �أن ي�سمع له‪ .‬ولم‬ ‫ي�ستطع الثور الأحمر إ�قناع رفيقيه ببراءته‪ ،‬وكاد الثلاثة �أن يقتل بع�ضهم‬ ‫البع�ض‪ ،‬خا�صة عندما طلبا منه غا�ضبين أ�ن يذهب ليعي�ش في مكان آ�خر‪.‬‬ ‫ولأول مرة منذ و�صل الثلاثة إ�لى تلك الغابة‪ ،‬نام الثور ا ألحمر‬ ‫وحده‪ .‬وكانت هي �أي ً�ضا آ� خر مرة‪.‬‬ ‫ففي منت�صف الليل‪� ،‬سمعت أ��صوات ا�ستغاثة عند �شاطئ النهر‪.‬‬ ‫لكن أ�ح ًدا لم يعرف أ�نها كانت ا�ستغاثات الثور الأحمر‪� ،‬إلا عندما‬ ‫�أ�شرقت ال�شم�س‪ ،‬و�شوهد (تعاليبو) وهو يفطر بالبقايا التي خلفها ا أل�سد‬ ‫الإمبراطور!!‪.‬‬ ‫‪90‬‬ ‫‪Kalilah and Dimnah final.indd 90‬‬ ‫� ��‪ ���� ��:‬‏‪/�/‬‏��‬

‫وفي اليوم التالي‪ ...‬كان ا أل�سد ( أ�بو لبدة المده�ش) �سعيدا غاية‬ ‫ال�سعادة‪ ،‬ف�أنعم على (تعاليبو) بو�سام الموز الأخ�ضر‪ ،‬بينما هم�س‬ ‫(تعاليبو) �ضاحكا‪:‬‬ ‫يا مولاي‪ ..‬انتظر حتى تكتمل الخطة‪.‬‬ ‫ف�ضحك ا أل�سد وقال‪:‬‬ ‫�أنا واثق من عبقريتك يا (تعاليبو) فخذ الو�سام ولا تف�سد فرحتي!‪..‬‬ ‫ف�شكره (تعاليبو) وقال‪:‬‬ ‫ا�ستعد يا مولاي‪ ،‬فالليلة �سوف تك�سر الع�صا الأخرى‪ ،‬وقبل أ�ن‬ ‫يعتر�ض ا أل�سد‪ ،‬قال (تعاليبو) ب�سرعة م�ستدر ًكا (( أ�ق�صد الثور الثاني يا‬ ‫مولاي))!‬ ‫وهذا ما حدث بالفعل‪..‬‬ ‫فقد دب الخلاف بين الثورين الأبي�ض وا أل�سود و أ�خذ كل منها‬ ‫يحمل الآخر م�س�ؤولية موت ثالثهم ‪ -‬الثور الأحمر‪..‬‬ ‫قال الثور ا ألبي�ض وهو يلوم رفيقه ب�شدة‪:‬‬ ‫لقد أ��س أ�ت �إليه‪� ،‬أنت ال�سبب في قتله!‪..‬‬ ‫فرد الثور الأ�سود غا�ض ًبا‪:‬‬ ‫ولكنك كنت ال�سبب فلولا ا�صطدامك بي لما �سقطنا م ًعا ولما وجد نف�سه‬ ‫فائ ًزا رغ ًما عنه!‬ ‫فخار الأبي�ض غا�ض ًبا‪:‬‬ ‫وهل كنت أ�نت �أعمى حتى تعتر�ض طريقي؟‬ ‫فنطحه الأ�سود �صائ ًحا‪:‬‬ ‫�أنت الذي تعمدت ذلك‪ ،‬ورف�ضت أ�ن ت�ستمع �إليه ألنك كنت تكرهه‬ ‫وتكرهني دائ ًما‪.‬‬ ‫وثارت الزوبعة وظل الثوران يتناطحان في غ�ضب‪ ،‬حتى تك�سرت‬ ‫قرونهما و�سال الدم‪ ،‬و�ضعفت قوتهما‪ ،‬ف�سقطا متعبين‪ ،‬ولما ا�ستردا جز ًءا‬ ‫من قوتهما‪ ،‬م�ضى كل واحد منهما مبتع ًدا عن رفيقه إ�لى غير رجعة!‬ ‫وفي منت�صف الليلة التالية‪� ..‬سمع الجميع �صوت ا�ستغاثة مفجعة‪،‬‬ ‫ولكنهم جمي ًعا عرفوا هذه المرة �أنها ا�ستغاثة أ�حد الثورين ‪ -‬وت�ساءل‬ ‫كثيرون؟! من منهم كان ال�ضحية في هذه الليلة؟!‬ ‫وفي ال�صباح ‪ -‬كان الأ�سد �سعي ًدا غاية ال�سعادة‪ ،‬فالآن لم يبق �سوى‬ ‫‪91‬‬ ‫‪Kalilah and Dimnah final.indd 91‬‬ ‫� ��‪ ���� ��:‬‏‪/�/‬‏��‬

‫ثور واحد‪ ،‬لا خطر منه‪..‬‬ ‫و�ضحك (تعاليبو)‪..‬‬ ‫والآن يا مولاي ما ر�أيك؟ هل زال الخوف؟ بعد �أن ك�سرت حزمة‬ ‫الع�صي كلها واحدة واحدة‪.‬‬ ‫فرد ا أل�سد‪:‬‬ ‫أ�ي حزمة؟ يا (تعاليبو)؟ هل �ستعود مرة �أخرى للتحدث با أللغاز؟‬ ‫�أنا لا �أفهم ما تعني بحكاية الع�صي هذه؟‬ ‫فقال (تعاليبو) يائ�ًسا‪:‬‬ ‫لا يهم �أن تفهم على ا إلطلاق يا مولاي فنحن هنا لتفهم نيابة عنك‬ ‫المهم �أنك تخل�صت من أ�عدائك الثلاثة جميعهم ولم يعد هناك ما يهددك‪..‬‬ ‫ولكن ا أل�سد قال‪:‬‬ ‫‪ -‬الثلاثة!‪ ..‬كيف؟! �إن الثور ا ألبي�ض ما زال مطلق ال�سراح‪..‬‬ ‫ولكن (تعاليبو) �ضحك وقال‪:‬‬ ‫‪ -‬الأبي�ض؟! وهل تظن أ�نه �سيهرب �إنه �سي أ�تي إ�ليك �صاغ ًرا م�ست�سل ًما‬ ‫لأنه يعرف تما ًما �أنك �أكلته في اليوم الذي �أكلت فيه الثور ا ألحمر!!‬ ‫ ‬ ‫‪Kalilah and Dimnah final.indd 92‬‬ ‫‪92‬‬ ‫� ��‪ ���� ��:‬‏‪ �/‬‏‪��/‬‬

‫م�سائل هامة ج ًدا‬ ‫يقول مثل من �أمثلة الغابة التي توارثتها الوحو�ش جيلاً بعد جيل‪،‬‬ ‫وعرفها ال�صغير عن الكبير‪� ،‬إن (الأعور بين العميان ب�صير ويفوز‬ ‫باللحمة المكير) ولهذا ف إ�ن (تعاليبو) وقد ا�ستطاع التخل�ص من مناف�سة‬ ‫اللدود (بولينياب) ونجح في تخلي�ص ا إلمبراطور (�أبو لبدة المده�ش) من‬ ‫خطر الثيران الثلاثة‪� ،‬أ�صبح طريقه إ�لى قلب ا أل�سد وعقله مفتو ًحا‪.‬‬ ‫ولم يكن (تعاليبو) غب ًيا لت�ضيع من بين مخالبه الفر�صة ليكون مقد ًما‬ ‫حتى على (لبلب دبدوبة) م�ست�شار الإمبراطورة و(بولي�شناب) حامل‬ ‫أ�ختام العرين �أو غيرهم من كبار حيوانات البلاط الإمبراطوري وبلغ‬ ‫من �سلطانه على البلاط وعلى الغابة أ�نه في الوقت الذي كان فيه الأ�سد‬ ‫المرعب لا يبت في �أي أ�مر دون الرجوع إ�ليه‪ ..‬كان هو يبت في أ�مور‬ ‫كثيرة دون �أن يرجع �إلى ا إلمبراطور‪ ..‬ذلك ألن الإمبراطور كان قد‬ ‫بدا يمل من تلك القوانين التي ابتدعها بنف�سه يوم تولى العر�ش والخا�صة‬ ‫بتنظيم الافترا�س وكان يريد التراجع عنها دون أ�ن يقول �أحد �إنه تراجع‬ ‫عن تطبيق العدالة وال�سلام بين الحيوانات‪..‬‬ ‫ولم يكن هناك أ�حد غير (تعاليبو) ي�ستطيع أ�ن يخلق مبررات كافية‬ ‫لتعطيل تلك القوانين أ�و حتى إ�لغائها تما ًما فهو الحكيم المكير الذي كان‬ ‫بالتمرد على تلك القوانين وال�سخرية منها خبير!‬ ‫ولكي ي�ضمن ا إلمبراطور أ�ن �أحدا لن ي�شوه تاريخه‪ ..‬كلف‬ ‫(تعاليبو) بت�شكيل لجنة لت�سجيل وكتابة ق�صة حياته‪..‬‬ ‫وجمع (تعاليبو) الخبراء والعلماء من ذوي الأعراف الذهبية ومن‬ ‫ذوي الر ؤ�و�س ال�صلعاء‪ ،‬فكانوا يجتمعون كل �صباح وم�ساء ويحدثون‬ ‫�ضجة عظيمة تتلاءم مع خطورة ما يفعلون وما يكتبون‪ ،‬وا�ستمر عملهم‬ ‫ليلاً ونها ًرا لمدة طويلة ج ًدا حتى بلغت كمية ما ا�ستخدموه من حبر قدر‬ ‫ما ي�سقط على الغابة من أ�مطار في ن�صف يوم من �أيام المو�سم المطير‪،‬‬ ‫وم ألت أ�وراق الموز والبردي المن�سوخة والمكتوبة والم�صورة عد ًدا من‬ ‫الحجرات العالية والمخازن الم�سورة‪.‬‬ ‫وكلها ت�ؤكد �سمو وكرم أ�خلاق ا إلمبراطور ( أ�بو لبدة المده�ش)‬ ‫و�إيمانه بقدرة الحيوانات على �صنع المعجزات وقدرته هو �شخ�صيا حتى‬ ‫‪93‬‬ ‫‪Kalilah and Dimnah final.indd 93‬‬ ‫� ��‪/���� ��:‬‏� ‏‪��/‬‬

‫على �إحياء الأموات‪.‬‬ ‫وفي تلك ا أليام الخطيرة من تاريخ الغابة‪ ،‬حيث كانت اللجان‬ ‫م�شغولة ب�إقناع ا ألجيال القادمة بعظمة الإمبراطور وتخليد �أعماله‪،‬‬ ‫كانت لجان القوانين ت�صوغ وتعدل ما ت�صوغه ثم تعود لت�صوغ ما تعدله‪.‬‬ ‫وكانت لجان التاريخ تدور وتناق�ش ما تدونه ثم تعود لتدون ما تناق�شه‪.‬‬ ‫والجميع يح�سون بمدى الم�س�ؤولية الملقاة على عاتق الجميع وكانت‬ ‫المهام ج�سيمة‪ ،‬وا ألج�سام مهتمة والتاريخ م�شرئب للت�سجيل والتخليد ‪-‬‬ ‫كان ا إلمبراطور نف�سه مهمو ًما وم�شغو اًل عن كل ذلك ب�أمر ركب ر أ��سه‬ ‫وكبر في مخه‪ ،‬حتى حرم عليه النوم و�أورثه القلق والتوتر‪ ،‬فقد كانت‬ ‫لبدته و أ�لف مو�سى أ�و كما يقولون بلغتنا ر�أ�سه و�ألف �سيف‪� ،‬أن يح�صل‬ ‫على ذلك البيت الجميل الرائع ال�صغير الذي يملكه �شيخ القانونجية وخبير‬ ‫التعديلات الد�ستورية (الحمار كار) على �شاطئ نهر الخيار‪.‬‬ ‫و أ�زعج هذا (تعاليبو) ج ًدا �إذ كيف الو�صول �إلى �صيغة للا�ستيلاء‬ ‫على البيت و�صاحبه هو المتخ�ص�ص في و�ضع هذه ال�صيغ‪ ،‬وكيف يمكن‬ ‫التلاعب لنزع ملكيته ب�شكل قانوني معقول‪ ..‬و�صاحبه هو الذي ي�ضع‬ ‫الإطارات القانونية ألي تلاعب قانوني مقبول‪.‬‬ ‫وقد حاول (تعاليبو) �أكثر من مرة �أن يلمح (للحمار كار) برغبة‬ ‫مولاهما ال�سامية في الا�ستيلاء على البيت ولكن الحمار كان على عادته ‪-‬‬ ‫من الغباء بحيث فهم الأمر مقلو ًبا و�أر�سل برقية ي�شكر فيها ا إلمبراطور‬ ‫على اهتمامه براحة رعيته و�إعجابه ببيوتهم المتوا�ضعة‪.‬‬ ‫وحاول (تعاليبو) أ�ي ً�ضا من ناحية أ�خرى �صرف نظر ا إلمبراطور‬ ‫عن البيت المذكور دون جدوى فقد دخل خيال هذا البيت الكائن في منطقة‬ ‫التوت البري والغزلان المرحة نافوخ ا إلمبراطور ولن تخرج منه �أو‬ ‫ت�صرفه عنه دقات الطبل البلدي‪..‬‬ ‫و�أمام �إلحاح الإمبراطور لم يجد (تعاليبو) ب ًدا من التفكير في و�سيلة‬ ‫ي�صادر بها بيت الحمار للم�صلحة العامة الإمبراطورية‪� ..‬أو العثور على‬ ‫طريقة تجعل الحمار يتخلى عن بيته طواعية و إ�هدائه للمده�ش‪.‬‬ ‫�صدر أ�مر برفع مرتب الحمار ون�صيبه من البر�سيم ا ألخ�ضر‬ ‫الم�ستورد كما �أخليت درجة ممتازة من درجات �سلم العرين لجلو�سه‪،‬‬ ‫ولكن الحمار لم يفهم �إ�شارة (تعاليبو) الخفية �إلى رد جميل الإمبراطور‬ ‫‪94‬‬ ‫‪Kalilah and Dimnah final.indd 94‬‬ ‫� ��‪ ���� ��:‬‏‪/�/‬‏��‬

‫و�شكره بتقديم هدية‪ ،‬وك أ�ن له دما ًغا و�أذ ًنا غبية‪.‬‬ ‫ولم يجد (تعاليبو) أ�مام إ�لحاح الإمبراطور وغباء الحمار إ�لا اللجوء‬ ‫للحيلة إلنهاء هذا ا ألمر ال�سخيف فتحين الفر�صة ‪ -‬وهو القادر على خلق‬ ‫الفر�ص ‪ -‬و�أحرج الحمار وتحداه في �سباق جري علني تحت رعاية‬ ‫ا إلمبراطور يكون على المنهزم فيه‪ ،‬أ�ن يحقق للمنت�صر رغبة واحدة‬ ‫مهما كانت‪..‬‬ ‫ووقع الحمار في الفخ فقبل التحدي و أ�علن أ�نه مت�أكد من انت�صاره‬ ‫لدرجة أ�نه �سيحقق للثعلب لا رغبة واحدة ولكن رغبتين �أو ثلاث �إن‬ ‫�أراد‪ ،‬يعني �إذا انت�صر!‬ ‫وعلم الإمبراطور المده�ش با ألمر فازداد قلقه واتهم (تعاليبو) بالغباء‬ ‫ليدخل في �سباق مثل هذا مع أ�كثر الحيوانات عدوا و أ�كبرهم �سرعة‪،‬‬ ‫بف�ضل حوافره وجبنه‪ ،‬ولم يعجب (تعاليبو) أ�ن ي�صفه ا إلمبراطور بالغباء‬ ‫أ�مام الآخرين ‪ -‬و�أ�سرها في نف�سه‪ ،‬لكنه �صمم على الفوز في ال�سباق ‪.‬‬ ‫أ�و ًال؛ ليثبت للجميع وللإمبراطور بالذات أ�نه لي�س غب ًيا‪.‬‬ ‫وثان ًيا‪ :‬لكي يزيد من أ�ف�ضاله على الإمبراطور‪ ،‬وليقطع �آخر حبال‬ ‫ال�شك في أ�نه عماد (دولة أ�بو لبدة)‪ ..‬و أ�ن ذكاءه يمثل دماغه المفكر الذي‬ ‫لا غنى عنه ‪ -‬حتى في أ�تفه الأمور التي يعجز �أمامها الإمبراطور‪.‬‬ ‫وجاء موعد ال�سباق‪ ،‬فكان على كل من الثعلب والحمار أ�ن يقطع‬ ‫م�سافة معينة مختر ًقا الغابة حتى نهايتها ثم العودة ‪ -‬أ�حدهما بالدوران‬ ‫يمي ًنا والآخر بالدوران �شما ًال حول الغابة‪ ،‬والعودة إ�لى حيث لجنة‬ ‫التحكيم ‪ -‬التي ير�أ�سها الإمبراطور نف�سه‪.‬‬ ‫و�أر�سلت بع�ض الطيور لترافق كل منهما ك�شهود على أ�ن �أحدهما‬ ‫لن يتوقف مرة واحدة وللت�أكد من أ�ن كلاً منهما قد قطع ال�سباق من نف�س‬ ‫الطريق المر�سوم وبلا خداع‪..‬‬ ‫لم يكن ا إلمبراطور مطمئ ًنا تما ًما وهو يعطي أ��شارة البدء فقد‬ ‫كان الحمار مر ًحا واثقا من نف�سه �أكثر من العادة بينما كان (تعاليبو)‬ ‫مهمو ًما ومنخف�ض الروح المعنوية‪ .‬وكان هذا �صحي ًحا فقد كان و�صف‬ ‫الإمبراطور له بالغباء أ�مام ا آلخرين ي�ضايقه تما ًما ‪ .‬لدرجة أ�نه ن�سي أ�ن‬ ‫يرتب �أموره مع ال�شهود كالعادة‪.‬‬ ‫وانطلق المت�سابقان النبيلان بعد أ�ن �أعطى ا إلمبراطور الإ�شارة‬ ‫‪95‬‬ ‫‪Kalilah and Dimnah final.indd 95‬‬ ‫� ��‪ ���� ��:‬‏‪/�/‬‏��‬

‫وانطلق ال�شهود من الطيور تتابع ال�سباق من ال�سماء‪ ،‬وبعد فترة ق�ضاها‬ ‫في عقد مراهنات متعددة مع رعيته حول الفائز‪ ،‬وكان واثقا من‬ ‫فوز (تعاليبو) رغم ثقته في قدرة الحمار على الجري ال�سريع و�صاح‬ ‫ا إلمبراطور فر ًحا عندما لمح الثعلب عند المنحنى يدور متج ًها إ�ليهم وهو‬ ‫يلهث متع ًبا‪ .‬ولكن هذا لا يهم فالمهم �أنه قد و�صل �أو ًال‪ .‬وبعد لحظات‬ ‫ظهر الحمار من الناحية المقابلة ولكنه كان يبذل غاية ما في و�سعه لي�صل‬ ‫بالفعل في نف�س الوقت الذي و�صل فيه (تعاليبو)‪.‬‬ ‫واغتم الملك ولكنه مال جها ًرا نها ًرا �إلى جانب �إعلان فوز‬ ‫((تعاليبو)) و أ�عطى ال�شهود من الطيور تقاريرهم ف�إذا بها مفاج أ�ة لم‬ ‫تعجب ا إلمبراطور فزمجر غا�ض ًبا منذ ًر]ا‪..‬‬ ‫كان تقرير مراقبي (تعاليبو) ي ؤ�كد �أنه وقف مرتين لي�ستريح في‬ ‫الطريق بينما قال تقرير مراقبي الحمار إ�نه توقف لمرة واحدة‪ ..‬غ�ضب‬ ‫ا إلمبراطور من (تعاليبو) وطالبه مزمج ًرا بتف�سير �سبب وقوفه و�صمت‬ ‫المحكمون خائفين وقال (تعاليبو)‪:‬‬ ‫أ�نا لم أ�قف لأ�ستريح �أب ًدا‪ ..‬على العك�س �أن المرتين اللتين وقفت‬ ‫فيهما يجب أ�ن تح�سبا لي كنقط أ�فوز بها على خ�صمي ف إ�نني لم أ�توقف إ�لا‬ ‫ألنني مهموم م�شغول ب�أمور الغابة والحياة‪..‬‬ ‫لقد وقفت بالفعل وي�شهد ال�شهود أ�ن ذلك كان في منطقة مليئة بال�شجر‬ ‫الطويل وال�شجر الق�صير وقد حيرتني هذه الم�شكلة كثي ًرا لدرجة �أنه حتى‬ ‫الآن لا �أجد لها حلاً ‪ .‬وعلينا جمي ًعا �أن نفكر �سو ًيا لتف�سيرها حتى لا تحير‬ ‫�أبناءنا فيما بعد ‪.‬‬ ‫قال الأ�سد‪:‬‬ ‫وما هي هذه الم�شكلة التي جعلتك تخ�سر ال�سباق؟‬ ‫قال (تعاليبو)‪:‬‬ ‫�أنا لم �أخ�سر بعد يا مولاي‪ ..‬فيجب أ�و ًال أ�ن تقرر لجنة التحكيم‬ ‫ذلك‪ ..‬هذا هو العدل‪ ..‬ولجنة التحكيم لم تقرر ذلك ألنها الآن �ستحتار‬ ‫مثلي في حل تلك الق�ضية!‬ ‫قال �أحد �أع�ضاء اللجنة‪:‬‬ ‫وما هي تلك الق�ضية؟‬ ‫قال (تعاليبو) بهدوء‪:‬‬ ‫‪96‬‬ ‫‪Kalilah and Dimnah final.indd 96‬‬ ‫� ��‪ ���� ��:‬‏‪/�/‬‏��‬

‫إ�ن الطريق كانت حوله ا أل�شجار الطويلة والق�صيرة ب�شكل غريب‬ ‫لدرجة جعلتني أ��س�أل‪ ،‬أ�ق�صد �أتوقف لأ�س�أل‪ ..‬لماذا هذه الأ�شجار طويلة‬ ‫أ�و تلك الأ�شجار ق�صيرة؟‪ ..‬ولماذا لا تكون الأ�شجار الق�صيرة طويلة‬ ‫والأ�شجار الطويلة ق�صيرة؟!‬ ‫واحتار الجميع فعلا وحتى (الحمار كار) خبير التبرير والتف�سير لم‬ ‫يجد أ�ية إ�جابة ولا أ�ي تعبير‪..‬‬ ‫ولكن أ�حد المحلفين قال‪:‬‬ ‫هذه وعرفنا �سببا معقولا لتوقفك في المرة ا ألولى‪ ،‬فما ال�سبب في‬ ‫الوقفة الثانية؟‬ ‫قال (تعاليبو) بهدوء‪:‬‬ ‫لقد كانت الم�شكلة في المرة الثانية أ�كثر تعقي ًدا ‪ ..‬وال�س ؤ�ال �أكثر‬ ‫�صعوبة فقد ظهر �أمامي �أرنب ي�سابق غزا ًال وا�ضطررت للتوقف‬ ‫والتفكير في �أذني ا ألرنب الطويلتين و�أذني الغزال الق�صيرتين‪ ،‬فلماذا لا‬ ‫يكون ل ألرنب أ�ذنان ق�صيرتان وللغزال �أذنان طويلتان‪ ..‬والحقيقة �أيها‬ ‫ال�سادة‪� ..‬أنه لولا �إح�سا�سي �سرور الغور إ�ر�ضاء لجلالة الإمبراطور‬ ‫الذي �أعرف �أنه راهن على انت�صاري‪ ..‬لبقيت هناك حتى ا آلن أ�فكر في‬ ‫م�شكلة أ�ذني الأرنب و�أذني الغزال‪..‬‬ ‫وهنا �صاح ا إلمبراطور معلنا �أنه يعذر (تعاليبو) الذي لم يمنعه‬ ‫ال�سباق ولا التعب من التفكير في هذه الم�شاكل والم�سائل التي تهم الجميع‪..‬‬ ‫ثم �أ�ضاف‪:‬‬ ‫فهل ي�ستطيع ال�سيد (حمار كار) �أن يف�سر لنا �سبب وقوفه أ�ثناء ال�سباق‬ ‫إ�لا إ�ذا كان قد وقف لي�ستريح لي�أكل بر�سي ًما‪ .‬طب ًعا لي�ستطيع الفوز ب أ�ي‬ ‫�شكل‪ ..‬لا فليقل لنا لماذا توقف؟ هل ي�صدق أ�حد �أنه يعرف هو الآخر‬ ‫نعمة التفكير؟‬ ‫ثم ز أ�ر ز أ�رة ارتع�شت لها �سيقان الحمار ا ألربعة و�شل بها تفكيره‬ ‫فقال في �ضعف وخوف‪:‬‬ ‫يا مولاي‪ ..‬نعم لقد‪ . .‬كنت‪ . .‬أ�ي ً�ضا‪� ..‬أفكر‪. .‬‬ ‫فقاطعه ا أل�سد أ�بو لبدة المده�ش غا�ض ًبا ‪..‬‬ ‫فيما كنت تفكر؟‪ ..‬وكيف تجر�ؤ على التفكير في هذا؟‬ ‫قال الحمار مرتع�ًشا‪:‬‬ ‫‪97‬‬ ‫‪Kalilah and Dimnah final.indd 97‬‬ ‫� ��‪ ���� ��:‬‏‪ �/‬‏‪��/‬‬

‫‪ -‬في ماذا؟‪..‬‬ ‫ز�أر الأ�سد‪:‬‬ ‫في الذي كنت تفكر فيه؟ هه كيف تجر�ؤ؟‬ ‫فارتع�ش الحمار ومات رع ًبا ‪.‬‬ ‫�أنا لم أ�كن �أفكر في �شي ‪ ..‬يا مولاي ‪..‬‬ ‫وهنا ابت�سم الإمبراطور �ساخ ًرا وقام وهو يقول لأع�ضاء لجنة‬ ‫التحكيم‪:‬‬ ‫وهكذا ترون أ�يها ال�سادة �أنه بينما ي�شغل عزيزنا (تعاليبو) نف�سه حتى‬ ‫وهو متعب ومرهق بق�ضايانا المهمة‪ ..‬كان هذا الحمار يحاول الفوز‬ ‫بالغ�ش والخداع فيقف لي�ستريح‪ ..‬وتريدون بعد ذلك �أن تناق�شوا فوز‬ ‫(تعاليبو) لا �أظن‪..‬‬ ‫وم�ضى ا إلمبراطور إ�لى العرين تاركا لجنة التحكيم مرتبكة‬ ‫حتى فتح الله على رئي�سها معلنا فوز (تعاليبو) و�سط هتاف من راهنوا‬ ‫عليه‪!!..‬‬ ‫وكان على الحمار �أن يحقق (لتعاليبو) ‪ ..‬ما يريد ‪ ..‬ونام‬ ‫الإمبراطور �أبو لبدة المده�ش مطمئ ًنا ألن (تعاليبو) يعرف ما يريد‬ ‫بالت�أكيد!!‬ ‫‪Kalilah and Dimnah final.indd 98‬‬ ‫‪98‬‬ ‫� ��‪ ���� ��:‬‏‪/�/‬‏��‬

‫�إ�شاعات إ�مبراطورية‬ ‫لم يكن (يوم الحمار) هو اليوم الأول الذي أ�ح�س فيه (تعاليبو) ب إ�هانة‬ ‫الإمبراطور (�أبو لبدة المده�ش) له‪ ،‬ولم يكن كذلك آ�خر يوم يح�س فيه‬ ‫بذلك‪ ،‬بل لقد زاد إ�ح�سا�سه مع الأيام ب�أن ا أل�سد يتعمد �إهانته �أمام ا آلخرين‪.‬‬ ‫لم يكن (تعاليبو) بالغبي الذي لا ي�ستطيع تف�سير ذلك‪ ،‬فالإمبراطور‬ ‫بد�أ يغار منه وبد�أ يخ�شاه ويخ�شى نفوذه‪ ،‬فق�صائد الإعجاب (بتعاليبو) تم أل‬ ‫�صفحات جرائد الموز ومجلات جوز الهند‪ ،‬والحقيقة �أن (تعاليبو) كان‬ ‫محط �إعجاب الكثيرين والكثيرات و أ�ولهم الإمبراطورة منذ عو�ضها‬ ‫عن الكنز المزعوم بمائة كنز حقيقي‪..‬‬ ‫وبينما كانت اهتمامات ا إلمبراطور تتدنى وتهييف‪ ،‬إ�ذ بد ًال‬ ‫من قوانين الافترا�س العام والعدالة وال�سلام في ربوع الغابات وبين‬ ‫الحيوانات �أ�صبح مهت ًما ببيت الحمار كار ال�صغير الكائن على نهر الخيار‪،‬‬ ‫�صحيح �أنه حافظ على بع�ض وعوده بالن�سبة للحيوانات ال�صغيرة‪ ،‬فكانوا‬ ‫يجدون الطعام �إذا جاعوا ولم يجدوا طعا ًما‪ ..‬وكانوا يجدون الأكفان‬ ‫�إذا ماتوا فقراء‪ .‬وكان أ�ولادهم يجدون معا�شا منا�س ًبا بقدر ا إلمكان‪.‬‬ ‫كما �أنه رف�ض ب�شدة �أي انتقا�ص لحقوق �أرامل �شهداء الغابة من‬ ‫خدم العرين ال�سابقين‪ ،‬وخا�صة من ماتوا �أثناء قيامهم بواجباتهم الر�سمية‬ ‫فظل �إعفا�ؤهم من ال�ضرائب �سار ًيا‪.‬‬ ‫مثل ا ألرنبة العجوز زوجة �سائ�س ا إلمبراطور الذي قتله (تعاليبو)‬ ‫غد ًرا �أيام المطاردة الرهيبة ‪ -‬وغيرها كثيرات وغيرها كثيرين‪.‬‬ ‫ولكن كل ذلك لم يمنع من انت�شار �شائعات كثيرة‪ ،‬تقلل من هيبة‬ ‫ا إلمبراطور في الوقت الذي ظل (تعاليبو) ‪ -‬حتى الآن ‪ -‬محاف ًظا على‬ ‫هيبته ووقاره اللائق بالن�سبة للخادم الأول ل إلمبراطور وللعر�ش‪..‬‬ ‫لدرجة �أن ا إلمبراطور أ��صبح يخفي عنه الكثير من مغامراته ال�شخ�صية‬ ‫في ال�صيد والقن�ص واللهو‪ ،‬ولم يكن (تعاليبو) من ناحيته يرحب بم�شاركته‬ ‫عبثه خو ًفا من الإمبراطورة التي كثي ًرا ما كانت ت�س�أله فكان ينفي علمه‬ ‫بها ‪ -‬وكان �صاد ًقا وبري ًئا‪.‬‬ ‫ولكن�صبر(تعاليبو)لهحدود أ�ي ً�ضا‪..‬ولذلكفتكرار�إهانةالإمبراطور‬ ‫‪99‬‬ ‫‪Kalilah and Dimnah final.indd 99‬‬ ‫� ��‪/���� ��:‬‏� ‏‪��/‬‬


Like this book? You can publish your book online for free in a few minutes!
Create your own flipbook