Kalilah and Dimnah final.indd 1 ��/� /���� ��:�� �
كليلة ودمنة بالم�صري �سمير عبد الباقي الطبعة ا ألولى :القاهرة 2017 رقم الإيداع2016/26324 : الترقيم الدولي978-977-6510-53-1: الغلاف :هانيبــــــــال عمليات ا إلخراج الداخلي وتنفيذ عمليات الطباعة بوحدات �شركة مدارك الإعلامية ابن ر�شد وكلاء ونا�شرون إ��شراف عام :أ�حمد �إبراهيم المدير التنفيذي :بي�سان عدوان [email protected] +2 01003603778 / +2 01000377889 جميع الحقوق محفوظة للنا�شر ،ويحظر ن�شر أ�و اقتبا�س هذا العمل �أو أ�ي جزء منه ب�أي و�سيلة ت�صويرية أ�و إ�ليكترونية أ�و ميكانيكية بما فيه الت�سجيل الفوتوغرافي والت�سجيل على �أ�شرطة �أو أ�قرا�ص مقروءة أ�و �أي و�سيلة ن�شر �أخرى بما فيها حفظ المعلومات دون �إذن كتابي من النا�شر ،ومن يخالف ذلك يتعر�ض للم�ساءلة القانونية جميع المواد الورادة والأفكار تخص كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن أفكار أو توجهات الناشر Kalilah and Dimnah final.indd 2 � ��/���� ��:� ��/
�سمير عبد الباقي كليلة ودمنة بالم�صري حكايات ع�صرية القاهرة 2017 Kalilah and Dimnah final.indd 3 � �� ���� ��: �/��/
Kalilah and Dimnah final.indd 4 4 ��/� /�� ���� :�� �
مملكة القط ب�سب�س 5 ��/� /�� ���� :�� � Kalilah and Dimnah final.indd 5
كل الحواديت تقول كان ياما كان.. ولكن هذه الحدوتة لن تقول كان ياما كان ..لأنها لم تحدث في أ�ي مكان ولا في يوم من ا أليام.. وطب ًعا هذا الكلام �سيغ�ضب ق ّطي العزيز ب�سب�س ..ولكنني لن �أهتم بغ�ضبة اليوم ألنني �شعبت من كذبه� ..آ�سف.. �أنتم لا تعرفون ب�سب�س ..لقد ن�سيت أ�نكم لا تعرفونه ..ولكنكم �ستعرفونه ا آلن� ..إنه قطنا العجوز الماكر الكثير الكلام ..الذي يعرف الكثير من الحكايات الخيالية والحواديت غير المعقولة ..ولكنه يق�سم دائ ًما �أنه ر�آها تحدث أ�مام عينيه ..ومع ذلك أ�نا لا أ��صدقة ..ف أ�نا أ�عرف �أن الأ�سد ي�ستطيع �أن يز�أر ..وفي م�سرح العرائ�س ر�أيت أ��س ُو ًدا تتكلم اللغة العربية ..أ��سود حقيقة ..هل ت�صدقون �أنه يوجد على هذه الأر�ض بغاباتها و�صحاريها وجبالها ..أ��سد حقيقي من لحم ودم ..وله لبدة حقيقية.. وي�ستطيع �أن ينطق جملة واحدة مفيدة �أو يعرف �أخوات كان.. ب�سب�س ي�سخر مني ويقول �إن هذا �شيء عادي ج ًدا ..و إ�ن كل ا أل�سود في الدنيا تتكلم مثل الب�شر ..و�إن هناك ِخرا ًفا تجيد العزف على كل الآلات بل تجيد الغناء أ�ي ً�ضا ..و�إنه يعرف ثعالب ت�ؤلف ق�ص ً�صا ل ألطفال وحكايات لل�صغار� ..إنه يعرف حما ًرا في �إحدى الحظائر الجنوبية �ألف مرج ًعا في عالم الفلك لا يفهمه �سوق قليل ج ًدا ج ًدا من الب�شر ..و�أنه قابل ذات مرة تم�سا ًحا عجو ًزا يعمل في �شركة دولية لبيع أ�ر�ض القمر للفقراء ..و أ�ن له �صدي ًقا من ذوي الخراطيم وله زلومة حمراء ووجه وردي ي�شتغل مدي ًرا للعلاقات العامة بم�ؤ�س�سة زراعية كبرى ..هل ت�صدقون بعد هذا �أي حديث يقوله ذلك القط.. ومع ذلك ..ورغم م�ضايقته الم�ستمرة لي ب�أكاذيبه وحكاياته ف�أنا أ�حبه ج ًدا� ..إن ق ّطي ب�سب�س لا يفارقني لحظة واحدة.. �إذا جل�ست للقراءة ..يقفز ويجل�س في حجري ..وي�صمم على �أن أ�حكي له ما �أقر أ�.. و�إذا أ�ردت م�شاهدة التليفزيون ..ف إ�نه يخرب�ش ويهب�ش حتى �أ�ضطر أ�ن �أف�سح له مكا ًنا بجواري ..مع أ�نه ينام كلما ُعر�ض أ�حد ا ألفلام الم�صرية أ�و غنى �أحد المطربين ال�شباب. 6 Kalilah and Dimnah final.indd 6 � ��/���� ��:� ��/
وعندما �أذهب للنوم ..ف إ�نه �أي ً�ضا لا يتركني ..حتى أ��صبحت لا أ�حلم حل ًما �إلا و�شاركني فيه ..ماذا أ�فعل َ؟!� ..أنقذوني منه� ..إن ا�ستطعتم.. �صحيح �أنه قط متح�ضر ج ًدا ينظف �أ�سنانه قبل وبعد النوم ..ولا يم�شي في ال�شارع بالبيجاما أ�ب ًدا مهما كانت الظروف ..ولكن ما يغيظني أ�كثر �أنه ي�صر على القول ب أ�نه كان يعي�ش في الغابة قبل أ�ن ي أ�تي إ�لى بيتنا ..ور أ�يي �أن هذه هي �أعظم كذبة يمكن أ�ن يكذبها قط في العالم.. ف�أنا مت�أكد أ�نه لم ي�شاهد غابة في حياته أ�ب ًدا ..إ�لا في التليفزيون لأنه ولد في منزلنا ..في تلك ال�شرفة التي تطل على الحارة القبلية ولم يغادر من يومها بيتنا �إلى ال�شارع أ�بدا.. فهل ت�صدقونه بعد كل هذا حين يتهمني ب أ�نني �أظلمه عندما أ�قول الحقيقة ..ومع ذلك لن يهمني بعد اليوم ..و�س�أقول الحقيقة ..لأنه يجب على ا إلن�سان �أن يقول الحقيقة مرة واحدة في حياته ..ولو للقطط.. ولذلك ف إ�نني أ�علن في �صوت عال وبلغة عربية مفهومة ..دون خوف و�أقول: ـ ـيا قطنا العجوز ب�سب�س �أنت كاذب ..و أ�نا لا أ��صدق حكاياتك.. ولا يمكن أ�ن �أحكيها أ�نا ألنني لا أ�ردد أ�كاذيب ..فاح ِك �أنت لهم ..واتركني و�ش أ�ني ..ف إ�ن �صدقوك ..فهم أ�حرار.. واغ�ضب مني كما ت�شاء ف أ�نا �أ�ؤمن �أن الحمير فقط هي التي تغ�ضب من الحقيقة ..و أ�ي حمار في الدنيا لا بد �أن يغ�ضب عندما تخبره أ�نه حمار.. عندما قلت ذلك التفت نحوي ب�سب�س في هدوء وقال: ـ ـلماذا تتهمني دائ ًما بالكذب حين �أقول إ�نني كنت �أعي�ش في الغابة في زمن من الأزمان ..من �أدراك؟ ..أ�لا تعرف �أن للقطط �سبعة أ�رواح؟ ..ماذا تعرف �أنت عن القطط؟ ..نعم ..لي �أ�صدقاء من الثعالب وبنات آ�وى تكتب ق�ص ً�صا للأطفال مثلك تما ًما ..لماذا تنكر عليهم ذلك؟ ..ولماذا تريد أ�ن ي�صدق النا�س ما تقول ولا تريدهم �أن ي�صدقوني ..أ�نا �أي ً�ضا؟!.. لماذا تريد منهم �أن ي�صدقوا ما تدعيه عني؟! ..يا نا�س هل هناك قط في الدنيا ي�ستطيع أ�ن يحكي ق�ص ً�صا كاذبة أ�و حقيقة ..فيما عداي طب ًعا! هل هناك قط ي�شاهد التليفزيون؟ (غيري طب ًعا)!.. 7 Kalilah and Dimnah final.indd 7 � �� ���� ��: �/��/
انقذوا ب�سب�س الم�سكين أ�يها النا�س من هذا الرجل ..الذي أ�لقت به ا ألقدار بين يديه.. ثم مالك أ�نت ..اتركنا في حالنا ..أ�نا �سوف أ�حكي لهم بنف�سي و�سي�صدقونني ..فلا �ش�أن لك بنا.. و�سكت طب ًعا ..فلب�سب�س الحق في أ�ن يت�صرف بحرية ..كل القطط لها الحق أ�ن تت�صرف بحرية ..ولكنني �أعلن ب أ�على �صوت �أنه لا �شان لي بهذا القط أ�و بحكاياته �صادقة كانت �أم كاذبة ..وهو وحده الم�س ؤ�ول عنها ..و أ�نتم طب ًعا �إن �صدقتم �أن هناك ق ًطا يمكن أ�ن ي ؤ�لف حكايات حقيقة ..فا�سمعوها �أنتم منه ..أ�ما أ�نا ..فقد �سمعتها أ�لف مرة ..ورغم ذلك �س�أ�سمعها معكم للمرة ا ألولى بعد الألف.. قال ب�سب�س: ـ ـكان ياما كان ..كنت في زم ٍن ما�ٍض بعيد �أعي�ش في الغابة.. وكانت الغاب ُة مثلها مثل أ�ي غابة ..وا�سع ًة �شا�سع ًة ..كبيرة خ�ضراء فيها �أ�شجار من كل ا ألنواع وجميع الأ�شكال ..العالية والق�صيرة وال�سميكة والرفيعة ..القائمة والزاحفة ..أ�لف �صنف ونوع ..وفي تلك الغابة ..مثلها مثل أ�ي غابة ..كانت تعي�ش حيوانات من كل نوع ..أ�نواع تعرفونها و أ�نواع لا تعرفونها.. هناك القطط والكلاب والأرانب والأفيال ..وال�سباع وال�ضباع ..والقنافذ والقلا�شط والمفاجيع والمقا�شط والجرابيع وال�سيد ق�شطة .حيوانات كثيرة� ..أ�شكال و�ألوان.. باخت�صار ..كانت الغاب ُة مثلها مثل �أي غابة ..غابة حقيقة.. �ستقولون �إن مل َك الغابة كان �سب ًعا..لأ طب ًعا ..لي�س هذا �صحي ًحا ففي �أيامي تلك كان ملك الغابة هو جدي العزيز العجوز ..ب�سبو�س ا ألول!! �أت�ضحكون؟! لكم الحق ..ف�أنتم تظنون أ�ن القط لا ي�صلح لحكم الغابة؟! ولكنكم مخطئون في ظنكم ..و�صدقوني� ..أن أ�ي قط� ..أو أ�ي دب من أ�ي نوع ..ي�ستطيع �أن ي�صبح مل ًكا على أ�ية غابة في الدنيا ..فما بالكم وجدي هو ب�سبو�س �صاحب المواهب التي لا يمكن أ�ن تتوفر �إلا لقلة من القطط في ع�صر واحد ..حيث ي�شاء وحين ي�شاء ..و�أكثر من ذلك كان ِمواء جدي �ساعة الغ�ضب يجعل كل الحيوانات تخاف أ�و على ا ألقل تتظاهر 8 Kalilah and Dimnah final.indd 8 � ��/���� ��:� ��/
بالخوف خو ًفا من جدي ..الفيل نف�سه كان يك� ّش من الخوف في�صبح ف�أ ًرا ..وهذا ال�سر في وجود تلك الحيوانات التي ت�سمى قلا�شط وهي فئران لها زلومة ..ما زلتم ت�ضحكون.. على أ�ية حال� ..سواء كنتم ت�ضحكون معي �أو ت�ضحكون علي.. فا�ضحكوا ..الذنب لي�س ذنبكم ..ولكنه ذنب تلك الكتب التي تقول دائ ًما ..إ�ن ملك الغابة ..لا بد �أن يكون أ��س ًدا ..ولم تتوا�ضع مرة لتقول إ�ن القط يمكن أ�ن يكون مل ًكا على غابة.. الكتب يا �أ�صدقائي كما أ�عتقد لا تثق في القطط .وما دام قانون الغابة يقول في �أول مادة إ�ن ملك الغابة هو ال�سبع بالتحديد ..ف َمن ي�ستطيع أ�ن يقول غير ذلك ..ال�ِّسباع و�ضعت ذلك القانون وهي تحميه ..ولكن جدي رغم ذلك ..ورغم �أن �أح ًدا لم يكن يفكر في غير ذلك ..ا�ستطاع أ�ن يثبت أ�نه ي�ستطيع �أن يكون مل ًكا على الغابة ..خل ًفا لل�سبع الذي كان يتولى عر�شها قبله وا�سمه (�سبع البرمبة) ..وهو �سبع عجوز له لبدة فاخرة من النوع الغ�ضنفر.. وكانذلكال�سبعقدحاز�إعجابالحيواناتوا�ستحقاحترامها..فقدكان رهي ًباعجي ًبا�شديدالبط�شوالق�سوةلهقب�ضةمنحديد..كالحديد..وعندماكان يغلبةالنوم-ولقدكانالنومهوال�شيءالوحيدالذيي�ستطيع أ�نيغلبه-ينام.. ويترك�صوت�شخيرهي ؤ�كدللجميع�أنهيراهموي�سمعهم..فكانتالحيوانات تكتم�أنفا�َسهاوت�سيرفيحذ ٍر�شديدخ�شية�إيقاظه..منالنوم. وفي يو ٍم من الأيام كان الأ�سد نائ ًما �ساعة القيلولة بعد �أكلة �سمينة التهم فيها كعادته ثلاثة ِخراف م�سكينة .و�أثناء نومه حدثت �أخطر حادثة يمكن �أن تحدث في غابة ..وبد أ� مع هذه الحادثة وب�سببها مجد عائلتنا.. ألنها كانت ال�سبب في تولي جدنا العظيم ب�سبو�س عر�ش الغابة ..لا تتعجبوا ..ولا ت�س أ�لوا.. �س�أحكي لكم ..ف أ�نا �أحب أ�ن �أحكي.. كان ا أل�سد المرعب نائ ًما ..وكانت الحيوانات من �أكبر فيل حتى �أ�صغر دودة �أر�ض نائمة أ�و متظاهرة بالنوم ..وكانت �أذن ال�سبع العظيم مفتوحة كعادته عند النوم حتى ت�سمع �أقل هم�سة يمكن أ�ن يهم�س بها حيوان لجاره ..وفج�أة.. دفع الهواء بعو�ضه �صغيرة إ�لى فراغ أ�ذن الملك ..وارتبكت 9 Kalilah and Dimnah final.indd 9 � �� ���� ��: �/��/
البعو�ضة ..فتخبطت بين �شعيرات ا ألذن الكثيفة وعز عليها الخلا�ص.. وا�ستيقظ ال�سبع غا�ض ًبا ..مزمج ًرا ..وخافت البعو�ضة أ�كثر فاندفعت إ�لى الداخل أ�كثر ف�أكثر ..وال�سبع يحاول أ�ن ينالها بمخالبه تارة أ�و بهز ر�أ�سه ب�شدة تارة �أخري ..ولكن الكارثة كانت قد حدثت.. وها هو ملك الغابة ي�صرخ من ا أللم والغ�ضب ..وانقلبت الغابة ر أ��ًسا على عقب ..و�أطلق بروجي الإنذار الملكي بمعرفة أ�كبر ا ألفيال و أ�علنت الطوارئ وا�ستدعي الديوان الملكي من �سما�سرة ووكلاء �شركات المبيدات الح�شرية ،أ�ن يعلنوا الحرب على الح�شرات� ..أو �ضد البعو�ض على الأقل.. ولكن قبائل البعو�ض أ�علنت أ��سفها لما حدث وا�ستنكرت ما فعلته البعو�ضة واتهمتها بالحماقة ..وعدم تقدير الم�س�ؤولية ..هذا �إذا ثبت أ�نها فعلت ذلك متعمدة! وعلى العموم لم ي�ضيع �أحد وقته في بحث الدوافع ألن الكارثة حدثت بالفعل والملك يعاني ا آلن آ�لا ًما رهيبة ..هذا غير �إح�سا�سه العميق بالإهانة لتطاول البعو�ضة على ُحرمة أ�ذنه الملكية.. ووجدها بع�ض الك ّتاب فر�صة لل�شهرة ولتملق الأ�سد المري�ض.. فقام الكاتب المعروف (طيري أ�لا طيري) ،و(ع�صفور الجنة �أبو �شعيرة) م ؤ�لفا كتاب (غني يا ع�صافيري) ..بت أ�ليف كتاب عن الحادثة.. ا�سمه( ..الأوزان والعرو�ض في تاريخ جن�س البعو�ض) ..كما �أن الناقد المعروف (م�أم أ� �أبو �صوف)� ..أ�سرع بكتابة ع�شرات الم�شكلات في المدار�س الأميرية.. وانطلق ع�شرات وع�شرات ممن يعرفون القراءة والكتابة بلغة الغابة يكتبون الكتب وي�ؤلفون المراجع عن تاريخ البعو�ض ..وعن اليوم الموعود الذي ظهرت فيه الأ�سود وعن ذلك اليوم الم�شهود الذي �سيذكره بالتاريخ ..وعن الحوادث التي حدثت ل ألذن الملكية ..عبر الع�صور.. وجن جنون الأ�سد ..فم�ضي يز أ�ر ويج�أر ويوجه �ضربات ع�شوائية هنا وهناك ..وزاد هذا من عجز الحيوانات عن الت�صرف ..لأنه كلما زاد �صراخه �ش ّلهم الخوف أ�كثر ..وكانت البعو�ضة تزداد خو ًفا ورع ًبا ولا تجر�ؤ على الخروج.. و إ�ن كانت والحق يقال ف َّكرت في الت�سلل ولكن أ�ذن الملك 10 Kalilah and Dimnah final.indd 10 � �� ���� ��: �/��/
الأ�سد كانت ف ًخا حقي ًقا وكه ًفا �شديد العمق فف�شلت في التقدم خطوة �إلى الخارج ..فا�ستولت عليها روح عدم تقدير الم�س ؤ�ولية وعرفت أ�نها ميتة في كل الأحوال ..فبقيت حيث هي ..بل وم�ضت تغني وترق�ص �أغنية ورق�صة الانتحار التي يتقنها جن�س البعو�ض عندما يقترب من النار.. والتي كثي ًرا ما ن�سمعها في ليالي ال�صيف بالقرب من م�صابيح الكهرباء.. وطب ًعا زاد ذلك ا ألمور �سو ًءا ..ألنها مع كل حركة كانت تزيد �آلام الملك ..فيزداد �صراخه وغ�ضبة ..ويزداد ي�أ�سها من النجاة.. فتندفع في الرق�ص والغناء �أكثر ..مما كان يجعل الملك الوقور يتلوى على الأر�ض أ�ل ًما ..وغ�ضبا.. أ��سد ها �أ�صاب �شدي ًدا لما احلدزننيااً وفي الحقيقة ..حزنت الحيوانات بطريقة حزنها تعبر عن وملكها ..ولكنها مثل أ�ي حيوانات في حيوانية فكانت تتجمع في حلقات في الدروب وال�سفوح وعند �شاطئ النهر ،وتدور حول بع�ضها ،ثم ت�صرخ وتقفز فج�أة مولولة �صارخة. لكن الديوان الملكي وجد �أنها طريقة غير ح�ضارية ولا تليق بغابة متقدمة مثل غابتهم فعقدوا اجتما ًعا عاجلاً اختيرت فيه الببغاء لت�شرف �إ�شرا ًفا كل ًيا ..على تنظيم حزن و�ألم الحيوانات ..حتى لا يتحول ا أل�سى الملكي إ�لى فو�ضى ..وحتى لا يتعار�ض مع فترات هياج و�صراخ الملك.. كانت �أيا ًما ع�صيبة!! إ�ذ اختلت ا ألمور في المملكة ..وتوقف العمل في كل دواوين ومكاتب الغابة الحكومية ..وتوقف �إعطاء �شهادات ميلاد للكتاكيت وا ألرانب والغزلان وت�سبب ذلك في التهام أ�عداد كبيرة منها �س ًّرا ..كما زيفت �شهادات الوفاة و أ�وامر الافترا�س وكانت الأوراق ت�ستخدم عدة مرات بلا رقابة حقيقية ..و�أقفلت الم�ست�شفيات ..ورف�ضت أ��سراب ( أ�بو قردان) إ�عطاء الحقن أ�و معالجة الجروح.. و�أعلنت أ�نه ما دام الملك ا أل�سد جري ًحا فكل الجراح بعد جرحه لا ت�ستحق ال�شفاء ..و�أنها لن تعالج �أح ًدا قبل أ�ن ي�شفى الملك ..كما أ�ن الهداهد أ��ضربت عن �إعطاء أ�ية �شهادات ر�سمية لل�سبب نف�سه ..وتعطلت الحياة الر�سمية في الغابة.. وا�ضطر الديوان الملكي �أن يعقد اجتما ًعا ها ًما �آخر ..لدرا�سة الأمر بعد كل هذه التطورات ..و�ضم الاجتماع (تعلوب) و(تعليب) من �أبناء 11 Kalilah and Dimnah final.indd 11 � ��/���� ��:� ��/
تعاليبو ..الم�ست�شار ال�سابق للملك ..والذئب (�سرحان بولينياب).. حار�س الخزائن الملكية الجديد والكلب (دحروج دي لمعووج) مدير البوابة الملكية و(ماتو الأفوكاتو) الحمار العجوز المتحدث با�سم الملك ا أل�سد في الهيئة العامة ل ألدغال و(دبدوب ال�سابع التابع) رئي�س الديوان الملكي ..والفيل (جنزبيل �أبو زلومة واحدة) قائد فرق الحر�س.. و(ديك النهار) ر�سول الات�صال بمملكة الطيور والغراب (النوحي) حامل خاتم المملكة وب�شير الخير ..و(مح�سوب القنفد المحبوب) الم�س ؤ�ول عن كل ا ألمور ال�شائكة.. ثم حاملي ا ألو�سمة والنيا�شين الزهرية وكذلك ر�ؤ�ساء مجلات و�صحف الموز الأخ�ضر ..و�أكثر من ذلك �ضم الاجتماع (بولودان الجبان) �آخر �سلالة (بولودان �أرنب ال�سهول) ..وكان الجميع يعرفون �أنه لا فائدة من ح�ضوره ..ومع ذلك دعوه دعوة ر�سمية حر ً�صا على أ�ن يكون الاجتماع ممثلاً لكل الطوائف الحيوانية ..وحتى لا تدعي �أي طائفة أ�و قبيلة حيوانية أ�نها �صاحبة الف�ضل في حل الم�شكلة ..إ�ذا حلت الق�ضية �صدفة أ�ثناء الاجتماع ولم يعلم بذلك �أحد.. وظل مجل�س الديوان الملكي ينعقد وينف�ض ..ثم ينعقد لينف�ض.. وارتفع ال�ضجيج والزعيق والنهيق أ�كثر من مرة وتكلم ع�شرات المخل�صين �أكثر من مرة وفي وقت واحد.. ومع ذلك ظلت الم�شكلة قائمة و�صراخ ا أل�سد ي أ�تي �إليهم من بعيد �أ�سو�أ مما كان ..و أ�خي ًرا و�صلوا لقرار حاز موافقة الجميع ور�ضاها ذلك ب أ�ن يظل المجل�س منعق ًدا ب�صفة دائمة حتى ُي�شفى الملك ..على �أن ت�صرف المكاف�أة المقدرة كل �ساعة.. وقدم الفيل اقترا ًحا ب أ�ن ي�ستعمل زلومته في �شفط البعو�ضة ح�سب نظرية تفريغ الهواء ..ولكن مخ الملك كاد �أن يخرج حين حاول ذلك ولم تخرج البعو�ضة واتهم بع�ض الحا�ضرين الفيل ب أ�نه يريد قتله لي�ستولي على العر�ش ب�صفته ولي العهد ..و أ�لقي به في ال�سجن فعلاً ..لولا تدخلت الملكة و�أفرجت عنه.. وفي إ�حدى نوبات الي�أ�س ا�ستطاع �سما�سرة ووكلاء �شركات المبيدات تحري�ض دعاة الحرب في الغابة ف أ�علنت الحرب �ضد كل الح�شرات و�ضد جن�س البعو�ض بالذات ..و أ�ريقت مئات الآلاف من 12 Kalilah and Dimnah final.indd 12 � ��/���� ��:� ��/
جالونات المبيدات ..وراجت �سوقها وارتفع �سعرها ..وانت�شرت عنها الإعلانات ..ولكن كل ذلك كان بلا فائدة !..بل وزاد أ�لم الملك الأ�سد ب�سبب إ�ح�سا�سه بالذنب حيال كل ح�شرة أ�و بعو�ضة تموت وهي تق�سم أ�نه لا ذنب لها فيما حدث!.. واقترح (ماتو الأفوكاتو) مفاو�ضة البعو�ضة وتنفيذ �شروطها إ�ن كانت ب�سيطة ..ولكن البعو�ضة رف�ضت أ�ن تخرج ل�شدة خوفها وبدون أ�ن تفكر في ا ألمر جي ًدا طلبت من الفيل �أن ي أ�تي �إليها حيث هي ليفاو�ضها.. ولم تكن البعو�ضة باقتراحها تق�صد �أن تجعل الأرنب (بولودان ال�صغير) ي�ضحك تلك ال�ضحكة ال�ساخرة ب�سبب خياله المري�ض.. فقد تخيل ما يحدث لو أ�ن الفيل وافق بالفعل ..ودخل �إليها ..لذا �ضحك �ضحكة الموت التي كانت �ضحكة طويلة مجلجلة وماجنة و�ساد ال�صمت الرهيب الحزين ..مما جعل الجميع ينظرون �إليه.. وقد طر�أت لهم جمي ًعا فكرة التهامه ..لولا أ�نه كان ع�ض ًوا في البلاط الملكي وله ب�سبب ذلك نوع من الحماية الملكية! ولم يكن من الممكن �أن ت�ستمر الأمور على هذه الحال.. فالم�صالح معطلة والحيوانات تركت البحث عن طعامها ..واكتفت بالحديث الذي لا ينتهي حول المو�ضوع ..وما العمل؟!.. الحيوانات ال�صغيرة تطلب اللبن ..وموظفو الغابة جمي ًعا لم يقب�ضوا مرتباتهم بحجة أ�ن اجتماعات الديوان الملكي ت�ستهلك كل الميزانية.. ا ألخطر من ذلك �أن الهم�سات بد أ�ت تعلو ..وبد أ�ت الهيبة الملكية في الانهيار ولم يعد أ�حد يعمل ح�سا ًبا لنوم �أو يقظة الملك.. �إذ كانت الحيوانات ال�صغيرة تت�سلل خلف العرين وهي تكتم �ضحكاتها لت�سمع ا أل�سد وهو ي�صرخ قائلاً .. يا جـــــمــــاعــة حــو�شــــــــــوني.. ودانـــي بيـــــــــــــاكلــــــــــــوني.. وب�إيعاز من أ��شخا�ص مجهولين �أ�صبحت هذه الجملة أ�غنية يغنيها ال�صغار حينما يلعبون في الم�ساء.. ولما و�صلت ا ألمور إ�لى هذا الحد ..قرر مجل�س العرين الملكي بناء على تو�صية الملكة ..الت�ضحية بن�صف المملكة جائزة لمن ينقذ ما تبقى من الهيبة الملكية ويخرج البعو�ضة ب�أية طريقة ممكنة.. 13 Kalilah and Dimnah final.indd 13 � �� ���� ��:/�/��
وطارتالغربان�إلىكلمكانيقودها(غرابالبين)تعلنفيكل أ�نحاء الغابة والغابات المجاورة عن القرار بر�صد ن�صف العر�ش والغابة جائزة لمن يريح ا أل�سد من آ�لامه ب أ�ية طريقة ولمن يخرج البعو�ضة ب�أي �شكل.. وو�صل الخبر �إلى جدي العظيم ..ب�سبو�س الذي كان يراقب ا ألمور من بعيد ..وينتظر أ�ن تتعقد إ�لى هذه الدرجة ..فالتف َت في وقا ٍر وجد� ،إلى جدتي بعد �أن ترك ال�صحيفة التي كانت تن�شر الخبر ..وقال وهو يبت�سم ابت�سامة م�شرقة خا�صة به.. -لقد جاءت اللحظة وحان وقت العمل ..إ�لى اللقاء ..و�سوف أ�ر�سل لك من ي أ�تي بك ..في موكب يليق بملكة!! ارتفع �صوت البوق النحا�سي الكبير معل ًنا ترحيب الغابة بالقادم من بعيد ..وتبعت ذلك أ��صوات ا ألبواق ا ألخرى في �أيدي حرا�س الغابة ا أل�شداء� ..سلام عظيم.. اهتزت الأر�ض والأ�شجار تحت أ�قدام حرا�س الغابة الذين كانوا مدربين على مرا�سم الاحتفالات الر�سمية منذ نعومة �أظافرهم ..وتلفتت الر ؤ�و�س الملونة وذات القرون ..وتطلعت العيون ..وتراق�صت ا آلذان على اختلاف الأ�شكال والأحجام ..واهتزت ال�شوارب على اختلاف �أنواعها ..وقد �سرى بينها الخبر ..فالر�سول الملكي يرتدي حلة ر�سمية وي�شق طريقه و�سط جموع الحيوانات وهو يعلن ب�صوته الباكي من �شدة الفرح.. مــبــــــــروك يا ملك الزمـــــــــــان جـــــــاء الفـــــــرج وا ألمــــــــــان أ�كـــــبـــر حــكــيــم للـــــــــودان.. أ�ر�سلني لك بالــــــــــــــــــــب�اشرة و�اصح الملك ا أل�سد المري�ض ودنــي وقلـــبي �صـــــــــــــــريح يا �أبا الل�ســـــــــــــــان الف�صــيح إ�ذا كــــان كــــلامك �صحــيــــح بـ�ســـرعــة هات القــمـــــــــارة ولم يخب ظن الملك ا أل�سد ..فقد و�صل الحكيم المذكور الذي أ��صبح ا�سمه على كل ل�سان في لمح الب�صر ..جاء راك ًبا النهر العظيم في قارب 14 Kalilah and Dimnah final.indd 14 � �� ���� ��:/�/��
فخم �صنعته له قبائل من طيور نقار الخ�شب ..على �سبيل الهدية ..و�إن كان جدي قد وعدها �س ًّرا ب إ�طلاق مناقيرها في �أ�شجار الغابة.. وكانت لحظة نزول جدي من قاربه إ�لى ال�شاطئ لحظة رهيبة.. فقد كانت كل الحيوانات تقري ًبا هناك ..الكبير وال�صغير ..المقرن وعديم القرون ..المفتر�س والوديع ا ألزعر وطويل الذيل ..أ�خذت تظهر إ�عجابها في تلك الطلعة البهية الرائعة.. و أ�بدى الجميع �إعجابهم هم�ًسا ب�شوارب جدي المبرومة وقبعته العالية ذات الري�شة الحمراء التي ترفرف في الهواء. بينما�أخذت إ�ناثالحيواناتمنعائلةال�سنانيرواللبوناتتظهر�إعجابها ال�شديد ببذلته ال�سوداء وقمي�صه المنقط وياقته العالية ..وذيله الممدود بطريقة �أفقيةوب�شكلم�سرحيجعلالحيواناتال�صغيرةالحمقاءتهتفلجديبحما�س وفرح نا�سية جلال الموقف ورهبة مر�ض ا أل�سد الملك.. وفي الحقيقة ..كان جدي ب�سبو�س دكتو ًرا حقيق ًيا محتر ًما ي�ستحق كل ذلك ..كان �شديد الثقة بنف�سه وله حق ..فلقد ح�صل على أ�رقى ال�شهادات الدرا�سية ابتدا ًء من �شهادة الـ 100%محو ا ألمية حتى الدكتوراه الفخرية في الاقت�صاد ال�سيا�سي من �أ�شهر جامعات الغابات ال�صنوبرية الأمريكية وغابات ما وراء البحار الا�ستوائية. ولذلك فهو يعرف ويفهم في كل فروع المعرفة ..ويعلم كل �شيء يمكن �أن يخطر ببال ِقط ابتدا ًء من التركيب ال�سري لمعاجين ا ألنياب الأ�صلية ..وانتها ًء بفائدة ا ألجزاء الجافة من ثمرة البلوط ..كما أ�نه يحفظ عن ظهر قلب كافة قوانين الغابات المدارية وا ألفريقية.. باخت�صار ..كان جدي عبارة عن دائرة معارف حيوانية ت�سير على أ�ربع ..وفي الحقيقة كان عبقر ًيا تما ًما.. تقدم الفيل من جدي وح ّياه تحية الملوك ..وكانت تليق بجدي ح ًقا ..أ�لم تقف الغابة له على �ساقين ..وا�ستعر�ض معه حر�س ال�شرف نيابة عن الملك المري�ض.. قد �سبقت �شهرة جدي و�صوله �إلى الغابة ..و إ�ن كان هو الذي دبر ذلك بما يعرفه من أ��سرار فن ا إلعلام والإعلان والدعاية.. وعرفت الحيوانات عنه كل ما تحب أ�ن تعرفه الحيوانات عن العظماء والم�شهورين ..ماركة طلاء أ�ظافره وطريقة تم�شيط �شعر ذيله �أيام 15 Kalilah and Dimnah final.indd 15 � ��/���� ��:� ��/
العطلة ..وتفا�صيل البحث الذي تقدم به للدكتوراه ..وكان ذلك بف�ضل بع�ض الحيوانات التي دعاها بطريقة غير مبا�شرة لتن�شر عنه هذا في كل �أنحاء الغابة وت�ؤكد للجميع �أن الدكتوراه في الاقت�صاد ال�سيا�سي ..هي نف�سها الدكتوراه في علم البعو�ض و�أمرا�ض الأذن! و�سار جدي وهو ينظر �إلى جموع الحيوانات بحب ويحييها بهز ٍة خفيف ٍة ر�شيقة من ر أ��سه كل خطوتين ..فارتفعت الهتافات ورق�صت الأعلام الملونة والأغ�صان والزهور تحيي المنقذ العبقري.. ورف�ض جدي �أن يحمل (دبدوب ال�سابع تابع) حقيبته وحملها بنف�سه ف�صفقت الحيوانات إ�عجا ًبا بتوا�ضعه ..وا�ستمرت ت�صفق لكل حركة ي�أتي بها ..ولأي �شيء يفعله ..حتى أ�نهم �صفقوا له عندما توقف م�ضط ًرا كي يهر�ش �أذنه ..وظنوا �أن لذلك علاقة بالقدرة على �شفاء �أذن الملك.. وفي ال�ساحة أ�مام العرين ..كان ا أل�سد يجل�س وقد أ�جبروه على ارتداء ملاب�سه الثقيلة ..وتاجه النحا�سي الذي كان يزيد إ�ح�سا�سه با أللم وال�صداع ..ولكن ماذا كان يمكن أ�ن يفعل غير ذلك ..وقد �أقنعوه باتباع البروتوكول ..حتى لا يظن القط العظيم أ�ن ملك الغابة أ�قل مدنية وتح�ض ًرا ..من الحيوانات التي عا�ش بينها ودر�س في جامعاتها.. وا�ستطاع الأ�سد أ�ن يداري �آلامه في ابت�سامة �ضعيفة ترحي ًبا و إ�عجا ًبا بال�ضيف الذي لم ير مثله في حياته ..وبنظر ٍة واحدة �ألقاها جدي على الملك والأتباع ..وعلى الحيوانات عرف بال�ضبط الخطة التي �سيتبعها.. فقد كان جدي أ�ذكى من �أن يكون ق ًّطا عاد ًيا ..و أ�عظم من أ�ن يكون دكتو ًرا فقط ..لقد ُخلق جدي ليكون مل ًكا وابن ملك ..مع �أن والده كان ح ّما اًل في منطقة المنابع العليا.. و أ�خذ جدي ينظر �إلى الحا�ضرين ب�صرامة وفي عيونهم مبا�شرة حتى �ساد ال�صمت تدريج ًيا ..وحل �سكون رهيب وقلق ،فج أ�ة� ..شد جدي أ�ذن ا أل�سد المري�ض بقوة ف�صرخ الأ�سد من المفاج أ�ة والألم� ..صرخة فزعة م�ضحكة ..لا تليق ب أ��سد ..مما جعل ا ألرنب (بولودان) يكرر خط�أه ..وي�ضحك مرة أ�خرى بنف�س الطريقة ..ف أ�خجل الجميع.. ولكن القط كان يبحث عن فر�صة كهذه فلم ي�ضيعها ..وت�صرف بذكاء نادر وح�س ٍم �شديد ..ف أ��صدر حك ًما -وك�أنه الجهة التي من حقها �إ�صدار ا ألحكام -ب�إعدام الأرنب جزاء تطاوله على الح�ضرة الملكية.. 16 Kalilah and Dimnah final.indd 16 � �� ���� ��: �/��/
وعدم تقديره واحترامه للعلاج المقد�س.. وكان بريق عيون جدي يثير الخوف في قلوب �أ�شجع الحيوانات.. فارتعد �أع�ضاء الديوان الملكي أ�نف�سهم ..وانكم�شت أ�ج�سادهم وارتع�شت آ�ذانهم وهي ت�سمع �صراخ الأرنب الم�سكين يطلب الرحمة ولا من رحيم ..وبعد �أن اطم أ�ن جدي ل ألثر الذي أ�حدثه �إعدام الأرنب الم�سكين � -أول �ضحايا خطته ..عاد لا�ستئناف عمله ك�أن �شي ًئا لم يحدث.. فتح جدي حقيبته و أ�خرج منها عد ًدا من ال�شواكي�ش والمفكات والمنا�شير والمثاقب ..جعلت الأ�سد يرتعد رع ًبا مما يمكن �أن يحدث.. ولكنه اكت�شف �أن الخوف لا يليق بالملوك ..ف آ�ثر ال�صمت وال�صبر.. وتعمد جدي �أن يزيل خوفه بابت�سامة �ساحرة من ابت�ساماته الدبلوما�سية التي أ�تقنها خلال عمله ل�سنوات طويلة في الهيئة العالمية العامة ل ألدغال ومنظماتها المختلفة.. وبد أ� يدق هنا ويقر�ص هناك ..وي�شد هنالك ..كل ذلك فوق ر�أ�س الملك وعلى عظامه وا أل�سد يتحمل في �صبر يليق بالملوك ..وفج�أة غز جدي ا أل�س َد غز ًة �شديدة ..كاد الأ�سد معها �أن يغمى عليه لكنه لم ي�صرخ بعد أ�ن �شاهد ما حدث ل ألرنب واحتمل كل ذلك في �شجاعة.. ا�ستمر جدي في الغز والدق والن�شر حتى تمنى الأ�سد الخلا�ص من حياته ليتخل�ص من كل هذه ا آللام ..وحتى ينتهي هذا العذاب المهين.. وملأ الخوف قلوب الحيوانات جميعها وزاد احترامها لجدي وهي ترى الأ�سد نف�سه يتلوى بين يديه كالجرذ ..وكانت من فرط �صمتها ت�ستطيع أ�ن ت�سمع دقات قلوبها المرتجفة.. وبعد �ساعة رهيبة تكلم جدي ..وا�ستمع |لجميع �إليه مثل �ساحر لا راد لكلماته ..نادى جدي الفيل ،فجاء يتعثر محاو اًل �إخفاء ذيله بين فخذيه.. ووقف �صام ًتا ينتظر الأوامر ..وهنا �أمره جدي بتكتيف الأ�سد وربطه في خ�شبة ..ربطة �صيادين ..وحمله مع فيل �آخر� ..إلى �شاطئ النهر.. ولم يترك جدي ألحد فر�صة للتفكير ..فقد كان يوزع ابت�ساماته ال�ساحرة على الجميع بلا تفرقة ..حتى ت�سا ؤ�لات الأ�سد عن نوع العلاج رد عليها جدي بب�سمة أ�كثر إ��شرا ًقا ..تلين قلب الحجر ..وانطلق أ�ع�ضاء مجل�س الديوان الملكي يف�سحون الطرق �أمام جدي ..وعند ال�شاطئ أ��شار ب أ�ناقة �إلى الفيلين الذين يحملان الخ�شبة التي يتدلى منها ج�سد الملك المري�ض، 17 Kalilah and Dimnah final.indd 17 � �� ���� ��:/�/��
فنزلا �إلى النهر وب إ��شارة أ�خرى �أغرقا ر أ��س الملك حتى الرقبة في الماء.. وده�شت الحيوانات ..فم�ضت ت�ضرب ظف ًرا بظفر وتتعجب لجهلها وغبائها ..إ�ذن فقد كان الأمر على هذه الدرجة من الب�ساطة.. منذ البداية ..يتدلى ر�أ�س الملك في الماء فتغرق البعو�ضة وتموت ..أ�و ت�ضطر للخروج ..هذا هو كل �شيء ..و أ�خذت تتعجب لقدرة العلم على اكت�شاف مثل هذه ا أل�شياء الب�سيطة ج ًدا ..فكم من ال�سنوات ق�ضاها ذلك القط في المذاكرة وال�سهر حتى ي�صل بكل ب�ساطة إ�لى هذه الفكرة العبقرية؟! ولما اقتنعت الحيوانات ب�أن الفكرة العبقرية إ�نما تكون من �صنع عقل عبقري ..ارتفع ال�صياح فر ًحا مر ًحا وخا�صة عندما خرجت البعو�ضة ..فرق�صت الحيوانات وهي تغني في جنون: خرجت خرجت خرجت خرجت زي ما دخلت رجعت خرجت.. ولم يكن �أحد يدري � -سوى جدي طب ًعا � -أن روح الملك ..قد خرجت هي الأخرى. ولما وجدت البعو�ضة نف�سها وقد تحررت من �أ�سر أ�ذن الملك.. م�ضت تحوم حول الجميع بطريقة لم تعط �أح ًدا فر�صة للتفكير في �شيء �سوى الهرب ..إ�ذ كان �سرور البعو�ضة لخروجها يفوق �سرور الحيوانات فم�ضت ترق�ص فوق ر�ؤو�س الجميع ..وحاول الفيل �أن يه�شها فقر�صته ..فترك الخ�شبة التي يحملها وانطلق يجري ..ألنه يعرف أ�ن �أذنه كبيرة ج ًدا وقد تغري البعو�ضة بالدخول ..ولما ر أ�ت الحيوانا ُت الفي َل يجري خائ ًفا .والبعو�ضة تطارده �ضاحكة ..انطلقت هي ا ألخرى تجري وت�صيح.. في نف�س الوقت الذي غا�صت فيه الخ�شبة ب�سبب ثقل ج�سد الأ�سد المكبل والمحمل بردائه وتاجه الملكي إ�لى �أعماق النهر� ..إلا أ�ن اتها ًما �صغي ًرا هم�س به جدي في أ�ذن الفيل ب�أنه تعمد ترك الخ�شبة أ�و على الأقل ت�سبب بجبنه في قتل الملك ..جعل الفيل يرتعد ويظهر �إخلا ً�صا أ��شد لجدي.. وهكذا يا أ��صدقائي تم ا ألمر لجدي العظيم ..ح�سب ما فكر ودبر ولم يعتر�ض �أحد على توليه عر�ش الغابة.. على العك�س تما ًما ..لقد رحبت الملكة بذلك ..وتولى مجل�س البلاط 18 Kalilah and Dimnah final.indd 18 � �� ���� ��:/�/��
�إعداد القانون الذي يعطي لتتويج القط �شرعية قانونية ..ب�إ�ضافة مادة إ�لى قانون الغاب تراعي الظروف الا�ستثنائية ..و�أظهر الفيل ن�شا ًطا ملحو ًظا في ت�سوية كل الم�شاكل القانونية وفي مناق�شة كل الم�سائل.. ال�شرعية التي كانت تمنع ذلك ،مع �أنه كان ولي العهد الأحق بتولي عر�ش الغابة. وجمع جدي أ�دواته في هدوء �شديد وم�ضى إ�لى حيث كان كر�سي العر�ش ينتظره في هدوء أ��شد ..فا ألقوى في �ساعات الفو�ضى هو الذي يكون �أكثر هدو ًءا ،هكذا علمته الحياة. وهكذا يا �أ�صدقائي أ��صبح جدي مل ًكا على الغابة ..و�ُسمي با�سم ب�سبو�س ا ألول.. وهذه هي الق�صة كما حدثت وكما ترويها الوثائق الر�سمية ..فهل �أنا �أحكي ق�ص ً�صا خيالية؟.. احكموا أ�نتم يا أ��صدقائي ..فقد حكيت لكم ق�صتي بكل �صدق.. ولكم أ�ن تقولوا ل�صاحبي ر�أيكم بكل �صراحة ..لأنه يجب على الإن�سان -كما يقول هو نف�سه � -أن يقول الحقيقة ولو مرة واحدة لبني الإن�سان. ونظر ب�سب�س إ�ل ّي في �سخرية وم�ضى يت�صرف ك�أي قط عادي.. بينما �شعرت أ�نا أ�نني هزمت هزيمة كاملة ..فالحكاية محبوكة ..ولا ي�ستطيع أ�حد �أن يتهمه بالكذب ..ب�سهولة.. على �أية حال ..ا ألمر متروك لكم ..إ�ن أ�ردتم �أن ي أ�خذنا هذا القط العجيب إ�لى مملكة جده ال�ساحرة مرة أ�خرى ..فما عليكم إ�لا �أن تطلبوا منه ذلك ..لأنني في الحقيقة خجل منه ..فقد ظلمته حين اتهمته بالكذب في البداية ..ألن هذه الحكايات الخيالية أ�حيا ًنا ما تحدث في الواقع بنف�س الطريقة ..واقر أ�وا التاريخ� ،ستجدونه ذاخ ًرا بمثل هذه ا ألحداث وتلك الممالك! .............................. 19 � ��/���� ��:� ��/ Kalilah and Dimnah final.indd 19
Kalilah and Dimnah final.indd 20 ��/� /���� ��:�� �
ملاعيب تعاليبو (ق�صة حياة – ثعلب) Kalilah and Dimnah final.indd 21 � �� ���� ��: �/��/
عملية ال�سرقة الكبرى كان ياما كان -مثلما تقول الحواديت في كل زمان ومكان � -سنقول كان ياما كان -يا �سعد يا �إكرام في �سالف الع�صر والأوان ،حدث في الزمان البعيد ..البعيد قبل أ�ن يولد جد جد جد جدي العزيز. في ذلك الزمان الذي كانت الحيوانات فيه ت�ستطيع الكلام -فت�صبح ملو ًكا و�سلاطين ،حدث في غابة كبيرة بالقرب من النهر العظيم والجبل العالي،وقري ًبامنالواديا ألخ�ضرالخ�صيبالذيينتهي�إلى�شاطئالبحر العميق -وفي نف�س المكان الذي ولدت بالقرب منه قريتنا ،حدث �أنه كانت تعي�ش جماعات من الحيوانات من كل ا أل�شكال وا ألنواع والألوان.. �سباع ودببه ،نمور وفيلة ،وغزلان و�ضباع و�أرانب ،ذئاب وثعالب ..آ�كلة نمل و آ�كلة ح�شائ�ش ،زرافات وزرابين ..فئران وجعارين ..بع�ضها له لون الذهب والآخر له لون الطين. وكانت ترافقها طب ًعا جماعات من الطيور ،هداهد وببغاوات ون�سور ،نقارو خ�شب ودجاج بري و�صقور .قبائل وع�شائر لا ح�صر لها ولا عد من ذوات ا ألربع ومن ذوي الاثنين ومن �أ�صحاب ال�ست والثماني بل (وا ألربع والأربعين) قد ًما و�أكثر!. وكان على ر أ��س كل هذه القبائل والجماعات ،ملك �أ�سد �شاب، قوي ،و�سيم ،مهاب ،يملك لبدة قديمة رائعة ،ورثها عن جدوده ا ألقدمين ،لها �سحر وخطر ،ولذلك �ُسمي الملك ال�ضرغام ال�ساد�س ع�شر ((�أبو لبدة المده�ش)).. وبعد �أن جل�س �صاحبنا ((�أبو لبدة المده�ش)) على عر�ش �أجداده بوقت قليل ..بد�أت تلك الحكاية التي لي�س لها نهاية.. في ليلة من الليالي القمرية ،كانت �أ�شعة القمر الف�ضية تفي�ض فوق الحقول والتلال وتحيط الجبل البعيد والغابة الكبيرة ب�سحر غام�ض مجهول ،وتر�سم ال�شجر ظلا ًال على الطرقات والم�سالك .وب�ضع نجوم قليلة �ساهرة ،ترقب الأر�ض والحقول الخالية -أ�و التي تبدو خالية، كان الفلاحون في القرية ال�صغيرة قد عادوا إ�لى بيوتهم قبل غروب 22 Kalilah and Dimnah final.indd 22 � �� ���� ��: �/��/
ال�شم�س ،وناموا -فا�ستيقظت في الحقول والبراري حياة �أخرى. أ�خذت ال�ضفادع ال�ضخمة تمرح وتغني في الم�ستنقعات البعيدة المجهولة ،وعلى �شواطئ الجداول والقنوات ،يطارد بع�ضها البع�ض أ�و تطاردها الثعابين .وانطلقت فرق كاملة من الجنادب و�صرا�صير الحقول تعزف وت�صفر أ�لحا ًنا بدائية جميلة. والتفت عائلة كاملة من القنافذ حول جدتها العجوز ت�سمع لها وهي تحكي الحكايات العجيبة عن �أجدادها ،يوم كانوا يحكمون العالم قبل �أن ت�سوء الحال -ويطرد جن�س ذوي الأ�شواك �إلى ا ألماكن المهجورة المهدمة ،بلا قوة �أو حماية �سوى تلك ا أل�شواك التي كانت زينة لطبقة الحكام في يوم من الأيام. وعند�شاطئالنهركانابنعر�سيت�شاجرمعقطةبريةلأنهاتحاول أ�ن تتقا�سم معه البي�ض الذي �سرقه من ع�ش غراب نوحي ي�سكن عند المنعطف.. و أ�غم�ضت حد أ�ة عينيها وراحت في نوم هادئ لذيذ بعد يوم طول ق�ضته في الطيران على ارتفاع كبير في الوقت الذي راحت فيه ((�أم قويق)) تحكي لابنها ال�صغير (قويق) عن مغامرة مثيرة وهي تحاول �أن تدربه على حيل ال�صيد والانق�ضا�ض الفجائي في الظلام.. كان كل �شيء يبدو هاد ًئا ..وعاد ًيا ..ومكر ًرا ..وم�شغو اًل بنف�سه ،لا أ�حد �سوى ((تعاليبو)) كانت �شغلته أ�مور أ�خرى غير عادية.. كان قلبه يدق بعنف ..وعقله يعمل بن�شاط ..كان ((تعاليبو)) م�شغو ًال يفكر ويدبر �أم ًرا خطي ًرا ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي يفكر فيها (تعاليبو أ�و ين�شغل ب�أمر خطير.. لكن تعاليبو كان يعتبر العملية التي �سيقوم بها الليلة ..من أ�خطر العمليات التي يجب القيام بها ..لقد كانت المرة ا ألولى التي يهاجم فيها مكا ًنا �ضمن حدود القرية ..التي كان هناك اتفاق غير مكتوب لكنه (مختوم) من كل الحيوانات بعدم تخطيها �أو الاعتداء عليها.. ولكن تعاليبو لم يكن من النوع الذي تقف مثل هذه العقبات في طريق رغباته ..ولقد ق�ضى وق ًتا طويلاً ..يدر�س كل �شيء ..الطرق.. والم�سالك ..ويراقب رعاة القرية وهم يدخلون ويخرجون ..وعرف �ساعات نومهم ..و�أماكن كلاب الحرا�سة ..ولم يترك احتما اًل واح ًدا لم يعمل ح�سابه ..و�أ�صبح كل �شيء مع ًدا ..لكي يثبت للجميع ..أ�ن قدرته 23 Kalilah and Dimnah final.indd 23 � �� ���� ��:/�/��
وذكاءه أ�كبر من أ�ن ت�سعها حدود الغابة والبراري فقط ..و�أنه ي�ستطيع حين يريد أ�ن يهاجم ا إلن�سان في داره ..و�أن ينت�صر عليه أ�ي ً�ضا.. الليلة �سوف تقتحم يا تعاليبو ..حظيرة الأغنام.. وكان هذا قرا ًرا هم�س به تعاليبو لنف�سه وهو منطلق و�سط الأحرا�ش ..يراقب ..ويت�أكد من المعلومات التي جمعها عن الحظيرة.. أ�نه يعلم أ�ن الليلة تزدحم الحظيرة بع�شرات من الحملان ال�صغيرة.. و أ�ن من بينها ذلك الخروف الأبي�ض الذي حلم به ليا ٍل طويلة منذ ر�آه ي�شرب من النهر ذات يوم وك�أنه قطعة من القمر الف�ضي.. بعد فترة �سي�سود الهدوء ،وبعد أ�ن ينتهي الرعاة من ح�ساب المواليد الجديدة� ،سيقترب الفجر و�ستتعب الكلاب قليلاً ..وتكف عن العواء، وتخلد للراحة اطمئنا ًنا لقرب النهار ..وللثقة أ�نه ولا �أبو لبدة المده�ش نف�سه يفكر في غزو القرية.. وعندما و�صل تعاليبو إ�لى هذه النقطة كان قد و�صل إ�لى قمة تل �صغير ..فنظر إ�لى ال�سماء التي ي�سبح في بحرها القمر ..وامت ألت عيونه بالثقة ،و أ�طلق �صيح َة جو ٍع مميزه ،فرفعت الحد�أة ر أ��سها ببط ٍء ونظرت نحوه وابت�سمت في هدو ٍء وانكم�ش ((قويق)) ال�صغير في ح�ضن �أمه البومة بينما قفزت ال�ضفادع ال�ضخمة إ�لى الماء وكفت عن الثرثرة ..وهرب ابن عر�س والقط واختفيا وكل منهما يهدد الآخر ويتوعده بالهزيمة والعقاب في وقت آ�خر ..وتكورت عائلة القنافذ و�سكنت كالحجارة.. و�صمت كل �شيء ،ولمعت مئات العيون واهتزت ع�شرات ا آلذان.. ت�سمع خطى ((تعاليبو)) ...ف�أح�س أ�نه في مملكته الحقيقية و�أن ((�أبو لبدة المده�ش))يتمنىلوكانفيمو�ضعهومكانه،وفكرفي أ�نع�شراتالوحو�ش �سوف تتحدث عنه باحترام عندما تعرفا ال�شيء الذي يجعله ي�صيح ا آلن! وهنا رفع ر�أ�سه ومد رقبته ،و�صاح �صيح ًة أ�خرى لها طابع آ�خر، كانت �صيحة �أعجاب بنف�سه هذه المرة .انطلق على إ�ثرها يبحث عن الحلقة الأخيرة في خطته الكبرى.. لقد دبر كل �شيء ..من أ�ين �سيدخل الحظيرة وكيف؟ ..ومتى �سي�صل �إلى هناك ..وكيف �سيهرب �ساعة الخطر ..وهو يعرف تما ًما �أين �سيكون (( َح َم َله)) ا ألبي�ض المف�ضل ،كل �شيء جاهز ما عدا ..ذلك ال�شخ�ص الذي �سي�ؤن�س وحدته عند الذهاب!! وي�شغل الرعاة وكلابهم 24 Kalilah and Dimnah final.indd 24 � ��/���� ��:� ��/
عنه عند الهرب ..فهو يعرف يقظة الرعاة و�شرا�سة كلابهم ولا يريد أ�ن يعر�ض لحمه لأ�سنانهم الحامية ولا بد من رفيق غبي ي�سهل خداعه.. ليقع بين أ�نياب الكلاب بد ًال منه.. وفج أ�ة� ..صرخ (تعاليبو): -بوولينياب!!! نعم بولينياب ولا �أحد غيره.. وما �أن نطق بالا�سم حتى �أخذ يقفز �سعي ًدا ،يطارد ذيله المنفو�ش وهو يدور حول نف�سه ،وكانت هذه عادته المف�ضلة كلما هز قلبه الفرح ه ًزا �شدي ًدا.. نعم هو (بولينياب) ولا أ�حد غيره ي�صلح لهذه المهمة ..ف�إنه على الدرجة الكافية من الغفلة لي�صدق تعاليبو ،مهما كان كلامه بعي ًدا عن الت�صديق ،وهو على درجة عظيمة من الغباء والحمق تكفي ليكون الفري�سة ال�سهلة للكلاب. وكان تعاليبو واث ًقا من �أنه �سيخدع (بولينياب) ،فله معه تجارب وق�ص�ص وحكايات كثيرة ..وكانت ثقته الكبيرة في نجاحه هي �سر �سعادته الغامرة ومطاردته لنيله بهذه الطريقة. ثماكتملت�سعادةتعاليبوعندمالمحورقةبي�ضاءتطاردهاالريحفي�ضوء القمر،ف�أ�سرعوراءهاو أ�م�سكبهاونظفهاجي ًداوطواهابعنايةوحر�ص،ثم انطلق كال�سهم ر�أ�ًسا �إلى بيت الذئب (بولينياب) � -صديقه اللدود!!! كان (بولينياب) يرقد �أمام بيته جائ ًعا يت�أمل القمر في غيظ ،وهو يتمنى لو اختفى �أو ان�شقت ال�سماء وابتلعته إ�لى الأبد لأنه ال�سبب في قلة الطعام والفرائ�س ،فالليالي المظلمة فقط – هي التي ت�سهل لل�صو�ص الحظائر ..ومفتر�سي الحيوانات ال�صغيرة عملهم الليلي!! وانتبه (بولينياب) عندما لمحت عينه المفتوحة دائ ًما غريمه (تعاليبو) حذر ،وبعد قليل قام في عينه الثانية و أ�خذ يراقبه قاد ًما من بعيد ،ففتح خفة ويرق�ص – قادم في �أن (تعاليبو) الذي يقفز ن�صف قيام حين ت�أكد نحوه كالريح ..عندها هم�س لنف�سه: -لابد أ�ن �شي ًئا خطي ًرا هو الذي جاء (بتعاليبو) �إلى هذه الناحية في ليلة كئيبة مقمرة مثل هذه الليلة ،وازدادت ده�شة (بولينياب) وفا�ض به حب الا�ستطلاععندمار أ�ى(تعاليبو)يلوحلهبورقةبي�ضاءتلمعفي�ضوءالقمر! ولما و�صل (تعاليبو) �إلى حيث كان يقف م�شه ًرا �أذنيه ..كان 25 Kalilah and Dimnah final.indd 25 � �� ���� ��:/�/��
حب الا�ستطلاع قد بلغ به مبل ًغا كبي ًرا وخيل إ�ليه �أنه �سوف يموت من اللهفة لمعرفة (ال�سر) على الفور .لكن (تعاليبو) الذي يعرفه جي ًدا تعمد �أن يراوغه ،ف أ�خذ يلهث من التعب وهو يدعى أ�نه لا ي�ستطيع الكلام، محاو اًل أ�ن يلتقط أ�نفا�سه ،ونفذ �صبر (بولينياب) فزمجر غا�ض ًبا.. -ما الحكاية؟ عند ذلك ،التقط تعاليبو �أنفا�سه ..وقال: -حكاية!! لكنها مثل الرواية؟ عجيبة غريبة ،يا (بولينياب) يا حبيبي ولا تحدث �إلا مرة واحدة في كل قرن من الزمان ،وكتم (بولينياب) زمجرته و�صرخ وقد نفذ �صبره: -وما هي؟ فابت�سم (تعاليبو) وهو يهم�س في �إغراء.. -اللحم يا (بولينياب) اللحم� ،أب�شر ،يكوم من اللحم الطازج اللذيذ ،كوم كالتل ولا يختل. وفقد (بولينياب) الجائع الغا�ضب وقاره عند �سماعه لكلمة اللحم، ف�صاح وهو يلتفت في لهفة حوله: -أ�ين؟� ..أين هو؟ وفي �أي ناحية� ،إنني �أكاد أ��شم رائحته يا أ�عز ا أل�صدقاء� .أين؟ ..إ�ن بطني خاوية ك�صفحة هذه ال�سماء. فتظاهر (تعاليبو) بالحزن وقال: -ولكنك طب ًعا كعادتك �ستذهب للحم وحدك ،وتتركني.. فاحتج بولينياب ،م�ستنك ًرا: -أ�نا؟ ..كيف �س أ�ذهب وحدي؟ إ�نك �أنت الذي تعرف أ�ين تلك الوليمة! و�سكت برهة ثم قال: -أ�ية وليمة؟.. -فقال (تعاليبو): � -إنك �أنت المدعو �إلى الوليمة ،أ�ما �أنا فلم يرد ا�سمي ،في ك�شوف المدعوين الر�سمية! وطب ًعا لن ت�أخذني.. فربت (بولينياب) على ظهر �صديقه في حنان زائد وهو يقول.. � -أنا؟ أ�ب ًدا ..أ�نت إ�ذن لا تعرف (بولينياب) ،لا..لا� ..أنت لا تعرفني بالت أ�كيد .قل لي �أين هي ،و�سنذهب م ًعا ..طب ًعا! 26 Kalilah and Dimnah final.indd 26 � �� ���� ��:/�/��
هد�أ تعاليبو بعد أ�ن ت أ�كد �أن (بولينياب) �أ�صبح م�ستع ًدا ،لابتلاع ال�ش�ص كاملاً ..فقال: -إ�نها دعوة �إلى وليمة فاخرة ،تقام كل مائة عام ،احتفا ًال بذكرى ا�ستئنا�س ا إلن�سان للخرفان هناك في حظيرة القرية ..وقد �أعطوني بطاقة الدعوة الخا�صة بك ولي�س لي واحدة مثلها! ثم �سلمه تلك الورقة البي�ضاء التي وجدها في الطريق ،بكل احترام وتبجيل فتناولها (بولينياب) منه بكل اهتمام وعظمة ..و�أخذ يقلبها بين يديه بكل غباء ،وهو لا يفهم �شي ًئا فاقترب منه و�س أ�له: -ولكن ما هذه الورقة؟ فقال (تعاليبو): إ�نه الخطاب المر�سل إ�ليك ،الدعوة� ..صحيح أ�نني ت أ�خرت قليلاً ولكن ما زالت �أمامك فر�صة اللحاق بالوليمة حتى قبل �أن تبد أ�! وزادت حيرة بولينياب وهو يتذكر حكايات كثيرة ووقائع حدثت بينه وببين (تعاليبو) فقال: ا�سمع يا (تعاليبو) لقد لعبت بي مرات عديدة من قبل و�أنا أ�غفر لك الكثير ألنني �سرعان ما أ�غفر حتى لأعدائي ولكن لا تفعل معي �شي ًئا �سي ًئا الليلة ،هذه الليلة بالذات .ف�أنا جائع ،ولن أ�حتمل �أي خداع في مو�ضوع الطعام �أو الولائم!! ليكن حديثك معي حديث (جد ..في جد)!! وهنا تظاهر(تعاليبو) بالغ�ضب والحزن لأن بولينياب ي�شك في جديته ،و�صاح: لقد جريت أ�كثر من ع�شرة كيلو مترات و�أنا جائع لأح�ضر لك البطاقة ،رغم �أنني ل�س ُت مدع ًوا ،ومع ذلك ت�ستقبلني بال�شك في حديثي.. وتكذيب ر�سالتي �إنها إ�هانة لا تغفر! وانفجر في بكاء ونحيب م ؤ�ثر ثم �أكمل من بين دموعه: � -أنت دائما ت�شك في منذ البداية! وهذا كثي ًرا ما ي�سبب �سوء الفهم بيننا ،أ�نا الذي كنت �أطمع في �أن ت�أخذني معك ولو لتناول البقايا! ولم يحتمل (بولينياب) بكاءه فاندفع يحت�ضنه ..ثم ق ّبله معتذ ًرا. وم ؤ�ك ًدا له �إنه �سوف يكون رفيق ال�شرف طوال الحفل و�سوف ي�شترط عليهم ذلك و�إلا فلن يذهب هو نف�سه ،وهنا هد�أ (تعاليبو) و�شرح له كل �شيء عن تلك الوليمة النادرة و�أكد له أ�ن كل ذئاب المنطقة من �سفح الجبل 27 Kalilah and Dimnah final.indd 27 � �� ���� ��:/�/��
حتى ال�ساحل مدعوين �إلى نف�س الوليمة ولما ت�ساءل (بولينياب) عن ال�سبب في دعوة كل هذا العدد من الذئاب �ضحك (تعاليبو) وقال: -أ�نت إ�ذن لا تعرف كيف ت�سير ا ألمور في دنيا الب�شر إ�نهم يقدمون لكم جمي ًعا هدية ب�سيطة في أ�ول المو�سم ..لي أ�منوا �شركم فيما بعد ولما كنت أ�نت يا (بولينياب) أ�كثر الذئاب �ش ًرا ،فقد جعلوك �ضيف ال�شرف هكذا تقول البطاقة!! ف�صاح (بولينياب): -عا�ش ال�شر وا أل�شرار!!عا�ش ..عا�ش ورق�ص حوله (تعاليبو) ..معب ًرا عن �سعادته بينما �أخذ هو يحاول فح�ص الورقة ليزيل بقايا ال�شك عنده! فتناولها منه (تعاليبو) وفردها في �ضوء القمر فبدت بي�ضاء نا�صعة عليها كتابة وا�ضحة �أ�شار إ�ليها وقال: � -أنظر!! ها هو ا�سمك المبجل مكتوب بلغة الب�شر و إ�ن لم ت�صدق هيا بنا �إلى أ�قرب (�إن�سان) ليقر أ�ها لك بنف�سه( ،بولينياب العظيم) ها هو، انظر. فت�أمل (بولينياب) الورقة في غباء وقال: -أ�ين؟! إ�نني لا �أراه! فقال (تعاليبو) محت ًجا: -عدت لل�شك في كلامي؟ هذا �سيجعلني أ�فكر في الانتحار إ�نني لا أ�حتمل لهجة ال�شك الدائمة في حديثك. فاعتذر له (بولينياب) و�صالحه قبل أ�ن يعود للانتحاب: -أ�نا لا �أعني ذلك يا �صديقي ،ولكن يبدو أ�ن خط ه�ؤلاء الرعاة رديء ج ًدا� ،أو لا بد أ�نهم جهلاء لا يعرفون الكتابة! ف�أ�شار (تعاليبو) وهو يقول في �سخرية خفيفة: لكن انظر� ،إنهم يحترمونك ج ًدا بالت أ�كيد ،فها هو الا�سم مكتوب بخط كبير جميل (بو ..ولي ..نيا ا ا ا ب ..ملك ال�سهول والحقول واله�ضاب). فابت�سم (بولينياب) في خجل مفتعل لأنها كانت المرة الأولى في حياته التي يرى فيها ا�سمه مكتو ًبا في ورقة ر�سمية وقال: قوم طيبون ه�ؤلاء الرعاة! لا بد أ�نهم متعلمون ج ًدا ،ولذلك أ�علن �أنني را�ض عنهم كل الر�ضا ،ول�سوف أ�كافئهم بالذهاب فو ًرا إ�لى عر�سهم ،ما معنى كلمة -ه�ضاب هذه يا (تعاليبو)؟! هه ..ف�ضحك 28 Kalilah and Dimnah final.indd 28 � �� ���� ��:/�/��
(تعاليبو) وقال: -أ�نت تعرف يا �سيدي أ�ن ه�ؤلاء الرعاة قوم �سذج وب�سطاء ج ًدا، وي�ستعلمون كلمات غريبة للتعبير عن احترامهم ال�شديد لمن هم في مثل قوتك وعظمتك وهي عادة من عادات الب�شر فهم عندما يخافون ملوكهم.. يتحدثون إ�ليهم بطريقة غير مفهومة على ا إلطلاق حتى لا يخطئون! -وامتلأ الذئب غرو ًرا .وتخل�ص من خجله و أ��صبح جاه ًزا تما ًما لكي يلقى به تعاليبو في النار� .إذا �أراد!! وفج أ�ة � -صرخ (تعاليبو) وهو يحدق في عيني (بولينياب) بقوة: ( -بولينياب)!!نحن هنا ن�ضيع الوقت في مناق�شات عقيمة حول معنى الكلمات الغريبة ،وهناك ..جي�ش من الحملان والخراف ينتظرنا على �أحر من الجمر ،هيا بنا هيا ،قبل أ�ن ي�سبقنا ذئاب ال�ساحل. وانطلق الاثنان ي�سابقان الريح� ،إلى الحظيرة المن�شودة وهما يقفزان في خفة فوق الج�سور مثل جياد الأ�ساطير الم�سحورة تحت �ضوء القمر الف�ضي. بالقرب من الحظيرة توقف (تعاليبو) فج�أة ،ف�أ�ضطر بولينياب للوقوف و�س أ�ل في ده�شة: لماذا توقفت؟� ..ألم تقل �إننا ت أ�خرنا عن الموعد؟ فقال (تعاليبو) وقد �سره اندفاع (بولينياب) ولهفته فقال: فعلاً ! ولكني أ�ود فقط أ�ن نفاجئ المدعوين والرعاة ،فت�أخر أ�نت قليلاً � ،سوف �أ�سبقك �أنا في هدوء ،وعندما ترى أ�نني �أ�صبحت فوق ال�سور ،اتبعني على الفور �س أ�كون قد أ�علنت لهم �أن ملك ال�سهول والحقول قد ف�ضل قفز ال�سور على الأبواب.. وانفعل (بولينياب) و�ضحك وهو يتخيل أ�ثر المفاج�أة المنتظرة على م�ستق ِبليه المنت ِظرين! و�أمر (تعاليبو) أ�ن يتقدم على الفور. وفي هدوء مح�سوب ،ت�سلل (تعاليبو) وهو يح�سب ح�ساب كل حركة! فقد كان يعرف جي ًدا أ�ن الرعاة يجل�سون في الناحية الأخرى حول نار خافته وقد غلبهم النعا�س ويعرف أ�ن كلابهم تغالب النوم بعد طول ال�سهر ،ولكنه يعرف أ�ي ً�ضا أ�ن أ�ي �صوت �سوف يوقظ الجميع في لحظة. وعندما لمع ج�سمه في �ضوء القمر وهو يقفز عبر ال�سور في حركة خاطفة بارعة اندفع بولينباب مزمج ًرا ،زمجرة ملك حقيقي مدعو لوليمة فاخرة ر�سمية عند الرعية ،وما أ�ن �أ�صبح (بولينياب) داخل 29 Kalilah and Dimnah final.indd 29 � �� ���� ��: �/��/
ال�سور ،حتى كان (تعاليبو) قد قفز في لمح الب�صر خارج ال�سور حاملاً خروفه ا ألبي�ض المف�ضل واختفى و�سط النباتات!! بينما �أخذ (بولينياب) ي�ضرب ذات اليمين وذات ال�شمال ،مطمئ ًنا لمكانته وحظوته المزعومة عند الرعية التي دعته إ�لى الوليمة و أ��سكرته ر ؤ�ية الدماء ف�أخذ يرق�ص ويغني! ملك الحقول واله�اضب ..من ا�سمه بولينياب ي�شكركم من قلبه ..على الطعام يا �صحاب ثم انتبه لباب الحظيرة عندما دفع وفتح على م�صراعيه ،ف�أخذ يرحب بالقادمين ،ويدعوهم بكل توا�ضع �أن ي�شاركوه طعامه الب�سيط! و�صكته هراوة �ضخمة فوق �أم ر أ��سه فترنح ،ولكنه تما�سك ظ ًنا منه �أن هذا دعابة من دعابات الرعاة .ولكن �ضربة هراوة أ�ثقل من ا ألولى ق�سمت ظهره! و�أتبعها كلب بع ّ�ض ٍة نه�شت م�ؤخرته ،بينما �أطبق كل ٌب �آخر رهيب على لحم ظهره .ثم توالت الهراوات وانهالت كالمطر مما جعله يت أ�كد تما ًما �أنها لا يمكن �أن تكون مداعبة أ��صدقاء ،فحاول أ�ن يتكلم مت�سائلاً عن �سر تبدلهم ..ولكن �أح ًدا لم ي�ستمع إ�ليه.. فحاول الهرب ولكن الح�صار كان �شدي ًدا حوله فزعق بكل قوته ينادي �صديقه اللدود تعاليبو ،الذي اكت�شف �أنه قد اختفى: تعاليبو يا تعاليبو ..تعالى وا�شرح لهم هات الخطاب والبطاقة ..ليرحموا ملكهم وتحت وابل الهروات القاتلة ،ومن بين �صفير وهدير الع�صي في الهواء وزمجرة الكلاب الم�سعورة الغا�ضبة ،جاءه �صوت (تعاليبو) الذي كان يحمل ال َح َمل الأبي�ض ويجري مبتع ًدا وهو يقول: أ��سفي كـــــبــــيـــــــر يا ملك.. كـــــــل ال�ســـهول واله�ضـــــاب مــــاذا تـــفيـــــــــــد البطاقة؟ رعــــيــــــــــان مــملـــــــــكتك �إن �أبـــــــــــــــــــ�صروا بالذئاب لا يـــعرفــــــــــون القـــراءة!! 30 Kalilah and Dimnah final.indd 30 � �� ���� ��:/�/��
لعبة أ�كل الذيول قبل غروب ال�شم�س بقليل ا�ستيقظ (تعاليبو) من نومه ،وخرج ي�شم هواء الم�ساء الرطيب ،كان يح� ّس �سعاد ًة لا نهائية وي�شعر بثق ٍة كبير ٍة ور�ضا ٍء عميق عن نف�سه! كان قد تناول مع عائلته ِغذا ًء �شه ًيا لذي ًذا من ال�سمك ح�صل عليه هو وابنه (تعلبان) بحيلة طريفة خدعا بها أ�حد رجال ال�سواحل ،ولأنها كانت المغامرة الأولى التي ي�شاركه فيها ابنه (تعلبان) الذي �أثبت خلالها �أنه ابن أ�بيه ح ًقا ،كان تعاليبو يح�س أ�نه أ��سعد و أ�عظم ثعلب على ظهر ا ألر�ض! وكانت زوجته (تعلوبة) تجل�س �أمام الجحر في هدوء تخيط قمي�ص ابنها (تعلبان) الذي تمزق وهو يعبر ال�سياج في مغامرة (ا أل�سماك) ولما لمحت زوجها نادته قائلة: -لن تخرج الليلة لل�صيد يا تعاليبو ،ف إ�ن لدينا كمية كبيرة من ال�سمك تكفي ليومين وزيادة ،ابق معنا الليلة ..لاعب ا ألولاد قليلاً ف إ�نك تغيب عنهم كثي ًرا.. وفرح (تعاليبو) فعلاً لفكرة البقاء بالبيت مع زوجته (تعلوبة) وولديه ال�صغيرين (تعيلب) و(تعلبان)! وكان (تعيلب) على عك�س أ�خيه (تعلبان) �شرَ ِ ًها �أكو اًل بطيء الحركة ،بل يكاد يكون غب ًيا ،وعندما تراه يجري ي�صيح مثل كرة بلا �أرجل لا ترى الطريق ،فتم�ضي تتعثر في كل �شيء وت�صطدم بكل �شيء. �أما (تعلبان) فقد كان (ابن أ�بيه) ،خفيف لحركة� ،شديد الذكاء. ي أ�كل قليلاً ويفكر طول الوقت يطلب من أ�بيه دائ ًما أ�ن يحكي له عن تاريخ الثعالب ومغامراتهم؛ ولذلك كان تعاليبو �سعي ًدا به ألنه يرى فيه ((تعاليبو)) �صغير ..جديد� ،سوف يكمل طريق أ�بيه ور�سالته!! ولما عرف الولدان أ�ن أ�باهما �سوف يلعب معهما الليلة ،قفزا وزاطا واحت�ضن (تعلبان) رقبة والده �سعي ًدا بينما اندفع (تعيلب) كالقذيفة معب ًرا عن �سعادته فا�صطدم بهما� ،صدمة �شديدة أ�وقعتهم فتدحرج الجميع فوق المنحدر ال�صخري �ضاحكين ،محدثين �ضو�ضاء كبيرة جعلت ف أ�ر الغيط ينكم�ش خائ ًفا ،داف ًعا ب�أولاده إ�لى داخل البيت ،بينما تكورت عائلة من القنافذ وابتعدت �سلحفاة �صغيرة عن الطريق مرتعبة وطارت بومة وهي 31 Kalilah and Dimnah final.indd 31 � ��/���� ��:� ��/
تحتج غا�ضبة وهي تغمغم: -الأف�ضل أ�ن أ�ترك المكان له�ؤلاء الأوغاد المزعجين! وفج�أة ..انتفخت �أنف تعاليبو وارتع�شت �شواربه وارتفعت أ�ذناه فوق جبهته و أ�خذ يت�شمم الهواء باهتمام ..وكف (تعلبان) عن ال�ضحك هو ا آلخر و�أخذ يقلد والده ثم �س أ�له (تعاليبو) بعد فترة: هل �شممت ما أ��شم؟ فقال (تعلبان) وهو يحاول �أن يبدو كبي ًرا وجا ًدا وجدي ًرا بثقة والده: -نعم! إ�نني أ��شم رائحة أ�رنب ودجاجة وديك و ..ولكن ..هل ت�شم �أنت ما أ��شم؟ ..غريبة.. فقال تعاليبو: -نعم!غريبة فعلاً ،إ�نه (بولينياب) ،لا بد �أنها �ضربة حظ أ�و �صدفة موفقة ،فهو على درجة من الغباء لا تمكنه من الح�صول على ثلاثة ب�ضربة واحدة! وطوال هذا الحديث كان (تعيلب) يدير ر�أ�سه بينهما في بلاهة وهو لا يفهم ما يقولان!! و�ضحك (تعلبان) وقال: -فعلاً :إ�نه غبي فكيف يح�صل على ثلاثة ب�ضربة واحده.. وقال (تعاليبو) عند ذلك: اذهب يا (تعيلب) وابق عند �أمك .وتعال أ�نت معي ف�أمامنا عمل كبير هذه الليلة! �سنلعب قليلاً مع الذئب.. ثم انطلق الاثنان ،بينما تدحرج (تعيلب) عائ ًدا ألمه ي�شكو لها ويبكي قائلاً : لقد ذهبا للعب مع الذئب ومع حيوان لا أ�عرف ا�سمه �ضربة الحظ، وتركاني وحدي! هبط (تعاليبو) وابنه المنحدر ال�صخري وكل منهما يحلم بمغامرة هائلة ولم يكن (تعلبان) يعرف ما يدور في ر�أ�س والده ،لكنه كان يقول لنف�سه (لا بد �أنه يفكر فيما �أفكر فيه!) وكلما ازدادت الرائحة قر ًبا ،ازدادت خفقات قلب (تعلبان) وزاد انفعاله ..و أ��شار تعاليبو لابنه عند المنعطف فتوقف الابن وعرف على الفور أ�ن عليه أ�ن يراقب من بعد دون �أن يظهر �أو يتكلم إ�لا عند الحاجة فاختفى في مثل لمح الب�صر وك أ�نه قد تبخر!! 32 Kalilah and Dimnah final.indd 32 � �� ���� ��: �/��/
وهناك ،قري ًبا من �أكمة ال�صبار كان الطابور العجيب يقبل م�سر ًعا في مقدمته كانت دجاجة حمراء لها ذيل �أ�سود لامع .وخلفها ديك ذو عرف قرمزي وبعده أ�رنب رمادي ووراءهم بخطوة واحدة ،كان (بولينياب) يلهث ويتلفت حوله وقد لاح على وجهه غباء غير عادي، وظهرت وا�ضحة على ظهره �آثار ال�ضرب المبرح الذي ناله في حظيرة الأغنام منذ أ�يام.. وهم�س (تعلبان) من مخب�أه مخاط ًبا والده: -ال يمكن �أن يكون قد �صادهم يا �أبي إ�نه يجري مثلهم ويبدو �أنهم جمي ًعا خائفون من �شيء ما! فقال (تعاليبو): -فعلاً ،ا ألمر كما فهمت ،و�سترى الليلة حكاية ثعلبية هائلة �ستحفظها الأجيال! وتقدم وحده يعتر�ض طريق الطابور المذعور في ثقة. وفوجئت الدجاجة بالثعلب يعتر�ض طريقها فا�ضطرت للتوقف فج أ�ة فا�صطدم بها الديك �صار ًخا وتعثر (بولينياب) في الأرنب فتدحرج الاثنان م ًعا �إلى قاع قناة مجاورة واختلطت زمجرة الذئب ب�صياح الدجاجة الخائفة و�صرخات الديك واحتجاج الأرنب .ثم تن ّبه الذئب لما حدث ف�صاح غا�ض ًبا: � -أنت؟ انتظر و�سوف �أنتقم منك� ،أيها الكاذب.. فابت�سم تعاليبو متجاهلاً تهديده وقال: دعك من ال�شجار ا آلن يا (بولينياب) ،لا يجب �أن نتعارك في وجود مثل ه ؤ�لاء ال�صغار فماذا يقولون عنا ..هيا قل لي ..إ�لى �أين؟ ..ما الذي جرى فجعلكم تجرون هكذا كالمجانين؟ �إنني منذ ال�صباح أ�رى حيوانات تجري هنا وهناك ،هل هو �سباق؟ ..قل لي �أنت يا (بولينياب) ف أ�نت أ�كثرهم عقلاً وحكمة طب ًعا؛ لماذا يجري الجميع اليوم؟ فزمجر الذئب وهو ينف�ض التراب عن ج�سمه قائلاً : لقد �سقطت ال�سماء على الأر�ض!! وكتم (تعلبان) �ضحكة كادت تفلت منه وتك�شف مكانه وتف�سد كل �شيء ،بينما تلفت (تعاليبو) حوله في هدوء ودار بعيونه بين الأر�ض وال�سماء وقال: هل تظن �أن ال�سماء �سقطت ألنك وقعت في القناة.. ف�صاح (بولينياب) غا�ض ًبا: 33 Kalilah and Dimnah final.indd 33 � �� ���� ��: �/��/
لا طب ًعا ل�ست م�س�ؤو ًال عن ذلك ل�ست �أنا ال�سبب! لقد �سقطت ال�سماء قبل �أن �أ�سقط في القناة ..ا�س�أل الأرنب! وت أ�كد تعاليبو �أن حالة الغباء ما زالت بخير و أ�نها تخيم فوق ر أ��س �صاحبه (بولينياب) ك�سحابة الدخان الأ�سود. فالتفت ي�س أ�ل ا ألرنب: أ�ين ومتى ،حدث هذا يا أ�رنبي العزيز؟ وكانت عادة ا ألرنب أ�ن يرتعد كلما �سمع �صوت الثعلب فما بالك وهو واقف �أمامه وج ًها لوجه وخرج �صوت ا ألرنب غري ًبا لا ي�شبه �صوت ا ألرنب وقال: � -أنا ل�ست �أرنبك� ،أنا أ�رنب نف�سي فقط ول�ست تاب ًعا لأحد!.. فابت�سم الثعلب ابت�سامة م�شجعة ليك�سب ثقته وقال: -ال تخف يا �صديقي� ،أنا �أعرف هذا �إنما �أنا أ�مازحك فقط فقل لي متى �سقطت ال�سماء و أ�ين؟ يا �أرنب نف�سك؟ فقال ا ألرنب: -أ�نا لا أ�عرف ،لأن الديك هو الذي أ�خبرني بذلك ،عندما �شاهدته يجري خلف الدجاجة وهو ي�صيح مذعو ًرا انجوا ب�أنف�سكم لقد �سقطت ال�سماء!!! نجوت بنف�سي و�أي عاقل يجب أ�ن ينجو بنف�سه في ظروف �صعبة مثل ظروف �سقوط ال�سماء ،فا ْج ِر معنا �أنت الآخر لنجد مكا ًنا �أمي ًنا نحتمي فيه جمي ًعا من الهول .وا�ستدار الثعلب �إلى الديك ذي العرف القرمزي و�س أ�له في عطف زائد؟ -ولكن يا �صديقي الديك الطيب ،هل ر�أيت ال�سماء ت�سقط بعينيك؟ ف أ�نكر الديك طب ًعا ..وقال: -الطب ًعا،لقدا�ستنجدتبيالدجاجةوجاءتني�صارخةمذعورةوهي تق�سم أ�نهار أ�تال�سماءت�سقط،وكانلابد أ�ن أ��صدقهاخا�صةوقدقالت�أكثرمن هذا،لقد�أخبرتي أ�نقطعة�صغيرةمنال�سماء�سقطتفوقر أ��سهاتما ًما.. وهنا ربت (تعاليبو) بحنان زائد على ر أ��س الدجاجة وقال: �آه يا م�سكينة �أعرف �شعورك ا آلن� ،أين إ��صابتك؟ آ�ه ،هنا ،يا ليتني كنت بد اًل منك ،ولكن كيف حدث هذا يا �صديقتي؟ وخف�ضت الدجاجة ر أ��سها في خجل وخوف ..ثم حكت الحكاية من البداية: -لقد كنت �أنب�ش الأر�ض بح ًثا عن حبة قمح �صغيرة .ظلت تهرب 34 Kalilah and Dimnah final.indd 34 � �� ���� ��: �/��/
مني حتى اختفت تحت حجر ي�سند عمو ًدا من الخ�شب ..ولكنني كنت قد بد�أت �أغ�ضب منها و�صممت على �أكلها ،ف أ�خذت أ�نب�ش التراب حول الحجر الذي ي�سند العمود ،وبعد فترة ا�ستطعت �أن أ�زحزحه ،بعد �أن حفرت تحته فجوة كبيرة فاهتز و�سقط ،وما أ�ن �سقط حتى �سمعت �صو ًتا كالرعد ،لقد انهارت ال�سماء فجريت �صارخة لأحذر الطيور والحيوانات من الكارثة!! ولم ي�ستطع (تعلبان) �أن يكتم �ضحكاته �إلا بعد �أن و�ضع زلطة في فمه ،وكتم �أنفا�سه لي�سمع ما �سيقوله (تعاليبو) ر ًدا على ذلك .وتعجب عندما قال والده: -طب ًعا! �إن جميع الطيور والحيوانات و أ�نا ..بالنيابة عنهم أ��شكرك! لقد كانت حكمة منك أ�ن نبهت أ��صدقاءك قبل فوات الأوان ،وا آلن يجب علينا جمي ًعا �أن نبحث عن مكان نختبئ فيه فو ًرا -هيا بنا!! وانطلق يجري �أمامهم ..ف�س�أله الذئب وقد بد أ� ال�شك يراوده: -إ�لى �أين؟ فالتفت إ�ليه في ود واقترب منه وهم�س ك أ�نه يخت�صه ب�س ٍر عظيم؛ -عندي مخب�أ أ�مين! لكن (بولينياب) الذي خدعه (تعاليبو) ع�شرات المرات في حكايات مثل هذه تما ًما وبكلام ناعم كهذا بال�ضبط قال مظهر ًها �شكوكه: �-أنا �أ�شك أ�ن هناك أ�ي مخب أ� تعرفه� ،سوى بيتك طب ًعا يا لئيم! ولكن (تعاليبو) أ��سرع يعاتبه في حنان ..قائلاً : -لا يا (بولينياب)! لي�س الوقت ملائ ًما لذلك ،دع �شكوكك و�سوء ظنك جان ًبا ،نحن جمي ًعا في خطر وقد نموت كلنا فج أ�ة! هيا لنجد مكا ًنا �أمي ًنا لحماية �أنف�سنا�أو اًل،وبعدهانت�شاجرحتىال�صباح أ�ونختلف�إلىالأبد،هيا�إلىالمخب�أ فماذنبه ؤ�لاءالأبرياءلت�ضيعحياتهمب�سببخلافاتناالتيلاتنتهي!! وهنا �صاح الثلاثة الباقون في وقت واحد: -خذنا إ�ليه (يا تعاليبو) ب�سرعة ،نحن لا نريد �أن نموت! وردد (تعاليبو) ب�صوت مرتفع لي�سمعه (تعلبان).. -هيا تعالوا ورائي ،اتبعوني ،المكان هناك ،عند �شجرة التين الكبيرة بجوار النبع المهجور! هناك حفرة كبيرة �سننزل �إليها! -وهنا اعتر�ض الذئب مرة أ�خرى قائلاً : -حفرة كبيرة؟ ..وكيف �سنخرج منها إ�ن كانت عميقة؟ 35 Kalilah and Dimnah final.indd 35 � �� ���� ��: �/��/
-ابت�سم تعاليبو ورد ب�سرعة ،ليمنع تردد الآخرين.. يا بولينياب! (يا بولي)!! لقد أ��صبحت اليوم �أذكى حيوانات البراري! لقد أ��صبحت ت�س أ�ل عن طريقة الخروج قبل الدخول ..لا! هذا تطور عظيم! ويجب �أن ت�شكرني عليه ،نعم! لأن �صداقتي لك هي ال�سبب في ذلك ..عندك حق طب ًعا ،ولكن ..ما العمل هل تريدنا �أن نختبئ فوق التل ،فت�سقط ال�سماء فوق ر�ؤو�سنا؟ فقال الثلاثة ا آلخرون في رعب وا�ستنكار: _لا ..طب ًعا! في حفرة �أف�ضل حيث لا ت�صل إ�لينا ال�سماء! وهنا ح�سم تعاليبو ا ألمر قائلاً : � -إذن لا أ�ريد كلمة واحدة ،هيا بنا ،و�إذا كنت لا تثق في أ�مانتي وقدرتي على حماية ه�ؤلاء الأبرياء فارجع أ�نت وابحث لنف�سك عن مخب�أ يليق بك!! ولم يرد (بولينياب) و�إنما م�ضى خلفهم بلا اعترا�ض وهنا �صاح (تعاليبو) في �إعجاب زائد بنف�سه: -لقد كنت أ�عرف �أنها �ستكون ليلة (ثعلبية) كبيرة!! ولم يفهم أ�حد من رفاق الطابور الهارب معنى كلام (تعاليبو)!، تعلبان فقط هو الذي فهم ما يعنيه والده وتمنى أ�ن يكون بجوار والده �ساعتها لكي يقبله قبلة (ثعلبية) كبيرة! م�ضى (تعاليبو) أ�مام طابور الهاربين حتى و�صل إ�لى الحفرة، ولكن (بولينياب) أ�راد �أن يت أ�كد أ�ن (تعاليبو) لا يخدعه هذه المرة ،فطلب منه �أن يقفز أ�و اًل إ�ثبا ًتا لح�سن نواياه .وطب ًعا لم يتردد تعاليبو فقد كان هذا �ضمن خطته ،فقفز على الفور وهو يقول: -مع أ�نكم أ�نتم الذين ر أ�يتم ال�سماء ت�سقط ول�س ُت �أنا.. واطم�أن قلب الجميع فقفزوا إ�لى الحفرة خلف الثعلب. وبعد أ�ن ا�ستراحوا قليلاً والتقطوا �أنفا�سهم نظروا إ�لى �أعلى باطمئنان وقال الذئب معتر ًفا: �آه! لقد نجونا في اللحظة ا ألخيرة ،انظروا لقد انطبقت ال�سماء على الأر�ض فعلاً ! �إنها تغطى الحفرة تما ًما الآن .حتى النجوم نف�سها ،ازداد لمعانها و�أ�صبحت فوق ر�ؤو�سنا تما ًما!! وهنا قال (تعاليبو): 36 Kalilah and Dimnah final.indd 36 � �� ���� ��: �/��/
-نعم! تما ًما ولكننا أ�ي ً�ضا ن�سينا �شي ًئا ها ًما -تما ًما يا �صديقي ..ولم يكن ممك ًنا �أن أ�ن�ساه ف�أنا لا �أن�سي �شيئا تما ًما ،ولكنك تع ّجلتني وجعلتني �أقفز �أو ًال ،فن�سيته تما ًما!! ف�صاح الجميع في وق ٍت واحد: -ماذا؟ ما هو هذا الذي ن�سيناه تما ًما! -قال (تعاليبو) في حزن: لقد ن�سينا أ�ن نح�ضر طعا ًما� ،صحيح �أنني تع�شيت قبل ح�ضوري مبا�شرة و أ��ستطيع البقاء �شبعا ًنا حتى ال�صباح ولكنني أ�تكلم عنكم �أنتم يا م�ساكين! وهنا ن�سي (بولينياب) ق�صة ال�سماء .فقد وجد نف�سه كعادته �ساعة أ�ن يذكر الطعام -ي�شعر فج أ�ة ب�أمعائه ت�صرخ وتتلوى من الجوع ،خا�صة وهو يرى أ�مامه في حفرة واحدة �ضيقة دجاجة و أ�رن ًبا ودي ًكا ي�صلحون ع�شا ًء �شه ًّيا ل أل�سد ا إلمبراطور نف�سه!! وارتع�شت الدجاجة! و أ�ح�س ا ألرنب �أن الأمور �ست�سوء عما قريب! بينما �صاح الديك وهو ي�صطنع المرح.. �أنا والدجاجة والأرنب لن نح�س بالم�شكلة .وهذا و إ�ن كان يخفف عنا ،لكنه ل أل�سف يحزننا لأنكما لن تجدوا طعا ًما ي�صلح لكما في مثل هذا المكان .ولكن �أر�ض الحفرة بها من الحبوب والبذور والح�شائ�ش الجافة ما يكفينا نحن ،الم�شكلة الحقيقية تواجهكما و ..و ..والحقيقة �أننا نفكر فيها مثلكما تما ًما ..ثم ..أ�ما ..فعلاً ..آ�ه.. قال الثعلب: لقد تع�شي ُت كما قلت لكم و�أ�ستطيع أ�ن أ��صبر حتى ال�صباح فقد تطير ال�سماء مرة �أخرى وتعود �إلى حيث كانت قبل أ�ن أ�ح�س بالجوع ..ولكن الم�شكلة في الحقيقة هي م�شكلة (بولينياب)!! إ�نني �أ�سمع �صوت �أمعائه تتلوى وهو لا ي�ستطيع تحمل الجوع كثي ًرا وهي عادة ذئبية �سيئة ولكن ماذا �إذن نفعل؟ زمجر بولينياب و�صرخ!! -ال تثر �أمعائي أ�كثر من ذلك! يجب �أن تجدوا الآن حلاً فور ًيا لم�شكلتي والإ�ساءات العاقبة! 37 Kalilah and Dimnah final.indd 37 � �� ���� ��:/�/��
ف�أظهر (تعاليبو) �أ�سفه وقال: -اهد�أ (يا بولينياب) �أهد�أ وا�صبر لا نريد �أن تبيت معنا و أ�نت غا�ضب ،هذا �سيكون خط ًرا علينا جمي ًعا ولذلك ،لا بد أ�ن ن�ضحي بواحد منا لكي ينجو الجميع. ارتع�ش ا ألرنب وهو يتجنب عيون (بولينياب) ب�صعوبة وقال وقد تهدمت حروف الكلام بين �أ�سنانه: -ولكنَ ..من؟ هل �ست�ضحي أ�نت بنف�سك في �سبيل ا آلخرين؟! فيرد تعاليبو ب�سرعة ك أ�نه كان يتوقع منه ذلك: � -أنا م�ستعد طب ًعا ولكن ا�سمي جميل! و�ستكون خ�سارة كبيرة لكل أ�هل الغابة وا ألحرا�ش والبراري أ�ن يفقدوا �صاحب ا�سم مو�سيقي مثل ا�سمي .قال ا ألرنب وقد وقفت حروف الكلمات في حلقة: -وما دخل الا�سم في حكاية مثل هذه؟ فقال تعاليبو ب�سرعة حتى لا يترك ألحدهم فر�صة التفكير: -إ�ن كان لا بد و أ�ن ن�ضحي ب�أحدنا فليكن أ�قبحنا ا�س ًما ف�سيكون �سهلاً علينا في الم�ستقبل �أن نن�ساه ب�سرعة ولي�س هناك أ�حد �سيحزن على َمن كان ا�سمه قبي ًحا ،ولكن هل يمكن لأحد �أن ين�سى ا�س ًما مو�سيق ًيا مثل تعا ا ا لي ي ي بوووه. ف�أ�سرع ا ألرنب مواف ًقا قائلاً وك�أنه غريق أ�م�س َك بطوق النجاة: -طب ًعا لا! ولا ار اا ني ي ي بووو! �إن ا�سمي مثل ا�سمك تما ًما، ا�سمع إ�نه مو�سيقي مثله تما ًما. وقال (بولينياب): -ومثل ا�سمي طب ًعا -بولي نيااا ب -هذا الا�سم �شعر حقيقي. فطم أ�نه الثعلب على ذلك هام�ًسا له �أن أ�ح ًدا لم يفكر في التهامه ،ثم التفت ي�سال الديك فج�أة: -و أ�نت يا ذا العرف القرمزي ما ا�سمك؟ فرد الديك وهو ي�صلي لل�سماء أ�لا تتخلى عنه حتى ولو كانت قد �سقطت فعلاً ! -ا�سمي � -شكركم!! فقفز تعاليبو �سعيد وهو ي�صيح قائلا: -عظيم!! ا�سم جميل ج ًدا �ألي�س كذلك (يا بولينياب) العزيز، 38 Kalilah and Dimnah final.indd 38 � ��/���� ��:� ��/
�شكركم كم كم كم كم .الله جميل ج ًدا ..ج ًدا. -ولم يعجب هذا (بولينياب) الجائع فقال.. -أ��سما ؤ�هم جمي ًعا جميلة ..فمن �سن�أكل �إذن؟ حكاية ا أل�سماء هذه لا تنفع! فغمز له (تعاليبو) بعينيه متعج ًبا من غبائه وقال: � -صب ًرا جميلاً (يا بولي) العزيز! والتفت �إلى الدجاجة الحمراء ذات الذيل الأ�سود وقال: -و أ�ن ِت يا حلوة ،ما ا�سمك؟!.. فتراجعت الم�سكينة إ�لى الخلف وانكم�شت وقالت: -لي�س لي ا�سم! �أنا لم ي�سمني �أحد!! فق�ست من البي�ضة و�سط ع�شرات الكتاكيت ،فلم يجدوا أ��سماء تكفي لنا جمي ًعا! وهنا قال تعاليبو وك�أنه ي�شهد الجميع على قانونية و�شرعية ما �سيحدث: � -إذن؟ أ�نت لا ا�سم لك! �أي أ�نك ل�س ِت مقيدة في دفتر المواليد، ولذلك ف إ�ن العدالة تقت�ضي �أن ن�أكلك أ�نت .أ�نا لي ا�سم ف أ�نا موجود هذا هو المنطق الر�سمي ،لكنا �إن أ�كلناك ف�إننا �سن�أكل �شي ًئا غير موجود� ،شي ًئا لي�س له ا�سم و�ست�صبح ت�ضحيتك عظيمة ج ًدا ألنها �ستكون ت�ضحية عادية من �شخ�ص نكره لإنقاذ حياة رفاقه و�سي�صورها الم�ؤرخون ك أ�عظم ت�ضحية في الوجود ،و�سيقولون في �صدر �صحائفهم ..دجاجة مجهولة تنقذ حياة رفاقها يوم �سقوط ال�سماء .وهذا كاف لتخليد ذكراك بالت�أكيد.. وهنا ك�شرّ الذئب عن �أنيابه مت�سائلاً والتفت (تعاليبو) ناحية الديك والأرنبف�أ�سرعهذانيوافقانعلىماقاله،ومنثميوافقانعلىما�سيفعله! وفوق ال�سطح هناك ،كان تعلبان يرق�ص �سعي ًدا بوالده العبقري ويتمنى لو أ�نه كان هناك في الحفرة ،لي أ�خذ ن�صيبه من ن�صف الدجاجة الذي فاز به والده العزيز!! -وبعد �أن كفت �أ�صوات القرق�شة والقرق�ضة و�سكتت زقزقة الأمعاء الجائعة ،لم يعد (ا أل�صدقاء) -الذين نزلوا م ًعا إ�لى الحفرة خو ًفا من �سقوط ال�سماء يتحدثون ك�أ�صدقاء! وبينما أ�كل تعاليبو جز ًءا من ن�صيبه ودفن الباقي �س ًرا ،التهم الذئب ن�صف الدجاجة كله ،ومع ذلك لم ي�شبع طب ًعا .ولذلك لم يم�ض وقت 39 Kalilah and Dimnah final.indd 39 � �� ���� ��:/�/��
طويل حتى عادت �أمعا�ؤه ت�صرخ طالبة الطعام ،ف�صاح: -تعاليبو! �أنا ما زلت جائ ًعا ج ًدا فمن الذي �سن أ�كله بعد ذلك؟ ف�صاح الأرنب في رعب.. -ال ت�أكلني �أنا ف أ�نا حيوان مثلكما تما ًما! انظر ،إ�ن ج�سمي يغطيه ال�شعر مثلكما ولى أ�ربعة أ�رجل ولكن هذا الديك طائر من ذوي القدمين ويرتدي ثو ًبا من الري�ش ا ألحمق الملون! و�ضحك تعاليبو وقال: � -إنك ذكي يا �صديقي الحيوان لقد نجوت بف�ضل ذكائك الحيواني، ولكن تذكر �أنك �أنت الذي اقترحت علينا أ�ن ن أ�كل �صديقك الذي كنت تعي�ش معه في حظيرة واحدة ولا نريد أ�ن ي�أتي وقت يدعى فيه أ�حد الم�ؤرخين أ�ننا نحن الذين فعلنا ذلك. �أيها العالم ،ا�شهد �أن الأرنب هو الذي اقترح علينا أ�كل الديك ألنه طائر لا تخف يا �صديقي ،واهد�أ فنحن لن ن�أكلك الآن فالذكاء قد يطيل حياة البع�ض في بع�ض الأحيان. واقت�سم الذئب والثعلب ال�ضحية الثانية! ومثلما فعل بولينياب في المرة الأولى ،التهم ن�صف الديك مرة واحدة ..بينما �أكل تعاليبو جز ًءا من ن�صيبه ودفن الباقي �س ًرا! وكان رعب الأرنب قد بلغ مبل ًغا �شدي ًدا فان�سحب منكم�ًشا �إلى أ�حد ا ألركان ،وعيناه مفتوحتان تراقبان الذئب والثعلب و�أذناه ترتع�شان تت�سمعان �أقل هم�سة �أو حركة .و أ�خذ يلوم نف�سه ألنه �سمع كلام ذلك الديك ا ألحمق وتلك الدجاجة المجنونة ،التي أ��سقطت �سقف بيتها وظنت أ�ن ال�سماء هي التي �سقطت ،لقد �سطعت الحقيقة كال�شم�س �أمام عينيه وهو غارق في دوامة الرعب ،وتعجب لأن ذلك يحدث له دائ ًما ،فلا يفكر تفكي ًرا �سلي ًما إ�لا بعد فوات ا ألوان. وتذكر زوجته العجوز التي ن�صحته ذات يوم وطلبت منه أ�ن ي�صحبها للعي�ش عند �شاطئ النهر بعي ًدا عن تلك الحظيرة المليئة بالدجاج الثرثار والديوك المغرورين ،ويا ليته وافق على ذلك وذهب معها. وفج�أة �صحا الذئب للمرة الثالثة و�صرخ يطلب الطعام!! وهنا ت�ساءل (تعاليبو) في غ�ضب مفتعل.. -أ�لا ت�ستطيع أ�ن ت�صبر؟ 40 Kalilah and Dimnah final.indd 40 � �� ���� ��: �/��/
فزمجر (بولينياب) معتر ً�ضا: -ولماذا أ��صبر؟ �أنا �أريد أ�ن �آكل! فلماذا لا آ�كل؟؛ فرد عليه (تعاليبو) يلومه لو ًما خفي ًفا: -ألننا ل�سنا في البيت يا (بولي)� ،إننا �أ�سرى هذه الحفرة؛ ولم يعد هناك طعام ،نحن جمي ًعا حيوانات ولي�س ألحد؛ ميزة على غيره ولي�س هناك ما يعيب �أح ًدا منا ولن نجد طعا ًما إ�لا إ�ذا �أراد �أحدنا أ�ن ي�ضحي من أ�جل زميليه ،يجب �أن يموت �أحدنا ليعي�ش الآخرون ،ف أ� ّينا �سوف يفعل؟.. انكم�ش ا ألرنب ولم ينطق! فقد كان يح�س إ�ح�سا�ًسا خفي ًفا ب�أن المناق�شة �ست�سير في غير �صالحه. قال الذئب: -هيا نجرب حكاية الأ�سماء؟ فتعجب (تعاليبو) لغباء هذا الذئب؛ وقال راف ً�ضا هذه الفكرة ال�سخيفة: -لا؛ طب ًعا كلنا مقيدون في ك�شوف ر�سمية ولنا �أ�سماء جميلة مو�سيقية و�شعرية .هل ن�سيت؟ ف�سمع الذئب يقول: -إ�ذن هيا ن أ�كل الطائر! ونفذ �صبر (تعاليبو) وقال: يبدو �أن (علقة) الحظيرة قد �أثرت على تفكيرك ،لي�س بيننا طيور يا (بولينياب)! فغ�ضب الذئب وزمجر. .إ�ذن ما العمل؟� ..أنا جائع ،ولن أ��صبر بعد الآن .فلي�ض ّح واحد منكما بنف�سه ولا تن�سى أ�نك أ�نت الذي قدتنا �إلى هذه الحفرة اللعينة! انكم�ش ا ألرنب أ�كثر ف أ�كثر ،فلم يكن يفهم لماذا ي�ضحي بنف�سه في �سبيل �أعدائه و�سكت وهو يظن�أن(تعاليبو)قد يجد له مخر ًجا ينقذه منهذاالم�أزق! قال (تعاليبو) محاو ًال أ�ن يعطي لكلماته نبرة عادلة: � -سكوت!! �س�أفكر في ا ألمر ،فالأمر يحتاج لحجة قانونية تر�ضي الجميع ،وتقنع الم ؤ�رخين �أن أ�ح ًدا منا لم يكن يريد �أن ي أ�كل الآخر ظل ًما: فاتركوني �أفكر في هدوء لكي أ�عثر على و�سيلة عادلة يقبلها ثلاثتنا - وخا�صة �صديقنا الأرنب! وبد�أ يلف ويدور ويتكلم وك�أنه يفكر في �صوت عال: 41 Kalilah and Dimnah final.indd 41 � �� ���� ��: �/��/
�إننا لو أ�كلنا الذئب ،فما الذي �سي�ستفيده �صديقنا ا ألرنب العزيز �إنه لا ي�أكل اللحم ،وهكذا �ستكون ت�ضحية الذئب ن�صف ت�ضحية ،وكذلك �سيكون الحاللو�أكلتماني،فا ألرنب آ�كلح�شائ�ش،ومنالم�ؤكد�أننيل�ست�شجرة�أو جزرة ،لم يبق �سوى الاحتمال الثالث و�أعتقد أ�نه الاحتمال الوحيد القريب �إلى المنطق والعدالة ،ا ألرنب هو منقذنا نحن الاثنين � -ألي�س كذلك؟! وبد�أ ا ألرنب يزوم �أل ًما وي�أ�ًسا. ولكن (تعاليبو) ظل يتكلم قائلاً : إ�ن العدالة أ�حيا ًنا قا�سية؛ ولكن لا مفر من تطبيقها ،ولكن لا بد من �إقناع من �سي�ضحي بنف�سه �أن لت�ضحيته فائدة كاملة تكون ت�ضحية عادلة! ولم ينتظر الذئب قيام أ�حد ب�إقناع ا ألرنب فلم يكن يهمه ذلك في كثير أ�و قليل ولذلك انق�ض على الأرنب ،الذي جعله الرعب يقفز محد ًثا �ضجة عظيمة في محاولة �أخيرة للت�شبث بالحياة والاحتجاج على م�صيره ،بينما كان تعاليبو يجل�س هاد ًئا ينتظر ن�صيبه من الت�ضحية ،ليلتهم جز ًءا منها وليخفي الباقي مثلما فعل من قبل! �ساد الهدوء داخل الحفرة تما ًما مما جعل (تعلبان) ينتابه قلق عنيف على والده .ووجد نف�سه لأول مرة في حياته يخاف على (تعاليبو) خو ًفا حقيق ًيا ،فالذئب و�إن كان غب ًيا ف إ�نه قوي أ�ي ً�ضا -ولم يعد في الحفرة �أحد بلا ا�سم ولي�س هناك طير ولا �آكل ح�شائ�ش! لي�س هناك �سوى والده وج ًها لوجه مع الذئب الجائع ال�شر�س!! وفج أ�ة �سمع (تعلبان) �صوت م�ضغ وطقطقة وتك�سر عظام ،ف أ�طل في الحفرةوقدتملكهخوفرهيبعلىوالده،ولكنالظلامكان�شدي ًداف أ�رهف �أذنيهقل ًقاحتىتبين�أنهاطريقةوالدهفيالم�ضغفاطم أ�نقلبهقليلاً ولكنهلميهد أ�! و�صحا (بولينياب) على �صوت الم�ضغ والقرق�شة -ف�س أ�ل (تعاليبو) في ج�شع: -ماذا ت أ�كل يا (تعاليبو)؟ هل بقى لدينا طعام؟ �أم أ�نني أ�حلم؟ لا، لا أ�نت ت أ�كل �شي ًئا نعم بالت أ�كيد ت�أكل �شيئا؟ إ�نني جائع ج ًدا. فقال الثعلب بهدوء.. -إ�نني �أكل ذيلي يا �صديقي ،ألنني �أكاد �أموت جو ًعا والبرد �شديد ج ًدا وما فائدة الذيل إ�ذا لم ينقذ �صاحبه في ليلة كهذه �سقطت فيها ال�سماء وا�شتد البرد؟ 42 Kalilah and Dimnah final.indd 42 � �� ���� ��:/�/��
ف�ضحك الذئب �ساخ ًرا.. ها..ها هل ما زلت ت�صدق هذه الكذبة أ�يها ال�ساذج� ،إن ال�سماء لم ت�سقط أ�ب ًدا أ�يها الغبي ،فاعطني قطعة من ذيلك اللذيذ ..هيا. فاحتج تعاليبو وقال: -إ�ذن فال�سماء لم ت�سقط؟؛ و أ�نت تطلب قطعة من ذيلي؟! -قال (بولينياب).. -نعم! �أهو لذيذ؟! ورد تعاليبو في غ�ضب.. ولماذا لا ت أ�كل ذيلك؟ ما دمت قد خدعتني وجعلتني أ��صدق �أن ال�سماء قد �سقطت فعلى كل واحد �أن ي�أكل ذيله! وت�ساءل بولينياب.. -وهل هو لذيذ؟ -ال ب أ��س به.. � -أهو ي�ؤلم؟ -ال ..لا ..جرب بنف�سك؛ وق�ضم الذئب ذيله ف�صرخ من الألم. � -إنه ي�ؤلم يا (تعاليبو) ي�ؤلم ج ًدا ..ج ًدا ..آ�ه لم �أكن �أعرف �أن أ��سناني قا�سية لهذه الدرجة ال�شنيعة ،م�سكين ذلك ا ألرنب والله ..فما العمل؟ ..قال (تعاليبو).. -عليك �إذن أ�ن تلعب لعبة (هيا ن أ�كل الذيل اللذيذ) ،ف�إنها تخفف الألم كثي ًرا،ولقدعلمتهاليثعلبة�ساحرةعجوز!!لكيتخفف�ألمالذيولالم�أكولة! -و أ�خذ تعاليبو ي�شرح للذئب تلك اللعبة الطيبة التي �ستخفف أ�لمه وجوعه ،فابتد�أ يو�ضح له أ�ن اللعبة تقت�ضي �أن يدور هو حول الحفرة و�أن على الذئب �أن يدور خلفه تما ًما و�أن ي�سرع كلما �أ�سرع هو ثم عليه �أن يقف م�ستن ًدا إ�لى الحائط عندما ي�صيح به ..بال�ضبط عند النقطة التي ي�سمع فيها ال�صيحة و�أن يحاول الوقوف على ذيله و أ�ن يمد ج�سمه �إلى أ�على بقدر ا�ستطاعته. ثم قال له بجدية �شديدة: -والآن!لاتن�س-عندمات�سمعال�صيحةعليك�أنتقفحيث أ�نتبالطريقة التي و�صفتها ويجب أ�لا تن�سى �أن تجعل ذيلك ممدو ًدا ج ًدا وج�سمك م�شدو ًدا ج ًدا..ج ًدا..وابتد�أالثعلباللعبةف أ�خذيجريو(بولينياب)يفعلمثله. وانتبه (تعلبان) جي ًدا لما يجري .وفهم ما يجب عليه عمله بال�ضبط! 43 Kalilah and Dimnah final.indd 43 � �� ���� ��:/�/��
ولما دار الاثنان دورة ،ثم أ�خرى ..ثم �صرخ تعاليبو عند نقطة معينة يبرز في أ�علاها نتوء �صخري ف�أ�سرع (بولينياب) يغم�ض عينيه ويقف مادا ذراعيه إ�لى �أعلى بقدر ا�ستطاعته وهو منفعل لاهث في نف�س الوقت الذي قفز فيه (تعاليبو) فوق كتفيه ،ومد يده ليم�سك بكف تعلبان ال�صغيرة التي امتدت ت�صافحه وتهنئه بنجاته وهي ت�شده �إلى الخارج!! تم كل �شيء في لحظات ،وعندما فتح الذئب بعدها عينيه ليجد نف�سه وحي ًدا ،زمجر غا�ض ًبا مهد ًدا متوع ًدا خا�صة عندما جاءه �صوت تعاليبو الهادئ من خارج الحفرة قائلاً : -ال تغ�ضب يا �صديقي! ف�أنا لم أ�خدعك ،ولم �أوهمك ب�سقوط ال�سماء ،ويجب عليك أ�ن ت�شكرني على ا ألقل ألنني علمتك طريقة ت�ستطيع أ�ن ت�أكل بها ذنبك بدون أ�لم!! و�ضحك (تعلبان) وهو يحت�ضن رقبة والده الحبيب في اعتزاز!! فقال له تعاليبو وهو يناوله ما بقي من ن�صيبه في الوليمة: -ال بد �أن �أمك غا�ضبة ا آلن لأنني لم أ�ق�ض ليلتي في البيت! ولا بد أ�ن (تعيلب) غا�ضب هو ا آلخر ،فقد كان يريد أ�ن يلهو و أ�ن يلعب. فرد (تعلبان) وهو يحاول تقليد والده في الكلام والم�شي: يكفي �أننا ق�ضينا ليلة (ثعلبية) هائلة ..فلا تهتم� .إن أ�ح ًدا لن يغ�ضب.. وبالن�سبة ل (تعيلب) فلا بد أ�نه نائم يحلم بكل أ��سماك البحار البعيدة� ،أما أ�مي ف�إنها �سوف ت�ضحك كثي ًرا عندما أ�خبرها كيف علمت الذئب لعبة �أكل (ا ألذناب)!!و أ��سرع الاثنان �إلى البيت وهما ي�ضحكان. Kalilah and Dimnah final.indd 44 44 � �� ���� ��: �/��/
مذبحة الكتاكيت لم يكن (تعاليبو) ي�شتغل ليح�صل على طعامه ،كان ثعل ًبا وكان لا يحب العمل .ف�صناعة الفخار �سوف تجعله ي�شتغل في الطين طوال الوقت وهو يحب أ�ن يكون نظي ًفا جميلاً ،و�صيد ال�سمك كان عملاً �صع ًبا فهو لا يعرف ال�سباحة ولا يحب النزول إ�لى الماء والمرات القليلة التي نزل فيها �إلى الماء كانت ب�سبب �شدة الحر أ�و التخل�ص من البراغيث.. ولم يكن تعاليبو يحب جمع الثمار لأنه يع�شق اللحوم ،ولم يكن ي�صنع الع�سل لأنه لي�س نحله ،ولأنه لي�س نملة فقد كان ي أ�كل كل ما يح�صل عليه من طعام ،ولم يعرف أ�ب ًدا أ�ن هناك طريقة أ�خرى للتعامل مع الطعام �سوى �أن ي أ�كله. وكان يتعجب لأن هناك من يحتفظ بجزء ولو �صغير من طعامه! و�إن كان يح�س في أ�حيان كثيرة ب�ضرورة �أن يفعل ذلك ،خا�صة بعد أ�ن �أنجب �صغيرين لهما معدتان لا تحتملان ظرو ًفا �صعبة كالتي يمر بها هو، منذ نفد ال�سمك وبلغه تهديد (بولينياب) الذي ظل بالحفرة ليلتين كاملتين عقب تلك الليلة التي �سقطت فيها ال�سماء ،حتى �أخرجه الدب بال�صدفة. لقد أ�ق�سم (بولينياب) ق�س ًما عظي ًما مقد�ًسا أ�ن يجبره على م�ضغ ذنبه �أمام كل حيوانات الغابة والأحرا�ش ..وقد كان على (تعاليبو) أ�ن ي�أخذ تهديد (بولينياب) م أ�خذ الجد بعد كل ما حدث منه .ولذلك فقد اكتفى بالبحث عن طعامه في المناطق البعيدة عن الغابة �إلى أ�ن تهد أ� ا ألحوال وتت�ضح المواقف خا�صة و�أن (بولينياب) التحق بخدمة ا إلمبراطور الجديد وذهب ليعي�ش في بلاطه الإمبراطوري و�أ�صبح له نفوذ لا يجب تجاهله. ولذلك عندما �سمع (تعاليبو) �صوت الديك -رق�ص قلبه من الفرح وقال ((لقد أ�كلنا و�شبعنا!)) وانطلق يجري ناحية ال�صوت .وكان الديك ي�صيح وهو واقف فوق �شجرة عالية فاقترب منه وقال بل�سا ٍن ف�صيح: -يا �صاحب ال�صوت الحنون العذب انزل لت�سمعني! لقد جئت إ�ليك بب�شرى عظيمة و�سارة انزل تعالى �إل ّي فاليوم عيد! وطب ًعا خاف الديك ،ونظر �إلى الثعلب في �شك وريبة وكف عن ال�صياح على الفور و�صعد إ�لى غ�صن أ�كثر ارتفا ًعا ..وقال الثعلب: -ال تخف يا �صديقي! لقد ولى زمان الغدر وحل ع�صر ال�سلام 45 Kalilah and Dimnah final.indd 45 � ��/���� ��:� ��/
وا ألمان أ�لم ي�صلك الخبر؟ أ�لم تعرف ماذا تم في ا ألمر؟ �س أ�ل الديك في �شك: -أ�ي �أمر؟ ف�ضحك الثعلب وتظاهر بالأ�سف قائلاً : -قلت لك أ�لف مرة من قبل تعال وع�ش معنا في الغابة ،فهذه الحقول لي�ست مكا ًنا للطيور الطيبة ،ولا للديكة الأخيار ف أ�نتم هنا لا تعرفون الأخبار ولا ت�صل �إليكم جرائد الغابة ولا كتب المطابع ،عمركم هنا �ضائع يا �صديقي� ،ضائع .رد الديك وهو لا يفهم تما ًما -ماذا يريد الثعلب بال�ضبط. -أ�نا �شخ�ص ًيا هنا في أ�مان؟! ف�صاح الثعلب: -كيف يا �أخي؟ انظر بنف�سك ،أ�نك لا تعرف الأخبار الجديدة ال�سعيدة �إنك لا تعرف ماذا جرى للدنيا ،وتظن أ�نك في �أمان ألنك فوق ال�شجرة ..مع �أن ا ألمان �أ�صبح في كل مكان كان على ا ألر�ض! ف�س أ�ل الديك وهو يتعجب: -و أ�نت ..كيف يكون ا ألمان معك؟ -معي أ�نا؟! ..أ�نا أ��صبحت �صديقك ؛ ف�أمان يا ديك الزمان .لقد �صدرت أ�وامر إ�مبراطورنا العزيز ،أ�طال الله لبدته ،و�أعلى زئيره وزاد من هيبته ،لقد أ��صدر �أوامره الملكية لكل الحيوانات� :أن تعي�ش م ًعا في ((تبات ونبات)) ..كالأخوات و�أكثر! فلا الذئب ي�ستطيع بعد اليوم التهام الخروف ،ولا الثعلب يجر ؤ� على أ�ن ي�ؤذي -كتكو ًتا! دون إ�ذن الأ�سد العظيم ( أ�بو لبدة المده�ش)!! قال الديك: -دون إ�ذن؟! ..و�إذا ح�صل على الإذن؟ فطم�أنه الثعلب: -ال تخف ،فالح�صول على ا إلذن أ��صبح �صع ًبا ج ًدا ج ًدا ،الأمر لم يعد فو�ضى كالأيام الما�ضية ،إ�ن الثعلب الذي يريد أ�ن يلعب بري�شة دجاجة �-أن يلعب فقط -عليه أ�ن يقدم طل ًبا �إلى الملك �شخ�ص ًيا و�سوف يحوله الملك إ�لى لجنة الافترا�س العليا لدرا�سته ،و�ستمر �أيام طويلة حتى ي أ�ذن الملك بذلك و�أنت تعرف أ�ي غباء �ستكون عليه اللجنة ما دام رئي�سها 46 Kalilah and Dimnah final.indd 46 � ��/���� ��:� ��/
هو (بولينياب) ألنه غبي و�سيعطل كل �شيء طب ًعا. فقال الديك �ساخ ًرا: -ولكنه �سي أ�ذن وال�سلام.. فتجاهل تعاليبو �سخرية الديك وقال: -المهم �أنه �سيمر وقت طويل ج ًدا ننعم فيه بال�سلام م ًعا! وبالكلام م ًعا تحكي لي و�أحكي لك ،وي�صادق بع�ضنا البع�ض و�أق�سم لك أ�نني مررت في طريقي إ�ليك: بحمار يرق�ص مع �ضبع.. وزراف ي�ضحك مع �سبع.. وخراف ت�شرب من نبع.. يحر�ســـها نمر وذئاب.. فانزل يا ديكي لا تخ�شى.. فانزل يا ديكي لا تخ�شى.. �شعبان أ�نا لن �أتع�شى.. انزل كي نرق�ص نتم�شى.. في ال�سهل كخير ا أل�صحاب!! و�أخذ الديك يفكر ..لقد كان الثعلب يغني ب�صوت عذب يتنافى مع أ�ي كذب ويرق�ص حول ال�شجرة بطريقة جذابة لا توحي ب أ�ي خداع، ولكن بع�ض ال�شك كان ما يزال بقلبه بالن�سبة لهذا الثعلب الذي قتل المئات من أ�هله وع�شيرته ،حتى جاءته فكرة ليختبر �صدق كلامه فقال: غنا�ؤك جميل ،ورق�صك �أجمل! و�س أ�نزل حا اًل �إليك ف إ�نني �أح�س �أن الحيوانات والطيور خلقت اليوم من جديد ،و أ�نا مت أ�كد أ�نه منذ اليوم �سيبد�أ العهد ال�سعيد الذي �سيعي�ش فيه �سكان الحقول والغابات �أف�ضل من الأخوات ،نعم �س أ�نزل حا ًال وخا�صة لأنني �أرى بع�ض �أ�صدقائي قادمين لي�شاركوننا فرحتنا بال�سلام و أ�ظن �أنه �سيكون جميلاً أ�ن تنهي ما بينك وبينهم من خ�صام و أ�ن تبد�أ معهم ع�صر الوئام .ف�س أ�ل الثعلب وقد بد أ� ال�شك ي�ساوره.. -ومن ه�ؤلاء الأ�صدقاء يا أ�عز الأ�صدقاء.. فرد الديك دون اهتمام.. -كلبان فقط! �أحدهما هو ذلك الكلب الأ�سود حار�س ا ألغنام، 47 Kalilah and Dimnah final.indd 47 � �� ���� ��: �/��/
�ساب ًقا طب ًعا!! ألن ا ألغنام في الع�صر الجديد لن تحتاج حرا�ًسا. وارتجف قلب الثعلب و�سقط في قدميه فقد كان يعرف ق�سوة أ��سنان ذلك الكلب معرفة جيدة ..فقال متظاه ًرا بالهدوء: -أ�خ�شى يا �صديقي أ�نني لن �أنتظر ح�ضورها ف�أنا جئت فقط لأبلغك ا ألخبار ،وعليك أ�ن تبلغهم أ�نت ف�إنهم يثقون بك أ�ما �أنا فلا وقت لدي ألن عل ّي �أن �أن�شر الأخبار في منطقة وا�سعة ج ًدا.. و�ضحك الديك قائلاً : -انتظر يا �صديقي فما �أجمل �أن تبلغهم بنف�سك ا ألخبار ال�سعيدة!! وهنا خيل للثعلب �أنه �سمع نبا ًحا ي أ�تي من بعيد -فانطلق كال�سهم هار ًبا وهو ي�صيح -لا تظن �أنني أ�خافهم ،لم يعد للخوف مكان هنا بعد الآن ولكنني �أف�ضل �أن أ�عود ومعي خطاب ر�سمي من الملك فقد لا ت�صدقني الكلاب؛ ف أ�نت تعرفهم� ،إنهم لا ي�صدقون الثعالب.. ولم يتوقف الثعلب عن الجري �إلا عندما كفت �أذناه عن التقاط �صوت النباح واطم أ�ن أ�نه في �أمان ،فجل�س حزي ًنا ل�ضياع ذلك الديك ال�شهي من بين يديه ..وقال لنف�سه�(( ..آه من تلك الكلاب اللعينة ما فائدتها؟ ولماذا خلقت أ��صلاً ؟ ..ولماذا لم تت�أخر دقيقة واحدة أ�خرى لقد كنت على و�شك �إقناع الديك ب�صدق نواياي وطيبة قلبي و�إنني أ��صبحت �أعز �صدي ٍق له)). ولم يكن تعاليبو ب�سبب ابتعاده عن الغابة يعرف أ�ن الإمبراطور الجديد ( أ�بو لبدة المده�ش) قد �أ�صدر �أوامره فعلاً أ�ن ي�صبح الحيوانات جمي ًعا أ�خوه و أ�نه قد قرر أ�لا يلتهم القوى ال�ضعيف� ،أو ي�أكل الكبير ال�صغير� ،إلا ب�إذنه �شخ�ص ًيا ،وفي حدود قانون الافترا�س والانتخاب الطبيعي ولم يكن يدري �أن ا�ستعرا ً�ضا كبي ًرا كان يجري في نف�س تلك اللحظة أ�مام عرين الأ�سد لت�أكيد ال�صداقة والأخوة بين جميع الحيوانات وقد �سارت الخراف جن ًبا إ�لى جنب مع الذئاب بل وحمل فيه نمر منقط أ�رن ًبا رماد ًيا ..و�سمح فيه النمر المخطط لغزالة أ�ن تعبث ب�شاربه.. لم يكن الثعلب يدري �أن ما فكر فيه كطريقة لخداع الديك قد �أ�صبح حقيقة!! ولم يكن من الممكن أ�ن ي�صدق وهو الماكر الغادر أ�ن هذا الأمر العجيب الغريب يمكن أ�ن يحدث لولا أ�نه �سمع مناد ًيا ي�صيح: 48 Kalilah and Dimnah final.indd 48 � �� ���� ��:/�/��
يا �أهل الغابة والأدغال.. اليوم تغيرت الأحوال.. النمر يلاعب أ�رنب ًة.. والفرخة تركب ثعلب ًة.. والفيلة يركبها الأطفال.. ا أل�سد المده�ش قد �أ�صدر.. �أم ًرا لجميع رعيت ِه.. لا يزعق نم ٌر أ�و يز�أر.. �أ�س ٌد في وجه �ضحيت ِه.. والأ�صغ ُر لا يخ�شي ا ألكب َر.. فالكل بمنزل إ�خوت ِه.. وها�ص الثعلب ..وزاط؟؟ و�أخذ يحدث نف�سه قائلاً : � -إن هذا غريب ،ولا يمكن �أن يحدث ،ولكنه حدث� ،إن هذا م�ستحيل لا ي�صدق ،وها هو القرد المنادي يقوله بل�سانه ويعلنه ب أ�على �صوته -والقرد هو ر�سول الملك الر�سمي -يحمل طبل العرين الذهبي ويدق عليه! إ�ذن لا بد �أن هذا �صحيح وهو �صحيح ج ًدا.. ((اب�شر يا تعاليبو ،فقد ح�صلت على الديك بل و�أهل بيته جمي ًعا من كتاكيت لذيذة)). ((فلن تجد خي ًرا من كلام الملك ،ولا أ��صدق من ر�سول الملك وهكذا �سي�صدقك الديك الآن)).. (( ألنه �سي�سمع ر�سول ا أل�سد ب أ�ذنيه ،نراه بعينيه ..فهيا يا تعاليبو إ�لى العمل!!)). ((فقانون ا أل�سد الجديد لل�صداقة بين الحيوانات قد فتح أ�مامك أ�بواب ا ألمل ،هيا )) . -ولم ي�ضيع تعاليبو وقته بل أ��سرع وارتدى حلته الر�سمية التي يذهب بها �إلى العرين في الأعياد ،وحمل كتا ًبا �ضخ ًما مكتو ًبا بلغة غريبة لا تعرفها الحيوانات �أو الطيور ،وم�ضى �إلى الديك بعد ت أ�كده �أن ر�سول الملك قد مر به و�أن الخبر قد �سرى في المنطقة كلها ،و أ�حدث ا ألثر المطلوب.. ولما و�صل كان الديك وزوجاته وكتاكيته ال�سبعون يرق�صون فرحين حول ال�شجرة ،ترحي ًبا با ألنباء ال�سعيدة الجديدة واطم�أن الثعلب 49 Kalilah and Dimnah final.indd 49 � �� ���� ��:/�/��
Search
Read the Text Version
- 1
- 2
- 3
- 4
- 5
- 6
- 7
- 8
- 9
- 10
- 11
- 12
- 13
- 14
- 15
- 16
- 17
- 18
- 19
- 20
- 21
- 22
- 23
- 24
- 25
- 26
- 27
- 28
- 29
- 30
- 31
- 32
- 33
- 34
- 35
- 36
- 37
- 38
- 39
- 40
- 41
- 42
- 43
- 44
- 45
- 46
- 47
- 48
- 49
- 50
- 51
- 52
- 53
- 54
- 55
- 56
- 57
- 58
- 59
- 60
- 61
- 62
- 63
- 64
- 65
- 66
- 67
- 68
- 69
- 70
- 71
- 72
- 73
- 74
- 75
- 76
- 77
- 78
- 79
- 80
- 81
- 82
- 83
- 84
- 85
- 86
- 87
- 88
- 89
- 90
- 91
- 92
- 93
- 94
- 95
- 96
- 97
- 98
- 99
- 100
- 101
- 102
- 103
- 104
- 105
- 106
- 107
- 108
- 109
- 110
- 111
- 112
- 113
- 114
- 115
- 116
- 117
- 118
- 119
- 120
- 121
- 122
- 123
- 124
- 125
- 126
- 127
- 128
- 129
- 130
- 131
- 132
- 133
- 134
- 135
- 136
- 137
- 138
- 139
- 140
- 141
- 142
- 143
- 144
- 145
- 146
- 147
- 148
- 149
- 150
- 151
- 152
- 153
- 154
- 155
- 156
- 157
- 158
- 159
- 160
- 161