Important Announcement
PubHTML5 Scheduled Server Maintenance on (GMT) Sunday, June 26th, 2:00 am - 8:00 am.
PubHTML5 site will be inoperative during the times indicated!

Home Explore كليلة ودمنة بالمصرى#سمير_عبد_الباقى

كليلة ودمنة بالمصرى#سمير_عبد_الباقى

Published by noha.skillbuild02, 2020-03-28 16:05:02

Description: كليلة ودمنة بالمصرى#سمير_عبد_الباقى

Keywords: كليلة ودمنة بالمصرى#سمير_عبد_الباقى

Search

Read the Text Version

Kalilah and Dimnah final.indd 1 ��/‫‏� ‏‬/���� ��:�� �

‫كليلة ودمنة بالم�صري‬ ‫�سمير عبد الباقي‬ ‫الطبعة ا ألولى‪ :‬القاهرة ‪2017‬‬ ‫رقم الإيداع‪2016/26324 :‬‬ ‫الترقيم الدولي‪978-977-6510-53-1:‬‬ ‫الغلاف‪ :‬هانيبــــــــال‬ ‫عمليات ا إلخراج الداخلي وتنفيذ عمليات الطباعة‬ ‫بوحدات �شركة مدارك الإعلامية‬ ‫ابن ر�شد‬ ‫وكلاء ونا�شرون‬ ‫إ��شراف عام‪ :‬أ�حمد �إبراهيم‬ ‫المدير التنفيذي‪ :‬بي�سان عدوان‬ ‫‪[email protected]‬‬ ‫‪+2 01003603778 / +2 01000377889‬‬ ‫جميع الحقوق محفوظة للنا�شر‪ ،‬ويحظر ن�شر أ�و اقتبا�س هذا العمل �أو أ�ي جزء منه ب�أي‬ ‫و�سيلة ت�صويرية أ�و إ�ليكترونية أ�و ميكانيكية بما فيه الت�سجيل الفوتوغرافي والت�سجيل على‬ ‫�أ�شرطة �أو أ�قرا�ص مقروءة أ�و �أي و�سيلة ن�شر �أخرى بما فيها حفظ المعلومات دون �إذن‬ ‫كتابي من النا�شر‪ ،‬ومن يخالف ذلك يتعر�ض للم�ساءلة القانونية‬ ‫جميع المواد الورادة والأفكار تخص كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن أفكار أو توجهات الناشر‬ ‫‪Kalilah and Dimnah final.indd 2‬‬ ‫� ��‪/���� ��:‬‏� ‏‪��/‬‬

‫�سمير عبد الباقي‬ ‫كليلة ودمنة بالم�صري‬ ‫حكايات ع�صرية‬ ‫القاهرة ‪2017‬‬ ‫‪Kalilah and Dimnah final.indd 3‬‬ ‫� ��‪ ���� ��:‬‏‪ �/‬‏‪��/‬‬

Kalilah and Dimnah final.indd 4 4 ��/‫� ‏‬/‫�� ���� ‏‬:�� �

‫مملكة القط ب�سب�س‬ 5 ��/‫� ‏‬/‫�� ���� ‏‬:�� � Kalilah and Dimnah final.indd 5

‫كل الحواديت تقول كان ياما كان‪..‬‬ ‫ولكن هذه الحدوتة لن تقول كان ياما كان‪ ..‬لأنها لم تحدث في أ�ي‬ ‫مكان ولا في يوم من ا أليام‪..‬‬ ‫وطب ًعا هذا الكلام �سيغ�ضب ق ّطي العزيز ب�سب�س‪ ..‬ولكنني لن �أهتم‬ ‫بغ�ضبة اليوم ألنني �شعبت من كذبه‪� ..‬آ�سف‪..‬‬ ‫�أنتم لا تعرفون ب�سب�س‪ ..‬لقد ن�سيت أ�نكم لا تعرفونه‪ ..‬ولكنكم‬ ‫�ستعرفونه ا آلن‪� ..‬إنه قطنا العجوز الماكر الكثير الكلام‪ ..‬الذي يعرف‬ ‫الكثير من الحكايات الخيالية والحواديت غير المعقولة‪ ..‬ولكنه يق�سم دائ ًما‬ ‫�أنه ر�آها تحدث أ�مام عينيه‪ ..‬ومع ذلك أ�نا لا أ��صدقة‪ ..‬ف أ�نا أ�عرف �أن‬ ‫الأ�سد ي�ستطيع �أن يز�أر‪ ..‬وفي م�سرح العرائ�س ر�أيت أ��س ُو ًدا تتكلم اللغة‬ ‫العربية‪ ..‬أ��سود حقيقة‪ ..‬هل ت�صدقون �أنه يوجد على هذه الأر�ض بغاباتها‬ ‫و�صحاريها وجبالها‪ ..‬أ��سد حقيقي من لحم ودم‪ ..‬وله لبدة حقيقية‪..‬‬ ‫وي�ستطيع �أن ينطق جملة واحدة مفيدة �أو يعرف �أخوات كان‪..‬‬ ‫ب�سب�س ي�سخر مني ويقول �إن هذا �شيء عادي ج ًدا‪ ..‬و إ�ن كل‬ ‫ا أل�سود في الدنيا تتكلم مثل الب�شر‪ ..‬و�إن هناك ِخرا ًفا تجيد العزف على‬ ‫كل الآلات بل تجيد الغناء أ�ي ً�ضا‪ ..‬و�إنه يعرف ثعالب ت�ؤلف ق�ص ً�صا‬ ‫ل ألطفال وحكايات لل�صغار‪� ..‬إنه يعرف حما ًرا في �إحدى الحظائر‬ ‫الجنوبية �ألف مرج ًعا في عالم الفلك لا يفهمه �سوق قليل ج ًدا ج ًدا من‬ ‫الب�شر‪ ..‬و�أنه قابل ذات مرة تم�سا ًحا عجو ًزا يعمل في �شركة دولية لبيع‬ ‫أ�ر�ض القمر للفقراء‪ ..‬و أ�ن له �صدي ًقا من ذوي الخراطيم وله زلومة‬ ‫حمراء ووجه وردي ي�شتغل مدي ًرا للعلاقات العامة بم�ؤ�س�سة زراعية‬ ‫كبرى‪ ..‬هل ت�صدقون بعد هذا �أي حديث يقوله ذلك القط‪..‬‬ ‫ومع ذلك‪ ..‬ورغم م�ضايقته الم�ستمرة لي ب�أكاذيبه وحكاياته ف�أنا‬ ‫أ�حبه ج ًدا‪� ..‬إن ق ّطي ب�سب�س لا يفارقني لحظة واحدة‪..‬‬ ‫�إذا جل�ست للقراءة‪ ..‬يقفز ويجل�س في حجري‪ ..‬وي�صمم على �أن‬ ‫أ�حكي له ما �أقر أ�‪..‬‬ ‫و�إذا أ�ردت م�شاهدة التليفزيون‪ ..‬ف إ�نه يخرب�ش ويهب�ش حتى �أ�ضطر‬ ‫أ�ن �أف�سح له مكا ًنا بجواري‪ ..‬مع أ�نه ينام كلما ُعر�ض أ�حد ا ألفلام‬ ‫الم�صرية أ�و غنى �أحد المطربين ال�شباب‪.‬‬ ‫‪6‬‬ ‫‪Kalilah and Dimnah final.indd 6‬‬ ‫� ��‪/���� ��:‬‏� ‏‪��/‬‬

‫وعندما �أذهب للنوم‪ ..‬ف إ�نه �أي ً�ضا لا يتركني‪ ..‬حتى أ��صبحت لا أ�حلم‬ ‫حل ًما �إلا و�شاركني فيه‪ ..‬ماذا أ�فعل َ؟!‪� ..‬أنقذوني منه‪� ..‬إن ا�ستطعتم‪..‬‬ ‫�صحيح �أنه قط متح�ضر ج ًدا ينظف �أ�سنانه قبل وبعد النوم‪ ..‬ولا‬ ‫يم�شي في ال�شارع بالبيجاما أ�ب ًدا مهما كانت الظروف‪ ..‬ولكن ما يغيظني‬ ‫أ�كثر �أنه ي�صر على القول ب أ�نه كان يعي�ش في الغابة قبل أ�ن ي أ�تي إ�لى‬ ‫بيتنا‪ ..‬ور أ�يي �أن هذه هي �أعظم كذبة يمكن أ�ن يكذبها قط في العالم‪..‬‬ ‫ف�أنا مت�أكد أ�نه لم ي�شاهد غابة في حياته أ�ب ًدا‪ ..‬إ�لا في التليفزيون لأنه ولد‬ ‫في منزلنا‪ ..‬في تلك ال�شرفة التي تطل على الحارة القبلية ولم يغادر من‬ ‫يومها بيتنا �إلى ال�شارع أ�بدا‪..‬‬ ‫فهل ت�صدقونه بعد كل هذا حين يتهمني ب أ�نني �أظلمه عندما أ�قول‬ ‫الحقيقة‪ ..‬ومع ذلك لن يهمني بعد اليوم‪ ..‬و�س�أقول الحقيقة‪ ..‬لأنه يجب‬ ‫على ا إلن�سان �أن يقول الحقيقة مرة واحدة في حياته‪ ..‬ولو للقطط‪..‬‬ ‫ولذلك ف إ�نني أ�علن في �صوت عال وبلغة عربية مفهومة‪ ..‬دون‬ ‫خوف و�أقول‪:‬‬ ‫ـ ـيا قطنا العجوز ب�سب�س �أنت كاذب‪ ..‬و أ�نا لا أ��صدق حكاياتك‪..‬‬ ‫ولا يمكن أ�ن �أحكيها أ�نا ألنني لا أ�ردد أ�كاذيب‪ ..‬فاح ِك �أنت‬ ‫لهم‪ ..‬واتركني و�ش أ�ني‪ ..‬ف إ�ن �صدقوك‪ ..‬فهم أ�حرار‪..‬‬ ‫واغ�ضب مني كما ت�شاء ف أ�نا �أ�ؤمن �أن الحمير فقط هي التي تغ�ضب‬ ‫من الحقيقة‪ ..‬و أ�ي حمار في الدنيا لا بد �أن يغ�ضب عندما تخبره‬ ‫أ�نه حمار‪..‬‬ ‫عندما قلت ذلك التفت نحوي ب�سب�س في هدوء وقال‪:‬‬ ‫ـ ـلماذا تتهمني دائ ًما بالكذب حين �أقول إ�نني كنت �أعي�ش في الغابة في‬ ‫زمن من الأزمان‪ ..‬من �أدراك؟‪ ..‬أ�لا تعرف �أن للقطط �سبعة‬ ‫أ�رواح؟‪ ..‬ماذا تعرف �أنت عن القطط؟‪ ..‬نعم‪ ..‬لي �أ�صدقاء‬ ‫من الثعالب وبنات آ�وى تكتب ق�ص ً�صا للأطفال مثلك تما ًما‪ ..‬لماذا‬ ‫تنكر عليهم ذلك؟‪ ..‬ولماذا تريد أ�ن ي�صدق النا�س ما تقول ولا‬ ‫تريدهم �أن ي�صدقوني‪ ..‬أ�نا �أي ً�ضا؟!‪..‬‬ ‫لماذا تريد منهم �أن ي�صدقوا ما تدعيه عني؟!‪ ..‬يا نا�س هل هناك قط‬ ‫في الدنيا ي�ستطيع أ�ن يحكي ق�ص ً�صا كاذبة أ�و حقيقة‪ ..‬فيما عداي طب ًعا!‬ ‫هل هناك قط ي�شاهد التليفزيون؟ (غيري طب ًعا)!‪..‬‬ ‫‪7‬‬ ‫‪Kalilah and Dimnah final.indd 7‬‬ ‫� ��‪ ���� ��:‬‏‪ �/‬‏‪��/‬‬

‫انقذوا ب�سب�س الم�سكين أ�يها النا�س من هذا الرجل‪ ..‬الذي أ�لقت به‬ ‫ا ألقدار بين يديه‪..‬‬ ‫ثم مالك أ�نت‪ ..‬اتركنا في حالنا‪ ..‬أ�نا �سوف أ�حكي لهم بنف�سي‬ ‫و�سي�صدقونني‪ ..‬فلا �ش�أن لك بنا‪..‬‬ ‫و�سكت طب ًعا‪ ..‬فلب�سب�س الحق في أ�ن يت�صرف بحرية‪ ..‬كل القطط‬ ‫لها الحق أ�ن تت�صرف بحرية‪ ..‬ولكنني �أعلن ب أ�على �صوت �أنه لا �شان‬ ‫لي بهذا القط أ�و بحكاياته �صادقة كانت �أم كاذبة‪ ..‬وهو وحده الم�س ؤ�ول‬ ‫عنها‪ ..‬و أ�نتم طب ًعا �إن �صدقتم �أن هناك ق ًطا يمكن أ�ن ي ؤ�لف حكايات‬ ‫حقيقة‪ ..‬فا�سمعوها �أنتم منه‪ ..‬أ�ما أ�نا‪ ..‬فقد �سمعتها أ�لف مرة‪ ..‬ورغم‬ ‫ذلك �س�أ�سمعها معكم للمرة ا ألولى بعد الألف‪..‬‬ ‫قال ب�سب�س‪:‬‬ ‫ـ ـكان ياما كان‪ ..‬كنت في زم ٍن ما�ٍض بعيد �أعي�ش في الغابة‪..‬‬ ‫وكانت الغاب ُة مثلها مثل أ�ي غابة‪ ..‬وا�سع ًة �شا�سع ًة‪ ..‬كبيرة‬ ‫خ�ضراء فيها �أ�شجار من كل ا ألنواع وجميع الأ�شكال‪ ..‬العالية‬ ‫والق�صيرة وال�سميكة والرفيعة‪ ..‬القائمة والزاحفة‪ ..‬أ�لف �صنف‬ ‫ونوع‪ ..‬وفي تلك الغابة‪ ..‬مثلها مثل أ�ي غابة‪ ..‬كانت تعي�ش‬ ‫حيوانات من كل نوع‪ ..‬أ�نواع تعرفونها و أ�نواع لا تعرفونها‪..‬‬ ‫هناك القطط والكلاب والأرانب والأفيال‪ ..‬وال�سباع‬ ‫وال�ضباع‪ ..‬والقنافذ والقلا�شط والمفاجيع والمقا�شط والجرابيع‬ ‫وال�سيد ق�شطة‪ .‬حيوانات كثيرة‪� ..‬أ�شكال و�ألوان‪..‬‬ ‫باخت�صار‪ ..‬كانت الغاب ُة مثلها مثل �أي غابة‪ ..‬غابة حقيقة‪..‬‬ ‫�ستقولون �إن مل َك الغابة كان �سب ًعا‪..‬لأ طب ًعا‪ ..‬لي�س هذا �صحي ًحا ففي‬ ‫�أيامي تلك كان ملك الغابة هو جدي العزيز العجوز‪ ..‬ب�سبو�س ا ألول!!‬ ‫�أت�ضحكون؟!‬ ‫لكم الحق‪ ..‬ف�أنتم تظنون أ�ن القط لا ي�صلح لحكم الغابة؟! ولكنكم‬ ‫مخطئون في ظنكم‪ ..‬و�صدقوني‪� ..‬أن أ�ي قط‪� ..‬أو أ�ي دب من أ�ي‬ ‫نوع‪ ..‬ي�ستطيع �أن ي�صبح مل ًكا على أ�ية غابة في الدنيا‪ ..‬فما بالكم وجدي‬ ‫هو ب�سبو�س �صاحب المواهب التي لا يمكن أ�ن تتوفر �إلا لقلة من القطط‬ ‫في ع�صر واحد‪ ..‬حيث ي�شاء وحين ي�شاء‪ ..‬و�أكثر من ذلك كان ِمواء‬ ‫جدي �ساعة الغ�ضب يجعل كل الحيوانات تخاف أ�و على ا ألقل تتظاهر‬ ‫‪8‬‬ ‫‪Kalilah and Dimnah final.indd 8‬‬ ‫� ��‪/���� ��:‬‏� ‏‪��/‬‬

‫بالخوف خو ًفا من جدي‪ ..‬الفيل نف�سه كان يك� ّش من الخوف في�صبح‬ ‫ف�أ ًرا‪ ..‬وهذا ال�سر في وجود تلك الحيوانات التي ت�سمى قلا�شط وهي‬ ‫فئران لها زلومة‪ ..‬ما زلتم ت�ضحكون‪..‬‬ ‫على أ�ية حال‪� ..‬سواء كنتم ت�ضحكون معي �أو ت�ضحكون علي‪..‬‬ ‫فا�ضحكوا‪ ..‬الذنب لي�س ذنبكم‪ ..‬ولكنه ذنب تلك الكتب التي تقول‬ ‫دائ ًما‪ ..‬إ�ن ملك الغابة‪ ..‬لا بد �أن يكون أ��س ًدا‪ ..‬ولم تتوا�ضع مرة لتقول‬ ‫إ�ن القط يمكن أ�ن يكون مل ًكا على غابة‪..‬‬ ‫الكتب يا �أ�صدقائي كما أ�عتقد لا تثق في القطط‪ .‬وما دام قانون الغابة‬ ‫يقول في �أول مادة إ�ن ملك الغابة هو ال�سبع بالتحديد‪ ..‬ف َمن ي�ستطيع أ�ن‬ ‫يقول غير ذلك‪ ..‬ال�ِّسباع و�ضعت ذلك القانون وهي تحميه‪ ..‬ولكن‬ ‫جدي رغم ذلك‪ ..‬ورغم �أن �أح ًدا لم يكن يفكر في غير ذلك‪ ..‬ا�ستطاع‬ ‫أ�ن يثبت أ�نه ي�ستطيع �أن يكون مل ًكا على الغابة‪ ..‬خل ًفا لل�سبع الذي كان‬ ‫يتولى عر�شها قبله وا�سمه (�سبع البرمبة)‪ ..‬وهو �سبع عجوز له لبدة فاخرة‬ ‫من النوع الغ�ضنفر‪..‬‬ ‫وكانذلكال�سبعقدحاز�إعجابالحيواناتوا�ستحقاحترامها‪..‬فقدكان‬ ‫رهي ًباعجي ًبا�شديدالبط�شوالق�سوةلهقب�ضةمنحديد‪..‬كالحديد‪..‬وعندماكان‬ ‫يغلبةالنوم‪-‬ولقدكانالنومهوال�شيءالوحيدالذيي�ستطيع أ�نيغلبه‪-‬ينام‪..‬‬ ‫ويترك�صوت�شخيرهي ؤ�كدللجميع�أنهيراهموي�سمعهم‪..‬فكانتالحيوانات‬ ‫تكتم�أنفا�َسهاوت�سيرفيحذ ٍر�شديدخ�شية�إيقاظه‪..‬منالنوم‪.‬‬ ‫وفي يو ٍم من الأيام كان الأ�سد نائ ًما �ساعة القيلولة بعد �أكلة �سمينة‬ ‫التهم فيها كعادته ثلاثة ِخراف م�سكينة‪ .‬و�أثناء نومه حدثت �أخطر حادثة‬ ‫يمكن �أن تحدث في غابة‪ ..‬وبد أ� مع هذه الحادثة وب�سببها مجد عائلتنا‪..‬‬ ‫ألنها كانت ال�سبب في تولي جدنا العظيم ب�سبو�س عر�ش الغابة‪ ..‬لا‬ ‫تتعجبوا‪ ..‬ولا ت�س أ�لوا‪..‬‬ ‫�س�أحكي لكم‪ ..‬ف أ�نا �أحب أ�ن �أحكي‪..‬‬ ‫كان ا أل�سد المرعب نائ ًما‪ ..‬وكانت الحيوانات من �أكبر فيل حتى‬ ‫�أ�صغر دودة �أر�ض نائمة أ�و متظاهرة بالنوم‪ ..‬وكانت �أذن ال�سبع‬ ‫العظيم مفتوحة كعادته عند النوم حتى ت�سمع �أقل هم�سة يمكن أ�ن يهم�س‬ ‫بها حيوان لجاره‪ ..‬وفج�أة‪..‬‬ ‫دفع الهواء بعو�ضه �صغيرة إ�لى فراغ أ�ذن الملك‪ ..‬وارتبكت‬ ‫‪9‬‬ ‫‪Kalilah and Dimnah final.indd 9‬‬ ‫� ��‪ ���� ��:‬‏‪ �/‬‏‪��/‬‬

‫البعو�ضة‪ ..‬فتخبطت بين �شعيرات ا ألذن الكثيفة وعز عليها الخلا�ص‪..‬‬ ‫وا�ستيقظ ال�سبع غا�ض ًبا‪ ..‬مزمج ًرا‪ ..‬وخافت البعو�ضة أ�كثر فاندفعت‬ ‫إ�لى الداخل أ�كثر ف�أكثر‪ ..‬وال�سبع يحاول أ�ن ينالها بمخالبه تارة أ�و بهز‬ ‫ر�أ�سه ب�شدة تارة �أخري‪ ..‬ولكن الكارثة كانت قد حدثت‪..‬‬ ‫وها هو ملك الغابة ي�صرخ من ا أللم والغ�ضب‪ ..‬وانقلبت الغابة‬ ‫ر أ��ًسا على عقب‪ ..‬و�أطلق بروجي الإنذار الملكي بمعرفة أ�كبر ا ألفيال‬ ‫و أ�علنت الطوارئ وا�ستدعي الديوان الملكي من �سما�سرة ووكلاء‬ ‫�شركات المبيدات الح�شرية‪ ،‬أ�ن يعلنوا الحرب على الح�شرات‪� ..‬أو �ضد‬ ‫البعو�ض على الأقل‪..‬‬ ‫ولكن قبائل البعو�ض أ�علنت أ��سفها لما حدث وا�ستنكرت ما فعلته‬ ‫البعو�ضة واتهمتها بالحماقة‪ ..‬وعدم تقدير الم�س�ؤولية‪ ..‬هذا �إذا ثبت أ�نها‬ ‫فعلت ذلك متعمدة!‬ ‫وعلى العموم لم ي�ضيع �أحد وقته في بحث الدوافع ألن الكارثة‬ ‫حدثت بالفعل والملك يعاني ا آلن آ�لا ًما رهيبة‪ ..‬هذا غير �إح�سا�سه العميق‬ ‫بالإهانة لتطاول البعو�ضة على ُحرمة أ�ذنه الملكية‪..‬‬ ‫ووجدها بع�ض الك ّتاب فر�صة لل�شهرة ولتملق الأ�سد المري�ض‪..‬‬ ‫فقام الكاتب المعروف (طيري أ�لا طيري)‪ ،‬و(ع�صفور الجنة �أبو‬ ‫�شعيرة) م ؤ�لفا كتاب (غني يا ع�صافيري)‪ ..‬بت أ�ليف كتاب عن الحادثة‪..‬‬ ‫ا�سمه‪( ..‬الأوزان والعرو�ض في تاريخ جن�س البعو�ض)‪ ..‬كما �أن‬ ‫الناقد المعروف (م�أم أ� �أبو �صوف)‪� ..‬أ�سرع بكتابة ع�شرات الم�شكلات في‬ ‫المدار�س الأميرية‪..‬‬ ‫وانطلق ع�شرات وع�شرات ممن يعرفون القراءة والكتابة بلغة‬ ‫الغابة يكتبون الكتب وي�ؤلفون المراجع عن تاريخ البعو�ض‪ ..‬وعن اليوم‬ ‫الموعود الذي ظهرت فيه الأ�سود وعن ذلك اليوم الم�شهود الذي �سيذكره‬ ‫بالتاريخ‪ ..‬وعن الحوادث التي حدثت ل ألذن الملكية‪ ..‬عبر الع�صور‪..‬‬ ‫وجن جنون الأ�سد ‪ ..‬فم�ضي يز أ�ر ويج�أر ويوجه �ضربات ع�شوائية‬ ‫هنا وهناك‪ ..‬وزاد هذا من عجز الحيوانات عن الت�صرف‪ ..‬لأنه كلما‬ ‫زاد �صراخه �ش ّلهم الخوف أ�كثر‪ ..‬وكانت البعو�ضة تزداد خو ًفا ورع ًبا‬ ‫ولا تجر�ؤ على الخروج‪..‬‬ ‫و إ�ن كانت والحق يقال ف َّكرت في الت�سلل ولكن أ�ذن الملك‬ ‫‪10‬‬ ‫‪Kalilah and Dimnah final.indd 10‬‬ ‫� ��‪ ���� ��:‬‏‪ �/‬‏‪��/‬‬

‫الأ�سد كانت ف ًخا حقي ًقا وكه ًفا �شديد العمق فف�شلت في التقدم خطوة �إلى‬ ‫الخارج‪ ..‬فا�ستولت عليها روح عدم تقدير الم�س ؤ�ولية وعرفت أ�نها ميتة‬ ‫في كل الأحوال‪ ..‬فبقيت حيث هي‪ ..‬بل وم�ضت تغني وترق�ص �أغنية‬ ‫ورق�صة الانتحار التي يتقنها جن�س البعو�ض عندما يقترب من النار‪..‬‬ ‫والتي كثي ًرا ما ن�سمعها في ليالي ال�صيف بالقرب من م�صابيح الكهرباء‪..‬‬ ‫وطب ًعا زاد ذلك ا ألمور �سو ًءا‪ ..‬ألنها مع كل حركة كانت تزيد‬ ‫�آلام الملك‪ ..‬فيزداد �صراخه وغ�ضبة‪ ..‬ويزداد ي�أ�سها من النجاة‪..‬‬ ‫فتندفع في الرق�ص والغناء �أكثر‪ ..‬مما كان يجعل الملك الوقور يتلوى‬ ‫على الأر�ض أ�ل ًما‪ ..‬وغ�ضبا‪..‬‬ ‫أ��سد ها‬ ‫�أ�صاب‬ ‫�شدي ًدا لما‬ ‫احلدزننيااً‬ ‫وفي الحقيقة‪ ..‬حزنت الحيوانات‬ ‫بطريقة‬ ‫حزنها‬ ‫تعبر عن‬ ‫وملكها‪ ..‬ولكنها مثل أ�ي حيوانات في‬ ‫حيوانية فكانت تتجمع في حلقات في الدروب وال�سفوح وعند �شاطئ‬ ‫النهر‪ ،‬وتدور حول بع�ضها‪ ،‬ثم ت�صرخ وتقفز فج�أة مولولة �صارخة‪.‬‬ ‫لكن الديوان الملكي وجد �أنها طريقة غير ح�ضارية ولا تليق بغابة‬ ‫متقدمة مثل غابتهم فعقدوا اجتما ًعا عاجلاً اختيرت فيه الببغاء لت�شرف‬ ‫�إ�شرا ًفا كل ًيا‪ ..‬على تنظيم حزن و�ألم الحيوانات‪ ..‬حتى لا يتحول ا أل�سى‬ ‫الملكي إ�لى فو�ضى‪ ..‬وحتى لا يتعار�ض مع فترات هياج و�صراخ الملك‪..‬‬ ‫كانت �أيا ًما ع�صيبة!!‬ ‫إ�ذ اختلت ا ألمور في المملكة‪ ..‬وتوقف العمل في كل دواوين‬ ‫ومكاتب الغابة الحكومية‪ ..‬وتوقف �إعطاء �شهادات ميلاد للكتاكيت‬ ‫وا ألرانب والغزلان وت�سبب ذلك في التهام أ�عداد كبيرة منها �س ًّرا‪ ..‬كما‬ ‫زيفت �شهادات الوفاة و أ�وامر الافترا�س وكانت الأوراق ت�ستخدم عدة‬ ‫مرات بلا رقابة حقيقية‪ ..‬و�أقفلت الم�ست�شفيات‪ ..‬ورف�ضت أ��سراب ( أ�بو‬ ‫قردان) إ�عطاء الحقن أ�و معالجة الجروح‪..‬‬ ‫و�أعلنت أ�نه ما دام الملك ا أل�سد جري ًحا فكل الجراح بعد جرحه لا‬ ‫ت�ستحق ال�شفاء‪ ..‬و�أنها لن تعالج �أح ًدا قبل أ�ن ي�شفى الملك‪ ..‬كما أ�ن‬ ‫الهداهد أ��ضربت عن �إعطاء أ�ية �شهادات ر�سمية لل�سبب نف�سه‪ ..‬وتعطلت‬ ‫الحياة الر�سمية في الغابة‪..‬‬ ‫وا�ضطر الديوان الملكي �أن يعقد اجتما ًعا ها ًما �آخر‪ ..‬لدرا�سة الأمر‬ ‫بعد كل هذه التطورات‪ ..‬و�ضم الاجتماع (تعلوب) و(تعليب) من �أبناء‬ ‫‪11‬‬ ‫‪Kalilah and Dimnah final.indd 11‬‬ ‫� ��‪/���� ��:‬‏� ‏‪��/‬‬

‫تعاليبو‪ ..‬الم�ست�شار ال�سابق للملك‪ ..‬والذئب (�سرحان بولينياب)‪..‬‬ ‫حار�س الخزائن الملكية الجديد والكلب (دحروج دي لمعووج) مدير‬ ‫البوابة الملكية و(ماتو الأفوكاتو) الحمار العجوز المتحدث با�سم الملك‬ ‫ا أل�سد في الهيئة العامة ل ألدغال و(دبدوب ال�سابع التابع) رئي�س الديوان‬ ‫الملكي‪ ..‬والفيل (جنزبيل �أبو زلومة واحدة) قائد فرق الحر�س‪..‬‬ ‫و(ديك النهار) ر�سول الات�صال بمملكة الطيور والغراب (النوحي)‬ ‫حامل خاتم المملكة وب�شير الخير‪ ..‬و(مح�سوب القنفد المحبوب) الم�س ؤ�ول‬ ‫عن كل ا ألمور ال�شائكة‪..‬‬ ‫ثم حاملي ا ألو�سمة والنيا�شين الزهرية وكذلك ر�ؤ�ساء مجلات‬ ‫و�صحف الموز الأخ�ضر‪ ..‬و�أكثر من ذلك �ضم الاجتماع (بولودان‬ ‫الجبان) �آخر �سلالة (بولودان �أرنب ال�سهول)‪ ..‬وكان الجميع يعرفون‬ ‫�أنه لا فائدة من ح�ضوره‪ ..‬ومع ذلك دعوه دعوة ر�سمية حر ً�صا على أ�ن‬ ‫يكون الاجتماع ممثلاً لكل الطوائف الحيوانية‪ ..‬وحتى لا تدعي �أي طائفة‬ ‫أ�و قبيلة حيوانية أ�نها �صاحبة الف�ضل في حل الم�شكلة‪ ..‬إ�ذا حلت الق�ضية‬ ‫�صدفة أ�ثناء الاجتماع ولم يعلم بذلك �أحد‪..‬‬ ‫وظل مجل�س الديوان الملكي ينعقد وينف�ض‪ ..‬ثم ينعقد لينف�ض‪..‬‬ ‫وارتفع ال�ضجيج والزعيق والنهيق أ�كثر من مرة وتكلم ع�شرات‬ ‫المخل�صين �أكثر من مرة وفي وقت واحد‪..‬‬ ‫ومع ذلك ظلت الم�شكلة قائمة و�صراخ ا أل�سد ي أ�تي �إليهم من بعيد‬ ‫�أ�سو�أ مما كان‪ ..‬و أ�خي ًرا و�صلوا لقرار حاز موافقة الجميع ور�ضاها ذلك‬ ‫ب أ�ن يظل المجل�س منعق ًدا ب�صفة دائمة حتى ُي�شفى الملك‪ ..‬على �أن ت�صرف‬ ‫المكاف�أة المقدرة كل �ساعة‪..‬‬ ‫وقدم الفيل اقترا ًحا ب أ�ن ي�ستعمل زلومته في �شفط البعو�ضة ح�سب‬ ‫نظرية تفريغ الهواء‪ ..‬ولكن مخ الملك كاد �أن يخرج حين حاول ذلك‬ ‫ولم تخرج البعو�ضة واتهم بع�ض الحا�ضرين الفيل ب أ�نه يريد قتله لي�ستولي‬ ‫على العر�ش ب�صفته ولي العهد‪ ..‬و أ�لقي به في ال�سجن فعلاً ‪ ..‬لولا‬ ‫تدخلت الملكة و�أفرجت عنه‪..‬‬ ‫وفي إ�حدى نوبات الي�أ�س ا�ستطاع �سما�سرة ووكلاء �شركات‬ ‫المبيدات تحري�ض دعاة الحرب في الغابة ف أ�علنت الحرب �ضد كل‬ ‫الح�شرات و�ضد جن�س البعو�ض بالذات‪ ..‬و أ�ريقت مئات الآلاف من‬ ‫‪12‬‬ ‫‪Kalilah and Dimnah final.indd 12‬‬ ‫� ��‪/���� ��:‬‏� ‏‪��/‬‬

‫جالونات المبيدات‪ ..‬وراجت �سوقها وارتفع �سعرها‪ ..‬وانت�شرت عنها‬ ‫الإعلانات‪ ..‬ولكن كل ذلك كان بلا فائدة‪ !..‬بل وزاد أ�لم الملك الأ�سد‬ ‫ب�سبب إ�ح�سا�سه بالذنب حيال كل ح�شرة أ�و بعو�ضة تموت وهي تق�سم أ�نه‬ ‫لا ذنب لها فيما حدث‪!..‬‬ ‫واقترح (ماتو الأفوكاتو) مفاو�ضة البعو�ضة وتنفيذ �شروطها إ�ن‬ ‫كانت ب�سيطة‪ ..‬ولكن البعو�ضة رف�ضت أ�ن تخرج ل�شدة خوفها وبدون‬ ‫أ�ن تفكر في ا ألمر جي ًدا طلبت من الفيل �أن ي أ�تي �إليها حيث هي ليفاو�ضها‪..‬‬ ‫ولم تكن البعو�ضة باقتراحها تق�صد �أن تجعل الأرنب (بولودان ال�صغير)‬ ‫ي�ضحك تلك ال�ضحكة ال�ساخرة ب�سبب خياله المري�ض‪..‬‬ ‫فقد تخيل ما يحدث لو أ�ن الفيل وافق بالفعل‪ ..‬ودخل �إليها‪ ..‬لذا‬ ‫�ضحك �ضحكة الموت التي كانت �ضحكة طويلة مجلجلة وماجنة و�ساد‬ ‫ال�صمت الرهيب الحزين‪ ..‬مما جعل الجميع ينظرون �إليه‪..‬‬ ‫وقد طر�أت لهم جمي ًعا فكرة التهامه‪ ..‬لولا أ�نه كان ع�ض ًوا في‬ ‫البلاط الملكي وله ب�سبب ذلك نوع من الحماية الملكية! ولم يكن من الممكن‬ ‫�أن ت�ستمر الأمور على هذه الحال‪..‬‬ ‫فالم�صالح معطلة والحيوانات تركت البحث عن طعامها‪ ..‬واكتفت‬ ‫بالحديث الذي لا ينتهي حول المو�ضوع‪ ..‬وما العمل؟!‪..‬‬ ‫الحيوانات ال�صغيرة تطلب اللبن‪ ..‬وموظفو الغابة جمي ًعا لم يقب�ضوا‬ ‫مرتباتهم بحجة أ�ن اجتماعات الديوان الملكي ت�ستهلك كل الميزانية‪..‬‬ ‫ا ألخطر من ذلك �أن الهم�سات بد أ�ت تعلو‪ ..‬وبد أ�ت الهيبة الملكية في‬ ‫الانهيار ولم يعد أ�حد يعمل ح�سا ًبا لنوم �أو يقظة الملك‪..‬‬ ‫�إذ كانت الحيوانات ال�صغيرة تت�سلل خلف العرين وهي تكتم‬ ‫�ضحكاتها لت�سمع ا أل�سد وهو ي�صرخ قائلاً ‪..‬‬ ‫يا جـــــمــــاعــة حــو�شــــــــــوني‪..‬‬ ‫ودانـــي بيـــــــــــــاكلــــــــــــوني‪..‬‬ ‫وب�إيعاز من أ��شخا�ص مجهولين �أ�صبحت هذه الجملة أ�غنية يغنيها‬ ‫ال�صغار حينما يلعبون في الم�ساء‪..‬‬ ‫ولما و�صلت ا ألمور إ�لى هذا الحد‪ ..‬قرر مجل�س العرين الملكي بناء‬ ‫على تو�صية الملكة‪ ..‬الت�ضحية بن�صف المملكة جائزة لمن ينقذ ما تبقى من‬ ‫الهيبة الملكية ويخرج البعو�ضة ب�أية طريقة ممكنة‪..‬‬ ‫‪13‬‬ ‫‪Kalilah and Dimnah final.indd 13‬‬ ‫� ��‪ ���� ��:‬‏‪/�/‬‏��‬

‫وطارتالغربان�إلىكلمكانيقودها(غرابالبين)تعلنفيكل أ�نحاء‬ ‫الغابة والغابات المجاورة عن القرار بر�صد ن�صف العر�ش والغابة جائزة لمن‬ ‫يريح ا أل�سد من آ�لامه ب أ�ية طريقة ولمن يخرج البعو�ضة ب�أي �شكل‪..‬‬ ‫وو�صل الخبر �إلى جدي العظيم‪ ..‬ب�سبو�س الذي كان يراقب‬ ‫ا ألمور من بعيد‪ ..‬وينتظر أ�ن تتعقد إ�لى هذه الدرجة‪ ..‬فالتف َت في وقا ٍر‬ ‫وجد‪� ،‬إلى جدتي بعد �أن ترك ال�صحيفة التي كانت تن�شر الخبر‪ ..‬وقال‬ ‫وهو يبت�سم ابت�سامة م�شرقة خا�صة به‪..‬‬ ‫‪ -‬لقد جاءت اللحظة وحان وقت العمل‪ ..‬إ�لى اللقاء‪ ..‬و�سوف‬ ‫أ�ر�سل لك من ي أ�تي بك‪ ..‬في موكب يليق بملكة!!‬ ‫ارتفع �صوت البوق النحا�سي الكبير معل ًنا ترحيب الغابة بالقادم من‬ ‫بعيد‪ ..‬وتبعت ذلك أ��صوات ا ألبواق ا ألخرى في �أيدي حرا�س الغابة‬ ‫ا أل�شداء‪� ..‬سلام عظيم‪..‬‬ ‫اهتزت الأر�ض والأ�شجار تحت أ�قدام حرا�س الغابة الذين كانوا‬ ‫مدربين على مرا�سم الاحتفالات الر�سمية منذ نعومة �أظافرهم‪ ..‬وتلفتت‬ ‫الر ؤ�و�س الملونة وذات القرون‪ ..‬وتطلعت العيون‪ ..‬وتراق�صت‬ ‫ا آلذان على اختلاف الأ�شكال والأحجام‪ ..‬واهتزت ال�شوارب على‬ ‫اختلاف �أنواعها‪ ..‬وقد �سرى بينها الخبر‪ ..‬فالر�سول الملكي يرتدي‬ ‫حلة ر�سمية وي�شق طريقه و�سط جموع الحيوانات وهو يعلن ب�صوته‬ ‫الباكي من �شدة الفرح‪..‬‬ ‫مــبــــــــروك يا ملك الزمـــــــــــان‬ ‫جـــــــاء الفـــــــرج وا ألمــــــــــان‬ ‫أ�كـــــبـــر حــكــيــم للـــــــــودان‪..‬‬ ‫أ�ر�سلني لك بالــــــــــــــــــــب�اشرة‬ ‫و�اصح الملك ا أل�سد المري�ض‬ ‫ودنــي وقلـــبي �صـــــــــــــــريح‬ ‫يا �أبا الل�ســـــــــــــــان الف�صــيح‬ ‫إ�ذا كــــان كــــلامك �صحــيــــح‬ ‫بـ�ســـرعــة هات القــمـــــــــارة‬ ‫ولم يخب ظن الملك ا أل�سد‪ ..‬فقد و�صل الحكيم المذكور الذي أ��صبح‬ ‫ا�سمه على كل ل�سان في لمح الب�صر‪ ..‬جاء راك ًبا النهر العظيم في قارب‬ ‫‪14‬‬ ‫‪Kalilah and Dimnah final.indd 14‬‬ ‫� ��‪ ���� ��:‬‏‪/�/‬‏��‬

‫فخم �صنعته له قبائل من طيور نقار الخ�شب‪ ..‬على �سبيل الهدية‪ ..‬و�إن‬ ‫كان جدي قد وعدها �س ًّرا ب إ�طلاق مناقيرها في �أ�شجار الغابة‪..‬‬ ‫وكانت لحظة نزول جدي من قاربه إ�لى ال�شاطئ لحظة رهيبة‪..‬‬ ‫فقد كانت كل الحيوانات تقري ًبا هناك‪ ..‬الكبير وال�صغير‪ ..‬المقرن‬ ‫وعديم القرون‪ ..‬المفتر�س والوديع ا ألزعر وطويل الذيل‪ ..‬أ�خذت‬ ‫تظهر إ�عجابها في تلك الطلعة البهية الرائعة‪..‬‬ ‫و أ�بدى الجميع �إعجابهم هم�ًسا ب�شوارب جدي المبرومة وقبعته العالية‬ ‫ذات الري�شة الحمراء التي ترفرف في الهواء‪.‬‬ ‫بينما�أخذت إ�ناثالحيواناتمنعائلةال�سنانيرواللبوناتتظهر�إعجابها‬ ‫ال�شديد ببذلته ال�سوداء وقمي�صه المنقط وياقته العالية‪ ..‬وذيله الممدود بطريقة‬ ‫�أفقيةوب�شكلم�سرحيجعلالحيواناتال�صغيرةالحمقاءتهتفلجديبحما�س‬ ‫وفرح نا�سية جلال الموقف ورهبة مر�ض ا أل�سد الملك‪..‬‬ ‫وفي الحقيقة‪ ..‬كان جدي ب�سبو�س دكتو ًرا حقيق ًيا محتر ًما ي�ستحق كل‬ ‫ذلك‪ ..‬كان �شديد الثقة بنف�سه وله حق‪ ..‬فلقد ح�صل على أ�رقى ال�شهادات‬ ‫الدرا�سية ابتدا ًء من �شهادة الـ ‪ 100%‬محو ا ألمية حتى الدكتوراه الفخرية‬ ‫في الاقت�صاد ال�سيا�سي من �أ�شهر جامعات الغابات ال�صنوبرية الأمريكية‬ ‫وغابات ما وراء البحار الا�ستوائية‪.‬‬ ‫ولذلك فهو يعرف ويفهم في كل فروع المعرفة‪ ..‬ويعلم كل �شيء‬ ‫يمكن �أن يخطر ببال ِقط ابتدا ًء من التركيب ال�سري لمعاجين ا ألنياب‬ ‫الأ�صلية‪ ..‬وانتها ًء بفائدة ا ألجزاء الجافة من ثمرة البلوط‪ ..‬كما‬ ‫أ�نه يحفظ عن ظهر قلب كافة قوانين الغابات المدارية وا ألفريقية‪..‬‬ ‫باخت�صار‪ ..‬كان جدي عبارة عن دائرة معارف حيوانية ت�سير على‬ ‫أ�ربع‪ ..‬وفي الحقيقة كان عبقر ًيا تما ًما‪..‬‬ ‫تقدم الفيل من جدي وح ّياه تحية الملوك‪ ..‬وكانت تليق بجدي‬ ‫ح ًقا‪ ..‬أ�لم تقف الغابة له على �ساقين‪ ..‬وا�ستعر�ض معه حر�س ال�شرف‬ ‫نيابة عن الملك المري�ض‪..‬‬ ‫قد �سبقت �شهرة جدي و�صوله �إلى الغابة‪ ..‬و إ�ن كان هو الذي‬ ‫دبر ذلك بما يعرفه من أ��سرار فن ا إلعلام والإعلان والدعاية‪..‬‬ ‫وعرفت الحيوانات عنه كل ما تحب أ�ن تعرفه الحيوانات عن العظماء‬ ‫والم�شهورين‪ ..‬ماركة طلاء أ�ظافره وطريقة تم�شيط �شعر ذيله �أيام‬ ‫‪15‬‬ ‫‪Kalilah and Dimnah final.indd 15‬‬ ‫� ��‪/���� ��:‬‏� ‏‪��/‬‬

‫العطلة‪ ..‬وتفا�صيل البحث الذي تقدم به للدكتوراه‪ ..‬وكان ذلك بف�ضل‬ ‫بع�ض الحيوانات التي دعاها بطريقة غير مبا�شرة لتن�شر عنه هذا في كل‬ ‫�أنحاء الغابة وت�ؤكد للجميع �أن الدكتوراه في الاقت�صاد ال�سيا�سي ‪ ..‬هي‬ ‫نف�سها الدكتوراه في علم البعو�ض و�أمرا�ض الأذن!‬ ‫و�سار جدي وهو ينظر �إلى جموع الحيوانات بحب ويحييها بهز ٍة‬ ‫خفيف ٍة ر�شيقة من ر أ��سه كل خطوتين‪ ..‬فارتفعت الهتافات ورق�صت‬ ‫الأعلام الملونة والأغ�صان والزهور تحيي المنقذ العبقري‪..‬‬ ‫ورف�ض جدي �أن يحمل (دبدوب ال�سابع تابع) حقيبته وحملها بنف�سه‬ ‫ف�صفقت الحيوانات إ�عجا ًبا بتوا�ضعه‪ ..‬وا�ستمرت ت�صفق لكل حركة ي�أتي‬ ‫بها‪ ..‬ولأي �شيء يفعله‪ ..‬حتى أ�نهم �صفقوا له عندما توقف م�ضط ًرا كي‬ ‫يهر�ش �أذنه‪ ..‬وظنوا �أن لذلك علاقة بالقدرة على �شفاء �أذن الملك‪..‬‬ ‫وفي ال�ساحة أ�مام العرين‪ ..‬كان ا أل�سد يجل�س وقد أ�جبروه على‬ ‫ارتداء ملاب�سه الثقيلة‪ ..‬وتاجه النحا�سي الذي كان يزيد إ�ح�سا�سه با أللم‬ ‫وال�صداع‪ ..‬ولكن ماذا كان يمكن أ�ن يفعل غير ذلك‪ ..‬وقد �أقنعوه‬ ‫باتباع البروتوكول‪ ..‬حتى لا يظن القط العظيم أ�ن ملك الغابة أ�قل مدنية‬ ‫وتح�ض ًرا‪ ..‬من الحيوانات التي عا�ش بينها ودر�س في جامعاتها‪..‬‬ ‫وا�ستطاع الأ�سد أ�ن يداري �آلامه في ابت�سامة �ضعيفة ترحي ًبا و إ�عجا ًبا‬ ‫بال�ضيف الذي لم ير مثله في حياته‪ ..‬وبنظر ٍة واحدة �ألقاها جدي على‬ ‫الملك والأتباع‪ ..‬وعلى الحيوانات عرف بال�ضبط الخطة التي �سيتبعها‪..‬‬ ‫فقد كان جدي أ�ذكى من �أن يكون ق ًّطا عاد ًيا‪ ..‬و أ�عظم من أ�ن يكون‬ ‫دكتو ًرا فقط‪ ..‬لقد ُخلق جدي ليكون مل ًكا وابن ملك‪ ..‬مع �أن والده كان‬ ‫ح ّما اًل في منطقة المنابع العليا‪..‬‬ ‫و أ�خذ جدي ينظر �إلى الحا�ضرين ب�صرامة وفي عيونهم مبا�شرة حتى‬ ‫�ساد ال�صمت تدريج ًيا‪ ..‬وحل �سكون رهيب وقلق‪ ،‬فج أ�ة‪� ..‬شد جدي‬ ‫أ�ذن ا أل�سد المري�ض بقوة ف�صرخ الأ�سد من المفاج أ�ة والألم‪� ..‬صرخة‬ ‫فزعة م�ضحكة‪ ..‬لا تليق ب أ��سد‪ ..‬مما جعل ا ألرنب (بولودان) يكرر‬ ‫خط�أه‪ ..‬وي�ضحك مرة أ�خرى بنف�س الطريقة‪ ..‬ف أ�خجل الجميع‪..‬‬ ‫ولكن القط كان يبحث عن فر�صة كهذه فلم ي�ضيعها‪ ..‬وت�صرف‬ ‫بذكاء نادر وح�س ٍم �شديد‪ ..‬ف أ��صدر حك ًما ‪ -‬وك�أنه الجهة التي من حقها‬ ‫�إ�صدار ا ألحكام ‪ -‬ب�إعدام الأرنب جزاء تطاوله على الح�ضرة الملكية‪..‬‬ ‫‪16‬‬ ‫‪Kalilah and Dimnah final.indd 16‬‬ ‫� ��‪ ���� ��:‬‏‪ �/‬‏‪��/‬‬

‫وعدم تقديره واحترامه للعلاج المقد�س‪..‬‬ ‫وكان بريق عيون جدي يثير الخوف في قلوب �أ�شجع الحيوانات‪..‬‬ ‫فارتعد �أع�ضاء الديوان الملكي أ�نف�سهم‪ ..‬وانكم�شت أ�ج�سادهم وارتع�شت‬ ‫آ�ذانهم وهي ت�سمع �صراخ الأرنب الم�سكين يطلب الرحمة ولا من‬ ‫رحيم‪ ..‬وبعد �أن اطم أ�ن جدي ل ألثر الذي أ�حدثه �إعدام الأرنب الم�سكين‬ ‫‪� -‬أول �ضحايا خطته‪ ..‬عاد لا�ستئناف عمله ك�أن �شي ًئا لم يحدث‪..‬‬ ‫فتح جدي حقيبته و أ�خرج منها عد ًدا من ال�شواكي�ش والمفكات‬ ‫والمنا�شير والمثاقب‪ ..‬جعلت الأ�سد يرتعد رع ًبا مما يمكن �أن يحدث‪..‬‬ ‫ولكنه اكت�شف �أن الخوف لا يليق بالملوك‪ ..‬ف آ�ثر ال�صمت وال�صبر‪..‬‬ ‫وتعمد جدي �أن يزيل خوفه بابت�سامة �ساحرة من ابت�ساماته الدبلوما�سية‬ ‫التي أ�تقنها خلال عمله ل�سنوات طويلة في الهيئة العالمية العامة ل ألدغال‬ ‫ومنظماتها المختلفة‪..‬‬ ‫وبد أ� يدق هنا ويقر�ص هناك‪ ..‬وي�شد هنالك‪ ..‬كل ذلك فوق ر�أ�س‬ ‫الملك وعلى عظامه وا أل�سد يتحمل في �صبر يليق بالملوك‪ ..‬وفج�أة غز‬ ‫جدي ا أل�س َد غز ًة �شديدة‪ ..‬كاد الأ�سد معها �أن يغمى عليه لكنه لم ي�صرخ‬ ‫بعد أ�ن �شاهد ما حدث ل ألرنب واحتمل كل ذلك في �شجاعة‪..‬‬ ‫ا�ستمر جدي في الغز والدق والن�شر حتى تمنى الأ�سد الخلا�ص من‬ ‫حياته ليتخل�ص من كل هذه ا آللام‪ ..‬وحتى ينتهي هذا العذاب المهين‪..‬‬ ‫وملأ الخوف قلوب الحيوانات جميعها وزاد احترامها لجدي وهي‬ ‫ترى الأ�سد نف�سه يتلوى بين يديه كالجرذ‪ ..‬وكانت من فرط �صمتها‬ ‫ت�ستطيع أ�ن ت�سمع دقات قلوبها المرتجفة‪..‬‬ ‫وبعد �ساعة رهيبة تكلم جدي‪ ..‬وا�ستمع |لجميع �إليه مثل �ساحر لا راد‬ ‫لكلماته‪ ..‬نادى جدي الفيل‪ ،‬فجاء يتعثر محاو اًل �إخفاء ذيله بين فخذيه‪..‬‬ ‫ووقف �صام ًتا ينتظر الأوامر‪ ..‬وهنا �أمره جدي بتكتيف الأ�سد وربطه‬ ‫في خ�شبة‪ ..‬ربطة �صيادين‪ ..‬وحمله مع فيل �آخر‪� ..‬إلى �شاطئ النهر‪..‬‬ ‫ولم يترك جدي ألحد فر�صة للتفكير‪ ..‬فقد كان يوزع ابت�ساماته‬ ‫ال�ساحرة على الجميع بلا تفرقة‪ ..‬حتى ت�سا ؤ�لات الأ�سد عن نوع العلاج‬ ‫رد عليها جدي بب�سمة أ�كثر إ��شرا ًقا‪ ..‬تلين قلب الحجر‪ ..‬وانطلق أ�ع�ضاء‬ ‫مجل�س الديوان الملكي يف�سحون الطرق �أمام جدي‪ ..‬وعند ال�شاطئ أ��شار‬ ‫ب أ�ناقة �إلى الفيلين الذين يحملان الخ�شبة التي يتدلى منها ج�سد الملك المري�ض‪،‬‬ ‫‪17‬‬ ‫‪Kalilah and Dimnah final.indd 17‬‬ ‫� ��‪ ���� ��:‬‏‪/�/‬‏��‬

‫فنزلا �إلى النهر وب إ��شارة أ�خرى �أغرقا ر أ��س الملك حتى الرقبة في الماء‪..‬‬ ‫وده�شت الحيوانات‪ ..‬فم�ضت ت�ضرب ظف ًرا بظفر وتتعجب‬ ‫لجهلها وغبائها‪ ..‬إ�ذن فقد كان الأمر على هذه الدرجة من الب�ساطة‪..‬‬ ‫منذ البداية‪ ..‬يتدلى ر�أ�س الملك في الماء فتغرق البعو�ضة وتموت‪ ..‬أ�و‬ ‫ت�ضطر للخروج‪ ..‬هذا هو كل �شيء‪ ..‬و أ�خذت تتعجب لقدرة العلم‬ ‫على اكت�شاف مثل هذه ا أل�شياء الب�سيطة ج ًدا‪ ..‬فكم من ال�سنوات ق�ضاها‬ ‫ذلك القط في المذاكرة وال�سهر حتى ي�صل بكل ب�ساطة إ�لى هذه الفكرة‬ ‫العبقرية؟!‬ ‫ولما اقتنعت الحيوانات ب�أن الفكرة العبقرية إ�نما تكون من �صنع‬ ‫عقل عبقري‪ ..‬ارتفع ال�صياح فر ًحا مر ًحا وخا�صة عندما خرجت‬ ‫البعو�ضة‪ ..‬فرق�صت الحيوانات وهي تغني في جنون‪:‬‬ ‫خرجت خرجت خرجت خرجت‬ ‫زي ما دخلت رجعت خرجت‪..‬‬ ‫ولم يكن �أحد يدري ‪� -‬سوى جدي طب ًعا ‪� -‬أن روح الملك‪ ..‬قد‬ ‫خرجت هي الأخرى‪.‬‬ ‫ولما وجدت البعو�ضة نف�سها وقد تحررت من �أ�سر أ�ذن الملك‪..‬‬ ‫م�ضت تحوم حول الجميع بطريقة لم تعط �أح ًدا فر�صة للتفكير في �شيء‬ ‫�سوى الهرب‪ ..‬إ�ذ كان �سرور البعو�ضة لخروجها يفوق �سرور‬ ‫الحيوانات فم�ضت ترق�ص فوق ر�ؤو�س الجميع‪ ..‬وحاول الفيل �أن‬ ‫يه�شها فقر�صته‪ ..‬فترك الخ�شبة التي يحملها وانطلق يجري‪ ..‬ألنه‬ ‫يعرف أ�ن �أذنه كبيرة ج ًدا وقد تغري البعو�ضة بالدخول‪ ..‬ولما ر أ�ت‬ ‫الحيوانا ُت الفي َل يجري خائ ًفا‪ .‬والبعو�ضة تطارده �ضاحكة‪ ..‬انطلقت‬ ‫هي ا ألخرى تجري وت�صيح‪..‬‬ ‫في نف�س الوقت الذي غا�صت فيه الخ�شبة ب�سبب ثقل ج�سد الأ�سد المكبل‬ ‫والمحمل بردائه وتاجه الملكي إ�لى �أعماق النهر‪� ..‬إلا أ�ن اتها ًما �صغي ًرا‬ ‫هم�س به جدي في أ�ذن الفيل ب�أنه تعمد ترك الخ�شبة أ�و على الأقل ت�سبب‬ ‫بجبنه في قتل الملك‪ ..‬جعل الفيل يرتعد ويظهر �إخلا ً�صا أ��شد لجدي‪..‬‬ ‫وهكذا يا أ��صدقائي تم ا ألمر لجدي العظيم‪ ..‬ح�سب ما فكر ودبر‬ ‫ولم يعتر�ض �أحد على توليه عر�ش الغابة‪..‬‬ ‫على العك�س تما ًما‪ ..‬لقد رحبت الملكة بذلك‪ ..‬وتولى مجل�س البلاط‬ ‫‪18‬‬ ‫‪Kalilah and Dimnah final.indd 18‬‬ ‫� ��‪ ���� ��:‬‏‪/�/‬‏��‬

‫�إعداد القانون الذي يعطي لتتويج القط �شرعية قانونية‪ ..‬ب�إ�ضافة مادة‬ ‫إ�لى قانون الغاب تراعي الظروف الا�ستثنائية‪ ..‬و�أظهر الفيل ن�شا ًطا‬ ‫ملحو ًظا في ت�سوية كل الم�شاكل القانونية وفي مناق�شة كل الم�سائل‪..‬‬ ‫ال�شرعية التي كانت تمنع ذلك‪ ،‬مع �أنه كان ولي العهد الأحق بتولي‬ ‫عر�ش الغابة‪.‬‬ ‫وجمع جدي أ�دواته في هدوء �شديد وم�ضى إ�لى حيث كان كر�سي‬ ‫العر�ش ينتظره في هدوء أ��شد‪ ..‬فا ألقوى في �ساعات الفو�ضى هو الذي‬ ‫يكون �أكثر هدو ًءا‪ ،‬هكذا علمته الحياة‪.‬‬ ‫وهكذا يا �أ�صدقائي أ��صبح جدي مل ًكا على الغابة‪ ..‬و�ُسمي با�سم‬ ‫ب�سبو�س ا ألول‪..‬‬ ‫وهذه هي الق�صة كما حدثت وكما ترويها الوثائق الر�سمية‪ ..‬فهل‬ ‫�أنا �أحكي ق�ص ً�صا خيالية؟‪..‬‬ ‫احكموا أ�نتم يا أ��صدقائي‪ ..‬فقد حكيت لكم ق�صتي بكل �صدق‪..‬‬ ‫ولكم أ�ن تقولوا ل�صاحبي ر�أيكم بكل �صراحة‪ ..‬لأنه يجب على الإن�سان‬ ‫‪ -‬كما يقول هو نف�سه ‪� -‬أن يقول الحقيقة ولو مرة واحدة لبني الإن�سان‪.‬‬ ‫ونظر ب�سب�س إ�ل ّي في �سخرية وم�ضى يت�صرف ك�أي قط عادي‪..‬‬ ‫بينما �شعرت أ�نا أ�نني هزمت هزيمة كاملة‪ ..‬فالحكاية محبوكة‪ ..‬ولا‬ ‫ي�ستطيع أ�حد �أن يتهمه بالكذب‪ ..‬ب�سهولة‪..‬‬ ‫على �أية حال‪ ..‬ا ألمر متروك لكم‪ ..‬إ�ن أ�ردتم �أن ي أ�خذنا هذا القط‬ ‫العجيب إ�لى مملكة جده ال�ساحرة مرة أ�خرى‪ ..‬فما عليكم إ�لا �أن تطلبوا‬ ‫منه ذلك‪ ..‬لأنني في الحقيقة خجل منه‪ ..‬فقد ظلمته حين اتهمته بالكذب‬ ‫في البداية‪ ..‬ألن هذه الحكايات الخيالية أ�حيا ًنا ما تحدث في الواقع بنف�س‬ ‫الطريقة‪ ..‬واقر أ�وا التاريخ‪� ،‬ستجدونه ذاخ ًرا بمثل هذه ا ألحداث وتلك‬ ‫الممالك!‬ ‫‪..............................‬‬ ‫‪19‬‬ ‫� ��‪/���� ��:‬‏� ‏‪��/‬‬ ‫‪Kalilah and Dimnah final.indd 19‬‬

Kalilah and Dimnah final.indd 20 ��/‫‏� ‏‬/���� ��:�� �

‫ملاعيب تعاليبو‬ ‫(ق�صة حياة – ثعلب)‬ ‫‪Kalilah and Dimnah final.indd 21‬‬ ‫� ��‪ ���� ��:‬‏‪ �/‬‏‪��/‬‬

‫عملية ال�سرقة الكبرى‬ ‫كان ياما كان ‪ -‬مثلما تقول الحواديت في كل زمان ومكان ‪� -‬سنقول‬ ‫كان ياما كان ‪ -‬يا �سعد يا �إكرام في �سالف الع�صر والأوان‪ ،‬حدث في‬ ‫الزمان البعيد‪ ..‬البعيد قبل أ�ن يولد جد جد جد جدي العزيز‪.‬‬ ‫في ذلك الزمان الذي كانت الحيوانات فيه ت�ستطيع الكلام ‪ -‬فت�صبح‬ ‫ملو ًكا و�سلاطين‪ ،‬حدث في غابة كبيرة بالقرب من النهر العظيم والجبل‬ ‫العالي‪،‬وقري ًبامنالواديا ألخ�ضرالخ�صيبالذيينتهي�إلى�شاطئالبحر‬ ‫العميق ‪ -‬وفي نف�س المكان الذي ولدت بالقرب منه قريتنا‪ ،‬حدث �أنه كانت‬ ‫تعي�ش جماعات من الحيوانات من كل ا أل�شكال وا ألنواع والألوان‪..‬‬ ‫�سباع ودببه‪ ،‬نمور وفيلة‪ ،‬وغزلان و�ضباع و�أرانب‪ ،‬ذئاب‬ ‫وثعالب‪ ..‬آ�كلة نمل و آ�كلة ح�شائ�ش‪ ،‬زرافات وزرابين‪ ..‬فئران‬ ‫وجعارين‪ ..‬بع�ضها له لون الذهب والآخر له لون الطين‪.‬‬ ‫وكانت ترافقها طب ًعا جماعات من الطيور‪ ،‬هداهد وببغاوات‬ ‫ون�سور‪ ،‬نقارو خ�شب ودجاج بري و�صقور‪ .‬قبائل وع�شائر لا ح�صر‬ ‫لها ولا عد من ذوات ا ألربع ومن ذوي الاثنين ومن �أ�صحاب ال�ست‬ ‫والثماني بل (وا ألربع والأربعين) قد ًما و�أكثر!‪.‬‬ ‫وكان على ر أ��س كل هذه القبائل والجماعات‪ ،‬ملك �أ�سد �شاب‪،‬‬ ‫قوي‪ ،‬و�سيم‪ ،‬مهاب‪ ،‬يملك لبدة قديمة رائعة‪ ،‬ورثها عن جدوده‬ ‫ا ألقدمين‪ ،‬لها �سحر وخطر‪ ،‬ولذلك �ُسمي الملك ال�ضرغام ال�ساد�س ع�شر‬ ‫((�أبو لبدة المده�ش))‪..‬‬ ‫وبعد �أن جل�س �صاحبنا ((�أبو لبدة المده�ش)) على عر�ش �أجداده‬ ‫بوقت قليل‪ ..‬بد�أت تلك الحكاية التي لي�س لها نهاية‪..‬‬ ‫في ليلة من الليالي القمرية‪ ،‬كانت �أ�شعة القمر الف�ضية تفي�ض فوق‬ ‫الحقول والتلال وتحيط الجبل البعيد والغابة الكبيرة ب�سحر غام�ض‬ ‫مجهول‪ ،‬وتر�سم ال�شجر ظلا ًال على الطرقات والم�سالك‪ .‬وب�ضع نجوم‬ ‫قليلة �ساهرة‪ ،‬ترقب الأر�ض والحقول الخالية ‪ -‬أ�و التي تبدو خالية‪،‬‬ ‫كان الفلاحون في القرية ال�صغيرة قد عادوا إ�لى بيوتهم قبل غروب‬ ‫‪22‬‬ ‫‪Kalilah and Dimnah final.indd 22‬‬ ‫� ��‪ ���� ��:‬‏‪ �/‬‏‪��/‬‬

‫ال�شم�س‪ ،‬وناموا ‪ -‬فا�ستيقظت في الحقول والبراري حياة �أخرى‪.‬‬ ‫أ�خذت ال�ضفادع ال�ضخمة تمرح وتغني في الم�ستنقعات البعيدة‬ ‫المجهولة‪ ،‬وعلى �شواطئ الجداول والقنوات‪ ،‬يطارد بع�ضها البع�ض‬ ‫أ�و تطاردها الثعابين‪ .‬وانطلقت فرق كاملة من الجنادب و�صرا�صير‬ ‫الحقول تعزف وت�صفر أ�لحا ًنا بدائية جميلة‪.‬‬ ‫والتفت عائلة كاملة من القنافذ حول جدتها العجوز ت�سمع لها وهي‬ ‫تحكي الحكايات العجيبة عن �أجدادها‪ ،‬يوم كانوا يحكمون العالم قبل‬ ‫�أن ت�سوء الحال ‪ -‬ويطرد جن�س ذوي الأ�شواك �إلى ا ألماكن المهجورة‬ ‫المهدمة‪ ،‬بلا قوة �أو حماية �سوى تلك ا أل�شواك التي كانت زينة لطبقة‬ ‫الحكام في يوم من الأيام‪.‬‬ ‫وعند�شاطئالنهركانابنعر�سيت�شاجرمعقطةبريةلأنهاتحاول أ�ن‬ ‫تتقا�سم معه البي�ض الذي �سرقه من ع�ش غراب نوحي ي�سكن عند المنعطف‪..‬‬ ‫و أ�غم�ضت حد أ�ة عينيها وراحت في نوم هادئ لذيذ بعد يوم طول‬ ‫ق�ضته في الطيران على ارتفاع كبير في الوقت الذي راحت فيه ((�أم‬ ‫قويق)) تحكي لابنها ال�صغير (قويق) عن مغامرة مثيرة وهي تحاول �أن‬ ‫تدربه على حيل ال�صيد والانق�ضا�ض الفجائي في الظلام‪..‬‬ ‫كان كل �شيء يبدو هاد ًئا‪ ..‬وعاد ًيا‪ ..‬ومكر ًرا ‪ ..‬وم�شغو اًل‬ ‫بنف�سه‪ ،‬لا أ�حد �سوى ((تعاليبو)) كانت �شغلته أ�مور أ�خرى غير عادية‪..‬‬ ‫كان قلبه يدق بعنف‪ ..‬وعقله يعمل بن�شاط‪ ..‬كان ((تعاليبو)) م�شغو ًال‬ ‫يفكر ويدبر �أم ًرا خطي ًرا ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي يفكر فيها‬ ‫(تعاليبو أ�و ين�شغل ب�أمر خطير‪..‬‬ ‫لكن تعاليبو كان يعتبر العملية التي �سيقوم بها الليلة‪ ..‬من أ�خطر‬ ‫العمليات التي يجب القيام بها‪ ..‬لقد كانت المرة ا ألولى التي يهاجم فيها‬ ‫مكا ًنا �ضمن حدود القرية‪ ..‬التي كان هناك اتفاق غير مكتوب لكنه‬ ‫(مختوم) من كل الحيوانات بعدم تخطيها �أو الاعتداء عليها‪..‬‬ ‫ولكن تعاليبو لم يكن من النوع الذي تقف مثل هذه العقبات في طريق‬ ‫رغباته‪ ..‬ولقد ق�ضى وق ًتا طويلاً ‪ ..‬يدر�س كل �شيء‪ ..‬الطرق‪..‬‬ ‫والم�سالك‪ ..‬ويراقب رعاة القرية وهم يدخلون ويخرجون‪ ..‬وعرف‬ ‫�ساعات نومهم‪ ..‬و�أماكن كلاب الحرا�سة‪ ..‬ولم يترك احتما اًل واح ًدا لم‬ ‫يعمل ح�سابه‪ ..‬و�أ�صبح كل �شيء مع ًدا‪ ..‬لكي يثبت للجميع‪ ..‬أ�ن قدرته‬ ‫‪23‬‬ ‫‪Kalilah and Dimnah final.indd 23‬‬ ‫� ��‪ ���� ��:‬‏‪/�/‬‏��‬

‫وذكاءه أ�كبر من أ�ن ت�سعها حدود الغابة والبراري فقط‪ ..‬و�أنه ي�ستطيع‬ ‫حين يريد أ�ن يهاجم ا إلن�سان في داره‪ ..‬و�أن ينت�صر عليه أ�ي ً�ضا‪..‬‬ ‫الليلة �سوف تقتحم يا تعاليبو ‪ ..‬حظيرة الأغنام‪..‬‬ ‫وكان هذا قرا ًرا هم�س به تعاليبو لنف�سه وهو منطلق و�سط‬ ‫الأحرا�ش‪ ..‬يراقب‪ ..‬ويت�أكد من المعلومات التي جمعها عن الحظيرة‪..‬‬ ‫أ�نه يعلم أ�ن الليلة تزدحم الحظيرة بع�شرات من الحملان ال�صغيرة‪..‬‬ ‫و أ�ن من بينها ذلك الخروف الأبي�ض الذي حلم به ليا ٍل طويلة منذ ر�آه‬ ‫ي�شرب من النهر ذات يوم وك�أنه قطعة من القمر الف�ضي‪..‬‬ ‫بعد فترة �سي�سود الهدوء‪ ،‬وبعد أ�ن ينتهي الرعاة من ح�ساب المواليد‬ ‫الجديدة‪� ،‬سيقترب الفجر و�ستتعب الكلاب قليلاً ‪ ..‬وتكف عن العواء‪،‬‬ ‫وتخلد للراحة اطمئنا ًنا لقرب النهار‪ ..‬وللثقة أ�نه ولا �أبو لبدة المده�ش‬ ‫نف�سه يفكر في غزو القرية‪..‬‬ ‫وعندما و�صل تعاليبو إ�لى هذه النقطة كان قد و�صل إ�لى قمة تل‬ ‫�صغير‪ ..‬فنظر إ�لى ال�سماء التي ي�سبح في بحرها القمر‪ ..‬وامت ألت عيونه‬ ‫بالثقة‪ ،‬و أ�طلق �صيح َة جو ٍع مميزه‪ ،‬فرفعت الحد�أة ر أ��سها ببط ٍء ونظرت‬ ‫نحوه وابت�سمت في هدو ٍء وانكم�ش ((قويق)) ال�صغير في ح�ضن �أمه البومة‬ ‫بينما قفزت ال�ضفادع ال�ضخمة إ�لى الماء وكفت عن الثرثرة‪ ..‬وهرب ابن‬ ‫عر�س والقط واختفيا وكل منهما يهدد الآخر ويتوعده بالهزيمة والعقاب‬ ‫في وقت آ�خر‪ ..‬وتكورت عائلة القنافذ و�سكنت كالحجارة‪..‬‬ ‫و�صمت كل �شيء‪ ،‬ولمعت مئات العيون واهتزت ع�شرات ا آلذان‪..‬‬ ‫ت�سمع خطى ((تعاليبو))‪ ...‬ف�أح�س أ�نه في مملكته الحقيقية و�أن ((�أبو لبدة‬ ‫المده�ش))يتمنىلوكانفيمو�ضعهومكانه‪،‬وفكرفي أ�نع�شراتالوحو�ش‬ ‫�سوف تتحدث عنه باحترام عندما تعرفا ال�شيء الذي يجعله ي�صيح ا آلن!‬ ‫وهنا رفع ر�أ�سه ومد رقبته‪ ،‬و�صاح �صيح ًة أ�خرى لها طابع آ�خر‪،‬‬ ‫كانت �صيحة �أعجاب بنف�سه هذه المرة‪ .‬انطلق على إ�ثرها يبحث عن الحلقة‬ ‫الأخيرة في خطته الكبرى‪..‬‬ ‫لقد دبر كل �شيء‪ ..‬من أ�ين �سيدخل الحظيرة وكيف؟‪ ..‬ومتى‬ ‫�سي�صل �إلى هناك‪ ..‬وكيف �سيهرب �ساعة الخطر‪ ..‬وهو يعرف تما ًما‬ ‫�أين �سيكون (( َح َم َله)) ا ألبي�ض المف�ضل‪ ،‬كل �شيء جاهز ما عدا‪ ..‬ذلك‬ ‫ال�شخ�ص الذي �سي�ؤن�س وحدته عند الذهاب!! وي�شغل الرعاة وكلابهم‬ ‫‪24‬‬ ‫‪Kalilah and Dimnah final.indd 24‬‬ ‫� ��‪/���� ��:‬‏� ‏‪��/‬‬

‫عنه عند الهرب‪ ..‬فهو يعرف يقظة الرعاة و�شرا�سة كلابهم ولا يريد‬ ‫أ�ن يعر�ض لحمه لأ�سنانهم الحامية ولا بد من رفيق غبي ي�سهل خداعه‪..‬‬ ‫ليقع بين أ�نياب الكلاب بد ًال منه‪..‬‬ ‫وفج أ�ة‪� ..‬صرخ (تعاليبو)‪:‬‬ ‫‪ -‬بوولينياب!!! نعم بولينياب ولا �أحد غيره‪..‬‬ ‫وما �أن نطق بالا�سم حتى �أخذ يقفز �سعي ًدا‪ ،‬يطارد ذيله المنفو�ش وهو‬ ‫يدور حول نف�سه‪ ،‬وكانت هذه عادته المف�ضلة كلما هز قلبه الفرح ه ًزا‬ ‫�شدي ًدا‪..‬‬ ‫نعم هو (بولينياب) ولا أ�حد غيره ي�صلح لهذه المهمة‪ ..‬ف�إنه على‬ ‫الدرجة الكافية من الغفلة لي�صدق تعاليبو‪ ،‬مهما كان كلامه بعي ًدا عن‬ ‫الت�صديق‪ ،‬وهو على درجة عظيمة من الغباء والحمق تكفي ليكون‬ ‫الفري�سة ال�سهلة للكلاب‪.‬‬ ‫وكان تعاليبو واث ًقا من �أنه �سيخدع (بولينياب)‪ ،‬فله معه تجارب‬ ‫وق�ص�ص وحكايات كثيرة‪ ..‬وكانت ثقته الكبيرة في نجاحه هي �سر‬ ‫�سعادته الغامرة ومطاردته لنيله بهذه الطريقة‪.‬‬ ‫ثماكتملت�سعادةتعاليبوعندمالمحورقةبي�ضاءتطاردهاالريحفي�ضوء‬ ‫القمر‪،‬ف�أ�سرعوراءهاو أ�م�سكبهاونظفهاجي ًداوطواهابعنايةوحر�ص‪،‬ثم‬ ‫انطلق كال�سهم ر�أ�ًسا �إلى بيت الذئب (بولينياب) ‪� -‬صديقه اللدود!!!‬ ‫كان (بولينياب) يرقد �أمام بيته جائ ًعا يت�أمل القمر في غيظ‪ ،‬وهو‬ ‫يتمنى لو اختفى �أو ان�شقت ال�سماء وابتلعته إ�لى الأبد لأنه ال�سبب في قلة‬ ‫الطعام والفرائ�س‪ ،‬فالليالي المظلمة فقط – هي التي ت�سهل لل�صو�ص‬ ‫الحظائر‪ ..‬ومفتر�سي الحيوانات ال�صغيرة عملهم الليلي!!‬ ‫وانتبه (بولينياب) عندما لمحت عينه المفتوحة دائ ًما غريمه (تعاليبو)‬ ‫حذر‪ ،‬وبعد قليل قام‬ ‫في‬ ‫عينه الثانية و أ�خذ يراقبه‬ ‫قاد ًما من بعيد‪ ،‬ففتح‬ ‫خفة ويرق�ص – قادم‬ ‫في‬ ‫�أن (تعاليبو) الذي يقفز‬ ‫ن�صف قيام حين ت�أكد‬ ‫نحوه كالريح‪ ..‬عندها هم�س لنف�سه‪:‬‬ ‫‪ -‬لابد أ�ن �شي ًئا خطي ًرا هو الذي جاء (بتعاليبو) �إلى هذه الناحية في ليلة‬ ‫كئيبة مقمرة مثل هذه الليلة‪ ،‬وازدادت ده�شة (بولينياب) وفا�ض به حب‬ ‫الا�ستطلاععندمار أ�ى(تعاليبو)يلوحلهبورقةبي�ضاءتلمعفي�ضوءالقمر!‬ ‫ولما و�صل (تعاليبو) �إلى حيث كان يقف م�شه ًرا �أذنيه‪ ..‬كان‬ ‫‪25‬‬ ‫‪Kalilah and Dimnah final.indd 25‬‬ ‫� ��‪ ���� ��:‬‏‪/�/‬‏��‬

‫حب الا�ستطلاع قد بلغ به مبل ًغا كبي ًرا وخيل إ�ليه �أنه �سوف يموت من‬ ‫اللهفة لمعرفة (ال�سر) على الفور‪ .‬لكن (تعاليبو) الذي يعرفه جي ًدا تعمد‬ ‫�أن يراوغه‪ ،‬ف أ�خذ يلهث من التعب وهو يدعى أ�نه لا ي�ستطيع الكلام‪،‬‬ ‫محاو اًل أ�ن يلتقط أ�نفا�سه‪ ،‬ونفذ �صبر (بولينياب) فزمجر غا�ض ًبا‪..‬‬ ‫ ‪ -‬ما الحكاية؟‬ ‫عند ذلك‪ ،‬التقط تعاليبو �أنفا�سه‪ ..‬وقال‪:‬‬ ‫‪ -‬حكاية!! لكنها مثل الرواية؟ عجيبة غريبة‪ ،‬يا (بولينياب)‬ ‫يا حبيبي ولا تحدث �إلا مرة واحدة في كل قرن من الزمان‪ ،‬وكتم‬ ‫(بولينياب) زمجرته و�صرخ وقد نفذ �صبره‪:‬‬ ‫ ‪ -‬وما هي؟‬ ‫فابت�سم (تعاليبو) وهو يهم�س في �إغراء‪..‬‬ ‫ ‪ -‬اللحم يا (بولينياب) اللحم‪� ،‬أب�شر‪ ،‬يكوم من اللحم الطازج‬ ‫اللذيذ‪ ،‬كوم كالتل ولا يختل‪.‬‬ ‫وفقد (بولينياب) الجائع الغا�ضب وقاره عند �سماعه لكلمة اللحم‪،‬‬ ‫ف�صاح وهو يلتفت في لهفة حوله‪:‬‬ ‫‪ -‬أ�ين؟‪� ..‬أين هو؟ وفي �أي ناحية‪� ،‬إنني �أكاد أ��شم رائحته يا أ�عز‬ ‫ا أل�صدقاء‪� .‬أين؟‪ ..‬إ�ن بطني خاوية ك�صفحة هذه ال�سماء‪.‬‬ ‫فتظاهر (تعاليبو) بالحزن وقال‪:‬‬ ‫ ‪ -‬ولكنك طب ًعا كعادتك �ستذهب للحم وحدك‪ ،‬وتتركني‪..‬‬ ‫فاحتج بولينياب‪ ،‬م�ستنك ًرا‪:‬‬ ‫‪ -‬أ�نا؟‪ ..‬كيف �س أ�ذهب وحدي؟ إ�نك �أنت الذي تعرف أ�ين تلك‬ ‫الوليمة!‬ ‫و�سكت برهة ثم قال‪:‬‬ ‫‪ -‬أ�ية وليمة؟‪..‬‬ ‫ ‪ -‬فقال (تعاليبو)‪:‬‬ ‫‪� -‬إنك �أنت المدعو �إلى الوليمة‪ ،‬أ�ما �أنا فلم يرد ا�سمي‪ ،‬في ك�شوف‬ ‫المدعوين الر�سمية! وطب ًعا لن ت�أخذني‪..‬‬ ‫فربت (بولينياب) على ظهر �صديقه في حنان زائد وهو يقول‪..‬‬ ‫‪� -‬أنا؟ أ�ب ًدا ‪ ..‬أ�نت إ�ذن لا تعرف (بولينياب)‪ ،‬لا‪..‬لا‪� ..‬أنت لا‬ ‫تعرفني بالت أ�كيد‪ .‬قل لي �أين هي‪ ،‬و�سنذهب م ًعا‪ ..‬طب ًعا!‬ ‫‪26‬‬ ‫‪Kalilah and Dimnah final.indd 26‬‬ ‫� ��‪ ���� ��:‬‏‪/�/‬‏��‬

‫هد�أ تعاليبو بعد أ�ن ت أ�كد �أن (بولينياب) �أ�صبح م�ستع ًدا‪ ،‬لابتلاع‬ ‫ال�ش�ص كاملاً ‪ ..‬فقال‪:‬‬ ‫‪ -‬إ�نها دعوة �إلى وليمة فاخرة ‪ ،‬تقام كل مائة عام‪ ،‬احتفا ًال‬ ‫بذكرى ا�ستئنا�س ا إلن�سان للخرفان هناك في حظيرة القرية‪ ..‬وقد‬ ‫�أعطوني بطاقة الدعوة الخا�صة بك ولي�س لي واحدة مثلها!‬ ‫ثم �سلمه تلك الورقة البي�ضاء التي وجدها في الطريق‪ ،‬بكل احترام‬ ‫وتبجيل فتناولها (بولينياب) منه بكل اهتمام وعظمة‪ ..‬و�أخذ يقلبها بين‬ ‫يديه بكل غباء‪ ،‬وهو لا يفهم �شي ًئا فاقترب منه و�س أ�له‪:‬‬ ‫‪ -‬ولكن ما هذه الورقة؟‬ ‫فقال (تعاليبو)‪:‬‬ ‫إ�نه الخطاب المر�سل إ�ليك‪ ،‬الدعوة‪� ..‬صحيح أ�نني ت أ�خرت قليلاً‬ ‫ولكن ما زالت �أمامك فر�صة اللحاق بالوليمة حتى قبل �أن تبد أ�! وزادت‬ ‫حيرة بولينياب وهو يتذكر حكايات كثيرة ووقائع حدثت بينه وببين‬ ‫(تعاليبو) فقال‪:‬‬ ‫ا�سمع يا (تعاليبو) لقد لعبت بي مرات عديدة من قبل و�أنا أ�غفر لك‬ ‫الكثير ألنني �سرعان ما أ�غفر حتى لأعدائي ولكن لا تفعل معي �شي ًئا �سي ًئا‬ ‫الليلة‪ ،‬هذه الليلة بالذات‪ .‬ف�أنا جائع‪ ،‬ولن أ�حتمل �أي خداع في مو�ضوع‬ ‫الطعام �أو الولائم!! ليكن حديثك معي حديث (جد‪ ..‬في جد)!!‬ ‫وهنا تظاهر(تعاليبو) بالغ�ضب والحزن لأن بولينياب ي�شك في‬ ‫جديته‪ ،‬و�صاح‪:‬‬ ‫لقد جريت أ�كثر من ع�شرة كيلو مترات و�أنا جائع لأح�ضر لك‬ ‫البطاقة‪ ،‬رغم �أنني ل�س ُت مدع ًوا‪ ،‬ومع ذلك ت�ستقبلني بال�شك في حديثي‪..‬‬ ‫وتكذيب ر�سالتي �إنها إ�هانة لا تغفر!‬ ‫وانفجر في بكاء ونحيب م ؤ�ثر ثم �أكمل من بين دموعه‪:‬‬ ‫‪� -‬أنت دائما ت�شك في منذ البداية! وهذا كثي ًرا ما ي�سبب �سوء الفهم‬ ‫بيننا‪ ،‬أ�نا الذي كنت �أطمع في �أن ت�أخذني معك ولو لتناول البقايا!‬ ‫ولم يحتمل (بولينياب) بكاءه فاندفع يحت�ضنه‪ ..‬ثم ق ّبله معتذ ًرا‪.‬‬ ‫وم ؤ�ك ًدا له �إنه �سوف يكون رفيق ال�شرف طوال الحفل و�سوف ي�شترط‬ ‫عليهم ذلك و�إلا فلن يذهب هو نف�سه‪ ،‬وهنا هد�أ (تعاليبو) و�شرح له كل‬ ‫�شيء عن تلك الوليمة النادرة و�أكد له أ�ن كل ذئاب المنطقة من �سفح الجبل‬ ‫‪27‬‬ ‫‪Kalilah and Dimnah final.indd 27‬‬ ‫� ��‪ ���� ��:‬‏‪/�/‬‏��‬

‫حتى ال�ساحل مدعوين �إلى نف�س الوليمة ولما ت�ساءل (بولينياب) عن ال�سبب‬ ‫في دعوة كل هذا العدد من الذئاب �ضحك (تعاليبو) وقال‪:‬‬ ‫‪ -‬أ�نت إ�ذن لا تعرف كيف ت�سير ا ألمور في دنيا الب�شر إ�نهم‬ ‫يقدمون لكم جمي ًعا هدية ب�سيطة في أ�ول المو�سم‪ ..‬لي أ�منوا �شركم فيما بعد‬ ‫ولما كنت أ�نت يا (بولينياب) أ�كثر الذئاب �ش ًرا‪ ،‬فقد جعلوك �ضيف ال�شرف‬ ‫هكذا تقول البطاقة!!‬ ‫ف�صاح (بولينياب)‪:‬‬ ‫‪ -‬عا�ش ال�شر وا أل�شرار!!عا�ش‪ ..‬عا�ش‬ ‫ورق�ص حوله (تعاليبو)‪ ..‬معب ًرا عن �سعادته بينما �أخذ هو يحاول‬ ‫فح�ص الورقة ليزيل بقايا ال�شك عنده! فتناولها منه (تعاليبو) وفردها في‬ ‫�ضوء القمر فبدت بي�ضاء نا�صعة عليها كتابة وا�ضحة �أ�شار إ�ليها وقال‪:‬‬ ‫‪� -‬أنظر!! ها هو ا�سمك المبجل مكتوب بلغة الب�شر و إ�ن لم ت�صدق‬ ‫هيا بنا �إلى أ�قرب (�إن�سان) ليقر أ�ها لك بنف�سه‪( ،‬بولينياب العظيم) ها هو‪،‬‬ ‫انظر‪.‬‬ ‫فت�أمل (بولينياب) الورقة في غباء وقال‪:‬‬ ‫‪ -‬أ�ين؟! إ�نني لا �أراه!‬ ‫فقال (تعاليبو) محت ًجا‪:‬‬ ‫ ‪ -‬عدت لل�شك في كلامي؟ هذا �سيجعلني أ�فكر في الانتحار إ�نني لا‬ ‫أ�حتمل لهجة ال�شك الدائمة في حديثك‪.‬‬ ‫فاعتذر له (بولينياب) و�صالحه قبل أ�ن يعود للانتحاب‪:‬‬ ‫‪ -‬أ�نا لا �أعني ذلك يا �صديقي‪ ،‬ولكن يبدو أ�ن خط ه�ؤلاء الرعاة‬ ‫رديء ج ًدا‪� ،‬أو لا بد أ�نهم جهلاء لا يعرفون الكتابة! ف�أ�شار (تعاليبو)‬ ‫وهو يقول في �سخرية خفيفة‪:‬‬ ‫لكن انظر‪� ،‬إنهم يحترمونك ج ًدا بالت أ�كيد‪ ،‬فها هو الا�سم مكتوب بخط‬ ‫كبير جميل (بو‪ ..‬ولي‪ ..‬نيا ا ا ا ب ‪ ..‬ملك ال�سهول والحقول واله�ضاب)‪.‬‬ ‫فابت�سم (بولينياب) في خجل مفتعل لأنها كانت المرة الأولى في حياته‬ ‫التي يرى فيها ا�سمه مكتو ًبا في ورقة ر�سمية وقال‪:‬‬ ‫قوم طيبون ه�ؤلاء الرعاة! لا بد أ�نهم متعلمون ج ًدا‪ ،‬ولذلك أ�علن‬ ‫�أنني را�ض عنهم كل الر�ضا‪ ،‬ول�سوف أ�كافئهم بالذهاب فو ًرا إ�لى‬ ‫عر�سهم‪ ،‬ما معنى كلمة ‪ -‬ه�ضاب هذه يا (تعاليبو)؟! هه‪ ..‬ف�ضحك‬ ‫‪28‬‬ ‫‪Kalilah and Dimnah final.indd 28‬‬ ‫� ��‪ ���� ��:‬‏‪/�/‬‏��‬

‫(تعاليبو) وقال‪:‬‬ ‫‪ -‬أ�نت تعرف يا �سيدي أ�ن ه�ؤلاء الرعاة قوم �سذج وب�سطاء ج ًدا‪،‬‬ ‫وي�ستعلمون كلمات غريبة للتعبير عن احترامهم ال�شديد لمن هم في مثل‬ ‫قوتك وعظمتك وهي عادة من عادات الب�شر فهم عندما يخافون ملوكهم‪..‬‬ ‫يتحدثون إ�ليهم بطريقة غير مفهومة على ا إلطلاق حتى لا يخطئون!‬ ‫ ‪ -‬وامتلأ الذئب غرو ًرا‪ .‬وتخل�ص من خجله و أ��صبح جاه ًزا تما ًما‬ ‫لكي يلقى به تعاليبو في النار‪� .‬إذا �أراد!!‬ ‫وفج أ�ة ‪� -‬صرخ (تعاليبو) وهو يحدق في عيني (بولينياب) بقوة‪:‬‬ ‫ ‪( -‬بولينياب)!!نحن هنا ن�ضيع الوقت في مناق�شات عقيمة حول‬ ‫معنى الكلمات الغريبة‪ ،‬وهناك‪ ..‬جي�ش من الحملان والخراف ينتظرنا‬ ‫على �أحر من الجمر‪ ،‬هيا بنا هيا‪ ،‬قبل أ�ن ي�سبقنا ذئاب ال�ساحل‪.‬‬ ‫وانطلق الاثنان ي�سابقان الريح‪� ،‬إلى الحظيرة المن�شودة وهما يقفزان في‬ ‫خفة فوق الج�سور مثل جياد الأ�ساطير الم�سحورة تحت �ضوء القمر الف�ضي‪.‬‬ ‫بالقرب من الحظيرة توقف (تعاليبو) فج�أة‪ ،‬ف�أ�ضطر بولينياب‬ ‫للوقوف و�س أ�ل في ده�شة‪:‬‬ ‫لماذا توقفت؟‪� ..‬ألم تقل �إننا ت أ�خرنا عن الموعد؟‬ ‫فقال (تعاليبو) وقد �سره اندفاع (بولينياب) ولهفته فقال‪:‬‬ ‫فعلاً ! ولكني أ�ود فقط أ�ن نفاجئ المدعوين والرعاة‪ ،‬فت�أخر أ�نت‬ ‫قليلاً ‪� ،‬سوف �أ�سبقك �أنا في هدوء‪ ،‬وعندما ترى أ�نني �أ�صبحت فوق‬ ‫ال�سور‪ ،‬اتبعني على الفور �س أ�كون قد أ�علنت لهم �أن ملك ال�سهول‬ ‫والحقول قد ف�ضل قفز ال�سور على الأبواب‪..‬‬ ‫وانفعل (بولينياب) و�ضحك وهو يتخيل أ�ثر المفاج�أة المنتظرة على‬ ‫م�ستق ِبليه المنت ِظرين! و�أمر (تعاليبو) أ�ن يتقدم على الفور‪.‬‬ ‫وفي هدوء مح�سوب‪ ،‬ت�سلل (تعاليبو) وهو يح�سب ح�ساب كل حركة!‬ ‫فقد كان يعرف جي ًدا أ�ن الرعاة يجل�سون في الناحية الأخرى حول نار‬ ‫خافته وقد غلبهم النعا�س ويعرف أ�ن كلابهم تغالب النوم بعد طول‬ ‫ال�سهر‪ ،‬ولكنه يعرف أ�ي ً�ضا أ�ن أ�ي �صوت �سوف يوقظ الجميع في لحظة‪.‬‬ ‫وعندما لمع ج�سمه في �ضوء القمر وهو يقفز عبر ال�سور في حركة‬ ‫خاطفة بارعة اندفع بولينباب مزمج ًرا‪ ،‬زمجرة ملك حقيقي مدعو‬ ‫لوليمة فاخرة ر�سمية عند الرعية‪ ،‬وما أ�ن �أ�صبح (بولينياب) داخل‬ ‫‪29‬‬ ‫‪Kalilah and Dimnah final.indd 29‬‬ ‫� ��‪ ���� ��:‬‏‪ �/‬‏‪��/‬‬

‫ال�سور‪ ،‬حتى كان (تعاليبو) قد قفز في لمح الب�صر خارج ال�سور حاملاً‬ ‫خروفه ا ألبي�ض المف�ضل واختفى و�سط النباتات!!‬ ‫بينما �أخذ (بولينياب) ي�ضرب ذات اليمين وذات ال�شمال‪ ،‬مطمئ ًنا‬ ‫لمكانته وحظوته المزعومة عند الرعية التي دعته إ�لى الوليمة و أ��سكرته‬ ‫ر ؤ�ية الدماء ف�أخذ يرق�ص ويغني!‬ ‫ملك الحقول واله�اضب‪ ..‬من ا�سمه بولينياب‬ ‫ي�شكركم من قلبه‪ ..‬على الطعام يا �صحاب‬ ‫ثم انتبه لباب الحظيرة عندما دفع وفتح على م�صراعيه‪ ،‬ف�أخذ‬ ‫يرحب بالقادمين‪ ،‬ويدعوهم بكل توا�ضع �أن ي�شاركوه طعامه الب�سيط!‬ ‫و�صكته هراوة �ضخمة فوق �أم ر أ��سه فترنح‪ ،‬ولكنه تما�سك ظ ًنا منه‬ ‫�أن هذا دعابة من دعابات الرعاة‪ .‬ولكن �ضربة هراوة أ�ثقل من ا ألولى‬ ‫ق�سمت ظهره! و�أتبعها كلب بع ّ�ض ٍة نه�شت م�ؤخرته‪ ،‬بينما �أطبق كل ٌب‬ ‫�آخر رهيب على لحم ظهره‪ .‬ثم توالت الهراوات وانهالت كالمطر مما‬ ‫جعله يت أ�كد تما ًما �أنها لا يمكن �أن تكون مداعبة أ��صدقاء‪ ،‬فحاول أ�ن يتكلم‬ ‫مت�سائلاً عن �سر تبدلهم‪ ..‬ولكن �أح ًدا لم ي�ستمع إ�ليه‪..‬‬ ‫فحاول الهرب ولكن الح�صار كان �شدي ًدا حوله فزعق بكل قوته‬ ‫ينادي �صديقه اللدود تعاليبو‪ ،‬الذي اكت�شف �أنه قد اختفى‪:‬‬ ‫تعاليبو يا تعاليبو ‪ ..‬تعالى وا�شرح لهم‬ ‫هات الخطاب والبطاقة‪ ..‬ليرحموا ملكهم‬ ‫وتحت وابل الهروات القاتلة‪ ،‬ومن بين �صفير وهدير الع�صي في‬ ‫الهواء وزمجرة الكلاب الم�سعورة الغا�ضبة‪ ،‬جاءه �صوت (تعاليبو) الذي‬ ‫كان يحمل ال َح َمل الأبي�ض ويجري مبتع ًدا وهو يقول‪:‬‬ ‫أ��سفي كـــــبــــيـــــــر يا ملك‪..‬‬ ‫كـــــــل ال�ســـهول واله�ضـــــاب‬ ‫مــــاذا تـــفيـــــــــــد البطاقة؟‬ ‫رعــــيــــــــــان مــملـــــــــكتك‬ ‫�إن �أبـــــــــــــــــــ�صروا بالذئاب‬ ‫لا يـــعرفــــــــــون القـــراءة!!‬ ‫‪30‬‬ ‫‪Kalilah and Dimnah final.indd 30‬‬ ‫� ��‪ ���� ��:‬‏‪/�/‬‏��‬

‫لعبة أ�كل الذيول‬ ‫قبل غروب ال�شم�س بقليل ا�ستيقظ (تعاليبو) من نومه‪ ،‬وخرج ي�شم‬ ‫هواء الم�ساء الرطيب‪ ،‬كان يح� ّس �سعاد ًة لا نهائية وي�شعر بثق ٍة كبير ٍة‬ ‫ور�ضا ٍء عميق عن نف�سه!‬ ‫كان قد تناول مع عائلته ِغذا ًء �شه ًيا لذي ًذا من ال�سمك ح�صل عليه هو‬ ‫وابنه (تعلبان) بحيلة طريفة خدعا بها أ�حد رجال ال�سواحل‪ ،‬ولأنها كانت‬ ‫المغامرة الأولى التي ي�شاركه فيها ابنه (تعلبان) الذي �أثبت خلالها �أنه ابن‬ ‫أ�بيه ح ًقا‪ ،‬كان تعاليبو يح�س أ�نه أ��سعد و أ�عظم ثعلب على ظهر ا ألر�ض!‬ ‫وكانت زوجته (تعلوبة) تجل�س �أمام الجحر في هدوء تخيط قمي�ص‬ ‫ابنها (تعلبان) الذي تمزق وهو يعبر ال�سياج في مغامرة (ا أل�سماك) ولما‬ ‫لمحت زوجها نادته قائلة‪:‬‬ ‫‪ -‬لن تخرج الليلة لل�صيد يا تعاليبو‪ ،‬ف إ�ن لدينا كمية كبيرة من ال�سمك‬ ‫تكفي ليومين وزيادة‪ ،‬ابق معنا الليلة‪ ..‬لاعب ا ألولاد قليلاً ف إ�نك تغيب‬ ‫عنهم كثي ًرا‪..‬‬ ‫وفرح (تعاليبو) فعلاً لفكرة البقاء بالبيت مع زوجته (تعلوبة)‬ ‫وولديه ال�صغيرين (تعيلب) و(تعلبان)!‬ ‫وكان (تعيلب) على عك�س أ�خيه (تعلبان) �شرَ ِ ًها �أكو اًل بطيء‬ ‫الحركة‪ ،‬بل يكاد يكون غب ًيا‪ ،‬وعندما تراه يجري ي�صيح مثل كرة بلا‬ ‫�أرجل لا ترى الطريق‪ ،‬فتم�ضي تتعثر في كل �شيء وت�صطدم بكل �شيء‪.‬‬ ‫�أما (تعلبان) فقد كان (ابن أ�بيه)‪ ،‬خفيف لحركة‪� ،‬شديد الذكاء‪.‬‬ ‫ي أ�كل قليلاً ويفكر طول الوقت يطلب من أ�بيه دائ ًما أ�ن يحكي له عن‬ ‫تاريخ الثعالب ومغامراتهم؛ ولذلك كان تعاليبو �سعي ًدا به ألنه يرى فيه‬ ‫((تعاليبو)) �صغير‪ ..‬جديد‪� ،‬سوف يكمل طريق أ�بيه ور�سالته!!‬ ‫ولما عرف الولدان أ�ن أ�باهما �سوف يلعب معهما الليلة‪ ،‬قفزا وزاطا‬ ‫واحت�ضن (تعلبان) رقبة والده �سعي ًدا بينما اندفع (تعيلب) كالقذيفة معب ًرا‬ ‫عن �سعادته فا�صطدم بهما‪� ،‬صدمة �شديدة أ�وقعتهم فتدحرج الجميع فوق‬ ‫المنحدر ال�صخري �ضاحكين‪ ،‬محدثين �ضو�ضاء كبيرة جعلت ف أ�ر الغيط‬ ‫ينكم�ش خائ ًفا‪ ،‬داف ًعا ب�أولاده إ�لى داخل البيت‪ ،‬بينما تكورت عائلة من‬ ‫القنافذ وابتعدت �سلحفاة �صغيرة عن الطريق مرتعبة وطارت بومة وهي‬ ‫‪31‬‬ ‫‪Kalilah and Dimnah final.indd 31‬‬ ‫� ��‪/���� ��:‬‏� ‏‪��/‬‬

‫تحتج غا�ضبة وهي تغمغم‪:‬‬ ‫‪ -‬الأف�ضل أ�ن أ�ترك المكان له�ؤلاء الأوغاد المزعجين!‬ ‫وفج�أة‪ ..‬انتفخت �أنف تعاليبو وارتع�شت �شواربه وارتفعت أ�ذناه‬ ‫فوق جبهته و أ�خذ يت�شمم الهواء باهتمام‪ ..‬وكف (تعلبان) عن ال�ضحك‬ ‫هو ا آلخر و�أخذ يقلد والده ثم �س أ�له (تعاليبو) بعد فترة‪:‬‬ ‫هل �شممت ما أ��شم؟‬ ‫فقال (تعلبان) وهو يحاول �أن يبدو كبي ًرا وجا ًدا وجدي ًرا بثقة والده‪:‬‬ ‫‪ -‬نعم! إ�نني أ��شم رائحة أ�رنب ودجاجة وديك و‪ ..‬ولكن‪ ..‬هل‬ ‫ت�شم �أنت ما أ��شم؟‪ ..‬غريبة‪..‬‬ ‫فقال تعاليبو‪:‬‬ ‫‪ -‬نعم!غريبة فعلاً ‪ ،‬إ�نه (بولينياب)‪ ،‬لا بد �أنها �ضربة حظ أ�و �صدفة‬ ‫موفقة‪ ،‬فهو على درجة من الغباء لا تمكنه من الح�صول على ثلاثة‬ ‫ب�ضربة واحدة!‬ ‫وطوال هذا الحديث كان (تعيلب) يدير ر�أ�سه بينهما في بلاهة وهو‬ ‫لا يفهم ما يقولان!!‬ ‫و�ضحك (تعلبان) وقال‪:‬‬ ‫‪ -‬فعلاً ‪ :‬إ�نه غبي فكيف يح�صل على ثلاثة ب�ضربة واحده‪..‬‬ ‫وقال (تعاليبو) عند ذلك‪:‬‬ ‫اذهب يا (تعيلب) وابق عند �أمك‪ .‬وتعال أ�نت معي ف�أمامنا عمل‬ ‫كبير هذه الليلة! �سنلعب قليلاً مع الذئب‪..‬‬ ‫ثم انطلق الاثنان‪ ،‬بينما تدحرج (تعيلب) عائ ًدا ألمه ي�شكو لها ويبكي‬ ‫قائلاً ‪:‬‬ ‫لقد ذهبا للعب مع الذئب ومع حيوان لا أ�عرف ا�سمه �ضربة الحظ‪،‬‬ ‫وتركاني وحدي!‬ ‫هبط (تعاليبو) وابنه المنحدر ال�صخري وكل منهما يحلم بمغامرة هائلة‬ ‫ولم يكن (تعلبان) يعرف ما يدور في ر�أ�س والده‪ ،‬لكنه كان يقول لنف�سه (لا‬ ‫بد �أنه يفكر فيما �أفكر فيه!) وكلما ازدادت الرائحة قر ًبا‪ ،‬ازدادت خفقات‬ ‫قلب (تعلبان) وزاد انفعاله‪ ..‬و أ��شار تعاليبو لابنه عند المنعطف فتوقف‬ ‫الابن وعرف على الفور أ�ن عليه أ�ن يراقب من بعد دون �أن يظهر �أو‬ ‫يتكلم إ�لا عند الحاجة فاختفى في مثل لمح الب�صر وك أ�نه قد تبخر!!‬ ‫‪32‬‬ ‫‪Kalilah and Dimnah final.indd 32‬‬ ‫� ��‪ ���� ��:‬‏‪ �/‬‏‪��/‬‬

‫وهناك‪ ،‬قري ًبا من �أكمة ال�صبار كان الطابور العجيب يقبل م�سر ًعا‬ ‫في مقدمته كانت دجاجة حمراء لها ذيل �أ�سود لامع‪ .‬وخلفها ديك ذو‬ ‫عرف قرمزي وبعده أ�رنب رمادي ووراءهم بخطوة واحدة‪ ،‬كان‬ ‫(بولينياب) يلهث ويتلفت حوله وقد لاح على وجهه غباء غير عادي‪،‬‬ ‫وظهرت وا�ضحة على ظهره �آثار ال�ضرب المبرح الذي ناله في حظيرة‬ ‫الأغنام منذ أ�يام‪..‬‬ ‫وهم�س (تعلبان) من مخب�أه مخاط ًبا والده‪:‬‬ ‫‪ -‬ال يمكن �أن يكون قد �صادهم يا �أبي إ�نه يجري مثلهم ويبدو �أنهم‬ ‫جمي ًعا خائفون من �شيء ما!‬ ‫فقال (تعاليبو)‪:‬‬ ‫ ‪ -‬فعلاً ‪ ،‬ا ألمر كما فهمت‪ ،‬و�سترى الليلة حكاية ثعلبية هائلة‬ ‫�ستحفظها الأجيال!‬ ‫وتقدم وحده يعتر�ض طريق الطابور المذعور في ثقة‪.‬‬ ‫وفوجئت الدجاجة بالثعلب يعتر�ض طريقها فا�ضطرت للتوقف‬ ‫فج أ�ة فا�صطدم بها الديك �صار ًخا وتعثر (بولينياب) في الأرنب فتدحرج‬ ‫الاثنان م ًعا �إلى قاع قناة مجاورة واختلطت زمجرة الذئب ب�صياح‬ ‫الدجاجة الخائفة و�صرخات الديك واحتجاج الأرنب‪ .‬ثم تن ّبه الذئب لما‬ ‫حدث ف�صاح غا�ض ًبا‪:‬‬ ‫‪� -‬أنت؟ انتظر و�سوف �أنتقم منك‪� ،‬أيها الكاذب‪..‬‬ ‫فابت�سم تعاليبو متجاهلاً تهديده وقال‪:‬‬ ‫دعك من ال�شجار ا آلن يا (بولينياب)‪ ،‬لا يجب �أن نتعارك في وجود‬ ‫مثل ه ؤ�لاء ال�صغار فماذا يقولون عنا‪ ..‬هيا قل لي‪ ..‬إ�لى �أين؟‪ ..‬ما‬ ‫الذي جرى فجعلكم تجرون هكذا كالمجانين؟ �إنني منذ ال�صباح أ�رى‬ ‫حيوانات تجري هنا وهناك‪ ،‬هل هو �سباق؟‪ ..‬قل لي �أنت يا (بولينياب)‬ ‫ف أ�نت أ�كثرهم عقلاً وحكمة طب ًعا؛ لماذا يجري الجميع اليوم؟‬ ‫فزمجر الذئب وهو ينف�ض التراب عن ج�سمه قائلاً ‪:‬‬ ‫لقد �سقطت ال�سماء على الأر�ض!!‬ ‫وكتم (تعلبان) �ضحكة كادت تفلت منه وتك�شف مكانه وتف�سد كل‬ ‫�شيء‪ ،‬بينما تلفت (تعاليبو) حوله في هدوء ودار بعيونه بين الأر�ض‬ ‫وال�سماء وقال‪:‬‬ ‫هل تظن �أن ال�سماء �سقطت ألنك وقعت في القناة‪..‬‬ ‫ف�صاح (بولينياب) غا�ض ًبا‪:‬‬ ‫‪33‬‬ ‫‪Kalilah and Dimnah final.indd 33‬‬ ‫� ��‪ ���� ��:‬‏‪ �/‬‏‪��/‬‬

‫لا طب ًعا ل�ست م�س�ؤو ًال عن ذلك ل�ست �أنا ال�سبب! لقد �سقطت ال�سماء قبل‬ ‫�أن �أ�سقط في القناة‪ ..‬ا�س�أل الأرنب! وت أ�كد تعاليبو �أن حالة الغباء ما زالت‬ ‫بخير و أ�نها تخيم فوق ر أ��س �صاحبه (بولينياب) ك�سحابة الدخان الأ�سود‪.‬‬ ‫فالتفت ي�س أ�ل ا ألرنب‪:‬‬ ‫أ�ين ومتى‪ ،‬حدث هذا يا أ�رنبي العزيز؟‬ ‫وكانت عادة ا ألرنب أ�ن يرتعد كلما �سمع �صوت الثعلب فما بالك‬ ‫وهو واقف �أمامه وج ًها لوجه وخرج �صوت ا ألرنب غري ًبا لا ي�شبه‬ ‫�صوت ا ألرنب وقال‪:‬‬ ‫‪� -‬أنا ل�ست �أرنبك‪� ،‬أنا أ�رنب نف�سي فقط ول�ست تاب ًعا لأحد!‪..‬‬ ‫فابت�سم الثعلب ابت�سامة م�شجعة ليك�سب ثقته وقال‪:‬‬ ‫‪ -‬ال تخف يا �صديقي‪� ،‬أنا �أعرف هذا �إنما �أنا أ�مازحك فقط فقل لي‬ ‫متى �سقطت ال�سماء و أ�ين؟ يا �أرنب نف�سك؟‬ ‫فقال ا ألرنب‪:‬‬ ‫‪ -‬أ�نا لا أ�عرف‪ ،‬لأن الديك هو الذي أ�خبرني بذلك‪ ،‬عندما‬ ‫�شاهدته يجري خلف الدجاجة وهو ي�صيح مذعو ًرا انجوا ب�أنف�سكم لقد‬ ‫�سقطت ال�سماء!!! نجوت بنف�سي و�أي عاقل يجب أ�ن ينجو بنف�سه في‬ ‫ظروف �صعبة مثل ظروف �سقوط ال�سماء‪ ،‬فا ْج ِر معنا �أنت الآخر لنجد‬ ‫مكا ًنا �أمي ًنا نحتمي فيه جمي ًعا من الهول‪ .‬وا�ستدار الثعلب �إلى الديك ذي‬ ‫العرف القرمزي و�س أ�له في عطف زائد؟‬ ‫ ‪ -‬ولكن يا �صديقي الديك الطيب‪ ،‬هل ر�أيت ال�سماء ت�سقط بعينيك؟‬ ‫ف أ�نكر الديك طب ًعا‪ ..‬وقال‪:‬‬ ‫‪ -‬الطب ًعا‪،‬لقدا�ستنجدتبيالدجاجةوجاءتني�صارخةمذعورةوهي‬ ‫تق�سم أ�نهار أ�تال�سماءت�سقط‪،‬وكانلابد أ�ن أ��صدقهاخا�صةوقدقالت�أكثرمن‬ ‫هذا‪،‬لقد�أخبرتي أ�نقطعة�صغيرةمنال�سماء�سقطتفوقر أ��سهاتما ًما‪..‬‬ ‫وهنا ربت (تعاليبو) بحنان زائد على ر أ��س الدجاجة وقال‪:‬‬ ‫�آه يا م�سكينة �أعرف �شعورك ا آلن‪� ،‬أين إ��صابتك؟ آ�ه‪ ،‬هنا‪ ،‬يا ليتني‬ ‫كنت بد اًل منك‪ ،‬ولكن كيف حدث هذا يا �صديقتي؟‬ ‫وخف�ضت الدجاجة ر أ��سها في خجل وخوف‪ ..‬ثم حكت الحكاية من‬ ‫البداية‪:‬‬ ‫‪ -‬لقد كنت �أنب�ش الأر�ض بح ًثا عن حبة قمح �صغيرة‪ .‬ظلت تهرب‬ ‫‪34‬‬ ‫‪Kalilah and Dimnah final.indd 34‬‬ ‫� ��‪ ���� ��:‬‏‪ �/‬‏‪��/‬‬

‫مني حتى اختفت تحت حجر ي�سند عمو ًدا من الخ�شب‪ ..‬ولكنني كنت قد‬ ‫بد�أت �أغ�ضب منها و�صممت على �أكلها‪ ،‬ف أ�خذت أ�نب�ش التراب حول الحجر‬ ‫الذي ي�سند العمود‪ ،‬وبعد فترة ا�ستطعت �أن أ�زحزحه‪ ،‬بعد �أن حفرت تحته‬ ‫فجوة كبيرة فاهتز و�سقط‪ ،‬وما أ�ن �سقط حتى �سمعت �صو ًتا كالرعد‪ ،‬لقد‬ ‫انهارت ال�سماء فجريت �صارخة لأحذر الطيور والحيوانات من الكارثة!!‬ ‫ولم ي�ستطع (تعلبان) �أن يكتم �ضحكاته �إلا بعد �أن و�ضع زلطة في‬ ‫فمه‪ ،‬وكتم �أنفا�سه لي�سمع ما �سيقوله (تعاليبو) ر ًدا على ذلك‪ .‬وتعجب‬ ‫عندما قال والده‪:‬‬ ‫‪ -‬طب ًعا! �إن جميع الطيور والحيوانات و أ�نا‪ ..‬بالنيابة عنهم أ��شكرك!‬ ‫لقد كانت حكمة منك أ�ن نبهت أ��صدقاءك قبل فوات الأوان‪ ،‬وا آلن يجب‬ ‫علينا جمي ًعا �أن نبحث عن مكان نختبئ فيه فو ًرا ‪ -‬هيا بنا!!‬ ‫وانطلق يجري �أمامهم‪ ..‬ف�س�أله الذئب وقد بد أ� ال�شك يراوده‪:‬‬ ‫‪ -‬إ�لى �أين؟‬ ‫فالتفت إ�ليه في ود واقترب منه وهم�س ك أ�نه يخت�صه ب�س ٍر عظيم؛‬ ‫‪ -‬عندي مخب�أ أ�مين!‬ ‫لكن (بولينياب) الذي خدعه (تعاليبو) ع�شرات المرات في حكايات‬ ‫مثل هذه تما ًما وبكلام ناعم كهذا بال�ضبط قال مظهر ًها �شكوكه‪:‬‬ ‫‪�-‬أنا �أ�شك أ�ن هناك أ�ي مخب أ� تعرفه‪� ،‬سوى بيتك طب ًعا يا لئيم! ولكن‬ ‫(تعاليبو) أ��سرع يعاتبه في حنان‪ ..‬قائلاً ‪:‬‬ ‫‪ -‬لا يا (بولينياب)! لي�س الوقت ملائ ًما لذلك‪ ،‬دع �شكوكك و�سوء ظنك‬ ‫جان ًبا‪ ،‬نحن جمي ًعا في خطر وقد نموت كلنا فج أ�ة! هيا لنجد مكا ًنا �أمي ًنا لحماية‬ ‫�أنف�سنا�أو اًل‪،‬وبعدهانت�شاجرحتىال�صباح أ�ونختلف�إلىالأبد‪،‬هيا�إلىالمخب�أ‬ ‫فماذنبه ؤ�لاءالأبرياءلت�ضيعحياتهمب�سببخلافاتناالتيلاتنتهي!!‬ ‫وهنا �صاح الثلاثة الباقون في وقت واحد‪:‬‬ ‫ ‪ -‬خذنا إ�ليه (يا تعاليبو) ب�سرعة‪ ،‬نحن لا نريد �أن نموت!‬ ‫وردد (تعاليبو) ب�صوت مرتفع لي�سمعه (تعلبان)‪..‬‬ ‫‪ -‬هيا تعالوا ورائي‪ ،‬اتبعوني‪ ،‬المكان هناك‪ ،‬عند �شجرة التين‬ ‫الكبيرة بجوار النبع المهجور! هناك حفرة كبيرة �سننزل �إليها!‬ ‫‪ -‬وهنا اعتر�ض الذئب مرة أ�خرى قائلاً ‪:‬‬ ‫ ‪ -‬حفرة كبيرة؟‪ ..‬وكيف �سنخرج منها إ�ن كانت عميقة؟‬ ‫‪35‬‬ ‫‪Kalilah and Dimnah final.indd 35‬‬ ‫� ��‪ ���� ��:‬‏‪ �/‬‏‪��/‬‬

‫ ‪ -‬ابت�سم تعاليبو ورد ب�سرعة‪ ،‬ليمنع تردد الآخرين‪..‬‬ ‫يا بولينياب! (يا بولي)!! لقد أ��صبحت اليوم �أذكى حيوانات البراري!‬ ‫لقد أ��صبحت ت�س أ�ل عن طريقة الخروج قبل الدخول‪ ..‬لا! هذا تطور‬ ‫عظيم! ويجب �أن ت�شكرني عليه‪ ،‬نعم! لأن �صداقتي لك هي ال�سبب في‬ ‫ذلك‪ ..‬عندك حق طب ًعا‪ ،‬ولكن‪ ..‬ما العمل هل تريدنا �أن نختبئ فوق‬ ‫التل‪ ،‬فت�سقط ال�سماء فوق ر�ؤو�سنا؟‬ ‫فقال الثلاثة ا آلخرون في رعب وا�ستنكار‪:‬‬ ‫_لا‪ ..‬طب ًعا! في حفرة �أف�ضل حيث لا ت�صل إ�لينا ال�سماء!‬ ‫وهنا ح�سم تعاليبو ا ألمر قائلاً ‪:‬‬ ‫‪� -‬إذن لا أ�ريد كلمة واحدة‪ ،‬هيا بنا‪ ،‬و�إذا كنت لا تثق في أ�مانتي‬ ‫وقدرتي على حماية ه�ؤلاء الأبرياء فارجع أ�نت وابحث لنف�سك عن مخب�أ‬ ‫يليق بك!!‬ ‫ولم يرد (بولينياب) و�إنما م�ضى خلفهم بلا اعترا�ض وهنا �صاح‬ ‫(تعاليبو) في �إعجاب زائد بنف�سه‪:‬‬ ‫‪ -‬لقد كنت أ�عرف �أنها �ستكون ليلة (ثعلبية) كبيرة!!‬ ‫ولم يفهم أ�حد من رفاق الطابور الهارب معنى كلام (تعاليبو)!‪،‬‬ ‫تعلبان فقط هو الذي فهم ما يعنيه والده وتمنى أ�ن يكون بجوار والده‬ ‫�ساعتها لكي يقبله قبلة (ثعلبية) كبيرة!‬ ‫م�ضى (تعاليبو) أ�مام طابور الهاربين حتى و�صل إ�لى الحفرة‪،‬‬ ‫ولكن (بولينياب) أ�راد �أن يت أ�كد أ�ن (تعاليبو) لا يخدعه هذه المرة‪ ،‬فطلب‬ ‫منه �أن يقفز أ�و اًل إ�ثبا ًتا لح�سن نواياه‪ .‬وطب ًعا لم يتردد تعاليبو فقد كان هذا‬ ‫�ضمن خطته‪ ،‬فقفز على الفور وهو يقول‪:‬‬ ‫‪ -‬مع أ�نكم أ�نتم الذين ر أ�يتم ال�سماء ت�سقط ول�س ُت �أنا‪..‬‬ ‫واطم�أن قلب الجميع فقفزوا إ�لى الحفرة خلف الثعلب‪.‬‬ ‫وبعد أ�ن ا�ستراحوا قليلاً والتقطوا �أنفا�سهم نظروا إ�لى �أعلى باطمئنان‬ ‫وقال الذئب معتر ًفا‪:‬‬ ‫�آه! لقد نجونا في اللحظة ا ألخيرة‪ ،‬انظروا لقد انطبقت ال�سماء على‬ ‫الأر�ض فعلاً ! �إنها تغطى الحفرة تما ًما الآن‪ .‬حتى النجوم نف�سها‪ ،‬ازداد‬ ‫لمعانها و�أ�صبحت فوق ر�ؤو�سنا تما ًما!!‬ ‫وهنا قال (تعاليبو)‪:‬‬ ‫‪36‬‬ ‫‪Kalilah and Dimnah final.indd 36‬‬ ‫� ��‪ ���� ��:‬‏‪ �/‬‏‪��/‬‬

‫ ‪ -‬نعم! تما ًما ولكننا أ�ي ً�ضا ن�سينا �شي ًئا ها ًما ‪ -‬تما ًما يا �صديقي‪ ..‬ولم‬ ‫يكن ممك ًنا �أن أ�ن�ساه ف�أنا لا �أن�سي �شيئا تما ًما‪ ،‬ولكنك تع ّجلتني وجعلتني‬ ‫�أقفز �أو ًال‪ ،‬فن�سيته تما ًما!!‬ ‫ف�صاح الجميع في وق ٍت واحد‪:‬‬ ‫ ‪ -‬ماذا؟ ما هو هذا الذي ن�سيناه تما ًما!‬ ‫‪ -‬قال (تعاليبو) في حزن‪:‬‬ ‫لقد ن�سينا أ�ن نح�ضر طعا ًما‪� ،‬صحيح �أنني تع�شيت قبل ح�ضوري‬ ‫مبا�شرة و أ��ستطيع البقاء �شبعا ًنا حتى ال�صباح ولكنني أ�تكلم عنكم �أنتم يا‬ ‫م�ساكين!‬ ‫وهنا ن�سي (بولينياب) ق�صة ال�سماء‪ .‬فقد وجد نف�سه كعادته �ساعة أ�ن‬ ‫يذكر الطعام ‪ -‬ي�شعر فج أ�ة ب�أمعائه ت�صرخ وتتلوى من الجوع‪ ،‬خا�صة‬ ‫وهو يرى أ�مامه في حفرة واحدة �ضيقة دجاجة و أ�رن ًبا ودي ًكا ي�صلحون‬ ‫ع�شا ًء �شه ًّيا ل أل�سد ا إلمبراطور نف�سه!!‬ ‫وارتع�شت الدجاجة!‬ ‫و أ�ح�س ا ألرنب �أن الأمور �ست�سوء عما قريب! بينما �صاح الديك‬ ‫وهو ي�صطنع المرح‪..‬‬ ‫�أنا والدجاجة والأرنب لن نح�س بالم�شكلة‪ .‬وهذا و إ�ن كان يخفف‬ ‫عنا‪ ،‬لكنه ل أل�سف يحزننا لأنكما لن تجدوا طعا ًما ي�صلح لكما في مثل هذا‬ ‫المكان‪ .‬ولكن �أر�ض الحفرة بها من الحبوب والبذور والح�شائ�ش الجافة‬ ‫ما يكفينا نحن‪ ،‬الم�شكلة الحقيقية تواجهكما و‪ ..‬و‪ ..‬والحقيقة �أننا نفكر‬ ‫فيها مثلكما تما ًما‪ ..‬ثم‪ ..‬أ�ما‪ ..‬فعلاً ‪ ..‬آ�ه‪..‬‬ ‫قال الثعلب‪:‬‬ ‫لقد تع�شي ُت كما قلت لكم و�أ�ستطيع أ�ن أ��صبر حتى ال�صباح فقد تطير‬ ‫ال�سماء مرة �أخرى وتعود �إلى حيث كانت قبل أ�ن أ�ح�س بالجوع‪ ..‬ولكن‬ ‫الم�شكلة في الحقيقة هي م�شكلة (بولينياب)!! إ�نني �أ�سمع �صوت �أمعائه‬ ‫تتلوى وهو لا ي�ستطيع تحمل الجوع كثي ًرا وهي عادة ذئبية �سيئة ولكن‬ ‫ماذا �إذن نفعل؟‬ ‫زمجر بولينياب و�صرخ!!‬ ‫‪ -‬ال تثر �أمعائي أ�كثر من ذلك! يجب �أن تجدوا الآن حلاً فور ًيا‬ ‫لم�شكلتي والإ�ساءات العاقبة!‬ ‫‪37‬‬ ‫‪Kalilah and Dimnah final.indd 37‬‬ ‫� ��‪ ���� ��:‬‏‪/�/‬‏��‬

‫ف�أظهر (تعاليبو) �أ�سفه وقال‪:‬‬ ‫ ‪ -‬اهد�أ (يا بولينياب) �أهد�أ وا�صبر لا نريد �أن تبيت معنا و أ�نت‬ ‫غا�ضب‪ ،‬هذا �سيكون خط ًرا علينا جمي ًعا ولذلك‪ ،‬لا بد أ�ن ن�ضحي بواحد‬ ‫منا لكي ينجو الجميع‪.‬‬ ‫ارتع�ش ا ألرنب وهو يتجنب عيون (بولينياب) ب�صعوبة وقال وقد‬ ‫تهدمت حروف الكلام بين �أ�سنانه‪:‬‬ ‫‪ -‬ولكن‪َ ..‬من؟ هل �ست�ضحي أ�نت بنف�سك في �سبيل ا آلخرين؟!‬ ‫فيرد تعاليبو ب�سرعة ك أ�نه كان يتوقع منه ذلك‪:‬‬ ‫‪� -‬أنا م�ستعد طب ًعا ولكن ا�سمي جميل! و�ستكون خ�سارة كبيرة لكل‬ ‫أ�هل الغابة وا ألحرا�ش والبراري أ�ن يفقدوا �صاحب ا�سم مو�سيقي مثل‬ ‫ا�سمي‪ .‬قال ا ألرنب وقد وقفت حروف الكلمات في حلقة‪:‬‬ ‫ ‪ -‬وما دخل الا�سم في حكاية مثل هذه؟‬ ‫فقال تعاليبو ب�سرعة حتى لا يترك ألحدهم فر�صة التفكير‪:‬‬ ‫‪ -‬إ�ن كان لا بد و أ�ن ن�ضحي ب�أحدنا فليكن أ�قبحنا ا�س ًما ف�سيكون‬ ‫�سهلاً علينا في الم�ستقبل �أن نن�ساه ب�سرعة ولي�س هناك أ�حد �سيحزن على‬ ‫َمن كان ا�سمه قبي ًحا‪ ،‬ولكن هل يمكن لأحد �أن ين�سى ا�س ًما مو�سيق ًيا مثل‬ ‫تعا ا ا لي ي ي بوووه‪.‬‬ ‫ف�أ�سرع ا ألرنب مواف ًقا قائلاً وك�أنه غريق أ�م�س َك بطوق النجاة‪:‬‬ ‫ ‪ -‬طب ًعا لا! ولا ار اا ني ي ي بووو! �إن ا�سمي مثل ا�سمك تما ًما‪،‬‬ ‫ا�سمع إ�نه مو�سيقي مثله تما ًما‪.‬‬ ‫وقال (بولينياب)‪:‬‬ ‫‪ -‬ومثل ا�سمي طب ًعا ‪ -‬بولي نيااا ب ‪ -‬هذا الا�سم �شعر حقيقي‪.‬‬ ‫فطم أ�نه الثعلب على ذلك هام�ًسا له �أن أ�ح ًدا لم يفكر في التهامه‪ ،‬ثم‬ ‫التفت ي�سال الديك فج�أة‪:‬‬ ‫ ‪ -‬و أ�نت يا ذا العرف القرمزي ما ا�سمك؟‬ ‫فرد الديك وهو ي�صلي لل�سماء أ�لا تتخلى عنه حتى ولو كانت قد‬ ‫�سقطت فعلاً !‬ ‫ ‪ -‬ا�سمي ‪� -‬شكركم!!‬ ‫فقفز تعاليبو �سعيد وهو ي�صيح قائلا‪:‬‬ ‫‪ -‬عظيم!! ا�سم جميل ج ًدا �ألي�س كذلك (يا بولينياب) العزيز‪،‬‬ ‫‪38‬‬ ‫‪Kalilah and Dimnah final.indd 38‬‬ ‫� ��‪/���� ��:‬‏� ‏‪��/‬‬

‫�شكركم كم كم كم كم‪ .‬الله جميل ج ًدا‪ ..‬ج ًدا‪.‬‬ ‫ ‪ -‬ولم يعجب هذا (بولينياب) الجائع فقال‪..‬‬ ‫‪ -‬أ��سما ؤ�هم جمي ًعا جميلة‪ ..‬فمن �سن�أكل �إذن؟ حكاية ا أل�سماء هذه‬ ‫لا تنفع!‬ ‫فغمز له (تعاليبو) بعينيه متعج ًبا من غبائه وقال‪:‬‬ ‫ ‪� -‬صب ًرا جميلاً (يا بولي) العزيز!‬ ‫والتفت �إلى الدجاجة الحمراء ذات الذيل الأ�سود وقال‪:‬‬ ‫‪ -‬و أ�ن ِت يا حلوة‪ ،‬ما ا�سمك؟!‪..‬‬ ‫فتراجعت الم�سكينة إ�لى الخلف وانكم�شت وقالت‪:‬‬ ‫‪ -‬لي�س لي ا�سم! �أنا لم ي�سمني �أحد!! فق�ست من البي�ضة و�سط‬ ‫ع�شرات الكتاكيت‪ ،‬فلم يجدوا أ��سماء تكفي لنا جمي ًعا!‬ ‫وهنا قال تعاليبو وك�أنه ي�شهد الجميع على قانونية و�شرعية ما‬ ‫�سيحدث‪:‬‬ ‫‪� -‬إذن؟ أ�نت لا ا�سم لك! �أي أ�نك ل�س ِت مقيدة في دفتر المواليد‪،‬‬ ‫ولذلك ف إ�ن العدالة تقت�ضي �أن ن�أكلك أ�نت‪ .‬أ�نا لي ا�سم ف أ�نا موجود هذا هو‬ ‫المنطق الر�سمي‪ ،‬لكنا �إن أ�كلناك ف�إننا �سن�أكل �شي ًئا غير موجود‪� ،‬شي ًئا لي�س‬ ‫له ا�سم و�ست�صبح ت�ضحيتك عظيمة ج ًدا ألنها �ستكون ت�ضحية عادية من‬ ‫�شخ�ص نكره لإنقاذ حياة رفاقه و�سي�صورها الم�ؤرخون ك أ�عظم ت�ضحية‬ ‫في الوجود‪ ،‬و�سيقولون في �صدر �صحائفهم‪ ..‬دجاجة مجهولة تنقذ حياة‬ ‫رفاقها يوم �سقوط ال�سماء‪ .‬وهذا كاف لتخليد ذكراك بالت�أكيد‪..‬‬ ‫وهنا ك�شرّ الذئب عن �أنيابه مت�سائلاً والتفت (تعاليبو) ناحية الديك‬ ‫والأرنبف�أ�سرعهذانيوافقانعلىماقاله‪،‬ومنثميوافقانعلىما�سيفعله!‬ ‫وفوق ال�سطح هناك‪ ،‬كان تعلبان يرق�ص �سعي ًدا بوالده العبقري‬ ‫ويتمنى لو أ�نه كان هناك في الحفرة‪ ،‬لي أ�خذ ن�صيبه من ن�صف الدجاجة‬ ‫الذي فاز به والده العزيز!!‬ ‫ ‪ -‬وبعد �أن كفت �أ�صوات القرق�شة والقرق�ضة و�سكتت زقزقة‬ ‫الأمعاء الجائعة‪ ،‬لم يعد (ا أل�صدقاء) ‪ -‬الذين نزلوا م ًعا إ�لى الحفرة خو ًفا‬ ‫من �سقوط ال�سماء يتحدثون ك�أ�صدقاء!‬ ‫وبينما أ�كل تعاليبو جز ًءا من ن�صيبه ودفن الباقي �س ًرا‪ ،‬التهم الذئب‬ ‫ن�صف الدجاجة كله‪ ،‬ومع ذلك لم ي�شبع طب ًعا‪ .‬ولذلك لم يم�ض وقت‬ ‫‪39‬‬ ‫‪Kalilah and Dimnah final.indd 39‬‬ ‫� ��‪ ���� ��:‬‏‪/�/‬‏��‬

‫طويل حتى عادت �أمعا�ؤه ت�صرخ طالبة الطعام‪ ،‬ف�صاح‪:‬‬ ‫‪ -‬تعاليبو! �أنا ما زلت جائ ًعا ج ًدا فمن الذي �سن أ�كله بعد ذلك؟‬ ‫ف�صاح الأرنب في رعب‪..‬‬ ‫‪ -‬ال ت�أكلني �أنا ف أ�نا حيوان مثلكما تما ًما! انظر‪ ،‬إ�ن ج�سمي يغطيه‬ ‫ال�شعر مثلكما ولى أ�ربعة أ�رجل ولكن هذا الديك طائر من ذوي القدمين‬ ‫ويرتدي ثو ًبا من الري�ش ا ألحمق الملون!‬ ‫و�ضحك تعاليبو وقال‪:‬‬ ‫‪� -‬إنك ذكي يا �صديقي الحيوان لقد نجوت بف�ضل ذكائك الحيواني‪،‬‬ ‫ولكن تذكر �أنك �أنت الذي اقترحت علينا أ�ن ن أ�كل �صديقك الذي كنت‬ ‫تعي�ش معه في حظيرة واحدة ولا نريد أ�ن ي�أتي وقت يدعى فيه أ�حد‬ ‫الم�ؤرخين أ�ننا نحن الذين فعلنا ذلك‪.‬‬ ‫�أيها العالم‪ ،‬ا�شهد �أن الأرنب هو الذي اقترح علينا أ�كل الديك ألنه‬ ‫طائر لا تخف يا �صديقي‪ ،‬واهد�أ فنحن لن ن�أكلك الآن فالذكاء قد يطيل‬ ‫حياة البع�ض في بع�ض الأحيان‪.‬‬ ‫واقت�سم الذئب والثعلب ال�ضحية الثانية!‬ ‫ومثلما فعل بولينياب في المرة الأولى‪ ،‬التهم ن�صف الديك مرة‬ ‫واحدة‪ ..‬بينما �أكل تعاليبو جز ًءا من ن�صيبه ودفن الباقي �س ًرا!‬ ‫وكان رعب الأرنب قد بلغ مبل ًغا �شدي ًدا فان�سحب منكم�ًشا �إلى أ�حد‬ ‫ا ألركان‪ ،‬وعيناه مفتوحتان تراقبان الذئب والثعلب و�أذناه ترتع�شان‬ ‫تت�سمعان �أقل هم�سة �أو حركة‪ .‬و أ�خذ يلوم نف�سه ألنه �سمع كلام ذلك‬ ‫الديك ا ألحمق وتلك الدجاجة المجنونة‪ ،‬التي أ��سقطت �سقف بيتها وظنت‬ ‫أ�ن ال�سماء هي التي �سقطت‪ ،‬لقد �سطعت الحقيقة كال�شم�س �أمام عينيه وهو‬ ‫غارق في دوامة الرعب‪ ،‬وتعجب لأن ذلك يحدث له دائ ًما‪ ،‬فلا يفكر‬ ‫تفكي ًرا �سلي ًما إ�لا بعد فوات ا ألوان‪.‬‬ ‫وتذكر زوجته العجوز التي ن�صحته ذات يوم وطلبت منه أ�ن‬ ‫ي�صحبها للعي�ش عند �شاطئ النهر بعي ًدا عن تلك الحظيرة المليئة بالدجاج‬ ‫الثرثار والديوك المغرورين‪ ،‬ويا ليته وافق على ذلك وذهب معها‪.‬‬ ‫وفج�أة �صحا الذئب للمرة الثالثة و�صرخ يطلب الطعام!! وهنا‬ ‫ت�ساءل (تعاليبو) في غ�ضب مفتعل‪..‬‬ ‫‪ -‬أ�لا ت�ستطيع أ�ن ت�صبر؟‬ ‫‪40‬‬ ‫‪Kalilah and Dimnah final.indd 40‬‬ ‫� ��‪ ���� ��:‬‏‪ �/‬‏‪��/‬‬

‫فزمجر (بولينياب) معتر ً�ضا‪:‬‬ ‫ ‪ -‬ولماذا أ��صبر؟ �أنا �أريد أ�ن �آكل! فلماذا لا آ�كل؟؛‬ ‫فرد عليه (تعاليبو) يلومه لو ًما خفي ًفا‪:‬‬ ‫ ‪ -‬ألننا ل�سنا في البيت يا (بولي)‪� ،‬إننا �أ�سرى هذه الحفرة؛ ولم يعد‬ ‫هناك طعام‪ ،‬نحن جمي ًعا حيوانات ولي�س ألحد؛ ميزة على غيره ولي�س‬ ‫هناك ما يعيب �أح ًدا منا ولن نجد طعا ًما إ�لا إ�ذا �أراد �أحدنا أ�ن ي�ضحي من أ�جل‬ ‫زميليه‪ ،‬يجب �أن يموت �أحدنا ليعي�ش الآخرون‪ ،‬ف أ� ّينا �سوف يفعل؟‪..‬‬ ‫انكم�ش ا ألرنب ولم ينطق! فقد كان يح�س إ�ح�سا�ًسا خفي ًفا ب�أن المناق�شة‬ ‫�ست�سير في غير �صالحه‪.‬‬ ‫قال الذئب‪:‬‬ ‫‪ -‬هيا نجرب حكاية الأ�سماء؟‬ ‫فتعجب (تعاليبو) لغباء هذا الذئب؛ وقال راف ً�ضا هذه الفكرة ال�سخيفة‪:‬‬ ‫‪-‬لا؛ طب ًعا كلنا مقيدون في ك�شوف ر�سمية ولنا �أ�سماء جميلة مو�سيقية‬ ‫و�شعرية‪ .‬هل ن�سيت؟‬ ‫ف�سمع الذئب يقول‪:‬‬ ‫‪ -‬إ�ذن هيا ن أ�كل الطائر!‬ ‫ونفذ �صبر (تعاليبو) وقال‪:‬‬ ‫يبدو �أن (علقة) الحظيرة قد �أثرت على تفكيرك‪ ،‬لي�س بيننا طيور‬ ‫يا (بولينياب)!‬ ‫فغ�ضب الذئب وزمجر‪.‬‬ ‫‪ .‬إ�ذن ما العمل؟‪� ..‬أنا جائع‪ ،‬ولن أ��صبر بعد الآن‪ .‬فلي�ض ّح واحد‬ ‫منكما بنف�سه ولا تن�سى أ�نك أ�نت الذي قدتنا �إلى هذه الحفرة اللعينة!‬ ‫انكم�ش ا ألرنب أ�كثر ف أ�كثر‪ ،‬فلم يكن يفهم لماذا ي�ضحي بنف�سه في �سبيل‬ ‫�أعدائه و�سكت وهو يظن�أن(تعاليبو)قد يجد له مخر ًجا ينقذه منهذاالم�أزق!‬ ‫قال (تعاليبو) محاو ًال أ�ن يعطي لكلماته نبرة عادلة‪:‬‬ ‫‪� -‬سكوت!! �س�أفكر في ا ألمر‪ ،‬فالأمر يحتاج لحجة قانونية تر�ضي‬ ‫الجميع‪ ،‬وتقنع الم ؤ�رخين �أن أ�ح ًدا منا لم يكن يريد �أن ي أ�كل الآخر ظل ًما‪:‬‬ ‫فاتركوني �أفكر في هدوء لكي أ�عثر على و�سيلة عادلة يقبلها ثلاثتنا ‪-‬‬ ‫وخا�صة �صديقنا الأرنب!‬ ‫وبد�أ يلف ويدور ويتكلم وك�أنه يفكر في �صوت عال‪:‬‬ ‫‪41‬‬ ‫‪Kalilah and Dimnah final.indd 41‬‬ ‫� ��‪ ���� ��:‬‏‪ �/‬‏‪��/‬‬

‫�إننا لو أ�كلنا الذئب‪ ،‬فما الذي �سي�ستفيده �صديقنا ا ألرنب العزيز �إنه لا‬ ‫ي�أكل اللحم‪ ،‬وهكذا �ستكون ت�ضحية الذئب ن�صف ت�ضحية‪ ،‬وكذلك �سيكون‬ ‫الحاللو�أكلتماني‪،‬فا ألرنب آ�كلح�شائ�ش‪،‬ومنالم�ؤكد�أننيل�ست�شجرة�أو‬ ‫جزرة‪ ،‬لم يبق �سوى الاحتمال الثالث و�أعتقد أ�نه الاحتمال الوحيد القريب‬ ‫�إلى المنطق والعدالة‪ ،‬ا ألرنب هو منقذنا نحن الاثنين ‪� -‬ألي�س كذلك؟!‬ ‫وبد�أ ا ألرنب يزوم �أل ًما وي�أ�ًسا‪.‬‬ ‫ولكن (تعاليبو) ظل يتكلم قائلاً ‪:‬‬ ‫إ�ن العدالة أ�حيا ًنا قا�سية؛ ولكن لا مفر من تطبيقها‪ ،‬ولكن لا بد من‬ ‫�إقناع من �سي�ضحي بنف�سه �أن لت�ضحيته فائدة كاملة تكون ت�ضحية عادلة!‬ ‫ولم ينتظر الذئب قيام أ�حد ب�إقناع ا ألرنب فلم يكن يهمه ذلك في كثير‬ ‫أ�و قليل ولذلك انق�ض على الأرنب‪ ،‬الذي جعله الرعب يقفز محد ًثا �ضجة‬ ‫عظيمة في محاولة �أخيرة للت�شبث بالحياة والاحتجاج على م�صيره‪ ،‬بينما‬ ‫كان تعاليبو يجل�س هاد ًئا ينتظر ن�صيبه من الت�ضحية‪ ،‬ليلتهم جز ًءا منها‬ ‫وليخفي الباقي مثلما فعل من قبل!‬ ‫�ساد الهدوء داخل الحفرة تما ًما مما جعل (تعلبان) ينتابه قلق عنيف‬ ‫على والده‪ .‬ووجد نف�سه لأول مرة في حياته يخاف على (تعاليبو) خو ًفا‬ ‫حقيق ًيا‪ ،‬فالذئب و�إن كان غب ًيا ف إ�نه قوي أ�ي ً�ضا ‪ -‬ولم يعد في الحفرة �أحد‬ ‫بلا ا�سم ولي�س هناك طير ولا �آكل ح�شائ�ش! لي�س هناك �سوى والده وج ًها‬ ‫لوجه مع الذئب الجائع ال�شر�س!!‬ ‫وفج أ�ة �سمع (تعلبان) �صوت م�ضغ وطقطقة وتك�سر عظام‪ ،‬ف أ�طل في‬ ‫الحفرةوقدتملكهخوفرهيبعلىوالده‪،‬ولكنالظلامكان�شدي ًداف أ�رهف‬ ‫�أذنيهقل ًقاحتىتبين�أنهاطريقةوالدهفيالم�ضغفاطم أ�نقلبهقليلاً ولكنهلميهد أ�!‬ ‫و�صحا (بولينياب) على �صوت الم�ضغ والقرق�شة ‪ -‬ف�س أ�ل (تعاليبو)‬ ‫في ج�شع‪:‬‬ ‫‪ -‬ماذا ت أ�كل يا (تعاليبو)؟ هل بقى لدينا طعام؟ �أم أ�نني أ�حلم؟ لا‪،‬‬ ‫لا أ�نت ت أ�كل �شي ًئا نعم بالت أ�كيد ت�أكل �شيئا؟ إ�نني جائع ج ًدا‪.‬‬ ‫فقال الثعلب بهدوء‪..‬‬ ‫‪ -‬إ�نني �أكل ذيلي يا �صديقي‪ ،‬ألنني �أكاد �أموت جو ًعا والبرد �شديد‬ ‫ج ًدا وما فائدة الذيل إ�ذا لم ينقذ �صاحبه في ليلة كهذه �سقطت فيها ال�سماء‬ ‫وا�شتد البرد؟‬ ‫‪42‬‬ ‫‪Kalilah and Dimnah final.indd 42‬‬ ‫� ��‪ ���� ��:‬‏‪/�/‬‏��‬

‫ف�ضحك الذئب �ساخ ًرا‪..‬‬ ‫ها‪..‬ها هل ما زلت ت�صدق هذه الكذبة أ�يها ال�ساذج‪� ،‬إن ال�سماء لم‬ ‫ت�سقط أ�ب ًدا أ�يها الغبي‪ ،‬فاعطني قطعة من ذيلك اللذيذ‪ ..‬هيا‪.‬‬ ‫فاحتج تعاليبو وقال‪:‬‬ ‫‪ -‬إ�ذن فال�سماء لم ت�سقط؟؛ و أ�نت تطلب قطعة من ذيلي؟!‬ ‫‪ -‬قال (بولينياب)‪..‬‬ ‫‪ -‬نعم! �أهو لذيذ؟!‬ ‫ورد تعاليبو في غ�ضب‪..‬‬ ‫ولماذا لا ت أ�كل ذيلك؟ ما دمت قد خدعتني وجعلتني أ��صدق �أن ال�سماء‬ ‫قد �سقطت فعلى كل واحد �أن ي�أكل ذيله! وت�ساءل بولينياب‪..‬‬ ‫‪ -‬وهل هو لذيذ؟‬ ‫‪ -‬ال ب أ��س به‪..‬‬ ‫‪� -‬أهو ي�ؤلم؟‬ ‫‪ -‬ال‪ ..‬لا‪ ..‬جرب بنف�سك؛ وق�ضم الذئب ذيله ف�صرخ من الألم‪.‬‬ ‫‪� -‬إنه ي�ؤلم يا (تعاليبو) ي�ؤلم ج ًدا‪ ..‬ج ًدا‪ ..‬آ�ه لم �أكن �أعرف �أن‬ ‫أ��سناني قا�سية لهذه الدرجة ال�شنيعة‪ ،‬م�سكين ذلك ا ألرنب والله‪ ..‬فما‬ ‫العمل؟‪ ..‬قال (تعاليبو)‪..‬‬ ‫ ‪ -‬عليك �إذن أ�ن تلعب لعبة (هيا ن أ�كل الذيل اللذيذ)‪ ،‬ف�إنها تخفف الألم‬ ‫كثي ًرا‪،‬ولقدعلمتهاليثعلبة�ساحرةعجوز!!لكيتخفف�ألمالذيولالم�أكولة!‬ ‫‪ -‬و أ�خذ تعاليبو ي�شرح للذئب تلك اللعبة الطيبة التي �ستخفف أ�لمه‬ ‫وجوعه‪ ،‬فابتد�أ يو�ضح له أ�ن اللعبة تقت�ضي �أن يدور هو حول الحفرة‬ ‫و�أن على الذئب �أن يدور خلفه تما ًما و�أن ي�سرع كلما �أ�سرع هو ثم عليه‬ ‫�أن يقف م�ستن ًدا إ�لى الحائط عندما ي�صيح به‪ ..‬بال�ضبط عند النقطة التي‬ ‫ي�سمع فيها ال�صيحة و�أن يحاول الوقوف على ذيله و أ�ن يمد ج�سمه �إلى‬ ‫أ�على بقدر ا�ستطاعته‪.‬‬ ‫ثم قال له بجدية �شديدة‪:‬‬ ‫‪-‬والآن!لاتن�س‪-‬عندمات�سمعال�صيحةعليك�أنتقفحيث أ�نتبالطريقة‬ ‫التي و�صفتها ويجب أ�لا تن�سى �أن تجعل ذيلك ممدو ًدا ج ًدا وج�سمك م�شدو ًدا‬ ‫ج ًدا‪..‬ج ًدا‪..‬وابتد�أالثعلباللعبةف أ�خذيجريو(بولينياب)يفعلمثله‪.‬‬ ‫وانتبه (تعلبان) جي ًدا لما يجري‪ .‬وفهم ما يجب عليه عمله بال�ضبط!‬ ‫‪43‬‬ ‫‪Kalilah and Dimnah final.indd 43‬‬ ‫� ��‪ ���� ��:‬‏‪/�/‬‏��‬

‫ولما دار الاثنان دورة‪ ،‬ثم أ�خرى‪ ..‬ثم �صرخ تعاليبو عند نقطة‬ ‫معينة يبرز في أ�علاها نتوء �صخري ف�أ�سرع (بولينياب) يغم�ض عينيه‬ ‫ويقف مادا ذراعيه إ�لى �أعلى بقدر ا�ستطاعته وهو منفعل لاهث في نف�س‬ ‫الوقت الذي قفز فيه (تعاليبو) فوق كتفيه‪ ،‬ومد يده ليم�سك بكف تعلبان‬ ‫ال�صغيرة التي امتدت ت�صافحه وتهنئه بنجاته وهي ت�شده �إلى الخارج!!‬ ‫تم كل �شيء في لحظات‪ ،‬وعندما فتح الذئب بعدها عينيه ليجد نف�سه‬ ‫وحي ًدا‪ ،‬زمجر غا�ض ًبا مهد ًدا متوع ًدا خا�صة عندما جاءه �صوت تعاليبو‬ ‫الهادئ من خارج الحفرة قائلاً ‪:‬‬ ‫‪ -‬ال تغ�ضب يا �صديقي! ف�أنا لم أ�خدعك‪ ،‬ولم �أوهمك ب�سقوط‬ ‫ال�سماء‪ ،‬ويجب عليك أ�ن ت�شكرني على ا ألقل ألنني علمتك طريقة ت�ستطيع‬ ‫أ�ن ت�أكل بها ذنبك بدون أ�لم!!‬ ‫و�ضحك (تعلبان) وهو يحت�ضن رقبة والده الحبيب في اعتزاز!!‬ ‫فقال له تعاليبو وهو يناوله ما بقي من ن�صيبه في الوليمة‪:‬‬ ‫‪ -‬ال بد �أن �أمك غا�ضبة ا آلن لأنني لم أ�ق�ض ليلتي في البيت! ولا بد‬ ‫أ�ن (تعيلب) غا�ضب هو ا آلخر‪ ،‬فقد كان يريد أ�ن يلهو و أ�ن يلعب‪.‬‬ ‫فرد (تعلبان) وهو يحاول تقليد والده في الكلام والم�شي‪:‬‬ ‫يكفي �أننا ق�ضينا ليلة (ثعلبية) هائلة‪ ..‬فلا تهتم‪� .‬إن أ�ح ًدا لن يغ�ضب‪..‬‬ ‫وبالن�سبة ل (تعيلب) فلا بد أ�نه نائم يحلم بكل أ��سماك البحار البعيدة‪� ،‬أما‬ ‫أ�مي ف�إنها �سوف ت�ضحك كثي ًرا عندما أ�خبرها كيف علمت الذئب لعبة �أكل‬ ‫(ا ألذناب)!!و أ��سرع الاثنان �إلى البيت وهما ي�ضحكان‪.‬‬ ‫‪Kalilah and Dimnah final.indd 44‬‬ ‫‪44‬‬ ‫� ��‪ ���� ��:‬‏‪ �/‬‏‪��/‬‬

‫مذبحة الكتاكيت‬ ‫لم يكن (تعاليبو) ي�شتغل ليح�صل على طعامه ‪ ،‬كان ثعل ًبا وكان لا‬ ‫يحب العمل‪ .‬ف�صناعة الفخار �سوف تجعله ي�شتغل في الطين طوال الوقت‬ ‫وهو يحب أ�ن يكون نظي ًفا جميلاً ‪ ،‬و�صيد ال�سمك كان عملاً �صع ًبا فهو لا‬ ‫يعرف ال�سباحة ولا يحب النزول إ�لى الماء والمرات القليلة التي نزل فيها‬ ‫�إلى الماء كانت ب�سبب �شدة الحر أ�و التخل�ص من البراغيث‪..‬‬ ‫ولم يكن تعاليبو يحب جمع الثمار لأنه يع�شق اللحوم‪ ،‬ولم يكن‬ ‫ي�صنع الع�سل لأنه لي�س نحله‪ ،‬ولأنه لي�س نملة فقد كان ي أ�كل كل ما‬ ‫يح�صل عليه من طعام‪ ،‬ولم يعرف أ�ب ًدا أ�ن هناك طريقة أ�خرى للتعامل‬ ‫مع الطعام �سوى �أن ي أ�كله‪.‬‬ ‫وكان يتعجب لأن هناك من يحتفظ بجزء ولو �صغير من طعامه!‬ ‫و�إن كان يح�س في أ�حيان كثيرة ب�ضرورة �أن يفعل ذلك‪ ،‬خا�صة بعد أ�ن‬ ‫�أنجب �صغيرين لهما معدتان لا تحتملان ظرو ًفا �صعبة كالتي يمر بها هو‪،‬‬ ‫منذ نفد ال�سمك وبلغه تهديد (بولينياب) الذي ظل بالحفرة ليلتين كاملتين‬ ‫عقب تلك الليلة التي �سقطت فيها ال�سماء‪ ،‬حتى �أخرجه الدب بال�صدفة‪.‬‬ ‫لقد أ�ق�سم (بولينياب) ق�س ًما عظي ًما مقد�ًسا أ�ن يجبره على م�ضغ ذنبه �أمام‬ ‫كل حيوانات الغابة والأحرا�ش‪ ..‬وقد كان على (تعاليبو) أ�ن ي�أخذ تهديد‬ ‫(بولينياب) م أ�خذ الجد بعد كل ما حدث منه‪ .‬ولذلك فقد اكتفى بالبحث عن‬ ‫طعامه في المناطق البعيدة عن الغابة �إلى أ�ن تهد أ� ا ألحوال وتت�ضح المواقف‬ ‫خا�صة و�أن (بولينياب) التحق بخدمة ا إلمبراطور الجديد وذهب ليعي�ش في‬ ‫بلاطه الإمبراطوري و�أ�صبح له نفوذ لا يجب تجاهله‪.‬‬ ‫ولذلك عندما �سمع (تعاليبو) �صوت الديك ‪ -‬رق�ص قلبه من الفرح‬ ‫وقال ((لقد أ�كلنا و�شبعنا!)) وانطلق يجري ناحية ال�صوت‪ .‬وكان الديك‬ ‫ي�صيح وهو واقف فوق �شجرة عالية فاقترب منه وقال بل�سا ٍن ف�صيح‪:‬‬ ‫‪ -‬يا �صاحب ال�صوت الحنون العذب انزل لت�سمعني! لقد جئت‬ ‫إ�ليك بب�شرى عظيمة و�سارة انزل تعالى �إل ّي فاليوم عيد!‬ ‫وطب ًعا خاف الديك‪ ،‬ونظر �إلى الثعلب في �شك وريبة وكف عن‬ ‫ال�صياح على الفور و�صعد إ�لى غ�صن أ�كثر ارتفا ًعا‪ ..‬وقال الثعلب‪:‬‬ ‫‪ -‬ال تخف يا �صديقي! لقد ولى زمان الغدر وحل ع�صر ال�سلام‬ ‫‪45‬‬ ‫‪Kalilah and Dimnah final.indd 45‬‬ ‫� ��‪/���� ��:‬‏� ‏‪��/‬‬

‫وا ألمان أ�لم ي�صلك الخبر؟ أ�لم تعرف ماذا تم في ا ألمر؟‬ ‫�س أ�ل الديك في �شك‪:‬‬ ‫‪ -‬أ�ي �أمر؟‬ ‫ف�ضحك الثعلب وتظاهر بالأ�سف قائلاً ‪:‬‬ ‫ ‪ -‬قلت لك أ�لف مرة من قبل تعال وع�ش معنا في الغابة‪ ،‬فهذه‬ ‫الحقول لي�ست مكا ًنا للطيور الطيبة‪ ،‬ولا للديكة الأخيار ف أ�نتم هنا لا‬ ‫تعرفون الأخبار ولا ت�صل �إليكم جرائد الغابة ولا كتب المطابع‪ ،‬عمركم‬ ‫هنا �ضائع يا �صديقي‪� ،‬ضائع‪ .‬رد الديك وهو لا يفهم تما ًما ‪ -‬ماذا يريد‬ ‫الثعلب بال�ضبط‪.‬‬ ‫‪ -‬أ�نا �شخ�ص ًيا هنا في أ�مان؟!‬ ‫ف�صاح الثعلب‪:‬‬ ‫‪ -‬كيف يا �أخي؟ انظر بنف�سك‪ ،‬أ�نك لا تعرف الأخبار الجديدة‬ ‫ال�سعيدة �إنك لا تعرف ماذا جرى للدنيا‪ ،‬وتظن أ�نك في �أمان ألنك فوق‬ ‫ال�شجرة‪ ..‬مع �أن ا ألمان �أ�صبح في كل مكان كان على ا ألر�ض!‬ ‫ف�س أ�ل الديك وهو يتعجب‪:‬‬ ‫ ‪ -‬و أ�نت‪ ..‬كيف يكون ا ألمان معك؟‬ ‫ ‪ -‬معي أ�نا؟!‪ ..‬أ�نا أ��صبحت �صديقك ؛ ف�أمان يا ديك الزمان‪ .‬لقد‬ ‫�صدرت أ�وامر إ�مبراطورنا العزيز‪ ،‬أ�طال الله لبدته‪ ،‬و�أعلى زئيره‬ ‫وزاد من هيبته‪ ،‬لقد أ��صدر �أوامره الملكية لكل الحيوانات‪� :‬أن تعي�ش م ًعا‬ ‫في ((تبات ونبات))‪ ..‬كالأخوات و�أكثر! فلا الذئب ي�ستطيع بعد اليوم‬ ‫التهام الخروف‪ ،‬ولا الثعلب يجر ؤ� على أ�ن ي�ؤذي ‪ -‬كتكو ًتا! دون إ�ذن‬ ‫الأ�سد العظيم ( أ�بو لبدة المده�ش)!!‬ ‫قال الديك‪:‬‬ ‫ ‪ -‬دون إ�ذن؟!‪ ..‬و�إذا ح�صل على الإذن؟‬ ‫فطم�أنه الثعلب‪:‬‬ ‫‪ -‬ال تخف‪ ،‬فالح�صول على ا إلذن أ��صبح �صع ًبا ج ًدا ج ًدا‪ ،‬الأمر‬ ‫لم يعد فو�ضى كالأيام الما�ضية‪ ،‬إ�ن الثعلب الذي يريد أ�ن يلعب بري�شة‬ ‫دجاجة ‪�-‬أن يلعب فقط‪ -‬عليه أ�ن يقدم طل ًبا �إلى الملك �شخ�ص ًيا و�سوف‬ ‫يحوله الملك إ�لى لجنة الافترا�س العليا لدرا�سته‪ ،‬و�ستمر �أيام طويلة حتى‬ ‫ي أ�ذن الملك بذلك و�أنت تعرف أ�ي غباء �ستكون عليه اللجنة ما دام رئي�سها‬ ‫‪46‬‬ ‫‪Kalilah and Dimnah final.indd 46‬‬ ‫� ��‪/���� ��:‬‏� ‏‪��/‬‬

‫هو (بولينياب) ألنه غبي و�سيعطل كل �شيء طب ًعا‪.‬‬ ‫فقال الديك �ساخ ًرا‪:‬‬ ‫‪ -‬ولكنه �سي أ�ذن وال�سلام‪..‬‬ ‫فتجاهل تعاليبو �سخرية الديك وقال‪:‬‬ ‫ ‪ -‬المهم �أنه �سيمر وقت طويل ج ًدا ننعم فيه بال�سلام م ًعا! وبالكلام‬ ‫م ًعا تحكي لي و�أحكي لك‪ ،‬وي�صادق بع�ضنا البع�ض و�أق�سم لك أ�نني‬ ‫مررت في طريقي إ�ليك‪:‬‬ ‫بحمار يرق�ص مع �ضبع‪..‬‬ ‫وزراف ي�ضحك مع �سبع‪..‬‬ ‫وخراف ت�شرب من نبع‪..‬‬ ‫يحر�ســـها نمر وذئاب‪..‬‬ ‫فانزل يا ديكي لا تخ�شى‪..‬‬ ‫فانزل يا ديكي لا تخ�شى‪..‬‬ ‫�شعبان أ�نا لن �أتع�شى‪..‬‬ ‫انزل كي نرق�ص نتم�شى‪..‬‬ ‫في ال�سهل كخير ا أل�صحاب!!‬ ‫و�أخذ الديك يفكر‪ ..‬لقد كان الثعلب يغني ب�صوت عذب يتنافى مع‬ ‫أ�ي كذب ويرق�ص حول ال�شجرة بطريقة جذابة لا توحي ب أ�ي خداع‪،‬‬ ‫ولكن بع�ض ال�شك كان ما يزال بقلبه بالن�سبة لهذا الثعلب الذي قتل المئات‬ ‫من أ�هله وع�شيرته‪ ،‬حتى جاءته فكرة ليختبر �صدق كلامه فقال‪:‬‬ ‫غنا�ؤك جميل‪ ،‬ورق�صك �أجمل! و�س أ�نزل حا اًل �إليك ف إ�نني �أح�س‬ ‫�أن الحيوانات والطيور خلقت اليوم من جديد‪ ،‬و أ�نا مت أ�كد أ�نه منذ اليوم‬ ‫�سيبد�أ العهد ال�سعيد الذي �سيعي�ش فيه �سكان الحقول والغابات �أف�ضل من‬ ‫الأخوات‪ ،‬نعم �س أ�نزل حا ًال وخا�صة لأنني �أرى بع�ض �أ�صدقائي قادمين‬ ‫لي�شاركوننا فرحتنا بال�سلام و أ�ظن �أنه �سيكون جميلاً أ�ن تنهي ما بينك‬ ‫وبينهم من خ�صام و أ�ن تبد�أ معهم ع�صر الوئام‪ .‬ف�س أ�ل الثعلب وقد بد أ�‬ ‫ال�شك ي�ساوره‪..‬‬ ‫ ‪ -‬ومن ه�ؤلاء الأ�صدقاء يا أ�عز الأ�صدقاء‪..‬‬ ‫فرد الديك دون اهتمام‪..‬‬ ‫‪ -‬كلبان فقط! �أحدهما هو ذلك الكلب الأ�سود حار�س ا ألغنام‪،‬‬ ‫‪47‬‬ ‫‪Kalilah and Dimnah final.indd 47‬‬ ‫� ��‪ ���� ��:‬‏‪ �/‬‏‪��/‬‬

‫�ساب ًقا طب ًعا!! ألن ا ألغنام في الع�صر الجديد لن تحتاج حرا�ًسا‪.‬‬ ‫وارتجف قلب الثعلب و�سقط في قدميه فقد كان يعرف ق�سوة أ��سنان‬ ‫ذلك الكلب معرفة جيدة‪ ..‬فقال متظاه ًرا بالهدوء‪:‬‬ ‫‪ -‬أ�خ�شى يا �صديقي أ�نني لن �أنتظر ح�ضورها ف�أنا جئت فقط لأبلغك‬ ‫ا ألخبار‪ ،‬وعليك أ�ن تبلغهم أ�نت ف�إنهم يثقون بك أ�ما �أنا فلا وقت لدي ألن‬ ‫عل ّي �أن �أن�شر الأخبار في منطقة وا�سعة ج ًدا‪..‬‬ ‫و�ضحك الديك قائلاً ‪:‬‬ ‫ ‪ -‬انتظر يا �صديقي فما �أجمل �أن تبلغهم بنف�سك ا ألخبار ال�سعيدة!!‬ ‫وهنا خيل للثعلب �أنه �سمع نبا ًحا ي أ�تي من بعيد‪ -‬فانطلق كال�سهم هار ًبا‬ ‫وهو ي�صيح‪ -‬لا تظن �أنني أ�خافهم‪ ،‬لم يعد للخوف مكان هنا بعد الآن‬ ‫ولكنني �أف�ضل �أن أ�عود ومعي خطاب ر�سمي من الملك فقد لا ت�صدقني‬ ‫الكلاب؛ ف أ�نت تعرفهم‪� ،‬إنهم لا ي�صدقون الثعالب‪..‬‬ ‫ولم يتوقف الثعلب عن الجري �إلا عندما كفت �أذناه عن التقاط‬ ‫�صوت النباح واطم أ�ن أ�نه في �أمان‪ ،‬فجل�س حزي ًنا ل�ضياع ذلك الديك‬ ‫ال�شهي من بين يديه‪ ..‬وقال لنف�سه‪�(( ..‬آه من تلك الكلاب اللعينة ما‬ ‫فائدتها؟ ولماذا خلقت أ��صلاً ؟‪ ..‬ولماذا لم تت�أخر دقيقة واحدة أ�خرى لقد‬ ‫كنت على و�شك �إقناع الديك ب�صدق نواياي وطيبة قلبي و�إنني أ��صبحت‬ ‫�أعز �صدي ٍق له))‪.‬‬ ‫ولم يكن تعاليبو ب�سبب ابتعاده عن الغابة يعرف أ�ن الإمبراطور‬ ‫الجديد ( أ�بو لبدة المده�ش) قد �أ�صدر �أوامره فعلاً أ�ن ي�صبح الحيوانات‬ ‫جمي ًعا أ�خوه و أ�نه قد قرر أ�لا يلتهم القوى ال�ضعيف‪� ،‬أو ي�أكل الكبير‬ ‫ال�صغير‪� ،‬إلا ب�إذنه �شخ�ص ًيا‪ ،‬وفي حدود قانون الافترا�س والانتخاب‬ ‫الطبيعي ولم يكن يدري �أن ا�ستعرا ً�ضا كبي ًرا كان يجري في نف�س تلك‬ ‫اللحظة أ�مام عرين الأ�سد لت�أكيد ال�صداقة والأخوة بين جميع الحيوانات‬ ‫وقد �سارت الخراف جن ًبا إ�لى جنب مع الذئاب بل وحمل فيه نمر منقط‬ ‫أ�رن ًبا رماد ًيا‪ ..‬و�سمح فيه النمر المخطط لغزالة أ�ن تعبث ب�شاربه‪..‬‬ ‫لم يكن الثعلب يدري �أن ما فكر فيه كطريقة لخداع الديك قد �أ�صبح‬ ‫حقيقة!! ولم يكن من الممكن أ�ن ي�صدق وهو الماكر الغادر أ�ن هذا الأمر‬ ‫العجيب الغريب يمكن أ�ن يحدث لولا أ�نه �سمع مناد ًيا ي�صيح‪:‬‬ ‫‪48‬‬ ‫‪Kalilah and Dimnah final.indd 48‬‬ ‫� ��‪ ���� ��:‬‏‪/�/‬‏��‬

‫يا �أهل الغابة والأدغال‪..‬‬ ‫اليوم تغيرت الأحوال‪..‬‬ ‫النمر يلاعب أ�رنب ًة‪..‬‬ ‫والفرخة تركب ثعلب ًة‪..‬‬ ‫والفيلة يركبها الأطفال‪..‬‬ ‫ا أل�سد المده�ش قد �أ�صدر‪..‬‬ ‫�أم ًرا لجميع رعيت ِه‪..‬‬ ‫لا يزعق نم ٌر أ�و يز�أر‪..‬‬ ‫�أ�س ٌد في وجه �ضحيت ِه‪..‬‬ ‫والأ�صغ ُر لا يخ�شي ا ألكب َر‪..‬‬ ‫فالكل بمنزل إ�خوت ِه‪..‬‬ ‫وها�ص الثعلب‪ ..‬وزاط؟؟ و�أخذ يحدث نف�سه قائلاً ‪:‬‬ ‫‪� -‬إن هذا غريب‪ ،‬ولا يمكن �أن يحدث‪ ،‬ولكنه حدث‪� ،‬إن هذا‬ ‫م�ستحيل لا ي�صدق‪ ،‬وها هو القرد المنادي يقوله بل�سانه ويعلنه ب أ�على‬ ‫�صوته ‪ -‬والقرد هو ر�سول الملك الر�سمي ‪ -‬يحمل طبل العرين الذهبي‬ ‫ويدق عليه! إ�ذن لا بد �أن هذا �صحيح وهو �صحيح ج ًدا‪..‬‬ ‫((اب�شر يا تعاليبو‪ ،‬فقد ح�صلت على الديك بل و�أهل بيته جمي ًعا من‬ ‫كتاكيت لذيذة))‪.‬‬ ‫((فلن تجد خي ًرا من كلام الملك‪ ،‬ولا أ��صدق من ر�سول الملك وهكذا‬ ‫�سي�صدقك الديك الآن‪))..‬‬ ‫(( ألنه �سي�سمع ر�سول ا أل�سد ب أ�ذنيه‪ ،‬نراه بعينيه‪ ..‬فهيا يا تعاليبو‬ ‫إ�لى العمل!!))‪.‬‬ ‫((فقانون ا أل�سد الجديد لل�صداقة بين الحيوانات قد فتح أ�مامك أ�بواب‬ ‫ا ألمل‪ ،‬هيا )) ‪.‬‬ ‫‪ -‬ولم ي�ضيع تعاليبو وقته بل أ��سرع وارتدى حلته الر�سمية التي يذهب‬ ‫بها �إلى العرين في الأعياد‪ ،‬وحمل كتا ًبا �ضخ ًما مكتو ًبا بلغة غريبة لا تعرفها‬ ‫الحيوانات �أو الطيور‪ ،‬وم�ضى �إلى الديك بعد ت أ�كده �أن ر�سول الملك قد مر‬ ‫به و�أن الخبر قد �سرى في المنطقة كلها‪ ،‬و أ�حدث ا ألثر المطلوب‪..‬‬ ‫ولما و�صل كان الديك وزوجاته وكتاكيته ال�سبعون يرق�صون‬ ‫فرحين حول ال�شجرة‪ ،‬ترحي ًبا با ألنباء ال�سعيدة الجديدة واطم�أن الثعلب‬ ‫‪49‬‬ ‫‪Kalilah and Dimnah final.indd 49‬‬ ‫� ��‪ ���� ��:‬‏‪/�/‬‏��‬


Like this book? You can publish your book online for free in a few minutes!
Create your own flipbook