Important Announcement
PubHTML5 Scheduled Server Maintenance on (GMT) Sunday, June 26th, 2:00 am - 8:00 am.
PubHTML5 site will be inoperative during the times indicated!

Home Explore جدلية الانا و الذات فى ثلاثية #سمير_عبد_الباقي

جدلية الانا و الذات فى ثلاثية #سمير_عبد_الباقي

Published by ashrafsamir222, 2020-03-20 18:21:39

Description: جدلية الانا و الذات فى ثلاثية #سمير_عبد_الباقي

Keywords: جدلية الانا و الذات فى ثلاثية #سمير_عبد_الباقي

Search

Read the Text Version

‫‪101‬‬ ‫)أبي وأبو نضارة وأبو نب اروي( كانوا أعضاء وزملء في مجلس إدارة جمعية )ميت سلسيل( الز ارعي ة ال ذي‬ ‫انتخب مع تأسيسها الول قبل الحرب ‪ .‬برئاسة )حسين بك عاشور( أغنى رجل في قريتنا ‪ ،‬والذي ك ان يمل ك عزب ة‬ ‫خارج زمام القرية تبلغ حوالي مائتي فدان قطعة واحدة ‪ ..‬ولم يسقط ذلك المجلس إل عندما جاء )الوفد( إل ى الحك م‬ ‫عام ‪ . 1950‬لوان كان )أبي( والشيخ )محمد أبو نب اروي( قد أطخرجا منه مع بقي ة العض اء الوف ديين المنتمي ن إل ى‬ ‫)علو البلد( ‪ ،‬عندما تولى النقراشي الوزارة بعد الحرب ؛ حيث اقتصرت العضوية على العضاء من )واطي البلد( ‪..‬‬ ‫وكان )أب و نض ارة( ه و الوحي د م ن )عل و البل د( ال ذي ظ ل س كرتيًار ب المجلس ل ولئه الش ديد )لحس ين ب ك( وبس بب‬ ‫العلق ة المتين ة بينهم ا ‪ ،‬اس تطاعا احتك ار إدارة الجمعي ة لحس اب )حس ين ب ك( طب ًع ا ‪ ،‬وه و ب دوره أطل ق ي د )أب و‬ ‫نضارة( في الشئون الدارية والمالية دون حسيب أو رقيب )ولهذا حديث طويل آت عندما تنش ب المعرك ة التاريخي ة‬ ‫الك برى بس بب الجمعي ة ف ي منتص ف الخمس ينيات وال تي س تظل علم ة فارق ة ف ي فش ل المس ار ال ديمق ارطي للث ورة‬ ‫المصرية( !!‬ ‫ويتجلى مما سبق قلة الستباقات إلى حد كبير وذلك حرصاً من سمير عبد الباقى على المسار الروائى أكثر من‬ ‫الت ازمه بالمسار السير ذاتى‬ ‫سرعة النص ‪:‬‬ ‫‪ -1‬التلخيص‬ ‫التلخيص أو الثغرة أو الخلصة ي أن مرور الكاتب السريع على فت ارت زمنية ليرى أنها جديرة بالهتمام‪ .‬أي‬ ‫أن يكون زمن القصة أطول من زمن الخطاب وتتصف الخلصة أو التلخيص بالضيق ومحدودية المكان الذي تحتله‬ ‫على خارطة النص الحكائي إذ ل تتجاوز بضعة أسطر أو قد يوجز بكلمات قليلة وذلك \"بسبب طابعها الخت ازلي‬ ‫الماثل في أصل تكوينهاوالذي يفرض عليها المرور سريعاً على أحداث‪ ،‬وعرضها مركزة بكامل اليجاز‬ ‫والتكثيف\")‪.(132‬‬ ‫ويلعب التلخيص وظائف عديدة في النص الحكائي هي‪:‬‬ ‫‪ -1‬المرور السريع على فت ارت زمنية طويلة‪.‬‬ ‫‪ -2‬تقديم عام للمشاهد والربط بينها‪.‬‬ ‫‪ -3‬تقديم عام لشخصية جديدة‪.‬‬ ‫‪ -4‬عرض الشخصيات الثانوية التي ل يتسع النص لمعالجتها معالجة تفصيلية‪.‬‬ ‫‪ -5‬الشارة السريعة إلى الثغ ارت الزمنية وما وقع فيها من أحداث‪.‬‬ ‫‪ -6‬تقديم السترجاع)‪.(133‬‬ ‫‪ () 132‬خطاب الحكاية ‪10:9‬‬ ‫‪ () 133‬بناء الرواية‪.56 :‬‬

‫‪102‬‬ ‫فى ولهم يحزنون‪ :‬حين يحدثنا الكاتب عن مولد سالم‪ ،‬ويلخص لنا الوضع السياسى ل فى القرية وحدها‪ ،‬بل‬ ‫الوضع القومى والعالمى ‪:‬‬ ‫\"الملك يعزل حكومة الوفد ويترفد الشيخ مقبل من العمودي ة ونقس م البل د واورب ا تغل ى وبش ائر الح رب‬ ‫تدق البواب بقوة هتلر يحرق ال اريخستاغ ويستولى على سدة الحكم فى ألمانيا ويهدد ويهز صدر الرض\"‬ ‫\" وك ان مص ير الول د الث انى مرتب ط م ن اللحظ ة ذاته ا بك ل ه ذه المص ائب والم رض والتع ب والزم ة‬ ‫القتصادية تتحالف جميعه ا لتس د الطري ق علي ه وعل ى البيض اء الحل وة ال تى يجه دها الحم ل‪ ،‬ويأك ل قل ب س ى‬ ‫عب ده مرعوب ا أن يض يع بس ببه ك ل ماحس ده الن اس علي ه‪ ،‬وتتح الف علي ه تهدي دات هتل ر وتحالف ات س تالين‬ ‫ومناو ارت البلقان فمل قلبه الحساس أن الولد القادم سيكون نحساً‪\".‬‬ ‫وميلد البطل يذكرنا بميلد أبطال الملحم والسير الشعبية‪ ،‬حيث يكون مولده عسي اًر مرتبطا بأحداث‬ ‫جسام‪:‬‬ ‫لتنف ع الحجب ة ول العم ال ول ح تى وص فات الدوي ة ف ى التخفي ف م ن م رض الم الحام ل وتزي د‬ ‫المور وط أة م ع تهدي دات النجلي ز للمل ك بس بب علق اته اليطالي ة‪ ،‬واحتج اج الوف د عل ى تعيي ن عل ى م اهر‪،‬‬ ‫وطموح الملك أن يكون خليفة للمسلمين ‪..‬لم يكن قدوم هذا الولد يوحى بأى خير\"‬ ‫وف ى زم ن الزن ازين‪ :‬يحك ى الك اتب ع ن س نوات س بعة قب ل س جنه‪ ،‬وه ى س نوات مابع د الث ورة ملخص اً أه م‬ ‫الحداث التى جرت على أرض مصر‪ ،‬ويكاد يسيطر على الحديث الطابع المقالى إل من بعض المفردات التى‬ ‫تنقذ الحكى من ش ارك المقال السياسى‪:‬‬ ‫\"سبع سنوات مرت وما ازلت الحداث العجيبة والوقائع الغريبة تجري بعد طرد الملك‪ .‬طوسزعت أطي ان الباش وات‬ ‫والعيان عل ى الفلحي ن ‪ ،‬أطعلن ت الجمهوري ة ‪ ،‬وانقل ب معلنوه ا عل ى رئيس ها الول ؛ قائ د الحرك ة ال ذي ألغ ى‬ ‫اللقاب وحل الح ازب ‪ ،‬واختف ى بع ده ب النفي بعض هم ‪ ،‬وض اع آخ رون ف ي دخ ان الحش يش والنس وان ‪ ،‬و طغسي ب‬ ‫كثيرون في السجون ‪ ،‬وآخرون بالغتيال ‪ ،‬أو بتحديد القامة ؛ حتى غاب إلى النسيان أكثر م ن ثل ث أعض اء‬ ‫مجل س القي ادة ‪ ،‬وأك ثر بك ثير م ن نص ف الض باط الح ارر ؛ ع بر سلس لة م ن النقلب ات والنقلب ات المض ادة‬ ‫الص امتة والس رية والعلني ة ‪ .‬و طش نق )خمي س( و)البق ري( ف ي مي دان ع ام وأم ام جم وع أه اليهم نس اء وأطف الً‬ ‫ورجالً من العمال ؛ في حادث لم تشهد له مصر مثيلً إل على يد النجليز قبلها بنحو نصف قرن ‪.‬‬ ‫وأطسممت قناة السويس ‪ ،‬و طعقدت صفقة السلح الروس ي ‪ ،‬واع ترف )الح ارر( بالص ين الش عبية ‪ ،‬وأص بحت‬ ‫باندونج ظاهرة تبشر بعالم جديد ‪ ،‬بعد أن أطع دم ق ادة الخ وان المس لمين‪ (...).‬وأطلق ي إل ى النس يان زعي م الم ة‬ ‫)مصطفى النحاس(‪ .‬وأنشئت هيئ ة التحري ر ‪ ،‬وأطعي د تنظي م أجه زة الم ن الق ومي عل ى ي د اله اربين م ن ض باط‬ ‫الجستابو ‪ ،‬والمغامرين من ض باط المخ اب ارت المريكي ة ‪ .‬وظه ر اتح اد العم ال بقي ادة أبط ال انقلب ‪ 54‬؛ بع د‬ ‫أن أطجه ض ميلده الش رعي بحري ق الق اهرة عل ى ي د المل ك والس تعماريين ‪ ،‬وفطص ل أك ثر م ن مئ تي أس تاذ م ن‬ ‫الجامعة التي طوضعت ‪ -‬بعد تنظيمها ‪ -‬تحت رعاية المن مباشرة ؛ تح ُسًبا لشغب الم ارهقين ‪\".‬‬

‫‪103‬‬ ‫يض طر الك اتب بك ل تأكي د إل ى وص ف الحال ة السياس ية ولك ن بحك م أن ه ج زء م ن التاري خ النض الى لليس ار‬ ‫المص رى يص بح وجوده ف ى سياق الس رد ف اعلً‪ ،‬فيتحول هن ا إل ى اروى عضوى أى مش ارك ف ى الح دث وب ذلك يجع ل‬ ‫السرد أكثر دينامية فل يفلت منه القارىء‪:‬‬ ‫\"عقدنا اجتما ًعا ‪ ،‬وقمنا بتشكيل سكرتارية ثلثية بعد إعادة ضم التشكيلت الثلثة في قسم واحد لضمان س رعة‬ ‫وديناميكية الحركة ‪ .‬وغلبت على الجتماع رغبة عارمة للقيام بعمل سريع للرد على خطب )عب د الناص ر( المعادي ة‬ ‫والمحرضة للجماهير على الشيوعيةوالشيوعيين ‪ ،‬والتي كانت تزداد حدة وتتصاعد ف ي هس تيرية بع د اتس اع اله وة‬ ‫بينه وبين )التحاد الس وفييتي( وحكوم ة )الع ارق(‪ (...) .‬وك انت ش تائم )عب د الناص ر( وانكش اف ال وجه المع ادي‬ ‫للديمق ارطية بهذا السفور الفجواتهامنا بالعمالة مباشرة للسوفييت ‪ -‬الذين وقف وا مع ه ف ي الع دوان الثلث ي وزودوه‬ ‫بالس لح ب ل وس اندوه ف ي معرك ة ت أميم القن اة لبن اء الس د ف ي مواجه ة مباش رة م ع )أمريك ا( ‪ -‬ق د وض عتنا نح ن‬ ‫المتهمين بأننا عملء لسلطة )عبد الناصر( الوطني ة ف ي موق ف ض عيف للغاي ة أم ام رف اق )التكت ل( وأم ام قواع دنا‬ ‫الطلبية نفسها ؛ بل وأمام أنفسنا ‪ .‬ولم يكن ما يج ري عل ى مختل ف الص عدة ي وحي باحتم ال قري ب لنف ارج الزم ة‬ ‫بين ما يمكن أن يكون حلف الجبهة الوطنية بين الشيوعينوالقوميين ‪\"..‬‬ ‫وأحياناً ليستطيع الكاتب الهروب من فكاك الطابع المقالى‪ ،‬فهو فى معرض الحديث عن انقسام الحزب‬ ‫يوضح ل مدى الضطهاد الذى تعرض له على يد النظام الناصرى‪ ،‬بل بداية سقوط رموز اليسار‪ ،‬وهى مقدمة مهمة‬ ‫يمكن للقارىء أن يفهم منها مالم يتعرض له النص‪ ،‬فسوف فيقدم هؤلء على حل تنظيماتهم توطئة للندماج في التنظي م‬ ‫الطليعي‪ 134،‬وفى ذلك يقول الكاتب‪:‬‬ ‫\"الك ل ك ان ض د الخ ط السياس ي للح زب )النقس ام( ؛ خاص ة والحمل ة ض د الش يوعية ت زداد س عاًار بع د أح داث‬ ‫)الموصل ‪ -‬انقلب الشواف( ‪ .‬وكنا قبل هذا بفترة قد فوجئنا بوصول بيان من السجن في أكثر من عشرين ص فحة‬ ‫بتوقي ع )إب ارهي م عب د الحلي م( ‪ ..‬عل ى ص ورة خط اب م و َجه ل )جم ال عب د الناص ر( ‪ ..‬يلق ي بالمس ئولية كله ا عل ى‬ ‫عاتق التصرفات الخاطئةوالممارسات الطفولية اليسارية التي ل تستوعب ظروف المرحلة ‪ ،‬ويدعونا لض بط النف س‬ ‫و أرب الصدع وتوحيد الصفوف ‪ ..‬وكأننا المس ئولون ع ن ك ل م ا ح دث ‪ ..‬وف ي نهاي ة البي ان ي دعو البط ل المع ادي‬ ‫للس تعمار )جم ال( لطلق س ارح المعتقلي ن إظه اًار لحس ن النواي ا‪ .‬ول م يتع رض البي ان لت ازي د الس عار المع ادي‬ ‫للديمق ارطية ‪ ..‬وازدياد الروح النتقامية الم اردفة دائ ًما لحط ما في غلسو التعصب القومي من غباء‪\".‬‬ ‫وفى السجن يلخص لنا أحداثاً مهمة تحدث خارج السوار لكن لها تأثير قوى على السجن نفسه‪ ،‬والتلخيص‬ ‫هنا له علقة بانع ازله عن العالم‪ ،‬وعدم قدرته على متابعة الج ارئد وتفاصيل الحياة السياسية والجتماعية خارج‬ ‫السجن فيجمع الخبار مرة واحدة‪:‬‬ ‫\"وقد حدثت أحداث كثيرة خلل تلك الفترة لم يكن لها تأثير مباشر على الحي اة ف ي الس جن ‪ ،‬ولك ن بعض ها‬ ‫حرك مشاعري وأثار شجوني ؛ مثل حكاية )جاجارين( ال تي ملتن ي فخ ًار بانتص ار الش ت اركية القري ب وخفف ت ك ثيًار‬ ‫من أح ازني ‪ .‬عندما ق أرت عن زيارة )ناظم حكمت( إلى مصر ‪ ..‬وأنا عاجز أن أ اره وهو أحد الملهمين ال ذين ملتن ي‬ ‫‪ 134‬سيأتى في بيان حل الحزب الشيوعي المصري ) مارس ‪ \" ( 1965‬إن حقائق عصرنا قد جعلت طبقات وفئات أوسع‬ ‫من الطبقة العاملة تتبنى أهداف البناء الشتراكي ومن هنا ففي عدد محدد من البلد تطرح اليوم بالضرورة قضية حزب‬ ‫ثوري طليعي ل يتقيد بالطار التقليدي للحزب الشيوعي \"‬

‫‪104‬‬ ‫أشعارهم حما ًسا ودفعتني إلى التمادي إلى أقصى مدى ‪ ،‬في الندماج السياس ي والنحي از إل ى الفق ارء والمقه ورين‬ ‫بشكل فيه من المبالغة الكثير ‪ ،‬وال ذي بل غ أقص ى الح زن والغض ب عن دما وص لني خ بر مقت ل )ش هدي( ف ي إح دى‬ ‫حفلت الستقبال )التشريفة( في )‪ (15‬يونيو )‪ (60‬على أبواب الوردي ‪ ،‬وبيد زباينة النظام ؛ مما مل قلبي حق ًدا‬ ‫وغضًبا لم تستطع أن تخفف منه ق ار ارت )يوليو ‪\"(61‬‬ ‫وقد يلجأ للتلخيص حين يتعرض لنقطة سبق وتحدث عنها فى عمل آخر‪ ،‬فحكاية الجمعية الزراعية‬ ‫تكررت فى كل أعماله السيرية‪:‬‬ ‫\"كن ا ف ي ع ام )‪ (58‬ذل ك الع ام ال ذي تفج ر في ه الش عور ال وطني الج ارف بالوح دة بي ن مص ر وس وريا ‪..‬‬ ‫ومقاومة حلف بغدادوالتصدي لمشروع أيزنهاوروالوقوف ضد غزو لبنان‪ .‬كل ذلك ل م يش فع عن ده لقري ة يتيم ة أن‬ ‫تنتخب مجلس إدارة جمعيتها الز ارعية انتخاًبا حًار مباشًار ‪ ..‬فظل يسعى طول الوقت لس تبدال المجل س ب التوافق أو‬ ‫بالت ارضي تحت حجج ومبر ارت ل أنزل ال بها من سلطان ‪ ..‬ولما رضخ أخيًار ‪ ..‬ل اردة الفلحينوالطلبة ‪ ..‬اض طر‬ ‫لجراء النتخابات ‪ .‬ووسط حماس كبير نجح المجلس ال ذي اخت اره الن اس ‪ .‬وخرج ت البل دة كله ا تهت ف للعض اء‬ ‫العشرة الجدد بفخر المنتصرين ‪\"..‬‬ ‫أما فى موال الصبا فى المشيب‪ :‬يبدأ بتلخيص سيرة حياته كاملة‪،‬وعادة ماتكون افتتاحيات سمير عبد الباقى‬ ‫تلخصيا يمتد منذ الميلد حتى لحظة الكتابة لتاريخ شخصى وعام‪ ،‬حيث تمتزج انكسا ارته بانكسا ارت الوطن‪ ،‬ولكن‬ ‫المدهش فى افتتاحية الموال أنها تلخيص حاد لسيرة الحياة‪ ،‬فيبدأ النص باعت ارفه بالهزيمة‪ ،‬ويعطينا فكرة بانو ارمية عن‬ ‫اله ازئم الشخصية والوطنية‪ ،‬فالنص يبدأ من لحظة آنية لكنه مثقل ب الكثير من اله ازئم الشخصية التى تمت د لسبعين‬ ‫عاما ويختتم تلك المقدمة بقوله‪:‬‬ ‫قول مثلما قالت أمك ‪) ..‬خايب بلده خايب بلد الناس( ‪ ..‬لوان اللي سرق عيني عين ك م ن تح ت لتح ت ‪..‬‬ ‫أكيد يسمح لنفسه يخطف الكحل م ن عي ون اليت ام ‪ .‬عين ي عين ك أي ًض ا ‪ -‬لك ن م ن ف وق لف وق ‪ ..‬بع د م ا انكتب ت‬ ‫أس امينا ف ي كش وف العملء ‪ ،‬واتف َرق د سمن ا بي ن )البنت اجون( و)الكريملي ن( ونفين ا )مي ت سلس يل( م ن التاري خ ‪،‬‬ ‫وبعنا )بولق( و)دقهلة( لحساب بورصة )مجموعة روما( وتجار ورق الدشت الممي !!‬ ‫لذا كان مكتوب ومقدر حتمي أن يتحول )كفاح الشعب المص ري( والطبق ة العامل ة ‪ -‬اس م ال علي ه وعليه ا‬ ‫‪ -‬لمطبع ة مس روقة ‪ ،‬وح زب معف ن وفيلل ف ي الهض بة الوس طي ‪ ،‬وقص ر ف )مارين ا( وع زب وم ازرع حديث ة ف ي‬ ‫الرض البكر على امتداد الخ ط الث وري م ن )س ينا( )ل وادي النط رون( ق وم ‪ ..‬ف ّز ‪ ..‬اس تغفر الك ل واستس محهم ‪،‬‬ ‫يمكن تلح ق نص يب ف ي حزنه م ويع ذروك ‪ ..‬ويس امحوك ف ي حقه م علي ك ‪ ،‬وذنب ك يغف روه ‪ .‬لن ك ص دقت تخ اريف‬ ‫)الش يخ الخش ان( و)اب ن عب د رب ه( و)ف ؤاد ح داد( و)أب وك س لّيم( ‪ ..‬الل ي دهس تها ب وابير الح رت ال تي بع ث به ا‬ ‫)السادات( لتستولي على أرض )الدومين( وتدفن )طيور ابو الخضير( تح ت عوامي د أس منت ك وبري القن اة وجم رك‬ ‫بورسعيد ‪ ،‬تنفيًذا لتفاقية الكامب ‪ ..‬ويقيم على أحدث طرق الديمق ارطية‪ ،‬التلت منابر العجيبة الل ي ح تنق ذها م ن‬ ‫مصير العالم التالت ‪ ،‬مرهونة بشيكات صندوق النقد الدولي‪ ..‬واللي مسككنتطه أن يضاعف منح تفرغ الدب اء والفن انين‬ ‫‪ -‬من أجل بناء مصر العصرية!‬ ‫وفى موال الصبا فى المشيب سبق أن أشرنا كيف استخدم التك ارر لتلخيصربع قرن من الزمان‪ ،‬وفى حوا ارت‬ ‫النا مع الذات يلجأ للتلخيص مرة أخرى عند الحديث عن أح ازن الوطن‪ ،‬والقضية الفلسطينية‪ ،‬وتغير وتلون الرفاق‬

‫‪105‬‬ ‫الشيوعييين‪،‬واتفاقية السلم‪ ،‬وكلها متغي ارت تمنعه عن السترسال فى الحكى‪ ،‬مثلما تجعله ليعتقد بأهمية كتابته أو‬ ‫أنها ستجد قارئا حقيقيا‪:‬‬ ‫\" لم تعد هناك طبقة عاملة‪ ،‬بيع القطاع العام ووهبت المصانع الكبرى هداياوعطايا‪..‬انتهى الصراع الطبق ى‬ ‫ولم يعد مفكرو قبيلتك حريصين على ذكره منذ أعلن السادات الغاءه واحلل السلم الجتماعى محله‪ ...‬ضاع ابن ك‬ ‫فى زحام موسكو‪ ...‬لم يعد هناك حجة لخف اء حقيق ة النقاب ات العمالي ة المص رية وج وهر التح اد الع ام للعم ال ف ى‬ ‫مصر باعتبارها أجهزة أمنية‪ ...‬انتقل عباقرة التحليل الماركسى وحماة المادية التاريخية وفقه اء الص دفة إل ى غي ام‬ ‫صنعته الليب ارلية المتوحشة‪ ،‬وأصبح النقد الثقافى امتدادا طبيعيا لديهم عن ج ارمشى\"‬ ‫أما أبشع أنواع التلخيص فتجلى فى موقفين من أشد المواقف د ارمية فى حياة سمير عبد الباقى وكان بإمكان‬ ‫كل موقف منهما أن يصنع رواية منفصلة‪ ،‬ولكن صدق كل كاتب وليس سمير عبد الباقى هو صدق نسبى‪ ،‬لقد ضيع‬ ‫على القارىء قصة \"نجلء\" وهى قصة ثرية‪ ،‬كانت لتنتج نصا مثل رواية \"الحرير\" أو \"ثلثة رفاق\"‪ .‬فمشهد الزوجة‬ ‫التى تعرف كل تفاصيل علقته بجوزفين ومع ذلك تذهب لغريمتها بعد الزواج لتعرف هل ما ازلت العلقة قائمة أم ل‪،‬‬ ‫هو موقف درامى ومفصلى‪ ،‬إل أن الكاتب اكتفى بما جاء فى رسالة جوزفين دون أن يتعرض هو للموقف قبل أو بعد‬ ‫ذلك اللقاء‪:‬‬ ‫لقد حكيت لزوجتك كأحمق ع ن ك ل مغام ارت ك قب ل ال زواج )‪ (...‬تص ور ج اءت إل ى ش قتنا ول أع رف كي ف‬ ‫استدلت عليها ‪ ..‬لبد أنك وصفت لها ‪ ..‬حتى أدق التفاصيل ‪ ..‬يا مغفل ‪ ..‬جاءت لتتأكد أنن ي ل م أع د عل ى علق ة‬ ‫بك ‪ ..‬وحزنت لسذاجتها ‪ .‬لكني حزنت أكثروأشفقت عليك‪!..‬‬ ‫الموق ف الثانى هو ص ارع زوجته مع السرطان الذى رفض الهزيم ة‪ ،‬وع اد أشد ش ارسة ليفتك به ا بع د‬ ‫س نوات والغري ب أنه ا من اطق تغ رى ب الحكى ويم ر عليه ا الك اتب م رور الك ارم‪ ،‬ف ارئع ة اري ش ماري ا ريم ارك \"ليل ة‬ ‫لشبونة\" كانت عن الزوجة التى يفترسها السرطان‪ ،‬ولكن الكاتب يختزل موت رفيقة العمر فى سطرين‪ ،‬تماما مثلما‬ ‫اختزل موت أخته صفاء فى سطر واحد ‪:‬‬ ‫\"نجلء بعد سبع سنوات من عملية الصدر الشمال دخلت ف ى مرحل ة ع ودة الص ابة وانتش ار الم رض‬ ‫فى الحجاب الح اجز ومسلس ل الب ذل والحق ن الكيم اوى إل ى أن رق دت ف ى المعه د أخي ار تق اوم ان ازل الس تار ف ى‬ ‫شجاعة\"‬ ‫والح ق أن موق ف الك اتب ليمك ن تفس يره عل ى أن ه ن وع م ن الجح ود‪ ،‬أو لمب الة نح و آلم رفيق ة عم ره‬ ‫بقدر م اهو نوع من الوجل والخشوع أمام تجربة قاس ية‪ ،‬تستحق أن يف رد له ا رواية كاملة‪ ،‬وليس لن ا تح ت زع م‬ ‫الصدق أن نطالب الكاتب بنكأ ج ارحه‪ ،‬وهتك أشد اس ارره خصوصية ليشفى غليل القارىء الذى بوغت فى النص‬ ‫مرتين‪ :‬الولى مرة بزواج البطل دون تمهيد‪ ،‬والثانية برحيل زوجته الفاجع‪.‬‬ ‫ب‪ -‬الحذف‪:‬‬ ‫الحذف أو القفز أو الثغرة هو أن يلجأ ال اروي إلى تجاوز بعض المقاطع الزمنية من القصة دون الشارة إليها أو‬ ‫معالجتها نصياً‪ ،‬مكتفياً بإخبارنا أن سنوات أو شهو اًر قد مجرت من عمر شخصياته دون تفاصيل‪ :‬فالزمن على مستوى‬

‫‪106‬‬ ‫الوقائع‪ :‬طويل )سنوات أو شهور(‪ ،‬ولكنه على مستوى القول‪ :‬صفر‪ .‬وتؤدي هذه التقنية دوراً حاسماً في اقتصاد وتيرة‬ ‫السرد وتسريعها فهو أحد الوسائل النموذجية فضلً عن التلخيص في تسريع السرد عن طريق إلغاء الزمن الميت في‬ ‫القص ة والقف ز بالح داث إل ى الم ام بأق ل إش ارة أو ب دونها)‪ .(135‬وهن اك نوع ان م ن الثغ ارت أو الح ذف‪ :‬الص ريح‬ ‫والضمني‪.‬‬ ‫الحذف الصريح‪:‬‬ ‫أي أن ال اروي يصرح بالفترة الزمنية المحذوفةوهو على نوعين‪) :‬المحدد وغير المحدد(‪.‬‬ ‫المحدد‪:‬‬ ‫وفيه يتم تحديد الفترة الزمنية التي قفز عليها السرد تحديداً دقيقاً‪ .‬وقد حدث ذلك بحذف كل ذكريات السجن‬ ‫التى امتدت لخمس سنوات \"‪ ..‬في تلك السنوات القليلة قبيل الهزيمة الكبرى ‪ ..‬عدت إل ى الكلي ة لكم ل الع ام الب اقي‬ ‫لي في الدراسة فأكملته على ارحتى في عام ونصف أو عامين تقريًبا ‪ ..‬قامت خللها علقتي مع )جوزفين(\"‬ ‫غير المحدد‪:‬‬ ‫وفي هذا النوع ل يمكن تحديد الفترة الزمنية التي قفز عليها السرد تحديداً دقيقاًونانما يمكن تحديده بشكل تقريبى‪.‬‬ ‫على سبيل المثال ل الحصر‪ :‬يتجاوز الكاتب أحداث ثورة يناير تماما سوى من اشارة بسيطة‪ ،‬فالحقيقة أن زمن الكتابة‬ ‫أى الفترة التى استغرقها الكاتب فى تدوين سيرته هوزمن ممتد وطويل نسبيا‪ ،‬لنعرفه‪ ،‬ولكننا نشعر به‪ ،‬وذلك من‬ ‫خلل تصريح الكاتب بطول فت ارت توقفه عن الكتابة‪ ،‬وكانت حوا ارته مع الذات أو القرين كاشفة عن ذلك التوقف‬ ‫فيقول فى إحداها \"ما أشد سعادتي بغضبتك هذه يا صديقي وما أجمل ج أرتك وص ارحتك ! واعترف أنها جاءت في‬ ‫الوقت المناسب ‪ ..‬تما ًماوأنا في هذه الحالة من التشففوالمراجعة ‪ .‬ول أقول الحباط بعد مرور عام على )ثورة‬ ‫‪ 25‬يناير( والتي فاجأتني بالضبط مثلما فاجأتك بل وكما فاجأت من دعوا إليها وكل من بشر بها لكن ‪ ..‬ليس هذا‬ ‫موضوعنا‪.‬‬ ‫الحذف الضمني‪:‬‬ ‫يعد هذا الحذف من أهم التقنيات السردية المستخدمة لخلق الزمن السردي فمن خلله يتم النتقال من فترة زمنية‬ ‫إلى أخرى من دون الشارة إلى ذلك)‪ .(136‬والحقيقة أن المثلة أكثر من أن تحصى‪.‬‬ ‫وأهم مايحدثنا عنه ل التغي ارت السياسية التى تدين موقف مثقفى اليسار الذين عملوا فى محلت بقالة السلطة‬ ‫وصاروا أساتذة فى كتاتيبها‪ ،‬بل خسارة تلك الروح المتمردة التى لتهدأ‪ ،‬المقبلة على الحياة بشغف‪ ،‬لقد صارت تلك‬ ‫الروح فى غرفة النعاش ‪ .‬ويحيلنا تاريخ الكتابة إلى عام ‪ 2010‬أى أن رحلة كتابة السيرة تعرضت لتوقفات عديدة‬ ‫وأن الكاتب كتبها على مدار سنوات متقطعة‪ ،‬لكن الذاكرة لعبت دوراً هى الخرى فى تلك الوقفات‪ ،‬ويعترف الكاتب‬ ‫بذلك‪:‬‬ ‫)( بنية الشكل الروائي‪.159 :‬‬ ‫‪135‬‬ ‫‪136‬‬ ‫)( نفسه ‪.162‬‬

‫‪107‬‬ ‫\"حيرتني علقتى بك في تلك الس نوات ي ا ص ديقى لدرج ة أنن ي أش عر الن ف ي ع ام ‪ 2010‬أن ك الس بب ف ي‬ ‫عجز ذاكرتي عن اللمام بتفاصيل حياتي خللها ‪ ..‬بل وأصبحت أخلط بين الماكن والح داث والشخص يات وأحيان ا‬ ‫أخلط بين ما حدث ‪ .‬والصورة التي كنت أعتقد أنه كان يجب أن يحدث عليها ‪\"..‬‬ ‫تعطيل الزمن‪:‬‬ ‫‪-‬الوقفة الوصفية‪:‬‬ ‫حيث يلجأ ال اروي إلى )الوصف( الذي يقتضي انقطاع السيرورة الزمنية وتعطيل حركتها‪ .‬فيظل زمن القصة‬ ‫ي اروح في مكانه بانتظار فراغ الوصف من مهمته‪ ،‬حيث ينقطع سير الحداث ويتوقف ال اروي ليصف شيئاً أو مكاناً أو‬ ‫شخصاً‪ .‬وليست هذه الوقفات الوصفية ازئدة‪ ،‬بل لها أهداف سردية‪ ،‬يضيء السرد فيها الحدث القادم‪ .‬وتتجلجى فيها‬ ‫أسلوبية الروائي‪ .‬وبذلك يتقلص زمن السرد أو يتوقف في حين يمتد زمن الحكاية وذلك تبعاً لنوعية الوصف‪ .‬ففي‬ ‫الوص ف الذاتي الذي يمزج فيه ال اروي بين النشاط البصري والمفعول النفسي لمش اهداته ل يتوق ف الس رد نوانما تبط أ‬ ‫حركته في حين نجد الوصف الموضوعي يمثل توقفاً تاماً لحركة السرد)‪.(137‬‬ ‫ويمكن تقسيم أشكال الوصف في أعمال سمير عبد الباقى أو أى عمل أدبى إلى ثلثة أنماط هي‪ :‬وصف‬ ‫المكان‪ ،‬ووصف الشخصيات‪ ،‬ووصف الشياء‪ .‬وقد وقفنا عند النمط الول في عرضنا لفضاء المكان في السيرة‪.‬‬ ‫وصف الشخصيات‪:‬‬ ‫وعل ى ص عيد وص ف الشخص يات وم ا أكثره ا ف ى ثلثيت ه س نجد أن الس يرة بص فة عام ة تفس ح مج الً ف ى‬ ‫مجموعها للريفين والبسطاء أكثر منها للمثقفين واليساريين‪ ،‬فقد اعتمد الكاتب على الصورة الذهنية أو مايعرفه عن تل ك‬ ‫الوجوه الثقافية والنضالية فلم يصف الرفاق الشيوعيين أو الكتاب والشع ارء وصفاً خارجياً‪ ،‬لكنه مع آحاد الناس كان‬ ‫يعطيه م حقه م م ن الوص ف الخ ارجى أو النفس ى‪ .‬وم ن أجم ل الفق ارت الوص فية مش هد \"عز ارئي ل وه و يقب ض روح‬ ‫الشيخ مقبل\" والثانى مشهد مواقعة حمدى لفرج ال‪ .‬قدرة الكاتب على الوصف بصفة عامة تجعلنا نكاد نشم ارئحة‬ ‫ت ارب الري ف ف ى مص ر ويجعلن ا نختن ق ف ى الغ رف المعتم ة وف ى مك اتب موظفى النياب ة ‪ .‬يتوس ل الوص ف بلغ ة‬ ‫شاعرية رهيفة لكنها تميل نحو السخرية سخرية الفلح من واقعه المرير‪.‬‬ ‫فى ولهم يحزنون تبدأ القصة بوفاة الشيخ مقبل ويثبت لحظة الحكى ليدخل فى بيوت القرية ونتعرف‬ ‫على شخصيات ثانوية مثل \"زك ى الزروطى\" و \"الش نقيط\"‪ ،‬والسخرية تتب دى فى هتك تلك اللحظة الحميمي ة مع‬ ‫الزوجات‪ ،‬لقد وجدهاعطا القزعة حجة للهروب من واجباته الزوجية انزلق على صدرها المه ول ال ذى يت دلى عل ى‬ ‫ج انبى بطنه ا كش والين\" أم ا الزروط ى \" اتحش ر الغ از الس ام ف ى زوره\" فض غطت الري ح المحش ورة ف ى مص ارنه‬ ‫لتخرج مدوية ازعقة\" والش نقيط ل ن يتن ازل ع ن لحظ ة ت وهجه ال تى دف ع فيه ا ري الً م ن الفض ة \" ح تى تس مح ل ه‬ ‫باقتحام قلعتها محتملة زخات منجنيقه الضخم بطل احاديث النسوة السرية\"‬ ‫وسوف يعاود الحديث فى زمن الزنازين\"عن بعض الشخصيات الثانوية مثل \" الولد حنيدق القرع‪:‬‬ ‫‪ () 137‬نظر‪ :‬مدخل إلى نظرية القصة‪.88 -86 :‬ا‬

‫‪108‬‬ ‫\" كان حنيدق قد سطا على هذا المخزن عدة م ارت من قبل بالتعاون مع أحد ظرفاء القرية الذي يتخذ‬ ‫من السرقة نشا ًطا ثانوًيا في أوقات ف ارغه أو حين تضيق به الحال ؛ إذ كانت زوجته ل ترضى له أن يضاجعها‬ ‫إل إذا دفع الثمن ‪ ..‬وف ي تل ك الليل ة س بقه )حني دق( إل ى المخ زن عل ى أن يلح ق ب ه ويص فر ل ه ص فارة اتفق ا‬ ‫عليها ‪ ..‬وطال انتظار )حنيدق( وكان قد أت ى مبك ًرا ف ور أن لح ت ل ه الفرص ة ‪ ..‬ك ان مرهقً ا ‪ ..‬فن ام ‪ ..‬وب دلً‬ ‫من أن يسمع صفارة رفيقة حاصره ص ارخ نساء البلدة كلها حزًنا على وفاة الرجل ‪ .‬وكثرت ح ول المخ زن أرج ل‬ ‫أتباعه لترتيب إج ارءات الجن ازة الك بيرة والع ازء ‪ .‬وأس قط ف ي ي د )حني دق(‪ .‬عن دما اكتش فوا وج وده ف ي المخ زن‬ ‫مختبًئا بين زكائب الحبوب ‪ ..‬فأوسعوه ضرًبا تنفيثًا عن غيظهم منه وبحجة عدم احت ارمه لمل ك الم وت ولمكان ة‬ ‫الرجل العظيم الميت على الرض وفي السماء ‪..‬‬ ‫وفى موال الصبا فى المشيب ‪ ،‬كان الوصف الذاتى هو السمة الغالبة ‪ ،‬فوصف وفاة البنت الصغيرة التى أحبها‬ ‫ولم يذكر لنا اسمها‪ ،‬ارتبط بيوم صيفى حار‪ ،‬ووصف الحر السبب الرئيسى لموتها جاء بعيون سمير الطفل حين كان‬ ‫بصحبتها‪:‬‬ ‫حتى ك ان ذل ك الص يف اللعي ن ‪ ..‬ال ذي اش تدت في ه الح اررة ‪ .‬فك ادت تح رق الحق ول ال تي ل م يص ل إليه ا‬ ‫لهيب الحرب ‪ .‬يومها عدنا م ن المدرس ة محتمي ن بظلل ال بيوت ه اربين م ن الش مس ق در المك ان ‪ ..‬ك ان وجهه ا‬ ‫أشد احم ارًار وعيناها الفيروزيتان تلمعان أكثر مما تعودت عليه ‪ ..‬وكنت أحرص كلما فاجأنا لسان من لهب الشمس‬ ‫أن أرفع كراستي لظلله ا ‪ ..‬ح تى وص لنا إل ى بيته ا ‪ ..‬وع دنا إل ى بيوتن ا ‪ ..‬وأخ تي تنخس ني ب القلم الرص اص وه ي‬ ‫تسخر من اهتمامي الزائد ‪ ،‬وتخرج لي لسانها غضًبا أحياًنا ‪،‬وأحياًنا عل ى س بيل الغاظ ة ‪ ،‬وتع ايرني لقل ة اع ت اززي‬ ‫بك ارمتي قدام البنات ‪..‬‬ ‫أما بقية الوصف فليس موضوعيا على الطلق لنه صادر عن نفس ملتاعة غير حيادية‪:‬‬ ‫بع د س اعات ش قت الص رخة الملتاع ة قل ب القري ة ‪ .‬ص رخة ح ادة طويل ة باكي ة مس تغيثة ‪ ،‬ت دق ب اب ال رب‬ ‫محتجة ‪ ،‬تم زق الص مت ال ذي خلفت ه الش مس الحارق ة ف ي الح واري فقط ع الرج ل ‪ ،‬وأج بر الخل ق عل ى التك ُوم ف ي‬ ‫حل وق الح واش وف ي نت ف الض ل والزواي ا الرطب ة ‪ ..‬ه رع الخل ق مله وفين م ذعورين ك أن حريقً ا ش َب ف ي رؤوس‬ ‫البيوت التي حمصتها الح اررة‪..‬‬ ‫والماضى هنا ليس هو الماضى الذى خبرته الشخصية وعاصرته‪ .‬إنه حديث عن زمن ماض يعاد تفسيره وتأويله‬ ‫بع د خ برة حياتي ة وفني ة تجع ل م ن فع ل الت ذكر لمج رد ش ريط صور يع بر ذاكرت ه‪ ،‬ب ل يتوق ف الش ريط ب وعى وأحيان ا‬ ‫بحسرة أو بندم‪،‬وأحياناً أخرى بفهم لنفسية الناس المرهون بقدرة ال اروى على تفسير الواقع‪ .‬بكل تأكيد لو خبر ال اروى‬ ‫تلك الحداث وسجلها بعيون طفل المدرسة لصبح السرد مختلفاً‪ .‬ساعتها لن يحكى عن الم الثكلى باعتبارها \"كتلة‬ ‫فتنة\" ولن يتسنى له فهم أحاسيس \"الرجال الشبقة\" فلنق أر كيف صور ال اروى الشيخ لوعة أم الفتاة المتوفاة‪:‬‬ ‫\"كتلة الفتنة الجميلة التي كانت تثير حسد وجشع الجميع نساء ورجالً ‪ ..‬تبعثرت على الرض وتمرغ ت ف ي‬ ‫الت ارب ‪ ..‬الحسرة شلت الحاسيس الشبقة الخفية فم اتت ‪ ..‬قتله ا الح زن الطاف ح م ن عي ون الرج ال ‪ ،‬ح تى عن دما‬ ‫ك انت أس ارر تل ك الفتن ة وس حرها الخف ي ينكش ف م ن ثغ ارت ثوبه ا ال ذي تم زق خلل ص ارعها م ع النس اء الح ازن ى‬ ‫الباكيات‪\".‬‬

‫‪109‬‬ ‫وأحيانا مايستخدم الكاتب الفعل المضارع‪ ،‬ولم يلجأ لذلك سوى فى فصل لتقصص رؤياك حيث تحرر من‬ ‫أس ر فع ل ك ان‪ ،‬وهن ا يص بح زم ن الكتاب ة وزم ن التلق ى زمن ا واح داً‪ ،‬فهن ا يص ف لن ا بن ات فقي ارت م ن ع ائلت الك دح‬ ‫والت ارحيل‪ ،‬فيصبح الوصف هنا أشبه بسيناريو فيلم يتابعه القارىء نفس لحظة وقوع الحداث‪:‬‬ ‫بنات فقي ارت من عائلت الكدحوالتراحيل )المعذبون فى الرض(‪ .‬يؤجرن لك ل العم ال الطارئ ة م ن حم ل‬ ‫م ون البن اء إل ى جم ع ال دودة أو ملء أزي ار الم اء للبيوت ات المس تورة أو جم ع القط ن أو تنقي ة الغل ت والبخ ر و‬ ‫الحندقوق من غيطان الرز أو القمح ‪ ..‬وكن حين ل يج دن ذل ك لق اء ق روش قليل ة ‪،‬يقم ن بأعم ال خاص ة متنوع ة‬ ‫لحساب من يطلبهن لقاء نسبته من الناتج أيا كان ‪ ،‬فيقمن بجم ع الجل ة الحي ة ‪ ،‬بمتابع ة البه ائم ل دى عودته ا م ن‬ ‫الحقول حيث تكون قد هضمت طعام اليوم كله ‪ ..‬أو بجمع )الرجيع( ‪،‬هرس قش ر الرز ‪ ،‬حس ب طل ب أص حابه لق اء‬ ‫نس بة عيني ة من ه ل بيوتهن أو لحس اب ص احب الماكين ة نفس ه ‪ .‬وك ان )الس يد الب ديوى( يجل س ف ى كش ك ص غير‬ ‫مصنوع من نفس الصاج الرمادى المصنوعة منه جدران مبنى الماكين ة ال تى تض م عن برين ‪ ،‬أح دهما لطح ن القم ح‬ ‫وهو الكبروالخر لتبيض الرز ‪ .‬تزدحم فيه الفتيات يعرضن أنفسهن على صاحبات الرز المقشور )المبّيض( أو‬ ‫على كاتب الماكينةوابن صاحبها )السيد( ليختار المحظوظة التي تقوم بالعمل لحسابه ‪.‬‬ ‫يتقاتلن في صخب طول الوقت مستجديات أن يكلف ن بالعم ل ‪ .‬يح دثن ض جي ًجا وص خًبا يعل و عل ى ص وت‬ ‫الماكينة نفسه ‪ .‬بينما يجلس )السيد( أمام شباك فى واجهة الكشك تخرج من أسفله طبلية المي ازن‪\".‬‬ ‫ووص ف استعدادات القرية لستقبال ياسين سراج الدين ف‪:‬ى \" م‪:‬وال الص‪:‬با ف‪:‬ى المش‪:‬يب\" ليختل‪:‬ف ع‪:‬ن وص‪:‬ف‬ ‫الوليمة فى ولهم يحزنون‪ ،‬وهنا يلجأ للوصف الموضوعى‪ ،‬فالنا التى تحكى لتشارك فى الحداث ‪:‬‬ ‫\"وكان العيال قد لحظوا كم ا لحظن ا ط ول الثلث أي ام الس ابقة م دى الس تعدادات للوليم ة م ن حج م وتن وع‬ ‫الم دادات ال تى ج اءت م ن بي وت ع ائلت البل د وم ن بل د الن ائب ف ى ن اقلتين محمل تين بطي ور وذبائ ح وزك ائب أرز‬ ‫ولوبية وسكر ودقيق وبصل وكافة مستلزمات صنوف الطعام وان واع الحل وى ال تى يتح دث ب ذكرها الركب ان ‪ .‬إذ ظل ت‬ ‫كتيبة الطباخينوالسفرجية المحترفين يقدمون مثل ه ذه المائ دة وأك ثر ف ي س ارية )أب و س ويلم( الثلثي ة الدوار ف ي‬ ‫)برمبال القديمة( حيث كانت الموائد في أدوارها الثلثية تستقبل أهل الدائرة كل يوم من بعد صلة الظهر حتى حصة‬ ‫طويل ة م ن اللي ل جماع ات ووف ود بع د جماع ات ووف ود ‪ ..‬وه اهم يختم ون ذل ك بالليل ة الك بيرة ف ى احتف ال )مي ت‬ ‫سلسيل( الذي خطط له أل يكون أقل دسامة أو روعة باعتبارة ذروة العطاء وسدرة البهة ‪..‬‬ ‫ومن الوقفات الوصفية قصة الحب‪ ،‬فعند الحديث عن قصة الحب مع جوزفين‪ -‬السبب كما يقول فى عدم‬ ‫انتحاره ‪ -‬ليلحق بقرينه بالذات البريئة المتمردة نجد أن الحديث جاء بضمير الغائب فيقول‪:‬‬ ‫يومه ا ‪ ..‬ل م ت ذهب – ه ي – إل ى أي م ن محاض ارت الس نه الثاني ة ‪ ..‬ول م يس جل – ه و – اس مه ف ي قس م‬ ‫القتصاد الزراعي ‪ ،‬كان يحكي مسحوًار وكانت تسمع في شغف ‪ ..‬تنعكس كل المشاعر على صفحة وجهه ا ‪ .‬وف ي‬ ‫عينيها تت ازحم ردود الفع ل ‪ ،‬تت والي الفص ول ‪ ..‬تص فو الس ماء وتغي م ويغي ب القم ر ‪ ..‬ويص ير ب دًار ‪ ..‬تث ور أم واج‬ ‫البح ر وته دأ وتص فوا مي اه النه ر وتتك در ‪ .‬تس قط المط ار وتن دفع جم اهير ف ي ش و ارع المواجه ات الدامي ة ‪ ،‬ت رق‬ ‫الكلمات لتتقط ر ش عًار مليًئ ا بع ذابات الوح دة والغرب ة ‪ .‬فتك اد تبك ي ‪ ..‬ث م تص فوا ف ي غنائي ة تفي ض بش جن العش ق‬ ‫وعذابات الشوقوالحنين فتحملها عل جناجين من نور إلى شواطئ حلم غامض ‪.‬‬

‫‪110‬‬ ‫مرت ساعات لم يعودا يلتفتان لندائات زملء لها يتعجبون لحالها ‪ ،‬أو زملء له يرحبون بعودته ‪.‬‬ ‫ظل – ولعشرين شهًار يقطعان شوارع القاهرة سيًار على القدام ل يكلن ول يتعبان من المشي ول من الكلم ‪..‬‬ ‫هنا أيضا نجد الحديث عنزمن مستعاد ‪ ،‬وليمثل هذا استرجاعا بقدر ماهو وصف يجمع بين السترجاع القديم‬ ‫والبعيد‪ ،‬ووصف لحالة البطلين النفسية من جهة والخط التصاعدى لقصة حبهما من ناحية أخرى‪:‬‬ ‫ركب ا م ًع ا س فن الس ندباد وهرب ا م ن الس ر ي وم ه اجم التت ار دمش ق ‪ .‬وط افت متأبط ة ذ ارع ه ح واري قريت ه ليلً‬ ‫ونه اًار ل مل ل ‪ .‬فرح ت م ن القل ب وبك ت بحرق ة وه ي تح اول زي ارته م ع أخت ه ف ي س جن )المنص ورة( ‪ ..‬امتلت‬ ‫بالغض ب لستس لم زملئ ه للتع ذيب ف ي )أب ي زعب ل( دون مقاوم ة ‪ ،‬ض حكت م ن القل ب لحكاي اته ع ن الش اويش‬ ‫)بولجانين( وعم )حسن عطية(‬ ‫وصف الشياء‬ ‫الشياء التى تحيطنا كثيرة ومتعددة ‪ ،‬فنحن نعيش فى قوقعة من الشياء‪ ،‬والديب نفسه هو \"منتج‬ ‫ومستهلك للشياء‪ 138\".‬ولما كان وصف الشياء يؤدي دو اًر مزدوجاً في النص فهو يشير إلى حقيقة واقعة في‬ ‫العالم الخارجي فضلً عن أنه يحمل دللة خاصة في النص‪ .139‬سنرى بعض الوقفات الوصفية لشياء بعينها‬ ‫ذات ثقل دللى فى النص وتسهم فى رسم الصورة الكلية‪ .‬وقد سبق لنا الحديث عن قرن الحنتيت الذى امتلكته‬ ‫الجده فى موال الصبا فى المشيب‪ ،‬ذلك الشىء الذى رآه الطفل دائما كشىء استثنائى يملك قد ارت سحرية‪.‬‬ ‫فى ولهم يحزنون يلفت \"السبت \" بصفة خاصة اهتمامنا ‪ .‬و\"السبت\" هو معادل موضوعى للمسئولية‬ ‫التى قبلت بها أو اختارتها نوال‪ ،‬والشخصية الروائية لبد لها ‪ ،‬بجانب السم من أشياء تستعملها‪ ،‬تتعلق بها أو‬ ‫ترفضها تحبها وتكرهها يضطر الكاتب عند وصف شخصية أن يضيف لها قائمة من الشياء تخصها وتحيط بها‬ ‫وتتحرك معها على مدار النص‪ .‬سيكون السبت الثقيل الذى يجعل خطوها بطيئاً معادلً موضوعياً لفداحة‬ ‫المسئولية‪ ،‬السبت يتجاوز ذلك كله ليصبح رم اًز ترفعه كالصليب فى وجه أهلها لتذكرهم أنها لم تستكمل د ارستها‪،‬‬ ‫فتحمل السبت الذى ليليق بها‪ ،‬لتصفع عيون أبويها وتذكرهما بجريمتهما فى حقها‬ ‫\" حملت نوال السبت بعد أن وضعت فيه الديك المحمر والمكرونة والفطير والملبس‬ ‫‪ -‬ايه ياماما حأروح السجن بشنطة هو أنا اريحة الجامعة‪ .‬قولها لم يكن بريئا فلقد كانت تعتقد دائم ا‬ ‫انها أجبرت على عدم اكمال د ارستها وأقعدت فى البيت غصبا عنها\"‬ ‫وعل ى م دار الرحل ة س يكون الس بت مع ادل موض وعيا ل لثق ل المس ئولية وح دها ولك ن لص عوبة الرحل ة‪،‬‬ ‫وبطء المس ير‪ ،‬ف ى محي ط يك ره الش يوعيين \"ك اد توازنه ا أن يخت ل فتش بثت بالس بت المتأرج ح كلع ب س يرك‬ ‫محترف\" وف ى موض ع آخ ر \" تش ير ب ذ ارعها ال ذى ليس ند الس بت وه ى تجاه د لتحف ظ توازنه ا وس ط البل ل ف وق‬ ‫الرض الزلقة\" وحين تص ل للس جن تتمس ك ب ه أك ثر ف أكثر \" كانت قد جلست دون تكلف أو تع ال بينه م بع د أن‬ ‫عافرت للصعود بحملها الثقيل \"‬ ‫‪ 138‬انظر دراستنا عن \"دللت الشياء فى مجموعة قليل من السماء لعبد المنعم الباز\"‬ ‫‪ 139‬بناء الرواية‪100 :‬‬

‫‪111‬‬ ‫ويتوق ف الك اتب ف ى زمن الزنازين لوص ف مش هد القب ض علي ه ف ى الفص ل الث الث‪ ،‬لك ن فن رى علق ة‬ ‫البطل بالشياء‪ :‬الكوميدينو العزيز الذى ينتهكه الضابط يتجاوز كونه مجرد قطعة أثاث عادية‪ ،‬فالشياء الصغيرة‬ ‫لها تاريخها الخاص‪:‬‬ ‫\" الكومي دينو العزي ز الص غير ال ذى ارفقن ى عم ار ط ويل من ذ غ ادرت للد ارس ة‪ ...‬وبع دها ارفقن ى ف ى‬ ‫ص مود وص لبة‪ ..‬ليس تقر مع ى ف ى القاهرة‪...‬وط اف مع ى أحياءه ا‪ ...‬كخ ازن ة أس ارر‪ ...‬بك ل اخلص أكس به‬ ‫عندى مكانة‪ ،‬وربط بينى وبينه بعلقة حميمة تكاد تكون بشرية‪ .‬لذا سمعت له صوت آه استغاثة‪ ،‬وصرخة ألم‬ ‫عندما رفسه الضابط ف ى قس وة غي ر بش رية فتح ت ب ابه الص غير عن وة\" وعن دما ليج د الض ابط ش يئا يس تبد ب ه‬ ‫الغضب \" ولما لم يجد شيئا رفس الكوميدينو العزيز رفسة أخرى‪ ،‬فقلبه على وجهه‪ ،‬فكتم صرخته‪\".‬‬ ‫لقد طرح بوتور الثاث كشكل من أشكال الوجود النساني ‪ ،‬فيعكس الصورة إلى موضوع الثاث في‬ ‫الخطاب السردي ‪ ،‬وذلك من خلل د ارسته للثاث ضمن ما يسمى \" فلسفة الثاث\"‪ 140‬وتذهب معاجم اللغة في‬ ‫تحديد معنى الثاث إلى عدة معاني تحيل في عمومها إلى صورة السعة والرتياح التي يمكن أن يمنحها‬ ‫لمستعمليه‪ . 141‬ويؤكد بوتور على \" أن وصف الثاث والغ ارض هو نوع من وصف الشخاص الذي ل غنى‬ ‫عنه ‪ ،‬فهناك أشياء ل يمكن أن يفهمها القارئ ويحسها إل إذا وضعنا أمام ناظريه الديكور ‪ ،‬وتوابع العمل‬ ‫ولواحقه \"‪.142‬‬ ‫‪ -‬الرسائل والحكايات الفرعية‪:‬‬ ‫ومن ضمن طرق الكاتب ف ى تعطيل الحكى استخدام حيلة الرسائل ففى ولهم يحزنون يستخدم حيلة فنية وهى‬ ‫الرسالة لقد وصل الب خطاب من ابن اخيه حسين المعتقل فى الواحات فنعرف بواسطته الهوال التى يتعرض‬ ‫لها الرفاق‪ \" ،‬كان يوسف عبد ربه قد أطلعه) يقصد عبده افندى والد سالم( عل ى بض ع ورق ات بف ره م ن خط اب‬ ‫طويل وصله س ار م ن اب ن اخي ه حس ين المعتق ل ف ى الواح ات‪ \".‬وق د ك ان الك اتب حريص ا عل ى تق ديمها بح روف‬ ‫مائلة‪.‬‬ ‫وهن اك قص ة \"الكمثرى ل م تك ن تفاح ة\" يمك ن اعتباره ا ميت ا قص ة وه ى القص ة ال تى كتبه ا ص لح ول م‬ ‫يق أرها سالم لن نوال خافت أن تصبح دليل ضده فى القضية لو ضبطت معها\"‬ ‫وأخي اًر هناك حكاية أخرى وهى أيضا بحروف مائلة‪ :‬إنها الو ارق التى تحكى عن سجن الوردى‪ ،‬وهى‬ ‫أو ارق سجين يسارى وصلت لعم توفيق الشيوعى العجوز ويقدمها بدوره لنوال حتى توصلها لسالم ‪،‬وكذلك قصيدة‬ ‫للشاعر فؤاد حداد مش عايز الفجر يطلع‪ .‬ولترتب ط أي اً منهم ا مباش رة بالح داث‪ .‬مثله ا مث ل قص ة س يدة القط ار‬ ‫ال تى تس عى ه ى الخ رى لمعرف ة م اذا ح دث لبنه ا الش يوعى‪ ،‬والحقيق ة أن ه ف ى الط ار الع ام للس رد‪ ،‬تعم ق تل ك‬ ‫التقنيات من أزمة الشخصية‪ ،‬وتصور المناخ العام الذى ذهب ضحيته سالم‪ ،‬وحالة الرعب المسيطرة على أسرته‬ ‫وهم يتوقعون تعرضه لنفس الظروف‪ ،‬فتزيد من اص ارر نوال‪ ،‬ومن قلق الب‪ ،‬وترسم للقارىء جواً من الكابوسية‬ ‫الذى ينشر جناحه كخفاش على الرواية‪ ،‬فيتعاطف مع نوال فى رحلتها‪ ،‬ويعجب بنضال سالم الثورى المعتقل‪.‬‬ ‫بوتور ‪ ،‬مرجع سابق ‪.62 -50 ،‬‬ ‫‪140‬‬ ‫لسان العرب ‪ ،‬مادة ) أثث (‪.‬‬ ‫‪141‬‬ ‫‪142‬‬ ‫بوتور ‪ ،‬المرجع السابق ‪.53 ،‬‬

‫‪112‬‬ ‫وف ى زم ن الزن ازين‪ :‬تعط ل الحك ى بآلي ات ش تى‪ ،‬لكنن ا مادمن ا ف ى مع رض الح ديث ع ن الخطاب ات‬ ‫والرسائل نذكر خطاب الوالد الذى يسهم بشكل كبير فى فهم مسار الحداث ونظرة المجتمع للشيوعيين‪ ،‬ويضيف بعداً‬ ‫جديداً لمأساة البطل‪ ،‬الذى يكتشف أن أقرب القربين يصدق دعاية السلطة ‪،‬مع ذلك يورده الكاتب دون تعليق ‪:‬‬ ‫\"ولاذا كنت قد تغاضيت كثيًار عن مشيك على ح ل ش عرك ف ي السياس ية إل ى أن ركبن ا اله م وجعل ت حياتن ا جحي ًم ا‬ ‫م ن الرع ب والخ وف ‪ ..‬فأن ا ل يمك ن أن أتغاض ى ع ن س لوكك غي ر الخلق ي ‪ ..‬فالش قة ال تي حولتموه ا إل ى وك ر‬ ‫لخلياكم الشيوعية لم أكن أتصور أن تستقبلوا فيها نساء وبنات ؛ أي بنات يمك ن أن ي ذهبن إل ى ش قة طلب ة غرب اء‬ ‫وعزاب – ‪ ..‬إل إذا كن ممن ل خلق لهن مما ك ان س بًبا مؤك ًدا ف ي ع دم تمك ن أخي ك ‪ -‬ال ذي ائتمن اك علي ه ‪ -‬م ن‬ ‫المذاكرة‪ ،‬وتسببتم في رسوبه وضياع مستقبله ‪ .‬أنتم يا من تدعون العم ل عل ى مص لحة ال وطن تفق دون إحساس كم‬ ‫ب الواجب حي ال أهلك م ‪ ..‬وتتص رفون ف ي اس تهتار يص ل بك م إل ى إحض ار بن ات إل ى ال بيت ‪ ،‬وتقلب ون ال بيت ل وكر‬ ‫للشيوعيةوأعوذ بال ‪ ،‬وتمارسون ما حرم ال ‪ ..‬إنني ل أكاد أصدق هذا الذي يروى عنكم في الصحف والذاعة ‪..‬‬ ‫ونتيجة لذلك وبسبب ما تسمعه أمك عنكم صب ًحا ومساء ‪ ،‬تسمم لبنها وهكذا تسببت في إرض اع أخت ك الولي دة ال تي‬ ‫ل م تبل غ بع د س وى ع دة ش هور لب ن الح زن ‪ -‬فم اتت ‪ ..‬إنن ي أحملك م المس ئولية بأعم الكم ع ن قت ل طفل ة بريئ ة‬ ‫طاهرة‪ ..‬وأنذرك إن لم ترتدع وتتمسك ب الخلق الكريم ة ال تي ربين اك عليه ا ‪ ..‬وتت وب إل ى ال ‪ ..‬وتك ف عم ا أن ت‬ ‫فيه من غ سي ‪ ..‬فأنا أعلنك من الن أنك ل ابن ي ول أعرف ك ‪ ..‬فوض ت أم ري إل ى ال في ك وحس بي ال ونع م والوكي ل‬ ‫وعوضني ال على ما صرفته عليك وما ضيعته من عمر لجعل منكرجلً يعرفواجبه حيال أهله وربه \" ‪..‬‬ ‫والحكايات الشعبية‪..‬‬ ‫وقد رصدنا ست حكايات شعبية فى زمن الزنازين وقد استخدمها الكاتب فى إطالة زمن الحكى ولكن مايلفت‬ ‫النظر هو أطولها‪ ،‬لن الكاتب لم يوردها مباشرة بل عمل على تقطيعها‬ ‫‪ -‬كان يا ما كان فيهراجل تاجر ما شاء ال ‪ ،‬تجارة وفل وس وقص ر وخ دم وحش م واب ن واح د وحي د م اتت أم ه وه و‬ ‫صغير ‪ ..‬فحلف ما يجيب له مراة أب ورباه لحد ما شاء ال ما بقى شاب يشرح القلب الحزين ‪..‬‬ ‫والقصة هى تنوييعة لقصة الصياد والجنى الذى خرج من المصباح‪ ،‬لكنها فى الثيمة الشعبية تطيل الص ارع وسمير‬ ‫عبد الباقى لم يكت ف بتسجيلها‪ ،‬ولكنه ارح يقطع الحدث‪ ،‬ويتدخل فى السرد‪ ،‬حاكياً عن تأثير كل فقرة من حكايات‬ ‫الزميل )الخردجي( على السامعين‪ \" ،‬شد نف ًسا من الحجر التاسع ‪ ..‬بينما قام السطى المض يف باس تعجال العش اء‬ ‫فرُدوا عليه من الداخل أن العشاء سيكون جاهًاز بعد نص ف س اعة ‪..‬وع اد ص احبنا للحك ي بينم ا ارح )عب د الس لم(‬ ‫يجهز حجًار آخر ويغمز لي أشد حيلي وأكون قدها ‪ ..‬فطمأنته وتناولت الجوزة بثقة وجدية ‪.‬‬ ‫‪ -‬الراجل قال أنا كبرت وما عادشي باقي إل إني أروح أزور النبيوأحج ‪...‬‬ ‫ويمكن القول بصفة عامة أن توظيف سمير عبد الباقى لفن الحكاية في السيرة يدل على مدى تأثره بابداع العامي ة‬ ‫وتعلقه منذ الصغر بهذا الفن الذي شكل بالنسبة له عالماً خاصاً ينطلق منه الخيال بعيداً عن ضيق ومحدودية عالم‬ ‫ميت سلسيل‪.‬‬ ‫‪ -‬تعطيل الزمن بالوثائق ‪:‬‬

‫‪113‬‬ ‫فعن دما تعج ز ذاكرت ه ع ن اس تدعاء ش هادات الرف اق ع ن تجرب ة س جن \"أب و زعب ل\" ليج د الك اتب غضاض ة ف ى‬ ‫الستعانة بالكتب التى سطروا فيها تجربتهم فى المعتقلت والسجون‪\" 143‬وها أنا النوأنا أكتب ذل ك أعج ز تما ًم ا ع ن‬ ‫عصر تلفيف الذاكرة لرسم الصورة ولذا قررترغم مخالفة ذلك لصول الس رد الروائ ي ‪ ،‬وس يجد فيه ا نق اد الحداث ة‬ ‫مثلًبا ومخالفة لمبادئ البناء وتمزيقًا لحض ور ال اروي العلي م ‪ ..‬لنن ي أحض رت ك ل م ا كت ب ع ن )جحي م أب و زعب ل(‬ ‫لقتبس منه ما يعوض ما أنستنيه اليام من أحاديث زملئي )الزعبلويين(‪.‬‬ ‫وم ا الم انع أن أص نع ن ًص ا تس جيلًيا م ن مجم ل م ا دَون ه أه ل )أب و زعب ل( ع ن تل ك التجرب ة ال تي ل م تح دث إل ف ي‬ ‫عصور الرومان عندما كانت الوحوش الحقيقية تنهش أجساد المستعبدين ‪ ،‬أو عندما استباح النازيون أجساد م ن‬ ‫هم أقل منهم رتبة في جداول النقاء البشري وقد استعنت بكتب ‪) -‬إلهامي س يف النص ر( )أب و زعب ل( وط اهر عب د‬ ‫الحكي م )الق دام العاري ة( ‪ ،‬والس يد يوس ف )م ذك ارت س جين سياس ي( وم أمون البس يوني )الف ارش ة والله ب(‬ ‫و)شيوعيون وناصريون( لفخرى لبيب وبكتاب )صنع ال( ع ن الواح ات و)حس ن المناويش ي( )أب و زعب ل( وف وزي‬ ‫حبشي )سجين لكل العصور( ‪ ..‬وأي ًضا بجميع الشهادات التي دونته ا )لجن ة توثي ق تاري خ الحرك ة الش يوعية( ف ي‬ ‫س بعة أج ازء )ش هادات ورؤى( ‪ ..‬فق ط لت ذكر دق ائق م ا رواه ل ي ع ن أب و زعب ل ف ي س جن المنص ورة خلل أج ازة‬ ‫ال ارحة التي قضوها عندي والتي تعجز ذاكرتي الن عن تجميع تفاصيل صورتها بعد خمسين سنة كاملة ‪..‬‬ ‫والقرب للظن أنه قد استعان بوثائق تساعده فى نقل حديث الرفاق المساجين عن محاضرة الدكتور )لويس‬ ‫عوض( عوض عن تاريخ أوربا بدءا من القرن الثانى والثالث عشر وصعود نجم البرجوازية‪ ،‬وكذلك عن‪\":‬فيلسوف‬ ‫ومفكر فرنسي عاش في القرن السادس عش ر ‪ ..‬وك ان لفك اره ت أثير ك بير عل ى ش روق ش مس النهض ة ف ي أورب ا‬ ‫كان اسمه )لبويسيه( بذر بذور أفكار الحرية والمساواه التي تبنتها الثورة الفرنسية بعد ذلك‪\".‬‬ ‫أم ا ف ى م وال الص با ف ى المش يب فق د تعط ل الحك ى بس بب ظه ور القري ن أو أزم ات التوق ف ع ن الكتاب ة‪ ،‬فنج د‬ ‫حكايات مختلفة هنا وهناك يحاول بعدها الولوج مرة أخرى فى العمل وأن يضع يده على خيط روائى‪ ،‬ومنها على‬ ‫سبيل المثال ماجاء فى فصل ول تتبع أهواءهم ‪..‬‬ ‫\"نصحنى ارنست هيمنجواى أن أتوقف عن التفكير فيما اكتب حتى ل أفقد حميمية الشىء الذى اكتب‬ ‫عنه\"‬ ‫فانا ل أتوقف عن الحديث او التفكير فيما كتبت أبدا\"‬ ‫\" كنت أحاول جاهدا أل أفكر فيما كتبت او فيما كتبت عنه وأل أذكره دون جدوى‪..‬فكن ت ألج أ للق ارءة‬ ‫أو للندماج فى تفاصيل حياتى المملة كرجل صار فوق السبعين ويعيش وحده\"‬ ‫‪ 143‬الطريف فى المر أن سمير عبد الباقى تخونه الذاكرة مرة أخرى؛ ففخرى لبيب هو صاحب كتاب الشيوعيون‬ ‫وعبدالناصر‪ ،‬أما \"شيوعيون وناصريون\" فكتبه فتحى عبد الفتاح‪ ،‬واختلفت أسماء الكتب بعض الشىء فقد كتب صنع‬ ‫ا \"يوميات الواحات\" وإلهامي سيف النصر \"فى معتقل أبو زعب ل\" و ف وزى حبش ى \"معتق ل ك ل العص ور\" وحس ن‬ ‫المناويشى \"أوردى ليمان أبو زعبل\"‬

‫‪114‬‬ ‫ومع ت ازيد دور القرين يسترجع ويكرر سمير عبد الباقى أحداثا ماضية سبق له الحديث عنها ولكن بتنويعات‬ ‫جديدة‪ ،‬وقد اختلف النقاد فى تصنيف هذا التواتر السردى‪ :‬هل هو مقولة زمنية أم أسلوبية؟ بوصفه علقات تك ارر بي ن‬ ‫الحكاية والقصة‪ .‬وهذا التك ارر ذو طابعزمني وعددي‪ .‬لقد اعتبره )جينيت( مظه اًر من مظاهر الزمنية السردية‪ .‬كما ل‬ ‫يمنع أن يكون مظه اًر أسلوبياً يكشف عن دللت خاصة‪ ،‬وقد كرر الحديث عن ثلث محطات أثرت على مجريات‬ ‫حياته‪،‬وهى المسرح والسينما والكتاب‪:‬‬ ‫وأنت هو نفسه الذي وضعني علي خشبة المسرح مشمولً بقدسية )المين( لصيح بص وتي الض عيف أه ز‬ ‫جبال )مكة( وبيوت قرية )الجمالية( وكفار )قريش( وتجار سوق الثلثاء‪.‬‬ ‫‪ -‬إيتوني بثوب ‪..‬‬ ‫وأن ت م ن أعط اني كت اب )المع ذبون ف ي الرض( فاكتش فت جهل ي بم ن ه م ح ولي وأفس دت عل ي ك وني الب ن‬ ‫الكبر أو البكر لب مهتم‪.‬‬ ‫أغويتني في المدينة بأضواء السينما فأدمنت وهج )السابحات الفاتنات(\"‬ ‫ورغم أن الحديث عن بيت الجد الذى صار بعد ذلك ملكا للب والتجديدات المستمرة قد استهلكه الكاتب إل أنه‬ ‫يتوقف فى عدة محطات فبعد الحديث عن الطفولة ثم المولد ‪ ،‬ليجد خيطا يعيده للمسار الروائى سوى الرجوع إلى‬ ‫البيت ‪ ،‬كذلك نجده فى الفصل الثلثين قدرناه تقدي ار يقوم باعادة او استعادة \" فذلكة\" افتتاحية ولهم يحزنون قائلً‪:‬‬ ‫ما الذي يحدث لي – كلما ع دت لممارس ة هواي تي وأمس كت ب القلم ‪ ..‬أخ ترع لنفس ي أل ف حج ة أض يفها لم ا‬ ‫لد َي من الحجج الجاهزة ‪ ،‬إذ تنتظرن ي هن ا أل ف مهم ة ومهم ة مؤجل ة ‪ ،‬مث ل دق مس مار لتعلي ق فوط ة ف ي المطب خ‬ ‫حتى ل أضطر كلما ابتلت يدي أن أجففها في جلبابي ويض طرني منظ ره إل ى إع ادة غس له ‪ ،‬أو ع زق ط رف الجنين ة‬ ‫لواعادة غرس الشجي ارت التي فشلت في اخت ارق الرض فظل ت قزمي ة قزع ة ‪ ،‬وت وقفت ع ن النم و ‪،‬ولان أص رت عل ى‬ ‫تمسكها بالحياة ورفضها الموت ‪ ..‬مؤيدة ق ارر الكف عن الستم ارر في كتابة ذلك المسلس ل الفك اهي ‪ -‬ال ذي ك انت‬ ‫قد اتفقت معي على كتابته تلك المحطة )للرسال المبكر( التي عرضت يومها أجًار خ ارفًيا دمر ك ل مقاوم ة أو رف ض‬ ‫يستند إلى أريي في تلك المحطات ومن يكتبون لها ومن يمولونها ‪ -‬ليبدو لي أنه أعظم ق ارر يمك ن ب ه علج ح التي‬ ‫‪..‬‬ ‫ولحاجة بنا للشارة إل ى ذل ك فق د أش ار الك اتب نفسه إل ى ذلك حين ق ال فى اله امش \"أرجو من القارئ اللبيب إن‬ ‫كان يهمه المر أن ي ارجع )الفذلكة( التي تتصدر روايتي )ول هم يحزنون( التي لها صلة عضوية بهذه الرواية!!‬ ‫لكن ه ه ذه الم رة ل ن يتح دث ع ن الذباب ة ب ل ع ن قط ه ميش ا أو مش كاح كم ا ورد اس مه ف ى قصص ه الموجه ة‬ ‫للطفل‪ ،‬حيث يشغله عن استكمال روايته عدم قدرة القط على التبرز‪ ،‬ومع الواقع المحبط يصبح ب ارز ميشكا أهم‬ ‫من واقعه‪.‬‬ ‫‪-‬المشهد الحواري‪:‬‬

‫‪115‬‬ ‫يع رف المش هد ب أنه \"عب ارة ع ن فع ل مح دد‪ ،‬ح دث مف رد يح دث ف ي زم ان ومك ان مح ددين‪ ،‬ويس تغرق م ن ال وقت‬ ‫بالقدر الذي ل يكون فيه أي تغيير في المكان‪ ،‬أو أي قطع في استم اررية الزمن‪ .‬إن المشهد حادثة صغيرة مؤداة من‬ ‫قبل الشخصيات‪ ،‬حادثة عرضية‪ ،‬منفردة‪ ،‬أو مشهد متفرد حيوي ومباشر‪ .‬المشهد هو العنصر الد ارمي أو المسرحي‬ ‫في الرواية‪ ،‬وفعل حاضر مستمر بالقدر الذي يستغرقه المشهد\")‪.(144‬‬ ‫ويرى لوبوك أن المشهد يعطي \"للقارئ إحساسه بالمشاركة الحادة في الفعل إذ أنه يسمع عنه معاص اًر وقوعه كما‬ ‫يقع بالضبط وفي نفس لحظة وقوعه‪ ،‬ل يفصل بين الفعل وسماعه سوى البرهة التي يستغرقها صوت الروائ ي في‬ ‫قوله‪ ،‬لذلك يستخدم المشهد للحظات المشحونة‪ ،‬ويقدم ال اروي دائماً ذروة سياق من الفعال وتأزمها في مشهد\"‪145‬‬ ‫ويمكن أن نضيف فائدة أخرى يوردها طه عبد الفتاح مقلد في أن المشهد \"يساعد على تصوير الشخصية وتطوير‬ ‫الحداث ويوضح جانباً من الص ارع‪ ،‬ويستخدمه الكاتب جنباً إلى جنب مع السرد القصصي بل يكاد يكون جزءاً منه‬ ‫متمم اً ل ه ل دخيلً علي ه\")‪ (146‬كم ا ل يتس م بوظ ائف مح ددة وثابت ة نوانم ا ه ي متحول ة ومتغي رة ومختلف ة م ن عص ر‬ ‫لخ )‪(147‬ر ف الحوار \"كلم ذو حساس ية مفرط ة‪ ،‬دائم ة التح ول والتغي ر والختلف‪ ،‬طالم ا يق ع تح ت ض غط موجه ات‬ ‫مختلفةربما يكون أشدها تأثيراً التقاليد الفنية المهيمنة في سياق العصر الذي كتب فيه\")‪.(148‬‬ ‫الحوار الخارجي )المباشر(‪:‬‬ ‫هو الحوار \"الذي يدور بين شخصيتين أو أكثر في إطار المشهد داخل العمل القصصي بطريقة مباشرة‪ ،‬وأطلق‬ ‫عليه تسمية الحوار التناوبي أي الذي تتن اوب فيه شخصيتان أو أكثر بطريقة مباشرة‪ ،‬وذلك إن التن اوب هو السمة‬ ‫الج ارئية الظاهرة عليه\")‪.(149‬‬ ‫وقد جاءت الحوا ارت فى معظمها بالعامية سوى بعض الجمل التى أفلتت ربما من الكاتب دون وعى‪ .‬وهي محاولة‬ ‫ال اروي تعزيز الميثاق المعقود بينه وبين القارئ من خلل عرضه للحداث بكل أمانة وموضوعية حتى إن اضطره ذلك‬ ‫لستخدام ألفاظ شديدة المحلية أو فاحشة‪ .‬ومع ذلك نكرر أن الصدق الذى نعنيه هو الصدق النسبى‪.‬‬ ‫الحوار الداخلي )غير المباشر(‪:‬‬ ‫في هذا النوع من الحوار يتحول نمط الحوار من حوار تناوبي يدور بين شخصيتين أو أكثر إلى حوار فردي يعبر‬ ‫عن حياة الشخصية الباطنية)‪ .(150‬وقد ارتبط هذا النوع من الحوار بروايات تيار الوعي التي تعتمد على المونولوج‬ ‫الداخلي بشكل كبير في التعبير عن أفكار الشخصيات ومحتواها النفسي‪.‬‬ ‫وسوف نتحدث عن الحوار الداخلى والخارجى بالتفصيل لحقاً‪ ،‬وسنعرض له نماذج توضيحية فى الفصل القادم‪.‬‬ ‫الخاتمة‪:‬‬ ‫)( بناء المشهد الروائي‪ ،‬ليون سرميليان‪ ،‬ترجمة‪ :‬فاضل ثامر‪ ،‬مجلة الثقافة الجنبية‪ ،‬العدد ‪ 2‬لسنة ‪.78 ،1987‬‬ ‫‪144‬‬ ‫‪145‬‬ ‫بناء الرواية ‪))65‬‬ ‫‪146‬‬ ‫‪147‬‬ ‫)( الحوار في القصة والمسرحية والذاعة والتلفزيون‪.118 :‬‬ ‫‪148‬‬ ‫)( تقنيات السرد الروائي عند غادة السمان‪.111 :‬‬ ‫‪149‬‬ ‫‪150‬‬ ‫)( الحوار في الخطاب المسرحي‪ ،‬محمود عبد الوهاب‪ ،‬مجلة الموقف الثقافي‪ ،‬العدد ‪ 10‬لسنة ‪.48 :1997‬‬ ‫)( الحوار في القصة العراقية القصيرة‪ ،‬فاتح عبد السلم‪،‬رسالة دكتو اره‪.107 -106 :‬‬ ‫)( الزمن الت ارجيدي في الرواية المعاصرة‪ ،‬سعد عبد العزيز‪.39 :‬‬

‫‪116‬‬ ‫إن الزمن في العمل البداعي‪ ،‬هو نوع من تصالح النسان مع ذاته‪ ،‬إذا كان فعل \" النسان هو الزمن‪،‬‬ ‫\"إذ في هذه الحالة نقترب من الزمن أكثر ؛ لنه ك \"أنا أكون‪ ،‬وبهذا يتحول الزمن في العملية البداعية إلى أداة‬ ‫طيعة تسهم في جماليات النص الدبي‪ ،‬لتسمو به إلى مرتبة الخلود‪.151‬‬ ‫وي رى جي ل دول وز أن الزم ن‪ ،‬ل المك ان‪ ،‬ه و الحاض ن للب داع‪ .‬المك ان نتيج ة عرض ية غي ر أساس ية‪،‬‬ ‫نتيج ة م ن نتائ ج الزم ن‪ ،‬والرتب اط بالمك ان يش به الرتب اط الع اطفي الحماس ي‪ ،‬بينم ا الرتب اط ب الزمن ه و علق ة‬ ‫معرفية للعالم‪ ،‬لن المكان ليف جسر حركة التأريخ‪ ،‬وفي المقابل يقوم الزمن بوصفه حاملً للمكان وللكينونة مع اً في‬ ‫جنباته بتفسير هذه الحركة‪ ،‬فالرتباط بالمكان هو من مخلجفات الذاكرة الريفية الجمعية‪.‬‬ ‫ودائم ا ماتحم ل الكتاب ة مفارق ة‪ ،‬فمن ذ كتاب ة أول جمل ة ف ى الن ص يك ون ك ل ش ىء ق د انقض ى‪ ،‬ال اروى‬ ‫يحكى أحداثا انقضت‪ ،‬لكن هذا الماضى يمثل لنا نحن الق ارء حاض ار قصصيا ‪ .‬يظل الفعل الماضى هو أقوى‬ ‫وأقدم الفعال المستخدمة فى الحكى حيث يرتبط بتاريخ الشخصية وماضيها‪ .‬لكن مع كتاب تيار الوعى الذين‬ ‫استعار منهم الكاتب كثير من التقنيات فى عمله الخير‪ ،‬يصبح الماضى جزءا من الحاضر لينفصل عنه‪ ،‬فهو‬ ‫مطبوع فى ذاكرة الشخصية تستدعيه اللحظة الحاضرة بل نظام أو ترتيب‪ .‬لتظهر الحداث الماضية فى كتلة‬ ‫نصية واحدة ولكنها تتوزع فى النص كله‪ ،‬ومهمة تجميعها هى مهمة القارىء‪ .‬لم يعد ال اروى إذن ذلك الحكاء‬ ‫الشعبى الذى يبدأ بكان ياما كان ويسير فى خط كرونولوجى متسلسل‪.‬‬ ‫وعندما ننظر فى عمل الكاتب فمن الطبيعى أن يشغلنا كيف تعامل مع الزمن فى نصوصه ‪ .‬حيث‬ ‫تقول النظرية النسبية أن الفصل بين الفعل والزمن أمر محال لن الزمن هو البعد ال اربع للمكان‪ .‬على العموم‬ ‫يشير الزمن الخارجى وهو زمن الحكاية أنها تمتد على مسافة زمنية تمتد من الربعينيات حتى ثورة يناير فجاء‬ ‫المجتمع الريفى قبل ثورة يوليو‪ ،‬والثورة ثم النكسة وحرب أكتوبر ثم زمن النفتاح وغزو الع ارق واجتياح لبنان حتى‬ ‫قيام ثورة يناير ‪.‬‬ ‫أما زمن التلقى فق د ص درت ولهم يحزنون بتاري خ ‪ ، 2005‬زمن الزن ازين ‪ ، 2011‬م وال الص با ف ى‬ ‫المشيب‪ 2013،‬وليمكننا التأكد من زمن الكتابة أى الوقت الذى استغرقه الكاتب فى انتاج نصوصه‪ ،‬لكن المؤكد‬ ‫أن أطولها زمنيا هو موال الصبا فى المشيب‪.‬‬ ‫ولجأ الكاتب كما أرينا فى تقنياته للت ارتب والت ازمن والسترجاع والستباق‪ .‬كل هذا فى حركات ارتدادية‬ ‫وفى ديالكتيك بين الذات والزمن‪ ،‬وكذلك إلى استخدام تقنيات تيار الوعى مثل الحوار الداخلي والتداعي ‪ ،‬كذلك‬ ‫تحكم فى ايقاع النص فأسرع وأبطأ الحكى بما يتفق فى معظم الحوال مع فكرته‪.‬‬ ‫ونلح ظ أن العلق ة الجدلي ة ال تي ترب ط الشخص ية م ع الزم ن الط بيعى وه و النص ف الث انى م ن الق رن‬ ‫العشرين والعقد الول من القرن الواحد والعشرين‪ ،‬قد مالت إلى التلخيص والثغ ارت أحيانا‪ ،‬بحكم طول تلك الفترة‬ ‫الزمنية لكنه مع ذلك يلجأ فى أحيان كثيرة للبطاء السرد بدرجة أقل عن طريق المشهدية والحوار‪ .‬تتجلى الجدلية‬ ‫أيضا في الم ازوجة بين حاضر الشخصية وماضيها باتجاه الموت‪ ،‬وبين حاضر الشخصية وماضيها لستش ارف‬ ‫التي‪ .‬أما الزمن الصرفى المهيمن فى النصوص فكان هو الفعل الماضى لقوته ودللته فى اللغة العربية حيث‬ ‫انظر ف ارنسواز داستور‪ ،‬هيدجر والسؤال عن الزمان ‪ .‬ت ‪ .‬سامي أدهم ‪ 1993 .‬ص ‪))25 :‬‬ ‫‪151‬‬

‫‪117‬‬ ‫أن ه حس ب الن ص القرآن ى يس تطيع التع بير ع ن المس تقبل‪ .‬أم ا الحاض ر أو الفع ل المض ارع فج اء ليعك س اهتم ام‬ ‫القاص بنفسية الشخصية أكثر من تاريخها‪ ،‬وخاصة فى النصف الثانى من موال الصبا فى المشيب ‪.‬‬ ‫يس تخدم ال اروي أيض اً التوثي ق الت اريخي‪ ،‬م ن خلل إش ا ارته إل ى تواري خ أح داث حص لت ف ي الماض ي‪،‬‬ ‫وعمد الكاتب إلى مقارنات بين الحاضر والماضى؛ المقارنة مع الماضى الخارجى والحاضر القصصى‪ ،‬وذلك‬ ‫لتفسير حاضر الشخصية أو لتفسير موق ف قديم يستطيع الن تفسيره فى ضوء معطيات الحاض ر‪ .‬كذلك دأب‬ ‫الكاتب على المقارنات من أجل إب ارز معالم التغير والتبدل والشارة الى مسار الزمن‪.‬‬ ‫ويلح ظ عل ى ال اروي ف ي عمل ه الخي ر موال الص با ف ى المش يب أن ه واق ع تح ت س طوة الحاض ر‪ -‬أي‬ ‫لحظة كتابة السيرة‪ ،‬فنجده يسهب في ذكر التفاصيل التاريخية بشكل ل يتناسب والغرض الذي يقوم عليه النص‬ ‫السير ذاتي الذي يركز فيه ال اروي على الحداث المتعلقة بالشخصية الرئيسة فحسب‪.‬‬ ‫هك ذا يص بح الزم ن عنص ر ه ام ودال وفاض ح‪ ،‬عل ى تمك ن المؤل ف م ن عمل ه‪ ،‬فق د اس تطاع الك اتب‬ ‫التعامل بمهارة مع الزمن الطبيعي )الموضوعي( والزمن النفسي‪ ،‬لبطال قصصه‪ .‬ونلحظ أن الزمن جاء انتقائي اًاً‬ ‫س واء ف ى اختي ار لحظ ة الحك ى أو ف ى اختي ار الح داث‪ ،‬والح وادث المفص لية ف ى تاري خ وماض ى الشخص يات ‪.‬‬ ‫وبص فة عامة نج د أن الزمن ة التاريخي ة ف ي الثلثي ة تخدم وتؤثر عل ى تنظي م الح داث‪ ،‬ونج دها متصلة مباش رة‬ ‫بلحمة النص ومؤدية دو اًر مهماً في ربط الحداث بالسير الزمني في النص‪.‬‬ ‫س وف نلح ظ أن المت ن الحك ائى ف ى وله م يحزن ون أى زم ن الحكاي ة يس تمر لثلث ة أي ام ولك ن المت ن‬ ‫الس ردى أو زم ن الخط اب يس تخدم في ه ال اروى العلي م العدي د م ن التقني ات س واء م ن خلل س رده أو م ن خلل‬ ‫الس ترجاعات \"الفلش ب اك\" ال ذى تق وم ب ه الشخص يات ل ذكر س يرة أبع د زمني ا ‪ .‬والمت ن الحك ائى ف ى رواي ة زمن‬ ‫الزن ازين يمت د ثلثي ن ش ه اًر‪ ،‬لكن ه يعتم د عل ى تقني ة الس ترجاع قري ب الم دى‪ .‬أم ا ف ى م وال الص با ف ى المش يب‬ ‫فالكاتب هنا يستعرض تاريخ حياته وتتدخل فى الحكى اللحظات الحاضرة لتمنع استرساله‬ ‫وق د استخدم ف ى ولهم يحزنون ع دة تقني ات أسهمت ف ى ابط اء أو تعطي ل الس رد حكاي ة س يدة القط ار‪،‬‬ ‫وحكاية القصة التى كتبها أخو البطل‪ ،‬وحكاية الخطاب الذى أرسله سالم‪ ،‬وأو ارق ابن عبد ربه عن السجن‪.‬‬ ‫أما فى زمن الزنازين فقد لجأ الكاتب كثي ار للسترجاع والمونولوج الداخلى والتداعى هذا غير حكايات‬ ‫الشخوص التى قابلها وعرفها فى السجن التى لم تتطور ولم تدخل فى علقات مع بعضها أو مع البطل‪ ،‬اللهم‬ ‫العلقة الثلثية بين البطل وعزيز وابو العينين ولكن أهم ما عطل الحكى هو الحكايات الشعبية التى كان الكاتب‬ ‫حريصا على اي اردها فى نصه‪.‬‬ ‫وأعترف أن عدم ترقيم الفصول يجعل الد ارسة من الصعوبة بمكان‪ ،‬ناهيك عن صعوبة د ارسة الزمن‬ ‫وتحليله ففى ولهم يحزنون يب دأ الحدث الصلى ب اعلن وفاة الش يخ مقب ل‪ ،‬وتتم دد تل ك اللحظة الزمني ة بمسح‬ ‫شامل أو مسقط أرسى على القرية لنرى كيف استقبل كل واحد من القرية هذا الخبر‪ ،‬وليستمر الكاتب فى ذلك بل‬ ‫يغير فى مكان الحدث بالتوازى فنعرف أنه\" \" فى نفس الوقت الذى اندفع فيه حمدى ليقطع المسافة بي ن العزب ة‬ ‫والقرية‪ ...‬كانت الست ستوتة أحمد الشرقاوى والدة محم د محم ود عثم ان ت دخل إل ى محط ة طنط ا ف ى طريقه ا‬ ‫للقاهرة بحثا عن حقيقة مصير ابنه ا ال ذى ش وهد لخ ر م رة مغش يا علي ه وملطخ ا ب دمائه ف ى ح وش قس م اول‬

‫‪118‬‬ ‫طنطا\" ويترك الكاتب س يدة القطار ليعود للقرية ويخلق زمن ا محايث ا وموازي اً لنف س الحدث \"فى نفس تلك اللحظة‬ ‫التى غلبها النوم فيها كان عبده أفندى والد سالم ينزل سللم البيت مهموما وحي ن خ رج م ن ب اب ال بيت وع بر‬ ‫الشارع استدار فى حدة نحو زوجته\" بعدها يعود بالزمن مسترجعاً حكاية الزوجة البندرية ليعود بالتاريخ أكثر من‬ ‫خمسة وعشرين عاما‪.‬‬ ‫أما فى بقية أعماله فالحكى يستمر على شريط زمنى متصاعد ليتوازى أبداً‪.‬‬ ‫لقد وظف سمير عبد الباقى في سيرته كل التقنيات الزمنية وهذا دليل على أن السيرة الذاتية ل تختلف‬ ‫عن غيرها من فنون السرد الخرى‪ .‬كما تدعم في الوقت نفسه موقفنا من موضوع الفضاء السيرذاتي فى كونه ل‬ ‫يختلف كثي اًر عن الفضاء الروائي‪.‬‬ ‫والحقيقة أن التعامل النقدى مع الزمن أمر صعب بصفة عامة‪ ،‬ومع ثلثية سمير عبد الباقى بصفة‬ ‫خاص ة‪ ،‬فالموض وع ث رى ومعق د يس تحق أطروح ة دكت و اره‪ ،‬له ذا لجأن ا لتقلي ل المثل ة ق در المك ان‪ .‬والتعام ل م ع‬ ‫الزمن فنياًاً \"كمن يقوم بتهشيم إناء بلوري‪ ،‬وعلى القارئ محاولة خلق انسجام‪ ،‬بين القطع المتناثرة هنا وهناك‪،‬‬ ‫مهم ا ك ان حج م ه ذه القط ع‪ .152‬فالبن اءات الزمني ة ف ي أري ميش يل بوت ور \"ه ي ف ي الواق ع م ن التعقي د المض ني‪،‬‬ ‫بحيث إن أمهر المخططات سواء كانت مستعملة في تحضير العمل الدب ي‪ ،‬أو في نقده ‪ ،‬ل يمكن أن تكون إل‬ ‫مخططات تقريبية‪ ،‬عديمة التقان‪ ،‬غير أنها تلقي شيئا من الضواء المزيلة للغموض‪\"153‬‬ ‫يا إلهى هل يستحق المر كل هذا الجهد؟ نعم‪ ..‬ألم يؤكد ماركيز‪ ،‬في أكثر من مقال‪ ،‬بأن أكثر ما‬ ‫يرهقه ويخيفه في الكتابة القصصية والروائية‪ ،‬هو عنصر الزمن‪.‬‬ ‫انظر بحثرابح الطرش مفهوم الزمن فى الفكر والدب \"مجلة العلوم النسانية\" مقال منشور على النترنت‬ ‫‪152‬‬ ‫ميشال بوتور‪ ،‬بحوث في الرواية الجديدة ‪ .‬ت ‪ .‬فريد أنطونيوس ‪98:99‬‬ ‫‪153‬‬

‫‪119‬‬ ‫ضمائر السرد‬ ‫إن أبسط الصيغ الساسية للرواية هي صيغة الغائب‪ ،‬وفي كل مرة يستعمل الكاتب فيها صيغة أخرى‬ ‫يك ون ذل ك‪ ،‬نوع اً م ا‪ ،‬عل ى س بيل \"المج از‪ ،‬فعلين ا ألّ نتقي د به ا حرفي اً‪ ،‬ب ل نرّده ا إل ى ص ورتها الساس ية‬ ‫المضمرة‪.‬‬ ‫ميشيل بيتور‬ ‫الس رد لغ ة ه و ض م ش يء إل ى ش يء‪ ،‬يق ال س رد الح ديث أي ج اء ب ه ف ي س ياق متت ابع وجي د‪ ،‬أم ا‬ ‫اصطلحا فهو إخبار عن إحداث واقعية أو متخيلة باستعمال اللغة‪ ،‬و السرد القصصى بصفة عامة‪ ،‬عملية ذات‬ ‫طبيعة معقدة‪ ،‬ومما يزيد في تعقيدها‪ ،‬استعمال الضمائر وتوظيفها‪ ،‬وقد نبه \"ميشيل بوتور\" إلى أهمية الضمائر‬ ‫في الرواية‪ ،‬حيث أرى أنه \" ل بد من د ارسة طريقة استعمالها ‪ ،‬وتوصل إلى أن الضمائر المصطنعة في الحكى؛‬ ‫هي ضمائر مركبة في أغلبه ا؛ فمثل ضمير الس رد \"أن ا\"‪ ،‬هو مركب من ضميرين أنا وهو‪ .‬ومن وظائف لعبة‬ ‫الضمائر‪ ،‬أنها ل تسمح بتميز الشخصيات عن بعضها البعض فحسب‪ ،‬ولكنها أيضا \" تعتبر السبيل الوحيد ال ذي‬ ‫نملكه‪ ،‬والذي به نميز المستويات العديدة للوعي‪ ،‬أو للكمون الذي يركب كل واحد منها‪ ،‬ويموضعها ضمن الخر‬ ‫وضمننا\"‪154.‬‬ ‫ونحن إ ازء ثلث روايات سيرية لسمير عبد الباقى ‪ ،‬بترتيب ظهورها كانت كالتالى ولهم يحزن ون‪ ،‬زم ن‬ ‫الزنازين‪ ،‬موال الص با ف ى المش يب أم ا عمل ه الش كالى فه و رواي ة م وال الص با ف ى المش يب فق د ح اول ف ى ه ذا‬ ‫العمل التوفيق بين النا والخر أى بين الذات والموضوع‪ ،‬ولنها تحكى تاريخا له أصداء فى عمليه السابقين‪،‬‬ ‫ب رز في ه الضمير الث انى أن ت‪ ،‬وذلك لن الجدل مع الذات جاء بصورة أشد حدة منه ف ى عمليه الس ابقين‪ .‬لق د‬ ‫واجهت سمير عبد الباقى مشكلة التوقف عن الكتابة فلجأ لتقنية المونولوج الداخلى وصار ضمير المخاطب أكثر‬ ‫الحاحاً ‪ ،‬وكأنه يحاكم ذاته‪ ،‬وهذا الضمير هو ضمير ملتبس أساساً‪.‬‬ ‫أولً‪ :‬السرد بضمير الغائب‪:‬‬ ‫إن استعمال ضمير الغائب في النص‪ ،‬هو أقدم ضمائر السرد وأكثرها شيوعاً‪ ،‬حيث يمكن السارد من‬ ‫إب داء وجه ة نظ ره تج اه الحكاي ة المروي ة‪ ،‬و تبن ي فك رة م ا أو رفض ها‪ ،‬دون أن يك ون شخص ية مقحم ة ب داخلها‪،‬‬ ‫ويعده رولن بارت أقوى ضمائر الحكى‪ ،‬حيث يتوارى السارد خلفه ليمرر ما يشاء من الفكار واليديولوجيات ‪،‬‬ ‫كما أنه يجنب المؤلف السقوط في فخ \" النا\"‪ ،‬الذي يجر عادة لسؤ الفهم‪ .‬أخي ار سيحمى السارد من إثم الكذب؛‬ ‫إذ يجعله مجرد حكاء‪ ،‬أي مجرد وسيط أدبي ينقل للقارئ ما سمعه أو علمه من سواه‪ .‬وهو بهذا إنما يوحي بنوع‬ ‫من النفصال بين النص وناصه‪.‬‬ ‫‪M.Butor. le Roman comme Recherche, Munuit, Paris, 1960. P123 154‬‬

‫‪120‬‬ ‫واص طناع ض مير الغ ائب‪ ،‬يفص ل زم ن الحكاي ة ع ن زم ن الحك ي‪ ،‬م ن الوجه ة الظاهري ة عل ى الق ل‪،‬‬ ‫وذلك لنه يرتبط بالفعل السردي كان؛ أي أنه يسوق الحكي إلى المام‪ ،‬ولكن انطلقاً من الماضي‪ ،‬وهي تقنية‬ ‫مناقضة للذات التي تصطنع ضمير المتكلم‪ .‬أى أنه مجرد خدعة سردية‪ ،‬يحمل القارئ على التصديق بحدوث ما‬ ‫يجري‪ ،‬وأن ي دخل في التاريخ والواقع من حيث أنه نسيج لغوي‪ ،‬وهو في الوقت نفسه تقنية روائية للتعامل مع‬ ‫الزمن الذي هو زمن الكاتب وحده قبل كل شيء‪155.‬‬ ‫كما أن هذا الضمير يتيح للكاتب أن يعرف عن شخصياته‪ ،‬وأحداث عمله السردي كل شيء‪ ،‬فيكون‬ ‫وضعه السردي قائماً على اتخاذ موقع خلف الحداث التي يسردها ‪ 156.‬هذا الوضع السردي يجعل من ضمير‬ ‫الغائب تجسيداً لما يطلق عليه جون بويون )الرؤية من الخلف( ويرمز إليه تودروف ب صيغة السارد يعرف أكثر‬ ‫مما تعرفه الشخصية أو بتعبير أدق يكون أكثر معرفة مما تعرف جميع الشخصيات‪. 157‬‬ ‫ف ى وله م يحزن ون وه ى أول ى رواي ات الثلثي ة اس تخدم س مير عب د الب اقى ض مير الغ ائب‪ ،‬ع دا ف ى‬ ‫افتتاحيتها التى كتبت بالضمير الول‪:‬‬ ‫\"فج ر الي وم ال ذى توص لت في ه بع د إمع ان الفك ر ف ى ك ل الحتم الت إل ى الق ارر الحاس م الخي ر بقت ل‬ ‫الذبابة اللعينة التى تخلقت م ن تلل الجث ث اليومي ة وال تى لتك ف ع ن ال زن والطي ارن ف ى دوائ ر حلزوني ة بي ن‬ ‫عينى وبين الصفحات البيض‪ ..‬لتجعل من الكتابة ع ذابا ليط اق وألم ا لح دود ل ه‪..‬كنت ق د تعاق دت م ع إح دى‬ ‫محطات العلم المبكر على كتابة قصة حياتى‪\"...‬‬ ‫لكن المتن الحكائى جاء بالضمير الثالث‪ ،‬فبعد ما أسماه \"فذلكة\" تبدأ الحكاية فعليا ص ‪21‬‬ ‫\"بعد منتصف ليل الثالث من صفر الذى وافق الث انى عش ر م ن أمش ير ف ى الع ام ال ذى ج اء رمض انه‬ ‫فى عز حر أبيب وقبيل موعد صيحات الديكة التى كانت ستبشر بفج ر الربع اء ال ذى ع ادت ف ي الي وم الس ابق‬ ‫عليه عربة الت ارحيل إلى سجن المنصورة حاملة المتهمين الثلثة سمير عبد الباقى الطالب بكلية الز ارعة‪\"...‬‬ ‫ربما يرجع ذلك كونها الرواية الولى‪ ،‬فحاول فيها الكاتب أن يكتب ملتزماً بالشكل الكلسيكى‪ ،‬واستخدم‬ ‫اس م س الم كقن اع روائ ى‪ ،‬لك ن يتض ح م ع تق دم الش ريط الس ردى أن الك اتب مش غول بس يرة القري ة ل س يرة البط ل‪،‬‬ ‫والحق أن إغ ارء ال اروى العليم الذى يعرف عن الشخصيات أكثر مما تعرف هى عن نفسها‪ ،‬جعله بالتأكيد قاد ار‬ ‫على سبر أغوار شخصياته‪ ،‬بالصورة التى يح ب أن ي اره ا‪ ،‬ويحمل هو ف ى ي ده صكوك ب ارءته ا أو إدانته ا‪ .‬لق د‬ ‫منحه ذلك الضمير امكانات هائلة‪ ،‬ففى حكاية فرج ال يستطيع السارد إدانة الجلد الشيخ مقبل‪ ،‬وأن يسوق لنا‬ ‫مبر ارت إنسانية لضعف الضحية فرج ال‪ ،‬كما أنه منحه القدرة على اللجوء للغ ارئبية فى تصوير أشباح فرج ال‪،‬‬ ‫وفى تسخير قوى غي ر منظورة لخدمة هدفه‪ .‬الس رد بضمير الغائب ‪-‬رغ م أنه ا سيرة سمير عبد الباقى الشاعر‬ ‫والمناضل اليسارى كما سيفهمها القارىء والتى ستتأكد بعد ذلك فى عمليه التاليين‪ -‬جعل هذا العمل أكثر التصاقا‬ ‫بف ن الرواي ة من ه بف ن الس يرة ذاتي ة‪ .‬م ع تس ليمنا كم ا أوض حنا للق ارىء الكري م أن الس يرة الذاتي ة تظ ل ه ى ال ارف د‬ ‫الساسى لى عمل كتابى‪.‬‬ ‫سيرة جبرا‬ ‫‪155‬‬ ‫‪156‬‬ ‫في نظرية الرواية‪.179 -177 :‬‬ ‫‪157‬‬ ‫نظرية السرد من وجهة النظر إلى التبئير‪59 :‬‬

‫‪121‬‬ ‫ثانيا السرد بضمير المتكلم‪:‬‬ ‫بدأ استخدام هذا الضمير بصورة خاصة في كتابات السيرة الذاتية‪ ،‬لما فيه من حميمية‬ ‫وبساطة‪ ،‬وقدرة على تعرية النفس ‪ ،‬وهذا يجعل \"الن ا\" تجسيداً لما يطل ق عليه \"الرؤية بالمصاحبة\" في عرض‬ ‫الحداث ونقلها للمتلقي‪ ،‬وذلك بحكم وجود السارد كشخصية في الن ص؛ أي أن كل معلومة أو سر من أس ارر‬ ‫الشريط السردي‪ ،‬يأتى متصاحباً مع \"أنا\" السارد‪.‬‬ ‫تخلق حميمية الضمير المتكلم )أنا( ألفة بين القارئ والحدث‪ ،‬وقد يظن المتلقى قليل الخبرة أن الحكاية‬ ‫المروي ة‪ ،‬ت أتي دون واس طة‪ .‬وه ذا ماح ذر من ه رولن ب ارت بتأكي ده المس تمر أن )أن ا( الك اتب ليس ت أب داَاَ )أن ا(‬ ‫الن ص‪ .‬والح ق أن ض مير الن ا يجع ل الحكاي ة مندمج ة ف ي روح المؤل ف‪ ،‬فيتلش ى الح اجز الزمن ي ‪ ،‬بي ن زم ن‬ ‫السرد وزمن السارد‪ ،‬ظاهريا على القل‪ .‬كما أنه يذيب النص السردي في الناص‪ ،‬ويجعل المتلقي متعلقا بالعمل‬ ‫السردي‪ ، ،‬متوهماً أن المؤلف هو إحدى الشخصيات فى النص‪ ،‬إنه يلغي دور المؤلف بالنسبة للمتلقي الذي ل‬ ‫يكاد يحس بوجوده‪ .‬هذا الضمير يحيل على الذات في حين أن ضمير الغائب يحيل على الموضوع ‪.‬‬ ‫وطبيعى أن تكون السيرة الذاتية مكتوبة بالضمير الول‪ ،‬فمعروف أن)النا( مرجعيته جوانية في حين‬ ‫أن )الهو( مرجعيته ب ارنية‪ .‬ولننا بصدد عمل يتأرجح بين الحقيقى والمتخيل‪ ،‬بين الواقع كما حدث أو كما يخال‬ ‫الك اتب أن ه ق د ح دث‪ ،‬يص ر س مير عب د الب اقى ف ى زم ن الزن ازين وف ى وم وال الص با ف ى المش يب عل ى ض مير‬ ‫المتكلم بحكم أنه أكثر قدرة على الغوص في مجاهل النفس‪ ،‬وغيابات الروح‪ ،‬فضمير السرد المناجاتي يستطيع‬ ‫التوغل إلى أعماق النفس البشرية فيعريها بصدق‪ ،‬ويكشف عن نواياها بحق‪ ،‬ويقدمها إلى القارئ كما هي ل كما‬ ‫يجب أن تكون‪158.‬‬ ‫ويرى جي ارر جينيت في كل حكي لشكل سيرذاتي مسافة فاصلة بين )أنا الساردة وأنا المسرودة( أي أن‬ ‫التطابق التام بين السارد والبطل أمر غير وارد‪ ،‬حتى في النص السيرذاتي‪ ،‬فالسارد حتماً يعلم أكثر مما يعلمه‬ ‫البطل )الشخصية المركزية(‪ ،‬وهذا ما يذهب إليه استاروبنسكي هو الخر عندما يؤكد بأن ضمير المتكلم )أنا(‬ ‫ليس \"متبنى وجودياً من قبل أي شخص‪ ،‬إنه أنا( بدون إحالة إذ أنه ل يحيل إل على صورة مخترعة‪159.‬‬ ‫زمن الزنازين جاءت كلها بالضمير الول‪ ،‬حيث يحكى سمير عبد الباقى بالتفصيل عن تجربة السجن‪،‬‬ ‫العمل أشبه بمذك ارت المساجين السياسيين والمعتقلين‪ ،‬لكنها مع ذلك التزمت خطاً روائياً ‪ ،‬وكان هذا الضمير‬ ‫أك ثر م دعاة لتع اطف الق ارىء‪ ،‬فمن ذ اللحظ ة الول ى يص بح البط ل \" الش اب اليس ارى\" ه و ب ؤرة الح داث‪،‬‬ ‫والشخصيات التى سيقابلها ستكون عدي دة مختلفة ومتنوع ة‪ ،‬لكن ال اروى بحكم أن ه العي ن التى ترص د‪ ،‬ل يع رف‬ ‫مكنون ات الشخص ية‪ ،‬وليع رف ع ن نفس يتها س وى الق در الض ئيل ال تى تب وح ب ه‪ ،‬وعل ى ه ذا ينتق ل للق ارىء ج و‬ ‫الخوف وعدم الثقة فى مواجهة أكثر من آخر مجهول‪ ،‬وفى ظرف انسانى شديد الستثنائية) السجن( قد يثير‬ ‫ردود أفع ال غي ر متوقع ة للشخص يات م ادامت تح ت وط أة القه ر أو الظل م‪ ،‬ولنكتش ف م ايمور ف ى أعماقه ا إل‬ ‫بتجميع النذر اليسير من البوح الذى يدور فى حضرة البطل‪ ،‬أو عن طريق شخص آخر‪ ،‬مثال ذلك قصة عزيز‬ ‫‪ 158‬في نظرية الرواية‪.185 :‬‬ ‫‪ 159‬النقد والدب‪ ،‬جان ستاروبنسكي‪ ،‬ترجمة‪ :‬بدر الدين القاسم‪ .79 :‬وينظر‪ :‬طبيعة السيرة الذاتية وعلقتها بالرواية‪ :‬السيرة الروائية‬ ‫المغربية نموذجاً‪ :‬حميد الحمداني‪ ،‬مجلة آفاق المغربية‪ ،‬العدد ‪ 4-3‬لسنة ‪.36 :1984‬‬

‫‪122‬‬ ‫ال تى نع رف مأس اته ل م ن علقت ه ب ال اروى البط ل وح ده‪ ،‬ولك ن م ن الخري ن ) الض ابط ميخائي ل والس جين \"أب و‬ ‫العيني ن\"‪ ،‬وعل ى ه ذا يك ون التش ويق مض اعفاً ويص بح الق ارىء ش ريكاً أص يلً ف ى اللعب ة‪ ،‬فه و يتوح د م ع البط ل‬ ‫ويستبد به نفس الفضول لمعرفة قصة عزيز‪ .‬أما فى \"موال الصبا فى المشيب\"‪ ،‬فق د خف ف ض مير المخ اطب م ن‬ ‫إحساس القارىء بنرجسية الكاتب‪ ،‬ولعب فيه الحوار بين النا والذات دو اًر هاماً‪ ،‬فقد جاء بديلً عن القارىء نفسه‬ ‫الذى يتشكك بدوره فى صدق تلك النا التى تتولى الحكى وتحتكر الحقيقة‪.‬‬ ‫ثالثاً‪ :‬السرد بضمير المخاطب‪:‬‬ ‫منذ أن نشر ميشيل بوتور روايته »التعديل« عام ‪ ،1957‬ارح السرد بضمير المخاطب يحتل مكانة‬ ‫متميزة فى الكتابات الجديدة‪ ،‬ويستخدم بطرق مختلفة لدى عدد مت ازيد من الكتاب‪ . 160‬هذا الضمير‪\" ،‬الذي يعد‬ ‫أحدث الشكال السردية عهداً \"‪ ،‬هو تقنية‪ ،‬تهدف لمساعدة القارئ على الولوج داخل النص‪ ،‬وربطه فى علقة مع‬ ‫السارد لينتج عن ذلك تفاعل وتفعيل للحداث في النص‪ ،‬باعتبار القارئ طرفاً أصيل مشاركاً في إنتاج النص‪.‬‬ ‫أهم الخصائص المميزة للسرد بضمير المخاطب‪ ،‬أنه صيغة تمنح المؤلف طريقة جديدة لتناول المواقف‬ ‫القصصية التقليدية‪ ،‬وقد اعتبرها البعض أهم تقنيات السرد القصصي منذ تيار الوعي‪.‬‬ ‫واصطناع ضمير المخاطب في النص )أنت(‪ ،‬يجعلني مطالباً باكتشاف عالمه‪ ،‬وتخيله مع الشخصية‪.‬‬ ‫فهو يتيح للسارد‪ \" ،‬أن يستبد بجملة من المتيا ازت في مجال السرد الحداثي؛ حيث يقوم مق ام)هو(‪ ،‬ومقام )أنا(‬ ‫في الوقت ذاته‪ ،‬وهو المر الذي يجعلنا نخلص إلى أن ضمير المخاطب \"أنت\"‪ ،‬ممثل عن المتلقي‪ ،‬الذي يوفجه‬ ‫إليه خطاب الضمير المتكلم الخر‪.‬ومن بين الم ازيا التي دعت المؤلف إلى اللجؤ إلى استثمار ضمير المخاطب‬ ‫في النص‪:‬‬ ‫أ( أنه يجعل الحدث يندفع جملة واحدة في العمل السردي‪ ،‬لتجنب انقطاع الوعي‪.‬‬ ‫ب( يتيح وصف الوعي في حال كينونته‪ ،‬من قبل الشخصية نفسها‪.‬‬ ‫ج( يتيح وصف وضع الشخصية‪ ،‬والطريقة التي تولد بها اللغة فيها‪161.‬‬ ‫وفى حين يعتقد ميشيل بيتور ان‪) \":‬أنت( يتيح لي أن أصف الشخصية كما يتيح لي الكيفية التي تولد‬ ‫اللغ ة فيه ا‪ \" ،\"162‬فكأنم ا ج اء )أن ت( لف ك العق دة النرجس ية الماثل ة ف ي الن ا‪ ،‬فف ي \"أن ت\" خلص للن ا‪ ،‬يع ترض‬ ‫مرتاض على ذلك قائلً‪ ،‬غير أنني ل أعتقد بأن \"أنت\" يستطيع مع ذلك إبعاد شبح \"النا\" المتسلط على الشريط‬ ‫السردي‪ ،‬بل لعله ل يزيده إل مثولً وشهوداً‪.\" 163‬‬ ‫الست ارتيجية السردية للسرد بضمير المخاطب‪:164‬‬ ‫‪ 160‬انظر دراستنا عن رواية ايموز‬ ‫‪ 161‬انظر\" لعبة الضمائر والسرد فى شرفات بحر الشمال\" بلوافى أحمد مجلة أقلم الثقافية‬ ‫‪.http://www.aklaam.net/newaqlam/index‬‬ ‫‪M. Butor. Déclaration. Le Figaro Littéraire. Paris du 7.12.1957.p 57 162‬‬ ‫‪ 163‬ينظر د ‪ .‬عبد المالك مرتاض‪ ،‬في نظرية الرواية‪ ،‬ص ‪252‬‬ ‫‪ 164‬السرد بضمير المخاطب فنيته ومعناه بريان ريتشاردسون ترجمة‪ :‬خيري دومة‬

‫‪123‬‬ ‫يميز ريتشاردسون بين ثلث صيغ للسرد بضمير المخاطب‪\" :‬الصيغة النموذجية‪ ،‬والصيغة الشرطية‬ ‫والصيغة »الموجهة إلى الذات «\"‪.‬‬ ‫من الضروري أول‪ ،‬حسبما يرى ريتشاردسون أن نفرق بين السرد بضمير المخاطب‪ ،‬وأنماط أخرى من‬ ‫الق ص توظ ف ض مير المخ اطب ع ادة عل ى مس توى الس رد‪ .‬وأح د ه ذه النم اط ح دي طث المؤل ف المع روف‪ ،‬ال ذي‬ ‫يت وجه في ه مباش رة إل ى الم روي علي ه أو»الق ارئ الكري م«‪ ،‬وربم ا نج د أك ثر توظيف اته وض وًحا ل دى ن ابكوف ف ي‬ ‫»لوليتا«‪.‬‬ ‫والنوع الثاني من السرد الذي يستخدم لفظة »أنت« بشكل متكرر‪ ،‬هو المونولوج الموجه إلى مستمع‬ ‫حقيقي أو متخيل‪ ،‬مثلما حدث في »السقوط« للبير كامى‪ ،‬أو المونولوج الوتوبيوج ارفي الموجه إلى الشخصيات‪،‬‬ ‫ورغ م أنه ا ليس ت إل أش كالً ص امتة ‪ -‬أو ق ل أش كالً احتمالي ة ‪ -‬داخ ل الع الم القصص ي‪ ،‬إل أنه ا ص وت واح د‬ ‫لمحاورة غير متساوية‪ ،‬إنها محاكاة مقنعة بقناع رقيق من السرد‪.‬‬ ‫يمكن تعريف السرد بضمير المخاطب بأنه أي سرد يضع بطله في صورة ضمير المخاطب‪ .‬ويكون‬ ‫ه ذا البط ل ع ادة ه و الش خص الوحي د ال ذي ن رى الع الم م ن بؤرته‪ ،‬كم ا أن ه هو أي ًض ا الم روي علي ه ف ي العم ل‪.‬‬ ‫وتفح َكى القصة غالبا في الزمن المضارع‪ ،‬وبعض الشكال تتضمن كذلك استخداماً متكر اًر للزمن الشرطي والزمن‬ ‫المستقبل‪.‬‬ ‫وأكثر أشكال السرد بضمير المخاطب شيو ًعا‪ ،‬وهو »الشكل النموذجي«‪ ،‬ففيه تفح َك ى القصة ع ادة في‬ ‫الزمن المضارع‪ ،‬وحول بطل واحد هو الذي يشار إليه بضمير المخاطب‪ ،‬وتشير »النت« إلى ال اروي والمروي‬ ‫عليه أي ًضا‪.‬‬ ‫لحظتها يصبح لدينا نمطا مختلفا من السرد‪ ،‬ينطوي على غموض في هوية »النت« ووضعيتها؛ فهو‬ ‫م ن الوجه ة المعرفي ة‪ ،‬ض مير أش د التبا ًس ا م ن »الن ا« أو»اله و« التقلي ديين؛ ال»أن ت« وف ي قص ص ض مير‬ ‫المخاطب النموذجي يتمايز البطل‪/‬المروي عليه تماماً عن القارئ الفعلي أو الضمني‪ ،‬ومع ذلك فإن إحدى سمات‬ ‫ع دم الس تق ارر ف ي تل ك الص يغة الس ردية‪ ،‬أن ه ذا التم ايز يمك ن مح وه إذا أمك ن »للن ت« أن تش ير أيض اً إل ى‬ ‫القارئ‪ .‬فى الواقع إن ضمير المخاطب هو عادة شكل م اروغ‪ ،‬ومنتهك‪ ،‬ومضيء‪ ،‬إنه دائم الوعي بمك انته‪ ،‬وغالباً‬ ‫م ا يخف ي نفس ه‪ ،‬لعًب ا عل ى ح دود الص وات الس ردية الخ رى‪ ،‬ويمك ن رؤي ة ه ذا بوض وح إذا تأملن ا التلع ب‬ ‫بالضمائر في نصوص ضمير المخاطب الشبه بقصص ضمير المتكلم‪. 165‬‬ ‫إن اختي ار ش كل »الن ت« يغفي ر بص ورة ح ادة م ن نغم ة العم ل‪ ،‬ويمن ح ال اروي وض عية للكلم متمي زة‪،‬‬ ‫وض عية تن زع اللف ة ع ن فع ل الس رد بش كل مس تمر؛ إذ يمك ن أن يتول د ع ن اس تخدامها نوع ا م ن التم اهي م ع‬ ‫»النت« التي نقاومها‪ ،‬والتى رغم ذلك قد نتعاطف معها تماما ‪.‬‬ ‫لكن ضمير المخاطب \"أنت\" فى رواية \"موال الصبا فى المشيب\"\"‪ .‬هو ضمير مربك بح ق‪ ،‬فعل ى مدار‬ ‫العمل سيتشكك القارىء من المقصود بذلك الضمير ‪ .‬هل هو تلك الذات المتمردة التى تتلبس البطل أم هى فعل‬ ‫‪ 165‬السابق‬

‫‪124‬‬ ‫ذات أخرى‪ ،‬شخصية من لحم ودم‪ ،‬عايشت ذلك البطل وأثرت على سلوكياته وقلقلت ثوابته‪ .‬إن توظيف ضمير‬ ‫»النت« يأتي بعنصر عدم الستق ارر‪ ،‬عنصر غياب الوضوح‪ .‬ويتعمق هذا العنصر عبر الشارة إلى استم ارر‬ ‫وجود صوت آخر‪» ،‬الصوت الصغير في الداخل«‪ ،‬ذلك الذي يفتت ذاتية البطل‪.‬‬ ‫وأحيانا ما يصبح \"أنت\" هو الضمير الذى يمثل انقسا ًما بين الذات والروح‪ ،‬وحواًار بين »الهو« و»النا‬ ‫العلى« ‪ ،‬وفى النصف الثانى من \"الموال\" سيستخدم صوت شخصية أخرى لتستجوب نفسها‪ .‬إن طبيعة السرد‬ ‫بضمير المخاطب هى دائما طبيعة م اروغة فهو يقدم كل هذه الفرضيات المعقولة‪ ،‬بينما يؤكد أنه ل يمكن تحديد‬ ‫أية فرضية منها‪ .‬وما دامت الروايات مستمرة‪ ،‬ستظهر إمكانيات أكثر للتفسير‪ ،‬فليس هناك تفسير واحد لى عمل‬ ‫ابداعى‪ ،‬الفن نفسه ذو طبيعة م اروغة‪.‬‬ ‫الضمير المخاطب الثانى إذن هو أحد الضمائر الشكالية التى استخدمها الكاتب‪ ،‬ففى الفصل الثانى‬ ‫ح ديث ع ن ذل ك المغن ى ع ازف الرباب ة ‪ .‬ونك اد نعتق د أن الموض وع يتعل ق بص ديق‪ .‬يع رف أس ارر النس اء ول ه‬ ‫علقات بنساء أو بمثليين‪ .‬ذو فحولة جنسية‪ ،‬متشرد‪ ،‬أفاق‪ ،‬ويعرف سيرة أبى زيد وصديق مخلص للسارد‪ .‬بل‬ ‫نظن أن الكاتب لم يذكر اسمه حتى ليهتك ستره‪ .‬فقد ارتكب الكثير من الج ارئم الجنسية فى معظمها‪ ،‬وليظن‬ ‫الق ارىء للوهل ة الول ى أن س لوكيات كه ذه ستص در ع ن البط ل ال ذى نش أ ف ى كن ف أس رة محافظ ة وتقالي د ريفي ة‬ ‫ارسخة‪ ،‬الستمناء‪ ،‬العتداء على جارة‪ ،‬أو ممارسة الرذيلة مع رجل‪..‬ال خ‪ ،‬كما أنه بكل تأكيد يعرف أكثر مما‬ ‫تسمح به ظروف البطل‪ ،‬فهو يكاد يتسلل ليلً لحج ارت النوم‪ ..‬لكن صب اًر‪ ..‬ربما كان ذلك نوع من الخجل يمنع‬ ‫الكاتب من العت ارف أنه هو نفسه ذلك الخر ‪ .‬لكننا لو أعدنا الق ارءة لمكننا بسهولة تفسير ذلك‪ ،‬فالشاب ذو‬ ‫الخيال القوى الحكاء المطبوع والممثل الذى سيلعب بعد ذلك أدوا اًر على خشبة المسرح الرسمية‪ ،‬بل مارس التمثيل‬ ‫منذ نعومة أظفاره‪ ،‬كان يلعب أمام الولد من سنه دور تلك الشخصية التى تمنى أن يكونها‪ ،‬فصدقوا وصدق هو‬ ‫بدوره أن ذلك الخر موجود‪.‬‬ ‫\"كنت أنا أيام الطفولة والصبا ف ارشة تجوب الحقول‪...‬‬ ‫كنت أنت فأ ار بريا يتسلل عبر السطوح إلى الحواش‪...‬وأركان حموم النساء السرية‪.‬‬ ‫ف ى ع ز الظه ر وبع د الخ روج م ن الم اء البح ر الص غير إل ى ظ ل صفص اف المغ ذى تجم ع الجس اد‬ ‫العارية حولك وأنت تمارس بالطين الناعم اللزج العادة السرية جها ار نها ار ‪.‬‬ ‫هيه ات وه م ليملك ون مث ل ه ذا الف رع ال داكن ال ذى ليتناس ب ل ونه م ع بي اض بش رتك وك أنه عض و‬ ‫مضاف لجسدك النحيل منتزع من جثة رجل لها صورة أخرى‪\".‬‬ ‫فى المقطع السابق يمكن للضمير أنت أن يحيل إلى النا ‪ ،‬ولكن فى المقطع التالى ليمكن للقارىء‬ ‫الحسم من هو المقصود بذلك الضمير‪ ،‬خاصة أن الكاتب لن يخبرنا على مدار العمل‪ ،‬بأية تفاصيل إض افية ع ن‬ ‫ابنة الجار أو الفتوة أو أم بهلول‬

‫‪125‬‬ ‫وعن زوجة ابن جاركم الصبية ال تى تحتض نك لهث ة فيم ا بي ن البرمي ل والزي ر ف ى رك ن متحص نة م ن‬ ‫اللوم بحنان أمومى ليخف ى زيف ه القمي ص الش فاف المبل ول لتع وض بح اررت ك ب رودة لي ال طويل ة م ن الحرم ان‬ ‫الشرعى ‪.‬‬ ‫ع ن ذل ك الس طى الفت وة ذو الش ارب والص وت الع الى ال ذى يتحك م ف ى مي دان المحط ة‪ ...‬وه و ملق ى‬ ‫تحتك فوق كوم التبن القذرة يتأوه ككلبة لئدة‪.‬‬ ‫عن زكية ذات الجسم الضخم الذى يبلغ حجم فردة ثديها حجم طفل ص غير س مين وال تى تأخ ذ زوجه ا‬ ‫النحيل كالسحلية بين فخذيها الهائلين لينزل ق ف وق بطنه ا القب ة متق اف از ف ى ه وس ف وق تضاريس ها ك البرغوث‬ ‫اللسع لكنه قادر دائما أن يشكمها فتصدر آهاتها المسرسعة الملتوية التى يضحكنا م ن القل ب تقلي دك له ا وأم‬ ‫بهلول التى تبوح بأغنية خاصة لكل رجل يركبها فهى ترتل كالشيخة آمنة عندما تكون فى حضن زوجها الكهل‬ ‫وتلعل ع مث ل بن ت دعب س ف ى الف ارح وه ى تئ ن تح ت وط أة عنف وان ال واد بكي ر العربج ى ص ديق ابنه ا وتنف خ‬ ‫محمومة مثل ناقة الصحصاح فى أنفاس طويلة ملتذة مع الرجل الساهى جارها المدرس‪.‬‬ ‫كل حكايات النساء عندك ملونة ملحنة حية تجعلنا نعيش الحالة‪\".‬‬ ‫كيف يمكن إذن أن انفضك عن كاهلى ياصديقى وان أنزع أقنعتك عن وجهى‪.‬‬ ‫هو إذن – أو تلك الذات‪ -‬من شكل ملمح كينونة البطل‪.‬‬ ‫لكن هناك ماقد يثير الشك فى أن هذا الضمير ليتعلق بالكاتب‪ ،‬بل قد يسهو الكاتب أحياناً فل يفتح‬ ‫ثغرة للشك فى وجود تلك الذات البوهيمية المتمردة فحين نق أر السطور التالية‬ ‫كنا نخطفها عزيزة بنت عباس لنقبلها شركة فى مخزن الدريس تعطى نهدا لك ل من ا‪ ،‬فنرض ع كأطف ال‬ ‫الني ل ث م أنش غل أن ا بالغن اء بينم ا تس تحوذ أن ت عل ى أرض المعرك ة‪ ... ،‬فأغ ار من ك ويغيظن ى تمادي ك ح تى‬ ‫الغضب ونظل نتضارب تحت المطر الوحشى الشتوى‪.‬‬ ‫لب د أن يعتق د الق ارىء بوجود حقيق ى غي ر ازئف لتل ك الشخصية التى تتجس د كيان ا من لحم ودم‪ ،‬كم ا‬ ‫يشير النص‪ ،‬ربما يذكرنا ذلك برواية نادى القتال \" للكاتب المريكي تشاك بولنيك التى تحولت إلى فيلم بنفس‬ ‫السم‪166 .‬‬ ‫\" أنت أغويتنى وعلمتنى أن أطرق الحديد وهو ساخن‪ ..‬فما بالك ونرجس كانت مشتعلة\"‬ ‫\" لم اكن أنا الذى يتكلم كان صوتك وعبا ارتك أنت الذى تلبسنى وأعطانى هذه الج أرة والمكر\"‬ ‫‪ 166‬تتناول تلك الرواي‪:‬ة أزم‪:‬ة المجتم‪:‬ع الغرب‪:‬ي ال‪:‬ذي يح‪:‬اول أن يبح‪:‬ث ع‪:‬ن معن‪:‬ى لوج‪:‬وده ع‪:‬ن طري‪:‬ق الحض‪:‬ارة ألس‪:‬تهلكية‬ ‫وأزمة المعنى والتغريب الذي يعيشهم أفراده‪ ،‬وذلك من خلل شخصية الراوى )الذي لم يذكر اسمه ق‪:‬ط( ح‪:‬تى يقاب‪:‬ل ت‪:‬ايلر دوردن‪ ،‬ث‪:‬ورى‬ ‫يريد تدمير الحضارة الستهلكية التي دمرت النسان‪.‬وم‪:‬ع نهاي‪:‬ة الرواي‪:‬ة نكتش‪:‬ف أيض‪:‬ا ان ه‪:‬ذا الث‪:‬وري ه‪:‬و نفس‪:‬ه ال‪:‬راوي أو أن الث‪:‬وري‬ ‫الذي يريد تدمير الحضارة الستهلكية موجود داخل عقل الراوي أو هو شخصيته الخرى‪.‬‬

‫‪126‬‬ ‫ه ذه ال ذات الخ رى ه ى أه م بك ثير م ن تل ك الن ا ال تى ق د تب الغ ف ى أهميته ا‪ .‬تل ك ال ذات ه ى فعلي ا‬ ‫ماشكلت النا‪ ،‬و ليست النا إل صورة من تلك الذات بعد أن أخضعها وروضها مجتمع حافل بالتابوهات‪ .‬أليست‬ ‫هى التى قررت الرحلة وكانت دائما رفيق دربه‪ ،‬فلبد لتلك الذات ‪-‬مرجع الختلف‪ -‬أن تكون صاحبة فضل‬ ‫على النا‪.‬‬ ‫أعتق د أن ك تأك دت الل ن أن ال ذى ي دفعنى ويغرين ى م رة أخ رى بمع اودة الكتاب ة عن ك ه و أن ك بك ل‬ ‫المقاييس أعز ماابتلتنى به الدنيا من أصدقاء فى الطفولة والمدرسة بين الناس فى الحزب والسجن والغربة\"‬ ‫ولنتأمل هذا الحوار الذى يجعل الكتابة احدى تجليات تلك الذات‪ ،‬فلبد من ذكرها والرضوخ لمطالبها‪،‬‬ ‫وفى نفس الوقت لبد لها من العت ارض‪ ،‬أو أن تطل ب أرسها بين فينة أخرى لتصحح مسار الحكاية أو للتعليق‬ ‫على الحداث أو فضح أكاذيب النا والتذكير بالمسكوت عنه‪.‬‬ ‫\" ل ي احبيبى‪ ..‬إن ك تقص د )أن ا( بالكتاب ة عن ى تعن ى عن ك تس تطيع أن تتح رر لتتجم ل‪ ،‬وأن ت تك ذب‬ ‫فتحك ى‪ ،‬تخ ترع وق ائع ل م تح دث أو تغي ر ف ى ترتي ب الوق ائع كم ا تش اء‪ ،‬أو تب الغ ف ى قيم ة بعض ها وتختل ق‬ ‫شخصيات تنسب إليها نقائصك ومعايبك‪ ،‬مما يجعلك تضفى عل ى نفس ك ملم ح رومانس ية م ب أرة م ن ك ل خط أ‬ ‫وتظهر بريئا لم تقترف أى جريمة فى حق الل خرين أو فى حق نفسك\"‬ ‫وبالتأكيد أن غياب تلك الذات أو تأخرها فى الظهور أو الوجود سوف تسلم النا إلى لشىء‪ ،‬فبدونها‬ ‫لن يكتب حرفاً جديداً‪.‬‬ ‫\" لق د ك ان ف ى ني تى الن وق د ش جعنى ذك رك عل ى مع اودة الكتاب ة بع د انقط اع دام أك ثر م ن ع ام ‪،‬‬ ‫عجزت فيه عن إضافة سطر واحد إلى ماكتبته من قب ل عج از ويأس ا وقرف ا برغ م ص دور الرواي ة الول ى )وله م‬ ‫يحزنون(\"‬ ‫وأحيانا يلجأ الكاتب لستخدام امكانات الطباعة وخاصة الحروف المائلة ‪ ،‬عندما تتحدث الذات الخرى‬ ‫للتمييز بين الصوتين‬ ‫\" أن ت تمض ى ف ى تفاص يل م ايجرى عن دما يك ون م ا ح دث ل ه ص لة مباش رة بالص ورة ال تى ترس مها‬ ‫لنفسك ولن تسمح ذكر أى شىء يخدش حياءك من تلك الصورة\"‬ ‫\"لب د أن ه ذا ل ه أس باب تخش ى أن ت ذكرها فتثب ت جهل ك بم ا يج ري ف ي ال دنيا أو يثب ت وع دم إد ارك ك‬ ‫للعلقة بين تأثي ارت ما جرى للعالم عبر نصف قرن أو يزيد وبين تناقضات ذاتك !– أو خشية أن تظهر ق د ارتك‬ ‫المتواضعة على الحكي وأصول السرد الروائي فتكتفى أن تعل ق عج زك أن تك ون روائًي ا مش هوًار عل ى الحص ار‬ ‫المزعوم حولك والحرب المشرعة ضدك ولتعترف بقلة وتواضع موهبتك !–‬ ‫ويستمر الحوار مع الذات‪ ،‬ففى خريف العمر تصبح تلك الذات قريناً ملزماً تشغل النا عن واقعها‪:‬‬ ‫\" حيرتنى علقتى بك فى تلك السنوات ياصديقى لدرجة اننى أشعر الن ف ى ع ام ‪ 2010‬أن ك الس بب‬ ‫فى عجز ذاكرتى عن اللمام بتفاصيل حياتى خللها‪\"..‬‬

‫‪127‬‬ ‫وهناك اتهام من الذات لسمير أو لنا الكتابة بالكذب الصريح ‪ ،‬فتلك النا لم تكن مثالية أو عذ ارء كما‬ ‫تدعى ‪ ،‬كما انها ل تملك شجاعة تحمل مسئولية أفعالها‪.‬‬ ‫\" ‪ ..‬فهل س تغامر وتفعله ا وتحملن ي عبء س لوكك ف ي ش قة )فتح ي( ف ي )العج وزة( ‪ ..‬أو ف ي ش قة‬ ‫)الحدائق( ‪ ..‬حيث غرقت ف ي حم أه العلق ة الص ريحة م ع النص ف الس فل للن ثى دون اردع أو خج ل ‪ .‬وك ان‬ ‫م ن الض روري لف ن الكتاب ة أن تحملن ي مس ئولية تحريض ك عل ى ذل ك ‪ ،‬كم ا أدعي ت حي ن س بق وحكي ت ع ن‬ ‫)سيدة القطار( أو عن ج أرتك مع )نرجس( وغيرها فيما سبق من فص ول الرواي ة ‪ .‬وعص ور حيات ك الماض ية ‪.‬‬ ‫ومن أد ارك اننى كنت سأتنصل منك ومن أفعالك رغ م اختف ائي القه ري القل ق ‪ ،‬ول أتق دم بك ل وض وح وش جاعة‬ ‫لتبرير ضعفك لقضاتك أو لتحمل المسئولية عنك ‪\".‬‬ ‫ي رد أن ا الن ص ف ى محاول ة للتوفي ق بي ن الك ا والب ا أن ي ذكرها وي ذكر نفس ه أنهم ا ش ىء واح د ليس تطيع‬ ‫أحدهما النفصال عن الخر‪:‬‬ ‫\" عن أية مسئولية تتحدث ياصديق العمر‪ ،‬وانت الذى تخليت عن اه م وانب ل مس ئولية ألقاه ا التاري خ‬ ‫على عاتقك وع اتقى وع اتق أص دقائنا المش تركين مس ئوليتنا ع ن مس تقبل ال وطن والطبق ة العامل ة والفلحي ن ‪،‬‬ ‫عن دورنا التاريخى فى الص ارع الطبقى ‪ ،‬عن مسئوليتنا الحتمية ف ى قي ادة الجم اهير وزي ادة وعيه ا والتض حية‬ ‫قبلها من أجل المستقبل الذى حلمنا به لها\"‬ ‫وتل ك ال ذات الثوري ة لت رى ف ى اعت ارف ات الن ا مهم ا ب دت ش جاعة س وى ن وع م ن الغ رور والتع الى‪ .‬إن‬ ‫الع ت ارف غي ر حقيق ى‪ ،‬إن ه بق وله أن ه ه و المقص ر ف ى ح ق نفس ه ورفض ه أن يص نف مض طهداً ل م يك ن م ديحاً‬ ‫للتم رد‪ ،‬لن ه لم يق د الن ا نحو تغي ر ف ى المواق ف وأول عتب ات التغيي ر هى الفهم ومشكلة الن ا ف ى الثلثي ة عدم‬ ‫قدرتها على فهم نفسها‬ ‫\" ذلك ولكني مضطر أن أذكرك بقولك رًدا عل ى بع ض م ن س ألوك م ن الص حفيين أو مق دمي الب ارم ج‬ ‫التليفزيونية – عن السر و ارء حصارك وتجاهلك كشاعر وكاتب أطف ال ومس رحي !! )وه ل تش عر أن هن اك م ن‬ ‫يضطهدك ‪ - (–.‬فأخذتك العزة بنفسك وصرخت فيه م – م ن ال ذي يس تطيع أن يض طهدني – أن ا أض طهد بل د !‬ ‫‪ -‬وأضفت مفاخًرا أن أكثر من حارب وحاصر واض طهد اب ن عب د الب اقي ه و اب ن عب د الب اقي نفس ه ! ي اللهول‬ ‫والحق أقول أنن ي يومه ا أك برت في ك ه ذا ‪ .‬فق د ب دا ل ي اعت ارف ا قريًب ا م ن الحقيق ة ‪ ..‬ظنن ت أن ه س يقودك إل ى‬ ‫تصور أقرب للواقع وللحقيقة وللصدق عن نفسك ولكني اكتشفت أن به شوائب من التمادي ومن الغرور !\"‬ ‫الحقيقة كما تواجه بها الذات تلك النا المرتبكة هو اعت ارفه أن تلك النا لم تستطع التعامل مع الواقع‬ ‫الصديق أو العدو‪ .‬إن هزيمة اليسار المصرى لم يكن سببها فقط تدجينه وترويضه على يد السلطة‪ ،‬ولكن فى‬ ‫فشل قوى اليسار نفسها فى التوحد ونبذ الخلفات الصغيرة ‪ ،‬والنا ليست سوى تجسيد لليسار المصرى الذى ربما‬ ‫أسرف فى نقد الذات ونقد الخر ولم يحاول وكسر نطاق العزلة المضروب بينه وبين الجماهير‪:‬‬ ‫\" انفلت لس انك الج ارح ال ذي ل يبص ر عيب ة ف ي س لوك قري ب أو بعي د ‪ .‬ع دو أو ص ديق ‪ -‬إل‬ ‫وفضحها ‪ -‬عيني عينك ووج ًها لوجه حتى صرت م ا أن ت علي ه ‪ .‬ح تى عن د أك ثر مري ديك وأص دقائك ‪ ..‬قنف ًذا‬

‫‪128‬‬ ‫برًيا شر ًسا ل يكمن لمن يألفه أن يداعبه تقرًبا إليه أو يربت عليه تشجعًيا ل ه دون أن يتحم ل وخ ز أش واكه ‪..‬‬ ‫وربما أنيابه أيضا !! \"‬ ‫إن دفاع النا عن نفسها تجاه تلك الروح الثورية هو دفاع انسانى فى المقام الول‪ ،‬لقد كانت العواصف‬ ‫أق وى م ن احتم اله‪/‬احتمالهم‪ ،‬لق د وقف وا مث ل البط ل الت ارجي دى وح دهم ف ى مواجه ة الط اغوت‪ ،‬نواذا ك ان البط ل‬ ‫الت ارجيدى يظل محروماً من أى عون ميتافيزيقى‪ ،‬ممزق مابين العاطفة والواجب‪ ،‬فقد انكشفت ظهور اليساريين‬ ‫بس قوط التح اد الس وفيتى وت وحش المبريالي ة ممثل ة ف ى أمريك ا‪ ،‬لك ن ترف ض الن ا دف ع الف اتورة وح دها‪ ،‬رغ م ك ل‬ ‫اعت ارفاته ا الس ابقة ‪ .‬إن ق ارر حل الحزب الشيوعى المص رى ك ان ق ار اًر متعجلً‪ ،‬فعن دما ح انت اللحظ ة‪ ،‬وان دفعت‬ ‫تلك الكتلة الحرجة فى المكان والزمان المناسبين‪ ،‬وخرج المارد الذى انتظروه طويل من قمقمه‪ ،‬لم تكن تلك الروح‬ ‫الثورية موجودة‪ ،‬وتلك الروح يمكننا الن أن نفهم كيف أنها لم تكن تتلبس أو تسكن سمير عبد الباقى وحده‪ ،‬بل‬ ‫كانت تتلبس كل الرفاق‪:‬‬ ‫\" تماديت في تأنيبك لنني واصلت عمري واجت ارر ذكرياتي إلى ذلك التاريخ المش ئوم ال ذي أغ ارك في ه‬ ‫أصدقاؤك الشت اركيون )!!( وحاصروك مع الظروف لكي تنهي وجودك ‪ .‬ظًنا منهم أو وه ًما منك أنكم مع ا ب ذلك‬ ‫ستبنون مصر وس تخرجون به ا م ن ه وة الس تبداد والتخل ف فض عتم م ًع ا وض يعتمونا ‪ ..‬وب ددتم طاق ات ال وطن‬ ‫لخمسين عا ًما ‪ ..‬وانفجرت أمامي مأساتك ومأساة الوطن بشكل فاضح واضح ‪ ..‬عن دما نض ج الص ارع الطبق ي‬ ‫ال ذي تج اهلوه ‪ ..‬وتن امى ال وعي الع ام بفع ل ق وة ال دفع ال ذاتي لظ روف الع الم وت وحش ال أرس مالية ‪ ..‬وخض وع‬ ‫الوطن الذي قاوم الس تعمار ط ويل وتص دى لملءات المبريالي ة الجدي دة ال تي أس قطت التجرب ة الس وفيتية ‪..‬‬ ‫وتع رض ش عبنا لبش ع ص ور القه ر والفق ر والذلل ‪ ..‬فك انت ث ورة )‪ (25‬ين اير ال تي ط الت أكفه ا الس ماء‬ ‫وأسقطت الطاغية ولكنها عجزت ع ن قط ف ثم ار انتص ارها لن الجم اهير تلفت ت تبح ث عن ك ل م تج دك ‪ .‬لن ك‬ ‫رضيت أن تنتحر ذات يوم ‪ ..‬متخليا عن مسئوليتك التاريخية يا صديقي ‪\".‬‬ ‫وسوف تندفع النا فى الحديث عن أهم سبب جعل الحياة ممكنة ‪،‬رغم غياب كل معنى بتصدع التيار‬ ‫اليسارى كله‪ ،‬وتحاول أن تجد معن ى فى ذلك الطوفان من اللمعن ى‪ .‬ك ان الموضوع يتعل ق بقصة حب منحت‬ ‫البطل القدرة على الستم ارر بعد خروجه من السجن‪ ،‬ولكن سيلفت انتباهنا بعد ذلك استخدام ضمير الغائب لول‬ ‫مرة فى النص هذا الضمير هو ضمير الم ابين‪ ،‬ضمير وسطى‪ ،‬حاول الكاتب باستخدامه التعبير عن محاولة‬ ‫مستحيلة للتوفيق بي ن النا والذات‪ ،‬بين روح تحاول التوافق مع قانون مجتمعه ا والتحولت الجدي دة وبين الذات‬ ‫الثورية‪ .‬إن قصة ح ب البطل ستجمع بي ن النقيض ين فالذات الثوري ة كانت كفيلة لو استمرت ف ى إلحاحه ا عل ى‬ ‫تحدى المجتمع بكل تابوهاته والنا التى تحاول التوافق ستخسر مهما قدمت من تنازلت‪.‬‬ ‫\"الحديث يجرنى إلى المزيد من الحسرة عل ى غياب ك ف دعنى أق ص علي ك م امنعى يومه ا م ن النتح ار‬ ‫للحق بك\"‬ ‫وهناك فى \"موال الصبا فى المشيب\" بجانب الضمير الول‪ ،‬استخدام للضمير الثالث ‪ ،‬فقصة حبه مع‬ ‫جوزفين جاءت كلها‪ ،‬ولول مرة فى العمل بضمير الغائب‪ .‬وكأنه ذات اضافية تقف فى المابين‪ ،‬ذات ولدت من‬ ‫قص ة الح ب نفس ها‪ ،‬ل م يك ن ه و نفس ه عن دما أحبه ا‪ ،‬ول م يك ن يط ارده ذات أخ رى‪ .‬ك ان حضور جوزفين يش كل‬ ‫بداخله ذاتاً أخرى‪ ،‬ولن الحكى تم بصيغة الماضى‪ ،‬فلبد من الحديث عن ضمير غائب‪ ،‬لوجود له الن فى‬

‫‪129‬‬ ‫لحظ ة الحك ى‪ .‬ه ذا الض مير ظه ر واختف ى م ع ج وزفين‪ .‬لن رى كي ف يص ف ج وزفين ف ى لق ائه الول به ا ف ى‬ ‫الل توبيس ‪ ،‬وهو متوجه نحو كلية الز ارعة‪:‬‬ ‫\" خطف قلبه النمش الخفيف على الوجه النظيف النضر‪ ،‬ذكره بنمش ريفى سحره فى صباه‪\"...‬‬ ‫لق د أخبره ا أن ه ك ان ف ى بعث ة وفهم ت أن ه يقص د الس جن فض حكت ف ى ب ارءة ارئع ة رغ م العي ون‬ ‫المتلصصة)‪ (...‬لكنها لم تهتم بل أكملت ضحكتها بطبقة أقل ارتفاعاًاً وهى تقترب من ه ب أرس ها الجمي ل فانس دل‬ ‫ش عرها ولم س جبهت ه‪ ،‬س حرته ارئحته ا وأس كرته‪ ،‬وال بريق ال ذى لم ع ف ى عينيه ا دوخ ه وه و يتابعه ا بحب تى‬ ‫عينه‪\".‬‬ ‫ون رى مم ا س بق كي ف تلع ب س مير عب د الب اقى ف ي الحك ي ‪ ،‬متنقلً م ن ض مير المتكل م إل ى ض مير‬ ‫المخ اطب أو الغ ائب أو ب العكس بحري ة مطلق ة‪ .‬إن هيمن ة الس ارد‪ ،‬س واء أك ان متكلجم ا أم غائب اً‪ ،‬بوص فه اروي اًاً‬ ‫أحادياًاً يتحجدث باسمه وينوب عن الخر‪ ،‬يحرم الجنص من تعجدد الصوات‪ ،‬ويجعل من الرواية مجرد عزف منفرد‬ ‫‪ .‬لكن التعجدد في صيغ ال اروي الذي ت ارفق مع تعجدد صيغ السرد أنقذ سيرة عبد الباقى من الرتابة والملل‪ ،‬فقد لجأ‬ ‫بجانب تعدد ضمائر السرد‪ :‬المتكلجم أو الغائب أو المخاطب إلى تعدد الصوات لتتحدث شخوصه داخل النص‬ ‫بما يتناسب مع كينونتها النفسية والجتماعية والثقافية‪ ،‬فلم يكتف بالعرض والنقل والخبار والوصف‪ ،‬ليحرر سرده‬ ‫من الهيمنة الحادية للضمير الول‪ ،‬تلك النا الستثنائية التى طالما خبرناها فى العمال السيرية‪ ،‬ويثريه ب التنجوع‬ ‫حتى يقارب الحقيقة النسبية من مواقع مختلفة‪ ،‬ويترك ظللً مقصودة ومتعمدة للشك واللتباس والتأويل بما يسمح‬ ‫بتعجدد الق ارءات والرؤى والمواقف من أبطال الرواية‪ /‬السيرة ومن بطلها‪ ,‬كل ذلك فى محاولة لكسر نمطية السرد‪،‬‬ ‫وخلق ص ارعات د ارمية شيقة تتفاوت فى امتدادها على الشريط السردى‪ ،‬والحق أنه نجح إلى حد بعيد فى تحريك‬ ‫وقلقلة يقين المتلقى‪ ،‬واستد ارجه من عتبة السترخاء إلى عتبة الفاعلية الذهنية والتخييلية‪.‬‬

‫‪130‬‬ ‫اللغة‬ ‫إ َن الفص احة ل تتوقَف عل ى ك ‪،‬ون ه ذه الكلم ة مألوف ًة مس تعمل ًة‪ ،‬وتل ك غريب ة وحش َية‪ ،‬أو أ ‪،‬ن تك ون‬ ‫حروف هذه أخ َف‪ ،‬ولكن تعتبر فص احتها ب النظر إل ى مكانه ا ف ي النظ م‪ ،‬وم ن طمل اءم ة معناه ا لمعن ى جا ارته ا‪،‬‬ ‫وفضل طمؤاانستها لخواتها‪.‬‬ ‫عبد القادر الجرجانى‬ ‫اللغة كعنصر سردي‬ ‫كل نص سردي هو نص لغوي في الساس‪ ،‬ونحن ل نرى الحياة إل من خلل المسرود الذي تبدعه‬ ‫اللغة‪ ،‬وعلى مدار النصوص الثلثة محور الد ارسة لم يكن الوصف مجانيا بل جاء للتأكيد على عنصري الزمان‬ ‫والمكان‪ ،‬وأسهمت لغة الكاتب فى سبر أغوار الملمح الداخلية للشخصية‪ .‬تعمل اللغة داخل النص بوصفها كائن اً‬ ‫حياً شديد المرونة والقدرة علي التكيف عبر مسارها الد ارمي الحكائي‪ .‬من المعروف أن استخدامات اللغة تعتمد‬ ‫على الطريقة التي ينظر فيها الكاتب للحياة‪ .‬هل هى لغة واقعية صرفة لنقل الواقع كما هو‪ ،‬أم أن الكاتب قد‬ ‫استخدمها لعتبا ارت فنية وجمالية‪.‬‬ ‫إن شاعرية نص سمير عبد الباقى تأتى من كونه ينظر للعالم من خلل رؤية شعرية حيث أن‬ ‫الل شياء ليست مجرد أشياء‪ ،‬بل تتجاوز ذلك لتصبح لغة ما و ارئية تكثف المشهد وتركز القيمة الروائية‪ ،‬ومن ثم‬ ‫تصبح هذه القيمة هي ذاتها عنص اًر يدفع بالحركة الد ارمية للمام ‪.‬‬ ‫فى زمن الزنازين‪ :‬جاء الحوار بلغة جمعت بين الشاعرية وخفة دم العامية المصرية‪ ،‬ولن ناقل الكفر‬ ‫ليس بكافر‪ ،‬ولن المكان يصنع لغته‪ ،‬كان طبيعيا استخدام مفردات بذيئة وفاحشة‪ ،‬جاءت على لسان اللصوص‬ ‫والسجانة ونقلها الكاتب بحديث مباشر مثل )ني‪ ...‬الحكومة وماتوريهاش‪ (...‬إل أنه عندما لجأ فى سرده للسلوب‬ ‫غير المباشر الحر‪ ،‬دخلت كلمات بذيئة لكنها غير فاحشة‪ ،‬واضطر الكاتب أحيانا لستخدام العامية فى السرد‬ ‫مثل كلمة \"النبطشية والظباط\" وغيرها مثل مصطلحات السجن ‪.‬‬ ‫ومع إ جن السيرة تنقل الواقع المأساوى الطافح بالدم والقروح البدنية والنفسية ‪ ،‬فإ جن لغة الشعر الوصفية‬ ‫كانت البلسم ال فمرطب لفجاجة واقع الضباط القبيح ‪ .‬وربما كان استخدامه للتعبي ارت واللفاظ التى نحتها شعبنا‬ ‫المصرى ‪ ،‬أحد تجليات هذا البلسم ‪ .‬فمثل قال أحد المعتقلين على الطعام القادم من أسرة زميل )ياعم ه جم ش ايلين‬ ‫وطابخين عشان ترم جتتك( التعبير المصرى هنا يعنى الطعام الجيد الصحى بينما )رجمم( فى العربى تعنى ترميم‬ ‫الجدار‪ .‬ويقول آخر)إنتم بتغرقونى فى خيركم( فالغرق فى العربى يعنى الموت فى البحر بينما فى المصرى أخذ‬ ‫معنى مختلفًا‪ .‬واستخدم تعبير) نوز على بعض( ولكى يفهمه العربى لبد من ترجمته بمعنى الخبص أوالتقول إل خ‬ ‫واستخدم تعبير)بلش تناكه( أى لتتعاظم ويأخذك الغرور بالعربى‪ .‬أما اللفاظ فهى بالعش ارت مثل )برطم( أى‬ ‫الكلم غير المفهوم )لمض( أى القدرة على الجدل فى الح وار)جرمأ( أى العدد الكثير)ج اب له الكافيه( أصابه‬ ‫بمصيبة‪ .‬عصلج ‪ ،‬زرجن‪) ،‬بجوق فيه( أى النسان البجح ‪...‬إلخ‪167 .‬‬ ‫‪167‬‬

‫‪131‬‬ ‫وتتبنى \" ولهم يحزنون\" نفس اللغة الفاحشة‪ ،‬أنها تتحدث عن طبقات فقيرة معدمة‪ ،‬لحظ لها من تعليم‬ ‫أو ثقافة ويسيطر عليها شعور جارف بالظلم والضطهاد‪ .‬تصبح اللغة الفاحشة ل مجرد تعبير عن موقف آنى‬ ‫بل نوع من التنفيس عما تمور بها الشخصية من غضب‪ .‬إنها شخصيات غاضبة باستم ارر واللغة إحدى أدوات‬ ‫الشخصيات فى التمرد‪ .‬حيث تتبنى تفيدة المتعة نفس لغة \"فرج ال\"‬ ‫حبة نسوان لبو لقيوا جنازة يشبعوا فيها لطم على روحهم بيطفوا سهرجة قلوبهم من قلة الرجالة\"‬ ‫والوصف الذى يقدم به الشخصيات يظل وفيا للغة المكان والبيئة‪ 168‬ونظرة الشخوص للحدث‪ ،‬فعندما‬ ‫يصف الكاتب تفيدة يصفها مستعي ار نظرة حمدى الشبقية \"رفعت نصفها العارى مستندة على كوعها المرمر‪\" .‬‬ ‫وليس تطيع الك اتب وق د اخت ار الري ف المص رى ف ى الس تينيات مس رحاً لح داثه أن يتجاه ل ت ارث اً ش فوياً‬ ‫يتجل ى ف ى المث ال والحكاي ات والغ انى الش عبية ال تى تلخ ص إم ا حكم ة ه ذا الش عب أو تس جيل ص ارع تقلي دى‬ ‫يحدث دائما فى الريف بين الحماة وكنتها‪ ،‬فالغنية هى نوع من التمرد بالفن ضد السلطة المومية التى تمارسها‬ ‫الم أرة الريفية‪ ،‬ورغم توزع نفسية عبد الباقى الب‪/‬الزوج بين الخضوع لمه أو المتثال ل اردة الزوجة‪ ،‬تبدو الزوجة‬ ‫دائماً هى المنتصرة ويلخص ذلك تلك الغنية التى أوردها‪:‬‬ ‫أنا المقعدين وأمك وسط الدار‬ ‫ادبح لى الخروفين وأنا اقيد النار‬ ‫أنا خروف محمر وانت خروف محمر‬ ‫وأمك الرجلين‪ ،‬والصلة ع المختار‬ ‫وفى حديث فلحات عن الشيوعيين‪ ،‬تتبدى لغة أخرى‪ .‬إنها لغة مستعارة تلح عليها وسائل العلم لتوجيه هؤلء‬ ‫الفق ارء محدودى الثقافة‪ ،‬فأحيانا لينطق البطال بما يعرفونه‪ ،‬ولكن بما سكبه العلم فى آذانهم‪ ،‬فالخت نوال‬ ‫وه ى ف ى طريقه ا للس جن تص دمها لغ ة الفلح ات \" غمزت واحدة فى خب ث غي ر مبالي ة وه ى تمص مص ش فتيها‬ ‫وتلوى بوزها الممطوط وتقول‪ - :‬اريحه له ياعينها الباكسة هى الناس دى ما بتختشيش\"‬ ‫وحين يعاتبها البعض ترد الم أرة قائلة‪:‬‬ ‫‪ -‬هو أنا اللى بقول ال ارديو والحكومة ياختى هو اللى بيقول إن الشعوعيين دول بيعشقوا بعض‪\".‬‬ ‫وعندما يتصدى شاعر لكتابة رواية فأول مايثير انتباهنا هو مستويات اللغة‪ .‬فالسلوب هو الرجل كما‬ ‫يقول بوفون‪ ،‬ويعتمد الكاتب هنا على لغة تكاد تكون فى معظمها لغة صحفية أى الفصحى الدانية التى تتجنب‬ ‫المعاظلة فى القول وتتبنى الجمل القصيرة السهلة‪ ،‬لكنها شأن لغة الصحافة تحوى بين دفتيها مفردات عامية سواء‬ ‫ظهرت مقوسة أو دون أقواس‪ .‬الجملة تقترب فى بنيتها من الشفاهية حيث تبدأ كثي اًر بالفاعل ل بالفعل‪ ،‬والصل‬ ‫أن اللغة العربية لتصبر على الفعل لكن سمير عبد الباقى يؤخره متعمداً‪ ،‬وأحيانا نجد أخطاء نحوية ليقع فيها‬ ‫الكاتب غافلً لكنها تأتى نتيجة السياق الشفاهى الذى يميل لتسكين الكلمة ل لصرفها‪.‬‬ ‫‪ 168‬سبق ووضحنا فى الفصل الثانى كيف فرض المكان لغته الخاصة على السرد‬

‫‪132‬‬ ‫اللغة أيضا هى بنت المكان الذى تدور عليه الل حداث حيث تستخدم مفردات ذات خصوصية البيئة‬ ‫الز ارعية فى الدلتا‪ ،‬وأحيانا يتبنى النص لغة قد لنصادفها سوى فى بعض القرى بعينها مثل كلمة \"مسرف\" أو‬ ‫\"خالت\" هذا غير اللغة شديدة المحلية للشياء مثل \"الكنيف\"‪.‬‬ ‫واللغ ة يمك ن أيض ا أن تتوس ل بالس لوب الح ر غي ر المباش ر ال ذى ابت دعه جوس تاف فل وبير ف ى ارئعت ه‬ ‫مدام بوفارى وهو اي ارد الكلمات التى تستخدمها الشخصية حين الحديث عنها دون تقويس ودون أفعال القول مث ل\"‬ ‫لم يكن أبى يدخل البيت لواي ده فاض يه عل ى الطلق\" فه ذه الكلم ة تحيلن ا \" اي ده فاض ية\" إم ا للب نفس ه أو للغ ة‬ ‫أهل البيت فى الحديث عن الب‪ ،‬لكن ذلك ليمنع الكاتب من استخدام مسهب للتقويس‪ ،‬لدرجة أنه أثقل النص‬ ‫وازدحم الفضاء الطباعى بالقواس بصورة خانقة‪ .‬وخير دليل على ذلك هو فصل \"قل أعوذ\" ‪.‬‬ ‫سوف نرى كيف استعار لغة نرجس نفسها لوصف مأساتها‪ ،‬والغريب إص ارر سمير عبد الباقى على‬ ‫التقويس فى حين أن الجملة السابقة أو التالية للتقويس هى استخدام السلوب الحر غير المباشر‪ ،‬مأساة نرجس‬ ‫أنها‪:‬‬ ‫كانت زوجة فلح قصير نحيل من أولئك الذين حك م عليه م أن يلتص قوا ب الطين من ذ ولدته م ‪ ..‬ح تى‬ ‫يغوصون فيه مرة أخيرة إلى البد بعد وفاتهم دون أن يلحظهم أحد ‪..‬‬ ‫أخوه الكبر تعل م ص نعة )الترزي ة( وفت ح ال علي ه ب دكان ف تزوج ف ي المن درة المطل ة عل ى الش ارع ‪..‬‬ ‫وك ان ار‪،‬ب ع الق وام أبي ض البش رة حلي وة ‪ ..‬طوي ل القام ة نظي ف الملب س عل ى ال دوام ‪ ..‬عل ى عك س أخي ه زوج‬ ‫)نرجس( الكقلَه الذي )يبيت الخنفس في شقوق كعبه !( ‪.‬‬ ‫زَوجوه ا من ه رحم ة به ا وس تًار ليطتمه ا ‪ ..‬إذ ك انت له ا عي ن مص ابة ‪ ،‬فك انت رغ م جماله ا وامتلء‬ ‫جسمها الف ائر )معيوب ة( ويتيم ة ‪ .‬وأقص ى م ا تحل م ب ه حج رة تلمه ا ‪ ،‬وزوج تجل س ف ي ض ل ح ائطه ‪ ..‬ك انت‬ ‫ارض ية بنص يبها م ن ال دنيا ‪ ،‬لكنه ا ل م تك ن ارض ية ع ن نص يب زوجه ا ‪ ..‬بع د أن أف اقت م ن ص دمة الفرح ة‬ ‫بزواجه ا وعرف ت ح دودها الض يقة ج ًدا ‪ ..‬ب دأت ف ي الت برم ‪ ..‬ت دفع زوجه ا للمطالب ة بحق ه ف ي أن يس تحم وأن‬ ‫يستريح ‪ ..‬وأن يكون بن ي آدم ‪ ..‬ف أخوه ال ذي ل يش ركه ف ي عائ د ص نعته ال ارئج ة ‪ ..‬يش اركه ف ي رغي ف ال درة‬ ‫ال ذي يخ رج بجه ده م ن الرض ‪ ..‬وعلي ه إم ا )يبق ى في ه اع ‪،‬دل ‪ ،‬ي ا نش يل ده ع ن ده يرت اح ده م ن ده ‪. (..‬‬ ‫وخاصة أن ع اوج )مل وك( زوج ة ال ترزي ق د ازد ع ن ح ده ‪ ،‬فه ي من ذ زواجه ا ل تك ف ع ن مض ايقتها ‪ ،‬تري دها‬ ‫خادمة في البيت مثلما زوجها خادم في الغي ط ‪ ..‬ولك ن )ل‪ ..‬دا بع دك ‪ ..‬دا ان ا قريب ة الم( و)م ا ح دش يكس ر‬ ‫عيني( ‪) ..‬والحلوة تحل ولو في الوحلة( ‪) ،‬مش أقل منها ي ا بن ت الن اس( ‪ ..‬قبق اب بقبق اب وض فيرة مغس ولة‬ ‫ومتس َرحة بض فيرة مغس ولة ومتس َرحة ‪ ..‬وه دوم لوان ك انت )باطس طة( و)ش يت المحل ة( لك ن ازهي ة ومزهزه ة‬ ‫ونضيفة ‪) ..‬العادل بادل( ‪ ،‬والقط َصة المس‪،‬بسبة تداري عيب العين المعيوبة زي النضارة ‪ ..‬و)لّم الجلة م ش علّ ة(‬ ‫‪ ..‬آه ‪..‬‬ ‫مع ذلك نجد أن اللغة تأتى أحيانا أعلى من وعى نواد ارك الشخصية فى حيزها الزمكانى‪ ،‬فعندما يتحدث‬ ‫سمير الطفل فى حوار أسرى أمام خاله وخالته‪ ،‬نجده قد استخدم لغة فصيحة‪ ،‬قد نقبلها لو كان الحكى بالض مير‬ ‫الثالث‪،‬لكن الداء اللغوى يفوق المستوى الل د اركى لطفل حين يحكى عن علقته بالبنت زهزهان‪:‬‬

‫‪133‬‬ ‫\" تس للت إليه ا ك انت مكوم ة ف ى رك ن الح وش ال داخلى المظل م لدرج ة أنن ى ل م أت بين ض ياء جس دها‬ ‫المكشوف فى الظلم الذى شمل المك ان‪ .‬فرك ت عين ى وأن ا أناديه ا‪..‬فارتعبت ‪ ..‬غط ت فخ ذيها المرم ر ولم ا ل م‬ ‫يفل ح الم زق ف ى س ترها لم ت قب ة قميص ها المش قوق بي ن كفيه ا وص رخت مي ن ‪ ..‬وكأنه ا تس أل )إن س ول‬ ‫جن–( طمنتها أنه أنا‪ ..‬فانفجرت فى البكاء ‪..‬بينما جسمها ينتفض من اللم والخزى‪ .‬مددت يدى خائفا مبه و ارً‬ ‫أربت عليها وأنا أقول )ماتزعليش حقك على انا ما قدرتش أحوشه( ك انت دموعه ا تس يل عل ى خ ديها ال ورديين‬ ‫فى صمت وهى تنظر لى ف ى دهش ة‪ .‬ربن ا ق ال ل ى أن أتق دم منه ا وأحض نها ‪ ،‬ث م أش رب دموعه ا كطف ل يرض ع‬ ‫حلي ب الم لول م رة‪ ،‬ووج دتنى أفعله ا وأعت ذر له ا وأن ا أله ث ‪ ،‬ك أننى أن ا ال تى ض ربها‪ ،‬غمرتن ى بنظ رة حن ان‬ ‫وعرفان حزينة‪ ،‬ثم مالت ب أرسها على واستكانت فى حج رى وه ى تس تعيد أنفاس ها اللهث ة وته دأ كطفل ة ص غيرة‬ ‫ثم بدأت تهدئ حزنى وتواسينى \"‬ ‫طبعا كان بإمكان الكاتب تضمين ذلك الحوار فى سرده‪ ،‬وساعتها سيكون مقبول أن النا الخرى \"أنا‬ ‫الشيخ\" هى التى تستعيد الحدث‪ ،‬فيصبح الوصف مركباًاً تحليلياًاً ‪ ،‬وسنتجاوز عن وصف خدودها بالوردية باعتبار‬ ‫أنها صوره حسية لبص رية‪ ،‬أى ت دخل فيها حاسة الشم فى وعى نواد ارك الطفل لنه سيصف ارئحة شعرها فى‬ ‫نف س الس ياق ب العنبر‪ ،‬أو أن ملم س خ دها ك ان رهيف اًاً ك الورد‪ ،‬لك ن س يلحظ الق ارىء أيض ا أن الق اموس اللغ وى‬ ‫المستخدم فى السرد أكثر ث ارء من قاموس طفل‪.‬‬ ‫هناك مقاطع أخرى تتجسد فيها لغة أخرى رهيفة وشاعرية بامتياز‪ ،‬وقد سبق لنا الحديث عن لغة‬ ‫الوصف فى مشاهد عديدة‪ ،‬وعادة ما يستخدمها الكاتب فى تعبيره عن لحظات الشجن والفقد‪ ،‬وكذلك فى مشاهده‬ ‫العاطفية أو الحميمية‪ .‬لغة تذكرنا بكلمات هايدجر التى بالغت فى الحتفاء بلغة الشعر حيث اعتبر أن \"اللغة نفسها‬ ‫هي تج ٍل للشعر\" بحيث يصير \"الشاعر في منزلة بين المنزلتين ؛ اللهة والشعب\" ‪ ،‬ويصير \"تلقي الشا ارت اللهي ة\"‬ ‫)لغة اللهة المفضلة( هي عمل الشعر وتأسيسه للوجود‪169.‬‬ ‫المس توى الث الث ه و لغ ة الخاص ة‪ ،‬وه ى لغ ة ذات نزع ة جمالي ة‪ ،‬يغل ب عليه ا الح س الش عرى‪ ،‬فلنق أر‬ ‫مثلًلً كلمة ظهر الغلف فى \"موال الصبا فى المشيب\" حيث يحافظ الك اتب عل ى إيق اع مس جوع‪\" :‬تكتب باص ارر‬ ‫النف اس الخي رة– متح دياً الي ام الكس يرة‪ ،‬متج اهل العق ول الهام دة الس يرة ‪ ،‬والم واهب الخام دة الفقي رة‪ ،‬ال تى‬ ‫سلمت أرواحها للشاشات والصحف الجيرة\"‬ ‫أما اللغة الوسطى التى جاء فيها الخلط بين الفصحى والعامية فل نجد لها مبر ار‪ ،‬حيث حرص الكاتب‬ ‫فى حوا ارته المباشرة على أن ينقل كشاهد أمين لغة الشخصيات بالعامية‪ ،‬لهذا نندهش حين يورد الحوار فى لغة‬ ‫تتأرجح بين الفصحى والعامية دون مبرر‪ ،‬مثال ذلك حواره مع أمه التى تقول عن حبيبته القبطية‪.‬‬ ‫‪ -‬لن أشرب من إيدها كوباية ميه‪.‬‬ ‫إل أن لغة سمير عبد الباقى شديدة الخصوصية أحيانا كما فى وصفه للساقية‪ ،‬قد تجعل من ترجمة‬ ‫نص ه مهم ة ش ديدة الص عوبة‪ ،‬ربم ا أص عب م ن إقام ة س اقية جدي دة‪ ،‬فق د اس تخدم مف ردات تقني ة ش ديدة المحلي ة‪،‬‬ ‫‪ 169‬انظر رؤي ة في التنظير النقدي )النهج و التأصيل( محمود الزيات سلسلة \"كلمات\" الهيئة العامة لقصور الثقافة‬

‫‪134‬‬ ‫وربما يجد القارىء نفسه قد كد عقله ومخيلته فى محاولة تمثل مايقوله الرجل ذهنياً فتمثل الصورة صعب مع كل‬ ‫هذه المفردات‪:‬‬ ‫\" فلي س س هل زحزح ة الت ابوت أو الطنبوش ة واحك ام تثبيته ا ف ى المح ور الحدي دى المثب ت ف ى ح ائط ال بئر إل‬ ‫بحسابات دقيقة تسمح له او لها بال دو ارن ف ى يس ر أرس يا‪ .‬تل ى ذل ك عملي ة الح اق )الص غير ( به ا وه و ت رس‬ ‫خشب ضخم رغم اسمه‪ ،‬يثبت أرسيا معها بدقة كى يدو ار معا او بالصح ي ديرها ه و بحركت ه‪ ،‬ليخ رج الم اء م ن‬ ‫البئر ‪ ،‬إذ يكون التابوت الذى يغرق ثلثه السفل فى الماء قد جربت سهولة دو ارنه قبل تثبيتهما معا تماما\"‬ ‫وتستمر العملية شديدة التعقيد‬ ‫\"ثم تبدأ عملية تدكيك ضروس الكبير والذى يشبه الص غير ولكن ه يط رح أفقي ا ف ى ف ارغ مجه ز بدق ة م ع تث بيته‬ ‫فى الرض كى يدور‪ .‬وتعمل ضروس ه عل ى تحري ك ض روس الص غير ال أرس ى م ع الت ابوت أو الطنبوش ة حس ب‬ ‫نوع البئر ومن محور هذا الكبير ترتفع الشعبة‪...‬‬ ‫نتوقف عند هذا الحد ‪.‬‬ ‫ختاماً نقول إن اللغة التى تطارد عبد الباقى هى لغة شاعر‪ ،‬وتحديداً ‪-‬رغما عنه‪ -‬لغة عامية تفرض‬ ‫نفسها بأداء عال لتمتزج مع الفصحى‪ ،‬دون أن تعاديها أو ت ازحمها‪ ،‬بل لتسهم فى وصف الماكن والشخصيات‬ ‫وتنقل الحساس بالزمن‪ ،‬وكأن الرجل ليستطيع أن يفصل لغة نصه عن ق ارءاته ومستوى ثقافته وأيضاً عن بيئت ه‪،‬‬ ‫ولتتنكر لموروثات ومحيط وبيئة شخوصه‪ ،‬لغة تدخل فى نفس المصنع الذى يشكل لغته الشعرية كشاعر عامية‬ ‫مثقف‪ .‬وربما يتخيل القارىء أن بناء الجملة الشفاهى الذى يبدأ بالفاعل ل الفعل‪ ،‬واستخدام المفردات العامية هما‬ ‫ما صاغا تلك اللغة المختلفة‪ ،‬واضطره ذلك أن يهمل كثير من القواعد النحوية لن جملته هى شفاهية بالساس‪،‬‬ ‫لك ن حقيق ة الم ر أن س مير عب د الب اقى ق د اس تخدم ف ى س رده تقني ة \" الس لوب غي ر المباش ر الح ر\" أى ذل ك‬ ‫الس لوب الوس يط ال ذى اكتش فه اللغ وى السويس رى ش ارل ب ايى ال ذى يجم ع بي ن الس لوب المباش ر التقلي دى‪،‬‬ ‫والس لوب غي ر المباش ر حي ث يخل و م ن علم ات التنص يص‪ ،‬ويخل و م ن بع ض الخص ائص النحوي ة‪ ،‬وأهمه ا‬ ‫اختفاء صيغة المتكلم والمخاطب‪ .‬سيصوغ جملته بلسان الشخصية ل ال اروى‪ ،‬فل نجد أيا من أفعال القول وتظه ر‬ ‫فيه صيغ السلوب الشفاهى مثل التك ارر والحذف وعدم احت ارم التقاليد النحوية هذا غير المفردات وال ارء التى‬ ‫تمثل طبيعة الشخصية نفسها لطبيعة ال اروى العليم‪ ،‬وكان فلوبير أول من استخدم هذا السلوب فى ارئعته مدام‬ ‫بوفارى‪ .‬على هذا لم تكن تلك الخطاء النحوية أخطاء سمير عبد الباقى لكنها أخطاء \"أنا\" النص وشخصياته‪.‬‬ ‫وهو أسلوب يناسب ‪-‬بل ربما فرضته‪ -‬طبيعة الرواية السيرية‪ .‬طبعا يستطيع القارىء الرد بأن الكاتب قد أسرف‬ ‫ف ى تل ك التقني ة‪ ،‬وأن ه ك ان م ن الفضل ل و ضيق حدودها خاصة م ع الض مير الول‪ ،‬وه ذا أرى له وج اهته بل‬ ‫شك‪ ،‬وأؤكد للقارىء العزيز أننى أيضا أتفق معه فى هذا ال أرى‪.‬‬ ‫الشخصيات‬

‫‪135‬‬ ‫تختلف الشخصية الروائية عن الواقعية أو التاريخية لكونها أكثر تفردا وتمي از عند القارئ‪ ،‬ويمكنه فهمها‬ ‫فهماًاً كاملًلً إذا رغب الروائي بذلك‪ ،‬فهو قادر على عرض حياة الشخصيات الداخلية والخارجية إلى حد معرفة‬ ‫أس اررها‪.‬‬ ‫رولن بورنوف‬ ‫البناء الفني للشخصية الروائية‪:‬‬ ‫تعد الشخصية الروائية وسيلة الكاتب لتجسيد رؤيته‪ ،‬والتعبير عن إحساسه بواقعه‪ ،‬وهي ركيزة الروائي الساسية‬ ‫في الكشف عن القوى التي تحرك الواقع ‪ ،‬وعن ديناميكية الحياة وتفاعلتها‪ ،‬وعلى العكس من كاتب السيرة الذاتي ة‪ ،‬ن اد اًر‬ ‫ماينسخ المؤلف شخصياته نسخا من الواقع‪ ،‬فالشخصية الروائية هي تفاعل حقائق كثيرة‪ .‬أولً فكرته العامة عن‬ ‫الناس التى تحددها خبرته الوجودية والثقافية ورؤاه ومواقفه من الحياة‪ .‬أضف إلى ذلك أنها داخل هذا الفق هي‬ ‫جزء من شخصيته هو ذاته‪ ،‬وهذا ما قصد إليه »باختين« بقوله إن المؤلف تتشظى ذاته إلى عناصر من الفكر‬ ‫والعاطفة داخل أجساد هؤلء الشخاص عبر التخيل الروائي‪ .170‬ولهذا فإن تركيب البنية للشخصية الروائية هو‬ ‫مزج محسوب بين الواقع والخيال‪ .‬و مقولة فلوبير الشهيرة‪» :‬مدام بوفاري هى أنا « تأكيد على هذا الجمع ما‬ ‫بين الموضوعي والذاتي‪ ..‬الواقعي والخيالي‪.‬‬ ‫لكن هناك من أكد على أن الشخصية الروائية هى مجرد شخصية ورقية أى أن البطال مجرد أفكار‬ ‫اكتس ت بال دم واللح م م ن خلل الس رد الروائ ي‪ .‬أل م يجع ل كافك ا م ن شخوص ه أرقام اً وحروف اً‪ ،‬ه ل ننس ى بط ل‬ ‫روايته المسخ » ك«‪ ،‬فقد أرى أن النسان في عالمنا المعاصر قد ضاعت حقيقته النسانية‪ ،‬وفقد تميزه وتفرده‪.‬‬ ‫وهكذا تغير شكل الشخصية الروائية في الدب المعاصر‪ .‬وها هو ألبير كامى يصور لنا بطله »ميرسو« غريباً‬ ‫لن المجتمع الصناعي الستهلكي قد أفقده القدرة على التفاعل مع الخرين‪ ،‬بل فقد أبسط المشاعر النسانية‬ ‫حتى تلك التي تربط البن بأمه‪ ،‬فلم يبك ولم يحزن لفقدها‪..‬‬ ‫الحاصل أننا قد انتقلنا من البطل الغريقي \"ابن اللهة\" والبطل الملحمي في العصور القديمة الذى هو‬ ‫ص وت الجماع ة‪ ،‬إل ى البط ل الح ديث ال ذى أص بح يت وزع بي ن ذات ه وغيريت ه‪ .‬وق د لعب ت التح ولت الجتماعي ة‬ ‫والقتص ادية دوره ا ف ى جع ل ف ي الشخص ية النس انية المعاص رة ف ى ص ارع دائ م‪ ،‬بي ن تأكي ده ل ذاته المهمش ة‬ ‫والمقهورة‪ ،‬وبين تعاطفه مع الجماعة وهمومها‪.‬‬ ‫كانت الشخصية في الرواية التقليدية هى الساس ‪ ،‬فل يمكن تصور هذه الرواية كما يقول عبد الملك‬ ‫مرتاض‪ \" :‬من دون طغيان شخصية مثيرة يقحمها الروائي فيها‪ ،‬إذ ل يتأزم الص ارع العنيف إل بوجود شخصية‬ ‫أو شخص يات تتص ارع ف ي م ا بينه ا داخ ل العم ل الس ردي‪ .‬وله ذا يرك ز الروائي ون عل ى رس م ملم ح الشخص ية‬ ‫والس عي لعطائه ا دو اًر خطي اًر تنه ض ب ه تح ت الم ارقب ة الص ارمة للروائ ي التقلي دي ال ذي يع رف ك ل ش ئ\"‪ .‬لك ن‬ ‫الروائي ون الج دد قلل وا م ن دور الشخص ية فيقول ص اموئيل بيكي ت‪\" :‬لي س هن اك ك اتب يمل ك الح ق ف ي أن يحم ل‬ ‫صورة الحياة كلها بجميع معانيها النسانية لمجرد شخصية روائية‪ .‬وأسوأ من ذلك ان يكلفها بحمل رسالة\"‪.171‬‬ ‫انظر تقنيات السرد الروائي )‪ (2-1‬بقلم عيسى الحلو ال أرى العام ‪ 19‬مايو ‪2010‬م‬ ‫‪170‬‬ ‫نفسه‬ ‫‪171‬‬

‫‪136‬‬ ‫السماء بين الغياب والحضور ‪:‬‬ ‫تسمية شخصية باسم خاص تشكل العنصر البسط من التمييز كما يقول توماشفسكي‪ .‬ويرى رولن‬ ‫بارت بأن اسم العلم‪ ،‬إذا جاز التعبير‪ ،‬أمير الدوال‪ ،‬إيحاءاته غنية‪ ،‬إنها اجتماعية ورمزية‪ ،‬ويتمثل مفهوم اسم‬ ‫العل م الشخص ي ف ي مج ال الرواي ة ب أنه تعيي ن للف رد‪ ،‬وخل ق تط ابق بي ن اس مه وح الته النفس ية والوص فية‬ ‫والجتماعية‪ ،‬السم إذا هو قناع إشاري ورمزي وأيقوني‪ ،‬يدل على عوالم الشخصية الداخلية والخارجية‪ \" .‬بصفة‬ ‫عامة أصر معظم المحللين للخطاب الروائي على أهمية إرفاق الشخصية باسم يميزها‪ ،‬فيعطيها بعدها الدللي‬ ‫الخاص‪ .‬بل إن المعلومات التي يقدمها الروائي عن المظهر الخارجي للشخصية وعن لباسها وطبائعها وحتى عن‬ ‫آ ارئها تأتي كلها لتدعم تلك الوحدة التي يؤشر عليها السم الشخصي‪ ،‬بحيث تشكل معها شبكة من المعلومات‬ ‫تتكامل مع بعضها‪ ،‬وتقود القارئ في ق ارءته للرواية‪ .‬الغريب أن سمير عبد الباقى كان يتحرج أحياناً من ذك ر‬ ‫بعض السماء ويختزلها لحرف أو اثنين مثل \"استقر بى المقام فى شقة حدائق القبة بصدفة غير مدبرة كصدفة‬ ‫معرفتى ب )م ( فى المنصورة\" رغم أن ذكر السم لن يسبب حرجاً‪ ،‬فى حين أنه على امتداد النص يذكر رمو از‬ ‫سياسية وثقافية باسمها‪ ،‬ولم يتحرج فى منح النساء أسماء‪ ،‬حتى لو لم يتأكد القارىء هل هى حقيقية أم ل‪ .‬بل‬ ‫ذكر أسماء اخوته رغم الخلفات السرية التى تبدت فى النص ويمكن أن تتعمق بعد نشر الكتاب ‪ ،‬لكن يظل‬ ‫إغفال بعض السماء غير مبرر‪.‬‬ ‫فى رواية ولهم يحزنون أبدع الكاتب‪ ،‬من وجهة نظرنا المتواضعة شخصيات رسمت لتعيش فى ذهن‬ ‫القارىء‪ ،‬ولو قدر لهذه الرواية أن تتحول إلى السينما على يد مخرج متميز فربما صارت واحدة من كلسيكيات‬ ‫السينما العربية‪ ،‬لتقف فى مصاف أفلم مثل \"الرض\" و\"البوسطجى\" و\"شىء من الخوف\" و\"الزوجة الثانية\"‪ .‬إذ‬ ‫تظل \"فرج ال\" و\"نوال\" واحدتان من أجمل الشخصيات فى الرواية العربية‪.‬‬ ‫فرج ال‬ ‫ربما لم تكن شخصية فرج ال جديدة‪ ،‬إنها الفتاة الجميلة التى يجنى عليها جمالها فيتم استغللها بدءا‬ ‫من التحرش بها حتى افت ارس جسدها سواء بالغتصاب أو بزواج عرفى أو سرى‪ ،‬لكن انغماس الكاتب فى ت ارب‬ ‫بيئته جعل \"فرج ال\" تتحول من فتاة مهيضة الجناح‪ ،‬ل بأس لها ول قوة‪ ،‬إلى إحدى شخصيات الواقعية السحرية‬ ‫حي ث تتص ارع معه ا العف اريت والج ان وك ل الق وى الس فلية‪،‬وف ى النهاي ة تق ف ف ى ص فها وتجن د نفس ها لل فش ال‬ ‫الجنازة الرسمية‪ ،‬وتحويلها لمشهد فضائحى لن تنساه القرية‪ .‬فرج ال سليطة اللسان‪ ،‬لكنها مظلومة تقاتل هؤلء‬ ‫النس وة‪ ،‬اللت ى ك ن س بباً ف ى حرمانه ا م ن جنينه ا‪ ،‬ولتمل ك رفاهي ة اله روب م ن القري ة‪ ،‬ول تمل ك إمكاني ة قط ع‬ ‫علقتها بالشيخ مقبل‪ .‬الجوع يعيدها كل مرة اليه‪ ،‬ولتملك سوى جسدها الباذخ والممتهن فى آن واحد ‪.‬‬ ‫لحظة واحدة عاشت فيها أنوثتها وهى اللحظة التى احتواها فيها حمدى ابن الشيخ مقبل نفسه‪ ،‬حين‬ ‫رآها عارية تستحم‪ .‬ربما يدافع النص عن نفسه أنها قد وجدت نفسها ضائعة‪ ،‬فضعفت أمام شاب ما ازلت به فورة‬ ‫الشباب‪ ،‬وأن جسدها لم يقنع بجسد مقبل الضعيف‪ ،‬ورغم أنها قد تزوجت بمقبل عرفياًاً فقد سلمت نفسها لبنه‬ ‫الك بر‪ .‬لك ن ه ذا الموق ف أفق دها الك ثير م ن تع اطف الق ارىء‪ ،‬ول و عك س الك اتب ت ارت ب الح داث فجعله ا تح ب‬ ‫حمدى اولً وقدم مشهد اللقاء الجنسى بينهم ا على زواجها مضطرة من الرجل لنها لتستطيع قول الحقيقة أما‬

‫‪137‬‬ ‫خوفا من جبروت الرجل أو خوفا على حمدى‪ ،‬لصبحت فجيعة القارىء فيها مضاعفة‪ ،‬على هذا يمك ن القول إن‬ ‫فرج ال ضحية أيضا لسمير عبد الباقى‪.‬‬ ‫لعنة \"فرج ال\" تطارد كل عائلة مقبل‪ ،‬فيصبح حمدى بعد ذلك عنيناً مع زوجته عزة البدرى ومع ذلك‬ ‫ففحولته تطاوعه فى علقاته المحرمة‪ ،‬وكأن تلك الخطيئة التى اقترفها دون علم أنها زوجة أبيه‪ ،‬قد منعته من أية‬ ‫علق ة مش روعة‪ .‬أم ا الخ الث انى مج دى فل ن ي تزوج ن وال الفت اة ال تى يحبه ا‪ ،‬وتك ون نهاي ة مقب ل بش عة فالرج ل‬ ‫المهاب الشأن يصاب بانسداد فى المعاء ثم يبول ويتبرز لإ ارديا ول يحرك ساكنا‪ .‬بل إن عز ارئيل نفسه يسخر‬ ‫منه وهو ليستطيع أن ينطق بكلمة فيموت دون أن يسمعه أحد‪.‬‬ ‫واللغة الفخمة التى يقدم بها شخصية الجانى الشيخ مقبل سوف تختلف وتصبح أكثر فحشاً وابتذالً‪،‬‬ ‫فلغة فرج ال لها مايبررها من شماتة فى موت الرجل الذى دمرها‪ .‬فرج ال الن هى ذلك الوجه الخ ر الفض ائحى‬ ‫الذى سيكشف الكاتب عنه بالتفصيل ‪:‬‬ ‫\" كلهن يعرفن قصة طردها م ن جن ة الش يخ مقب ل ذات ليل ة ش توية ب اردة مث ل ه ذه كالكلب ة م ن جن ة‬ ‫الشيخ مقبل ومملكته بعد ان كادت تفوح بسببها ارئحة الفضيحة\"‬ ‫تظ ل اللغ ة الفاحش ة س مة المك ان والشخص يات‪ ،‬قس وة المك ان تتجل ى ف ى اللف اظ الجنس ية وف ى عن ف‬ ‫وغلظ ة ردود فع ل الشخص يات‪ ،‬لكنه ا تس هم ف ى وص ف بش اعة مقب ل‪ ،‬فلغ ة ف رج ال تفض ح المس كوت عن ه م ن‬ ‫تاريخ الرجل‪ ،‬فموت العجوز ل يقارن بموت طفلها‪ ،‬كما أن الرجل ذهب غير مأسوف عليه‪ ،‬فقد كان بالضافة‬ ‫للكثير من الشياء القبيحة‪ ،‬زير نساء‪ .‬على هذا تصرخ بحدة فى النساء‬ ‫\" – تعرفوا ايه عن الموت ياقحبة منك لها‪..‬‬ ‫‪ -‬محروقة قوى يابنت سعدة – حيوحشك بتاعه يالبوة‪.‬‬ ‫‪ -‬يابنوت الكلب كلنا خ ار وخرسنا‪.‬‬ ‫ونية فرج واضحة منذ البداية‪ ،‬إنها تتحرق شوقا للنتقام من الرجل الذى جنى عليها\"‬ ‫\" – نسوان ملديع بدل مايزفوه بطبلة ويجرسوه‪\".‬‬ ‫ويتبنى الرجل نظرة ال اروى العليم‪ ،‬رغم أنه حين يرى بعيون الشخصية‪ ،‬يصبح السرد أكثر روعة وفنية‪،‬‬ ‫ولنلحظ الفارق بين مات اره الشخصية فرج ال فى أزمتها‪:‬‬ ‫\" ص رخت ف ى الج د ارن القاس ية الكالح ة المتهالك ة‪ ،‬ونه رت م اتجمع أس فلها م ن أش باحها الخاص ة‬ ‫وشياطينها المألوفة التى حاصرتها عيونهم شامتة أو لئمة أو متعاطفة\"‬ ‫وبين ماي اره الكاتب‪:‬‬ ‫\" قط ارت الماء البارد تتسلل لتلسع برودتها فو ارن جسدها الجميل المهان المشتعل كالجمر الحى\"‬

‫‪138‬‬ ‫يستخدم الكاتب هنا لغة ال اروى الله الذى يعرف عن الشخصية أكثر مما تعرف هى عن نفسها‪ ،‬وبلغة‬ ‫أعلى من وعيها‪ ،‬وبمفردات تتجاوز قاموسها اللغوى‪:‬‬ ‫\" تجز على أسنانها حتى تحس بطعم الدم المر الذى نزفته يوم فض بكارتها‪ ،‬برض اها بع د أن دوخت ه‬ ‫وامتنعت عليه حتى جننته‪ ،‬وأفقدته وقاره وشككته فى مكانته التاريخية\"‬ ‫وم افعلته زوج ة الش يخ مقب ل بف رج ال ل م ي أت ل بعي ون الزوج ة أو بعي ون الض حية‪ ،‬لكن ه ج اء بعي ون‬ ‫الكاتب وبلغته‪:‬‬ ‫\"اس تفردت به ا ه ى وبناته ا وبع ض مم ن تع ودن حف ظ أس ارر أولي اء النعم ة‪ ..‬كتفوه ا ونكل وا به ا‬ ‫ومرمطوه ا‪ ،‬وتكف ل ع ود الملوخي ة وت ارب الف رن والرف س ف ى البط ن والعب ث بك ل وحش ية ف ى فتحاته ا الس رية‬ ‫باسقاط جنين الح ارم\"‬ ‫هنا يبدو الرتب اك واضحاً فى منطق السارد‪ ،‬فال اروى العليم يعرف أن الجنين ليس ح ارم اً‪ ،‬لن الرجل‬ ‫كتب لها ورقة \" لترضى بالحلل العرفى\" كما أن اللغة التقريرية لم تفجر الطاقات الدللية للحدث‪ ،‬وطبعاً \" ليست‬ ‫النائحة الثكلى كالمستأجرة\" فلو حكى الكاتب المشهد من وجهة نظر فرج ال لجاء مختلفاً بكل تأكيد‪ ،‬والمشهد‬ ‫يشتمل على امكانات تصويرية عالية لم يحسن الكاتب استثماره على غير عادته‪.‬‬ ‫وتتفاقم أزمة فرج ال وتزداد عمقاً‪ ،‬لقد نشأت يتيمة الب وهرب أخوها من القرية ‪ ،‬وهى تواجه مصيرها‬ ‫دون سند‪ ،‬والقدر لم يرحمها لكنه رحم أمها‪:‬‬ ‫\"وبعد انتقال أمها متعجلة رحمة ربنا أصبحت روحه ا ه ى الخ رى طيف اً ف ى معي ة جنياته ا وش ياطينها‬ ‫ال اربضين فى أركان الدار المظلمة \" وفرج ال تخاطبهم قائلة – ابن الكااالب شاهدين عليه–\"‬ ‫والحديث عن مأساة فرج ال ليكاد ينتهى إل ليبدأ من جديد‪ ،‬سيكون ص ارعها هذه المرة مختلفاً‪ ،‬فيقول‬ ‫الكاتب‪\" :‬أخذت فرج ال بعد أن ألقى بها خارج مملك ة الش يخ مقب ل نص يبها ونص يب عش رة نس اء أخري ات م ن‬ ‫الظلم\" والظلم هنا أشد قسوة وأشد هتكاً لها‪ ،‬بل يكاد يظن القارىء أن الحديث هنا يدور عن اغتصاب مقبل‪،‬‬ ‫ولكن الظلم يغتصبها هذه المرة اغتصاباً من نوع آخر‪ .‬إن قلبه ليرق من أجلها لحظة قبل مواقعتها‪ .‬كما أنه‬ ‫أكثر عنفاً وقسوة من اغتصاب مقبل‪.‬‬ ‫\" لمس ته‪ ،‬تحسس ته‪ ،‬احتض نها‪ ،‬عص رها‪ ،‬كت م أنفاس ها‪ ،‬مرغه ا ف ى ال ت ارب‪ ،‬وض رب به ا الحيط ان‪،‬‬ ‫أرعبها‪ ،‬زلزل كيانها‪ .‬حايلته‪ ،‬بكت تحنن قلبه‪ ،‬أعطته نفسها‪ ،‬عاشرته كعبدة ‪،‬لكنه أبدا لم يرحمها وماإن يجف‬ ‫الجاز فى المسرجة التى لتملك ثمن ماتبل ريقها كل يوم‪ ،‬وبعد أن صارت لتتحمل م ر الش حاتة‪ ،‬م رة بع د م رة‬ ‫حتى تعود إليه مستسلمة‪ ،‬يختطفها فى جوف ل ق ارر له‪ ،‬ويتوحد معها فى ف ارغ الدار‪ ..‬كائنا لزجا سميك القوام‬ ‫يحيطها بألف ذ ارع وزبان ‪..‬يجعل من جلدها مداسا للف القدام واليدى والذرع الثعبانية الهلمية\"‬ ‫واذا ك ان الش يخ مقب ل ق د ت رك بص مته عل ى ف رج ال ف الظلم ي ترك بص مته عليه ا ه و الخ ر‪ ،‬بص مة‬ ‫الش يخ مقب ل ك انت الجني ن المجه ض وذب ول الجس د‪ ،‬أم ا بص مة الظلم فه ى ذب ول ال روح والجس د‪ .‬لق د ختمه ا‬ ‫بميسمه فصارت كائناً مرعباً أو سفلياً‪ .‬بعد اغتصاب مقبل يمكنها أن تنال شيئاً من الشفقة‪ ،‬لكن الفقر والظلم‬

‫‪139‬‬ ‫سيحرمانها من أية نظرة إشفاق أو تعاطف‪ .‬مع مقبل كان يمكنها أن تحب الناس مثلما حدث مع حمدى‪ ،‬لكن مع‬ ‫الظلم ستبادل الجميع كرها بكره‪.‬‬ ‫\"لم تكن تعرف أن عينيها تلمعان فى الظلم كعينة هرة متنمرة حتى أن بعض المارة ك ان يس مى باس م‬ ‫ال حين يق ترب‪ ،‬إذ يرعب ه بريقه ا وس ط كتل ة الظلم المس تطية الكثيف ة ال تى يص نعها الب اب الغ ائر ف ى الج دار‬ ‫البعض‪ .‬كان يق أر آية الكرسى بصوت عال‪...‬كانوا يدارون ويكتمون رعشة رعبهم‪ ،‬ويكتفون بالنحنحة أو بالقاء‬ ‫التحية فى همهمة مجروحة بالشك )سا الخير يافرج ( قليل ماكانت تهتم بالرد وبعد موت أمها لم تع د ت رد أب دا‬ ‫على أحد‪ ،‬تحملهم جميعا جريمة قتل طفلها‪\"...‬‬ ‫الجدير بالذكر‪ ،‬بل المؤسف‪ ،‬أن فرج ال حكاية جميلة فى بداياتها ولم يكن مقد اًر لها أن تستمر نحو‬ ‫غاية ممكنة أو نهاية سعيدة‪ ،‬لقد تحولت مرة واحدة لحكاية كابوسية‪ ،‬فهى لم تصبح الفقيرة التى أخذ المير بيدها‬ ‫نح و القص ر أو ال تى حمله ا اب ن الس لطان إل ى مملكت ه‪ ،‬أو خطفه ا الش اطر حس ن ف وق ج واده نح و م دن البهج ة‬ ‫الملونة\"\" الحواديت التى سمعتها جعلتها تضع نفسها باعت ازز فى مصاف أمي ارت القص ور وبن ات الس لطين\" لق د‬ ‫ارهنت فرج ال على جسدها الثرى العامر بالثمار‪ ،‬كانت تعرف سطوته‪ ،‬وتعلمت كيف تدافع عنه لتضمن لنفسها‬ ‫\"عريسا يرفعها من بئر الذل بعد طفشان الخ الوحيد حافظ القرآن\" الذى ربما صار يعمل فى القوادة‪ .‬لكن مقبل‬ ‫أجهض تلك الحلم كلها مثلما أجهض جنينها‪ .‬الصبر والعناد هما الصفتان اللتان تمي ازن فرج ال ‪ ،‬لقد ظلت‬ ‫على امتداد النص تحتشد وتهىء لنفسها هى وأشباحها فرصة النتقام من جلديها‪.‬‬ ‫ونلحظ بص فة عام ة أن وجود الم أرة ف ى أعم ال سمير عب د الب اقى يتج اوز مج رد النظ رة الش هوانية أو‬ ‫الرومانسية‪ .‬إن الم أرة ترتبط دائما بصناعة الحياة‪ ،‬فأم سمير لتنى تظهر فى كل أعماله باعتبارها القادرة على‬ ‫صناعة أسرة‪ ،‬ونوال أو آمال هى نسخة أخرى من أنتيجون التى تقف ضد كريون أى السلطة بكل أشكالها‪ .‬كانت‬ ‫قضية انتيجون مع الموت لكن قضية نوال مع الحياة‪ ،‬إنها ايزيس الجديدة التى لتبحث عن أوزوريس‪ ،‬ولكن عن‬ ‫أخيها وتقاوم السلطة‪ ،‬سلطة ست إله الشر‪ .‬إن نساء سمير عبد القادر قوية وعنيدة‪ ،‬هن فى صبر ناعسة وعناد‬ ‫أنتيجون‪.‬‬ ‫أم سالم‪ /‬أم سمير‪:‬‬ ‫وف رح أم س الم ي ذكرنا ب أف ارح قط ر الن دى \" ت أتى م ن البل د المج اور ف ى تخ تروان وأربع ة عش ر جملً‬ ‫وحصان‪ ،‬بعدد الربعة عشر مديرية‪ ،‬فى زفة تمتد على طول الز ارعية من الكفر للمنية\"‬ ‫ولم يكن حسن تربية وتدبير أم سالم ‪/‬أم سمير فى الموال فقط سببا فى تفردها بل كانت الست علية‬ ‫\"تسامره وتضىء لياليه الفقيرة بحكايات ألف ليلة وأزجال ابو بثينة\"‬ ‫والحديث عن أم سالم هو نفسه الحديث عن أم سمير ه ذه الم أرة البندري ة ابن ة ص انع الس واقى \" التى لم‬ ‫تعرف كفوفها لت الجلة ول خمش الشبر الجاف ولشك سل النخل وانصال الغاب والذرة الشامية\"‬

‫‪140‬‬ ‫وشخصية ع زة البدرى زوجة حمدى وصديقة نوال التى رفعت قضية للطلق بايع از من نوال وأخيه ا‬ ‫سالم‪ ،‬تشبه نوال كثي اًر‪ ،‬والحق أن هذه الشخصية خرجت كل واحدة من الخرى‪ ،‬فنوال تكاد تكون عزة‪ ،‬وحمدى‬ ‫يكاد يكون مجدى‪ ،‬وكلهما أبناء مقبل‪:‬‬ ‫\" عزة ليست فى زهد ناعسة ول ه و ف ى قدس ية أي وب\" الس بب \" جماله ا وشخص يتها يجعلن ه أمامه ا‬ ‫مرعوشا مرعوبا كالمذنب ل يجرؤ على النظر اليها‪ ،‬ح اولت مع ه‪ ،‬س اعدته بل فائ دة‪ ،‬ث م اختل ط الم ر بالس حر‬ ‫والغواء والشعوذة‪ .‬عرضها لتجارب مؤذية مع النصابين والدجالين\"‬ ‫وف ى مجتم ع مي ت سلس يل ال ذكورى‪ ،‬تص بح ع زة ه ى المتهم ة دائم اً بل ذن ب أو جري رة‪ ،‬والغري ب ع دم‬ ‫احساس حمدى بمأساتها ‪ ،‬ووصل به المر لفقدان كل شعور بالنخوة أو الرجولة‪:‬‬ ‫\"شكت له ما حدث من أحد نصابيه الدجالين الذى حاول أن يقنعها أن تحل مشكلتها س ارً‪ ،‬ب ل وح اول‬ ‫القت ارب منها واغوائه ا‪ ،‬ولم ا نهرت ه وطردت ه‪ .‬ث ار ه و وه اج واتهمه ا أنه ا لتري د الش فاء )عجيب ة وكأنه ا ه ى‬ ‫المريضة(\"‬ ‫وهناك الست ستوتة التى تبحث عن ابنها المتهم بالشيوعية وتحكى حكايتها لعساكر القطار ‪ ،‬ويمكن‬ ‫هنا مقارنة موقف الب بموقف تلك الم أرة البسيطة‪ .‬تعتبر هذه الشخصية‪ ،‬رغم أنها إحدى آليات الكاتب لبطاء‬ ‫سرعة النص‪ ،‬شخصية نموذجية وأعنى بذلك أنها تلك الشخصية التي يرسمها الروائي بوصفها ممثلة لجيل أو‬ ‫طبقة أو فئة أو مجتمع‪ ،‬وتبرز فيها اتجاهات ما يمثله وسماته المميزة‪ ،‬وتمتاز عن الشخصية العادية بأنها تخ تزل‬ ‫سمات الطبقة أو الفئة التي تمثلها‪ ،‬ويهدف الروائي منها إلى بيان رؤيته نحو الفئة المستهدفة التي تختزل سماتها‬ ‫في هذه الشخصية‪ ،‬والحق أنها فلحة فصيحة‪ ،‬ول تخلو مجادلتها من منطق‪:‬‬ ‫قال ابنك ملحد وضد السلم وعايزها شيوعية‪ ،‬قلت له‪ :‬اخرس ده تربية ايدى‪ ،‬مالرسول كانوا بيقول وا‬ ‫عليه ساحر وكذاب ياكذاب‪ ،‬دا انا ابنى يقلع قميصه للعريان‪ ،‬ويعطى اللقمة من بقه للجعان\"‬ ‫سنرى عناد تلك الم أرة وعدم فقدانها إيمانها بابنها‪ ،‬نوان أفتاها وأفتاها زبانية النظام‪ ،‬فنساء سمير عبد‬ ‫الباقى ترى المور بقلبها‪ ،‬ولتسلم أذنها لقوال السلطة‪.‬‬ ‫نوال‪:‬‬ ‫يتوزع نوال إحساس بالظلم من ناصر من ناحية‪ ،‬ومن أهل القرية من ناحية أخرى‪ ،‬لكن موقف الشيخ‬ ‫مقبل من أخيها س الم ه و بالتأكي د أش د مايثيره ا لن ه\" هو اللى وز عليه‪...‬هو اللى دل الظ ابط ع ال بيت وص حح‬ ‫لهم السم الغلط اللى جايين بيه\" وموقف نوال من عبد الناصر‪ ،‬هو مبرر للحديث عن شخصية سالم‪ ،‬وما أقل‬ ‫دور سالم فى المتن الحكائى المستمر لثلثة أيام‪ ،‬لكنه بطل فاعل فى المتن السردى‪ ،‬والسؤال الذى يدق أرس‬ ‫ن وال باس تم ارر ه و‪\" :‬لمص لحة مي ن – يقب ض عل ى أخيه ا وزملئ ه وه م ال ذين وقف وا إل ى ج انب عب د الناص ر‬ ‫بق وة‪ \" ...‬فف ى الق اهرة م ع الخ س مير‪/‬سالم تفتح ت أمامه ا أب واب جدي دة‪ ،‬جعلته ا تعي د النظ ر ف ى رؤاه ا الريفي ة‬ ‫الضيقة ‪:‬‬

‫‪141‬‬ ‫\"ق أرت مجلت الح ائط ‪ ...‬وتعرف ت عل ى زملء ل ه وزميلت ‪ ،‬بن ات زى ال ورد‪ ،‬تعجب ت ف ى البداي ة ب ل‬ ‫واستنكرت حضورهن إلى شقة طلبة ع ازب عشان الجتماعات‪ ،‬لكنها صادقتن وعرفت أنها تفكر كعوانس الكفر\"‬ ‫ونف س الوجوه التى سجن س الم من أجلها ه ى التى تثور عليه ا لنه ا ق د تلغ ى الزي ارة ‪ ،‬فل تفه م نوال‬ ‫كيف يقفون ضدها‪ ،‬وما دخل سالم السجن إل من أجلهم‪:‬‬ ‫\" كانوا مثلهم تماماً نساء ورجال على س لم منزله م ج اءوا يص رخون مس تنجدين بس الم ‪ ...‬لح ق به م‬ ‫أصدقاؤه من الطلبة واستطاعوا يومه ا إفش ال م ؤامرة س رقة المعون ة وتوزيعه ا عل ى أص حابها‪ ،‬ك انت لوج وههم‬ ‫نفس الملمح المتربة المتعبة‪ ،‬ولكنهم كانوا يزغردون‪ ،‬ويلوحون شاكرين‪ ،‬ونظ ارت العيون مليئة بالعرفان‪\".‬‬ ‫وتك اد تكون هناك قصة حب غير مكتملة بيبن آمال ومجدى البن الثانى للشيخ مقبل‪ .‬هذا شخص‬ ‫آخر غير الذى كان يطاردها فى المطبخ‪ ،‬ويمسك يدها فى السينما‪ .‬الن حين يقابلها فى المنصورة يكشف عن‬ ‫وجه آخر شرس وعدائى‪ ،‬فيمنعها من زيارة سالم‪ ،‬إنه صورة أخرى من حمدى الذى روج لشاعات السلطة أن‬ ‫الشيوعيين يمارسون العشق المحرم‪ .‬ونعود للسبت لقد اكتشفت آمال حقيق ة مج دى فتص رخ \"ابن الكالب ب ان عل ى‬ ‫حقيقتك ياندل\" لكن فجيعتها لن تثنيها عن الزيارة‪ ،‬ولن تتخلى عن ذلك السبت ‪/‬صليبها الذى تحمله فى عناد‪:‬‬ ‫\" غامت عينها بالدموع فمسحتها بكمها بعد أن وضعت السبت لتريح ذ ارعها وهى تتلفت حوله ا خوف ا‬ ‫أن يشاهد أحد جبل القهر ال ارسخ على أكتافها‪..‬صلبت عودها وحملت السبت ومضت مسرعة\"‬ ‫ون وال لب د له ا م ن تص ريح نياب ة‪ ،‬فق د رفض وا ف ى الس جن أن تق وم بزي ارة س لك‪ ،‬ورغ م تق اعس الب‪،‬‬ ‫وخذلن القارب‪ ،‬وخيانة الحبيب ما ازلت هى وحدها تحمل الصليب‪ /‬السبت وتمشى نحو قدرها‪ .‬لقد قررت منذ‬ ‫اللحظة الولى القيام بزيارة أخيها السجين \" ولو اتهدت السما على الرض\"‬ ‫نشأت هانم ‪:‬‬ ‫وبغض النظر عن موقفنا من زوجة الشيخ مقبل العمدة فمازلنا نقول أن دور الم أرة ف ى حماية البيت‬ ‫والحتفاظ بكيان السرة هو سمة واضحة فى أعمال سمير عبد الباقى‪ ،‬فحتى لو مارست الهانم أنواعا من الظلم‪،‬‬ ‫وحتى لو صارت ام أرة طاغية مستبدة‪ ،‬فهى مقتنعة أنها تدافع عن وجود أسرتها‪ ،‬على هذا يمكنها أن تفعل أى‬ ‫شىء فى سبيل تلك السرة‪ ،‬هى التى أسقطت حمل فرج ال‪ ،‬وهى المحمومة فى بحثها عن الورقة التى تثبت‬ ‫زواج فرج ال من العمدة‪ ،‬وهى التى تتولى هى وبناتها تنظيف الغرفة بعد رحيل الرجل‪ ،‬نواغ ارقها بالبخور‪ .‬نعم لقد‬ ‫فاحت ارئحة فساد الرجل مجازياً وفعلياً ‪ ،‬تلك ال ارئحة التى ستزخم أنوف المعزين‪ ،‬الهانم رغم أنها \"شاربة ناره‬ ‫وم ارره\" هى التى تبعث باحثة عن ولديها هى أيضا التى تتولى إقامة جنازة تليق بالعائلة ‪.‬‬ ‫\"الشنقيط\" سيكون نائباً للست من أجل الترتيب لجنازة لئقة‪ ،‬لكن أهم من ذلك‪ ،‬حرصها على الوليمة‬ ‫الباذخ ة ال تى س يكون له ا فائ دة مزدوج ة‪ ،‬فه ى تتج اوز كونه ا وجاه ة اجتماعي ة‪ ،‬وش غلً للفق ارء والبس طاء ع ن‬ ‫الخوض فى سيرة العائلة‪ ،‬بل تتجاوز ذلك لتكون رشوة لفق ارء الرض ولملئكة السماء‪ ،‬إنها تريد من تلك الوليمة‪:‬‬ ‫\" سد حنك الجميع لقطع اللسنة بملء البط ون‪ ،‬فيهم دون ع ن النميم ة وتقلي ب المواج ع ول ذة كش ف‬ ‫المخفى ويدعون له ا ولولده ا بالس تر والبرك ة وللفقي د بالرحم ة ‪ .‬أب واب الس ماء ع ادة م اتلين أك ثر وتس تجيب‬

‫‪142‬‬ ‫أس رع ل دعوات وأص وات المحرومي ن والج ائعين عن دما تك ون ح ارة وم ن القل ب مض مخة بطع م و ارئح ة الزف ر‬ ‫واللحوم\"‬ ‫مشكلة الزوجة مركبة هى لتجد ورق زواج الفقيد من فرج ال ول تجد ولديها حمدى أو مجدى بجوارها‪،‬‬ ‫مع ذلك تتماسك لتتابع مشكلة الوليمة‪ ،‬نواعداد جنازة مهيبة طويلة لئقة سيحضرها علية القوم‪ ،‬وتخاف أن يفسد‬ ‫أح د خرج ة الش يخ‪ ،‬فتس تدعى المقرئ ة العمي اء \"نعيم ة العامي ة\" ه ذا غي ر جهوده ا لتجهي ز المق برة‪ ،‬نواع ادة بنائه ا‬ ‫بسرعة لتليق بالمرحوم‪ .‬إنها وجه آخر لنساء عبد الباقى‪ ،‬وجه الم أرة فى جبروتها‪.‬‬ ‫رتيبة‪:‬‬ ‫وانتقام فرج ال جاء أيضا من رتيبة‪ ،‬فتلك الداة التى شاركت فى قتل طفلها‪ ،‬لبد أن تنال حظها من‬ ‫النتقام والتنكيل‪ .‬الضعف ليس مبر اًر للمشاركة فى القتل‪ ،‬ربما يمكن السكوت عليه وهذا أضعف الشر‪ ،‬لكن أن‬ ‫تكون يداً تقتل فهذا ما لم يتسامح معه الكاتب‪ ،‬ولم تغفره لها فرج ال‪:‬‬ ‫\"كانت رتيبة هى التى كتفتها للست ومعاونتها ليلة حكموا على جنينها بالموت قب ل الوان وه ى ال تى‬ ‫واتتها الشجاعة فلعبت الدور الرئيسى فى قتله ‪ ،‬هى التى أدخلت عود الملوخية بين فخذيها المش دودين‪ ،‬وه ى‬ ‫التى مدت يدها تلتقط أرس ه‪ ،‬وك انت الوحي دة ال تى ح دق ف ى عينيه ا مباش رة بعي ن كعي ن الس مكة تش غل نص ف‬ ‫أرسه‪ ،‬وظل محملقا ليرمش فى عينيها حتى غطتها بكف ملوثة بالدم وماء البطن\"‬ ‫رغ م أن رتيب ة شخص ية لتنقص ها الش جاعة ب ل ه ى رغ م ك ل ش ىء الوحي دة ال تى وافق ت عل ى القي ام‬ ‫بالمهمة الصعبة وهى حمل صينية من طعام \" الرحمة والنور\" إلى فرج ال‪.‬‬ ‫\" رتيب ة ال تى أرت عز ارئي ل م ع المرح وم وع اينته بالض بط كم ا رآه ه و‪ ...‬رتيب ة ك انت الوحي دة ال تى‬ ‫رضيت أن تأخذ الصينية لفرج ال‪ .‬الكل خاف ذلك حتى أولئك الذين يخاوون جناً من تحت الرض مثل بهنونة‬ ‫وعيوشة وبنت أم تلته أو الذين كشف عنهم الحجاب وبهم تسبب السباب\"‬ ‫وف رج ال تع رف ك ل ذل ك فتهي أت لس تقبالها ه ى وأش باحها‪ ،‬أم ا س مير عب د الب اقى فق د حش د مه ارته‬ ‫السلوبية هو الخر لتكون نصيرة لفرج ال‪.‬‬ ‫\"ح وطت ف رج ال عليه ا ب ذ ارعين كالم دارى وأخ ذتها ف ى حض ن ك اللهب‪ ...‬لك ن أح دا ل م يج رؤ عل ى‬ ‫القت ارب من الباب المغلق ال ذى ك انت تم ور وتتص اعد خلف ه همهم ات الش باح وأص وات غامض ة تش به مض غ‬ ‫وتكسير عظام وضلوع ودقات طبول مجهولة كطبل ازر رهيب‪.‬‬ ‫كانت فرج ال تمسك برتيبة مثلما أمسكت بها يوم تنفيذ حكم العدام فى وليدها الذى لم يأت‪ ،‬تحيط‬ ‫به ا أش باحها وعفاريته ا وه م ي دورون ف ى جن ون‪ ...‬و أرت رتيب ة الجني ن ال ذى ك ان قب ل أن يبع ث أمامه ا ف ى‬ ‫ض عف حجم ه س اعة س قوطه لوان ل م تتح دد ملمح ه تمام ا‪ ..‬لش ىء س وى تل ك العي ن الك بيرة الواح دة ال تى‬ ‫أرعبتها يوم مولده وموته ‪ .‬كانت تزداد اتساعا حتى صارت باتساع القاعة‪ ،‬وكانت عميقة كالظلم ال ذى تتم رغ‬ ‫فيه على الرض‪ ،‬تحاول فى يأس الفلت من قبضة فرج ال التى كانت تجاهدها للدخول بين فخذيها ولتقدر‪،‬‬ ‫لكن أحدا من أشباحها النذال لم يساعدها‪ ،‬بل ظلوا يدورون فى ضجة يختلط فيها دق الطبول العالى بالص ارخ‬

‫‪143‬‬ ‫والتدافع المجنون‪ ،‬مما أعطى الفرصة لرتيبة أن تتملص من ب ارثنها‪ ،‬وتزحف على الرض جاهدة كى تفلت م ن‬ ‫خمش أظافرها وعض أسنانها\"‬ ‫ويتجاوز سمير عبد الباقى مسألة اليحاء النفسى‪ ،‬مادامت رتيبة تحت قبضة الرعب‪ ،‬وفرج ال بين كف‬ ‫الي أس‪ ،‬ليجع ل الح دث يمت د ليش مل قري ة بأكمله ا توقعت أل يم ر اللق اء عل ى خي ر‪ ،‬ف تركوا خي الهم الريف ى يجم ح‬ ‫ويجنح ويجعلون من الحكاية أسطورة محلية‪ ،‬ول مجال للتشكك فى وجود تلك الشباح‪:‬‬ ‫\"بكل أيمان المسلمين أقسم كثيرون من الجي ارن أنهم سمعوهم أيض ا ب آذانهم و أروه م معه ا أرى العي ن‬ ‫وهم يطاردونها بقطع اللحم وأوانى الطعام على رنات الصينية الفارغة التى كانت فرج ال المسكونة ت دق عليه ا‬ ‫كدف هائل دقات زفة عرس مجهول\"‬ ‫والخاتمة تأتى بفشل كل الترتيب ات‪ .‬لقد نجحت فرج ال فى النتقام‪ ،‬واسقاط مؤسسة قديمة كاملة‪ ،‬ل‬ ‫مجرد الحتفال الجنائزى الذى أ اردوا له أن يكون مهيباً لتستمر سلطة ونفوذ ال أرسمالية الريفية‪ ،‬لكنها ما كان لها‬ ‫أن تنجح دون معاونة أشباح البيت‪ ،‬تلك الرواح المظلومة المعذبة‪.‬‬ ‫لنبدأ مع الشباح‬ ‫\" اختبات أشباح وعفاريت فرج ال عن دما أرت الش نقيط قادم ا م ن بعي د‪ ...‬ول و أن ه التف ت لوهل ة قب ل‬ ‫خروجه من باب الدار لشاهد زمرة من الشباح تتابعه متلصص ة م ن ك ل الرك ان المظلم ة تلص ص م ن يخش ى‬ ‫إغض اب ف رج ال ال تى ح ذرتهم حي ن أرت ه أن يظه روا ل ه‪..‬لكنه عن دما اختف ى ع ن النظ ار وص ار بعي دا ع ن‬ ‫متناول الصوات رقصت و ازطت وهاصت وأحاطت بفرج ال تنتظر أوامرها عما ستفعله فى هذا اليوم العصيب‪.‬‬ ‫نظرة فرج ال أخرستهم جميعا فانكمشوا مبتعدين عنها فى انتظار ماسيكون\"‬ ‫تتملم ل أش باح ف رج ال‪ ،‬تري د النتق ام ه ى الخ رى‪ ،‬واذا ك ان الن ص ل م يح دثنا ع ن ظل م تعرض ت ل ه‬ ‫الشباح على يد الشيخ مقبل‪ ،‬لكن سمير عبد الباقى أ ارد أن يؤكد أن المظلومين والمعذبين ينتظرون لحظ ة معين ة‬ ‫ليحتشدوا وينقضوا على قاتليهم وجلديهم‪ ،‬وكأنها نبؤة بثورة يناير التى خرج فيها ما ظنهم النظام قد ماتوا منذ‬ ‫زمن بعيد‪ ،‬وكأنها كتابة مستقبلية‬ ‫\"ولم ا ازدت زم أزة الش باح والعف اريت وعل ص وت احتج اجهم عل ى ف رج ال‪ ،‬زعط ت فيه م فانكمش وا‬ ‫وع ادوا للظلم‪ ،‬وقب ل أن تتس لل خارج ة ح ذرتهم م ن متابعته ا أو الخ روج م ن ال بيت‪ ،‬لكنه م ل م يكون وا ين وون‬ ‫التخلى عنه ا مهم ا ح دث‪ ،‬ل ذلك م ا إن اختف ت و ارء أول انحن اءة ف ى الح ارة ح تى انطلق وا وانتش روا ف ى س ماء‬ ‫القرية معربدين صارخين قاصدين المكان الذى تقصده فرج ال بالضبط‪\".‬‬ ‫والحقيقة أن أشباح فرج ال كانوا يجادلونها ليلة الجنازة‪ ،‬لكنهم لم يحاولوا ابدا ان يثنوها عن موقفها‪ ،‬إنها‬ ‫مجادلت تشبه مجادلت الميدان‪ ،‬لكن التفاق العام هو النتقام‪:‬‬ ‫\"تحملت كثي ار من لوم وتعذيب أخيها الهارب‪ ،‬وصبرت على تأنيب أمها الميت ة قه ارً وجاه دت ك ل ليل ة‬ ‫لتمن ع بك اء طفله ا الم وءود‪ ،‬لكنه ا الي وم ل م تس كت ب ل ردت لخيه ا الص اع ص اعين‪ ،‬وأخرس ت أمه ا وكتم ت‬

‫‪144‬‬ ‫أنفاسها أكثر من مرة‪ ،‬وحاولت إرضاع الوليد الموءود‪ ،‬لكن لبنها ك ان يس يل س هلوب ن ار ح امض يجعل ه ي زداد‬ ‫فزعا وص ارخاً‪ ،‬لكنه كان رغم ذلك ينمو ويكبر ساعة بعد س اعة فيجه دها ويرق دها تح ت قه ر عض اته وقرص اته‬ ‫الجهنمية‪ .‬الخرون من أخوال موتى وأعمام مقهورين كانوا معظم ال وقت حوله ا متفرجي ن وأحيان ا مؤي دين له ا‬ ‫ضد أخيها أو مشجعينها على تعذيب أمها\"‬ ‫ويذهب سمير عبد الباقى مذهبا آخر فى الحكى وهو استيعاب وتبنى الحكى الشعبى‪ ،‬فهو يشخصن‬ ‫الشباح بيقين ال اروى العليم‪ ،‬ل من وجهة نظر الشخصية‪ .‬إنه يؤمن ل بوجود تلك الشباح لكنه يؤمن أن أرواح‬ ‫المظل ومين والمقه ورين س تنتقم م ن جلديه ا وقاتليه ا‪ ،‬ل ذلك نج د واح دة م ن أع ذب وأجم ل الوح دات الس ردية ف ى‬ ‫الرواية العربية‪ ،‬سمها ماشئت فانتازيا أو واقعية سحرية‪.‬‬ ‫لقد اقتنعت فرج ال واستسلمت لشباحها التى خرجت معها‪ ،‬ولنتأمل كيف يتحول وصف الموكب إلى‬ ‫فانتزيا حقيقية‪ ،‬ففجأة‪:‬‬ ‫\" انطلقت تلعلع زغرودة عالية طويلة حادة مرح ة حطم ت به ا ف رج ال واجه ة الجن ازة الزجاجي ة حي ن‬ ‫انشقت عنها الرض مزلزلة أمان ووقار الموكب‪ .‬بالضبط أمام النعش انفجرت تلك الزغرودة التى لم تنقطع ولم‬ ‫تخفت فأخرست صرخات الن دابات ‪ ...‬ك انت ف رج ال تزغ رد وس ط عفاريته ا وأش باحها عاري ة مل ط كجني ة بح ر‬ ‫وهى تدق على الصينية دقات منغمة بلحن اتمخطرى ياحلوة يازينة\"‬ ‫رجال دولة وضيوف وأكابر‪ ..‬زهور وأعلم وموسيقى‪ ..‬كل هؤلء تكفلت الشباح ببعثرتهم وتمريغهم‬ ‫فى الت ارب‪ ،‬فهم قمة هرم الفساد المسئول عما وصلت إليه \"فرج ال\"‪:‬‬ ‫\" كانت أشباحها المتربصة وعفاريتها المتحف زة ق د انطلق ت وانتش رت ح ول وف وق وخلل الجم ع ال ذى‬ ‫فقد تماسكه وانتظامه صارخة ترقص وتزعق مثيرة رعباً مضاعفاً عند النسوة فى حلق ات الن دب فانض ممن إليه ا‬ ‫يرقصن ويزعقن فى جنون مرعب‪ ...‬ولم يع رف ال ذين ف ى الم ؤخرة إل بع د لى وبش ك ك بير حقيق ة ماح دث ف ى‬ ‫المقدم ة‪ ،‬لك ن ك ثيرين دفعه م ح ب الس تطلع لل ت ازحم ف ى فوض ى المفاج أة لختلط الزغاري د المرح ة بص ارخ‬ ‫الرعب بآهات اللم بتخيلت ملت الرؤوس ال تى ل م تبص ر بع د بأش د الحتم الت ش ارً‪ ،‬وش نت القل وب ال تى ل م‬ ‫تع ى ماح دث بالتخمين ات المرعب ة‪ ،‬حي ث ل م يس تطع أى خي ال أن يفس ر ماح دث ول أن يفس ر س ر الص فعات‬ ‫والشكشكات والقرصات واللكمات التى بدأت تسددها أيدى مجهولة وأظافر غير مرئية تغي م وس ط وض وح ص وت‬ ‫الخر ازنات التى تطوع الغفر بها لعادة النظام والوقار إلى الزحام المنفلت\"‬ ‫\"أم نباهات\"‬ ‫دور الم أرة فى أعمال عبد الباقى دور فعال فهى تستطيع دائما التصرف ربما أفضل من الرج ل‪ ،‬وعش ق‬ ‫سمير عبد الباقى للبيوت جعله يثمن دور الم أرة‪ ،‬سيدة البيت بل منازع‪ ،‬القادرة حتى فى أصعب اللحظات على‬ ‫الدفاع عن الكيان السرى‪ .‬وضعف الم أرة الغريزى من أجل كلمة ناعمة أو لمسة حانية يستدر شفقة الكاتب‪،‬‬ ‫فيجعلها حتى وهى على وشك السقوط تتماسك‪ ،‬لقد أرينا أن السقوط الوحيد كان لفرج ال‪ ،‬فيما عدا ذلك سنرى‬ ‫شخصية زوجة المعلم القص‪ ،‬أم نباهات والقص‪ ،‬والحق أن نباهات أكثر مك ار وقدرة على التصرف من أخيها‬ ‫\"الولد البرغوت\"‪ ،‬مثلما كانت بنات \"مقبل\" أكثر تحمل للمسئولية من ولديه حمدى ومجدى‪:‬‬

‫‪145‬‬ ‫ف ى مبن ى النياب ة تقاب ل ن وال المعلم ة \"أم نباه ات\" أو \"أم الف ص\" ك انت ن وال تش به غريق اً يتعل ق بقش ة‪،‬‬ ‫فوجدت ضالتها فى تلك الم أرة‪ ،‬ولنرى وصف تلك الم أرة الشعبية ذات الوجه الطيب والثلث سنات دهب بعيون‬ ‫نوال‪:‬‬ ‫ام أرة ملحم ة تجل س مرتاح ة عل ى دك ة ف ى م دخل دورة مي اه تح ولت لب وفيه)‪ (...‬الس ت م ن ناحيته ا‬ ‫استقبلتها فى ترحاب أمومى غير مفتعل كما توقعت\"‪.‬‬ ‫وحين تطلب نوال العون منها فهى أدرى باج ارءات الزيارة‪ ،‬لتتردد فى مساعدتها بكل الطرق‪:‬‬ ‫\"انفرج الوجه الليف المدور‪ ،‬ذو العي ون المكحول ة والم ؤطر ف ى حرفن ة بالش ال المل ون ع ن ابتس امة‬ ‫عريضة مشجعة\"‬ ‫وحين تحكى الم أرة عن زوجها‪ ،‬نكتشف و ارء ذلك المظهر القوى الخشن قلباً رهيفاً عاشقاً ففى\" شوق‬ ‫واضح وحب صريح\" تحكى لنوال‪:‬‬ ‫\"الف ص ج وزى عم دة الس جن الل ى اخ وكى في ه‪ ،‬ه و الل ى ش ايل المفاتي ح الق ص ده ابن ه خلفت ه بع د‬ ‫نباه ات بتلت س نين ‪ .‬ك ان محك وم علي ه بس نتين بي ن ده وبي ن دى‪ ،‬ش وفتى ي ادوب ف ص يوس تفندى اص لى‬ ‫اتوحمت عليه‪ ،‬وأنا حامل كان فى اجازة بين حبستين‪ ،‬تعرفى حدف لى اليوستفندى من السلك\"‬ ‫وحين تتشكك نوال فى قدرتها على تحقيق هدفها تؤكد لها دائما أم نباهات أل تيأس‪ ،‬وأحياناً ل تحتاج‬ ‫نوال لتأكيدها ‪ ،‬يكفى أن ترى نوال عناد الم أرة وص ارعها مع الحياة لتنتقل لها تلك العزيمة والروح المقاتلة‪:‬‬ ‫\" حنية أم نباهات سدت منابع القلق والشك والخوف ف ى قل ب ن وال‪ ،‬لوان غيم ت عينيه ا دم وع م ترددة‬ ‫بخرتها ح اررة ابتسامة الثقة التى أش رق به ا ال وجه الحزي ن‪ ،‬وه و يستس لم لحس اس عمي ق بالم ان إل ى ج وار‬ ‫هذه السيدة التى أجلستها إلى جوارها على الرصيف)‪ (...‬أمامه ا ك انت البض اعة ال تى تبيعه ا للتلمي ذ ص باحا‪:‬‬ ‫أقلم ومساطر وك ارسات ‪..‬ملبس وك ارملة وورق ملون وورق شفاف عش ارت الصناف المدرسية\"‬ ‫أم نباهات هى صورة أخرى للم أرة التى يجلها سمير عبد الباقى ويثمن دورها هى وأمثالها فى الحياة‪،‬‬ ‫والحق أن سمير عب د الب اقى يحتفى بالبسطاء وتبدو له صور كفاحهم مع الحي اة \" أسطورية\" أم نباهات نموذج‬ ‫لم أرة مكافحة مثلها فى ذلك مثل مليين المصريات‪:‬‬ ‫\"ضحكت نوال وهى تحاول أن تجد لنفسها مكانا لهذه الست السطورية‪ ،‬هكذا ط أر الوصف له ا‪ ،‬وه ى‬ ‫ت اره ا ف ى غبش ة الفج ر تق وم تس لق ال بيض‪ ،‬وتل ف الجبن ة بع د تقس يمها ش ارئح ح تى تأتيه ا ابنته ا ب الخبز‬ ‫والسميط الصابح من الفرن‪ ..‬ثم تسرع إلى هذا المك ان لتقض ى ه ذه الف ترة ح تى ي دخل التلمي ذ إل ى المدرس ة‪.‬‬ ‫ت بيع وتج ادل وه ى ت دير مؤسس ة الق ص الص باحية )مكتب ة ومطع م( وبع دها تس رع لتش رف عل ى الف رع الث انى‬ ‫الرقى) كافيتريا فى دورة مياه المحكمة( تصنع وتبيع الشاى والقهوة والدمغة وخدمات أخرى كثيرة لغن ى عنه ا‬ ‫لرواد المحكمة من المحامين والعساكر والموظفين والفلحين‪ ..‬مدعين ومتهمين ‪..‬سوابق وعواطلية وعمال\"‬

‫‪146‬‬ ‫أم نباهات كما يقول الكاتب\" تنتزع القروش من بين أسنان تل ك الس اقية الجهنمي ة المتش عبة ال تروس‬ ‫والذرع والن وابض والرواف ع ال تى لتك ف ع ن القض م واله رس وال دفع والطح ن والنش ر والقط ع والوص ل وال دق‬ ‫مص عدة للس ماء أني ن ه ذا الخلي ط م ن الص وات ال ازعق ة والهامس ة الغاض بة والمغيظ ة الص ارخة م ن الل م ‪،‬‬ ‫اللنميمة ‪ ،‬وهى تلقى بأشلء من تلقمهم إلى الشارع أو إلى السجن على طول ذ ارعها الجبار\"‬ ‫ولم تكتفى أم نباهات بمجرد تيسير التعقيدات الدارية‪ ،‬بل استضافت فى بيتها تلك الفتاة الريفية الغريبة‬ ‫عن المدينة‪ ،‬واستطاعت بمساعدة رجب \"الجن\" وهو شاب \"هجام عايق وبتاع نسوان\" أن تعط ل المخ بر ومج دى‬ ‫ومنعهم ا من مضايقتهما أو القت ارب من الس جن‪ ،‬لكنه ا وهى مشغولة بك ل ذلك ل تنس ى أن\" تزجر الجن وتلمه‬ ‫حين لحظت نظ ارته لنوال بمجرد أن رآها وتحذره أن يتجاوز حدوده معها\"‬ ‫الشيخ مقبل‪:‬‬ ‫ورغم أن النص يبدأ بوفاة الشيخ مقبل إل أن الكاتب يقدمه باعتباره شخصية مرهوبة الجانب‪ ،‬عظيمة‬ ‫الشأن‪ ،‬سيعود لوصف شذ ارت وهى مواقف مفصلية من حياته ويتوقف أمام لحظة موته تحديداً ‪:‬‬ ‫\" الرجل الفحل المعمر‪ ،‬صاحب الفضائح المس تورة والي د الطويل ة الخفي ة‪ ،‬والهيب ة العلني ة ال تى ك انت‬ ‫توحى أنه سيعيش دون أدنى شك باتفاق السماء لبد حتى يبلغ المائة إن لم يكن إلى البد\"‬ ‫أما اللحظات الخيرة من حياة الشيخ مقبل فيرصدها الكاتب بفنية عالية حيث يرى الشيخ مقب ل عز ارئي ل‬ ‫\"يبتسم له فى طيبة\" ولك ن \"عن دما تح رك عز ارئي ل نح وه خط وة وج د نفس ه يقف ز منقلب ا عل ى ظه ره كق رد لس عه‬ ‫بصبوص نار\"‬ ‫الرجل الن فى شبه غيبوبة وصار يفعلها على روحه‪ ،‬لكنه يظن أن فرج ال هى التى جاءت تغير له‬ ‫ملبسه‪:‬‬ ‫\"على جلده قشور جافة ميتة‪ ،‬أ ازلتها الم أرة التى لم تسمع ش يئا مم ا ق اله‪ ،‬وأح س برعش ة كفه ا حي ن‬ ‫لمست ساقيه المثلجتين‪ ،‬وأفزعته أنفاسه اللهثة وهى ترفع رجله الثقيلة كالحجر لت دخلها ف ى الكلس ون الج اف‬ ‫النظيف‪ ،‬لمح أظافره الزرقاء فوق الملءة النظيفة فذعر لطولها‪ ،‬لكنه أخفى فزعه‪ ،‬وأمسك يدها معت ذ ار ‪.‬هم س‬ ‫لها‬ ‫‪ -‬فرج ال احلف بشرفى ستأخذين حقك تالت ومتلت مش حاسمح لهم يدبحوك بعد موتى\"‬ ‫والرعاية الطبية تبدو له نوعا آخر من العذاب‪ ،‬الرجل مصاب باضط ارب فى الدورة الدموية‪ ،‬والتهاب‬ ‫فى القولون‪ ،‬وانسداد فى المعاء‪ ،‬هذا غير الفتاق‪:‬‬ ‫\" مد أحدهم ذ ارعه تحت ثيابه وطعنه بسكين ح اد ف ى بطن ه المتورم ة ‪ ...‬وأدخ ل أح دهم ش يئا غليظ ا‬ ‫ف ى إس ته فت أوه وأح س بالبل ل بي ن فخ ذيه ‪...‬خج ل م ن نفس ه وح اول أن ي دفعهم بعي دا ح تى ليش موا ارئحت ه‬ ‫الكريهة لكن عضواً من أعضائه لم يطاوعه حتى الذى س مم حي اته ‪...‬ذل ك العض و الملع ون ال ذى ك انت لمس ة‬ ‫أى بروز ناعم او مستدير توقظه كأنتوت المح ارث\"‬

‫‪147‬‬ ‫التفت ناحية ال ازئر مستنجدا أن يخلصه مما هو فيه فرآه ينظر إليه بعيون باردة ودون ش فقة ك أنه ل‬ ‫ينوى أن يستجيب\"‬ ‫وتأتى نهاية الشيخ بشعة‪ :‬كل القاذو ارت التى فعلها تخرج الن من فمه‪ ،‬ذلك الفم الذى طالما مارس‬ ‫الكذب‪ ،‬والذى سكت على مافعلوه بفرج ال‪:‬‬ ‫\" دم دافىء س ال عل ى الوس ادة م ن ج انب فم ه‪ .‬ص رخ ف ى ق رف وغمرت ه ارئح ة كريه ة‪ .‬الم أرة ال تى‬ ‫تنظف حول فمه أبعدت وجهها وغمر كفيها القىء فصرخت‪ ) :‬خ ار(‪.‬‬ ‫حدث هرج ومرج كثير وضحك عز ارئيل شامتاً\"‬ ‫ويتجلى الشعور بفداحة ذنبه فى اللحظات الخيرة‪:‬‬ ‫\" أرى الجني ن المي ت الغ ارق ف ى ال دم ينظ ر إلي ه م ن بي ن فخ ذى ف رج ال المنفرجي ن غص باً‪ .‬ن ادى‬ ‫عليها لكن عز ارئيل صار أكثر وضوحا وسط الزحام الملتف حول الجسد الميت‪ ،‬وتلشت الحركة والص وات م ن‬ ‫حوله‪ .‬لم يعد هناك سوى عز ارئيل يهدهد جثة الطفل المجهض بل تعاطف ثم يزيحه جانب اً ويم د ي دين رهيب تين‬ ‫إليه‪ .‬لكن أحدا لم يسمع صرخته الفزعة التى لم يخرج منه نفس بعدها‪.‬‬ ‫حمدى‪:‬‬ ‫مأس اة حم دى أن ه أرى وال ده \" م دلوق ف وق البن ت وس ط العف ار والتب ن‪ ...‬إذ يش اء العلي م الحكي م ان‬ ‫يشاهد مؤخرة أبيه الفخمة عارية بيضاء م ن غي ر س وء‪ ،‬تعل و وتهب ط ف ى ت وتر ليلي ق بس نه ف وق جس د الب ت‬ ‫السم ارء الذى يتلوى تحتها‪ ،‬وصاحبته تمؤ وتصرخ كقطة لئدة\"‬ ‫ومشكلة حمدى أنه واقع فرج ال‪ ،‬ثم شاهدها تتلوى تحت أبيه فى الزريبة‪ ،‬لقد صار معقداً نفسياً ونحن‬ ‫ل نعرف كيف أثر عليه الحادث‪ ،‬لقد أمسى عنيناً مع زوجته‪ ،‬فحلً مع العاه ارت‪ ،‬ولندرى هل وقر فى قلبه أن‬ ‫فرج ال مادامت قد تركت نفسها لبيه فهى تشكك فى رجولته وأنه –حمدى‪ -‬لم يكن رجلً فى نظرها بما يكفى‪.‬‬ ‫أم أن ه ق رر تك ارر نف س س يناريو الب‪ ،‬فاس تغنى بح ارم ه ع ن حلل ه‪ .‬وم ع ذل ك س يقع خ بر وف اة أبي ه علي ه‬ ‫كالصاعقة‪:‬‬ ‫\" حمدى الذى كان لحظتها ممتطيا صهوة وثيقة اثبات رج ولته الجدي دة تفي دة المتع ة ناس جة الكي اب‬ ‫والحصير الملون فى حجرتها التى يفتح بابها على ظلم الحقول مباشرة‪...‬انتفض انتفاضة محموم كأنما شكته‬ ‫المرة الخبيرة بإبرة محماة فى جنبه‪ ،‬صرخ من لوعة حقيقية‪\".‬‬ ‫وبنهاية الب تزداد وتعمق أزمة حمدى‪ ،‬بدل من شعوره بالتحرر وخلصه أخي ار من سلطة الب‪ .‬لقد‬ ‫حض ر الع ازء وهو عل ى جنابة‪ ،‬وبدا أم ام الجميع‪ -‬ال ذين يعرفون أو يتوقعون أي ن ك ان‪ -‬ضئيلً بج انب العم دة‬ ‫الجديد ‪:‬‬

‫‪148‬‬ ‫\" حاول حمدى أن يجمع شتات نفسه ليكون ابن أبيه لكنه أحس بضآلته‪ ،‬وافتقد أب اه ال ذى ك ان مل و‬ ‫هدومه حتى فى مرضه ‪ ...‬أحس بذنب جارح لنه كان بعيدا ساعة م وت أبي ه‪ ...‬أح س ه وة م ن الف ارغ تتس ع‬ ‫حوله وتحيط به ‪ ...‬ساخت روحه و أرى نفسه ضئيل وحيدا غير طاهر\"‬ ‫ويعد مشهد مواقعة حمدى لفرج ال واحداً من أقوى المشاهد التى توضح ب ارعة الكاتب وقدرته العالية‬ ‫على الوصف‪ ،‬فقد كانت تستحم وحدها فى البيت وهى تغنى لسمهان‪ ،‬ويرسم لنا الكاتب المشهد بعيون حمدى‬ ‫الشبقة‪:‬‬ ‫\" شاهد الظل ال ارئع اللعوب فتسمر يحملق مشدوهاً فى تلك الجني ة ال تى يلع ب ظله ا عل ى الج دار م ع‬ ‫نغمات صوتها العذب وس ط دخ ان اللمب ة الس اروخ وبخ ار الم اء المتص اعد وص وت الواب ور‪ ،‬وص مت ال بيت إل‬ ‫من أنفاسه المتلحقة‪ .‬ألجمته متابعة الجسد المتجسد فوق الحائط‪ ،‬وتق افز رم ان الث ديين الن افرين ف وق الع ود‬ ‫السارح اللدن المتماوج‪ .‬كانت تمارس مع جسدها نوعا من العج اب والعش ق بكفي ن ح انيتين ت دعكان وتعبث ان‬ ‫وترفعان وتتمايلن مع ذ ارعين مدملجين يستقيمان وينثنيان فى رقصة مثيرة\"‬ ‫وأمام تلك\" الجنية المغسولة بالشهد والنور\" يبكى حمدى فى حضرة ذلك الجمال‪ ،‬فتشفق عليه فرج ال‪:‬‬ ‫\"وجدت نفسها تخ رج م ن الطش ت والم اء يس يل م ن جس دها الف ائر الناض ج‪ ،‬وق د التص قت ب ه ج دائل‬ ‫شعرها الخشن السود‪ .‬تقدمت منه فى لهفة مشفقة واحتضنته وأخذت تلعق دموعه بشفتيها\"‬ ‫فرج ال فى هذا المشهد‪ ،‬هى التى تقود الحدث‪ ،‬فهى أكثر د ارية وخبرة من الفتى الغض‪ ،‬وهى التى‬ ‫أغوته‪ ،‬وحمدى تائه تماماً فى بحرها‪ ،‬إنه مجرد رد فعل \"غمره أريج جسدها المضمخ بالصابون النابلسى الملكى‬ ‫والعرق المعطر وقد لمعت عيناها لشهوة بريئة أضاءت روحه‪ .‬أخذت تقبله وبادلها القبلت محموم اً فف ردت ل ه‬ ‫ب ارح حضنها الرحب اللدن ليتوه وينسى المولد والصحاب حتى قطع النفس وذاب فى الوجود الذى لم يعد سوى‬ ‫ضوء وأصوات وألحان سحرية شديدة الصفاء لم يلفت نظره أو تسعفه خبرته ليعرف أنها لم تكن عذ ارء\"‬ ‫المش كلة أن حم دى ك ان بل تج ارب فل م يع رف أنه ا ليس ت ع ذ ارء‪ ،‬وهن ا ستص بح ك ارهي ة الب م بررة‪،‬‬ ‫سيصبح الب هو سارق السعادة من ولده‪:‬‬ ‫فى تلك السنة التى أفحمت ه فيه ا م ؤخرة أبي ه ف دمرت حلم ه ال برىء النظي ف‪ ،‬ل م يحص ل عل ى ش هادة‬ ‫الثقافة بل ولم ينجح فى أى مدرسة‪ ،‬فقد قدر له أن يكون ابن أبيه ووارث عهره\"‬ ‫سالم‪:‬‬ ‫ورغم تأخر ظهور سالم حتى ص ‪ 97‬لكنه البطل‪ /‬الشخصية الرئيسية فى الرواية ‪ :‬فيقوم ب دور البطول ة‬ ‫ف ي أح داثها‪ ،‬وق د ص ور الروائ ي ه ذا البط ل وه و يتفاع ل م ع الواق ع ويتح داه‪ ،‬م ع إد ارك ه بمحدودي ة مح اولته أو‬ ‫صعوبتها‪ ،‬أو عدم فوزه في النهاية‪ ،‬إل أنه يواصل المحاولة‪ .‬مولد سالم ‪/‬سمير‪ ،‬أو البطل يرتبط بأحداث جسام‬ ‫على المستوى القومى والعالمى‪ ،‬يشبه أبطال السيرة فى مخاضهم الصعب وظروفهم المحيطة الستثنائية‪ ،‬وفى‬ ‫ح ديث الك اتب يق ول عل ى لس ان الب إن ه\" الول د المش اغب المش اكس ال ذى عرفه م طري ق الس جون\" ويختل ط‬ ‫التاريخ العام بالخاص‪ ،‬وكأن مولده يرتبط بتاريخ القرية والوطن والعالم بأسره‪:‬‬

‫‪149‬‬ ‫\"الملك يعزل حكومة الوفد ويترفد الشيخ مقبل من العمودي ة ونقس م البل د وأورب ا تغل ى وبش ائر الح رب‬ ‫تدق البواب بقوة هتلر يحرق ال اريخستاغ ويستولى على سدة الحكم فى ألمانيا ويهدد ويهز صدر الرض\"‬ ‫\" وكان مص ير الول د الث انى مرتب ط م ن اللحظ ة ذاته ا بك ل ه ذه المص ائب والم رض والتع ب والزم ة القتص ادية‬ ‫تتحالف جميعها لتسد الطريق عليه وعلى البيضاء الحلوة ال تى يجه دها الحم ل‪ ،‬ويأك ل قل ب س ى عب ده مرعوب ا‬ ‫أن يض يع بس ببه ك ل ماحس ده الن اس علي ه‪ ،‬وتتح الف علي ه تهدي دات هتل ر‪ ،‬وتحالف ات س تالين‪ ،‬ومن او ارت‬ ‫البلقان‪ ،‬فمل قلبه الحساس أن الولد القادم سيكون نحساً\"‬ ‫وميلد البطل يذكرنا بالبطل فى السيرة الشعبية حيث يكون مولده عسي اًر‪:‬‬ ‫لتنفع الحجبة و ل العمال ول حتى وصفات الدوية فى التخفيف من مرض الم الحامل‪ ،‬وتزيد الم ور وط أة‬ ‫مع تهديدات النجليز للملك بسبب علقاته اليطالية‪ ،‬واحتجاج الوفد على تعيين عل ى م اهر وطم وح المل ك أن‬ ‫يكون خليفة للمسلمين ‪..‬لم يكن قدوم هذا الولد يوحى بأى خير\"‬ ‫وتسمية البطل بعد معاناة والدته فى الحمل مبررة فنياً ‪ ،‬تقول خالته‪:‬‬ ‫‪ -‬إن شاء ال سالم‬ ‫والقبض على سالم يشبه الهجوم على بن لدن‪ ،‬فقد \"داهمت البيت ستة كميونات محملة بالجنود‬ ‫تقودها عربة بوكس مليئة بالظباط \" وهو ما يعكس مدى خوف السلطة لدرجة أنها تجرد حملة‪ ،‬فى سواد الليل‬ ‫للقب ض عل ى ط الب ج امعى غي ر مس لح‪ ،‬ورغ م ه ذه الق وة الباطش ة تس يطر العص بية والت وتر عل ى رج ال الم ن‬ ‫وكأنهم سيواجهون جحافل ج اررة أو على أقل تقدير إرهابى عتيد‪:‬‬ ‫\"ك انوا ق د حاص روا م داخل القري ة وتق دموا كم ن ي دخلون معرك ة حربي ة ف ى ليل ة س وداء ممط رة كه ذه‬ ‫وصرخة أشد رعبا من هذه الصرخات الملتاعة التى تمل سماء القرية أطلقتها قمر بنت جبر التى كانت خارج ة‬ ‫فى خرمس الليل لتمل بلصى م اء ‪ ...‬حي ن ف وجئت بط ابور العس اكر المس لحين يقتح م الح ارة‪ ،‬من دفعا نحوه ا‬ ‫يهوله الظلم فظنتهم عفاريت نفضهم الليل‪ .‬خرجت صرختها حادة مفزعة‪ .‬لطمها الظابط القائد لطمة أخرس تها‬ ‫وأس قطت البلص س تين حت ة‪ ،‬ففرق ع كالقنبل ة وأيق ظ الح ارة‪ ...‬تهدي دات الض ابط ودق ات كع وب الجن د لبش ت‬ ‫الجميع وأرعبتهم وهم يشاهدون باب البيت ذى الثلث طوابق يفسخ برفسة من قدم الضابط\"‬ ‫ومن ناحية أخرى يبدو سالم فى عيون سجانيه شخصية \"نموذجية\" ونرى هنا هذا الشاب الشيوعى سالم‬ ‫ل بعين الخت أو الب بل بعيون سجان‪ ،‬فسالم نموذج لكل الشيوعيين‪ .‬سالم هو سمير الذى سيحاول فى \"زمن‬ ‫الزنازين\" تعليمه حسابات الكسور‪:‬‬ ‫\" ك انوا بش ار مختلفي ن علم وه الق ارءة وس اعدوه عل ى الترقي ة بس رعة‪ .‬بعض هم ح ل ل ه ببس اطة لغ ز‬ ‫حسابات الكسور والقس مة المركب ة‪ .‬ك انوا ف ى ع ز التك ادير والتع ذيب يحل ون مش اكله وه و الس جان وه م فاق دو‬ ‫الحرية كانوا أكثر منه حرية يغنون سيد درويش فى عز الكرب وينشدون أناشيد تخلى جلده يقشعر ح المين ‪،‬‬ ‫يفكرون دائما فيما سيحدث غداً‪ .‬علموه هو الساخط دائم ا أن يح ب ه ذا البل د وأن يع ذر الن اس‪ .‬أقنع وه أن ك ل‬ ‫من فى السجون حتى القتلة منهم هم ضحايا الفقر والجهل وانعدام العدالة وأن الحياة ليمكن ان تكون ظالم ة‪.‬‬ ‫البشر ه م ال ذين يظلم ون وأن يوم ا س يأتى بالتأكي د س تكون في ه ال دنيا أجم ل والن اس أطي ب عن دما يتس اوون‪.‬‬

‫‪150‬‬ ‫كانوا مقنعين لوان لم يصدقهم تماما‪ .‬كان مؤمناً ان الظلم مكت وب والمكت وب م امنه ه روب والش ر لخلص من ه‬ ‫لكنه كان يجد عندهم ع ازء كبي ار يخفف عنه ولم يكذب عليهم أبدا لنه متأكد أنهم ليكذبون\"‬ ‫وسوف نجد تك ار اًر لنفس شخصيات \" ولهم يحزنون\" مثل فتحى وحنيدق فى \"زمن الزنازين\" ولكن تاريخ‬ ‫الكتابة يوحى أن هذا هو أول ظهور للبرص والشاويش الطيب حسن عطية‪ ،‬والصول مصطفى عاشق البلوبيف‪،‬‬ ‫وعطية المخبر‪ ،‬والضابط \"ممدوح\" الذى ذكر الكاتب اسمه \"مدحت\" على سبيل الخطأ ‪.‬‬ ‫أما فى زمن الزنازين‪:‬‬ ‫فلم تكن تجربة السجن مجرد وصف للعنابر والسجانة والزن ازنة والتعذيب‪ ،‬ولكن هناك شخصية متنامية‬ ‫ه ى شخص ية البط ل ال تى نع رف حياته ا وكفاحه ا ال وطنى قب ل الس جن‪ ،‬ويفس ح الك اتب المج ال للعدي د م ن‬ ‫الشخص يات ال تى لت دخل ف ى ص ارع أو تتط ور عل ى م دار الن ص‪ .‬هن اك أبط ال يش بهون أبط ال الت ارجي ديا‬ ‫الل غريقية حيث يقف البطل وحده فى مواجهة العالم مثل المناضل فتحى الذى سبق وحدثتنا عنه نوال ف ى ولهم‬ ‫يحزنون‪:‬‬ ‫\"لقد شارك فتحى فى طباعة المنشو ارت وتنظيم المظاه ارت داخل بورسعيد ضد جن ود الحتلل ويق ال‬ ‫إنه شارك فى خطف مورهاوس لكنه أبدا لم يذكر شيئا من هذا ولم يتح دث ع ن نفس ه أو دوره ف ى أى مناقش ة‬ ‫جرت حول المر‪ ..‬ولم يغضب عندما لم يذكره أحد من الذين قاموا بتأليف الكتب والمقالت عن أيام النتصار\"‬ ‫فتحى مجاه د ك ان واح دا م ن رج ال المقاوم ة الش عبية ال ذين تس للوا إل ى بورس عيد ورغ م رف ض أخي ه‬ ‫للعمل السياسى ذهب ليودعه فى المطرية وعندما رآه فى ثياب الصيادين بك ى وق ال\" انت و حتكون وا الحط ب ف ى‬ ‫الحريقة يافتحى‪ ...‬ماحدش حيفتكركوا بالخير وبرضه حتبقوا المتهمين فى الهزيمة والنتصار\"‬ ‫وف ى حكوم ة س جن المنص ورة تب دو الس خرية واض حة ف ى تص وير شخص ية م أمور الس جن ال دماطى‬ ‫وجبروته وجولته التفتيشية التى ل طائل من و ارئها سوى بث الرعب فى قلوب المساجين‪.‬‬ ‫\"الباشا )الدماطي( مأمور السجن ‪ ،‬وهو )ديك رومي( هائل الحجم ‪ ..‬أبيض ومربرب ‪ ،‬نصفه الس فلي‬ ‫ضعف حجم نصفه العلى ‪ ..‬حين يسير في خطوة منتظمة يبدو أنه ينط للمام في قف ازت قصيرة غير منتظم ة‬ ‫‪ ..‬ول يتحرك من مكتبه إل وتسبقه صيحه عالية رنانة يطلقها بعد صفارة طويلة حضرة الصول )مصطفى(\"‬ ‫وحين يتعرض الكاتب للنماذج البشرية يبدأ بالسجانة \" لم يكن فى الس جانة واح د يش به الخ ر‪ .‬وطبع اًاً‬ ‫بع د الوص ف الب دنى يب دأ ف ى وص فهم نفس ياًاً \" كان لك ل ش اويش منه م نقط ة ض عفه الخاص ة وك انت لك ل واح د‬ ‫حكاياته بل وفضائحه المختلفة أيضا\"‬ ‫وقناع الجلد يسقط بعد حين أمام ذات أخرى‪ ،‬يعرف الجلد أنها أكثر منه ثقافة وتعليماً‪ ،‬ويعرف أيضاً‬ ‫أن تلك الذات قد اختارت الصواب رغم فداحة الثمن‪ ،‬حينئذ يصبح البطل أشبه بالقساوسة الذين يتلقون اعت ارف‬ ‫الخاطئين‪:‬‬


Like this book? You can publish your book online for free in a few minutes!
Create your own flipbook