101 )أبي وأبو نضارة وأبو نب اروي( كانوا أعضاء وزملء في مجلس إدارة جمعية )ميت سلسيل( الز ارعي ة ال ذي انتخب مع تأسيسها الول قبل الحرب .برئاسة )حسين بك عاشور( أغنى رجل في قريتنا ،والذي ك ان يمل ك عزب ة خارج زمام القرية تبلغ حوالي مائتي فدان قطعة واحدة ..ولم يسقط ذلك المجلس إل عندما جاء )الوفد( إل ى الحك م عام . 1950لوان كان )أبي( والشيخ )محمد أبو نب اروي( قد أطخرجا منه مع بقي ة العض اء الوف ديين المنتمي ن إل ى )علو البلد( ،عندما تولى النقراشي الوزارة بعد الحرب ؛ حيث اقتصرت العضوية على العضاء من )واطي البلد( .. وكان )أب و نض ارة( ه و الوحي د م ن )عل و البل د( ال ذي ظ ل س كرتيًار ب المجلس ل ولئه الش ديد )لحس ين ب ك( وبس بب العلق ة المتين ة بينهم ا ،اس تطاعا احتك ار إدارة الجمعي ة لحس اب )حس ين ب ك( طب ًع ا ،وه و ب دوره أطل ق ي د )أب و نضارة( في الشئون الدارية والمالية دون حسيب أو رقيب )ولهذا حديث طويل آت عندما تنش ب المعرك ة التاريخي ة الك برى بس بب الجمعي ة ف ي منتص ف الخمس ينيات وال تي س تظل علم ة فارق ة ف ي فش ل المس ار ال ديمق ارطي للث ورة المصرية( !! ويتجلى مما سبق قلة الستباقات إلى حد كبير وذلك حرصاً من سمير عبد الباقى على المسار الروائى أكثر من الت ازمه بالمسار السير ذاتى سرعة النص : -1التلخيص التلخيص أو الثغرة أو الخلصة ي أن مرور الكاتب السريع على فت ارت زمنية ليرى أنها جديرة بالهتمام .أي أن يكون زمن القصة أطول من زمن الخطاب وتتصف الخلصة أو التلخيص بالضيق ومحدودية المكان الذي تحتله على خارطة النص الحكائي إذ ل تتجاوز بضعة أسطر أو قد يوجز بكلمات قليلة وذلك \"بسبب طابعها الخت ازلي الماثل في أصل تكوينهاوالذي يفرض عليها المرور سريعاً على أحداث ،وعرضها مركزة بكامل اليجاز والتكثيف\").(132 ويلعب التلخيص وظائف عديدة في النص الحكائي هي: -1المرور السريع على فت ارت زمنية طويلة. -2تقديم عام للمشاهد والربط بينها. -3تقديم عام لشخصية جديدة. -4عرض الشخصيات الثانوية التي ل يتسع النص لمعالجتها معالجة تفصيلية. -5الشارة السريعة إلى الثغ ارت الزمنية وما وقع فيها من أحداث. -6تقديم السترجاع).(133 () 132خطاب الحكاية 10:9 () 133بناء الرواية.56 :
102 فى ولهم يحزنون :حين يحدثنا الكاتب عن مولد سالم ،ويلخص لنا الوضع السياسى ل فى القرية وحدها ،بل الوضع القومى والعالمى : \"الملك يعزل حكومة الوفد ويترفد الشيخ مقبل من العمودي ة ونقس م البل د واورب ا تغل ى وبش ائر الح رب تدق البواب بقوة هتلر يحرق ال اريخستاغ ويستولى على سدة الحكم فى ألمانيا ويهدد ويهز صدر الرض\" \" وك ان مص ير الول د الث انى مرتب ط م ن اللحظ ة ذاته ا بك ل ه ذه المص ائب والم رض والتع ب والزم ة القتصادية تتحالف جميعه ا لتس د الطري ق علي ه وعل ى البيض اء الحل وة ال تى يجه دها الحم ل ،ويأك ل قل ب س ى عب ده مرعوب ا أن يض يع بس ببه ك ل ماحس ده الن اس علي ه ،وتتح الف علي ه تهدي دات هتل ر وتحالف ات س تالين ومناو ارت البلقان فمل قلبه الحساس أن الولد القادم سيكون نحساً\". وميلد البطل يذكرنا بميلد أبطال الملحم والسير الشعبية ،حيث يكون مولده عسي اًر مرتبطا بأحداث جسام: لتنف ع الحجب ة ول العم ال ول ح تى وص فات الدوي ة ف ى التخفي ف م ن م رض الم الحام ل وتزي د المور وط أة م ع تهدي دات النجلي ز للمل ك بس بب علق اته اليطالي ة ،واحتج اج الوف د عل ى تعيي ن عل ى م اهر، وطموح الملك أن يكون خليفة للمسلمين ..لم يكن قدوم هذا الولد يوحى بأى خير\" وف ى زم ن الزن ازين :يحك ى الك اتب ع ن س نوات س بعة قب ل س جنه ،وه ى س نوات مابع د الث ورة ملخص اً أه م الحداث التى جرت على أرض مصر ،ويكاد يسيطر على الحديث الطابع المقالى إل من بعض المفردات التى تنقذ الحكى من ش ارك المقال السياسى: \"سبع سنوات مرت وما ازلت الحداث العجيبة والوقائع الغريبة تجري بعد طرد الملك .طوسزعت أطي ان الباش وات والعيان عل ى الفلحي ن ،أطعلن ت الجمهوري ة ،وانقل ب معلنوه ا عل ى رئيس ها الول ؛ قائ د الحرك ة ال ذي ألغ ى اللقاب وحل الح ازب ،واختف ى بع ده ب النفي بعض هم ،وض اع آخ رون ف ي دخ ان الحش يش والنس وان ،و طغسي ب كثيرون في السجون ،وآخرون بالغتيال ،أو بتحديد القامة ؛ حتى غاب إلى النسيان أكثر م ن ثل ث أعض اء مجل س القي ادة ،وأك ثر بك ثير م ن نص ف الض باط الح ارر ؛ ع بر سلس لة م ن النقلب ات والنقلب ات المض ادة الص امتة والس رية والعلني ة .و طش نق )خمي س( و)البق ري( ف ي مي دان ع ام وأم ام جم وع أه اليهم نس اء وأطف الً ورجالً من العمال ؛ في حادث لم تشهد له مصر مثيلً إل على يد النجليز قبلها بنحو نصف قرن . وأطسممت قناة السويس ،و طعقدت صفقة السلح الروس ي ،واع ترف )الح ارر( بالص ين الش عبية ،وأص بحت باندونج ظاهرة تبشر بعالم جديد ،بعد أن أطع دم ق ادة الخ وان المس لمين (...).وأطلق ي إل ى النس يان زعي م الم ة )مصطفى النحاس( .وأنشئت هيئ ة التحري ر ،وأطعي د تنظي م أجه زة الم ن الق ومي عل ى ي د اله اربين م ن ض باط الجستابو ،والمغامرين من ض باط المخ اب ارت المريكي ة .وظه ر اتح اد العم ال بقي ادة أبط ال انقلب 54؛ بع د أن أطجه ض ميلده الش رعي بحري ق الق اهرة عل ى ي د المل ك والس تعماريين ،وفطص ل أك ثر م ن مئ تي أس تاذ م ن الجامعة التي طوضعت -بعد تنظيمها -تحت رعاية المن مباشرة ؛ تح ُسًبا لشغب الم ارهقين \".
103 يض طر الك اتب بك ل تأكي د إل ى وص ف الحال ة السياس ية ولك ن بحك م أن ه ج زء م ن التاري خ النض الى لليس ار المص رى يص بح وجوده ف ى سياق الس رد ف اعلً ،فيتحول هن ا إل ى اروى عضوى أى مش ارك ف ى الح دث وب ذلك يجع ل السرد أكثر دينامية فل يفلت منه القارىء: \"عقدنا اجتما ًعا ،وقمنا بتشكيل سكرتارية ثلثية بعد إعادة ضم التشكيلت الثلثة في قسم واحد لضمان س رعة وديناميكية الحركة .وغلبت على الجتماع رغبة عارمة للقيام بعمل سريع للرد على خطب )عب د الناص ر( المعادي ة والمحرضة للجماهير على الشيوعيةوالشيوعيين ،والتي كانت تزداد حدة وتتصاعد ف ي هس تيرية بع د اتس اع اله وة بينه وبين )التحاد الس وفييتي( وحكوم ة )الع ارق( (...) .وك انت ش تائم )عب د الناص ر( وانكش اف ال وجه المع ادي للديمق ارطية بهذا السفور الفجواتهامنا بالعمالة مباشرة للسوفييت -الذين وقف وا مع ه ف ي الع دوان الثلث ي وزودوه بالس لح ب ل وس اندوه ف ي معرك ة ت أميم القن اة لبن اء الس د ف ي مواجه ة مباش رة م ع )أمريك ا( -ق د وض عتنا نح ن المتهمين بأننا عملء لسلطة )عبد الناصر( الوطني ة ف ي موق ف ض عيف للغاي ة أم ام رف اق )التكت ل( وأم ام قواع دنا الطلبية نفسها ؛ بل وأمام أنفسنا .ولم يكن ما يج ري عل ى مختل ف الص عدة ي وحي باحتم ال قري ب لنف ارج الزم ة بين ما يمكن أن يكون حلف الجبهة الوطنية بين الشيوعينوالقوميين \".. وأحياناً ليستطيع الكاتب الهروب من فكاك الطابع المقالى ،فهو فى معرض الحديث عن انقسام الحزب يوضح ل مدى الضطهاد الذى تعرض له على يد النظام الناصرى ،بل بداية سقوط رموز اليسار ،وهى مقدمة مهمة يمكن للقارىء أن يفهم منها مالم يتعرض له النص ،فسوف فيقدم هؤلء على حل تنظيماتهم توطئة للندماج في التنظي م الطليعي 134،وفى ذلك يقول الكاتب: \"الك ل ك ان ض د الخ ط السياس ي للح زب )النقس ام( ؛ خاص ة والحمل ة ض د الش يوعية ت زداد س عاًار بع د أح داث )الموصل -انقلب الشواف( .وكنا قبل هذا بفترة قد فوجئنا بوصول بيان من السجن في أكثر من عشرين ص فحة بتوقي ع )إب ارهي م عب د الحلي م( ..عل ى ص ورة خط اب م و َجه ل )جم ال عب د الناص ر( ..يلق ي بالمس ئولية كله ا عل ى عاتق التصرفات الخاطئةوالممارسات الطفولية اليسارية التي ل تستوعب ظروف المرحلة ،ويدعونا لض بط النف س و أرب الصدع وتوحيد الصفوف ..وكأننا المس ئولون ع ن ك ل م ا ح دث ..وف ي نهاي ة البي ان ي دعو البط ل المع ادي للس تعمار )جم ال( لطلق س ارح المعتقلي ن إظه اًار لحس ن النواي ا .ول م يتع رض البي ان لت ازي د الس عار المع ادي للديمق ارطية ..وازدياد الروح النتقامية الم اردفة دائ ًما لحط ما في غلسو التعصب القومي من غباء\". وفى السجن يلخص لنا أحداثاً مهمة تحدث خارج السوار لكن لها تأثير قوى على السجن نفسه ،والتلخيص هنا له علقة بانع ازله عن العالم ،وعدم قدرته على متابعة الج ارئد وتفاصيل الحياة السياسية والجتماعية خارج السجن فيجمع الخبار مرة واحدة: \"وقد حدثت أحداث كثيرة خلل تلك الفترة لم يكن لها تأثير مباشر على الحي اة ف ي الس جن ،ولك ن بعض ها حرك مشاعري وأثار شجوني ؛ مثل حكاية )جاجارين( ال تي ملتن ي فخ ًار بانتص ار الش ت اركية القري ب وخفف ت ك ثيًار من أح ازني .عندما ق أرت عن زيارة )ناظم حكمت( إلى مصر ..وأنا عاجز أن أ اره وهو أحد الملهمين ال ذين ملتن ي 134سيأتى في بيان حل الحزب الشيوعي المصري ) مارس \" ( 1965إن حقائق عصرنا قد جعلت طبقات وفئات أوسع من الطبقة العاملة تتبنى أهداف البناء الشتراكي ومن هنا ففي عدد محدد من البلد تطرح اليوم بالضرورة قضية حزب ثوري طليعي ل يتقيد بالطار التقليدي للحزب الشيوعي \"
104 أشعارهم حما ًسا ودفعتني إلى التمادي إلى أقصى مدى ،في الندماج السياس ي والنحي از إل ى الفق ارء والمقه ورين بشكل فيه من المبالغة الكثير ،وال ذي بل غ أقص ى الح زن والغض ب عن دما وص لني خ بر مقت ل )ش هدي( ف ي إح دى حفلت الستقبال )التشريفة( في ) (15يونيو ) (60على أبواب الوردي ،وبيد زباينة النظام ؛ مما مل قلبي حق ًدا وغضًبا لم تستطع أن تخفف منه ق ار ارت )يوليو \"(61 وقد يلجأ للتلخيص حين يتعرض لنقطة سبق وتحدث عنها فى عمل آخر ،فحكاية الجمعية الزراعية تكررت فى كل أعماله السيرية: \"كن ا ف ي ع ام ) (58ذل ك الع ام ال ذي تفج ر في ه الش عور ال وطني الج ارف بالوح دة بي ن مص ر وس وريا .. ومقاومة حلف بغدادوالتصدي لمشروع أيزنهاوروالوقوف ضد غزو لبنان .كل ذلك ل م يش فع عن ده لقري ة يتيم ة أن تنتخب مجلس إدارة جمعيتها الز ارعية انتخاًبا حًار مباشًار ..فظل يسعى طول الوقت لس تبدال المجل س ب التوافق أو بالت ارضي تحت حجج ومبر ارت ل أنزل ال بها من سلطان ..ولما رضخ أخيًار ..ل اردة الفلحينوالطلبة ..اض طر لجراء النتخابات .ووسط حماس كبير نجح المجلس ال ذي اخت اره الن اس .وخرج ت البل دة كله ا تهت ف للعض اء العشرة الجدد بفخر المنتصرين \".. أما فى موال الصبا فى المشيب :يبدأ بتلخيص سيرة حياته كاملة،وعادة ماتكون افتتاحيات سمير عبد الباقى تلخصيا يمتد منذ الميلد حتى لحظة الكتابة لتاريخ شخصى وعام ،حيث تمتزج انكسا ارته بانكسا ارت الوطن ،ولكن المدهش فى افتتاحية الموال أنها تلخيص حاد لسيرة الحياة ،فيبدأ النص باعت ارفه بالهزيمة ،ويعطينا فكرة بانو ارمية عن اله ازئم الشخصية والوطنية ،فالنص يبدأ من لحظة آنية لكنه مثقل ب الكثير من اله ازئم الشخصية التى تمت د لسبعين عاما ويختتم تلك المقدمة بقوله: قول مثلما قالت أمك ) ..خايب بلده خايب بلد الناس( ..لوان اللي سرق عيني عين ك م ن تح ت لتح ت .. أكيد يسمح لنفسه يخطف الكحل م ن عي ون اليت ام .عين ي عين ك أي ًض ا -لك ن م ن ف وق لف وق ..بع د م ا انكتب ت أس امينا ف ي كش وف العملء ،واتف َرق د سمن ا بي ن )البنت اجون( و)الكريملي ن( ونفين ا )مي ت سلس يل( م ن التاري خ ، وبعنا )بولق( و)دقهلة( لحساب بورصة )مجموعة روما( وتجار ورق الدشت الممي !! لذا كان مكتوب ومقدر حتمي أن يتحول )كفاح الشعب المص ري( والطبق ة العامل ة -اس م ال علي ه وعليه ا -لمطبع ة مس روقة ،وح زب معف ن وفيلل ف ي الهض بة الوس طي ،وقص ر ف )مارين ا( وع زب وم ازرع حديث ة ف ي الرض البكر على امتداد الخ ط الث وري م ن )س ينا( )ل وادي النط رون( ق وم ..ف ّز ..اس تغفر الك ل واستس محهم ، يمكن تلح ق نص يب ف ي حزنه م ويع ذروك ..ويس امحوك ف ي حقه م علي ك ،وذنب ك يغف روه .لن ك ص دقت تخ اريف )الش يخ الخش ان( و)اب ن عب د رب ه( و)ف ؤاد ح داد( و)أب وك س لّيم( ..الل ي دهس تها ب وابير الح رت ال تي بع ث به ا )السادات( لتستولي على أرض )الدومين( وتدفن )طيور ابو الخضير( تح ت عوامي د أس منت ك وبري القن اة وجم رك بورسعيد ،تنفيًذا لتفاقية الكامب ..ويقيم على أحدث طرق الديمق ارطية ،التلت منابر العجيبة الل ي ح تنق ذها م ن مصير العالم التالت ،مرهونة بشيكات صندوق النقد الدولي ..واللي مسككنتطه أن يضاعف منح تفرغ الدب اء والفن انين -من أجل بناء مصر العصرية! وفى موال الصبا فى المشيب سبق أن أشرنا كيف استخدم التك ارر لتلخيصربع قرن من الزمان ،وفى حوا ارت النا مع الذات يلجأ للتلخيص مرة أخرى عند الحديث عن أح ازن الوطن ،والقضية الفلسطينية ،وتغير وتلون الرفاق
105 الشيوعييين،واتفاقية السلم ،وكلها متغي ارت تمنعه عن السترسال فى الحكى ،مثلما تجعله ليعتقد بأهمية كتابته أو أنها ستجد قارئا حقيقيا: \" لم تعد هناك طبقة عاملة ،بيع القطاع العام ووهبت المصانع الكبرى هداياوعطايا..انتهى الصراع الطبق ى ولم يعد مفكرو قبيلتك حريصين على ذكره منذ أعلن السادات الغاءه واحلل السلم الجتماعى محله ...ضاع ابن ك فى زحام موسكو ...لم يعد هناك حجة لخف اء حقيق ة النقاب ات العمالي ة المص رية وج وهر التح اد الع ام للعم ال ف ى مصر باعتبارها أجهزة أمنية ...انتقل عباقرة التحليل الماركسى وحماة المادية التاريخية وفقه اء الص دفة إل ى غي ام صنعته الليب ارلية المتوحشة ،وأصبح النقد الثقافى امتدادا طبيعيا لديهم عن ج ارمشى\" أما أبشع أنواع التلخيص فتجلى فى موقفين من أشد المواقف د ارمية فى حياة سمير عبد الباقى وكان بإمكان كل موقف منهما أن يصنع رواية منفصلة ،ولكن صدق كل كاتب وليس سمير عبد الباقى هو صدق نسبى ،لقد ضيع على القارىء قصة \"نجلء\" وهى قصة ثرية ،كانت لتنتج نصا مثل رواية \"الحرير\" أو \"ثلثة رفاق\" .فمشهد الزوجة التى تعرف كل تفاصيل علقته بجوزفين ومع ذلك تذهب لغريمتها بعد الزواج لتعرف هل ما ازلت العلقة قائمة أم ل، هو موقف درامى ومفصلى ،إل أن الكاتب اكتفى بما جاء فى رسالة جوزفين دون أن يتعرض هو للموقف قبل أو بعد ذلك اللقاء: لقد حكيت لزوجتك كأحمق ع ن ك ل مغام ارت ك قب ل ال زواج ) (...تص ور ج اءت إل ى ش قتنا ول أع رف كي ف استدلت عليها ..لبد أنك وصفت لها ..حتى أدق التفاصيل ..يا مغفل ..جاءت لتتأكد أنن ي ل م أع د عل ى علق ة بك ..وحزنت لسذاجتها .لكني حزنت أكثروأشفقت عليك!.. الموق ف الثانى هو ص ارع زوجته مع السرطان الذى رفض الهزيم ة ،وع اد أشد ش ارسة ليفتك به ا بع د س نوات والغري ب أنه ا من اطق تغ رى ب الحكى ويم ر عليه ا الك اتب م رور الك ارم ،ف ارئع ة اري ش ماري ا ريم ارك \"ليل ة لشبونة\" كانت عن الزوجة التى يفترسها السرطان ،ولكن الكاتب يختزل موت رفيقة العمر فى سطرين ،تماما مثلما اختزل موت أخته صفاء فى سطر واحد : \"نجلء بعد سبع سنوات من عملية الصدر الشمال دخلت ف ى مرحل ة ع ودة الص ابة وانتش ار الم رض فى الحجاب الح اجز ومسلس ل الب ذل والحق ن الكيم اوى إل ى أن رق دت ف ى المعه د أخي ار تق اوم ان ازل الس تار ف ى شجاعة\" والح ق أن موق ف الك اتب ليمك ن تفس يره عل ى أن ه ن وع م ن الجح ود ،أو لمب الة نح و آلم رفيق ة عم ره بقدر م اهو نوع من الوجل والخشوع أمام تجربة قاس ية ،تستحق أن يف رد له ا رواية كاملة ،وليس لن ا تح ت زع م الصدق أن نطالب الكاتب بنكأ ج ارحه ،وهتك أشد اس ارره خصوصية ليشفى غليل القارىء الذى بوغت فى النص مرتين :الولى مرة بزواج البطل دون تمهيد ،والثانية برحيل زوجته الفاجع. ب -الحذف: الحذف أو القفز أو الثغرة هو أن يلجأ ال اروي إلى تجاوز بعض المقاطع الزمنية من القصة دون الشارة إليها أو معالجتها نصياً ،مكتفياً بإخبارنا أن سنوات أو شهو اًر قد مجرت من عمر شخصياته دون تفاصيل :فالزمن على مستوى
106 الوقائع :طويل )سنوات أو شهور( ،ولكنه على مستوى القول :صفر .وتؤدي هذه التقنية دوراً حاسماً في اقتصاد وتيرة السرد وتسريعها فهو أحد الوسائل النموذجية فضلً عن التلخيص في تسريع السرد عن طريق إلغاء الزمن الميت في القص ة والقف ز بالح داث إل ى الم ام بأق ل إش ارة أو ب دونها) .(135وهن اك نوع ان م ن الثغ ارت أو الح ذف :الص ريح والضمني. الحذف الصريح: أي أن ال اروي يصرح بالفترة الزمنية المحذوفةوهو على نوعين) :المحدد وغير المحدد(. المحدد: وفيه يتم تحديد الفترة الزمنية التي قفز عليها السرد تحديداً دقيقاً .وقد حدث ذلك بحذف كل ذكريات السجن التى امتدت لخمس سنوات \" ..في تلك السنوات القليلة قبيل الهزيمة الكبرى ..عدت إل ى الكلي ة لكم ل الع ام الب اقي لي في الدراسة فأكملته على ارحتى في عام ونصف أو عامين تقريًبا ..قامت خللها علقتي مع )جوزفين(\" غير المحدد: وفي هذا النوع ل يمكن تحديد الفترة الزمنية التي قفز عليها السرد تحديداً دقيقاًونانما يمكن تحديده بشكل تقريبى. على سبيل المثال ل الحصر :يتجاوز الكاتب أحداث ثورة يناير تماما سوى من اشارة بسيطة ،فالحقيقة أن زمن الكتابة أى الفترة التى استغرقها الكاتب فى تدوين سيرته هوزمن ممتد وطويل نسبيا ،لنعرفه ،ولكننا نشعر به ،وذلك من خلل تصريح الكاتب بطول فت ارت توقفه عن الكتابة ،وكانت حوا ارته مع الذات أو القرين كاشفة عن ذلك التوقف فيقول فى إحداها \"ما أشد سعادتي بغضبتك هذه يا صديقي وما أجمل ج أرتك وص ارحتك ! واعترف أنها جاءت في الوقت المناسب ..تما ًماوأنا في هذه الحالة من التشففوالمراجعة .ول أقول الحباط بعد مرور عام على )ثورة 25يناير( والتي فاجأتني بالضبط مثلما فاجأتك بل وكما فاجأت من دعوا إليها وكل من بشر بها لكن ..ليس هذا موضوعنا. الحذف الضمني: يعد هذا الحذف من أهم التقنيات السردية المستخدمة لخلق الزمن السردي فمن خلله يتم النتقال من فترة زمنية إلى أخرى من دون الشارة إلى ذلك) .(136والحقيقة أن المثلة أكثر من أن تحصى. وأهم مايحدثنا عنه ل التغي ارت السياسية التى تدين موقف مثقفى اليسار الذين عملوا فى محلت بقالة السلطة وصاروا أساتذة فى كتاتيبها ،بل خسارة تلك الروح المتمردة التى لتهدأ ،المقبلة على الحياة بشغف ،لقد صارت تلك الروح فى غرفة النعاش .ويحيلنا تاريخ الكتابة إلى عام 2010أى أن رحلة كتابة السيرة تعرضت لتوقفات عديدة وأن الكاتب كتبها على مدار سنوات متقطعة ،لكن الذاكرة لعبت دوراً هى الخرى فى تلك الوقفات ،ويعترف الكاتب بذلك: )( بنية الشكل الروائي.159 : 135 136 )( نفسه .162
107 \"حيرتني علقتى بك في تلك الس نوات ي ا ص ديقى لدرج ة أنن ي أش عر الن ف ي ع ام 2010أن ك الس بب ف ي عجز ذاكرتي عن اللمام بتفاصيل حياتي خللها ..بل وأصبحت أخلط بين الماكن والح داث والشخص يات وأحيان ا أخلط بين ما حدث .والصورة التي كنت أعتقد أنه كان يجب أن يحدث عليها \".. تعطيل الزمن: -الوقفة الوصفية: حيث يلجأ ال اروي إلى )الوصف( الذي يقتضي انقطاع السيرورة الزمنية وتعطيل حركتها .فيظل زمن القصة ي اروح في مكانه بانتظار فراغ الوصف من مهمته ،حيث ينقطع سير الحداث ويتوقف ال اروي ليصف شيئاً أو مكاناً أو شخصاً .وليست هذه الوقفات الوصفية ازئدة ،بل لها أهداف سردية ،يضيء السرد فيها الحدث القادم .وتتجلجى فيها أسلوبية الروائي .وبذلك يتقلص زمن السرد أو يتوقف في حين يمتد زمن الحكاية وذلك تبعاً لنوعية الوصف .ففي الوص ف الذاتي الذي يمزج فيه ال اروي بين النشاط البصري والمفعول النفسي لمش اهداته ل يتوق ف الس رد نوانما تبط أ حركته في حين نجد الوصف الموضوعي يمثل توقفاً تاماً لحركة السرد).(137 ويمكن تقسيم أشكال الوصف في أعمال سمير عبد الباقى أو أى عمل أدبى إلى ثلثة أنماط هي :وصف المكان ،ووصف الشخصيات ،ووصف الشياء .وقد وقفنا عند النمط الول في عرضنا لفضاء المكان في السيرة. وصف الشخصيات: وعل ى ص عيد وص ف الشخص يات وم ا أكثره ا ف ى ثلثيت ه س نجد أن الس يرة بص فة عام ة تفس ح مج الً ف ى مجموعها للريفين والبسطاء أكثر منها للمثقفين واليساريين ،فقد اعتمد الكاتب على الصورة الذهنية أو مايعرفه عن تل ك الوجوه الثقافية والنضالية فلم يصف الرفاق الشيوعيين أو الكتاب والشع ارء وصفاً خارجياً ،لكنه مع آحاد الناس كان يعطيه م حقه م م ن الوص ف الخ ارجى أو النفس ى .وم ن أجم ل الفق ارت الوص فية مش هد \"عز ارئي ل وه و يقب ض روح الشيخ مقبل\" والثانى مشهد مواقعة حمدى لفرج ال .قدرة الكاتب على الوصف بصفة عامة تجعلنا نكاد نشم ارئحة ت ارب الري ف ف ى مص ر ويجعلن ا نختن ق ف ى الغ رف المعتم ة وف ى مك اتب موظفى النياب ة .يتوس ل الوص ف بلغ ة شاعرية رهيفة لكنها تميل نحو السخرية سخرية الفلح من واقعه المرير. فى ولهم يحزنون تبدأ القصة بوفاة الشيخ مقبل ويثبت لحظة الحكى ليدخل فى بيوت القرية ونتعرف على شخصيات ثانوية مثل \"زك ى الزروطى\" و \"الش نقيط\" ،والسخرية تتب دى فى هتك تلك اللحظة الحميمي ة مع الزوجات ،لقد وجدهاعطا القزعة حجة للهروب من واجباته الزوجية انزلق على صدرها المه ول ال ذى يت دلى عل ى ج انبى بطنه ا كش والين\" أم ا الزروط ى \" اتحش ر الغ از الس ام ف ى زوره\" فض غطت الري ح المحش ورة ف ى مص ارنه لتخرج مدوية ازعقة\" والش نقيط ل ن يتن ازل ع ن لحظ ة ت وهجه ال تى دف ع فيه ا ري الً م ن الفض ة \" ح تى تس مح ل ه باقتحام قلعتها محتملة زخات منجنيقه الضخم بطل احاديث النسوة السرية\" وسوف يعاود الحديث فى زمن الزنازين\"عن بعض الشخصيات الثانوية مثل \" الولد حنيدق القرع: () 137نظر :مدخل إلى نظرية القصة.88 -86 :ا
108 \" كان حنيدق قد سطا على هذا المخزن عدة م ارت من قبل بالتعاون مع أحد ظرفاء القرية الذي يتخذ من السرقة نشا ًطا ثانوًيا في أوقات ف ارغه أو حين تضيق به الحال ؛ إذ كانت زوجته ل ترضى له أن يضاجعها إل إذا دفع الثمن ..وف ي تل ك الليل ة س بقه )حني دق( إل ى المخ زن عل ى أن يلح ق ب ه ويص فر ل ه ص فارة اتفق ا عليها ..وطال انتظار )حنيدق( وكان قد أت ى مبك ًرا ف ور أن لح ت ل ه الفرص ة ..ك ان مرهقً ا ..فن ام ..وب دلً من أن يسمع صفارة رفيقة حاصره ص ارخ نساء البلدة كلها حزًنا على وفاة الرجل .وكثرت ح ول المخ زن أرج ل أتباعه لترتيب إج ارءات الجن ازة الك بيرة والع ازء .وأس قط ف ي ي د )حني دق( .عن دما اكتش فوا وج وده ف ي المخ زن مختبًئا بين زكائب الحبوب ..فأوسعوه ضرًبا تنفيثًا عن غيظهم منه وبحجة عدم احت ارمه لمل ك الم وت ولمكان ة الرجل العظيم الميت على الرض وفي السماء .. وفى موال الصبا فى المشيب ،كان الوصف الذاتى هو السمة الغالبة ،فوصف وفاة البنت الصغيرة التى أحبها ولم يذكر لنا اسمها ،ارتبط بيوم صيفى حار ،ووصف الحر السبب الرئيسى لموتها جاء بعيون سمير الطفل حين كان بصحبتها: حتى ك ان ذل ك الص يف اللعي ن ..ال ذي اش تدت في ه الح اررة .فك ادت تح رق الحق ول ال تي ل م يص ل إليه ا لهيب الحرب .يومها عدنا م ن المدرس ة محتمي ن بظلل ال بيوت ه اربين م ن الش مس ق در المك ان ..ك ان وجهه ا أشد احم ارًار وعيناها الفيروزيتان تلمعان أكثر مما تعودت عليه ..وكنت أحرص كلما فاجأنا لسان من لهب الشمس أن أرفع كراستي لظلله ا ..ح تى وص لنا إل ى بيته ا ..وع دنا إل ى بيوتن ا ..وأخ تي تنخس ني ب القلم الرص اص وه ي تسخر من اهتمامي الزائد ،وتخرج لي لسانها غضًبا أحياًنا ،وأحياًنا عل ى س بيل الغاظ ة ،وتع ايرني لقل ة اع ت اززي بك ارمتي قدام البنات .. أما بقية الوصف فليس موضوعيا على الطلق لنه صادر عن نفس ملتاعة غير حيادية: بع د س اعات ش قت الص رخة الملتاع ة قل ب القري ة .ص رخة ح ادة طويل ة باكي ة مس تغيثة ،ت دق ب اب ال رب محتجة ،تم زق الص مت ال ذي خلفت ه الش مس الحارق ة ف ي الح واري فقط ع الرج ل ،وأج بر الخل ق عل ى التك ُوم ف ي حل وق الح واش وف ي نت ف الض ل والزواي ا الرطب ة ..ه رع الخل ق مله وفين م ذعورين ك أن حريقً ا ش َب ف ي رؤوس البيوت التي حمصتها الح اررة.. والماضى هنا ليس هو الماضى الذى خبرته الشخصية وعاصرته .إنه حديث عن زمن ماض يعاد تفسيره وتأويله بع د خ برة حياتي ة وفني ة تجع ل م ن فع ل الت ذكر لمج رد ش ريط صور يع بر ذاكرت ه ،ب ل يتوق ف الش ريط ب وعى وأحيان ا بحسرة أو بندم،وأحياناً أخرى بفهم لنفسية الناس المرهون بقدرة ال اروى على تفسير الواقع .بكل تأكيد لو خبر ال اروى تلك الحداث وسجلها بعيون طفل المدرسة لصبح السرد مختلفاً .ساعتها لن يحكى عن الم الثكلى باعتبارها \"كتلة فتنة\" ولن يتسنى له فهم أحاسيس \"الرجال الشبقة\" فلنق أر كيف صور ال اروى الشيخ لوعة أم الفتاة المتوفاة: \"كتلة الفتنة الجميلة التي كانت تثير حسد وجشع الجميع نساء ورجالً ..تبعثرت على الرض وتمرغ ت ف ي الت ارب ..الحسرة شلت الحاسيس الشبقة الخفية فم اتت ..قتله ا الح زن الطاف ح م ن عي ون الرج ال ،ح تى عن دما ك انت أس ارر تل ك الفتن ة وس حرها الخف ي ينكش ف م ن ثغ ارت ثوبه ا ال ذي تم زق خلل ص ارعها م ع النس اء الح ازن ى الباكيات\".
109 وأحيانا مايستخدم الكاتب الفعل المضارع ،ولم يلجأ لذلك سوى فى فصل لتقصص رؤياك حيث تحرر من أس ر فع ل ك ان ،وهن ا يص بح زم ن الكتاب ة وزم ن التلق ى زمن ا واح داً ،فهن ا يص ف لن ا بن ات فقي ارت م ن ع ائلت الك دح والت ارحيل ،فيصبح الوصف هنا أشبه بسيناريو فيلم يتابعه القارىء نفس لحظة وقوع الحداث: بنات فقي ارت من عائلت الكدحوالتراحيل )المعذبون فى الرض( .يؤجرن لك ل العم ال الطارئ ة م ن حم ل م ون البن اء إل ى جم ع ال دودة أو ملء أزي ار الم اء للبيوت ات المس تورة أو جم ع القط ن أو تنقي ة الغل ت والبخ ر و الحندقوق من غيطان الرز أو القمح ..وكن حين ل يج دن ذل ك لق اء ق روش قليل ة ،يقم ن بأعم ال خاص ة متنوع ة لحساب من يطلبهن لقاء نسبته من الناتج أيا كان ،فيقمن بجم ع الجل ة الحي ة ،بمتابع ة البه ائم ل دى عودته ا م ن الحقول حيث تكون قد هضمت طعام اليوم كله ..أو بجمع )الرجيع( ،هرس قش ر الرز ،حس ب طل ب أص حابه لق اء نس بة عيني ة من ه ل بيوتهن أو لحس اب ص احب الماكين ة نفس ه .وك ان )الس يد الب ديوى( يجل س ف ى كش ك ص غير مصنوع من نفس الصاج الرمادى المصنوعة منه جدران مبنى الماكين ة ال تى تض م عن برين ،أح دهما لطح ن القم ح وهو الكبروالخر لتبيض الرز .تزدحم فيه الفتيات يعرضن أنفسهن على صاحبات الرز المقشور )المبّيض( أو على كاتب الماكينةوابن صاحبها )السيد( ليختار المحظوظة التي تقوم بالعمل لحسابه . يتقاتلن في صخب طول الوقت مستجديات أن يكلف ن بالعم ل .يح دثن ض جي ًجا وص خًبا يعل و عل ى ص وت الماكينة نفسه .بينما يجلس )السيد( أمام شباك فى واجهة الكشك تخرج من أسفله طبلية المي ازن\". ووص ف استعدادات القرية لستقبال ياسين سراج الدين ف:ى \" م:وال الص:با ف:ى المش:يب\" ليختل:ف ع:ن وص:ف الوليمة فى ولهم يحزنون ،وهنا يلجأ للوصف الموضوعى ،فالنا التى تحكى لتشارك فى الحداث : \"وكان العيال قد لحظوا كم ا لحظن ا ط ول الثلث أي ام الس ابقة م دى الس تعدادات للوليم ة م ن حج م وتن وع الم دادات ال تى ج اءت م ن بي وت ع ائلت البل د وم ن بل د الن ائب ف ى ن اقلتين محمل تين بطي ور وذبائ ح وزك ائب أرز ولوبية وسكر ودقيق وبصل وكافة مستلزمات صنوف الطعام وان واع الحل وى ال تى يتح دث ب ذكرها الركب ان .إذ ظل ت كتيبة الطباخينوالسفرجية المحترفين يقدمون مثل ه ذه المائ دة وأك ثر ف ي س ارية )أب و س ويلم( الثلثي ة الدوار ف ي )برمبال القديمة( حيث كانت الموائد في أدوارها الثلثية تستقبل أهل الدائرة كل يوم من بعد صلة الظهر حتى حصة طويل ة م ن اللي ل جماع ات ووف ود بع د جماع ات ووف ود ..وه اهم يختم ون ذل ك بالليل ة الك بيرة ف ى احتف ال )مي ت سلسيل( الذي خطط له أل يكون أقل دسامة أو روعة باعتبارة ذروة العطاء وسدرة البهة .. ومن الوقفات الوصفية قصة الحب ،فعند الحديث عن قصة الحب مع جوزفين -السبب كما يقول فى عدم انتحاره -ليلحق بقرينه بالذات البريئة المتمردة نجد أن الحديث جاء بضمير الغائب فيقول: يومه ا ..ل م ت ذهب – ه ي – إل ى أي م ن محاض ارت الس نه الثاني ة ..ول م يس جل – ه و – اس مه ف ي قس م القتصاد الزراعي ،كان يحكي مسحوًار وكانت تسمع في شغف ..تنعكس كل المشاعر على صفحة وجهه ا .وف ي عينيها تت ازحم ردود الفع ل ،تت والي الفص ول ..تص فو الس ماء وتغي م ويغي ب القم ر ..ويص ير ب دًار ..تث ور أم واج البح ر وته دأ وتص فوا مي اه النه ر وتتك در .تس قط المط ار وتن دفع جم اهير ف ي ش و ارع المواجه ات الدامي ة ،ت رق الكلمات لتتقط ر ش عًار مليًئ ا بع ذابات الوح دة والغرب ة .فتك اد تبك ي ..ث م تص فوا ف ي غنائي ة تفي ض بش جن العش ق وعذابات الشوقوالحنين فتحملها عل جناجين من نور إلى شواطئ حلم غامض .
110 مرت ساعات لم يعودا يلتفتان لندائات زملء لها يتعجبون لحالها ،أو زملء له يرحبون بعودته . ظل – ولعشرين شهًار يقطعان شوارع القاهرة سيًار على القدام ل يكلن ول يتعبان من المشي ول من الكلم .. هنا أيضا نجد الحديث عنزمن مستعاد ،وليمثل هذا استرجاعا بقدر ماهو وصف يجمع بين السترجاع القديم والبعيد ،ووصف لحالة البطلين النفسية من جهة والخط التصاعدى لقصة حبهما من ناحية أخرى: ركب ا م ًع ا س فن الس ندباد وهرب ا م ن الس ر ي وم ه اجم التت ار دمش ق .وط افت متأبط ة ذ ارع ه ح واري قريت ه ليلً ونه اًار ل مل ل .فرح ت م ن القل ب وبك ت بحرق ة وه ي تح اول زي ارته م ع أخت ه ف ي س جن )المنص ورة( ..امتلت بالغض ب لستس لم زملئ ه للتع ذيب ف ي )أب ي زعب ل( دون مقاوم ة ،ض حكت م ن القل ب لحكاي اته ع ن الش اويش )بولجانين( وعم )حسن عطية( وصف الشياء الشياء التى تحيطنا كثيرة ومتعددة ،فنحن نعيش فى قوقعة من الشياء ،والديب نفسه هو \"منتج ومستهلك للشياء 138\".ولما كان وصف الشياء يؤدي دو اًر مزدوجاً في النص فهو يشير إلى حقيقة واقعة في العالم الخارجي فضلً عن أنه يحمل دللة خاصة في النص .139سنرى بعض الوقفات الوصفية لشياء بعينها ذات ثقل دللى فى النص وتسهم فى رسم الصورة الكلية .وقد سبق لنا الحديث عن قرن الحنتيت الذى امتلكته الجده فى موال الصبا فى المشيب ،ذلك الشىء الذى رآه الطفل دائما كشىء استثنائى يملك قد ارت سحرية. فى ولهم يحزنون يلفت \"السبت \" بصفة خاصة اهتمامنا .و\"السبت\" هو معادل موضوعى للمسئولية التى قبلت بها أو اختارتها نوال ،والشخصية الروائية لبد لها ،بجانب السم من أشياء تستعملها ،تتعلق بها أو ترفضها تحبها وتكرهها يضطر الكاتب عند وصف شخصية أن يضيف لها قائمة من الشياء تخصها وتحيط بها وتتحرك معها على مدار النص .سيكون السبت الثقيل الذى يجعل خطوها بطيئاً معادلً موضوعياً لفداحة المسئولية ،السبت يتجاوز ذلك كله ليصبح رم اًز ترفعه كالصليب فى وجه أهلها لتذكرهم أنها لم تستكمل د ارستها، فتحمل السبت الذى ليليق بها ،لتصفع عيون أبويها وتذكرهما بجريمتهما فى حقها \" حملت نوال السبت بعد أن وضعت فيه الديك المحمر والمكرونة والفطير والملبس -ايه ياماما حأروح السجن بشنطة هو أنا اريحة الجامعة .قولها لم يكن بريئا فلقد كانت تعتقد دائم ا انها أجبرت على عدم اكمال د ارستها وأقعدت فى البيت غصبا عنها\" وعل ى م دار الرحل ة س يكون الس بت مع ادل موض وعيا ل لثق ل المس ئولية وح دها ولك ن لص عوبة الرحل ة، وبطء المس ير ،ف ى محي ط يك ره الش يوعيين \"ك اد توازنه ا أن يخت ل فتش بثت بالس بت المتأرج ح كلع ب س يرك محترف\" وف ى موض ع آخ ر \" تش ير ب ذ ارعها ال ذى ليس ند الس بت وه ى تجاه د لتحف ظ توازنه ا وس ط البل ل ف وق الرض الزلقة\" وحين تص ل للس جن تتمس ك ب ه أك ثر ف أكثر \" كانت قد جلست دون تكلف أو تع ال بينه م بع د أن عافرت للصعود بحملها الثقيل \" 138انظر دراستنا عن \"دللت الشياء فى مجموعة قليل من السماء لعبد المنعم الباز\" 139بناء الرواية100 :
111 ويتوق ف الك اتب ف ى زمن الزنازين لوص ف مش هد القب ض علي ه ف ى الفص ل الث الث ،لك ن فن رى علق ة البطل بالشياء :الكوميدينو العزيز الذى ينتهكه الضابط يتجاوز كونه مجرد قطعة أثاث عادية ،فالشياء الصغيرة لها تاريخها الخاص: \" الكومي دينو العزي ز الص غير ال ذى ارفقن ى عم ار ط ويل من ذ غ ادرت للد ارس ة ...وبع دها ارفقن ى ف ى ص مود وص لبة ..ليس تقر مع ى ف ى القاهرة...وط اف مع ى أحياءه ا ...كخ ازن ة أس ارر ...بك ل اخلص أكس به عندى مكانة ،وربط بينى وبينه بعلقة حميمة تكاد تكون بشرية .لذا سمعت له صوت آه استغاثة ،وصرخة ألم عندما رفسه الضابط ف ى قس وة غي ر بش رية فتح ت ب ابه الص غير عن وة\" وعن دما ليج د الض ابط ش يئا يس تبد ب ه الغضب \" ولما لم يجد شيئا رفس الكوميدينو العزيز رفسة أخرى ،فقلبه على وجهه ،فكتم صرخته\". لقد طرح بوتور الثاث كشكل من أشكال الوجود النساني ،فيعكس الصورة إلى موضوع الثاث في الخطاب السردي ،وذلك من خلل د ارسته للثاث ضمن ما يسمى \" فلسفة الثاث\" 140وتذهب معاجم اللغة في تحديد معنى الثاث إلى عدة معاني تحيل في عمومها إلى صورة السعة والرتياح التي يمكن أن يمنحها لمستعمليه . 141ويؤكد بوتور على \" أن وصف الثاث والغ ارض هو نوع من وصف الشخاص الذي ل غنى عنه ،فهناك أشياء ل يمكن أن يفهمها القارئ ويحسها إل إذا وضعنا أمام ناظريه الديكور ،وتوابع العمل ولواحقه \".142 -الرسائل والحكايات الفرعية: ومن ضمن طرق الكاتب ف ى تعطيل الحكى استخدام حيلة الرسائل ففى ولهم يحزنون يستخدم حيلة فنية وهى الرسالة لقد وصل الب خطاب من ابن اخيه حسين المعتقل فى الواحات فنعرف بواسطته الهوال التى يتعرض لها الرفاق \" ،كان يوسف عبد ربه قد أطلعه) يقصد عبده افندى والد سالم( عل ى بض ع ورق ات بف ره م ن خط اب طويل وصله س ار م ن اب ن اخي ه حس ين المعتق ل ف ى الواح ات \".وق د ك ان الك اتب حريص ا عل ى تق ديمها بح روف مائلة. وهن اك قص ة \"الكمثرى ل م تك ن تفاح ة\" يمك ن اعتباره ا ميت ا قص ة وه ى القص ة ال تى كتبه ا ص لح ول م يق أرها سالم لن نوال خافت أن تصبح دليل ضده فى القضية لو ضبطت معها\" وأخي اًر هناك حكاية أخرى وهى أيضا بحروف مائلة :إنها الو ارق التى تحكى عن سجن الوردى ،وهى أو ارق سجين يسارى وصلت لعم توفيق الشيوعى العجوز ويقدمها بدوره لنوال حتى توصلها لسالم ،وكذلك قصيدة للشاعر فؤاد حداد مش عايز الفجر يطلع .ولترتب ط أي اً منهم ا مباش رة بالح داث .مثله ا مث ل قص ة س يدة القط ار ال تى تس عى ه ى الخ رى لمعرف ة م اذا ح دث لبنه ا الش يوعى ،والحقيق ة أن ه ف ى الط ار الع ام للس رد ،تعم ق تل ك التقنيات من أزمة الشخصية ،وتصور المناخ العام الذى ذهب ضحيته سالم ،وحالة الرعب المسيطرة على أسرته وهم يتوقعون تعرضه لنفس الظروف ،فتزيد من اص ارر نوال ،ومن قلق الب ،وترسم للقارىء جواً من الكابوسية الذى ينشر جناحه كخفاش على الرواية ،فيتعاطف مع نوال فى رحلتها ،ويعجب بنضال سالم الثورى المعتقل. بوتور ،مرجع سابق .62 -50 ، 140 لسان العرب ،مادة ) أثث (. 141 142 بوتور ،المرجع السابق .53 ،
112 وف ى زم ن الزن ازين :تعط ل الحك ى بآلي ات ش تى ،لكنن ا مادمن ا ف ى مع رض الح ديث ع ن الخطاب ات والرسائل نذكر خطاب الوالد الذى يسهم بشكل كبير فى فهم مسار الحداث ونظرة المجتمع للشيوعيين ،ويضيف بعداً جديداً لمأساة البطل ،الذى يكتشف أن أقرب القربين يصدق دعاية السلطة ،مع ذلك يورده الكاتب دون تعليق : \"ولاذا كنت قد تغاضيت كثيًار عن مشيك على ح ل ش عرك ف ي السياس ية إل ى أن ركبن ا اله م وجعل ت حياتن ا جحي ًم ا م ن الرع ب والخ وف ..فأن ا ل يمك ن أن أتغاض ى ع ن س لوكك غي ر الخلق ي ..فالش قة ال تي حولتموه ا إل ى وك ر لخلياكم الشيوعية لم أكن أتصور أن تستقبلوا فيها نساء وبنات ؛ أي بنات يمك ن أن ي ذهبن إل ى ش قة طلب ة غرب اء وعزاب – ..إل إذا كن ممن ل خلق لهن مما ك ان س بًبا مؤك ًدا ف ي ع دم تمك ن أخي ك -ال ذي ائتمن اك علي ه -م ن المذاكرة ،وتسببتم في رسوبه وضياع مستقبله .أنتم يا من تدعون العم ل عل ى مص لحة ال وطن تفق دون إحساس كم ب الواجب حي ال أهلك م ..وتتص رفون ف ي اس تهتار يص ل بك م إل ى إحض ار بن ات إل ى ال بيت ،وتقلب ون ال بيت ل وكر للشيوعيةوأعوذ بال ،وتمارسون ما حرم ال ..إنني ل أكاد أصدق هذا الذي يروى عنكم في الصحف والذاعة .. ونتيجة لذلك وبسبب ما تسمعه أمك عنكم صب ًحا ومساء ،تسمم لبنها وهكذا تسببت في إرض اع أخت ك الولي دة ال تي ل م تبل غ بع د س وى ع دة ش هور لب ن الح زن -فم اتت ..إنن ي أحملك م المس ئولية بأعم الكم ع ن قت ل طفل ة بريئ ة طاهرة ..وأنذرك إن لم ترتدع وتتمسك ب الخلق الكريم ة ال تي ربين اك عليه ا ..وتت وب إل ى ال ..وتك ف عم ا أن ت فيه من غ سي ..فأنا أعلنك من الن أنك ل ابن ي ول أعرف ك ..فوض ت أم ري إل ى ال في ك وحس بي ال ونع م والوكي ل وعوضني ال على ما صرفته عليك وما ضيعته من عمر لجعل منكرجلً يعرفواجبه حيال أهله وربه \" .. والحكايات الشعبية.. وقد رصدنا ست حكايات شعبية فى زمن الزنازين وقد استخدمها الكاتب فى إطالة زمن الحكى ولكن مايلفت النظر هو أطولها ،لن الكاتب لم يوردها مباشرة بل عمل على تقطيعها -كان يا ما كان فيهراجل تاجر ما شاء ال ،تجارة وفل وس وقص ر وخ دم وحش م واب ن واح د وحي د م اتت أم ه وه و صغير ..فحلف ما يجيب له مراة أب ورباه لحد ما شاء ال ما بقى شاب يشرح القلب الحزين .. والقصة هى تنوييعة لقصة الصياد والجنى الذى خرج من المصباح ،لكنها فى الثيمة الشعبية تطيل الص ارع وسمير عبد الباقى لم يكت ف بتسجيلها ،ولكنه ارح يقطع الحدث ،ويتدخل فى السرد ،حاكياً عن تأثير كل فقرة من حكايات الزميل )الخردجي( على السامعين \" ،شد نف ًسا من الحجر التاسع ..بينما قام السطى المض يف باس تعجال العش اء فرُدوا عليه من الداخل أن العشاء سيكون جاهًاز بعد نص ف س اعة ..وع اد ص احبنا للحك ي بينم ا ارح )عب د الس لم( يجهز حجًار آخر ويغمز لي أشد حيلي وأكون قدها ..فطمأنته وتناولت الجوزة بثقة وجدية . -الراجل قال أنا كبرت وما عادشي باقي إل إني أروح أزور النبيوأحج ... ويمكن القول بصفة عامة أن توظيف سمير عبد الباقى لفن الحكاية في السيرة يدل على مدى تأثره بابداع العامي ة وتعلقه منذ الصغر بهذا الفن الذي شكل بالنسبة له عالماً خاصاً ينطلق منه الخيال بعيداً عن ضيق ومحدودية عالم ميت سلسيل. -تعطيل الزمن بالوثائق :
113 فعن دما تعج ز ذاكرت ه ع ن اس تدعاء ش هادات الرف اق ع ن تجرب ة س جن \"أب و زعب ل\" ليج د الك اتب غضاض ة ف ى الستعانة بالكتب التى سطروا فيها تجربتهم فى المعتقلت والسجون\" 143وها أنا النوأنا أكتب ذل ك أعج ز تما ًم ا ع ن عصر تلفيف الذاكرة لرسم الصورة ولذا قررترغم مخالفة ذلك لصول الس رد الروائ ي ،وس يجد فيه ا نق اد الحداث ة مثلًبا ومخالفة لمبادئ البناء وتمزيقًا لحض ور ال اروي العلي م ..لنن ي أحض رت ك ل م ا كت ب ع ن )جحي م أب و زعب ل( لقتبس منه ما يعوض ما أنستنيه اليام من أحاديث زملئي )الزعبلويين(. وم ا الم انع أن أص نع ن ًص ا تس جيلًيا م ن مجم ل م ا دَون ه أه ل )أب و زعب ل( ع ن تل ك التجرب ة ال تي ل م تح دث إل ف ي عصور الرومان عندما كانت الوحوش الحقيقية تنهش أجساد المستعبدين ،أو عندما استباح النازيون أجساد م ن هم أقل منهم رتبة في جداول النقاء البشري وقد استعنت بكتب ) -إلهامي س يف النص ر( )أب و زعب ل( وط اهر عب د الحكي م )الق دام العاري ة( ،والس يد يوس ف )م ذك ارت س جين سياس ي( وم أمون البس يوني )الف ارش ة والله ب( و)شيوعيون وناصريون( لفخرى لبيب وبكتاب )صنع ال( ع ن الواح ات و)حس ن المناويش ي( )أب و زعب ل( وف وزي حبشي )سجين لكل العصور( ..وأي ًضا بجميع الشهادات التي دونته ا )لجن ة توثي ق تاري خ الحرك ة الش يوعية( ف ي س بعة أج ازء )ش هادات ورؤى( ..فق ط لت ذكر دق ائق م ا رواه ل ي ع ن أب و زعب ل ف ي س جن المنص ورة خلل أج ازة ال ارحة التي قضوها عندي والتي تعجز ذاكرتي الن عن تجميع تفاصيل صورتها بعد خمسين سنة كاملة .. والقرب للظن أنه قد استعان بوثائق تساعده فى نقل حديث الرفاق المساجين عن محاضرة الدكتور )لويس عوض( عوض عن تاريخ أوربا بدءا من القرن الثانى والثالث عشر وصعود نجم البرجوازية ،وكذلك عن\":فيلسوف ومفكر فرنسي عاش في القرن السادس عش ر ..وك ان لفك اره ت أثير ك بير عل ى ش روق ش مس النهض ة ف ي أورب ا كان اسمه )لبويسيه( بذر بذور أفكار الحرية والمساواه التي تبنتها الثورة الفرنسية بعد ذلك\". أم ا ف ى م وال الص با ف ى المش يب فق د تعط ل الحك ى بس بب ظه ور القري ن أو أزم ات التوق ف ع ن الكتاب ة ،فنج د حكايات مختلفة هنا وهناك يحاول بعدها الولوج مرة أخرى فى العمل وأن يضع يده على خيط روائى ،ومنها على سبيل المثال ماجاء فى فصل ول تتبع أهواءهم .. \"نصحنى ارنست هيمنجواى أن أتوقف عن التفكير فيما اكتب حتى ل أفقد حميمية الشىء الذى اكتب عنه\" فانا ل أتوقف عن الحديث او التفكير فيما كتبت أبدا\" \" كنت أحاول جاهدا أل أفكر فيما كتبت او فيما كتبت عنه وأل أذكره دون جدوى..فكن ت ألج أ للق ارءة أو للندماج فى تفاصيل حياتى المملة كرجل صار فوق السبعين ويعيش وحده\" 143الطريف فى المر أن سمير عبد الباقى تخونه الذاكرة مرة أخرى؛ ففخرى لبيب هو صاحب كتاب الشيوعيون وعبدالناصر ،أما \"شيوعيون وناصريون\" فكتبه فتحى عبد الفتاح ،واختلفت أسماء الكتب بعض الشىء فقد كتب صنع ا \"يوميات الواحات\" وإلهامي سيف النصر \"فى معتقل أبو زعب ل\" و ف وزى حبش ى \"معتق ل ك ل العص ور\" وحس ن المناويشى \"أوردى ليمان أبو زعبل\"
114 ومع ت ازيد دور القرين يسترجع ويكرر سمير عبد الباقى أحداثا ماضية سبق له الحديث عنها ولكن بتنويعات جديدة ،وقد اختلف النقاد فى تصنيف هذا التواتر السردى :هل هو مقولة زمنية أم أسلوبية؟ بوصفه علقات تك ارر بي ن الحكاية والقصة .وهذا التك ارر ذو طابعزمني وعددي .لقد اعتبره )جينيت( مظه اًر من مظاهر الزمنية السردية .كما ل يمنع أن يكون مظه اًر أسلوبياً يكشف عن دللت خاصة ،وقد كرر الحديث عن ثلث محطات أثرت على مجريات حياته،وهى المسرح والسينما والكتاب: وأنت هو نفسه الذي وضعني علي خشبة المسرح مشمولً بقدسية )المين( لصيح بص وتي الض عيف أه ز جبال )مكة( وبيوت قرية )الجمالية( وكفار )قريش( وتجار سوق الثلثاء. -إيتوني بثوب .. وأن ت م ن أعط اني كت اب )المع ذبون ف ي الرض( فاكتش فت جهل ي بم ن ه م ح ولي وأفس دت عل ي ك وني الب ن الكبر أو البكر لب مهتم. أغويتني في المدينة بأضواء السينما فأدمنت وهج )السابحات الفاتنات(\" ورغم أن الحديث عن بيت الجد الذى صار بعد ذلك ملكا للب والتجديدات المستمرة قد استهلكه الكاتب إل أنه يتوقف فى عدة محطات فبعد الحديث عن الطفولة ثم المولد ،ليجد خيطا يعيده للمسار الروائى سوى الرجوع إلى البيت ،كذلك نجده فى الفصل الثلثين قدرناه تقدي ار يقوم باعادة او استعادة \" فذلكة\" افتتاحية ولهم يحزنون قائلً: ما الذي يحدث لي – كلما ع دت لممارس ة هواي تي وأمس كت ب القلم ..أخ ترع لنفس ي أل ف حج ة أض يفها لم ا لد َي من الحجج الجاهزة ،إذ تنتظرن ي هن ا أل ف مهم ة ومهم ة مؤجل ة ،مث ل دق مس مار لتعلي ق فوط ة ف ي المطب خ حتى ل أضطر كلما ابتلت يدي أن أجففها في جلبابي ويض طرني منظ ره إل ى إع ادة غس له ،أو ع زق ط رف الجنين ة لواعادة غرس الشجي ارت التي فشلت في اخت ارق الرض فظل ت قزمي ة قزع ة ،وت وقفت ع ن النم و ،ولان أص رت عل ى تمسكها بالحياة ورفضها الموت ..مؤيدة ق ارر الكف عن الستم ارر في كتابة ذلك المسلس ل الفك اهي -ال ذي ك انت قد اتفقت معي على كتابته تلك المحطة )للرسال المبكر( التي عرضت يومها أجًار خ ارفًيا دمر ك ل مقاوم ة أو رف ض يستند إلى أريي في تلك المحطات ومن يكتبون لها ومن يمولونها -ليبدو لي أنه أعظم ق ارر يمك ن ب ه علج ح التي .. ولحاجة بنا للشارة إل ى ذل ك فق د أش ار الك اتب نفسه إل ى ذلك حين ق ال فى اله امش \"أرجو من القارئ اللبيب إن كان يهمه المر أن ي ارجع )الفذلكة( التي تتصدر روايتي )ول هم يحزنون( التي لها صلة عضوية بهذه الرواية!! لكن ه ه ذه الم رة ل ن يتح دث ع ن الذباب ة ب ل ع ن قط ه ميش ا أو مش كاح كم ا ورد اس مه ف ى قصص ه الموجه ة للطفل ،حيث يشغله عن استكمال روايته عدم قدرة القط على التبرز ،ومع الواقع المحبط يصبح ب ارز ميشكا أهم من واقعه. -المشهد الحواري:
115 يع رف المش هد ب أنه \"عب ارة ع ن فع ل مح دد ،ح دث مف رد يح دث ف ي زم ان ومك ان مح ددين ،ويس تغرق م ن ال وقت بالقدر الذي ل يكون فيه أي تغيير في المكان ،أو أي قطع في استم اررية الزمن .إن المشهد حادثة صغيرة مؤداة من قبل الشخصيات ،حادثة عرضية ،منفردة ،أو مشهد متفرد حيوي ومباشر .المشهد هو العنصر الد ارمي أو المسرحي في الرواية ،وفعل حاضر مستمر بالقدر الذي يستغرقه المشهد\").(144 ويرى لوبوك أن المشهد يعطي \"للقارئ إحساسه بالمشاركة الحادة في الفعل إذ أنه يسمع عنه معاص اًر وقوعه كما يقع بالضبط وفي نفس لحظة وقوعه ،ل يفصل بين الفعل وسماعه سوى البرهة التي يستغرقها صوت الروائ ي في قوله ،لذلك يستخدم المشهد للحظات المشحونة ،ويقدم ال اروي دائماً ذروة سياق من الفعال وتأزمها في مشهد\"145 ويمكن أن نضيف فائدة أخرى يوردها طه عبد الفتاح مقلد في أن المشهد \"يساعد على تصوير الشخصية وتطوير الحداث ويوضح جانباً من الص ارع ،ويستخدمه الكاتب جنباً إلى جنب مع السرد القصصي بل يكاد يكون جزءاً منه متمم اً ل ه ل دخيلً علي ه\") (146كم ا ل يتس م بوظ ائف مح ددة وثابت ة نوانم ا ه ي متحول ة ومتغي رة ومختلف ة م ن عص ر لخ )(147ر ف الحوار \"كلم ذو حساس ية مفرط ة ،دائم ة التح ول والتغي ر والختلف ،طالم ا يق ع تح ت ض غط موجه ات مختلفةربما يكون أشدها تأثيراً التقاليد الفنية المهيمنة في سياق العصر الذي كتب فيه\").(148 الحوار الخارجي )المباشر(: هو الحوار \"الذي يدور بين شخصيتين أو أكثر في إطار المشهد داخل العمل القصصي بطريقة مباشرة ،وأطلق عليه تسمية الحوار التناوبي أي الذي تتن اوب فيه شخصيتان أو أكثر بطريقة مباشرة ،وذلك إن التن اوب هو السمة الج ارئية الظاهرة عليه\").(149 وقد جاءت الحوا ارت فى معظمها بالعامية سوى بعض الجمل التى أفلتت ربما من الكاتب دون وعى .وهي محاولة ال اروي تعزيز الميثاق المعقود بينه وبين القارئ من خلل عرضه للحداث بكل أمانة وموضوعية حتى إن اضطره ذلك لستخدام ألفاظ شديدة المحلية أو فاحشة .ومع ذلك نكرر أن الصدق الذى نعنيه هو الصدق النسبى. الحوار الداخلي )غير المباشر(: في هذا النوع من الحوار يتحول نمط الحوار من حوار تناوبي يدور بين شخصيتين أو أكثر إلى حوار فردي يعبر عن حياة الشخصية الباطنية) .(150وقد ارتبط هذا النوع من الحوار بروايات تيار الوعي التي تعتمد على المونولوج الداخلي بشكل كبير في التعبير عن أفكار الشخصيات ومحتواها النفسي. وسوف نتحدث عن الحوار الداخلى والخارجى بالتفصيل لحقاً ،وسنعرض له نماذج توضيحية فى الفصل القادم. الخاتمة: )( بناء المشهد الروائي ،ليون سرميليان ،ترجمة :فاضل ثامر ،مجلة الثقافة الجنبية ،العدد 2لسنة .78 ،1987 144 145 بناء الرواية ))65 146 147 )( الحوار في القصة والمسرحية والذاعة والتلفزيون.118 : 148 )( تقنيات السرد الروائي عند غادة السمان.111 : 149 150 )( الحوار في الخطاب المسرحي ،محمود عبد الوهاب ،مجلة الموقف الثقافي ،العدد 10لسنة .48 :1997 )( الحوار في القصة العراقية القصيرة ،فاتح عبد السلم،رسالة دكتو اره.107 -106 : )( الزمن الت ارجيدي في الرواية المعاصرة ،سعد عبد العزيز.39 :
116 إن الزمن في العمل البداعي ،هو نوع من تصالح النسان مع ذاته ،إذا كان فعل \" النسان هو الزمن، \"إذ في هذه الحالة نقترب من الزمن أكثر ؛ لنه ك \"أنا أكون ،وبهذا يتحول الزمن في العملية البداعية إلى أداة طيعة تسهم في جماليات النص الدبي ،لتسمو به إلى مرتبة الخلود.151 وي رى جي ل دول وز أن الزم ن ،ل المك ان ،ه و الحاض ن للب داع .المك ان نتيج ة عرض ية غي ر أساس ية، نتيج ة م ن نتائ ج الزم ن ،والرتب اط بالمك ان يش به الرتب اط الع اطفي الحماس ي ،بينم ا الرتب اط ب الزمن ه و علق ة معرفية للعالم ،لن المكان ليف جسر حركة التأريخ ،وفي المقابل يقوم الزمن بوصفه حاملً للمكان وللكينونة مع اً في جنباته بتفسير هذه الحركة ،فالرتباط بالمكان هو من مخلجفات الذاكرة الريفية الجمعية. ودائم ا ماتحم ل الكتاب ة مفارق ة ،فمن ذ كتاب ة أول جمل ة ف ى الن ص يك ون ك ل ش ىء ق د انقض ى ،ال اروى يحكى أحداثا انقضت ،لكن هذا الماضى يمثل لنا نحن الق ارء حاض ار قصصيا .يظل الفعل الماضى هو أقوى وأقدم الفعال المستخدمة فى الحكى حيث يرتبط بتاريخ الشخصية وماضيها .لكن مع كتاب تيار الوعى الذين استعار منهم الكاتب كثير من التقنيات فى عمله الخير ،يصبح الماضى جزءا من الحاضر لينفصل عنه ،فهو مطبوع فى ذاكرة الشخصية تستدعيه اللحظة الحاضرة بل نظام أو ترتيب .لتظهر الحداث الماضية فى كتلة نصية واحدة ولكنها تتوزع فى النص كله ،ومهمة تجميعها هى مهمة القارىء .لم يعد ال اروى إذن ذلك الحكاء الشعبى الذى يبدأ بكان ياما كان ويسير فى خط كرونولوجى متسلسل. وعندما ننظر فى عمل الكاتب فمن الطبيعى أن يشغلنا كيف تعامل مع الزمن فى نصوصه .حيث تقول النظرية النسبية أن الفصل بين الفعل والزمن أمر محال لن الزمن هو البعد ال اربع للمكان .على العموم يشير الزمن الخارجى وهو زمن الحكاية أنها تمتد على مسافة زمنية تمتد من الربعينيات حتى ثورة يناير فجاء المجتمع الريفى قبل ثورة يوليو ،والثورة ثم النكسة وحرب أكتوبر ثم زمن النفتاح وغزو الع ارق واجتياح لبنان حتى قيام ثورة يناير . أما زمن التلقى فق د ص درت ولهم يحزنون بتاري خ ، 2005زمن الزن ازين ، 2011م وال الص با ف ى المشيب 2013،وليمكننا التأكد من زمن الكتابة أى الوقت الذى استغرقه الكاتب فى انتاج نصوصه ،لكن المؤكد أن أطولها زمنيا هو موال الصبا فى المشيب. ولجأ الكاتب كما أرينا فى تقنياته للت ارتب والت ازمن والسترجاع والستباق .كل هذا فى حركات ارتدادية وفى ديالكتيك بين الذات والزمن ،وكذلك إلى استخدام تقنيات تيار الوعى مثل الحوار الداخلي والتداعي ،كذلك تحكم فى ايقاع النص فأسرع وأبطأ الحكى بما يتفق فى معظم الحوال مع فكرته. ونلح ظ أن العلق ة الجدلي ة ال تي ترب ط الشخص ية م ع الزم ن الط بيعى وه و النص ف الث انى م ن الق رن العشرين والعقد الول من القرن الواحد والعشرين ،قد مالت إلى التلخيص والثغ ارت أحيانا ،بحكم طول تلك الفترة الزمنية لكنه مع ذلك يلجأ فى أحيان كثيرة للبطاء السرد بدرجة أقل عن طريق المشهدية والحوار .تتجلى الجدلية أيضا في الم ازوجة بين حاضر الشخصية وماضيها باتجاه الموت ،وبين حاضر الشخصية وماضيها لستش ارف التي .أما الزمن الصرفى المهيمن فى النصوص فكان هو الفعل الماضى لقوته ودللته فى اللغة العربية حيث انظر ف ارنسواز داستور ،هيدجر والسؤال عن الزمان .ت .سامي أدهم 1993 .ص ))25 : 151
117 أن ه حس ب الن ص القرآن ى يس تطيع التع بير ع ن المس تقبل .أم ا الحاض ر أو الفع ل المض ارع فج اء ليعك س اهتم ام القاص بنفسية الشخصية أكثر من تاريخها ،وخاصة فى النصف الثانى من موال الصبا فى المشيب . يس تخدم ال اروي أيض اً التوثي ق الت اريخي ،م ن خلل إش ا ارته إل ى تواري خ أح داث حص لت ف ي الماض ي، وعمد الكاتب إلى مقارنات بين الحاضر والماضى؛ المقارنة مع الماضى الخارجى والحاضر القصصى ،وذلك لتفسير حاضر الشخصية أو لتفسير موق ف قديم يستطيع الن تفسيره فى ضوء معطيات الحاض ر .كذلك دأب الكاتب على المقارنات من أجل إب ارز معالم التغير والتبدل والشارة الى مسار الزمن. ويلح ظ عل ى ال اروي ف ي عمل ه الخي ر موال الص با ف ى المش يب أن ه واق ع تح ت س طوة الحاض ر -أي لحظة كتابة السيرة ،فنجده يسهب في ذكر التفاصيل التاريخية بشكل ل يتناسب والغرض الذي يقوم عليه النص السير ذاتي الذي يركز فيه ال اروي على الحداث المتعلقة بالشخصية الرئيسة فحسب. هك ذا يص بح الزم ن عنص ر ه ام ودال وفاض ح ،عل ى تمك ن المؤل ف م ن عمل ه ،فق د اس تطاع الك اتب التعامل بمهارة مع الزمن الطبيعي )الموضوعي( والزمن النفسي ،لبطال قصصه .ونلحظ أن الزمن جاء انتقائي اًاً س واء ف ى اختي ار لحظ ة الحك ى أو ف ى اختي ار الح داث ،والح وادث المفص لية ف ى تاري خ وماض ى الشخص يات . وبص فة عامة نج د أن الزمن ة التاريخي ة ف ي الثلثي ة تخدم وتؤثر عل ى تنظي م الح داث ،ونج دها متصلة مباش رة بلحمة النص ومؤدية دو اًر مهماً في ربط الحداث بالسير الزمني في النص. س وف نلح ظ أن المت ن الحك ائى ف ى وله م يحزن ون أى زم ن الحكاي ة يس تمر لثلث ة أي ام ولك ن المت ن الس ردى أو زم ن الخط اب يس تخدم في ه ال اروى العلي م العدي د م ن التقني ات س واء م ن خلل س رده أو م ن خلل الس ترجاعات \"الفلش ب اك\" ال ذى تق وم ب ه الشخص يات ل ذكر س يرة أبع د زمني ا .والمت ن الحك ائى ف ى رواي ة زمن الزن ازين يمت د ثلثي ن ش ه اًر ،لكن ه يعتم د عل ى تقني ة الس ترجاع قري ب الم دى .أم ا ف ى م وال الص با ف ى المش يب فالكاتب هنا يستعرض تاريخ حياته وتتدخل فى الحكى اللحظات الحاضرة لتمنع استرساله وق د استخدم ف ى ولهم يحزنون ع دة تقني ات أسهمت ف ى ابط اء أو تعطي ل الس رد حكاي ة س يدة القط ار، وحكاية القصة التى كتبها أخو البطل ،وحكاية الخطاب الذى أرسله سالم ،وأو ارق ابن عبد ربه عن السجن. أما فى زمن الزنازين فقد لجأ الكاتب كثي ار للسترجاع والمونولوج الداخلى والتداعى هذا غير حكايات الشخوص التى قابلها وعرفها فى السجن التى لم تتطور ولم تدخل فى علقات مع بعضها أو مع البطل ،اللهم العلقة الثلثية بين البطل وعزيز وابو العينين ولكن أهم ما عطل الحكى هو الحكايات الشعبية التى كان الكاتب حريصا على اي اردها فى نصه. وأعترف أن عدم ترقيم الفصول يجعل الد ارسة من الصعوبة بمكان ،ناهيك عن صعوبة د ارسة الزمن وتحليله ففى ولهم يحزنون يب دأ الحدث الصلى ب اعلن وفاة الش يخ مقب ل ،وتتم دد تل ك اللحظة الزمني ة بمسح شامل أو مسقط أرسى على القرية لنرى كيف استقبل كل واحد من القرية هذا الخبر ،وليستمر الكاتب فى ذلك بل يغير فى مكان الحدث بالتوازى فنعرف أنه\" \" فى نفس الوقت الذى اندفع فيه حمدى ليقطع المسافة بي ن العزب ة والقرية ...كانت الست ستوتة أحمد الشرقاوى والدة محم د محم ود عثم ان ت دخل إل ى محط ة طنط ا ف ى طريقه ا للقاهرة بحثا عن حقيقة مصير ابنه ا ال ذى ش وهد لخ ر م رة مغش يا علي ه وملطخ ا ب دمائه ف ى ح وش قس م اول
118 طنطا\" ويترك الكاتب س يدة القطار ليعود للقرية ويخلق زمن ا محايث ا وموازي اً لنف س الحدث \"فى نفس تلك اللحظة التى غلبها النوم فيها كان عبده أفندى والد سالم ينزل سللم البيت مهموما وحي ن خ رج م ن ب اب ال بيت وع بر الشارع استدار فى حدة نحو زوجته\" بعدها يعود بالزمن مسترجعاً حكاية الزوجة البندرية ليعود بالتاريخ أكثر من خمسة وعشرين عاما. أما فى بقية أعماله فالحكى يستمر على شريط زمنى متصاعد ليتوازى أبداً. لقد وظف سمير عبد الباقى في سيرته كل التقنيات الزمنية وهذا دليل على أن السيرة الذاتية ل تختلف عن غيرها من فنون السرد الخرى .كما تدعم في الوقت نفسه موقفنا من موضوع الفضاء السيرذاتي فى كونه ل يختلف كثي اًر عن الفضاء الروائي. والحقيقة أن التعامل النقدى مع الزمن أمر صعب بصفة عامة ،ومع ثلثية سمير عبد الباقى بصفة خاص ة ،فالموض وع ث رى ومعق د يس تحق أطروح ة دكت و اره ،له ذا لجأن ا لتقلي ل المثل ة ق در المك ان .والتعام ل م ع الزمن فنياًاً \"كمن يقوم بتهشيم إناء بلوري ،وعلى القارئ محاولة خلق انسجام ،بين القطع المتناثرة هنا وهناك، مهم ا ك ان حج م ه ذه القط ع .152فالبن اءات الزمني ة ف ي أري ميش يل بوت ور \"ه ي ف ي الواق ع م ن التعقي د المض ني، بحيث إن أمهر المخططات سواء كانت مستعملة في تحضير العمل الدب ي ،أو في نقده ،ل يمكن أن تكون إل مخططات تقريبية ،عديمة التقان ،غير أنها تلقي شيئا من الضواء المزيلة للغموض\"153 يا إلهى هل يستحق المر كل هذا الجهد؟ نعم ..ألم يؤكد ماركيز ،في أكثر من مقال ،بأن أكثر ما يرهقه ويخيفه في الكتابة القصصية والروائية ،هو عنصر الزمن. انظر بحثرابح الطرش مفهوم الزمن فى الفكر والدب \"مجلة العلوم النسانية\" مقال منشور على النترنت 152 ميشال بوتور ،بحوث في الرواية الجديدة .ت .فريد أنطونيوس 98:99 153
119 ضمائر السرد إن أبسط الصيغ الساسية للرواية هي صيغة الغائب ،وفي كل مرة يستعمل الكاتب فيها صيغة أخرى يك ون ذل ك ،نوع اً م ا ،عل ى س بيل \"المج از ،فعلين ا ألّ نتقي د به ا حرفي اً ،ب ل نرّده ا إل ى ص ورتها الساس ية المضمرة. ميشيل بيتور الس رد لغ ة ه و ض م ش يء إل ى ش يء ،يق ال س رد الح ديث أي ج اء ب ه ف ي س ياق متت ابع وجي د ،أم ا اصطلحا فهو إخبار عن إحداث واقعية أو متخيلة باستعمال اللغة ،و السرد القصصى بصفة عامة ،عملية ذات طبيعة معقدة ،ومما يزيد في تعقيدها ،استعمال الضمائر وتوظيفها ،وقد نبه \"ميشيل بوتور\" إلى أهمية الضمائر في الرواية ،حيث أرى أنه \" ل بد من د ارسة طريقة استعمالها ،وتوصل إلى أن الضمائر المصطنعة في الحكى؛ هي ضمائر مركبة في أغلبه ا؛ فمثل ضمير الس رد \"أن ا\" ،هو مركب من ضميرين أنا وهو .ومن وظائف لعبة الضمائر ،أنها ل تسمح بتميز الشخصيات عن بعضها البعض فحسب ،ولكنها أيضا \" تعتبر السبيل الوحيد ال ذي نملكه ،والذي به نميز المستويات العديدة للوعي ،أو للكمون الذي يركب كل واحد منها ،ويموضعها ضمن الخر وضمننا\"154. ونحن إ ازء ثلث روايات سيرية لسمير عبد الباقى ،بترتيب ظهورها كانت كالتالى ولهم يحزن ون ،زم ن الزنازين ،موال الص با ف ى المش يب أم ا عمل ه الش كالى فه و رواي ة م وال الص با ف ى المش يب فق د ح اول ف ى ه ذا العمل التوفيق بين النا والخر أى بين الذات والموضوع ،ولنها تحكى تاريخا له أصداء فى عمليه السابقين، ب رز في ه الضمير الث انى أن ت ،وذلك لن الجدل مع الذات جاء بصورة أشد حدة منه ف ى عمليه الس ابقين .لق د واجهت سمير عبد الباقى مشكلة التوقف عن الكتابة فلجأ لتقنية المونولوج الداخلى وصار ضمير المخاطب أكثر الحاحاً ،وكأنه يحاكم ذاته ،وهذا الضمير هو ضمير ملتبس أساساً. أولً :السرد بضمير الغائب: إن استعمال ضمير الغائب في النص ،هو أقدم ضمائر السرد وأكثرها شيوعاً ،حيث يمكن السارد من إب داء وجه ة نظ ره تج اه الحكاي ة المروي ة ،و تبن ي فك رة م ا أو رفض ها ،دون أن يك ون شخص ية مقحم ة ب داخلها، ويعده رولن بارت أقوى ضمائر الحكى ،حيث يتوارى السارد خلفه ليمرر ما يشاء من الفكار واليديولوجيات ، كما أنه يجنب المؤلف السقوط في فخ \" النا\" ،الذي يجر عادة لسؤ الفهم .أخي ار سيحمى السارد من إثم الكذب؛ إذ يجعله مجرد حكاء ،أي مجرد وسيط أدبي ينقل للقارئ ما سمعه أو علمه من سواه .وهو بهذا إنما يوحي بنوع من النفصال بين النص وناصه. M.Butor. le Roman comme Recherche, Munuit, Paris, 1960. P123 154
120 واص طناع ض مير الغ ائب ،يفص ل زم ن الحكاي ة ع ن زم ن الحك ي ،م ن الوجه ة الظاهري ة عل ى الق ل، وذلك لنه يرتبط بالفعل السردي كان؛ أي أنه يسوق الحكي إلى المام ،ولكن انطلقاً من الماضي ،وهي تقنية مناقضة للذات التي تصطنع ضمير المتكلم .أى أنه مجرد خدعة سردية ،يحمل القارئ على التصديق بحدوث ما يجري ،وأن ي دخل في التاريخ والواقع من حيث أنه نسيج لغوي ،وهو في الوقت نفسه تقنية روائية للتعامل مع الزمن الذي هو زمن الكاتب وحده قبل كل شيء155. كما أن هذا الضمير يتيح للكاتب أن يعرف عن شخصياته ،وأحداث عمله السردي كل شيء ،فيكون وضعه السردي قائماً على اتخاذ موقع خلف الحداث التي يسردها 156.هذا الوضع السردي يجعل من ضمير الغائب تجسيداً لما يطلق عليه جون بويون )الرؤية من الخلف( ويرمز إليه تودروف ب صيغة السارد يعرف أكثر مما تعرفه الشخصية أو بتعبير أدق يكون أكثر معرفة مما تعرف جميع الشخصيات. 157 ف ى وله م يحزن ون وه ى أول ى رواي ات الثلثي ة اس تخدم س مير عب د الب اقى ض مير الغ ائب ،ع دا ف ى افتتاحيتها التى كتبت بالضمير الول: \"فج ر الي وم ال ذى توص لت في ه بع د إمع ان الفك ر ف ى ك ل الحتم الت إل ى الق ارر الحاس م الخي ر بقت ل الذبابة اللعينة التى تخلقت م ن تلل الجث ث اليومي ة وال تى لتك ف ع ن ال زن والطي ارن ف ى دوائ ر حلزوني ة بي ن عينى وبين الصفحات البيض ..لتجعل من الكتابة ع ذابا ليط اق وألم ا لح دود ل ه..كنت ق د تعاق دت م ع إح دى محطات العلم المبكر على كتابة قصة حياتى\"... لكن المتن الحكائى جاء بالضمير الثالث ،فبعد ما أسماه \"فذلكة\" تبدأ الحكاية فعليا ص 21 \"بعد منتصف ليل الثالث من صفر الذى وافق الث انى عش ر م ن أمش ير ف ى الع ام ال ذى ج اء رمض انه فى عز حر أبيب وقبيل موعد صيحات الديكة التى كانت ستبشر بفج ر الربع اء ال ذى ع ادت ف ي الي وم الس ابق عليه عربة الت ارحيل إلى سجن المنصورة حاملة المتهمين الثلثة سمير عبد الباقى الطالب بكلية الز ارعة\"... ربما يرجع ذلك كونها الرواية الولى ،فحاول فيها الكاتب أن يكتب ملتزماً بالشكل الكلسيكى ،واستخدم اس م س الم كقن اع روائ ى ،لك ن يتض ح م ع تق دم الش ريط الس ردى أن الك اتب مش غول بس يرة القري ة ل س يرة البط ل، والحق أن إغ ارء ال اروى العليم الذى يعرف عن الشخصيات أكثر مما تعرف هى عن نفسها ،جعله بالتأكيد قاد ار على سبر أغوار شخصياته ،بالصورة التى يح ب أن ي اره ا ،ويحمل هو ف ى ي ده صكوك ب ارءته ا أو إدانته ا .لق د منحه ذلك الضمير امكانات هائلة ،ففى حكاية فرج ال يستطيع السارد إدانة الجلد الشيخ مقبل ،وأن يسوق لنا مبر ارت إنسانية لضعف الضحية فرج ال ،كما أنه منحه القدرة على اللجوء للغ ارئبية فى تصوير أشباح فرج ال، وفى تسخير قوى غي ر منظورة لخدمة هدفه .الس رد بضمير الغائب -رغ م أنه ا سيرة سمير عبد الباقى الشاعر والمناضل اليسارى كما سيفهمها القارىء والتى ستتأكد بعد ذلك فى عمليه التاليين -جعل هذا العمل أكثر التصاقا بف ن الرواي ة من ه بف ن الس يرة ذاتي ة .م ع تس ليمنا كم ا أوض حنا للق ارىء الكري م أن الس يرة الذاتي ة تظ ل ه ى ال ارف د الساسى لى عمل كتابى. سيرة جبرا 155 156 في نظرية الرواية.179 -177 : 157 نظرية السرد من وجهة النظر إلى التبئير59 :
121 ثانيا السرد بضمير المتكلم: بدأ استخدام هذا الضمير بصورة خاصة في كتابات السيرة الذاتية ،لما فيه من حميمية وبساطة ،وقدرة على تعرية النفس ،وهذا يجعل \"الن ا\" تجسيداً لما يطل ق عليه \"الرؤية بالمصاحبة\" في عرض الحداث ونقلها للمتلقي ،وذلك بحكم وجود السارد كشخصية في الن ص؛ أي أن كل معلومة أو سر من أس ارر الشريط السردي ،يأتى متصاحباً مع \"أنا\" السارد. تخلق حميمية الضمير المتكلم )أنا( ألفة بين القارئ والحدث ،وقد يظن المتلقى قليل الخبرة أن الحكاية المروي ة ،ت أتي دون واس طة .وه ذا ماح ذر من ه رولن ب ارت بتأكي ده المس تمر أن )أن ا( الك اتب ليس ت أب داَاَ )أن ا( الن ص .والح ق أن ض مير الن ا يجع ل الحكاي ة مندمج ة ف ي روح المؤل ف ،فيتلش ى الح اجز الزمن ي ،بي ن زم ن السرد وزمن السارد ،ظاهريا على القل .كما أنه يذيب النص السردي في الناص ،ويجعل المتلقي متعلقا بالعمل السردي ، ،متوهماً أن المؤلف هو إحدى الشخصيات فى النص ،إنه يلغي دور المؤلف بالنسبة للمتلقي الذي ل يكاد يحس بوجوده .هذا الضمير يحيل على الذات في حين أن ضمير الغائب يحيل على الموضوع . وطبيعى أن تكون السيرة الذاتية مكتوبة بالضمير الول ،فمعروف أن)النا( مرجعيته جوانية في حين أن )الهو( مرجعيته ب ارنية .ولننا بصدد عمل يتأرجح بين الحقيقى والمتخيل ،بين الواقع كما حدث أو كما يخال الك اتب أن ه ق د ح دث ،يص ر س مير عب د الب اقى ف ى زم ن الزن ازين وف ى وم وال الص با ف ى المش يب عل ى ض مير المتكلم بحكم أنه أكثر قدرة على الغوص في مجاهل النفس ،وغيابات الروح ،فضمير السرد المناجاتي يستطيع التوغل إلى أعماق النفس البشرية فيعريها بصدق ،ويكشف عن نواياها بحق ،ويقدمها إلى القارئ كما هي ل كما يجب أن تكون158. ويرى جي ارر جينيت في كل حكي لشكل سيرذاتي مسافة فاصلة بين )أنا الساردة وأنا المسرودة( أي أن التطابق التام بين السارد والبطل أمر غير وارد ،حتى في النص السيرذاتي ،فالسارد حتماً يعلم أكثر مما يعلمه البطل )الشخصية المركزية( ،وهذا ما يذهب إليه استاروبنسكي هو الخر عندما يؤكد بأن ضمير المتكلم )أنا( ليس \"متبنى وجودياً من قبل أي شخص ،إنه أنا( بدون إحالة إذ أنه ل يحيل إل على صورة مخترعة159. زمن الزنازين جاءت كلها بالضمير الول ،حيث يحكى سمير عبد الباقى بالتفصيل عن تجربة السجن، العمل أشبه بمذك ارت المساجين السياسيين والمعتقلين ،لكنها مع ذلك التزمت خطاً روائياً ،وكان هذا الضمير أك ثر م دعاة لتع اطف الق ارىء ،فمن ذ اللحظ ة الول ى يص بح البط ل \" الش اب اليس ارى\" ه و ب ؤرة الح داث، والشخصيات التى سيقابلها ستكون عدي دة مختلفة ومتنوع ة ،لكن ال اروى بحكم أن ه العي ن التى ترص د ،ل يع رف مكنون ات الشخص ية ،وليع رف ع ن نفس يتها س وى الق در الض ئيل ال تى تب وح ب ه ،وعل ى ه ذا ينتق ل للق ارىء ج و الخوف وعدم الثقة فى مواجهة أكثر من آخر مجهول ،وفى ظرف انسانى شديد الستثنائية) السجن( قد يثير ردود أفع ال غي ر متوقع ة للشخص يات م ادامت تح ت وط أة القه ر أو الظل م ،ولنكتش ف م ايمور ف ى أعماقه ا إل بتجميع النذر اليسير من البوح الذى يدور فى حضرة البطل ،أو عن طريق شخص آخر ،مثال ذلك قصة عزيز 158في نظرية الرواية.185 : 159النقد والدب ،جان ستاروبنسكي ،ترجمة :بدر الدين القاسم .79 :وينظر :طبيعة السيرة الذاتية وعلقتها بالرواية :السيرة الروائية المغربية نموذجاً :حميد الحمداني ،مجلة آفاق المغربية ،العدد 4-3لسنة .36 :1984
122 ال تى نع رف مأس اته ل م ن علقت ه ب ال اروى البط ل وح ده ،ولك ن م ن الخري ن ) الض ابط ميخائي ل والس جين \"أب و العيني ن\" ،وعل ى ه ذا يك ون التش ويق مض اعفاً ويص بح الق ارىء ش ريكاً أص يلً ف ى اللعب ة ،فه و يتوح د م ع البط ل ويستبد به نفس الفضول لمعرفة قصة عزيز .أما فى \"موال الصبا فى المشيب\" ،فق د خف ف ض مير المخ اطب م ن إحساس القارىء بنرجسية الكاتب ،ولعب فيه الحوار بين النا والذات دو اًر هاماً ،فقد جاء بديلً عن القارىء نفسه الذى يتشكك بدوره فى صدق تلك النا التى تتولى الحكى وتحتكر الحقيقة. ثالثاً :السرد بضمير المخاطب: منذ أن نشر ميشيل بوتور روايته »التعديل« عام ،1957ارح السرد بضمير المخاطب يحتل مكانة متميزة فى الكتابات الجديدة ،ويستخدم بطرق مختلفة لدى عدد مت ازيد من الكتاب . 160هذا الضمير\" ،الذي يعد أحدث الشكال السردية عهداً \" ،هو تقنية ،تهدف لمساعدة القارئ على الولوج داخل النص ،وربطه فى علقة مع السارد لينتج عن ذلك تفاعل وتفعيل للحداث في النص ،باعتبار القارئ طرفاً أصيل مشاركاً في إنتاج النص. أهم الخصائص المميزة للسرد بضمير المخاطب ،أنه صيغة تمنح المؤلف طريقة جديدة لتناول المواقف القصصية التقليدية ،وقد اعتبرها البعض أهم تقنيات السرد القصصي منذ تيار الوعي. واصطناع ضمير المخاطب في النص )أنت( ،يجعلني مطالباً باكتشاف عالمه ،وتخيله مع الشخصية. فهو يتيح للسارد \" ،أن يستبد بجملة من المتيا ازت في مجال السرد الحداثي؛ حيث يقوم مق ام)هو( ،ومقام )أنا( في الوقت ذاته ،وهو المر الذي يجعلنا نخلص إلى أن ضمير المخاطب \"أنت\" ،ممثل عن المتلقي ،الذي يوفجه إليه خطاب الضمير المتكلم الخر.ومن بين الم ازيا التي دعت المؤلف إلى اللجؤ إلى استثمار ضمير المخاطب في النص: أ( أنه يجعل الحدث يندفع جملة واحدة في العمل السردي ،لتجنب انقطاع الوعي. ب( يتيح وصف الوعي في حال كينونته ،من قبل الشخصية نفسها. ج( يتيح وصف وضع الشخصية ،والطريقة التي تولد بها اللغة فيها161. وفى حين يعتقد ميشيل بيتور ان) \":أنت( يتيح لي أن أصف الشخصية كما يتيح لي الكيفية التي تولد اللغ ة فيه ا \" ،\"162فكأنم ا ج اء )أن ت( لف ك العق دة النرجس ية الماثل ة ف ي الن ا ،فف ي \"أن ت\" خلص للن ا ،يع ترض مرتاض على ذلك قائلً ،غير أنني ل أعتقد بأن \"أنت\" يستطيع مع ذلك إبعاد شبح \"النا\" المتسلط على الشريط السردي ،بل لعله ل يزيده إل مثولً وشهوداً.\" 163 الست ارتيجية السردية للسرد بضمير المخاطب:164 160انظر دراستنا عن رواية ايموز 161انظر\" لعبة الضمائر والسرد فى شرفات بحر الشمال\" بلوافى أحمد مجلة أقلم الثقافية .http://www.aklaam.net/newaqlam/index M. Butor. Déclaration. Le Figaro Littéraire. Paris du 7.12.1957.p 57 162 163ينظر د .عبد المالك مرتاض ،في نظرية الرواية ،ص 252 164السرد بضمير المخاطب فنيته ومعناه بريان ريتشاردسون ترجمة :خيري دومة
123 يميز ريتشاردسون بين ثلث صيغ للسرد بضمير المخاطب\" :الصيغة النموذجية ،والصيغة الشرطية والصيغة »الموجهة إلى الذات «\". من الضروري أول ،حسبما يرى ريتشاردسون أن نفرق بين السرد بضمير المخاطب ،وأنماط أخرى من الق ص توظ ف ض مير المخ اطب ع ادة عل ى مس توى الس رد .وأح د ه ذه النم اط ح دي طث المؤل ف المع روف ،ال ذي يت وجه في ه مباش رة إل ى الم روي علي ه أو»الق ارئ الكري م« ،وربم ا نج د أك ثر توظيف اته وض وًحا ل دى ن ابكوف ف ي »لوليتا«. والنوع الثاني من السرد الذي يستخدم لفظة »أنت« بشكل متكرر ،هو المونولوج الموجه إلى مستمع حقيقي أو متخيل ،مثلما حدث في »السقوط« للبير كامى ،أو المونولوج الوتوبيوج ارفي الموجه إلى الشخصيات، ورغ م أنه ا ليس ت إل أش كالً ص امتة -أو ق ل أش كالً احتمالي ة -داخ ل الع الم القصص ي ،إل أنه ا ص وت واح د لمحاورة غير متساوية ،إنها محاكاة مقنعة بقناع رقيق من السرد. يمكن تعريف السرد بضمير المخاطب بأنه أي سرد يضع بطله في صورة ضمير المخاطب .ويكون ه ذا البط ل ع ادة ه و الش خص الوحي د ال ذي ن رى الع الم م ن بؤرته ،كم ا أن ه هو أي ًض ا الم روي علي ه ف ي العم ل. وتفح َكى القصة غالبا في الزمن المضارع ،وبعض الشكال تتضمن كذلك استخداماً متكر اًر للزمن الشرطي والزمن المستقبل. وأكثر أشكال السرد بضمير المخاطب شيو ًعا ،وهو »الشكل النموذجي« ،ففيه تفح َك ى القصة ع ادة في الزمن المضارع ،وحول بطل واحد هو الذي يشار إليه بضمير المخاطب ،وتشير »النت« إلى ال اروي والمروي عليه أي ًضا. لحظتها يصبح لدينا نمطا مختلفا من السرد ،ينطوي على غموض في هوية »النت« ووضعيتها؛ فهو م ن الوجه ة المعرفي ة ،ض مير أش د التبا ًس ا م ن »الن ا« أو»اله و« التقلي ديين؛ ال»أن ت« وف ي قص ص ض مير المخاطب النموذجي يتمايز البطل/المروي عليه تماماً عن القارئ الفعلي أو الضمني ،ومع ذلك فإن إحدى سمات ع دم الس تق ارر ف ي تل ك الص يغة الس ردية ،أن ه ذا التم ايز يمك ن مح وه إذا أمك ن »للن ت« أن تش ير أيض اً إل ى القارئ .فى الواقع إن ضمير المخاطب هو عادة شكل م اروغ ،ومنتهك ،ومضيء ،إنه دائم الوعي بمك انته ،وغالباً م ا يخف ي نفس ه ،لعًب ا عل ى ح دود الص وات الس ردية الخ رى ،ويمك ن رؤي ة ه ذا بوض وح إذا تأملن ا التلع ب بالضمائر في نصوص ضمير المخاطب الشبه بقصص ضمير المتكلم. 165 إن اختي ار ش كل »الن ت« يغفي ر بص ورة ح ادة م ن نغم ة العم ل ،ويمن ح ال اروي وض عية للكلم متمي زة، وض عية تن زع اللف ة ع ن فع ل الس رد بش كل مس تمر؛ إذ يمك ن أن يتول د ع ن اس تخدامها نوع ا م ن التم اهي م ع »النت« التي نقاومها ،والتى رغم ذلك قد نتعاطف معها تماما . لكن ضمير المخاطب \"أنت\" فى رواية \"موال الصبا فى المشيب\"\" .هو ضمير مربك بح ق ،فعل ى مدار العمل سيتشكك القارىء من المقصود بذلك الضمير .هل هو تلك الذات المتمردة التى تتلبس البطل أم هى فعل 165السابق
124 ذات أخرى ،شخصية من لحم ودم ،عايشت ذلك البطل وأثرت على سلوكياته وقلقلت ثوابته .إن توظيف ضمير »النت« يأتي بعنصر عدم الستق ارر ،عنصر غياب الوضوح .ويتعمق هذا العنصر عبر الشارة إلى استم ارر وجود صوت آخر» ،الصوت الصغير في الداخل« ،ذلك الذي يفتت ذاتية البطل. وأحيانا ما يصبح \"أنت\" هو الضمير الذى يمثل انقسا ًما بين الذات والروح ،وحواًار بين »الهو« و»النا العلى« ،وفى النصف الثانى من \"الموال\" سيستخدم صوت شخصية أخرى لتستجوب نفسها .إن طبيعة السرد بضمير المخاطب هى دائما طبيعة م اروغة فهو يقدم كل هذه الفرضيات المعقولة ،بينما يؤكد أنه ل يمكن تحديد أية فرضية منها .وما دامت الروايات مستمرة ،ستظهر إمكانيات أكثر للتفسير ،فليس هناك تفسير واحد لى عمل ابداعى ،الفن نفسه ذو طبيعة م اروغة. الضمير المخاطب الثانى إذن هو أحد الضمائر الشكالية التى استخدمها الكاتب ،ففى الفصل الثانى ح ديث ع ن ذل ك المغن ى ع ازف الرباب ة .ونك اد نعتق د أن الموض وع يتعل ق بص ديق .يع رف أس ارر النس اء ول ه علقات بنساء أو بمثليين .ذو فحولة جنسية ،متشرد ،أفاق ،ويعرف سيرة أبى زيد وصديق مخلص للسارد .بل نظن أن الكاتب لم يذكر اسمه حتى ليهتك ستره .فقد ارتكب الكثير من الج ارئم الجنسية فى معظمها ،وليظن الق ارىء للوهل ة الول ى أن س لوكيات كه ذه ستص در ع ن البط ل ال ذى نش أ ف ى كن ف أس رة محافظ ة وتقالي د ريفي ة ارسخة ،الستمناء ،العتداء على جارة ،أو ممارسة الرذيلة مع رجل..ال خ ،كما أنه بكل تأكيد يعرف أكثر مما تسمح به ظروف البطل ،فهو يكاد يتسلل ليلً لحج ارت النوم ..لكن صب اًر ..ربما كان ذلك نوع من الخجل يمنع الكاتب من العت ارف أنه هو نفسه ذلك الخر .لكننا لو أعدنا الق ارءة لمكننا بسهولة تفسير ذلك ،فالشاب ذو الخيال القوى الحكاء المطبوع والممثل الذى سيلعب بعد ذلك أدوا اًر على خشبة المسرح الرسمية ،بل مارس التمثيل منذ نعومة أظفاره ،كان يلعب أمام الولد من سنه دور تلك الشخصية التى تمنى أن يكونها ،فصدقوا وصدق هو بدوره أن ذلك الخر موجود. \"كنت أنا أيام الطفولة والصبا ف ارشة تجوب الحقول... كنت أنت فأ ار بريا يتسلل عبر السطوح إلى الحواش...وأركان حموم النساء السرية. ف ى ع ز الظه ر وبع د الخ روج م ن الم اء البح ر الص غير إل ى ظ ل صفص اف المغ ذى تجم ع الجس اد العارية حولك وأنت تمارس بالطين الناعم اللزج العادة السرية جها ار نها ار . هيه ات وه م ليملك ون مث ل ه ذا الف رع ال داكن ال ذى ليتناس ب ل ونه م ع بي اض بش رتك وك أنه عض و مضاف لجسدك النحيل منتزع من جثة رجل لها صورة أخرى\". فى المقطع السابق يمكن للضمير أنت أن يحيل إلى النا ،ولكن فى المقطع التالى ليمكن للقارىء الحسم من هو المقصود بذلك الضمير ،خاصة أن الكاتب لن يخبرنا على مدار العمل ،بأية تفاصيل إض افية ع ن ابنة الجار أو الفتوة أو أم بهلول
125 وعن زوجة ابن جاركم الصبية ال تى تحتض نك لهث ة فيم ا بي ن البرمي ل والزي ر ف ى رك ن متحص نة م ن اللوم بحنان أمومى ليخف ى زيف ه القمي ص الش فاف المبل ول لتع وض بح اررت ك ب رودة لي ال طويل ة م ن الحرم ان الشرعى . ع ن ذل ك الس طى الفت وة ذو الش ارب والص وت الع الى ال ذى يتحك م ف ى مي دان المحط ة ...وه و ملق ى تحتك فوق كوم التبن القذرة يتأوه ككلبة لئدة. عن زكية ذات الجسم الضخم الذى يبلغ حجم فردة ثديها حجم طفل ص غير س مين وال تى تأخ ذ زوجه ا النحيل كالسحلية بين فخذيها الهائلين لينزل ق ف وق بطنه ا القب ة متق اف از ف ى ه وس ف وق تضاريس ها ك البرغوث اللسع لكنه قادر دائما أن يشكمها فتصدر آهاتها المسرسعة الملتوية التى يضحكنا م ن القل ب تقلي دك له ا وأم بهلول التى تبوح بأغنية خاصة لكل رجل يركبها فهى ترتل كالشيخة آمنة عندما تكون فى حضن زوجها الكهل وتلعل ع مث ل بن ت دعب س ف ى الف ارح وه ى تئ ن تح ت وط أة عنف وان ال واد بكي ر العربج ى ص ديق ابنه ا وتنف خ محمومة مثل ناقة الصحصاح فى أنفاس طويلة ملتذة مع الرجل الساهى جارها المدرس. كل حكايات النساء عندك ملونة ملحنة حية تجعلنا نعيش الحالة\". كيف يمكن إذن أن انفضك عن كاهلى ياصديقى وان أنزع أقنعتك عن وجهى. هو إذن – أو تلك الذات -من شكل ملمح كينونة البطل. لكن هناك ماقد يثير الشك فى أن هذا الضمير ليتعلق بالكاتب ،بل قد يسهو الكاتب أحياناً فل يفتح ثغرة للشك فى وجود تلك الذات البوهيمية المتمردة فحين نق أر السطور التالية كنا نخطفها عزيزة بنت عباس لنقبلها شركة فى مخزن الدريس تعطى نهدا لك ل من ا ،فنرض ع كأطف ال الني ل ث م أنش غل أن ا بالغن اء بينم ا تس تحوذ أن ت عل ى أرض المعرك ة ... ،فأغ ار من ك ويغيظن ى تمادي ك ح تى الغضب ونظل نتضارب تحت المطر الوحشى الشتوى. لب د أن يعتق د الق ارىء بوجود حقيق ى غي ر ازئف لتل ك الشخصية التى تتجس د كيان ا من لحم ودم ،كم ا يشير النص ،ربما يذكرنا ذلك برواية نادى القتال \" للكاتب المريكي تشاك بولنيك التى تحولت إلى فيلم بنفس السم166 . \" أنت أغويتنى وعلمتنى أن أطرق الحديد وهو ساخن ..فما بالك ونرجس كانت مشتعلة\" \" لم اكن أنا الذى يتكلم كان صوتك وعبا ارتك أنت الذى تلبسنى وأعطانى هذه الج أرة والمكر\" 166تتناول تلك الرواي:ة أزم:ة المجتم:ع الغرب:ي ال:ذي يح:اول أن يبح:ث ع:ن معن:ى لوج:وده ع:ن طري:ق الحض:ارة ألس:تهلكية وأزمة المعنى والتغريب الذي يعيشهم أفراده ،وذلك من خلل شخصية الراوى )الذي لم يذكر اسمه ق:ط( ح:تى يقاب:ل ت:ايلر دوردن ،ث:ورى يريد تدمير الحضارة الستهلكية التي دمرت النسان.وم:ع نهاي:ة الرواي:ة نكتش:ف أيض:ا ان ه:ذا الث:وري ه:و نفس:ه ال:راوي أو أن الث:وري الذي يريد تدمير الحضارة الستهلكية موجود داخل عقل الراوي أو هو شخصيته الخرى.
126 ه ذه ال ذات الخ رى ه ى أه م بك ثير م ن تل ك الن ا ال تى ق د تب الغ ف ى أهميته ا .تل ك ال ذات ه ى فعلي ا ماشكلت النا ،و ليست النا إل صورة من تلك الذات بعد أن أخضعها وروضها مجتمع حافل بالتابوهات .أليست هى التى قررت الرحلة وكانت دائما رفيق دربه ،فلبد لتلك الذات -مرجع الختلف -أن تكون صاحبة فضل على النا. أعتق د أن ك تأك دت الل ن أن ال ذى ي دفعنى ويغرين ى م رة أخ رى بمع اودة الكتاب ة عن ك ه و أن ك بك ل المقاييس أعز ماابتلتنى به الدنيا من أصدقاء فى الطفولة والمدرسة بين الناس فى الحزب والسجن والغربة\" ولنتأمل هذا الحوار الذى يجعل الكتابة احدى تجليات تلك الذات ،فلبد من ذكرها والرضوخ لمطالبها، وفى نفس الوقت لبد لها من العت ارض ،أو أن تطل ب أرسها بين فينة أخرى لتصحح مسار الحكاية أو للتعليق على الحداث أو فضح أكاذيب النا والتذكير بالمسكوت عنه. \" ل ي احبيبى ..إن ك تقص د )أن ا( بالكتاب ة عن ى تعن ى عن ك تس تطيع أن تتح رر لتتجم ل ،وأن ت تك ذب فتحك ى ،تخ ترع وق ائع ل م تح دث أو تغي ر ف ى ترتي ب الوق ائع كم ا تش اء ،أو تب الغ ف ى قيم ة بعض ها وتختل ق شخصيات تنسب إليها نقائصك ومعايبك ،مما يجعلك تضفى عل ى نفس ك ملم ح رومانس ية م ب أرة م ن ك ل خط أ وتظهر بريئا لم تقترف أى جريمة فى حق الل خرين أو فى حق نفسك\" وبالتأكيد أن غياب تلك الذات أو تأخرها فى الظهور أو الوجود سوف تسلم النا إلى لشىء ،فبدونها لن يكتب حرفاً جديداً. \" لق د ك ان ف ى ني تى الن وق د ش جعنى ذك رك عل ى مع اودة الكتاب ة بع د انقط اع دام أك ثر م ن ع ام ، عجزت فيه عن إضافة سطر واحد إلى ماكتبته من قب ل عج از ويأس ا وقرف ا برغ م ص دور الرواي ة الول ى )وله م يحزنون(\" وأحيانا يلجأ الكاتب لستخدام امكانات الطباعة وخاصة الحروف المائلة ،عندما تتحدث الذات الخرى للتمييز بين الصوتين \" أن ت تمض ى ف ى تفاص يل م ايجرى عن دما يك ون م ا ح دث ل ه ص لة مباش رة بالص ورة ال تى ترس مها لنفسك ولن تسمح ذكر أى شىء يخدش حياءك من تلك الصورة\" \"لب د أن ه ذا ل ه أس باب تخش ى أن ت ذكرها فتثب ت جهل ك بم ا يج ري ف ي ال دنيا أو يثب ت وع دم إد ارك ك للعلقة بين تأثي ارت ما جرى للعالم عبر نصف قرن أو يزيد وبين تناقضات ذاتك !– أو خشية أن تظهر ق د ارتك المتواضعة على الحكي وأصول السرد الروائي فتكتفى أن تعل ق عج زك أن تك ون روائًي ا مش هوًار عل ى الحص ار المزعوم حولك والحرب المشرعة ضدك ولتعترف بقلة وتواضع موهبتك !– ويستمر الحوار مع الذات ،ففى خريف العمر تصبح تلك الذات قريناً ملزماً تشغل النا عن واقعها: \" حيرتنى علقتى بك فى تلك السنوات ياصديقى لدرجة اننى أشعر الن ف ى ع ام 2010أن ك الس بب فى عجز ذاكرتى عن اللمام بتفاصيل حياتى خللها\"..
127 وهناك اتهام من الذات لسمير أو لنا الكتابة بالكذب الصريح ،فتلك النا لم تكن مثالية أو عذ ارء كما تدعى ،كما انها ل تملك شجاعة تحمل مسئولية أفعالها. \" ..فهل س تغامر وتفعله ا وتحملن ي عبء س لوكك ف ي ش قة )فتح ي( ف ي )العج وزة( ..أو ف ي ش قة )الحدائق( ..حيث غرقت ف ي حم أه العلق ة الص ريحة م ع النص ف الس فل للن ثى دون اردع أو خج ل .وك ان م ن الض روري لف ن الكتاب ة أن تحملن ي مس ئولية تحريض ك عل ى ذل ك ،كم ا أدعي ت حي ن س بق وحكي ت ع ن )سيدة القطار( أو عن ج أرتك مع )نرجس( وغيرها فيما سبق من فص ول الرواي ة .وعص ور حيات ك الماض ية . ومن أد ارك اننى كنت سأتنصل منك ومن أفعالك رغ م اختف ائي القه ري القل ق ،ول أتق دم بك ل وض وح وش جاعة لتبرير ضعفك لقضاتك أو لتحمل المسئولية عنك \". ي رد أن ا الن ص ف ى محاول ة للتوفي ق بي ن الك ا والب ا أن ي ذكرها وي ذكر نفس ه أنهم ا ش ىء واح د ليس تطيع أحدهما النفصال عن الخر: \" عن أية مسئولية تتحدث ياصديق العمر ،وانت الذى تخليت عن اه م وانب ل مس ئولية ألقاه ا التاري خ على عاتقك وع اتقى وع اتق أص دقائنا المش تركين مس ئوليتنا ع ن مس تقبل ال وطن والطبق ة العامل ة والفلحي ن ، عن دورنا التاريخى فى الص ارع الطبقى ،عن مسئوليتنا الحتمية ف ى قي ادة الجم اهير وزي ادة وعيه ا والتض حية قبلها من أجل المستقبل الذى حلمنا به لها\" وتل ك ال ذات الثوري ة لت رى ف ى اعت ارف ات الن ا مهم ا ب دت ش جاعة س وى ن وع م ن الغ رور والتع الى .إن الع ت ارف غي ر حقيق ى ،إن ه بق وله أن ه ه و المقص ر ف ى ح ق نفس ه ورفض ه أن يص نف مض طهداً ل م يك ن م ديحاً للتم رد ،لن ه لم يق د الن ا نحو تغي ر ف ى المواق ف وأول عتب ات التغيي ر هى الفهم ومشكلة الن ا ف ى الثلثي ة عدم قدرتها على فهم نفسها \" ذلك ولكني مضطر أن أذكرك بقولك رًدا عل ى بع ض م ن س ألوك م ن الص حفيين أو مق دمي الب ارم ج التليفزيونية – عن السر و ارء حصارك وتجاهلك كشاعر وكاتب أطف ال ومس رحي !! )وه ل تش عر أن هن اك م ن يضطهدك - (–.فأخذتك العزة بنفسك وصرخت فيه م – م ن ال ذي يس تطيع أن يض طهدني – أن ا أض طهد بل د ! -وأضفت مفاخًرا أن أكثر من حارب وحاصر واض طهد اب ن عب د الب اقي ه و اب ن عب د الب اقي نفس ه ! ي اللهول والحق أقول أنن ي يومه ا أك برت في ك ه ذا .فق د ب دا ل ي اعت ارف ا قريًب ا م ن الحقيق ة ..ظنن ت أن ه س يقودك إل ى تصور أقرب للواقع وللحقيقة وللصدق عن نفسك ولكني اكتشفت أن به شوائب من التمادي ومن الغرور !\" الحقيقة كما تواجه بها الذات تلك النا المرتبكة هو اعت ارفه أن تلك النا لم تستطع التعامل مع الواقع الصديق أو العدو .إن هزيمة اليسار المصرى لم يكن سببها فقط تدجينه وترويضه على يد السلطة ،ولكن فى فشل قوى اليسار نفسها فى التوحد ونبذ الخلفات الصغيرة ،والنا ليست سوى تجسيد لليسار المصرى الذى ربما أسرف فى نقد الذات ونقد الخر ولم يحاول وكسر نطاق العزلة المضروب بينه وبين الجماهير: \" انفلت لس انك الج ارح ال ذي ل يبص ر عيب ة ف ي س لوك قري ب أو بعي د .ع دو أو ص ديق -إل وفضحها -عيني عينك ووج ًها لوجه حتى صرت م ا أن ت علي ه .ح تى عن د أك ثر مري ديك وأص دقائك ..قنف ًذا
128 برًيا شر ًسا ل يكمن لمن يألفه أن يداعبه تقرًبا إليه أو يربت عليه تشجعًيا ل ه دون أن يتحم ل وخ ز أش واكه .. وربما أنيابه أيضا !! \" إن دفاع النا عن نفسها تجاه تلك الروح الثورية هو دفاع انسانى فى المقام الول ،لقد كانت العواصف أق وى م ن احتم اله/احتمالهم ،لق د وقف وا مث ل البط ل الت ارجي دى وح دهم ف ى مواجه ة الط اغوت ،نواذا ك ان البط ل الت ارجيدى يظل محروماً من أى عون ميتافيزيقى ،ممزق مابين العاطفة والواجب ،فقد انكشفت ظهور اليساريين بس قوط التح اد الس وفيتى وت وحش المبريالي ة ممثل ة ف ى أمريك ا ،لك ن ترف ض الن ا دف ع الف اتورة وح دها ،رغ م ك ل اعت ارفاته ا الس ابقة .إن ق ارر حل الحزب الشيوعى المص رى ك ان ق ار اًر متعجلً ،فعن دما ح انت اللحظ ة ،وان دفعت تلك الكتلة الحرجة فى المكان والزمان المناسبين ،وخرج المارد الذى انتظروه طويل من قمقمه ،لم تكن تلك الروح الثورية موجودة ،وتلك الروح يمكننا الن أن نفهم كيف أنها لم تكن تتلبس أو تسكن سمير عبد الباقى وحده ،بل كانت تتلبس كل الرفاق: \" تماديت في تأنيبك لنني واصلت عمري واجت ارر ذكرياتي إلى ذلك التاريخ المش ئوم ال ذي أغ ارك في ه أصدقاؤك الشت اركيون )!!( وحاصروك مع الظروف لكي تنهي وجودك .ظًنا منهم أو وه ًما منك أنكم مع ا ب ذلك ستبنون مصر وس تخرجون به ا م ن ه وة الس تبداد والتخل ف فض عتم م ًع ا وض يعتمونا ..وب ددتم طاق ات ال وطن لخمسين عا ًما ..وانفجرت أمامي مأساتك ومأساة الوطن بشكل فاضح واضح ..عن دما نض ج الص ارع الطبق ي ال ذي تج اهلوه ..وتن امى ال وعي الع ام بفع ل ق وة ال دفع ال ذاتي لظ روف الع الم وت وحش ال أرس مالية ..وخض وع الوطن الذي قاوم الس تعمار ط ويل وتص دى لملءات المبريالي ة الجدي دة ال تي أس قطت التجرب ة الس وفيتية .. وتع رض ش عبنا لبش ع ص ور القه ر والفق ر والذلل ..فك انت ث ورة ) (25ين اير ال تي ط الت أكفه ا الس ماء وأسقطت الطاغية ولكنها عجزت ع ن قط ف ثم ار انتص ارها لن الجم اهير تلفت ت تبح ث عن ك ل م تج دك .لن ك رضيت أن تنتحر ذات يوم ..متخليا عن مسئوليتك التاريخية يا صديقي \". وسوف تندفع النا فى الحديث عن أهم سبب جعل الحياة ممكنة ،رغم غياب كل معنى بتصدع التيار اليسارى كله ،وتحاول أن تجد معن ى فى ذلك الطوفان من اللمعن ى .ك ان الموضوع يتعل ق بقصة حب منحت البطل القدرة على الستم ارر بعد خروجه من السجن ،ولكن سيلفت انتباهنا بعد ذلك استخدام ضمير الغائب لول مرة فى النص هذا الضمير هو ضمير الم ابين ،ضمير وسطى ،حاول الكاتب باستخدامه التعبير عن محاولة مستحيلة للتوفيق بي ن النا والذات ،بين روح تحاول التوافق مع قانون مجتمعه ا والتحولت الجدي دة وبين الذات الثورية .إن قصة ح ب البطل ستجمع بي ن النقيض ين فالذات الثوري ة كانت كفيلة لو استمرت ف ى إلحاحه ا عل ى تحدى المجتمع بكل تابوهاته والنا التى تحاول التوافق ستخسر مهما قدمت من تنازلت. \"الحديث يجرنى إلى المزيد من الحسرة عل ى غياب ك ف دعنى أق ص علي ك م امنعى يومه ا م ن النتح ار للحق بك\" وهناك فى \"موال الصبا فى المشيب\" بجانب الضمير الول ،استخدام للضمير الثالث ،فقصة حبه مع جوزفين جاءت كلها ،ولول مرة فى العمل بضمير الغائب .وكأنه ذات اضافية تقف فى المابين ،ذات ولدت من قص ة الح ب نفس ها ،ل م يك ن ه و نفس ه عن دما أحبه ا ،ول م يك ن يط ارده ذات أخ رى .ك ان حضور جوزفين يش كل بداخله ذاتاً أخرى ،ولن الحكى تم بصيغة الماضى ،فلبد من الحديث عن ضمير غائب ،لوجود له الن فى
129 لحظ ة الحك ى .ه ذا الض مير ظه ر واختف ى م ع ج وزفين .لن رى كي ف يص ف ج وزفين ف ى لق ائه الول به ا ف ى الل توبيس ،وهو متوجه نحو كلية الز ارعة: \" خطف قلبه النمش الخفيف على الوجه النظيف النضر ،ذكره بنمش ريفى سحره فى صباه\"... لق د أخبره ا أن ه ك ان ف ى بعث ة وفهم ت أن ه يقص د الس جن فض حكت ف ى ب ارءة ارئع ة رغ م العي ون المتلصصة) (...لكنها لم تهتم بل أكملت ضحكتها بطبقة أقل ارتفاعاًاً وهى تقترب من ه ب أرس ها الجمي ل فانس دل ش عرها ولم س جبهت ه ،س حرته ارئحته ا وأس كرته ،وال بريق ال ذى لم ع ف ى عينيه ا دوخ ه وه و يتابعه ا بحب تى عينه\". ون رى مم ا س بق كي ف تلع ب س مير عب د الب اقى ف ي الحك ي ،متنقلً م ن ض مير المتكل م إل ى ض مير المخ اطب أو الغ ائب أو ب العكس بحري ة مطلق ة .إن هيمن ة الس ارد ،س واء أك ان متكلجم ا أم غائب اً ،بوص فه اروي اًاً أحادياًاً يتحجدث باسمه وينوب عن الخر ،يحرم الجنص من تعجدد الصوات ،ويجعل من الرواية مجرد عزف منفرد .لكن التعجدد في صيغ ال اروي الذي ت ارفق مع تعجدد صيغ السرد أنقذ سيرة عبد الباقى من الرتابة والملل ،فقد لجأ بجانب تعدد ضمائر السرد :المتكلجم أو الغائب أو المخاطب إلى تعدد الصوات لتتحدث شخوصه داخل النص بما يتناسب مع كينونتها النفسية والجتماعية والثقافية ،فلم يكتف بالعرض والنقل والخبار والوصف ،ليحرر سرده من الهيمنة الحادية للضمير الول ،تلك النا الستثنائية التى طالما خبرناها فى العمال السيرية ،ويثريه ب التنجوع حتى يقارب الحقيقة النسبية من مواقع مختلفة ،ويترك ظللً مقصودة ومتعمدة للشك واللتباس والتأويل بما يسمح بتعجدد الق ارءات والرؤى والمواقف من أبطال الرواية /السيرة ومن بطلها ,كل ذلك فى محاولة لكسر نمطية السرد، وخلق ص ارعات د ارمية شيقة تتفاوت فى امتدادها على الشريط السردى ،والحق أنه نجح إلى حد بعيد فى تحريك وقلقلة يقين المتلقى ،واستد ارجه من عتبة السترخاء إلى عتبة الفاعلية الذهنية والتخييلية.
130 اللغة إ َن الفص احة ل تتوقَف عل ى ك ،ون ه ذه الكلم ة مألوف ًة مس تعمل ًة ،وتل ك غريب ة وحش َية ،أو أ ،ن تك ون حروف هذه أخ َف ،ولكن تعتبر فص احتها ب النظر إل ى مكانه ا ف ي النظ م ،وم ن طمل اءم ة معناه ا لمعن ى جا ارته ا، وفضل طمؤاانستها لخواتها. عبد القادر الجرجانى اللغة كعنصر سردي كل نص سردي هو نص لغوي في الساس ،ونحن ل نرى الحياة إل من خلل المسرود الذي تبدعه اللغة ،وعلى مدار النصوص الثلثة محور الد ارسة لم يكن الوصف مجانيا بل جاء للتأكيد على عنصري الزمان والمكان ،وأسهمت لغة الكاتب فى سبر أغوار الملمح الداخلية للشخصية .تعمل اللغة داخل النص بوصفها كائن اً حياً شديد المرونة والقدرة علي التكيف عبر مسارها الد ارمي الحكائي .من المعروف أن استخدامات اللغة تعتمد على الطريقة التي ينظر فيها الكاتب للحياة .هل هى لغة واقعية صرفة لنقل الواقع كما هو ،أم أن الكاتب قد استخدمها لعتبا ارت فنية وجمالية. إن شاعرية نص سمير عبد الباقى تأتى من كونه ينظر للعالم من خلل رؤية شعرية حيث أن الل شياء ليست مجرد أشياء ،بل تتجاوز ذلك لتصبح لغة ما و ارئية تكثف المشهد وتركز القيمة الروائية ،ومن ثم تصبح هذه القيمة هي ذاتها عنص اًر يدفع بالحركة الد ارمية للمام . فى زمن الزنازين :جاء الحوار بلغة جمعت بين الشاعرية وخفة دم العامية المصرية ،ولن ناقل الكفر ليس بكافر ،ولن المكان يصنع لغته ،كان طبيعيا استخدام مفردات بذيئة وفاحشة ،جاءت على لسان اللصوص والسجانة ونقلها الكاتب بحديث مباشر مثل )ني ...الحكومة وماتوريهاش (...إل أنه عندما لجأ فى سرده للسلوب غير المباشر الحر ،دخلت كلمات بذيئة لكنها غير فاحشة ،واضطر الكاتب أحيانا لستخدام العامية فى السرد مثل كلمة \"النبطشية والظباط\" وغيرها مثل مصطلحات السجن . ومع إ جن السيرة تنقل الواقع المأساوى الطافح بالدم والقروح البدنية والنفسية ،فإ جن لغة الشعر الوصفية كانت البلسم ال فمرطب لفجاجة واقع الضباط القبيح .وربما كان استخدامه للتعبي ارت واللفاظ التى نحتها شعبنا المصرى ،أحد تجليات هذا البلسم .فمثل قال أحد المعتقلين على الطعام القادم من أسرة زميل )ياعم ه جم ش ايلين وطابخين عشان ترم جتتك( التعبير المصرى هنا يعنى الطعام الجيد الصحى بينما )رجمم( فى العربى تعنى ترميم الجدار .ويقول آخر)إنتم بتغرقونى فى خيركم( فالغرق فى العربى يعنى الموت فى البحر بينما فى المصرى أخذ معنى مختلفًا .واستخدم تعبير) نوز على بعض( ولكى يفهمه العربى لبد من ترجمته بمعنى الخبص أوالتقول إل خ واستخدم تعبير)بلش تناكه( أى لتتعاظم ويأخذك الغرور بالعربى .أما اللفاظ فهى بالعش ارت مثل )برطم( أى الكلم غير المفهوم )لمض( أى القدرة على الجدل فى الح وار)جرمأ( أى العدد الكثير)ج اب له الكافيه( أصابه بمصيبة .عصلج ،زرجن) ،بجوق فيه( أى النسان البجح ...إلخ167 . 167
131 وتتبنى \" ولهم يحزنون\" نفس اللغة الفاحشة ،أنها تتحدث عن طبقات فقيرة معدمة ،لحظ لها من تعليم أو ثقافة ويسيطر عليها شعور جارف بالظلم والضطهاد .تصبح اللغة الفاحشة ل مجرد تعبير عن موقف آنى بل نوع من التنفيس عما تمور بها الشخصية من غضب .إنها شخصيات غاضبة باستم ارر واللغة إحدى أدوات الشخصيات فى التمرد .حيث تتبنى تفيدة المتعة نفس لغة \"فرج ال\" حبة نسوان لبو لقيوا جنازة يشبعوا فيها لطم على روحهم بيطفوا سهرجة قلوبهم من قلة الرجالة\" والوصف الذى يقدم به الشخصيات يظل وفيا للغة المكان والبيئة 168ونظرة الشخوص للحدث ،فعندما يصف الكاتب تفيدة يصفها مستعي ار نظرة حمدى الشبقية \"رفعت نصفها العارى مستندة على كوعها المرمر\" . وليس تطيع الك اتب وق د اخت ار الري ف المص رى ف ى الس تينيات مس رحاً لح داثه أن يتجاه ل ت ارث اً ش فوياً يتجل ى ف ى المث ال والحكاي ات والغ انى الش عبية ال تى تلخ ص إم ا حكم ة ه ذا الش عب أو تس جيل ص ارع تقلي دى يحدث دائما فى الريف بين الحماة وكنتها ،فالغنية هى نوع من التمرد بالفن ضد السلطة المومية التى تمارسها الم أرة الريفية ،ورغم توزع نفسية عبد الباقى الب/الزوج بين الخضوع لمه أو المتثال ل اردة الزوجة ،تبدو الزوجة دائماً هى المنتصرة ويلخص ذلك تلك الغنية التى أوردها: أنا المقعدين وأمك وسط الدار ادبح لى الخروفين وأنا اقيد النار أنا خروف محمر وانت خروف محمر وأمك الرجلين ،والصلة ع المختار وفى حديث فلحات عن الشيوعيين ،تتبدى لغة أخرى .إنها لغة مستعارة تلح عليها وسائل العلم لتوجيه هؤلء الفق ارء محدودى الثقافة ،فأحيانا لينطق البطال بما يعرفونه ،ولكن بما سكبه العلم فى آذانهم ،فالخت نوال وه ى ف ى طريقه ا للس جن تص دمها لغ ة الفلح ات \" غمزت واحدة فى خب ث غي ر مبالي ة وه ى تمص مص ش فتيها وتلوى بوزها الممطوط وتقول - :اريحه له ياعينها الباكسة هى الناس دى ما بتختشيش\" وحين يعاتبها البعض ترد الم أرة قائلة: -هو أنا اللى بقول ال ارديو والحكومة ياختى هو اللى بيقول إن الشعوعيين دول بيعشقوا بعض\". وعندما يتصدى شاعر لكتابة رواية فأول مايثير انتباهنا هو مستويات اللغة .فالسلوب هو الرجل كما يقول بوفون ،ويعتمد الكاتب هنا على لغة تكاد تكون فى معظمها لغة صحفية أى الفصحى الدانية التى تتجنب المعاظلة فى القول وتتبنى الجمل القصيرة السهلة ،لكنها شأن لغة الصحافة تحوى بين دفتيها مفردات عامية سواء ظهرت مقوسة أو دون أقواس .الجملة تقترب فى بنيتها من الشفاهية حيث تبدأ كثي اًر بالفاعل ل بالفعل ،والصل أن اللغة العربية لتصبر على الفعل لكن سمير عبد الباقى يؤخره متعمداً ،وأحيانا نجد أخطاء نحوية ليقع فيها الكاتب غافلً لكنها تأتى نتيجة السياق الشفاهى الذى يميل لتسكين الكلمة ل لصرفها. 168سبق ووضحنا فى الفصل الثانى كيف فرض المكان لغته الخاصة على السرد
132 اللغة أيضا هى بنت المكان الذى تدور عليه الل حداث حيث تستخدم مفردات ذات خصوصية البيئة الز ارعية فى الدلتا ،وأحيانا يتبنى النص لغة قد لنصادفها سوى فى بعض القرى بعينها مثل كلمة \"مسرف\" أو \"خالت\" هذا غير اللغة شديدة المحلية للشياء مثل \"الكنيف\". واللغ ة يمك ن أيض ا أن تتوس ل بالس لوب الح ر غي ر المباش ر ال ذى ابت دعه جوس تاف فل وبير ف ى ارئعت ه مدام بوفارى وهو اي ارد الكلمات التى تستخدمها الشخصية حين الحديث عنها دون تقويس ودون أفعال القول مث ل\" لم يكن أبى يدخل البيت لواي ده فاض يه عل ى الطلق\" فه ذه الكلم ة تحيلن ا \" اي ده فاض ية\" إم ا للب نفس ه أو للغ ة أهل البيت فى الحديث عن الب ،لكن ذلك ليمنع الكاتب من استخدام مسهب للتقويس ،لدرجة أنه أثقل النص وازدحم الفضاء الطباعى بالقواس بصورة خانقة .وخير دليل على ذلك هو فصل \"قل أعوذ\" . سوف نرى كيف استعار لغة نرجس نفسها لوصف مأساتها ،والغريب إص ارر سمير عبد الباقى على التقويس فى حين أن الجملة السابقة أو التالية للتقويس هى استخدام السلوب الحر غير المباشر ،مأساة نرجس أنها: كانت زوجة فلح قصير نحيل من أولئك الذين حك م عليه م أن يلتص قوا ب الطين من ذ ولدته م ..ح تى يغوصون فيه مرة أخيرة إلى البد بعد وفاتهم دون أن يلحظهم أحد .. أخوه الكبر تعل م ص نعة )الترزي ة( وفت ح ال علي ه ب دكان ف تزوج ف ي المن درة المطل ة عل ى الش ارع .. وك ان ار،ب ع الق وام أبي ض البش رة حلي وة ..طوي ل القام ة نظي ف الملب س عل ى ال دوام ..عل ى عك س أخي ه زوج )نرجس( الكقلَه الذي )يبيت الخنفس في شقوق كعبه !( . زَوجوه ا من ه رحم ة به ا وس تًار ليطتمه ا ..إذ ك انت له ا عي ن مص ابة ،فك انت رغ م جماله ا وامتلء جسمها الف ائر )معيوب ة( ويتيم ة .وأقص ى م ا تحل م ب ه حج رة تلمه ا ،وزوج تجل س ف ي ض ل ح ائطه ..ك انت ارض ية بنص يبها م ن ال دنيا ،لكنه ا ل م تك ن ارض ية ع ن نص يب زوجه ا ..بع د أن أف اقت م ن ص دمة الفرح ة بزواجه ا وعرف ت ح دودها الض يقة ج ًدا ..ب دأت ف ي الت برم ..ت دفع زوجه ا للمطالب ة بحق ه ف ي أن يس تحم وأن يستريح ..وأن يكون بن ي آدم ..ف أخوه ال ذي ل يش ركه ف ي عائ د ص نعته ال ارئج ة ..يش اركه ف ي رغي ف ال درة ال ذي يخ رج بجه ده م ن الرض ..وعلي ه إم ا )يبق ى في ه اع ،دل ،ي ا نش يل ده ع ن ده يرت اح ده م ن ده . (.. وخاصة أن ع اوج )مل وك( زوج ة ال ترزي ق د ازد ع ن ح ده ،فه ي من ذ زواجه ا ل تك ف ع ن مض ايقتها ،تري دها خادمة في البيت مثلما زوجها خادم في الغي ط ..ولك ن )ل ..دا بع دك ..دا ان ا قريب ة الم( و)م ا ح دش يكس ر عيني( ) ..والحلوة تحل ولو في الوحلة( ) ،مش أقل منها ي ا بن ت الن اس( ..قبق اب بقبق اب وض فيرة مغس ولة ومتس َرحة بض فيرة مغس ولة ومتس َرحة ..وه دوم لوان ك انت )باطس طة( و)ش يت المحل ة( لك ن ازهي ة ومزهزه ة ونضيفة ) ..العادل بادل( ،والقط َصة المس،بسبة تداري عيب العين المعيوبة زي النضارة ..و)لّم الجلة م ش علّ ة( ..آه .. مع ذلك نجد أن اللغة تأتى أحيانا أعلى من وعى نواد ارك الشخصية فى حيزها الزمكانى ،فعندما يتحدث سمير الطفل فى حوار أسرى أمام خاله وخالته ،نجده قد استخدم لغة فصيحة ،قد نقبلها لو كان الحكى بالض مير الثالث،لكن الداء اللغوى يفوق المستوى الل د اركى لطفل حين يحكى عن علقته بالبنت زهزهان:
133 \" تس للت إليه ا ك انت مكوم ة ف ى رك ن الح وش ال داخلى المظل م لدرج ة أنن ى ل م أت بين ض ياء جس دها المكشوف فى الظلم الذى شمل المك ان .فرك ت عين ى وأن ا أناديه ا..فارتعبت ..غط ت فخ ذيها المرم ر ولم ا ل م يفل ح الم زق ف ى س ترها لم ت قب ة قميص ها المش قوق بي ن كفيه ا وص رخت مي ن ..وكأنه ا تس أل )إن س ول جن–( طمنتها أنه أنا ..فانفجرت فى البكاء ..بينما جسمها ينتفض من اللم والخزى .مددت يدى خائفا مبه و ارً أربت عليها وأنا أقول )ماتزعليش حقك على انا ما قدرتش أحوشه( ك انت دموعه ا تس يل عل ى خ ديها ال ورديين فى صمت وهى تنظر لى ف ى دهش ة .ربن ا ق ال ل ى أن أتق دم منه ا وأحض نها ،ث م أش رب دموعه ا كطف ل يرض ع حلي ب الم لول م رة ،ووج دتنى أفعله ا وأعت ذر له ا وأن ا أله ث ،ك أننى أن ا ال تى ض ربها ،غمرتن ى بنظ رة حن ان وعرفان حزينة ،ثم مالت ب أرسها على واستكانت فى حج رى وه ى تس تعيد أنفاس ها اللهث ة وته دأ كطفل ة ص غيرة ثم بدأت تهدئ حزنى وتواسينى \" طبعا كان بإمكان الكاتب تضمين ذلك الحوار فى سرده ،وساعتها سيكون مقبول أن النا الخرى \"أنا الشيخ\" هى التى تستعيد الحدث ،فيصبح الوصف مركباًاً تحليلياًاً ،وسنتجاوز عن وصف خدودها بالوردية باعتبار أنها صوره حسية لبص رية ،أى ت دخل فيها حاسة الشم فى وعى نواد ارك الطفل لنه سيصف ارئحة شعرها فى نف س الس ياق ب العنبر ،أو أن ملم س خ دها ك ان رهيف اًاً ك الورد ،لك ن س يلحظ الق ارىء أيض ا أن الق اموس اللغ وى المستخدم فى السرد أكثر ث ارء من قاموس طفل. هناك مقاطع أخرى تتجسد فيها لغة أخرى رهيفة وشاعرية بامتياز ،وقد سبق لنا الحديث عن لغة الوصف فى مشاهد عديدة ،وعادة ما يستخدمها الكاتب فى تعبيره عن لحظات الشجن والفقد ،وكذلك فى مشاهده العاطفية أو الحميمية .لغة تذكرنا بكلمات هايدجر التى بالغت فى الحتفاء بلغة الشعر حيث اعتبر أن \"اللغة نفسها هي تج ٍل للشعر\" بحيث يصير \"الشاعر في منزلة بين المنزلتين ؛ اللهة والشعب\" ،ويصير \"تلقي الشا ارت اللهي ة\" )لغة اللهة المفضلة( هي عمل الشعر وتأسيسه للوجود169. المس توى الث الث ه و لغ ة الخاص ة ،وه ى لغ ة ذات نزع ة جمالي ة ،يغل ب عليه ا الح س الش عرى ،فلنق أر مثلًلً كلمة ظهر الغلف فى \"موال الصبا فى المشيب\" حيث يحافظ الك اتب عل ى إيق اع مس جوع\" :تكتب باص ارر النف اس الخي رة– متح دياً الي ام الكس يرة ،متج اهل العق ول الهام دة الس يرة ،والم واهب الخام دة الفقي رة ،ال تى سلمت أرواحها للشاشات والصحف الجيرة\" أما اللغة الوسطى التى جاء فيها الخلط بين الفصحى والعامية فل نجد لها مبر ار ،حيث حرص الكاتب فى حوا ارته المباشرة على أن ينقل كشاهد أمين لغة الشخصيات بالعامية ،لهذا نندهش حين يورد الحوار فى لغة تتأرجح بين الفصحى والعامية دون مبرر ،مثال ذلك حواره مع أمه التى تقول عن حبيبته القبطية. -لن أشرب من إيدها كوباية ميه. إل أن لغة سمير عبد الباقى شديدة الخصوصية أحيانا كما فى وصفه للساقية ،قد تجعل من ترجمة نص ه مهم ة ش ديدة الص عوبة ،ربم ا أص عب م ن إقام ة س اقية جدي دة ،فق د اس تخدم مف ردات تقني ة ش ديدة المحلي ة، 169انظر رؤي ة في التنظير النقدي )النهج و التأصيل( محمود الزيات سلسلة \"كلمات\" الهيئة العامة لقصور الثقافة
134 وربما يجد القارىء نفسه قد كد عقله ومخيلته فى محاولة تمثل مايقوله الرجل ذهنياً فتمثل الصورة صعب مع كل هذه المفردات: \" فلي س س هل زحزح ة الت ابوت أو الطنبوش ة واحك ام تثبيته ا ف ى المح ور الحدي دى المثب ت ف ى ح ائط ال بئر إل بحسابات دقيقة تسمح له او لها بال دو ارن ف ى يس ر أرس يا .تل ى ذل ك عملي ة الح اق )الص غير ( به ا وه و ت رس خشب ضخم رغم اسمه ،يثبت أرسيا معها بدقة كى يدو ار معا او بالصح ي ديرها ه و بحركت ه ،ليخ رج الم اء م ن البئر ،إذ يكون التابوت الذى يغرق ثلثه السفل فى الماء قد جربت سهولة دو ارنه قبل تثبيتهما معا تماما\" وتستمر العملية شديدة التعقيد \"ثم تبدأ عملية تدكيك ضروس الكبير والذى يشبه الص غير ولكن ه يط رح أفقي ا ف ى ف ارغ مجه ز بدق ة م ع تث بيته فى الرض كى يدور .وتعمل ضروس ه عل ى تحري ك ض روس الص غير ال أرس ى م ع الت ابوت أو الطنبوش ة حس ب نوع البئر ومن محور هذا الكبير ترتفع الشعبة... نتوقف عند هذا الحد . ختاماً نقول إن اللغة التى تطارد عبد الباقى هى لغة شاعر ،وتحديداً -رغما عنه -لغة عامية تفرض نفسها بأداء عال لتمتزج مع الفصحى ،دون أن تعاديها أو ت ازحمها ،بل لتسهم فى وصف الماكن والشخصيات وتنقل الحساس بالزمن ،وكأن الرجل ليستطيع أن يفصل لغة نصه عن ق ارءاته ومستوى ثقافته وأيضاً عن بيئت ه، ولتتنكر لموروثات ومحيط وبيئة شخوصه ،لغة تدخل فى نفس المصنع الذى يشكل لغته الشعرية كشاعر عامية مثقف .وربما يتخيل القارىء أن بناء الجملة الشفاهى الذى يبدأ بالفاعل ل الفعل ،واستخدام المفردات العامية هما ما صاغا تلك اللغة المختلفة ،واضطره ذلك أن يهمل كثير من القواعد النحوية لن جملته هى شفاهية بالساس، لك ن حقيق ة الم ر أن س مير عب د الب اقى ق د اس تخدم ف ى س رده تقني ة \" الس لوب غي ر المباش ر الح ر\" أى ذل ك الس لوب الوس يط ال ذى اكتش فه اللغ وى السويس رى ش ارل ب ايى ال ذى يجم ع بي ن الس لوب المباش ر التقلي دى، والس لوب غي ر المباش ر حي ث يخل و م ن علم ات التنص يص ،ويخل و م ن بع ض الخص ائص النحوي ة ،وأهمه ا اختفاء صيغة المتكلم والمخاطب .سيصوغ جملته بلسان الشخصية ل ال اروى ،فل نجد أيا من أفعال القول وتظه ر فيه صيغ السلوب الشفاهى مثل التك ارر والحذف وعدم احت ارم التقاليد النحوية هذا غير المفردات وال ارء التى تمثل طبيعة الشخصية نفسها لطبيعة ال اروى العليم ،وكان فلوبير أول من استخدم هذا السلوب فى ارئعته مدام بوفارى .على هذا لم تكن تلك الخطاء النحوية أخطاء سمير عبد الباقى لكنها أخطاء \"أنا\" النص وشخصياته. وهو أسلوب يناسب -بل ربما فرضته -طبيعة الرواية السيرية .طبعا يستطيع القارىء الرد بأن الكاتب قد أسرف ف ى تل ك التقني ة ،وأن ه ك ان م ن الفضل ل و ضيق حدودها خاصة م ع الض مير الول ،وه ذا أرى له وج اهته بل شك ،وأؤكد للقارىء العزيز أننى أيضا أتفق معه فى هذا ال أرى. الشخصيات
135 تختلف الشخصية الروائية عن الواقعية أو التاريخية لكونها أكثر تفردا وتمي از عند القارئ ،ويمكنه فهمها فهماًاً كاملًلً إذا رغب الروائي بذلك ،فهو قادر على عرض حياة الشخصيات الداخلية والخارجية إلى حد معرفة أس اررها. رولن بورنوف البناء الفني للشخصية الروائية: تعد الشخصية الروائية وسيلة الكاتب لتجسيد رؤيته ،والتعبير عن إحساسه بواقعه ،وهي ركيزة الروائي الساسية في الكشف عن القوى التي تحرك الواقع ،وعن ديناميكية الحياة وتفاعلتها ،وعلى العكس من كاتب السيرة الذاتي ة ،ن اد اًر ماينسخ المؤلف شخصياته نسخا من الواقع ،فالشخصية الروائية هي تفاعل حقائق كثيرة .أولً فكرته العامة عن الناس التى تحددها خبرته الوجودية والثقافية ورؤاه ومواقفه من الحياة .أضف إلى ذلك أنها داخل هذا الفق هي جزء من شخصيته هو ذاته ،وهذا ما قصد إليه »باختين« بقوله إن المؤلف تتشظى ذاته إلى عناصر من الفكر والعاطفة داخل أجساد هؤلء الشخاص عبر التخيل الروائي .170ولهذا فإن تركيب البنية للشخصية الروائية هو مزج محسوب بين الواقع والخيال .و مقولة فلوبير الشهيرة» :مدام بوفاري هى أنا « تأكيد على هذا الجمع ما بين الموضوعي والذاتي ..الواقعي والخيالي. لكن هناك من أكد على أن الشخصية الروائية هى مجرد شخصية ورقية أى أن البطال مجرد أفكار اكتس ت بال دم واللح م م ن خلل الس رد الروائ ي .أل م يجع ل كافك ا م ن شخوص ه أرقام اً وحروف اً ،ه ل ننس ى بط ل روايته المسخ » ك« ،فقد أرى أن النسان في عالمنا المعاصر قد ضاعت حقيقته النسانية ،وفقد تميزه وتفرده. وهكذا تغير شكل الشخصية الروائية في الدب المعاصر .وها هو ألبير كامى يصور لنا بطله »ميرسو« غريباً لن المجتمع الصناعي الستهلكي قد أفقده القدرة على التفاعل مع الخرين ،بل فقد أبسط المشاعر النسانية حتى تلك التي تربط البن بأمه ،فلم يبك ولم يحزن لفقدها.. الحاصل أننا قد انتقلنا من البطل الغريقي \"ابن اللهة\" والبطل الملحمي في العصور القديمة الذى هو ص وت الجماع ة ،إل ى البط ل الح ديث ال ذى أص بح يت وزع بي ن ذات ه وغيريت ه .وق د لعب ت التح ولت الجتماعي ة والقتص ادية دوره ا ف ى جع ل ف ي الشخص ية النس انية المعاص رة ف ى ص ارع دائ م ،بي ن تأكي ده ل ذاته المهمش ة والمقهورة ،وبين تعاطفه مع الجماعة وهمومها. كانت الشخصية في الرواية التقليدية هى الساس ،فل يمكن تصور هذه الرواية كما يقول عبد الملك مرتاض \" :من دون طغيان شخصية مثيرة يقحمها الروائي فيها ،إذ ل يتأزم الص ارع العنيف إل بوجود شخصية أو شخص يات تتص ارع ف ي م ا بينه ا داخ ل العم ل الس ردي .وله ذا يرك ز الروائي ون عل ى رس م ملم ح الشخص ية والس عي لعطائه ا دو اًر خطي اًر تنه ض ب ه تح ت الم ارقب ة الص ارمة للروائ ي التقلي دي ال ذي يع رف ك ل ش ئ\" .لك ن الروائي ون الج دد قلل وا م ن دور الشخص ية فيقول ص اموئيل بيكي ت\" :لي س هن اك ك اتب يمل ك الح ق ف ي أن يحم ل صورة الحياة كلها بجميع معانيها النسانية لمجرد شخصية روائية .وأسوأ من ذلك ان يكلفها بحمل رسالة\".171 انظر تقنيات السرد الروائي ) (2-1بقلم عيسى الحلو ال أرى العام 19مايو 2010م 170 نفسه 171
136 السماء بين الغياب والحضور : تسمية شخصية باسم خاص تشكل العنصر البسط من التمييز كما يقول توماشفسكي .ويرى رولن بارت بأن اسم العلم ،إذا جاز التعبير ،أمير الدوال ،إيحاءاته غنية ،إنها اجتماعية ورمزية ،ويتمثل مفهوم اسم العل م الشخص ي ف ي مج ال الرواي ة ب أنه تعيي ن للف رد ،وخل ق تط ابق بي ن اس مه وح الته النفس ية والوص فية والجتماعية ،السم إذا هو قناع إشاري ورمزي وأيقوني ،يدل على عوالم الشخصية الداخلية والخارجية \" .بصفة عامة أصر معظم المحللين للخطاب الروائي على أهمية إرفاق الشخصية باسم يميزها ،فيعطيها بعدها الدللي الخاص .بل إن المعلومات التي يقدمها الروائي عن المظهر الخارجي للشخصية وعن لباسها وطبائعها وحتى عن آ ارئها تأتي كلها لتدعم تلك الوحدة التي يؤشر عليها السم الشخصي ،بحيث تشكل معها شبكة من المعلومات تتكامل مع بعضها ،وتقود القارئ في ق ارءته للرواية .الغريب أن سمير عبد الباقى كان يتحرج أحياناً من ذك ر بعض السماء ويختزلها لحرف أو اثنين مثل \"استقر بى المقام فى شقة حدائق القبة بصدفة غير مدبرة كصدفة معرفتى ب )م ( فى المنصورة\" رغم أن ذكر السم لن يسبب حرجاً ،فى حين أنه على امتداد النص يذكر رمو از سياسية وثقافية باسمها ،ولم يتحرج فى منح النساء أسماء ،حتى لو لم يتأكد القارىء هل هى حقيقية أم ل .بل ذكر أسماء اخوته رغم الخلفات السرية التى تبدت فى النص ويمكن أن تتعمق بعد نشر الكتاب ،لكن يظل إغفال بعض السماء غير مبرر. فى رواية ولهم يحزنون أبدع الكاتب ،من وجهة نظرنا المتواضعة شخصيات رسمت لتعيش فى ذهن القارىء ،ولو قدر لهذه الرواية أن تتحول إلى السينما على يد مخرج متميز فربما صارت واحدة من كلسيكيات السينما العربية ،لتقف فى مصاف أفلم مثل \"الرض\" و\"البوسطجى\" و\"شىء من الخوف\" و\"الزوجة الثانية\" .إذ تظل \"فرج ال\" و\"نوال\" واحدتان من أجمل الشخصيات فى الرواية العربية. فرج ال ربما لم تكن شخصية فرج ال جديدة ،إنها الفتاة الجميلة التى يجنى عليها جمالها فيتم استغللها بدءا من التحرش بها حتى افت ارس جسدها سواء بالغتصاب أو بزواج عرفى أو سرى ،لكن انغماس الكاتب فى ت ارب بيئته جعل \"فرج ال\" تتحول من فتاة مهيضة الجناح ،ل بأس لها ول قوة ،إلى إحدى شخصيات الواقعية السحرية حي ث تتص ارع معه ا العف اريت والج ان وك ل الق وى الس فلية،وف ى النهاي ة تق ف ف ى ص فها وتجن د نفس ها لل فش ال الجنازة الرسمية ،وتحويلها لمشهد فضائحى لن تنساه القرية .فرج ال سليطة اللسان ،لكنها مظلومة تقاتل هؤلء النس وة ،اللت ى ك ن س بباً ف ى حرمانه ا م ن جنينه ا ،ولتمل ك رفاهي ة اله روب م ن القري ة ،ول تمل ك إمكاني ة قط ع علقتها بالشيخ مقبل .الجوع يعيدها كل مرة اليه ،ولتملك سوى جسدها الباذخ والممتهن فى آن واحد . لحظة واحدة عاشت فيها أنوثتها وهى اللحظة التى احتواها فيها حمدى ابن الشيخ مقبل نفسه ،حين رآها عارية تستحم .ربما يدافع النص عن نفسه أنها قد وجدت نفسها ضائعة ،فضعفت أمام شاب ما ازلت به فورة الشباب ،وأن جسدها لم يقنع بجسد مقبل الضعيف ،ورغم أنها قد تزوجت بمقبل عرفياًاً فقد سلمت نفسها لبنه الك بر .لك ن ه ذا الموق ف أفق دها الك ثير م ن تع اطف الق ارىء ،ول و عك س الك اتب ت ارت ب الح داث فجعله ا تح ب حمدى اولً وقدم مشهد اللقاء الجنسى بينهم ا على زواجها مضطرة من الرجل لنها لتستطيع قول الحقيقة أما
137 خوفا من جبروت الرجل أو خوفا على حمدى ،لصبحت فجيعة القارىء فيها مضاعفة ،على هذا يمك ن القول إن فرج ال ضحية أيضا لسمير عبد الباقى. لعنة \"فرج ال\" تطارد كل عائلة مقبل ،فيصبح حمدى بعد ذلك عنيناً مع زوجته عزة البدرى ومع ذلك ففحولته تطاوعه فى علقاته المحرمة ،وكأن تلك الخطيئة التى اقترفها دون علم أنها زوجة أبيه ،قد منعته من أية علق ة مش روعة .أم ا الخ الث انى مج دى فل ن ي تزوج ن وال الفت اة ال تى يحبه ا ،وتك ون نهاي ة مقب ل بش عة فالرج ل المهاب الشأن يصاب بانسداد فى المعاء ثم يبول ويتبرز لإ ارديا ول يحرك ساكنا .بل إن عز ارئيل نفسه يسخر منه وهو ليستطيع أن ينطق بكلمة فيموت دون أن يسمعه أحد. واللغة الفخمة التى يقدم بها شخصية الجانى الشيخ مقبل سوف تختلف وتصبح أكثر فحشاً وابتذالً، فلغة فرج ال لها مايبررها من شماتة فى موت الرجل الذى دمرها .فرج ال الن هى ذلك الوجه الخ ر الفض ائحى الذى سيكشف الكاتب عنه بالتفصيل : \" كلهن يعرفن قصة طردها م ن جن ة الش يخ مقب ل ذات ليل ة ش توية ب اردة مث ل ه ذه كالكلب ة م ن جن ة الشيخ مقبل ومملكته بعد ان كادت تفوح بسببها ارئحة الفضيحة\" تظ ل اللغ ة الفاحش ة س مة المك ان والشخص يات ،قس وة المك ان تتجل ى ف ى اللف اظ الجنس ية وف ى عن ف وغلظ ة ردود فع ل الشخص يات ،لكنه ا تس هم ف ى وص ف بش اعة مقب ل ،فلغ ة ف رج ال تفض ح المس كوت عن ه م ن تاريخ الرجل ،فموت العجوز ل يقارن بموت طفلها ،كما أن الرجل ذهب غير مأسوف عليه ،فقد كان بالضافة للكثير من الشياء القبيحة ،زير نساء .على هذا تصرخ بحدة فى النساء \" – تعرفوا ايه عن الموت ياقحبة منك لها.. -محروقة قوى يابنت سعدة – حيوحشك بتاعه يالبوة. -يابنوت الكلب كلنا خ ار وخرسنا. ونية فرج واضحة منذ البداية ،إنها تتحرق شوقا للنتقام من الرجل الذى جنى عليها\" \" – نسوان ملديع بدل مايزفوه بطبلة ويجرسوه\". ويتبنى الرجل نظرة ال اروى العليم ،رغم أنه حين يرى بعيون الشخصية ،يصبح السرد أكثر روعة وفنية، ولنلحظ الفارق بين مات اره الشخصية فرج ال فى أزمتها: \" ص رخت ف ى الج د ارن القاس ية الكالح ة المتهالك ة ،ونه رت م اتجمع أس فلها م ن أش باحها الخاص ة وشياطينها المألوفة التى حاصرتها عيونهم شامتة أو لئمة أو متعاطفة\" وبين ماي اره الكاتب: \" قط ارت الماء البارد تتسلل لتلسع برودتها فو ارن جسدها الجميل المهان المشتعل كالجمر الحى\"
138 يستخدم الكاتب هنا لغة ال اروى الله الذى يعرف عن الشخصية أكثر مما تعرف هى عن نفسها ،وبلغة أعلى من وعيها ،وبمفردات تتجاوز قاموسها اللغوى: \" تجز على أسنانها حتى تحس بطعم الدم المر الذى نزفته يوم فض بكارتها ،برض اها بع د أن دوخت ه وامتنعت عليه حتى جننته ،وأفقدته وقاره وشككته فى مكانته التاريخية\" وم افعلته زوج ة الش يخ مقب ل بف رج ال ل م ي أت ل بعي ون الزوج ة أو بعي ون الض حية ،لكن ه ج اء بعي ون الكاتب وبلغته: \"اس تفردت به ا ه ى وبناته ا وبع ض مم ن تع ودن حف ظ أس ارر أولي اء النعم ة ..كتفوه ا ونكل وا به ا ومرمطوه ا ،وتكف ل ع ود الملوخي ة وت ارب الف رن والرف س ف ى البط ن والعب ث بك ل وحش ية ف ى فتحاته ا الس رية باسقاط جنين الح ارم\" هنا يبدو الرتب اك واضحاً فى منطق السارد ،فال اروى العليم يعرف أن الجنين ليس ح ارم اً ،لن الرجل كتب لها ورقة \" لترضى بالحلل العرفى\" كما أن اللغة التقريرية لم تفجر الطاقات الدللية للحدث ،وطبعاً \" ليست النائحة الثكلى كالمستأجرة\" فلو حكى الكاتب المشهد من وجهة نظر فرج ال لجاء مختلفاً بكل تأكيد ،والمشهد يشتمل على امكانات تصويرية عالية لم يحسن الكاتب استثماره على غير عادته. وتتفاقم أزمة فرج ال وتزداد عمقاً ،لقد نشأت يتيمة الب وهرب أخوها من القرية ،وهى تواجه مصيرها دون سند ،والقدر لم يرحمها لكنه رحم أمها: \"وبعد انتقال أمها متعجلة رحمة ربنا أصبحت روحه ا ه ى الخ رى طيف اً ف ى معي ة جنياته ا وش ياطينها ال اربضين فى أركان الدار المظلمة \" وفرج ال تخاطبهم قائلة – ابن الكااالب شاهدين عليه–\" والحديث عن مأساة فرج ال ليكاد ينتهى إل ليبدأ من جديد ،سيكون ص ارعها هذه المرة مختلفاً ،فيقول الكاتب\" :أخذت فرج ال بعد أن ألقى بها خارج مملك ة الش يخ مقب ل نص يبها ونص يب عش رة نس اء أخري ات م ن الظلم\" والظلم هنا أشد قسوة وأشد هتكاً لها ،بل يكاد يظن القارىء أن الحديث هنا يدور عن اغتصاب مقبل، ولكن الظلم يغتصبها هذه المرة اغتصاباً من نوع آخر .إن قلبه ليرق من أجلها لحظة قبل مواقعتها .كما أنه أكثر عنفاً وقسوة من اغتصاب مقبل. \" لمس ته ،تحسس ته ،احتض نها ،عص رها ،كت م أنفاس ها ،مرغه ا ف ى ال ت ارب ،وض رب به ا الحيط ان، أرعبها ،زلزل كيانها .حايلته ،بكت تحنن قلبه ،أعطته نفسها ،عاشرته كعبدة ،لكنه أبدا لم يرحمها وماإن يجف الجاز فى المسرجة التى لتملك ثمن ماتبل ريقها كل يوم ،وبعد أن صارت لتتحمل م ر الش حاتة ،م رة بع د م رة حتى تعود إليه مستسلمة ،يختطفها فى جوف ل ق ارر له ،ويتوحد معها فى ف ارغ الدار ..كائنا لزجا سميك القوام يحيطها بألف ذ ارع وزبان ..يجعل من جلدها مداسا للف القدام واليدى والذرع الثعبانية الهلمية\" واذا ك ان الش يخ مقب ل ق د ت رك بص مته عل ى ف رج ال ف الظلم ي ترك بص مته عليه ا ه و الخ ر ،بص مة الش يخ مقب ل ك انت الجني ن المجه ض وذب ول الجس د ،أم ا بص مة الظلم فه ى ذب ول ال روح والجس د .لق د ختمه ا بميسمه فصارت كائناً مرعباً أو سفلياً .بعد اغتصاب مقبل يمكنها أن تنال شيئاً من الشفقة ،لكن الفقر والظلم
139 سيحرمانها من أية نظرة إشفاق أو تعاطف .مع مقبل كان يمكنها أن تحب الناس مثلما حدث مع حمدى ،لكن مع الظلم ستبادل الجميع كرها بكره. \"لم تكن تعرف أن عينيها تلمعان فى الظلم كعينة هرة متنمرة حتى أن بعض المارة ك ان يس مى باس م ال حين يق ترب ،إذ يرعب ه بريقه ا وس ط كتل ة الظلم المس تطية الكثيف ة ال تى يص نعها الب اب الغ ائر ف ى الج دار البعض .كان يق أر آية الكرسى بصوت عال...كانوا يدارون ويكتمون رعشة رعبهم ،ويكتفون بالنحنحة أو بالقاء التحية فى همهمة مجروحة بالشك )سا الخير يافرج ( قليل ماكانت تهتم بالرد وبعد موت أمها لم تع د ت رد أب دا على أحد ،تحملهم جميعا جريمة قتل طفلها\"... الجدير بالذكر ،بل المؤسف ،أن فرج ال حكاية جميلة فى بداياتها ولم يكن مقد اًر لها أن تستمر نحو غاية ممكنة أو نهاية سعيدة ،لقد تحولت مرة واحدة لحكاية كابوسية ،فهى لم تصبح الفقيرة التى أخذ المير بيدها نح و القص ر أو ال تى حمله ا اب ن الس لطان إل ى مملكت ه ،أو خطفه ا الش اطر حس ن ف وق ج واده نح و م دن البهج ة الملونة\"\" الحواديت التى سمعتها جعلتها تضع نفسها باعت ازز فى مصاف أمي ارت القص ور وبن ات الس لطين\" لق د ارهنت فرج ال على جسدها الثرى العامر بالثمار ،كانت تعرف سطوته ،وتعلمت كيف تدافع عنه لتضمن لنفسها \"عريسا يرفعها من بئر الذل بعد طفشان الخ الوحيد حافظ القرآن\" الذى ربما صار يعمل فى القوادة .لكن مقبل أجهض تلك الحلم كلها مثلما أجهض جنينها .الصبر والعناد هما الصفتان اللتان تمي ازن فرج ال ،لقد ظلت على امتداد النص تحتشد وتهىء لنفسها هى وأشباحها فرصة النتقام من جلديها. ونلحظ بص فة عام ة أن وجود الم أرة ف ى أعم ال سمير عب د الب اقى يتج اوز مج رد النظ رة الش هوانية أو الرومانسية .إن الم أرة ترتبط دائما بصناعة الحياة ،فأم سمير لتنى تظهر فى كل أعماله باعتبارها القادرة على صناعة أسرة ،ونوال أو آمال هى نسخة أخرى من أنتيجون التى تقف ضد كريون أى السلطة بكل أشكالها .كانت قضية انتيجون مع الموت لكن قضية نوال مع الحياة ،إنها ايزيس الجديدة التى لتبحث عن أوزوريس ،ولكن عن أخيها وتقاوم السلطة ،سلطة ست إله الشر .إن نساء سمير عبد القادر قوية وعنيدة ،هن فى صبر ناعسة وعناد أنتيجون. أم سالم /أم سمير: وف رح أم س الم ي ذكرنا ب أف ارح قط ر الن دى \" ت أتى م ن البل د المج اور ف ى تخ تروان وأربع ة عش ر جملً وحصان ،بعدد الربعة عشر مديرية ،فى زفة تمتد على طول الز ارعية من الكفر للمنية\" ولم يكن حسن تربية وتدبير أم سالم /أم سمير فى الموال فقط سببا فى تفردها بل كانت الست علية \"تسامره وتضىء لياليه الفقيرة بحكايات ألف ليلة وأزجال ابو بثينة\" والحديث عن أم سالم هو نفسه الحديث عن أم سمير ه ذه الم أرة البندري ة ابن ة ص انع الس واقى \" التى لم تعرف كفوفها لت الجلة ول خمش الشبر الجاف ولشك سل النخل وانصال الغاب والذرة الشامية\"
140 وشخصية ع زة البدرى زوجة حمدى وصديقة نوال التى رفعت قضية للطلق بايع از من نوال وأخيه ا سالم ،تشبه نوال كثي اًر ،والحق أن هذه الشخصية خرجت كل واحدة من الخرى ،فنوال تكاد تكون عزة ،وحمدى يكاد يكون مجدى ،وكلهما أبناء مقبل: \" عزة ليست فى زهد ناعسة ول ه و ف ى قدس ية أي وب\" الس بب \" جماله ا وشخص يتها يجعلن ه أمامه ا مرعوشا مرعوبا كالمذنب ل يجرؤ على النظر اليها ،ح اولت مع ه ،س اعدته بل فائ دة ،ث م اختل ط الم ر بالس حر والغواء والشعوذة .عرضها لتجارب مؤذية مع النصابين والدجالين\" وف ى مجتم ع مي ت سلس يل ال ذكورى ،تص بح ع زة ه ى المتهم ة دائم اً بل ذن ب أو جري رة ،والغري ب ع دم احساس حمدى بمأساتها ،ووصل به المر لفقدان كل شعور بالنخوة أو الرجولة: \"شكت له ما حدث من أحد نصابيه الدجالين الذى حاول أن يقنعها أن تحل مشكلتها س ارً ،ب ل وح اول القت ارب منها واغوائه ا ،ولم ا نهرت ه وطردت ه .ث ار ه و وه اج واتهمه ا أنه ا لتري د الش فاء )عجيب ة وكأنه ا ه ى المريضة(\" وهناك الست ستوتة التى تبحث عن ابنها المتهم بالشيوعية وتحكى حكايتها لعساكر القطار ،ويمكن هنا مقارنة موقف الب بموقف تلك الم أرة البسيطة .تعتبر هذه الشخصية ،رغم أنها إحدى آليات الكاتب لبطاء سرعة النص ،شخصية نموذجية وأعنى بذلك أنها تلك الشخصية التي يرسمها الروائي بوصفها ممثلة لجيل أو طبقة أو فئة أو مجتمع ،وتبرز فيها اتجاهات ما يمثله وسماته المميزة ،وتمتاز عن الشخصية العادية بأنها تخ تزل سمات الطبقة أو الفئة التي تمثلها ،ويهدف الروائي منها إلى بيان رؤيته نحو الفئة المستهدفة التي تختزل سماتها في هذه الشخصية ،والحق أنها فلحة فصيحة ،ول تخلو مجادلتها من منطق: قال ابنك ملحد وضد السلم وعايزها شيوعية ،قلت له :اخرس ده تربية ايدى ،مالرسول كانوا بيقول وا عليه ساحر وكذاب ياكذاب ،دا انا ابنى يقلع قميصه للعريان ،ويعطى اللقمة من بقه للجعان\" سنرى عناد تلك الم أرة وعدم فقدانها إيمانها بابنها ،نوان أفتاها وأفتاها زبانية النظام ،فنساء سمير عبد الباقى ترى المور بقلبها ،ولتسلم أذنها لقوال السلطة. نوال: يتوزع نوال إحساس بالظلم من ناصر من ناحية ،ومن أهل القرية من ناحية أخرى ،لكن موقف الشيخ مقبل من أخيها س الم ه و بالتأكي د أش د مايثيره ا لن ه\" هو اللى وز عليه...هو اللى دل الظ ابط ع ال بيت وص حح لهم السم الغلط اللى جايين بيه\" وموقف نوال من عبد الناصر ،هو مبرر للحديث عن شخصية سالم ،وما أقل دور سالم فى المتن الحكائى المستمر لثلثة أيام ،لكنه بطل فاعل فى المتن السردى ،والسؤال الذى يدق أرس ن وال باس تم ارر ه و\" :لمص لحة مي ن – يقب ض عل ى أخيه ا وزملئ ه وه م ال ذين وقف وا إل ى ج انب عب د الناص ر بق وة \" ...فف ى الق اهرة م ع الخ س مير/سالم تفتح ت أمامه ا أب واب جدي دة ،جعلته ا تعي د النظ ر ف ى رؤاه ا الريفي ة الضيقة :
141 \"ق أرت مجلت الح ائط ...وتعرف ت عل ى زملء ل ه وزميلت ،بن ات زى ال ورد ،تعجب ت ف ى البداي ة ب ل واستنكرت حضورهن إلى شقة طلبة ع ازب عشان الجتماعات ،لكنها صادقتن وعرفت أنها تفكر كعوانس الكفر\" ونف س الوجوه التى سجن س الم من أجلها ه ى التى تثور عليه ا لنه ا ق د تلغ ى الزي ارة ،فل تفه م نوال كيف يقفون ضدها ،وما دخل سالم السجن إل من أجلهم: \" كانوا مثلهم تماماً نساء ورجال على س لم منزله م ج اءوا يص رخون مس تنجدين بس الم ...لح ق به م أصدقاؤه من الطلبة واستطاعوا يومه ا إفش ال م ؤامرة س رقة المعون ة وتوزيعه ا عل ى أص حابها ،ك انت لوج وههم نفس الملمح المتربة المتعبة ،ولكنهم كانوا يزغردون ،ويلوحون شاكرين ،ونظ ارت العيون مليئة بالعرفان\". وتك اد تكون هناك قصة حب غير مكتملة بيبن آمال ومجدى البن الثانى للشيخ مقبل .هذا شخص آخر غير الذى كان يطاردها فى المطبخ ،ويمسك يدها فى السينما .الن حين يقابلها فى المنصورة يكشف عن وجه آخر شرس وعدائى ،فيمنعها من زيارة سالم ،إنه صورة أخرى من حمدى الذى روج لشاعات السلطة أن الشيوعيين يمارسون العشق المحرم .ونعود للسبت لقد اكتشفت آمال حقيق ة مج دى فتص رخ \"ابن الكالب ب ان عل ى حقيقتك ياندل\" لكن فجيعتها لن تثنيها عن الزيارة ،ولن تتخلى عن ذلك السبت /صليبها الذى تحمله فى عناد: \" غامت عينها بالدموع فمسحتها بكمها بعد أن وضعت السبت لتريح ذ ارعها وهى تتلفت حوله ا خوف ا أن يشاهد أحد جبل القهر ال ارسخ على أكتافها..صلبت عودها وحملت السبت ومضت مسرعة\" ون وال لب د له ا م ن تص ريح نياب ة ،فق د رفض وا ف ى الس جن أن تق وم بزي ارة س لك ،ورغ م تق اعس الب، وخذلن القارب ،وخيانة الحبيب ما ازلت هى وحدها تحمل الصليب /السبت وتمشى نحو قدرها .لقد قررت منذ اللحظة الولى القيام بزيارة أخيها السجين \" ولو اتهدت السما على الرض\" نشأت هانم : وبغض النظر عن موقفنا من زوجة الشيخ مقبل العمدة فمازلنا نقول أن دور الم أرة ف ى حماية البيت والحتفاظ بكيان السرة هو سمة واضحة فى أعمال سمير عبد الباقى ،فحتى لو مارست الهانم أنواعا من الظلم، وحتى لو صارت ام أرة طاغية مستبدة ،فهى مقتنعة أنها تدافع عن وجود أسرتها ،على هذا يمكنها أن تفعل أى شىء فى سبيل تلك السرة ،هى التى أسقطت حمل فرج ال ،وهى المحمومة فى بحثها عن الورقة التى تثبت زواج فرج ال من العمدة ،وهى التى تتولى هى وبناتها تنظيف الغرفة بعد رحيل الرجل ،نواغ ارقها بالبخور .نعم لقد فاحت ارئحة فساد الرجل مجازياً وفعلياً ،تلك ال ارئحة التى ستزخم أنوف المعزين ،الهانم رغم أنها \"شاربة ناره وم ارره\" هى التى تبعث باحثة عن ولديها هى أيضا التى تتولى إقامة جنازة تليق بالعائلة . \"الشنقيط\" سيكون نائباً للست من أجل الترتيب لجنازة لئقة ،لكن أهم من ذلك ،حرصها على الوليمة الباذخ ة ال تى س يكون له ا فائ دة مزدوج ة ،فه ى تتج اوز كونه ا وجاه ة اجتماعي ة ،وش غلً للفق ارء والبس طاء ع ن الخوض فى سيرة العائلة ،بل تتجاوز ذلك لتكون رشوة لفق ارء الرض ولملئكة السماء ،إنها تريد من تلك الوليمة: \" سد حنك الجميع لقطع اللسنة بملء البط ون ،فيهم دون ع ن النميم ة وتقلي ب المواج ع ول ذة كش ف المخفى ويدعون له ا ولولده ا بالس تر والبرك ة وللفقي د بالرحم ة .أب واب الس ماء ع ادة م اتلين أك ثر وتس تجيب
142 أس رع ل دعوات وأص وات المحرومي ن والج ائعين عن دما تك ون ح ارة وم ن القل ب مض مخة بطع م و ارئح ة الزف ر واللحوم\" مشكلة الزوجة مركبة هى لتجد ورق زواج الفقيد من فرج ال ول تجد ولديها حمدى أو مجدى بجوارها، مع ذلك تتماسك لتتابع مشكلة الوليمة ،نواعداد جنازة مهيبة طويلة لئقة سيحضرها علية القوم ،وتخاف أن يفسد أح د خرج ة الش يخ ،فتس تدعى المقرئ ة العمي اء \"نعيم ة العامي ة\" ه ذا غي ر جهوده ا لتجهي ز المق برة ،نواع ادة بنائه ا بسرعة لتليق بالمرحوم .إنها وجه آخر لنساء عبد الباقى ،وجه الم أرة فى جبروتها. رتيبة: وانتقام فرج ال جاء أيضا من رتيبة ،فتلك الداة التى شاركت فى قتل طفلها ،لبد أن تنال حظها من النتقام والتنكيل .الضعف ليس مبر اًر للمشاركة فى القتل ،ربما يمكن السكوت عليه وهذا أضعف الشر ،لكن أن تكون يداً تقتل فهذا ما لم يتسامح معه الكاتب ،ولم تغفره لها فرج ال: \"كانت رتيبة هى التى كتفتها للست ومعاونتها ليلة حكموا على جنينها بالموت قب ل الوان وه ى ال تى واتتها الشجاعة فلعبت الدور الرئيسى فى قتله ،هى التى أدخلت عود الملوخية بين فخذيها المش دودين ،وه ى التى مدت يدها تلتقط أرس ه ،وك انت الوحي دة ال تى ح دق ف ى عينيه ا مباش رة بعي ن كعي ن الس مكة تش غل نص ف أرسه ،وظل محملقا ليرمش فى عينيها حتى غطتها بكف ملوثة بالدم وماء البطن\" رغ م أن رتيب ة شخص ية لتنقص ها الش جاعة ب ل ه ى رغ م ك ل ش ىء الوحي دة ال تى وافق ت عل ى القي ام بالمهمة الصعبة وهى حمل صينية من طعام \" الرحمة والنور\" إلى فرج ال. \" رتيب ة ال تى أرت عز ارئي ل م ع المرح وم وع اينته بالض بط كم ا رآه ه و ...رتيب ة ك انت الوحي دة ال تى رضيت أن تأخذ الصينية لفرج ال .الكل خاف ذلك حتى أولئك الذين يخاوون جناً من تحت الرض مثل بهنونة وعيوشة وبنت أم تلته أو الذين كشف عنهم الحجاب وبهم تسبب السباب\" وف رج ال تع رف ك ل ذل ك فتهي أت لس تقبالها ه ى وأش باحها ،أم ا س مير عب د الب اقى فق د حش د مه ارته السلوبية هو الخر لتكون نصيرة لفرج ال. \"ح وطت ف رج ال عليه ا ب ذ ارعين كالم دارى وأخ ذتها ف ى حض ن ك اللهب ...لك ن أح دا ل م يج رؤ عل ى القت ارب من الباب المغلق ال ذى ك انت تم ور وتتص اعد خلف ه همهم ات الش باح وأص وات غامض ة تش به مض غ وتكسير عظام وضلوع ودقات طبول مجهولة كطبل ازر رهيب. كانت فرج ال تمسك برتيبة مثلما أمسكت بها يوم تنفيذ حكم العدام فى وليدها الذى لم يأت ،تحيط به ا أش باحها وعفاريته ا وه م ي دورون ف ى جن ون ...و أرت رتيب ة الجني ن ال ذى ك ان قب ل أن يبع ث أمامه ا ف ى ض عف حجم ه س اعة س قوطه لوان ل م تتح دد ملمح ه تمام ا ..لش ىء س وى تل ك العي ن الك بيرة الواح دة ال تى أرعبتها يوم مولده وموته .كانت تزداد اتساعا حتى صارت باتساع القاعة ،وكانت عميقة كالظلم ال ذى تتم رغ فيه على الرض ،تحاول فى يأس الفلت من قبضة فرج ال التى كانت تجاهدها للدخول بين فخذيها ولتقدر، لكن أحدا من أشباحها النذال لم يساعدها ،بل ظلوا يدورون فى ضجة يختلط فيها دق الطبول العالى بالص ارخ
143 والتدافع المجنون ،مما أعطى الفرصة لرتيبة أن تتملص من ب ارثنها ،وتزحف على الرض جاهدة كى تفلت م ن خمش أظافرها وعض أسنانها\" ويتجاوز سمير عبد الباقى مسألة اليحاء النفسى ،مادامت رتيبة تحت قبضة الرعب ،وفرج ال بين كف الي أس ،ليجع ل الح دث يمت د ليش مل قري ة بأكمله ا توقعت أل يم ر اللق اء عل ى خي ر ،ف تركوا خي الهم الريف ى يجم ح ويجنح ويجعلون من الحكاية أسطورة محلية ،ول مجال للتشكك فى وجود تلك الشباح: \"بكل أيمان المسلمين أقسم كثيرون من الجي ارن أنهم سمعوهم أيض ا ب آذانهم و أروه م معه ا أرى العي ن وهم يطاردونها بقطع اللحم وأوانى الطعام على رنات الصينية الفارغة التى كانت فرج ال المسكونة ت دق عليه ا كدف هائل دقات زفة عرس مجهول\" والخاتمة تأتى بفشل كل الترتيب ات .لقد نجحت فرج ال فى النتقام ،واسقاط مؤسسة قديمة كاملة ،ل مجرد الحتفال الجنائزى الذى أ اردوا له أن يكون مهيباً لتستمر سلطة ونفوذ ال أرسمالية الريفية ،لكنها ما كان لها أن تنجح دون معاونة أشباح البيت ،تلك الرواح المظلومة المعذبة. لنبدأ مع الشباح \" اختبات أشباح وعفاريت فرج ال عن دما أرت الش نقيط قادم ا م ن بعي د ...ول و أن ه التف ت لوهل ة قب ل خروجه من باب الدار لشاهد زمرة من الشباح تتابعه متلصص ة م ن ك ل الرك ان المظلم ة تلص ص م ن يخش ى إغض اب ف رج ال ال تى ح ذرتهم حي ن أرت ه أن يظه روا ل ه..لكنه عن دما اختف ى ع ن النظ ار وص ار بعي دا ع ن متناول الصوات رقصت و ازطت وهاصت وأحاطت بفرج ال تنتظر أوامرها عما ستفعله فى هذا اليوم العصيب. نظرة فرج ال أخرستهم جميعا فانكمشوا مبتعدين عنها فى انتظار ماسيكون\" تتملم ل أش باح ف رج ال ،تري د النتق ام ه ى الخ رى ،واذا ك ان الن ص ل م يح دثنا ع ن ظل م تعرض ت ل ه الشباح على يد الشيخ مقبل ،لكن سمير عبد الباقى أ ارد أن يؤكد أن المظلومين والمعذبين ينتظرون لحظ ة معين ة ليحتشدوا وينقضوا على قاتليهم وجلديهم ،وكأنها نبؤة بثورة يناير التى خرج فيها ما ظنهم النظام قد ماتوا منذ زمن بعيد ،وكأنها كتابة مستقبلية \"ولم ا ازدت زم أزة الش باح والعف اريت وعل ص وت احتج اجهم عل ى ف رج ال ،زعط ت فيه م فانكمش وا وع ادوا للظلم ،وقب ل أن تتس لل خارج ة ح ذرتهم م ن متابعته ا أو الخ روج م ن ال بيت ،لكنه م ل م يكون وا ين وون التخلى عنه ا مهم ا ح دث ،ل ذلك م ا إن اختف ت و ارء أول انحن اءة ف ى الح ارة ح تى انطلق وا وانتش روا ف ى س ماء القرية معربدين صارخين قاصدين المكان الذى تقصده فرج ال بالضبط\". والحقيقة أن أشباح فرج ال كانوا يجادلونها ليلة الجنازة ،لكنهم لم يحاولوا ابدا ان يثنوها عن موقفها ،إنها مجادلت تشبه مجادلت الميدان ،لكن التفاق العام هو النتقام: \"تحملت كثي ار من لوم وتعذيب أخيها الهارب ،وصبرت على تأنيب أمها الميت ة قه ارً وجاه دت ك ل ليل ة لتمن ع بك اء طفله ا الم وءود ،لكنه ا الي وم ل م تس كت ب ل ردت لخيه ا الص اع ص اعين ،وأخرس ت أمه ا وكتم ت
144 أنفاسها أكثر من مرة ،وحاولت إرضاع الوليد الموءود ،لكن لبنها ك ان يس يل س هلوب ن ار ح امض يجعل ه ي زداد فزعا وص ارخاً ،لكنه كان رغم ذلك ينمو ويكبر ساعة بعد س اعة فيجه دها ويرق دها تح ت قه ر عض اته وقرص اته الجهنمية .الخرون من أخوال موتى وأعمام مقهورين كانوا معظم ال وقت حوله ا متفرجي ن وأحيان ا مؤي دين له ا ضد أخيها أو مشجعينها على تعذيب أمها\" ويذهب سمير عبد الباقى مذهبا آخر فى الحكى وهو استيعاب وتبنى الحكى الشعبى ،فهو يشخصن الشباح بيقين ال اروى العليم ،ل من وجهة نظر الشخصية .إنه يؤمن ل بوجود تلك الشباح لكنه يؤمن أن أرواح المظل ومين والمقه ورين س تنتقم م ن جلديه ا وقاتليه ا ،ل ذلك نج د واح دة م ن أع ذب وأجم ل الوح دات الس ردية ف ى الرواية العربية ،سمها ماشئت فانتازيا أو واقعية سحرية. لقد اقتنعت فرج ال واستسلمت لشباحها التى خرجت معها ،ولنتأمل كيف يتحول وصف الموكب إلى فانتزيا حقيقية ،ففجأة: \" انطلقت تلعلع زغرودة عالية طويلة حادة مرح ة حطم ت به ا ف رج ال واجه ة الجن ازة الزجاجي ة حي ن انشقت عنها الرض مزلزلة أمان ووقار الموكب .بالضبط أمام النعش انفجرت تلك الزغرودة التى لم تنقطع ولم تخفت فأخرست صرخات الن دابات ...ك انت ف رج ال تزغ رد وس ط عفاريته ا وأش باحها عاري ة مل ط كجني ة بح ر وهى تدق على الصينية دقات منغمة بلحن اتمخطرى ياحلوة يازينة\" رجال دولة وضيوف وأكابر ..زهور وأعلم وموسيقى ..كل هؤلء تكفلت الشباح ببعثرتهم وتمريغهم فى الت ارب ،فهم قمة هرم الفساد المسئول عما وصلت إليه \"فرج ال\": \" كانت أشباحها المتربصة وعفاريتها المتحف زة ق د انطلق ت وانتش رت ح ول وف وق وخلل الجم ع ال ذى فقد تماسكه وانتظامه صارخة ترقص وتزعق مثيرة رعباً مضاعفاً عند النسوة فى حلق ات الن دب فانض ممن إليه ا يرقصن ويزعقن فى جنون مرعب ...ولم يع رف ال ذين ف ى الم ؤخرة إل بع د لى وبش ك ك بير حقيق ة ماح دث ف ى المقدم ة ،لك ن ك ثيرين دفعه م ح ب الس تطلع لل ت ازحم ف ى فوض ى المفاج أة لختلط الزغاري د المرح ة بص ارخ الرعب بآهات اللم بتخيلت ملت الرؤوس ال تى ل م تبص ر بع د بأش د الحتم الت ش ارً ،وش نت القل وب ال تى ل م تع ى ماح دث بالتخمين ات المرعب ة ،حي ث ل م يس تطع أى خي ال أن يفس ر ماح دث ول أن يفس ر س ر الص فعات والشكشكات والقرصات واللكمات التى بدأت تسددها أيدى مجهولة وأظافر غير مرئية تغي م وس ط وض وح ص وت الخر ازنات التى تطوع الغفر بها لعادة النظام والوقار إلى الزحام المنفلت\" \"أم نباهات\" دور الم أرة فى أعمال عبد الباقى دور فعال فهى تستطيع دائما التصرف ربما أفضل من الرج ل ،وعش ق سمير عبد الباقى للبيوت جعله يثمن دور الم أرة ،سيدة البيت بل منازع ،القادرة حتى فى أصعب اللحظات على الدفاع عن الكيان السرى .وضعف الم أرة الغريزى من أجل كلمة ناعمة أو لمسة حانية يستدر شفقة الكاتب، فيجعلها حتى وهى على وشك السقوط تتماسك ،لقد أرينا أن السقوط الوحيد كان لفرج ال ،فيما عدا ذلك سنرى شخصية زوجة المعلم القص ،أم نباهات والقص ،والحق أن نباهات أكثر مك ار وقدرة على التصرف من أخيها \"الولد البرغوت\" ،مثلما كانت بنات \"مقبل\" أكثر تحمل للمسئولية من ولديه حمدى ومجدى:
145 ف ى مبن ى النياب ة تقاب ل ن وال المعلم ة \"أم نباه ات\" أو \"أم الف ص\" ك انت ن وال تش به غريق اً يتعل ق بقش ة، فوجدت ضالتها فى تلك الم أرة ،ولنرى وصف تلك الم أرة الشعبية ذات الوجه الطيب والثلث سنات دهب بعيون نوال: ام أرة ملحم ة تجل س مرتاح ة عل ى دك ة ف ى م دخل دورة مي اه تح ولت لب وفيه) (...الس ت م ن ناحيته ا استقبلتها فى ترحاب أمومى غير مفتعل كما توقعت\". وحين تطلب نوال العون منها فهى أدرى باج ارءات الزيارة ،لتتردد فى مساعدتها بكل الطرق: \"انفرج الوجه الليف المدور ،ذو العي ون المكحول ة والم ؤطر ف ى حرفن ة بالش ال المل ون ع ن ابتس امة عريضة مشجعة\" وحين تحكى الم أرة عن زوجها ،نكتشف و ارء ذلك المظهر القوى الخشن قلباً رهيفاً عاشقاً ففى\" شوق واضح وحب صريح\" تحكى لنوال: \"الف ص ج وزى عم دة الس جن الل ى اخ وكى في ه ،ه و الل ى ش ايل المفاتي ح الق ص ده ابن ه خلفت ه بع د نباه ات بتلت س نين .ك ان محك وم علي ه بس نتين بي ن ده وبي ن دى ،ش وفتى ي ادوب ف ص يوس تفندى اص لى اتوحمت عليه ،وأنا حامل كان فى اجازة بين حبستين ،تعرفى حدف لى اليوستفندى من السلك\" وحين تتشكك نوال فى قدرتها على تحقيق هدفها تؤكد لها دائما أم نباهات أل تيأس ،وأحياناً ل تحتاج نوال لتأكيدها ،يكفى أن ترى نوال عناد الم أرة وص ارعها مع الحياة لتنتقل لها تلك العزيمة والروح المقاتلة: \" حنية أم نباهات سدت منابع القلق والشك والخوف ف ى قل ب ن وال ،لوان غيم ت عينيه ا دم وع م ترددة بخرتها ح اررة ابتسامة الثقة التى أش رق به ا ال وجه الحزي ن ،وه و يستس لم لحس اس عمي ق بالم ان إل ى ج وار هذه السيدة التى أجلستها إلى جوارها على الرصيف) (...أمامه ا ك انت البض اعة ال تى تبيعه ا للتلمي ذ ص باحا: أقلم ومساطر وك ارسات ..ملبس وك ارملة وورق ملون وورق شفاف عش ارت الصناف المدرسية\" أم نباهات هى صورة أخرى للم أرة التى يجلها سمير عبد الباقى ويثمن دورها هى وأمثالها فى الحياة، والحق أن سمير عب د الب اقى يحتفى بالبسطاء وتبدو له صور كفاحهم مع الحي اة \" أسطورية\" أم نباهات نموذج لم أرة مكافحة مثلها فى ذلك مثل مليين المصريات: \"ضحكت نوال وهى تحاول أن تجد لنفسها مكانا لهذه الست السطورية ،هكذا ط أر الوصف له ا ،وه ى ت اره ا ف ى غبش ة الفج ر تق وم تس لق ال بيض ،وتل ف الجبن ة بع د تقس يمها ش ارئح ح تى تأتيه ا ابنته ا ب الخبز والسميط الصابح من الفرن ..ثم تسرع إلى هذا المك ان لتقض ى ه ذه الف ترة ح تى ي دخل التلمي ذ إل ى المدرس ة. ت بيع وتج ادل وه ى ت دير مؤسس ة الق ص الص باحية )مكتب ة ومطع م( وبع دها تس رع لتش رف عل ى الف رع الث انى الرقى) كافيتريا فى دورة مياه المحكمة( تصنع وتبيع الشاى والقهوة والدمغة وخدمات أخرى كثيرة لغن ى عنه ا لرواد المحكمة من المحامين والعساكر والموظفين والفلحين ..مدعين ومتهمين ..سوابق وعواطلية وعمال\"
146 أم نباهات كما يقول الكاتب\" تنتزع القروش من بين أسنان تل ك الس اقية الجهنمي ة المتش عبة ال تروس والذرع والن وابض والرواف ع ال تى لتك ف ع ن القض م واله رس وال دفع والطح ن والنش ر والقط ع والوص ل وال دق مص عدة للس ماء أني ن ه ذا الخلي ط م ن الص وات ال ازعق ة والهامس ة الغاض بة والمغيظ ة الص ارخة م ن الل م ، اللنميمة ،وهى تلقى بأشلء من تلقمهم إلى الشارع أو إلى السجن على طول ذ ارعها الجبار\" ولم تكتفى أم نباهات بمجرد تيسير التعقيدات الدارية ،بل استضافت فى بيتها تلك الفتاة الريفية الغريبة عن المدينة ،واستطاعت بمساعدة رجب \"الجن\" وهو شاب \"هجام عايق وبتاع نسوان\" أن تعط ل المخ بر ومج دى ومنعهم ا من مضايقتهما أو القت ارب من الس جن ،لكنه ا وهى مشغولة بك ل ذلك ل تنس ى أن\" تزجر الجن وتلمه حين لحظت نظ ارته لنوال بمجرد أن رآها وتحذره أن يتجاوز حدوده معها\" الشيخ مقبل: ورغم أن النص يبدأ بوفاة الشيخ مقبل إل أن الكاتب يقدمه باعتباره شخصية مرهوبة الجانب ،عظيمة الشأن ،سيعود لوصف شذ ارت وهى مواقف مفصلية من حياته ويتوقف أمام لحظة موته تحديداً : \" الرجل الفحل المعمر ،صاحب الفضائح المس تورة والي د الطويل ة الخفي ة ،والهيب ة العلني ة ال تى ك انت توحى أنه سيعيش دون أدنى شك باتفاق السماء لبد حتى يبلغ المائة إن لم يكن إلى البد\" أما اللحظات الخيرة من حياة الشيخ مقبل فيرصدها الكاتب بفنية عالية حيث يرى الشيخ مقب ل عز ارئي ل \"يبتسم له فى طيبة\" ولك ن \"عن دما تح رك عز ارئي ل نح وه خط وة وج د نفس ه يقف ز منقلب ا عل ى ظه ره كق رد لس عه بصبوص نار\" الرجل الن فى شبه غيبوبة وصار يفعلها على روحه ،لكنه يظن أن فرج ال هى التى جاءت تغير له ملبسه: \"على جلده قشور جافة ميتة ،أ ازلتها الم أرة التى لم تسمع ش يئا مم ا ق اله ،وأح س برعش ة كفه ا حي ن لمست ساقيه المثلجتين ،وأفزعته أنفاسه اللهثة وهى ترفع رجله الثقيلة كالحجر لت دخلها ف ى الكلس ون الج اف النظيف ،لمح أظافره الزرقاء فوق الملءة النظيفة فذعر لطولها ،لكنه أخفى فزعه ،وأمسك يدها معت ذ ار .هم س لها -فرج ال احلف بشرفى ستأخذين حقك تالت ومتلت مش حاسمح لهم يدبحوك بعد موتى\" والرعاية الطبية تبدو له نوعا آخر من العذاب ،الرجل مصاب باضط ارب فى الدورة الدموية ،والتهاب فى القولون ،وانسداد فى المعاء ،هذا غير الفتاق: \" مد أحدهم ذ ارعه تحت ثيابه وطعنه بسكين ح اد ف ى بطن ه المتورم ة ...وأدخ ل أح دهم ش يئا غليظ ا ف ى إس ته فت أوه وأح س بالبل ل بي ن فخ ذيه ...خج ل م ن نفس ه وح اول أن ي دفعهم بعي دا ح تى ليش موا ارئحت ه الكريهة لكن عضواً من أعضائه لم يطاوعه حتى الذى س مم حي اته ...ذل ك العض و الملع ون ال ذى ك انت لمس ة أى بروز ناعم او مستدير توقظه كأنتوت المح ارث\"
147 التفت ناحية ال ازئر مستنجدا أن يخلصه مما هو فيه فرآه ينظر إليه بعيون باردة ودون ش فقة ك أنه ل ينوى أن يستجيب\" وتأتى نهاية الشيخ بشعة :كل القاذو ارت التى فعلها تخرج الن من فمه ،ذلك الفم الذى طالما مارس الكذب ،والذى سكت على مافعلوه بفرج ال: \" دم دافىء س ال عل ى الوس ادة م ن ج انب فم ه .ص رخ ف ى ق رف وغمرت ه ارئح ة كريه ة .الم أرة ال تى تنظف حول فمه أبعدت وجهها وغمر كفيها القىء فصرخت ) :خ ار(. حدث هرج ومرج كثير وضحك عز ارئيل شامتاً\" ويتجلى الشعور بفداحة ذنبه فى اللحظات الخيرة: \" أرى الجني ن المي ت الغ ارق ف ى ال دم ينظ ر إلي ه م ن بي ن فخ ذى ف رج ال المنفرجي ن غص باً .ن ادى عليها لكن عز ارئيل صار أكثر وضوحا وسط الزحام الملتف حول الجسد الميت ،وتلشت الحركة والص وات م ن حوله .لم يعد هناك سوى عز ارئيل يهدهد جثة الطفل المجهض بل تعاطف ثم يزيحه جانب اً ويم د ي دين رهيب تين إليه .لكن أحدا لم يسمع صرخته الفزعة التى لم يخرج منه نفس بعدها. حمدى: مأس اة حم دى أن ه أرى وال ده \" م دلوق ف وق البن ت وس ط العف ار والتب ن ...إذ يش اء العلي م الحكي م ان يشاهد مؤخرة أبيه الفخمة عارية بيضاء م ن غي ر س وء ،تعل و وتهب ط ف ى ت وتر ليلي ق بس نه ف وق جس د الب ت السم ارء الذى يتلوى تحتها ،وصاحبته تمؤ وتصرخ كقطة لئدة\" ومشكلة حمدى أنه واقع فرج ال ،ثم شاهدها تتلوى تحت أبيه فى الزريبة ،لقد صار معقداً نفسياً ونحن ل نعرف كيف أثر عليه الحادث ،لقد أمسى عنيناً مع زوجته ،فحلً مع العاه ارت ،ولندرى هل وقر فى قلبه أن فرج ال مادامت قد تركت نفسها لبيه فهى تشكك فى رجولته وأنه –حمدى -لم يكن رجلً فى نظرها بما يكفى. أم أن ه ق رر تك ارر نف س س يناريو الب ،فاس تغنى بح ارم ه ع ن حلل ه .وم ع ذل ك س يقع خ بر وف اة أبي ه علي ه كالصاعقة: \" حمدى الذى كان لحظتها ممتطيا صهوة وثيقة اثبات رج ولته الجدي دة تفي دة المتع ة ناس جة الكي اب والحصير الملون فى حجرتها التى يفتح بابها على ظلم الحقول مباشرة...انتفض انتفاضة محموم كأنما شكته المرة الخبيرة بإبرة محماة فى جنبه ،صرخ من لوعة حقيقية\". وبنهاية الب تزداد وتعمق أزمة حمدى ،بدل من شعوره بالتحرر وخلصه أخي ار من سلطة الب .لقد حض ر الع ازء وهو عل ى جنابة ،وبدا أم ام الجميع -ال ذين يعرفون أو يتوقعون أي ن ك ان -ضئيلً بج انب العم دة الجديد :
148 \" حاول حمدى أن يجمع شتات نفسه ليكون ابن أبيه لكنه أحس بضآلته ،وافتقد أب اه ال ذى ك ان مل و هدومه حتى فى مرضه ...أحس بذنب جارح لنه كان بعيدا ساعة م وت أبي ه ...أح س ه وة م ن الف ارغ تتس ع حوله وتحيط به ...ساخت روحه و أرى نفسه ضئيل وحيدا غير طاهر\" ويعد مشهد مواقعة حمدى لفرج ال واحداً من أقوى المشاهد التى توضح ب ارعة الكاتب وقدرته العالية على الوصف ،فقد كانت تستحم وحدها فى البيت وهى تغنى لسمهان ،ويرسم لنا الكاتب المشهد بعيون حمدى الشبقة: \" شاهد الظل ال ارئع اللعوب فتسمر يحملق مشدوهاً فى تلك الجني ة ال تى يلع ب ظله ا عل ى الج دار م ع نغمات صوتها العذب وس ط دخ ان اللمب ة الس اروخ وبخ ار الم اء المتص اعد وص وت الواب ور ،وص مت ال بيت إل من أنفاسه المتلحقة .ألجمته متابعة الجسد المتجسد فوق الحائط ،وتق افز رم ان الث ديين الن افرين ف وق الع ود السارح اللدن المتماوج .كانت تمارس مع جسدها نوعا من العج اب والعش ق بكفي ن ح انيتين ت دعكان وتعبث ان وترفعان وتتمايلن مع ذ ارعين مدملجين يستقيمان وينثنيان فى رقصة مثيرة\" وأمام تلك\" الجنية المغسولة بالشهد والنور\" يبكى حمدى فى حضرة ذلك الجمال ،فتشفق عليه فرج ال: \"وجدت نفسها تخ رج م ن الطش ت والم اء يس يل م ن جس دها الف ائر الناض ج ،وق د التص قت ب ه ج دائل شعرها الخشن السود .تقدمت منه فى لهفة مشفقة واحتضنته وأخذت تلعق دموعه بشفتيها\" فرج ال فى هذا المشهد ،هى التى تقود الحدث ،فهى أكثر د ارية وخبرة من الفتى الغض ،وهى التى أغوته ،وحمدى تائه تماماً فى بحرها ،إنه مجرد رد فعل \"غمره أريج جسدها المضمخ بالصابون النابلسى الملكى والعرق المعطر وقد لمعت عيناها لشهوة بريئة أضاءت روحه .أخذت تقبله وبادلها القبلت محموم اً فف ردت ل ه ب ارح حضنها الرحب اللدن ليتوه وينسى المولد والصحاب حتى قطع النفس وذاب فى الوجود الذى لم يعد سوى ضوء وأصوات وألحان سحرية شديدة الصفاء لم يلفت نظره أو تسعفه خبرته ليعرف أنها لم تكن عذ ارء\" المش كلة أن حم دى ك ان بل تج ارب فل م يع رف أنه ا ليس ت ع ذ ارء ،وهن ا ستص بح ك ارهي ة الب م بررة، سيصبح الب هو سارق السعادة من ولده: فى تلك السنة التى أفحمت ه فيه ا م ؤخرة أبي ه ف دمرت حلم ه ال برىء النظي ف ،ل م يحص ل عل ى ش هادة الثقافة بل ولم ينجح فى أى مدرسة ،فقد قدر له أن يكون ابن أبيه ووارث عهره\" سالم: ورغم تأخر ظهور سالم حتى ص 97لكنه البطل /الشخصية الرئيسية فى الرواية :فيقوم ب دور البطول ة ف ي أح داثها ،وق د ص ور الروائ ي ه ذا البط ل وه و يتفاع ل م ع الواق ع ويتح داه ،م ع إد ارك ه بمحدودي ة مح اولته أو صعوبتها ،أو عدم فوزه في النهاية ،إل أنه يواصل المحاولة .مولد سالم /سمير ،أو البطل يرتبط بأحداث جسام على المستوى القومى والعالمى ،يشبه أبطال السيرة فى مخاضهم الصعب وظروفهم المحيطة الستثنائية ،وفى ح ديث الك اتب يق ول عل ى لس ان الب إن ه\" الول د المش اغب المش اكس ال ذى عرفه م طري ق الس جون\" ويختل ط التاريخ العام بالخاص ،وكأن مولده يرتبط بتاريخ القرية والوطن والعالم بأسره:
149 \"الملك يعزل حكومة الوفد ويترفد الشيخ مقبل من العمودي ة ونقس م البل د وأورب ا تغل ى وبش ائر الح رب تدق البواب بقوة هتلر يحرق ال اريخستاغ ويستولى على سدة الحكم فى ألمانيا ويهدد ويهز صدر الرض\" \" وكان مص ير الول د الث انى مرتب ط م ن اللحظ ة ذاته ا بك ل ه ذه المص ائب والم رض والتع ب والزم ة القتص ادية تتحالف جميعها لتسد الطريق عليه وعلى البيضاء الحلوة ال تى يجه دها الحم ل ،ويأك ل قل ب س ى عب ده مرعوب ا أن يض يع بس ببه ك ل ماحس ده الن اس علي ه ،وتتح الف علي ه تهدي دات هتل ر ،وتحالف ات س تالين ،ومن او ارت البلقان ،فمل قلبه الحساس أن الولد القادم سيكون نحساً\" وميلد البطل يذكرنا بالبطل فى السيرة الشعبية حيث يكون مولده عسي اًر: لتنفع الحجبة و ل العمال ول حتى وصفات الدوية فى التخفيف من مرض الم الحامل ،وتزيد الم ور وط أة مع تهديدات النجليز للملك بسبب علقاته اليطالية ،واحتجاج الوفد على تعيين عل ى م اهر وطم وح المل ك أن يكون خليفة للمسلمين ..لم يكن قدوم هذا الولد يوحى بأى خير\" وتسمية البطل بعد معاناة والدته فى الحمل مبررة فنياً ،تقول خالته: -إن شاء ال سالم والقبض على سالم يشبه الهجوم على بن لدن ،فقد \"داهمت البيت ستة كميونات محملة بالجنود تقودها عربة بوكس مليئة بالظباط \" وهو ما يعكس مدى خوف السلطة لدرجة أنها تجرد حملة ،فى سواد الليل للقب ض عل ى ط الب ج امعى غي ر مس لح ،ورغ م ه ذه الق وة الباطش ة تس يطر العص بية والت وتر عل ى رج ال الم ن وكأنهم سيواجهون جحافل ج اررة أو على أقل تقدير إرهابى عتيد: \"ك انوا ق د حاص روا م داخل القري ة وتق دموا كم ن ي دخلون معرك ة حربي ة ف ى ليل ة س وداء ممط رة كه ذه وصرخة أشد رعبا من هذه الصرخات الملتاعة التى تمل سماء القرية أطلقتها قمر بنت جبر التى كانت خارج ة فى خرمس الليل لتمل بلصى م اء ...حي ن ف وجئت بط ابور العس اكر المس لحين يقتح م الح ارة ،من دفعا نحوه ا يهوله الظلم فظنتهم عفاريت نفضهم الليل .خرجت صرختها حادة مفزعة .لطمها الظابط القائد لطمة أخرس تها وأس قطت البلص س تين حت ة ،ففرق ع كالقنبل ة وأيق ظ الح ارة ...تهدي دات الض ابط ودق ات كع وب الجن د لبش ت الجميع وأرعبتهم وهم يشاهدون باب البيت ذى الثلث طوابق يفسخ برفسة من قدم الضابط\" ومن ناحية أخرى يبدو سالم فى عيون سجانيه شخصية \"نموذجية\" ونرى هنا هذا الشاب الشيوعى سالم ل بعين الخت أو الب بل بعيون سجان ،فسالم نموذج لكل الشيوعيين .سالم هو سمير الذى سيحاول فى \"زمن الزنازين\" تعليمه حسابات الكسور: \" ك انوا بش ار مختلفي ن علم وه الق ارءة وس اعدوه عل ى الترقي ة بس رعة .بعض هم ح ل ل ه ببس اطة لغ ز حسابات الكسور والقس مة المركب ة .ك انوا ف ى ع ز التك ادير والتع ذيب يحل ون مش اكله وه و الس جان وه م فاق دو الحرية كانوا أكثر منه حرية يغنون سيد درويش فى عز الكرب وينشدون أناشيد تخلى جلده يقشعر ح المين ، يفكرون دائما فيما سيحدث غداً .علموه هو الساخط دائم ا أن يح ب ه ذا البل د وأن يع ذر الن اس .أقنع وه أن ك ل من فى السجون حتى القتلة منهم هم ضحايا الفقر والجهل وانعدام العدالة وأن الحياة ليمكن ان تكون ظالم ة. البشر ه م ال ذين يظلم ون وأن يوم ا س يأتى بالتأكي د س تكون في ه ال دنيا أجم ل والن اس أطي ب عن دما يتس اوون.
150 كانوا مقنعين لوان لم يصدقهم تماما .كان مؤمناً ان الظلم مكت وب والمكت وب م امنه ه روب والش ر لخلص من ه لكنه كان يجد عندهم ع ازء كبي ار يخفف عنه ولم يكذب عليهم أبدا لنه متأكد أنهم ليكذبون\" وسوف نجد تك ار اًر لنفس شخصيات \" ولهم يحزنون\" مثل فتحى وحنيدق فى \"زمن الزنازين\" ولكن تاريخ الكتابة يوحى أن هذا هو أول ظهور للبرص والشاويش الطيب حسن عطية ،والصول مصطفى عاشق البلوبيف، وعطية المخبر ،والضابط \"ممدوح\" الذى ذكر الكاتب اسمه \"مدحت\" على سبيل الخطأ . أما فى زمن الزنازين: فلم تكن تجربة السجن مجرد وصف للعنابر والسجانة والزن ازنة والتعذيب ،ولكن هناك شخصية متنامية ه ى شخص ية البط ل ال تى نع رف حياته ا وكفاحه ا ال وطنى قب ل الس جن ،ويفس ح الك اتب المج ال للعدي د م ن الشخص يات ال تى لت دخل ف ى ص ارع أو تتط ور عل ى م دار الن ص .هن اك أبط ال يش بهون أبط ال الت ارجي ديا الل غريقية حيث يقف البطل وحده فى مواجهة العالم مثل المناضل فتحى الذى سبق وحدثتنا عنه نوال ف ى ولهم يحزنون: \"لقد شارك فتحى فى طباعة المنشو ارت وتنظيم المظاه ارت داخل بورسعيد ضد جن ود الحتلل ويق ال إنه شارك فى خطف مورهاوس لكنه أبدا لم يذكر شيئا من هذا ولم يتح دث ع ن نفس ه أو دوره ف ى أى مناقش ة جرت حول المر ..ولم يغضب عندما لم يذكره أحد من الذين قاموا بتأليف الكتب والمقالت عن أيام النتصار\" فتحى مجاه د ك ان واح دا م ن رج ال المقاوم ة الش عبية ال ذين تس للوا إل ى بورس عيد ورغ م رف ض أخي ه للعمل السياسى ذهب ليودعه فى المطرية وعندما رآه فى ثياب الصيادين بك ى وق ال\" انت و حتكون وا الحط ب ف ى الحريقة يافتحى ...ماحدش حيفتكركوا بالخير وبرضه حتبقوا المتهمين فى الهزيمة والنتصار\" وف ى حكوم ة س جن المنص ورة تب دو الس خرية واض حة ف ى تص وير شخص ية م أمور الس جن ال دماطى وجبروته وجولته التفتيشية التى ل طائل من و ارئها سوى بث الرعب فى قلوب المساجين. \"الباشا )الدماطي( مأمور السجن ،وهو )ديك رومي( هائل الحجم ..أبيض ومربرب ،نصفه الس فلي ضعف حجم نصفه العلى ..حين يسير في خطوة منتظمة يبدو أنه ينط للمام في قف ازت قصيرة غير منتظم ة ..ول يتحرك من مكتبه إل وتسبقه صيحه عالية رنانة يطلقها بعد صفارة طويلة حضرة الصول )مصطفى(\" وحين يتعرض الكاتب للنماذج البشرية يبدأ بالسجانة \" لم يكن فى الس جانة واح د يش به الخ ر .وطبع اًاً بع د الوص ف الب دنى يب دأ ف ى وص فهم نفس ياًاً \" كان لك ل ش اويش منه م نقط ة ض عفه الخاص ة وك انت لك ل واح د حكاياته بل وفضائحه المختلفة أيضا\" وقناع الجلد يسقط بعد حين أمام ذات أخرى ،يعرف الجلد أنها أكثر منه ثقافة وتعليماً ،ويعرف أيضاً أن تلك الذات قد اختارت الصواب رغم فداحة الثمن ،حينئذ يصبح البطل أشبه بالقساوسة الذين يتلقون اعت ارف الخاطئين:
Search
Read the Text Version
- 1
- 2
- 3
- 4
- 5
- 6
- 7
- 8
- 9
- 10
- 11
- 12
- 13
- 14
- 15
- 16
- 17
- 18
- 19
- 20
- 21
- 22
- 23
- 24
- 25
- 26
- 27
- 28
- 29
- 30
- 31
- 32
- 33
- 34
- 35
- 36
- 37
- 38
- 39
- 40
- 41
- 42
- 43
- 44
- 45
- 46
- 47
- 48
- 49
- 50
- 51
- 52
- 53
- 54
- 55
- 56
- 57
- 58
- 59
- 60
- 61
- 62
- 63
- 64
- 65
- 66
- 67
- 68
- 69
- 70
- 71
- 72
- 73
- 74
- 75
- 76
- 77
- 78
- 79
- 80
- 81
- 82
- 83
- 84
- 85
- 86
- 87
- 88
- 89
- 90
- 91
- 92
- 93
- 94
- 95
- 96
- 97
- 98
- 99
- 100
- 101
- 102
- 103
- 104
- 105
- 106
- 107
- 108
- 109
- 110
- 111
- 112
- 113
- 114
- 115
- 116
- 117
- 118
- 119
- 120
- 121
- 122
- 123
- 124
- 125
- 126
- 127
- 128
- 129
- 130
- 131
- 132
- 133
- 134
- 135
- 136
- 137
- 138
- 139
- 140
- 141
- 142
- 143
- 144
- 145
- 146
- 147
- 148
- 149
- 150
- 151
- 152
- 153
- 154
- 155
- 156
- 157
- 158
- 159
- 160
- 161
- 162
- 163
- 164
- 165
- 166
- 167
- 168
- 169
- 170
- 171
- 172
- 173
- 174
- 175