51 والحساس بالذنب وارتكاب الجريمة له مبر ارته أمام القارىء ،لكن الكاتب حين يعود للواقع يجد الجميع يغيرون من قناعاتهم ويتنازلون عن أشياء حميمية مثل بيت الهناءة الولى بدافع من النانية ،أو لتغير الظروف التى تجعل الق اررت شوهاء متناقضة \"وه ا ه و وق د غمرن ى ش عور ج اد بالجريم ة ،ي دفعنى إل ى الموافق ة عل ى بي ع ال بيت بي ت الحلم والطفولة والمرح\". إن التمس ك ب البيت كرم ز لزم ن جمي ل ق ديم يش به تش كك الك اتب ف ى مواق ف الرف اق اليس اريين ،وه و ل يبرئ نفسه من النانية وبيع القضية فى نوع من جلد الذات يستمر على مدار ثلثيته ،لكنه يسوق لنا ولنفسه مبر ارت التخلى عن البيت :لقد صار البيت يمثل مشكلة حقيقية لخيه هشام: والبيت أصبح عبئا عليه دوننا فقد كان مضط ارً أن يعود للبلد كل مدة ،ي ارج ع الموت ور ويت ابع مش اكل الرض .وازداد عبء البيت مع الي ام ،فالس قف ب دأ ينه ار وأص بح الم بيت في ه خط ار أو م ثيًار للخ وف خاص ة لدى البنات ،و ازد من عبئه مشاكل زوجته وبناته مع الجي ارن وأبنائهم بعد الهجرة إلى المدين ة وممارس ة الحي اة الحضرية. هكذا نلحظ أن استدعاء المكان المنزل مر بثلث م ارحل :الولى هى الحديث عن بيت الجد كبيت الهناءة والطفولة ،ثم الحديث عن البيت بعد تعديلت الب لستقبال الم ،وأخي اًر البيت بعد الخروج من السجن. وقد حمل هذا المكان دللت مختلفة تبعاً لرؤى الشخصية والحالة النفسية التي تمر بها ،وتنوع الزمنة الذاتية فالحساس بالمكان يتبدل تبعاً لتلك الحالة التي ل تعرف الثبات .لكنه يشكل بكل تأكيد أهم الفضاءات ال تى يدور حولها نص \"موال الصبا فى المشيب\" أما فى \"ولهم يحزنون\" فالبيوت تختلف ،والبيت ليس دائماً بهذه الحميمية ،فالفقر والقهر يجعلن البيت مكان اً ملعون اً تس كنه الش باح ،وأرواح المض طهدين ،فوص ف بي ت \"ف رج ال\" ض حية الفق ر والظل م ،يجع ل مص ير البيت غير منفصل عن مصير ساكنه ،فلنرى أشباح بيت الضحية: \" اختبات أشباح وعفاريت فرج ال عن دما أرت الش نقيط قادم ا م ن بعي د ...ول و أن ه التف ت لوهل ة قب ل خروجه من باب الدار لشاهد زمرة من الشباح تتابعه متلصصة من كل الرك ان المظلم ة ،تلص ص م ن يخش ى إغض اب ف رج ال ال تى ح ذرتهم حي ن أرت ه أن يظه روا ل ه..لكنه عن دما اختف ى ع ن األنظ ار وص ار بعي دا ع ن متناول الصوات رقصت و ازطت وهاصت وأحاطت بفرج ال تنتظر أوامرها عما ستفعله فى هذا اليوم العصيب\". وعندما تذهب رتيبة بصينية طعام لفرج ال يصبح المكان أشد قسوة من السجن ،ويصبح التعذيب فيه مضاعفاً ،إذ يمارس البيت بالضحية القادمة أشد أنواع التنكيل إن لعنة المكان واضحة ،لكنها لعنة لها مبر ارتها ، فرتيبة قد شاركت فى إجهاض فرج ال وحرمانها من طفلها. \"ح وطت ف رج ال عليه ا ب ذ ارعين كالم دارى وأخ ذتها ف ى حض ن ك اللهب ...لك ن أح دا ل م يج رؤ عل ى القت ارب من الباب المغلق ال ذى ك انت تم ور وتتص اعد خلف ه همهم ات الش باح وأص وات غامض ة تش به مض غ وتكسير عظام وضلوع ودقات طبول مجهولة كطبل ازر رهيب.
52 فضاء القرية ف ى م وال الص با ف ى المش يب :انته ج الك اتب منه ج تق ديم المك ان ف ى الفتتاحي ات الكلس يكية ،فج اء الوص ف طوبوغ ارفيا لميت سلسيل ،متحدثاًعن معالمها التى تغيرت الل ن بل شك ،وهى صورة نوان كانت ترسم الجو العام ومكان الحداث ،إل أن الوصف جاء جغ ارفيا بعين باردة غير مندهشة ،أو قادرة على اثارة الدهشة ،لكن الكاتب ي ارها ضرورية لرسم ديكور وخلفية الحداث .تأتى محاولة اثارة الدهشة وأسطرة الواقع بالحديث عن أصول القرية وسبب تسميتها حيث يختلط الواقع بالخيال ،ويمتزج فى عقل الطفل بحكايات خالته .المكان هنا له علقة بالجن والعفاريت وتاريخ الف ارعنة والمماليك وحكايات الدب الشعبى .هنا يصبح الوصف ممتعاً ،ومرجع المتاع فيه أن المكان مؤنسن بحكايات ساكنيه ،فكل مكان له علقة بشخصية ما ،مثل \"زهزهان\" الجنية \"فهى من سللة الذين تزوجوا جنيات البحيرة\" أو بشخصية الخالة المكشوف عنها الحجاب ذات القد ارت السحرية والم ازيا الخفية، والش يخة \"نعيم ة\" العمي اء \"التى ترى عز ارئيل فتبصره حي ن يح وم ح ول القري ة ف ى نص اص الي الى ليقب ض أرواح العذارى\". فى القرية نرى الس ارية ،ذلك المكان العجائبى ،سن اره فى النص وهو فى طور ازدهاره مرتين مرة بعيون سمير الطف ل ف ى زي ارة عائلي ة \" أثن اء الح رب المش تعلة بي ن النجلي ز واللم ان ف وق أرض وس ماء مص ر\" حي ث يب دو المكان ذكورياً وعدائياً بعض الشىء ،إذ يستقبله حارس عجوز: \"فتح لنا رجل مسن عتيق غامض ظهر فجاة أم امى ف أفزعنى ك أنه ش بح خ ارج للت و م ن قمق م اح دى حكايات ألف ليلة ،فهذا البستان المسكون بالجنيات والحوريات كان دائماًاً مركز تص و ارتى ع ن جن اين ح واديت خالتى ،عمامته المعقدة الكالحة المتربة ،وث وبه الب الى المعق ود ح ول وس طه كاش فاًاً ع ن س اقى عن زة جرب اء بالضافة إلى لحيته الطويلة الرمادية التى تؤطر فى غموض وجهاًاً جافا تبرق في ه عين ان ثعلبيت ان ،س مرتنى هيئته على التو حين فاجأتنى تسألنى بصوت صاعد من جب عميق عما أريد\" ومرة أخرى بصحبة صبية من سنه تقريباًاً ،وهى ابنة أصحاب المكان ،ورغم أن البنت فتاة عادية ،لم يصفها النص بالجمال إل أن الحضور النثوى فى أعمال عبد الباقى يضفى دائماً جمالً على وحشة المكان أو يضيف جمالً إلى جماله: \" ووج دتنى معه ا ف ى الجنين ة الغامض ة الغني ة الظلل ،الرطب ة .تس رى بي ن أغص ان أش جارها الغض ة الثرية أنفاس جنيات غامضة تهمس بنداءات مثيرة وتتدلى منها عناقيد من ثم ار ش هية أع رف بعض ها وأخ رى ل أعرفها تكاد تنفجر عصائرها ممزقة بشرتها الشفافة .وثمة أصوات طي ور أس طورية متخم ة وحش ارت لتك ف عن الطنين والثرثرة ،تطير فى بطء منتفخة من الشبع ،نهمة عدوانية ،سك ارنة بعسل الفاكهة الناضجة .تؤك د لى أن هذه الجنينة هى البستان الذى كان منذ ب دء الخليق ة مي داناًاً لك ل الل ح داث ال تى ج رت ف ى ك ل بس اتين حواديت خالتى السيدة من أول )يامقص قص طرف لسانه( إلى جنيات الشاطر جاهنش اه اللئ ى رآه ن طي و ارًاً يخلعن ثياب الريش ليصبحن حوريات ارئعات .خاض من أج ل اح داهن اله ول ف ى بس تان المل ك س ليمان ال ذى يحرسه عم عثمان الذى يعرف لغات الطير والعفاريت.
53 وس مير عب د الب اقى حريص عل ى تتب ع تاري خ الم اكن وزيارته ا م رة بع د م رة لرص د تغي ارته ا وتحولته ا، والرواية بصفة عامة تنحو نحو الفقد والنقصان ،والزمن له تأثير سلبى فهو ليبدل القبح جمالً ،بل على النقيض نرى مساحات الجمال تتقلص شيئاً فشيئاً فلنلحظ تبدل المكان )الس ارية( بعد مرور سنوات: \"ل م تع د ف ى هيبته ا القديم ة ال تى أس رتنى م ن قب ل ك انت أو ارق الش جر المهم ل ت ت اركم ح ول الج د ارن وعلى السلم الرخامى الذى انتزعت منه الن درجتان على القل. الج د ارن كش فت ع ن الط وب الحم ر ال ذى ب دا مرصوص ا عل ى الف ارغ .وتح ولت المون ة إل ى غب ار ..الرطوبة اكلت البياض ،وتساقط البهاء الذى كان يغلف الجد ارن الجنينة التى كانت ثرية الظلل والثمر ص ارت أش جا ار ج رداء تثم ر قطع ا قديم ة م ن القم اش وال ورق ،ترفرف ك اريات جيش مهزوم ،وأو ارق متغضنة جافة وقطع من خشب بالى ،وحطب واعش اش زن ابير .هرب ت الطيور إلى رياض اخرى ،لم تجدبها الخلفات ويتحدث فيها البشر العاديون أحاديث ودية. ك انت الس ارية تب دو خالي ة .تطي ر الطي ور ع بر ف ارغه ا خلل النواف ذ المكس ورة والمخلوع ة بينم ا ظ ل الباب الكبير مغلقا باحكام وقد عله الصدأ وفقد أكره التى كانت تلمع ،عدي د م ن الس حالى الخض ارء والرمادي ة تم رح تح ت تح ت أك وام الل و ارق المت اركم ة الجاف ة ،ال تى أص بح م ن الص عب ا ازحته ا ف تركت لحاله ا م أوى لجعارين سوداء وخنافس ولبعض الثعابين المحتمل ة غي ر المرئي ة والقناف ذ المعتزل ة ،كن ت اح س بعش ارت م ن عيونها السرية ت ارقبنا فى حذر توقيا لى حركة غدؤر تصدر منا\". ومع عصر السادات سنرى ميت سلسيل بعد النفتاح بنظرة تشاؤمية ،وهذه النظرة نجدها فى العديد من كتابات سمير عبد الباقى حتى فى كتاباته للطفال ،إذ يقدم دائما مرثية لمكان حميم ارتبط بسحر وخيال قديم، نجده فى قصة ذلك الطائر الذى يعود فى هجرته فل يجد فى القرية سوى مساحات أسمنتية بدلً من الحقول والشجار القديمة: \"ميت سلسيل لم تعد ميت سلسيلك ،كهرباء السد العالى أفسدت ليالى الخيال البكر وطاردت حوريات القم ر وجني ات الظلم ة الحاني ة فض حت س ذاجة الرعش ة المس روقة تح ت ايك ة الياس مين وب ارءة س حر أش عار العش ق الول ى ...طاردته ا محلت الل ت ارى والفي ديو واغ ارءات بورس عيد الح رة ال تى أ ازل ت بك ارة الع ذارى، وعلمت الفلحين فنون السمسرة والتج ارة المحرم ة ،ومس حت بأس تيكة الحاج ة المتنامي ة ك ل ماب ذاكرة الع واجيز العجزة من أمثال ومواويل ،ودفنت ف ى حم ى المسلس لت الحديث ة جث ث ح واديت الش طار ولي الى المنق د الدافئ ة وعطر الجدات\" فضاء البحر الح ديث ع ن البح ر ل يس تلزم بح اًر جغ ارفي اً ،فل يقص د ب ه الك اتب ،بح رى مص ر البح ر الحم ر أو المتوسط ،وقد وردت كلمة بحر في معاجم اللغة لمعان عدة ،منها ما د جل على الماء الكثير مل ًحا كان أو عذبا وهو خلف البجر ،و ماء بحر :ملح :ق جل أو كثر 77 .و في الصحاح :ماء بحر أي ملح ،و أبحر .الماءَ :ملح78. ابن منظور ،محمد بن مكرم :لسان العرب ،بيروت:دار صادر ،مادة)بحر(. 77 الجوهري :الصحاح ، ،تحقيق:عطار:أحمد عبد الغفور ،ج ،2بيروت:دار العلم للمليين ،مادة)بحر( 78
54 و في المقاييس \":يقال للماء إذا فغلظ بعد عذوبة :استبحر ،و ماء بحر أي ملح \" 79و ازد الثعالبي \":ل يقال للماء الملح أفجاج ،إل إذا كان مع ملوحته مًار\" .80 كما دلت كلمة بحر في المعاجم جمي ًعا على معنى النهار العظيمة ،قال ابن منظور \":وقد أجمع أهل اللغ ة أن الي جم ه و البح ر ،و ج اء في س ورة القصص\" فألقيه ف ي الي م\" .81وف ى ذلك ق ال أهل التفسير \" :ه و ني ل مصر حماها ال تعالى 82\".وعند ابن فارس أي ًضا\":النهار كلها بحار\" 83وفي الصحاح \":كل نهر عظيم بحر84 نخلص من ذلك أن استخدام الكاتب مفردا ٍت مثل بحر النيل أو البحر الصغير وهو مجرد ترعة كبيرة، لم يجاف الصواب ،لكننا سنتوقف عند البحر بمفهومه الجغ ارفى الحديث ،ففى الطريق الى السكندرية ،يستشعر الول د ري ح البح ر ،وس وف ن رى فرح ه ب البحر قب ل أن ي اره ،وكي ف يعق د مقارن ات بي ن البح ر الحقيق ى وبي ن بح ر الصحاح: \"أخرجت أرسي من الشباك أواجه الريح رغم تح ذي ارت وال دي أل أفع ل .ك انت هن اك ارئح ة تك اد تك ون غريبة . -دي ريحة البحر ..إحنا على وصول .واليود ح يوسع صدرك . الشمس كانت دافئة والنسمة تشرح القلب ..لبد أنه البحر ..البحر – لبد أنه أكبر من )البحر الصغير( ..ولذلك سميناه البحر الصغير وأكبر من )بحر النيل( كما كانت تطلق ستي على النيل عند )المنصورة( يقولون أننا ل نستطيع أن نرى ضفته الخرى .والبعض أكد لي أنه ل ض فة أخ رى له . وعندما يقف فعلياً أمام البحر ليجد كلمات لوصفه ،وقديماً قال النفرى \"كلما اتسعت الرؤيا ضاقت العبارة\" \"البحر .. يا له من كائن ويا له من كيان .. كن ت أظ ن أنن ي مل ك الحق ول الخض ر ..مل ك )الخم س( و)الس باخ( و)أرض الطي ر( و)الس احل( .. وأنن ي المس يطر عل ى مي اه )البح ر الص غير( و)المغ ذي( و)الس حارة( و)الخ اررة( و)اله َدار( .وح تى )ترع ة الج وابر( ل أطي ق البع د عنه ا نه اًار واح ًدا .وأنن ي أس رع م ن يعبره ا س باحة أوغط ًس ا ..وأنن ي المرص ود م ن جنيتها ذات الصابع شبه البل ح الحم ر ..ف إذ ب ي وبمج رد أن عبرن ا الك ورنيش ووج دتني ف ي م واجهته وج ًه ا ابن فارس :مقاييس اللغة .تحقيق:هارون ،عبد السلم ،بيروت:دار الفكر 1979 ،مادة)بحر(. 79 الثعالبي:أبو منصور ،فقه اللغة و أس ارر العربية ،تحقيق :محمد فتحي السيد ،القاهرة:المكتبة التوفيقية ،ص 37 80 81 سورة القصص ،آية 7 82 ابن منظور :لسان العرب ، ،مادة)بحر(. 83 ابن فارس :مقاييس اللغة ، .مادة)بحر(. 84 الجوهري :الصحاح ،مادة ،مادة)بحر(.
55 ل وجه أص ابني الخ رس أو أك اد أص اب بالش لل .واتس عت عين اي وفغ ر فم ي ف ي دهش ة وبله ة ..تعج ب له ا والدي الذي كان يكرس معظم وقته للحد من علقتي بالماء . عجزت عن النط ق .ك انت الجمل ة ت دور ف ي ح روف مبع ثرة أم ام مخيل تي ول أس تطيع نطقه ا ..كلم ا انتظمت بعترها هجوم الموج المباغت الذي كان يعلو الصخور ف ي إص ارر ،وك أنه مص ر عل ى الوص ول إلين ا . ض حكوا أو قف زوا مح اولين تجن ب رذاذه ..أن ا ل م أفع ل ..ب ل تجم دت ع اجًزا ع ن نطقه ا ،أو نط ق أي غيره ا يعبر عما أحسه وأنفعل به ..احتاج المر لربع قرن كامل لكي ينطقها )ابني( ..معبًار عن دهشته حين ش اهد موج النيل يلطم صدر الوتوبيس النهري في أول مواجهة له مع الماء وهو لم يزل دون سن المدرسة .صاح في تلقائية ومرح .. -يااااه ..الدنيا بتستحمى \".. وقد زعم الكثير من الدارسين أن العربى القديم كان يخاف البحر وبالغوا فى تضخيم ذلك ،مع ذلك لم يتوافر بين أيدينا سوى قطعة شعرية واحدة ،تنسب إلى أع ارب جي ،كلفه السود بن بلل المحاربي عامل هشام بن عبد الملك ،بغزو البحر ،فلما أصابته الهوال قال: أقول و قد لج السفين ملج ج وقد َب فعدت بعد التقرب ص ور أل ليت أجري و العطا َء صفا لهم وحظي َحطوط في الزمام وكور وتظهر البيات كما نرى أع اربًيا ملتاعاً ،يندم ويرتجف فرقا من ركوب البحر ،وحالة الع ارب جي ليست مستغربة ،وليست دليلً مطلقاً على خوف الشاعر العربى القديم من البحر سواء كان ذلك في العصر المو جي أم فى العصر الحاضر. وموقف سمير عبد الباقى من البحر يشبه موقف الكثير من الشع ارء العرب الذين حاروا فى تفسير موج البحر ،فقد اختلفت مشاعر شع ارء العرب من البحر ،فقد حاول الشاعر العباسى ابن خفاجة تفسير ظاهرة الموج فلم يفلح فى تفسير اضط اربها فقال: فما تني أحشاؤها تخفق فولجٍة تفرق أو تعشق من ال َصبا مزبدة تقلق شارفتها وهي بما هاجه أما ابن حمديس قد شبهه بالجمل حين يرغي ويزبد غضًبا فقال: من نكبٍة هوجاء فح جل وثاقها ومن جسم الذ في يعبق شطه فيها القروم وأزبدت أشداقها وكأنما أرت ال ِحقاق فعجعجت وابن حمديس هو صاحب أغرب صورة على الطلق فى شعرنا العربى ،فقد شبه البحر بالشيطان ،الذي يعبث بمصروع حين قال: وما تفارق منه روعة روعي وأخضر حصلت نفسي به ونجت كما تعجبث شيطان بمصروع أرغى وأزبد والنكباء تغضب ه
56 على هذا تبدو مشاعر سمير عبد الباقى الشاعر من البحر -فى خوفه وفرحه به فى آن واحد -مبررة، ل على المستوى النسانى فقط ولكن على مستوى ثقافته الشعرية ،فكما يقول دريدا كل نص هو رماد نصوص أخ رى ،وبالتأكي د ش كلت تل ك الق ارءات الش عرية وج دان س مير عب د الب اقى ،فع بر ع ن ذل ك متمثلً خ برة ش ع ارء آخرين ،ولكن على المستوى النثرى .ولن يختلف المر فى شعرنا الحديث فمحمود درويش مثل يتردد فى وصفه للبحر ،أحيانا يستمد من البحر معاني القوة و البأس و الجبروت ،حيث يتخذه رم از للثورة والعنفوان: لو كان لي في البحر أشرعة أخذت الموج و العصار في كفي ونومت العباب وأحيانا ي اره الدرويش وديعاً هادئاً ،شديد الجمال والرقة في ابتسامة المحبوبة: أحلم أن أرى عينيك يوما تنعسان! فأرى هدوء البحر عند شروق شمس شفتيك موقف سمير عبد الباقى من النهر يذكرنا أو يكاد بموقف باشلر 85من الماء حين أرى فى النهر وظيفة جنسية حي ن ق ال\" :إنه ا تمث ل للع ارء النث وي ) (...ف الم أرة ال تي تس تحم في ه س تكون بيض اء ،ش ابة وبالت الي عاري ة. فضل عن ذلك يستدعي الماء الع ارء الطبيعي الذي يمكنه المحافظة على الب ارءة ) .(...الكائن الذي يخ رج م ن الماء ،هو عبارة عن انعكاس يتجسد شيئا فشيئا :إنه صورة قبل كونه كائن ا ث م رغب ة قب ل تح وله إل ى ص ورة. بالنسبة لبعض أحلم اليقظة ،كل ما ينعكس في الماء يحمل الس مة النثوي ة \"86والم اء عن د باش لر ه و م وطن للحوريات الحية والميتة ،ويعتبر بذلك المادة الحقيقية للموت شديد النثوية على هذا يبدو أن ارتباط سمير عبد الباقى بالماء ل ينفصل -حسب آ ارء باشلر -عن ارتباط شاعرنا بجسد الم أرة ،ويكمننا الن فهم ولع سمير عبد الباقى بالماء . \" حينم ا نرتب ط بالم اء ،نح ب جس د الم أرة ،وه و ينم ي الع ارء ال ذي ي وحي بك ل أش كال الص فاء .يض في الخي ال المادي على الماء كل صور الست ارحة البدي ة ورمزي ات الحي اة والح ب .يرس م ،الم اء مث ال للم أرة المعش وقة : ))حيث نتوحد بها كليا ،ونحن نغطس في الماء ،إلى غاية الحساس بها باطنيا .جل ،تأويلت الحلم ،تق ر ب أن أحلم الماء مرتبطة بالحب والولدة\".87 لكننا لو تركنا تعامل الشع ارء القدامى والمحدثين مع البحر ،فليس المر مثي اًر للدهشة أن يكرس الكاتب فى كل نصوصه الحتفاء بالماء وعدم الخوف منه ،فالماء كان صديقاً له منذ الطفولة ،ولست أدرى لماذا يلح على خاطرى بحر محمود درويش مرة أخرى ،حين يعتبر البحر موتة رومانسية: Gaston Bachelard : l'eau et les rêves, essai sur l'imagination de la matière, José corti 85 نفسه 49 86 87
57 \"أيها الموت انتظرني عند باب البحر في مقهى الرومانسيين\" وطبيعى أن يجد الطفل والم ارهق سح اًر غير عادى فى الماء .كان باشلر يرى فى الماء دعوة للموت ، لكنه أرى فيه أيضا صورة للست ارحة البدية .تومثيلًلً للحياة والحب .بل ،كان يعتبره رحما وأ جما لكل الشياء. وقد اعتبره يونغ ،من الرموز الكثر قدما للنمط الصلي المتعلق بالمومة .فالماء أمومي ،يهدهد ،لنه يشبع رغبة مستترة ،وقد يجسد الماء ،أيضا الم أرة المعشوقة .وفى ذلك يقول باشلر: الم اء ،طمطه ر ي دعو النف س البش رية للص فاء والنق اء .تنبع ث من ا غري زة النق اء والطُه ر ،ك ي تتبل ور رمزي ا .والم اء ،عنص ر وج ودي يعك س ذل ك .وق د نظ ر ق دماء المص ريين إل ى نه ر الني ل باعتب اره منبثق ا م ن \"أوزيرس\" .وفي السياق ذاته ،نظر البعض إلى منابع الماء مثل أمكنة لقامة الحوريات واللهة الصغيرة88. لكننا نعود لحكايات سمير عبد الباقى مع الماء وعلقته الخاصة به فن اره يقول فى \" زمن الزنازين: \" والدي وأنا وزميلن لي مع والديهما ذهبنا للبحر ) (...شاهدت عدة )دلفين( تقفز في النيل متجهة إل ى )دمي اط( .ك انت مي اه البح ر يومه ا تص ل إل ى حي ث )س د فارس كور( ال ذي ع ادة م ا تب دأ إ ازلت ه اس تعداًدا لستقبال الفيضان التي .وأغ ارني حضور هؤلء الزوار البحريين إلى النيل أن أستحم .اعتبرت ذلك دعوة ل ي وعلمة .وألح علي هذا الخاطر فتسللت خفية عنهم وألقيت نفسي في النيل .وأنا واث ق أنن ي ل و غرق ت فس وف تنقذني تلك )الد ارفيل( الصديقة كما ق أرت في حكايات البحر وسمعت في حواديت خالتي .. وفى \"ول هم يحزنون\" سنرى البحر هذه المرة بعيون الخت آمال ،هناك تاريخ للمنصورة لينى يتكرر فى أعمال س مير عب د الب اقى انه ا منص ورة الزم ن الجمي ل ،حي ث يرب ط دائم اً بي ن البح ر وبي ن اللحظ ات الجميل ة ،فعذوب ة الوصف هنا تغرينا بالصمت وتأمل تلك الصورة المشهدية ال ارئعة ،حيث يختلط الماء بالم اركب بالناس المتابعين وكأن –البحر الصغير -نموذج مصغر للبحر ،شديد اللفة يتابعه الناس فى معرض أو سيرك ،وسوف تصبح الصور السمعية هنا ذات أهمية خاصة حيث يختلط أصوات الرجال الشداء بصيحات اعجاب الطفال ،بتهليل العابرين ،بالغنيات إنه \"بحر\" صغير فعل مروض إلى أقصى حد. \" كانت المنصورة مدينة أخرى غير هذه المدينة التى تبدو كئيبة قاسية ،بعد أن ردم البح ر الص غير\" كانت تأتى صغيرة لتشاهد دخول وخروج الم اركب عبر الهويس إلى فرع دمياط\" \" ك انت الم ارك ب ت دخل الح وض الك بير الهائ ل وعليه ا م اركبي ة وبض ائع ومس افرين م ن جه ة النه ر ،ث م تغل ق البوابات بواسطة ت روس ض خمة ي ديرها رج ال نص ف ع اري ا ي ردون عل ى ك بيرهم بأص وات مجه دة ولكنه ا قوي ة، وبعد غلق البوابات ،تفتح طاقات يندفع نحوها الم اء الع الى م ن البح ر الص غير ،ح تى يمتلىء الح وض وتطف و الم اركب .الطفال والمتفرج ون م ن الن اس ال ذين تج ذبهم أص وات البح ارة وغن اء الم اركبي ة يهلل ون عن دما يص ل الم اء إل ى مس توى م اء البح ر الص غير .تفت ح البواب ة الخ رى وتتهي أ المرك ب للخ روج ،وترتف ع أص وات البح ارة ون داء الري س ،وتف رد الش رعة للس تفادة م ن ري ح الش مال ،وتنغ رس أع واد خش بية ض خمة وطويل ة ف ى ح ائط الح وض لت دفع الم ارك ب ،بينم ا تلق ى حب ال ض خمة يتلقاه ا بح ارة عل ى ال بر يلفونه ا ح ول ص دورهم وأجس ادهم نص ف العاري ة ليج ذبوا الم ارك ب ف ى ايق اع محس وب م ع أص وات وهمهم ات منغم ة و ارء ك بيرهم .يختل ط غن اء 88انظر جاستون باشلر وخيالت الماء
58 البح ارة بص يحات الطف ال المرح ة ،ويتب ادل الجمي ع التحي ة والمحب ة ،ث م تش ق المرك ب طريقه ا خ ارج الح وض وسط تهليل المتفرجين والعابرين\"... فضاء السينما: تعد قاعة السينما أحد الفضاءات التي يوليها الكاتب اهتماماً خاصاً ،فهي واحدة من التجارب التي أثرت حياته وشكلت منعطفاً كبي اًر في مسيرته ،إذ نقلته من عالم لخر يمثل الول عالم الطفولة وبدايات الم ارهقة ،ذلك العالم المحدود ،والذي كانت فيه )النا( محاصرة بالفقر والعوز .ويمثل العالم الخر مرحلة النضج والنعتاق، والتحرر والنفتاح على العالم الخارجي ،وتحقيق الذات المتعطشة للمعرفة والتجربة. وهذا ما يؤكده النص ،فلنتأمل الوصف الذى يجعل من قاعة السينما مكاناً مسحو اًر عجائبياً ،فالحقل السيمائى الذى يستخدمه الكاتب أرحب بكثير من أى فضاء آخر ،إنه يمثل نقلة نوعية فى المكان؛ من الواقعى إل ى المتخيل ،والحديث له علقة دائم ا بالباب ،يمكن للسينما أن تكون المك ان البرزخ أو العتب ة :فالبرزخ هو العتبة الفاصلة والواصلة بين مكان ومكان ،إنه مكان عبور ل ينتمي إلى مكان النطلق كما ل ينتمي إلى مك ان الوص ول .ول ذلك فه و لي س مكان اًاً م ا دام لي س مح ل إقام ة .نواذا ك ان ال برزخ ف ي الق اموس ال ديني ه و المك ان الفاص ل بي ن الم وت والبع ث؛ الش يء ال ذي يس مح للمقيمي ن في ه ب ارح ة خاص ة ،ف إنه ف ي ق اموس الرواي ة مك ان خاص ،89وسوف نجد أن الكلمات المستخدمة تحيلنا إلى مكان مفتوح مت ارمى ،والسينما رغم ذلك تستدعى نوعاً من الوجل والرهبة ،سوف تقابلنا بتواتر كلمات مثل النور ،والضواء ،والقمر ،والسموات ،وبوابات الجنة..الخ ابتلتني )السكندرية( إذن بأمنيتين لم أشف منهما أبًدا ..هما ضعفي أمام خضم البح ر المال ح ال ذي ل شطوط له ) (...وشغفي المرضي ببوابات وم داخل الس ينما ف ي ك ل الم دن القادم ة ال تي زرته ا ف ي مص ر أو في العالم ..والتي ل م تس تطع أي منه ا -عل ى تن وع أش كالها وأحجامه ا وحرك ة الن وار اللهث ة عل ى ج د ارنها الملونة ،المتعددة السرعات والمختلفة اليقاع وزجاجها الملَون عاكس الضواء الثرية وحتى تلك القروي ة ذات المكانات الفقيرة -أن تنس يني تل ك الرجف ة المتطلع ة المبه ورة ال تي غمرتن ي به ا بواب ة س ينما )الهم ب ار( لول مرة لتدشن ولعي بالعوالم الساحرة السطورية التي يخطفني إليها سحر الظلم حين أع بر برزخه ا إل ى م ا وراء تل ك البواب ات م ن م دى ل تح ده مس افات ،غن ي بالض واء والن وار ،بالس ماوات ذات القم ار ،والغاب ات ذات الشجار والجبال المكسوة بالخضرة والمتفج رة بالن ار والم دن ال تي تخط ف البص ار ،والق رى الغارق ة ف ي غب ش السحار ؛ تجتاحها الجيوش والفرسان وقطعان الوحوش ويس عى ف ي حقوله ا الفلح ون وتض يء ليله ا قص ص الغرام ..أصبحت كل تلك البوابات منذ بوابة سينما )الهمب ار( هي بوابات الجنة بالنسبة إل َي ... وسوف يمارس المكان سطوته على الشخصية ويحدد مصيرها ،وصحيح أن السينما هنا مقصود بها فن الس ينما بع والمه الخيالي ة ال تى يفت ح آفاقه ا الف ن ،لك ن وص ف فض اء دور الس ينما نفس ه لحظ ة دخ ول البط ل، والمتفرجين ،وديكو ارتها سوف يمهد و يتناسب مع الحالة البرزخية التى نوهنا إليها من قبل: أعترف أن الطفل الريفي الساذج الذي خرج من السينما يومه ا ل م يع د ه و نفس ه ال ذي دخله ا متع ثر الخطى فوق السجاد الحمر عابًرا المدخل والممر الغامض المؤطر بالصور الملونة والنوار الحية التي ل تك ف 89انظر س يرة ج برا الذاتي ة ف ي ) البئر الولى وشارع المي ارت ( خليل شكري هياس
59 عن الحركة ذهاًبا لواياًبا ..إلى الف ارغ الضخم الذي تؤدي إلي ه الب واب المتحرك ة حي ث بش ر ك ثيرون م ن رج ال ونس اء ملون ون يح دثون ض جي ًجا ص امتًا ..ويتحرك ون ك الظلل ول يكف ون ع ن الف رح تح ت إض اءة خافت ة ل مصدر لها إلى أن تنفرج ستائر فاخرة ثرية عن ستائر بيضاء هفهافة لتنفت ح م ع الموس يقى الص اخبة ناف ذة ل أفق لها على حياة أروع كثيًرا م ن الحي اة ..وبش ر ليس وا كالبش ر لحركته م س حر خ اص ولكلمه م وق ع عمي ق ليس كالكلم ،تحمله أجنحة الموسيقى الغامضة إلى الوجدان .. ويكشف هذا النص عن بعض آثار المكان على الشخصية ،والبعاد النفسية الناجمة عنه ،إذ يفصح النص عن حالة النبهار التى سيطرت عليه وستلزمه فى كل دار سينما سيدخلها ،وقد حاول ال اروي هنا إسقاط الحال ة الش عورية ال تي ارودت ه م ن خلل بع ض الس تعا ارت والتش بيهات ال تي يلج أ إليه ا لعط اء ص ورة ع ن ه ذه اللحظ ات الحالم ة الس عيدة ،إذ يح دث انتق ال عل ى مس توى التخي ل لرتي اد أم اكن أخ رى دائم ا مفتوح ة يعبقه ا والسحر ويغشاها النور. فضاء القطار: علقة المصرى بالقطار علقة حميمة وقديمة إلى حد ما ،فمصر صاحبة ثاني أقدم سكة حديد في العالم ،بدأ العمل بها في عام 1851بعد الخط الذي يربط مدينتي مانشستر وليفربول بانجلت ار عام ،1830ومنذ ذلك التاريخ دخل القطار في نسيج حياتنا ،وأصبح له دور تاريخي وحضاري ،فهو ليس مجرد وسيلة المواصلت الرخص والكثر أمناً للعمال والموظفين والباعة الجائلين وطلب العلم ،نوانما أصبح له ما يشبه الكينونة الخاصة في ال ذاكرة الجمعية وفى ثقافتنا الشعبية ،وتعددت دللته ورموزه ،وأصبحت المثال التي تساق باسمه تشكل نوعا من التلخيص للكثير من أنماط الحياة الجتماعية والثقافية ،بداية من العانس التي »فاتها القطار« والش خص الملتزم الواضح الذي ل يحيد عن الحق الذى نصفه أنه مثل »القطار ل يخرج عن القضبان«، لك ن القط ار رغ م ذل ك ك ان س لحا للتم رد والغض ب ومقاوم ة الع دوان والظل م .فف ى ث ورة ،1919ق ام المص ريون بقط ع خط وط الس كك الحدي د لع زل المحت ل النجلي زي ومنع ه م ن مط اردتهم والوص ول إليه م ،وأعلن وا بعض المدن والمحافظات جمهوريات مستقلة مثل »جمهورية زفتى«. وفي الفضاء الروائي يصبح القطار رم اًز للنتقال من محطة إلى محطة ،من دار إلى دار ،من عالم إل ى آخ ر .الرحل ة والقط ار يش كلن مع ادل للحي اة م ن محط ة الميلد إل ى الم وت .ك ل تل ك ال دللت تجع ل م ن القطار رم اًز ساح اًر .ولذلك نجد كثي اًر من الكتاب قد أفادوا منه واعتبروه معادلً لرحلة الحياة نفسها ،مثل تولستوي على سبيل المثال .والقطار عند سمير عبد الباقى عاشق المغامرة والترحال منذ نعومة أظفاره يرتبط أيضا بأول قص ص الح ب ،فالقط ار ،ك ونه أح د الطق وس اليومي ة ،يص نع علق اته الخاص ه ويخل ق مج الً اجتماعي اً لش كال مختلفة من التواصل: فى زمن الزنازين كانت )الهواري ة( بعي دة المن ال رغ م ص لت الق ارب ة ولكن ي كن ت أف رض عليه ا حم ايتي ونح ن ذاهب ون للمدرسة في القطار م ًع ا وح تى تن زل ف ي محط ة )الجمالي ة( حي ث مدرس تها ..ب ل وكن ت بنف وذي بص فتي اب ن أخت )فتوح افندي( أمنع الكمساري أن يتقاضى منه ا وم ن أخيه ا نص ف الق رش المطل وب .وك ان زملئ ي م ن
60 )ميت سلسيل( يغارون عندما تبتسم لي شاكرة .تلك البتسامة التي ك انت تش رق م ع مطل ع الش مس فتض يء حولها ..كانت رؤيتها والقت ارب منها ازد يومي أتزود به من )الكفر الجديد( حتى )الجمالية( ..إن صعدت ولم تجد مكاًنا دبرته لها ..وأخذت أخاها في يدي أحميه من الزحام ،وأظل أحاجي عليها فار ًضا وص ايتي ال تي ل م ترفضها بل كانت تمنحني تلك البتسامة لعيش عليها طوال اليوم ..ويا فرحة قلبي ال ذي ك ان يك اد يقف ز م ن صدري إذا ما تصادف وتلمست يدانا على حديد سلم القطار حتى تنزل بسلم وأسلمها أخاها ..والحقيقة أنه ا ك انت تظ ل واقف ة تمنحن ي ابتس امة الن ور تل ك ح تى يختف ي القط ار وأختف ي مع ه ف ي أول مل ف بع د محط ة )الجمالية( !.. أما فى موال الصبا فى المشيب: فالقط ار ح تى ل و ك ان بطيئ ا متهالك ا ه و س بيل ال اروى للوص ول إل ى المنص ورة والقي ام بمغ امرة دخ ول السينما وتحقيق حلمه بمعايشة \"السابحات الفاتنات\" المضيئات على واجهة جنة )عدن( . \"ظل ت الفك رة تط اردني وتمل عل ى تفكي ري ..فأخ ذت أتح رى ع ن مواعي د القط ا ارت الذاهب ة إل ى المنص ورة وتل ك ال تي تغادره ا إلين ا ..وأجم ع الق روش قر ًش ا ف وق ق رش كبخي ل أ ارري وأح رم نفس ي ح تى م ن الضروريات )(...حتى تجمعت لدى كل الدوات والمعلوم ات ال تي تجع ل الرحل ة لمش اهدة )الس ابحات الفاتن ات( ميسورة وقليلة المخاطر .رسمت خطتي أن أسافر في أول قطار متج ه إل ى )المنص ورة( وال ذي يس تغرق حس ب تحرياتي ثلث ساعات ونص ف تقريًب ا ..فأص ل إل ى المنص ورة ف ي العاش رة والنص ف .ف إذا اس تغرقت المس افة بين المحطة وبين الس ينما نص ف س اعة أخ رى واس تغرقت حفل ة الس ينما س اعتين ونص ف فس أجد أم امي وقتًا مري ًح ا كافًي ا للع ودة ف ي آخ ر قط ار يغ ادر )المنص ورة( .ص حيح أن ه قط ار بض ائع ويس تغرق وقتًا ط ويلً إل ى قريتنا بحكم بطئه الشديد وكثرة المن او ارت ال تي يقض يها ف ي معظ م المحط ات ل ترك عرب اته المحمل ة إل ى الق رى المختلفة\".. والقط ار يفتح للطف ل الص غير آفاق ا جدي دة لكتش اف الع الم أيض اً ،لن ه الداة التى تح رره م ن أوه امه، حيث تصبح ميت سلسيل فى وعيه عالماً أضيق مما كان يظن ،فتتعدد القرى الصغيرة التى تشبه قريته ،ول يجد إشارة واحدة لوجودها ،والب الذى من المفترض أنه يعرف كل شىء ليعرف تلك القرى أصلً .سوف يستقر فى ذهن البطل حتى ولو لم يعلن ذلك ص ارحة أن ميت سلسيل لتكفى طموحاته \"ظللت منتب ًه ا من ذ ركبن ا القط ر إل ى )المنص ورة( لك ل اللفت ات ال تي نم ر عليه ا ابت داء م ن )الك ردي( و)موق ف المكب اتي( ح تى )مي ت حدي د( و)محل ة دمت ة( و)محل ة امش اق( ..أم ا بع د المنص ورة وركوبن ا قط ار سكك حديد المملكة المصرية فقد حيرني أن كثيًرا م ن الق رى ل م يك ن القط ار يق ف عليه ا ولي س له ا أرص فة أو محطات ول حتى لفتات .بعضها كان أبي يسميها لي ولكنني ظننت ه ف ي غ الب الح وال يؤل ف ل ي أس ماء م ن عن دياته .لن بع ض الرك اب ك ان يص حح ل ه معلوم اته .وب دأت أتش كك فيم ا دونت ه وف ي ج دواه .وب دأ المل ل يتسلل إل َي .حتى أنني نمت مخدًرا بحركة القطار وصوت عجلته الرتيب المنتظم الذي ل يتغير\".
61 والقطار عند سمير عبد الباقى هو مكان انسانى بامتياز ،أنه ملذ من البرد رغم البطء والفقر الشديد لذلك القطار الفرنساوى الصغير الحميمى ،وبالطبع ليعرفه الكثير من ق ارء سمير عبد الباقى ،إل أن ذلك القطار قد مارس تأثي اًر غريباً على مبدعى الدقهلية. كنا نركب للذهاب إلى المدرسة واحدة من اثنتين ..قطار سكة حديد وجه بح ري )الفرنس اوي( ،ال ذي عادة ما يكون قاطرة تسحب عربة أو عربتين ،مفتوحتين من كل جانب للهواء الطل ق .إن أمك ن إغلق بع ض شبابيكها في الشتاء تكون نعمة وفضل ..أو يكون قاطرة طويلة ،هي القاطرة والعربة ف ي نف س ال وقت ،حي ث يجلس السائق في )كابينة( ضيقة جًدا في المقدمة ،بينما الموتور الضخم يمل ف ارغ الجزء الك بر م ن العرب ة. تتناثر حوله عدة دكك خش بية أو حديدي ة .ف ي الش تاء يك ون ركوبه ا نعم ة ف ي الحقيق ة ،إذ أن الموت ور رغ م ص وته المزع ج وأبخ رة الج از والزي ت المتص اعدة من ه يص بح ملًذا م ن ال برد .خاص ة وأن موع د تل ك العرب ة )المكيفة( كان الصباح الباكر جًدا ..قبل شروق الشمس بكثير .. والقط ار ه و أق دم رم وز النتق ال م ن عص ر م ا قب ل الحداث ة إل ى الحداث ة ،لن ه يط وي الزم ن وينطل ق، ويرسل دخاناً يناسب عالم الصناعة الجديد .ذلك الذى يسميه الكاتب عصر الص ارخ والنفط والزحام \"يتكدس الركاب في ف ارغ )الديزل العربة( حول الموتور وفوقه ..وكان ركوبها ف ي الش تاء كم ا قل ت ، نعمة حيث الزحام تلحم والحديث ص ارخ ،والضجيج يخترق سكون الريف الهادئ المدغمش ،ليعل ن أن هن اك ما سيقلق ارحته إلى البد ،مبدلً الروائح والصوات والمناظر والعلقات داه ًم ا ك ل ش يء من ذًار بعص ر الص ارخ وبخار الزيت والنفط والزحام .. أما العودة فتحمل دللت أخرى حيث يصبح القطار وسيلة العودة لدفء البيت ،وحضن الم وطوال الطريق يحلم الطفل المغترب بوجبة ساخنة فى الشتاء \"كنت أعود من الغرب دائ ًما في قطار س كك حدي د وج ه بح ري عل ى م دى س نوات طفول تي وص باي .. أحياًنا كثيرة قاد ًما من )دمياط( في الحادية عشرة من عمري -عل ى م دد متفاوت ة ،لقض ي الخمي س والجمع ة أو الج ازة لم دة أس بوع ،ملهوفً ا ف ي الش تاء ل دفء الس رة ،ولطع م محش ي الكرن ب ب الكوارع ف وق الس طح المشمس ..أو لصواني )الصيادية( والرز الحمر التي طالما وفق ت )أم س مير( مواعي دها م ع مواعي د وص ول البن البكري )الغريب فى مدن الغ ارب( . ورغم حميمية رحلت القطار ،إل أن رحلة واحدة تظل عالقة ب أرس الكاتب وهى رحلة الذهاب والياب للمنصورة ،إنها نكبته الشخصية وفجيعة السرة فى أخيه الصغر \"سامى\" وكان الكاتب حريصا على تصوير رحلة الذهاب أول تمهي دا للمأس اة ال تى ستقع عل ى أرس الس رة .ان القط ار المغل ق أش به بت ابوت ك بير س واء ف ى الذهاب أو فى العودة \" كانت ظروف الحرب تفرض على السفر قيوًدا صعبة ،جعلت الرحلة حل ًما غامض الملم ح ..ركبن ا عربة مغلقة ،جلسنا فوق أرضها على كليم أو حصيرة ،حتى وصلنا )المنصورة(
62 وتصبح رحلة القطار رحلة نحو الموت ،ويشحذ الكاتب مهارته السلوبية فى رسم القطار كم اردف للقدر ،فهناك علمات منذرة ،تمهد للقارىء أن الرحلة لن تمر على خير ،إنه هذه المرة \" قطار الموت\" ،ويختار الكاتب او يخت ار ل ه الق در العرب ة الخي رة بم ا له ا م ن دللت .الب اب الض خم ال ذى يبتلعه م ابتلع اً ،ه ذا غي ر النواف ذ تل ك العيون التى تحدق فيهم ،المصابيح الباهتة والضواء الزرقاء ..كلها ترسم لوحة جنائزية \"غامضة\" يخيل إلى أنها كانت عربة )سبنسة( أو على ما يبدو كانت )عربة ماشية( جديدة .كنا نح ن أول م ن ركبها ،أذك ر أن ه حي ن فت ح بابه ا الض خم ،عن دما توق ف القط ار ك انت ل ه قعقع ة ،جعل ت أخ تي تص رخ فزًع ا وكن ت نائ ًم ا فانتفض ت ..فاج أتني الض واء الزرق اء الباهت ة ك النجوم متن اثرة معلق ة تمل ص فحة الس ماء .. تضفي على الليل سحًار غام ًضا ،لم تك ن نجوًم ا كم ا خي ل إل ي .ح تى ت بين ل ي أنه ا نواف ذ بي وت عالي ة تح دق صامتة ..ومصابيح أعمدة باهتة ..وكشافات عربات رك وب وف وانيس عرب ات حنط ور ،تختل ط وتتم ازج مبهم ة تهوم في ذاكرتي ،حتى الن مثلما تل وح به ا النعكاس ات الغامض ة المتحرك ة لض واء الش ارع ف ي النه ار وف ي الليل من خلل شيش النوافذ القديمة العالية .صانعة لوحات حية متحركة غامضة ..تبهت وتهمس ..تقتحم رم وش عين ي نص ف الناعس ة ،ف ي ت واٍز وت واٍل ،عل ى س قف وج د ارن الغرف ة نص ف المظلم ة ف ي ذل ك ال بيت العتيق ،المكون من أربعة أدوار في شارع )سيدي عبد القادر(. لك ن قط ار الع ودة يختل ف ،إذ أن الب المكل وم يحم ل جثم ان الخ الص غير ف ى حقيب ة ،فلي س بوس ع الس رة أن تم ارس طق وس حزنه ا ،أو تعل ن أن م اتخفيه ف ى تل ك الحقيب ة ه و جث ة ولي دها ،وم ع ذل ك فالقط ار ذو القلب المعدنى البارد ليشفق على تلك السرة ويتقيأ الحقيبة الغالية ،ويتوسل الكاتب فى ب ارعة بصور بصرية فى معظمها ،لكنه هذه المرة يوظف القاموس الشمى؛ فالروائح تكاد تلف السرة وكأن للموت ارئحة ،إنها تلك ال ارئحة الغريبة التى تغمرهم ،ونلحظ على مدار الرواية تلك الحرفية العالية التى تميز الوصف الحسى القوى لسمير عبد الباقى. وال دخان هن ا ثن ائى الدلل ة فه و يرس م ص ورة غائم ة ض بابية للمش هد ،وف ى نف س ال وقت يجس د ال ارئح ة الخانقة التى تجثم على صدر السرة .كما أن شخصنة الحقيبة/الكفن فى نهاية المشهد ،تلك التى تستقر \"مجهدة\" فى حقل قمح ،تلك الحقيبة ذات السر الحزين ،تلك الهاربة من ظلمة القبر البارد إلى حقل قمح ،تظل من الصور الشجنية الموجعة التى تشى بقدرة تصويرية عالية لسمير عبد الباقى حيث أن يصير الوصف فى اللحظات الفارقة فى نصوصه متحركاً غير ستاتيكى. \"بنفس القطار عدنا ف ي عرب ة مكش وفة ه ذه الم رة ..ك ان ال دخان الثقي ل الرط ب يغمرن ا ط وال ال وقت ب ارئحة غريبة لبخار ماء حامض وخشب طري محترق ..بعد خروجنا من )كفر علَم( بمسافة طويلة ..أري ت أبي يصرخ وهو ينط قافًزا العربات المكشوفة وسط عاصفة الدخان محاولً الوصول إلى القاطرة ليوقف القط ار . ف ي نف س ال وقت لمح ت الحقيب ة الجلدي ة الك بيرة ال تي و َس دوا فيه ا خفي ة جث ة أخ ي ،لي دفن ف ي القري ة تجنًب ا للوقوع في تعقيدات قانونية ،ومساءلة ل يدري أحد كيف تنتهي ،طائرة مع الريح والدخان والغب ار ث م تت دحرج على الطريق الز ارعي المجاور لشريط القطر لتستقر مجهدة في حقل قمح .
63 توق ف القط ار ،بع د أن تنب ه الس ائق للش ا ارت الغريب ة المح ذرة للن اس الس ائرين ..والع املين ف ي الحق ول مح اولين لف ت نظ ره لمح اولت ذل ك الرج ل المكل وم الوص ول إلي ه ف أوقف القط ار .وقف ز أب ي ليحض ر الحقيبة الهاربة .قبل أن يغري الفضول أحًدا فيفضح سرها الحزين\". وليملك الصبى رفاهية التشاؤم أو ك ارهية القطار .إن قدر الريفيين ال ارحلين نحو المدين ة عدم الستغناء عن القطار ،وتك ارر الرحلة الحزينة م ارت وم ارت ،ومع الشتاء تحديدا تهاجم تلك الذكرى قلب الطفل الصغير، والشتاء دائما مايستدعى برودة الموت، \"فصبي السنة الولى الثانوية في الحادية عشرة من عمره كان يضطر كثيًرا للعودة بالقط ار نفس ه ف ي أيام الشتاء عبر )ميت الخولي عبد الله( ..و)ميت الخولي مؤمن( ..عابًرا نفس المس افة ال تي ط ارت عبره ا تلك الحقيبة ،فتموت أصابعه على ال َسابت أو الحقيبة المكتظة بملبس ه غي ر النظيف ة .وه و يخش ى أن يتك در حلمه بطعم حضن الم ومذاق أطعمتها الممي زة ال تي ل م يع د الفس يخ م ن بينه ا إل ى الب د .أو يفس د ش يء م ا لهفته للعودة ..لم اربع الطفول ة ال تي اض طر للغ ت ارب عنه ا ف ي ذل ك الس ن المبك ر .لتغس ل ع ن قلب ه مواج ع المدينة .. والروائح بدورها تستدعى صورة النار ،فى محاولة لقهر برودة وذكريات الموت .تلك النار المنحصرة ف ي الموقد التى كان ي ارها باشلر تمثل للنسان المجال والموضوع الول للتأمل الشارد ،فهي رمز ودعوة للست ارحة والهناء .ويستمر قاموس الروائح مصاحباً للوصف ،فالكاتب ل ينسى أن أخيه مات من أجل أكلة فسيخ. \"يخرج أرسه مواج ًها ب رودة ري اح الش تاء ،ال تي تص ارع القط ار حامل ة إل ى رئ تيه دخ ان الفح م الرط ب ذي ال ارئحة الخاصة ..وه و يتطل ع إل ى حق ول )ال طخم س( ونخل ة )ياس ين( وترع ة )مه ّدب( ..مح اولً اس تخلص ارئحة زيت القدح المحترق وطعم البصل الخضر والك ارت أب و شوش ة م ن بي ن مزي ج الروائ ح ال ذي يخي م عل ى القري ة س اعة الغ روب ،مش ب ًعا بطع م الحق ول والنبات ات والبش ر والطي ن المح ترق ..ليح س معه ا بحض ن الم الفرحانة بعودته وبالس تجابة الرباني ة ل دعواتها بس لمته ونج احه وتف وقه عل ى أق ارن ه .مخفي ة إش فاقها ال دائم عليه من الغربة باحثة فيه عما يمكنها من تعويض ما ،لفقدانها )سامي( الذي تطذكرها به دائ ًما ص فارة القط ار القادم من الغ رب .رغ م م ا مض ى م ن س نوات عوض ها ال خلله ا بأطف ال آخري ن بن ات وأولد ..لهفته ا علي ه يشعلها حضوره بالقطار من الغرب . ورحلة القطار تختلف بعد السجن ،لقد فقد القطار جبروته نوانسانيته .لم يعد ذلك الكيان الهائل ،إنه مجرد وسيلة مواصلت ل أكثر: \"لكن عودته بع د س نوات خم س ف ي المعتق ل ك انت فري دة ل مثي ل ول ش بيه له ا ..يومه ا أص ر عل ى العودة بالقطار ،نف س القط ار الق ديم ..ال ذي ل م يس تطع ه ذه الم رة أن يح رك في ه مش اعر الطفول ة أو الص با حزًنا أو فرًحا .ول أن يجسد أمامه أًيا م ن تل ك الص ور ال تي ل م ينس ها أب ًدا .ك ان هن اك خ وف غ امض يغ زو قلبه ..يطمس الذكريات على صفحة روحه وينتزع منه شيًئا ل ملمح له ،ينتمي لتلك اليام البريئة ..ك انت العودة تلك المرة يكتنفها الكثير من عدم الثقة ..هل غَيره السجن – أم أن الدنيا تغيرت –
64 فق دت نغم ة عجلت القط ار الرتيب ة إيقاعاته ا القديم ة ..ض اعت ارئح ة الزي ت المح روق .وك ل م ا توحي به من ألفة المساء بعد يوم مجهد طويل .أفقدت سنوات السجن روحه ما ك انت تفي ض ب ه عن د ع ودته من مشاعر حنونة تبعثها ارئحة الزيت المقدوح ،نكهة الرز الساخن الفقير في صدور المجهدين .. والقط ار ه و الس بب ف ى أول تجرب ة جنس ية للك اتب إن ه عتب ة ال دخول نح و الم ارهق ة ،بتل ك اللمس ات المسروقة التى ستعلن عن تدشين ذكورته ،وعن القطيعة التامة مع عالم قديم من الب ارءة ،كان ذلك يوم عودته بعد امتحان الشهادة البتدائية من )المنصورة(: ..وك ان القط ار مزدح ًم ا ..وجلس ت إل ى ج وار الش باك وأم امي مباش رة ام أرة بض ة هائل ة الحج م وانحشرنا على الك ارسي .ولم تكن المسافة بيننا تسمح إل بتبادل المسافات ،فتداخلت السيقان)(... ف ي نف س ال وقت ال ذي أطبق ت في ه س اقي النحيل تين عل ى س مانة س اقها الممتلئ ة ..وبينم ا س ندتها بالس اق اليسرى بدأت أحرك بطن قدمي اليمنى الذي انتزعته من الحذاء ..صعوًدا وهبو ًطا في حنان .. فوجئت الست التي كان زوجها يقف في الطرقة المزدحمة بين الك ارسي مشارًكا في حفل العج اب ب ي ..نظ رت إل َي معاتب ة مندهش ة غي ر مص دقة ،فكفف ت للحظ ة ع ن الحرك ة ..لك ن ت وتر جفونه ا وال دماء ال تي اندفعت لخديها ..كانت فيهما الكفاية -لدعوتي أن أستمر ..في حنان بالغ مضت عيني تحاول النفاذ خلسة إل ى عم ق عينيه ا ،الل تين احمَرت ا بال دمع والنفع ال .وج دت س اقها تلي ن تح ت رك ام الش ياء الميت ة ف وق ركبتينا)(... م ع حرك ة القط ار ال ذي ب دأ يه دئ م ن س رعته ل دخول المحط ة ..ه دأت حرك ات ب اطن ق دمي ف وق السمانة ..وبدأت هي تلم شتات نفسها ..وحين وقفت لخمت نفسي في جمع )السواتر( ووقفت بشكل ط بيعي لحتضنها مان ًعا سقوطها على الجالسين مع صدمة وقوف القطار .. أماكن السكن: ل نع رف عن أم اكن الس كن التى تع اقب عليه ا سمير عب د الب اقى -رغ م أنه ب دأ رحلة اغت اربه مبك اًر- سوى شقة السكاكينى والغرفة ،66أما الخيرة فجاء الحديث عنها كتلة واحدة ،والغرفة تمثل المكان المغلق ،الذى تذوى فيه النا .والغرفة أكثر ازدحاما من السجن ،فيكاد المكان أن يتملك البطل ل العكس ،ومع ذلك فهو مفتوح على علقات انسانية متشعبة ،ويبدأ الكاتب الحديث عن موقعها الجع ارفى قائلً: وال ) (66كانت أشهر غرفة في )وسط القاهرة( يعرفها شباب )ميت سلسيل( ف ى أوائ ل الس تينات .. من الطلبه والمجن دين .تق ع ف ى ال دور الث انى م ن ار،ب ع هائ ل مرب ع الش كل يق ع ف ي )قنط رة الدك ة( عل ى يمي ن الشارع الممتد من )شارع إب ارهيم باشا( حيث الميدان المعروف بذلك السم حتى )شارع كلوت بك( ... الغرف ة ه ى مع ادل موض وعى لغ ت ارب وانس حاق ال ذات الريفي ة ف ى مجتم ع المدين ة ،ويزي د م ن العم ق النفسى لتأثيرها الحديث عنها بعد تجربة السجن .بداية نقول أن الحميمية مفقودة فى ذلك المكان ،حيث أنه أشبه بالمستشفى أو الثكنة العسكرية ،والغرفة هى نافذة على مجتمع المدينة الصاخب المعقد ،الغرفة 66هى المكان
65 المشاع الذى يفقد فيه المرء خصوصيته .إنه مكان بل ذاكرة أو تاريخ ،تعاقب عليه الوافدون الريفيون من ميت سلسيل ،ومع ذلك فل أحد يهتم بمعرفة تاريخ ذلك المكان مبنى هائل ل يهتم أحد من قاطنيه أن يعرف من يملكه ،ول فيم كان الغ رض الس ابق ال ذي بن ى م ن أجله .له باب هائل يؤدى لمدخل بين الب واكى يتص دره س لم عري ض تص عد درج اته إل ى بس طة عريض ة تش كل قاعدة لشباك من الزجاج الملون ترتفع حتى السطح -ثم يعاود السلم الصعود إلى الدور الول ..تارًكا مدخلً واس ًعا إل ى ش رفة عريض ة ذات أربع ة أض لع تحي ط بف ارغ مرب ع هائ ل ..عليه ا تفت ح أب واب الغ رف .ويتك رر المر في الدور الثانى مما يعطيك إحسا ًسا بأنك بصدد مق ر لثكن ة عس كرية ..أو مستش فى أث رى تص طف في ه الغرف .حيث كانت ال )) (66وهو رقمها بالمناسبة( تبدو فيه مميزة بل مناسبة -في الطرف القص ى القبل ي عند ال ازوية المقابلة للمدخل الرئيسي . والمكان أشبه بجسد عجوز يحتضر ،إنه لينى يتقلص ويتآكل ،ويصبح السكان أشبه بكائنات طفيلية تسكن جسداً مريضاً ،فالمكان ليرتاده سوى المهمشين وأصحاب أنصاف الحلم أو الحلم الضائعة وتقلصت الغرف المسكونة مع اليام -حتى انحصرت في غرف ال دور الث الث بالض افة إل ى ثلث أو أربع غرف فقط من الدور الثاني تمسك بها ساكنوها من أعضاء وآلتية بعض الفرق الموس يقية والمس رحية ، ونساء من أف ارد ك ورس الغ اني ف ي الذاع ة أو ف ي ف رق الرق ص بمس ارح وس ط البل د ..وق د ج رت الع ادة أن يتوارث المستأجرون تلك الغرف ،لدرجة لم يعد أحد يذكر من هو المستأجر الصلي لمعظمه ا ..كم ا ل يع رف الكثيرون ،من يملك هذا المبنى العريق ول من هو صاحبه . وم ع ذل ك تق دم الغرف ة الح د النس انى الدن ى لولئ ك الريفيي ن البس طاء ،فه ى ت وفر س قفاً يجمعه م، والمشاركة نوان كانت تعنى ازدحاماً وتكدساً ،فانها فى نهاية المطاف تخلق جيتو خاص بها: كان مستأجر ال ) (66بلدياتي )عبد السلم عويضة( أحد جي ارن حارتن ا وزمي ل طفولتن ا بع د أن ص ار موظفا في إحدى الو از ارت ،بعد حصوله على ال دبلوم .ول أح د يع رف كي ف آل ت إلي ه ه ذه الغرف ة .لك ن الك ل عرفوا الطريق إليها فشاركه فيه ا ثلث ة أو أربع ة أو خمس ة م ن بل دياتنا عل ى الق ل .وم ر عليه ا عش ارت م ن المجن دين ال ذين يفض لون قض اء أج ا ازتهم ف ي الق اهرة ،ت وفيًار للمص اريف واختص اًار للمس افات ..ناهي ك ع ن العدي د م ن الق ارب والمع ارف ال ذين يتواف دون لقض اء حاج اتهم الملح ة .وتض طرهم ظ روف ق اهرة أو طارئ ة لقضاء ليلة أو أكثر في القاهرة ... ومع ذل ك ففى لحظة الحك ى يعم د الك اتب للمقارنة بينه ا وبين السجن المك ان الخ انق المزدح م المتك دس ،ويك اد السجن أن يكون أفضل منها بم ارحل: زن ازنة الواح ات ك انت تتس ع لربع ة عش ر معتقلً أو س جيًنا عل ى الك ثر ..أم ا ال ) (66فق د ك انت تحتمل في أحي ان ك ثيرة أك ثر م ن اثني ن وعش رين ) ارق دا (...). (.!.كم ا أن الحي اة ف ي زن ازن ات الواح ات ك انت تشبه المعيشة في زن ازنة ال ) .. (66وأن لم تكن تزدحم إلى هذه الدرجة .علوة على أن نزلءها كانوا يرتبون ش ئون حي اتهم ف ى حي اة عام ة وكوميون ات تنظ م ش ئون أكله م ون ومهم حس ب م ا تقض ى تقالي د وأع ارف المسجونين والمعتقلين الشيوعيين .أما فى ال ) (66فكان المر مختلفا تما ًم ا ..فلي س هن اك حي اة عام ة أو
66 مشتركة إل بالصدفة .يعني ك ل واح د ك ان متعل ق م ن عرقوب ة .ك ان الع ابرون يحض رون أكله م معه م ،وق د يش اركهم بع ض الموج ودين دون تطف ل ..خاص ة أن الك ثيريين ك انوا ي أكلون ف ي الخ ارج حر ًص ا عل ى نظاف ة المكان وهو المر الذي لم يكن المقيمون دائما يتهاونون فيه .. إن س عة المك ان وض يقه ،انغلق ه وانفت احه ،رهين ان بالحال ة النفس ية أو الش عورية لس اكن المك ان ،فبع د أن تتوث ق معرفته بسكان المكان وبعد ان تصبح أيام السجن بعيدة نسبياً عن بؤرة ذاكرته ،يشعر أنه من أصحاب المكان ويتبدد شعوره بالغربة شيئا فشيئاً ويمارس حياته العادية ،وليمسى وجوده وجوداً عاب اًر .لقد صار ساكنا مقيماً ل مؤقتاً: وفي معظم الحيان لم يكن الزحام في ال ) (66على هذه الدرج ة م ن الكتظ اظ ب ل وف ي أحي ان ك ثيرة كنت أبقى فيها وحدي بعد أنقشاع النزلء إلى مصالحهم وأعمالهم فاستمتع بالجلوس على المكتب الفقير ال ذي وض عت علي ه ع دة كت ب ورواي ات رخيص ة لم ن يق أر ..ولنن ي م ن ح املي المفاتي ح كن ت أحظ ى أي ًض ا بمتع ة الخروج والتسوق وتجهيز وجبات منزلية .يش اركني فيه ا م ن يص ل مبك ًار منه م س واء ه و أو م ن الخري ن .. قبل أن يبدأ توافد )الف ارد( من العابرين والضيوف المؤقتين بالضبط مثل حجز )قسم عابدين( !. وعلى عكس توقع القارىء ليكون الليل سكناً فل تعرف السكينة سبيلً الى تلك الغرفة سوى فى النهار: نه ا ارت ال ) (66ك انت أه دا وأري ح وأجم ل م ن لياليه ا ..إذ تص مت تما ًم ا الس يمفونية الخانق ة ال تى تعزفه ا الحن اجر المتعب ة المختلف ة ال درجات ،والعم اق المتنوع ة البع اد ..تتخلله ا نق ارت وهمس ات وفرقع ات طبول وأبواق المؤخ ارت والبطون التي أرهقها الفول والعدس والبصل والكشري وكافة الوجب ات الش عبية الس ريعة الرخيصة المشبعة بالغا ازت والصوات . في العاده ليغلق باب ال ) (66طالما هن اك م ن يوج د فيه ا ..ه ذا يش به عرفً ا يش مل جمي ع حج ارت وغرف ذلك الربع الرهيب ..فمعظ م نس اء المك ان يبقي ن نائم ات ح تى وق ت مت أخر م ن النه ار .نس اء وفتي ات الكورس عادة متزوجات من الرجال الكومبارس في الس ينما والمس رح .ف إن ك ن ل يعمل ن ف أزواجهن يس هرون في أعمالهم لس اعات مت أخرة ..ول ذلك يبق ى معظمه م ارئع ة النه ار لس اعات ف ي )الّرب ع( ..وب الطبع ل يطق ن البق اء ف ي الحج ارت بي ن الج د ارن .فيتخ ذن مجالس هن ف ي الطرق ة الشاس عة العريض ة الممت دة أم ام الغ رف . يفترشن حص ار أو كليمات ويقمن بكل أعمال النهار المطلوب ة م ن كن س وغس ل وطب خ ف ي تل ك الطرق ة المربع ة الدائرة حول الَربع ..وهن يتبادلن الحديث ال ازعق فيما بين ك ل ض لع وم ا يق ابله ببس اطة م ن يجلس ن مع ا ف ي غرف ة واح دة ..وك ان الطف ال يمرح ون ويش طحون ح ولهن ..وي دخلون إل ى الغ رف فيه ّش هم البع ض برق ة أو بغلظة مفتعلة لكي ل تتبعها ردود أفعال صارمة أو خناقات جادة .. ويتجلى فقر المكان كما أرينا فى نوعية ساكنيه ،إنهم من المهمشين ولكنهم نوعية أخرى من المهمشين فالكومبارس وفتيات الكورس يمثلون طبقة مختلفة وذات خصوصية ،إنهم يجاورون نجوم الفن الذين يعيشون فى شهرة وبحبوحة ،وعلى هذا فهم طائفة أكثر احباطا من غيرها ،شخصيات مغرية وموحية ،تتجلى المفارقة بين عالم الشهرة والضواء الذين يقفون على حدوده دون الولج فيه ،وبين الواقع المبتذل الذى يعيشون فيه ،فتصبح مأساتهم أعمق ...
67 \"كثيًرا ما كان الفض ول ي دفع بعض هن للتطل ع داخ ل ال ) (66فيج دننى جالس ا ف ى مه ب النس يم أكت ب على المكتب المتواضع ،أو أق أر ف ي كت ب مختلف ة ف ي إن دماج ك بير فاعتق دن أنن ي أح د الكت اب .أو ق د أك ون ذاصلة بالوسط المسرحي أو السينمائي ..والحقيقة أنهن وضعنني بسبب ذلك في مكانة مميزة .دفعته ن ك ثيًار لتب ادل أط ارف الح ديث مع ي .يس ألنني عم ا اكت ب أو يطلب ن من ى أن أق أر له ن بع ض م ا كتب ت .وم ع الي ام نشأت بيني وبين الكثي ارت منهن مودة \" .. فضاء المقهى: يش كل المقه ى واح داً م ن الفض اءات النتقالي ة الخاص ة ال تي تتمي ز بتن وع دللته ا الفني ة ،فه و الب ؤرة المكانية التي تلتقي عندها الشخصيات محاولة البحث عن ارحتها النفسية في وسط ذلك الفضاء الداخلي. وعادة ماتكون دللة المقهى سلبية فى معظم الروايات العربية 90فهى فى العادة مكان\" :لتأطير لحظات البطالة والممارسة المشوهة ...وبؤرة للثرثرة واغتياب العالم ،ومحطة لتناقل الشائعات الرخيصة\"91 وريم ا تك ون ه ذه الص ورة حقيقي ة ف ى رواي ة \"وله م يحزن ون\" حي ث تظ ل مقه ى \"الن ادى\" مرك اًز لتب ادل الخبار والشاعات ولكن فى \"زمن الزنازين\" :يصبح المقهى مكاناً للتقاء الرفقاء الشيوعيين ،لكنها تظهر فى النص مقفرة خاوية : توجهت إلى مقهى )إي ازفيتش( ..لم يكن هناك صريخ ابن يومين ..ضحك الخواجة وقال : -إيه الحكاية – ..إيه اللي حصل امبارح . لم أجد عندي نفس للرد عليه ..فأس رعت هارًب ا إل ى )ري ش( .ك انت تنع ى م ن بناه ا ..تجنب ت الظه ور فيه ا وعدت إلى شارع )النزهة( وف ى المقه ى تنش ب خناق ات حامي ة ال وطيس دون س بب حقيق ى س وى الهزيم ة ف ى لع ب الطاول ة أو الكوتشينة ،لكن هناك سبب حقيقى رواء كل شىء ليدركه الرواد ،فالمقهى ليوفر لرواده ميزة واحدة ،إنه يمثل العشوائية والمصادفة وغياب القانون والمنطق: \"ن اداه الس طى )عب د الس لم ش طا( لين تزعه م ن وس ط زح ام ح ول إح دى موائ د قه وة الن ادي .زح ام ض احك ي ومي يش اهده ف ي معرك ة دومين و ل تنته ي م ع ش قيق )عب د الس لم( )مجاه د ش طا( أك بر حري ف )دومينو( ..وسر المرح والضحك هو الحظ الغريب له ؛ إذ يه زم )مجاه د( الحري ف باس تم ارر رغ م أن ه ل م يك ن يعرف من اللعبة إل قواعدها العامة التي يعرفها الكاف ة ول م يك ن ق د ع رف بع د أن لك ل رق م ف ي ال دومينو س بع م ارتب ولم يكن قد اكتشف أس ارر كشف المستور وحسابات الرقام ال تى يتقنه ا المعل م )مجاه د( ول م يك ن ي دري أن لعبه العشوائي هو الذي يهزم دائ ًما خطط وحسابات خصمه الذي ك ان يث ور ويلع ن م ثيًار ض حكات وس خرية رواد المقهى \" .. () ينظر:أب ارج المدينة محمد عز الدين القاري قصيدة النثر .64 :ومجنون المل ،عبد اللطيف اللعبي .90 :واليتيم ،عبد ال العربي.6 : 90 () بنية الشكل الروائي.91 : 91
68 وأحيانا تصبح المقهى ملجئاً للبطل ،ومع ذلك تظهر دائما مرتبطة بالخيبة أو على القل ذات علقة بحدث مهين ،فبعد محاولة السائق التح رش ب ه يحك ى للرفي ق الش يوعى\" جبت سندوتش فول وطرش ي وقع دت ع القهوة أشرب شاي لحد ما ألقط نفاسي واسترد روحي \".. أما فى موال الصبا والمشيب فلم يتغير موقفه منها كثي اًر ،فأحياناً ما تثار فى المقهى أمور غير مستحبة ،ولها علقة باللوطية أو الجنسية: \"ذات ي وم ف وجئ رواد مقه ى )حس ن مص طفى( ف ي وس ط الس وق ب ي وأن ا أنه ال بعص ا صفص اف كالكرباج على أرس وضهر ووجه الواد )سامي( الذي ك ان ص ديقًا ل ي ..تبعت ه وق د جه زت عص اي ح تى دخ ل دائرة الضوء وضجيج الزهر والقواشيط لفعل فعلتي ..حتى يك ون ت أديبي ل ه علًن ا جه اًار نه اًار ..وحي ن ان دفع الجميع لتخليصه من قسوتي ،سألوني .. قلت :إسألوه هَو ..لو عنده رجولة يقول ليه – ..لزم يفهم ان مش كل الطير اللي يتاكل لحمه .. وربت )سعيد المريح( على خدي مهدًئا بطريقة وجدتها تجاوزت حدودها فصفعته على وجهه أم ام الك ل ص فعة أطلقت من عينيه ش ار ارت تؤكد أنني أعني ما أقول ) .مش كل الطير اللي يتاكل لحمه( .. وف ى خط اب الحبيب ة ج وزفين نكتش ف أن المقه ى ه و آخ ر مك ان يمك ن للك اتب أن يث ق ف ى رواده ،إذ تصارحه الحبيبة بخسة رواد المقهى من الرفاق الشيوعيين ،الذين يفترض بهم أن يكونوا أصحاب رسالة وقضية فتخ بره ب ذلك قائل ة\" :ك ل م ن ق دمتني إلي ه م ن زملئ ك أص دقاء القه وة ارودن ي ع ن نفس ي\" .ونلح ظ أن ذك ر المقه ى ،بص فة عام ة ف ى النصوص الثلث ة خل ى م ن أي ة علم ات س يميولوجية ،وأن الك اتب ل م يتوق ف لوص ف مفردات وتفاصيل المكان ،بل اختزله اخت ازلً ،ولم يغره ذلك المكان الثنائى الدللة المفتوح /المغلق بسبر أغواره أو أغوار شخصياته. فضاء المدرسة: تع د المدرس ة واح دة م ن الفض اءات الخاص ة ال تي أوله ا الك اتب اهتمام اً اس تثنائياً لنه ا أح دثت تغيي اًر ك بي اًر ف ي مس ار حي اته ،ل ذا نج دها محف ورة ف ي ذاكرت ه بك ل تفاص يلها ودقائقه ا الص غيرة ،خاص ة ف ى المرحل ة البتدائية ،فعلى الرغم من الفاصل الزمني الطويل بين زمن الكتابة وذلك الزمن المستعاد ،نجد الكاتب يستحضر ذكري اته عن المك ان بكل تفاصيله ودقائقه وكأنه يحاول الرجوع إلى الو ارء ،والعي ش فيه مرة أخرى \"حي ث يغدو المكان امتداداً حيوياً للذات ،للذات الواعية التي استعادته ،كتابياً على القل\")،(92 ولجدي د ف ى الح ديث ع ن المدرس ة ،وأي ام الد ارس ة الول ى وخ وفه المقي م م ن معلمي ه ،ولك ن أه م م افى المدرسة هو الحديث عن النشطة ،وأهم من تلك النشطة وأهم من تعلمه مبادىء الق ارءة والكتابة ومشاكله مع المدرسين ،الحديث عن المسرحية التى قدمتها المدرسة .لكن لنبدأ بأيامه الولى فى مدرسة \"الشيخة بنات\" التى درس فيها سمير الطفل مجاملة لبيه ،رغم أنه صبى لم يبلغ سن الل ازمى ،وسوف نرى أن الوصف جاء فى ح ده الدنى ،فالحضور الخانق للمدرس بأوامره الصارمة يجعل علقة الطفل بالمدرسة محصورة بين الكلمة والحرف: () 92كتابة المكان بعيداً عنه ،خليل النعيسي ،مجلة القلم ،العدد 2لسنة .40 :1998
69 كان )محمد أفندي شاكر( ..يضربني بحرف المسطرة على ظه ر كف ي ،إذا م ا ش ردت من ي الح روف خ ارج ه امش الص فحة الحم ر ..ول م تتس ع للكلم ات )الثم اني( ال تي ك ان لب د أن تنحش ر بدق ة وحرفن ة بي ن الهامشين ..كان المر عنده مقد ًسا ،يصل لمرتب ة الكف ر واليم ان ..ف الخروج عل ى اله امش فوض ى ،وع دم قدرة على الفهم وعجز عن الستيعاب ،إنه شيء هام جًدا ،أشد أهمية من أخطاء الملء والهم ازت ،وت واتر الحروف الملغزة في الكلمات المهولة ،التي تظهر المهارة من الخيبة -كاللؤلؤ والسموءل والسجنجل وغيرها - والتي تعتبر كتابتها صحيحة من دلئل التفوق والمقدرة والعبقرية المبكرة .. كنت أيامها أدرس م ع أخ تي )البكري ة( )آم ال( ف ي مدرس ة )الش يخة( بن ات ..ل م أك ن ق د بلغ ت س ن الل ازم بعد ،لكن أبي ك ان مدرس ا به ا ..وه ي مدرس ة تق ع ف ي الط رف الخ ر )الش رقي( م ن بل دتنا ..أي ف ي )واطي البلد (..بينما تقع مدرسة البنين في )علوه ا( ..وألحقن ي أب ي م ع أخ تي بفص ل )ش اكر أفن دي( ولي س بفصله هو ..كان يقول إن ذلك أجدى ..حتى ل نتدلع عليه ..لكنني أظن أنه فضل أل نحكم على كفاءاته. وسوف نرى كيف يضيق العالم فتصبح المسافة بين الكلمات وم ارعاة السطور والهامش هى فضاء خانق شديد النغلق يجعل من المدرسة جحيماً مصغ اًر: ك انت حص ة إملء .وك ان الموض وع ه و )ش جرة القط ن وش جرة البرتق ال( وه و موض وع س خيف ع ن المفاضلة بين الشجرتين .واحدة تتباهى بجماله ا والخ رى بقيمته ا للوط ان ! وك ان لب د أن نل تزم بالهامش ين وبعدد الكلمات في السطر الواحد ..وكانت الواقعة ،لم نكن نكت ب بالرص اص ..ول م نك ن ق د عرفن ا بع د القلم الجافة ..ول حتى أقلم الحبر البنوس .كنا نكت ب ب الحبر الس ائل ،بالس ن المرك ب عل ى ع ود م ن الخش ب ، والذي نسميه الريشة ..ولستعمال الريشة والدواي ة أص ول .كي ف تغم س الريش ة ف ي الدواي ة ،وكي ف تحتف ظ بالدواية المليئ ة ب الحبر عل ى قمط ر ض يق ،يك اد يتس ع للك ارس .وم ن ك ان حظ ه جي ًدا ،ك ان لقمط ره ثق ب ، تسقط فيه دواة خاصة ،تشبه فنجاًنا له حافة مستديرة ،تحتفظ به في مستوى س طح القمط ر ..أم ا م ن ك ان حظه نيلة زي حالتي ..و ازئد عن العدد ؛ ول د وس ط عش ارت البن ات .ك ان ل ي قمط ر ل يتمت ع به ذه المي زة . ولذا كان عل َي أن أسير على السلك ،موازًنا بين المساحة التي تحتله ا الك ارس ة -م ع وض ع حركته ا العص بية تحت يدي في العتبار -وبين الركن الضيق الذي تكاد الدواية الزجاجية العادية تحتله ..بالمللي !! لك ن لن ترك ذل ك الفض اء الض ئيل ال ذى تك اد تنس حق في ه طفول ة س مير الطف ل انس حاقاً ،ولننظ ر كي ف ق دمت المدرس ة فض اء أك ثر رحاب ة واتس اعاً ،ش كل شخص ية ووج دان الطف ل ال ذى ص ار بع د ذل ك كاتب اً وممثلً ومخرجاً مسرحياً ،وذلك الشغف لم يصنعه شىء سوى المدرسة ،حين شارك فى مسرحية عن \"المين والحجر السود\" ف ي تل ك الس نة ق ررت المدرس ة الحتف ال بمول د )حض رة الن بي( احتف الً ك بيًار ..تش ترك في ه القري ة كلها ..وخاصة أن الحتفالت ومواكب المولد كانت مؤجلة طويلً بسبب الحرب .. استعدت المدرسة بتجهيز فرق القسم المخصوص والكشافة ..وانهمك ت مجموع ات ف ي حف ظ أناش يد وأغاني دينية ومصرية ..كما اختير عدد م ن الولد لحف ظ والت دريب عل ى تمثيلي ة ديني ة ،ألفه ا م درس اللغ ة العربية )الستاذ المعاملي(.
70 ويتض ح هن ا ال دور اله ام ال ذى ك انت تلعب ه المدرس ة ،فل م تك ن قاص رة عل ى حش و عق ول التلمي ذ بالمعلوم ات ول م تك ن جزي رة منعزل ة ع ن مجتمعه ا ،ب ل تك اد تك ون المدرس ة ه ى ج وهرة الت اج ال ذى تجله ا القري ة وتحتفى بها ،فالموكب المهيب الذى خرج من المدرسة يؤكد ذلك .وهنا نرى مشاركة مجتمعية تقدي ار لدور المدرس ة م ن ناحي ة ،ولس لطة المدرس ة عل ى القري ة م ن ناحي ة أخ رى ،لدرج ة أن الحرفيي ن والغف ارء والب ائعين والعي ان والمتصوفة يشاركون جميعاً فى المناسبة ،وكأنه مولد ولى من أولياء القرية ،ويصور الكاتب فرحة القرية والزغاري د التى تستقبل بها ذلك النشاط المدرسى: كانت القرية بقيادة المدرس ة ،والمدرس ة بقي ادة الس تاذ )هاش م( ،تقف ان عل ى ق دم وس اق لع دة أي ام سبقت الحتفال ..نطظفت الشوارع وتم كنس ها ورش ها ..انتظ م الباع ة ف ي أم اكن بعينه ا ..بعي ًدا ع ن المس ار المح دد للم وكب و طعلق ت الزين ات ..ف وق واجه ات ال دكاكين وف ي الش رفات ..أعلم ملون ة حم ارء وص ف ارء وسوداء ..علوة على علم مصر الخضر الحبيب ذي الهلل والنجوم الثلثة .. ابتدأ الموكب من المساحة الخالية أمام المدرسة ،يتق دمه م دير المديري ة وم أمور المرك ز والحكم دار وعمدة )الجمالية( .وطب ًع ا ن اظر المدرس ة ورج ال مجل س المديري ة وأعي ان البل دة والق رى المج اورة ..وخلفه م كان طابور الخف ارء والعسكر وأمامهم طابور الكشافة والقسم المخص وص ف ي خط وة منتظم ة عل ى ه دير دق ات الطبول ..وصفارة الستاذ )هاشم( الذي كان يتحرك في رشاقة وخفة كعصفور . وخل ف الم وكب الرس مي س ارت عرب ات الك ارو تحم ل ك ل واح دة رج ال حرف ة م ن الح رف ،ح دادين ونج ارين وخي اطين وحلقي ن ونقاش ين وترزي ة ومبيض ي نح اس .وقصاص ين وس روجية وص ناع حص ر وأقفاص ..صيادين وص ناع م ارك ب ..وك ل منه م يم ارس فعلً م ن أفع ال حرفت ه .وعل ى الج انبين تجم ع أه ل القرية والقرى المجاورة .وانطلق ت الزغاري د م ن الش بابيك والش رفات وم ن ف وق أس طح المن ازل ،حي ث لعب ت الري ح ش يلن وط رح وجللي ب الفتي ات والنس اء الملون ة ..واختلط ت ص يحات الف رح بالزغاري د ..بتهالي ل المنشدين ورنات صاجات أصحاب الطريقة مع الم ازهر والدفوف .. وكانت الستعدادات المسرحية تقوم على قدم وساق ،وذلك باقتناع وحماس حقيقى من إدارة المدرسة التى تحولت لغرفة عمليات: م ر الم وكب ف ي ك ل الش وارع الرئيس ية بالقري ة ،ليع ود م رة أخ رى إل ى ح وش المدرس ة حي ث جه زت مقاعد لعدد كبير من الضيوف وأهل القرية وأولياء الم ور ..وحي ث ك انت خش بة مس رح ق د أقيم ت بي ن حج رة الناظر وحجرة الشغال وه ي ش رفة مربع ة يظلله ا س قف م ن الخش ب ،علق ت عل ى مق دمتها س تارة متحرك ة .. صنعها الستاذ )العشي( مدرس الرسم ،بطريقة فنية .بحي ث تفت ح وتغل ق ك أي س تارة مس رح ،بواس طة حب ل واحد يتوله أحد التلميذ . وكانت غرفة الناظر المحَرم دخولها أو القت ارب منها لغير ضرورة مؤكدة ،قد أصبحت غرفة للملبس وللمكي اج ..ش غلناها نح ن ال ذين ت دربنا عل ى التمثي ل لتغيي ر الملب س ،ووض ع م ا يل زم م ن دق ون وش وارب ، وكان ذلك )أ املاة( كبيرة .
71 أما وصف المسرح نفسه ،فل يهتم الكاتب برسم ديكو ارته ،بقدر مايرسم الحركة التى تمور فى أعماق أبطال المسرحية ،وفى أعماق المتفرجين ،والغريب تقديم شخصية المين أى الرسول الكريم وتجسيدها فى ذلك الزم ن دون اع ت ارض ،فل م نس مع بتق ديم شخص ية الرس ول طفلً عل ى خش بة أى مس رح .المه م أن القدس ية تلق ى ظللها هى والسياق التاريخى على الوصف ،فالرهبة لتنفصل عن جلل اللحظة : وم ا أن ب دأ التمثي ل ..وارتف ع ص وت أه ل مك ة الكف ار يتص ارعون ويختلف ون ح ول وض ع الحج ر السود ،ح تى ش عرت بريق ي ق د ج ف وقل بي يتوق ف ..لوان كن ت أس مع نبض ه ي دوي ف ي أذن ي ..وأن ا أنص ت للكلمات التي أصبحت تمل الساحة ،تض خمها مك ب ارت الص وت ،وتض اعفها ال دماء ال تي ان دفعت ح ارة لطبل ة أذني ..وما أن نطق )المرسي( يجملة .. -ها هو )المين( !! حتى وجدتني مدفو ًعا بل إ اردة إلى خشبة المس رح .ل م أع د أبص ر ش يًئا ..س ال عرق ي عل ى عي وني ..وس اد صمت خيل إل َي أنه دام إلى البد ،لدرجة لم أتبين ما قيل لي بالضبط ..ولكني سمعت صوتي يخرج هادًئا في موع ده رزيًن ا عميقً ا ..طخي ل إل َي أن أم ي تس معه عل ى بع د م ا بي ن قريتن ا و)الجمالي ة( ،ب ل خي ل إل َي أن ي سمعتها تبكي وتدعو لي فصرخت -:إيتوني بثوب !)(... وتق دمت ف ي وق ار وش موخ ..حمل ت )الحج ر الس ود( ال ذي ص نعه الس تاذ )العش ي( م ن ال ورق المطب وخ .. سمعت شهقة جماعية من كل الحاضرين ..فقد بدت الصخرة المقدسة خفيفة يحملها )المين( بكفيه الرقيقتين كمعجزة وخط وت به ا وأن ا أدع ي ثقله ا ..ث م انحني ت لض عها وس ط الث وب المف رود ..وأخ ذت أنظ ر مس تمل ًحا الصمت السائد في عيون الكفار وكأنني أقول لهم ) ..لو كنتم تفقهون!( وقلت : -ليأخذ كل منكم بطرف ! استرد المتفرجون شهقتهم المندهش ة ..وص احوا مهللي ن إعجاًب ا ..وه م ي رون كف ار قري ش وكباره ا يتق دمون طائعين .يحملون الثوب وف وقه الحج ر الس ود ،ح تى ذل ك الج دار ال ذي ل م يكتم ل بن اؤه ف ي الخلفي ة ..ولم ا وصلوا إليه وقف وا ح ائرين ،ينظ رون ل ي متس ائلين ..تق دمت منه م م رة أخ رى ..حمل ت الحج ر ووض عته ف ي بساطة متناهية في مكانه ..وقلت بصوت جهوري حازم : -الن ل خلف ..أكملوا البناء .. ل أستطيع أن أقرر بالضبط أو أصف ما حدث بعدها ..فقد كنت شبه غائب عن الوعي ..ولكن أكف الن اس ل م تكف عن التصفيق طب ًعا .لبساطة الفكرة العبقرية التي حسم به ا )المي ن( الخلف بي ن رج ال قري ش ..ال ذين سوف يقاتلونه ويعذبون أنصاره فيما بعد .. فاضت الزغاريد وغطت على الناش يد ال تي ختم ت به ا المس رحية ..وج دت م درس الرس م يحتض نني سعيًدا ،وهو يقبل جبهتي .وسمعت أمي بل و أريته ا م ن خلل غيام ة ال دموع ال تي ملت عين ي ،ترب ت ف وق ظهري وتهسون عل َي ما أصابني من رعشة ،انتابت جسدي من شدة النفعال ..ولمحت الستاذ )هاش م( يخ رج منديله ،ويمسح به العرق الذي تفجر من جبيني !
72 فى زمن الزنازين وحيث إن السرد يرصد حركة الشخصية الروائية في الزمان والمكان \" ذهابا نوايابا وسف ار واستق ار ار \" كما ترى سي از قاسم ،فإنه يحدث تحولت جوهرية فى الشخصية؛ وناذا كان تنقل الشخصية الروائية من مكان إلى آخر في العالم الس ردي يمث ل محاول ة للبط ل ف ى البح ث ع ن معن ى أو حل أو ع ن حقيق ة ،أو ع ن كينون ة مغ ايرة .إل أن الق در الفت ارضى الذى يمارسه السرد ،أو القدر الحقيقى الذى يسجله كاتب السيرة قد يفضي بالشخصيات الروائية أو السيرذاتية إلى مصائر أخرى خارج كل معن ى أو حقيقة أو حل .المدرسة هنا ارتبطت دائما بحركة الس ارد فى العديد من القرى والمدن فمع ذلك لنرى فضاء المدرسة بقدر مانسمع عنه معلومات تلخيصية: كن ت ق د انتقل ت للد ارس ة ف ي الس نه الخامس ة الثانوي ة أو التوجيهي ة إل ى مدرس ة )كش ك( ف ي )زف تى( وذلك بدافع رغبة عارمة في التغيير والبتع اد ع ن مدرس ة )المنزل ة( الثانوي ة ال تي قض يت فيه ا ع امين ك املين على غير العادة وبحجة أنه ل يوجد مدرس لغة فرنسية وم ا س يترتب عل ى ذل ك م ن حتمي ة س قوطي ف ي اللغ ة الفرنس ية ذاته ا بع د أن كن ت ق د رس بت ف ي الثقاف ة العام ة ف ي )ش فوي( الفرنس اوي )أي وال ف ي ش فوي الفرنس اوي( رغ م نج احي بتف وق ف ي بقي ة العل وم .ول ذلك واف ق أب ي عل ى انتق الي واتف ق م ع الش يخ )عل ي مسعود( على أن أعيش وسط أولده ليتابعني بنفسه ،وكان الستاذ )محمد الشناوي( قد طنقل إلى تلك المدرسة بجوار بلدة )دقادوس( بعد أن سعى جاهًدا لرد الجميل لبي لتقبلني مدرسة )كشك( ،وكانت مدرسة عريق ة له ا سمعة ،امتحاناتها ترد في الكتب النموذجية وليس سهلً أن تقبل مثلي دون أسباب قوية . ويأتى الحديث عن المدرسة من وجهة نظر الريفيين ،فليست هى بالمكان الذى يتلقى فيه العلم وحده وليمارس فضاؤها أى تأثير على الشخصية ،حيث تتمايز الواحدة عن الخرى بمي ازت نفعية صرفة: كن ت أن زل إل ى ني ل )دمي اط( عل ى كيف ي ..من ذ ألحق ت ف ي الس نة الول ى الثانوي ة بمدرس ة )دمي اط( تحت إغ ارء أنها ك انت تق دم لطلبته ا -كم ا يتح دث ب ذلك الركب ان ف ي بل دنا -طعا ًم ا ف اخًار مطبو ًخ ا ش هًيا أرز وخضار ولحم وفاكهه في أيام الد ارس ة الكامل ة الس بت والح د والثلث اء والربع اء ..وغ داء م ن بي ض و)جبن ه شيدر( وعدس بجبة وفواكه في أيام الثنين والخميس ..شيء ل يصدقه العقل الريفي .. فضاء السجن : يعد السجن نوعا من الفضاء المغلق الخانق ،إنه المكان الضيق المعتم ،وهو المكان الذي ل يشعر النس ان باللف ة مع ه ،ب ل عل ى العك س م ن ذل ك يش عر نح وه بالع داء ،وه ذه الم اكن ليقي م فيه ا النس ان إل مرغم اً .لم يك ن تركي ز الك اتب عل ى المك ان لذاته ،بل ليبرز الجانب النفس ي والشعور الداخلي للشخص ية به ذه المكنة ،فالسقاطات الذاتية تظهر للمسرود له بوضوح ،وهذا ما ينطبق أيضاً على كل أماكن العتقال والسجن فى زمن الزنازين : وأول علقتنا بالماكن المقبضة هى غرفة الحجز فى و ازرة الداخلية \" أدخلونى غرفة خالية إل من مكت ب خش بى ق ديم ،علي ه أب اجورة .دفع ونى فج أة فك دت انكفىء وأغلق وا الب اب .وقف ت وحي دا للحظ ة مح اول حف ظ ت وازنى بص عوبة .أخ ذت أتأم ل م احولى ك ان الس قف عالي ا بطريق ة غريب ة غارق ا ف ى ظلم ل زج محس وس ،واللمب ة
73 الساقطة منه تصارع لتنير الركان .بدا المكان باردا موحشا .أحسس ت بك ل طواب ق المبن ى تجث م عل ى نفس ى. كان ضؤء اللمبة الضعيف يزيد الف ارغ وحشة وبرودة ،ويشيع حول نفس ه ظلل باهت ة .وقف ت أتأم ل م احولى: مكتب كالح إل من دوسيه قديم ..بقايا تفل شاى وأعق اب س جائر ف ى ك وب زج اجى ق ذر ،مقع د خ ر ازن خل ف المكتب ،ولشىء آخر\". وحضور السجن كان فى مخيلة البطل قبل أن يسجن فعلياً ،فقد ذهب لزيارة الرفاق فى قره ميدان وكان يحلم به كثي اًر ،فمع المطاردة المستمرة ظل السجن ي اروده فى أحلمه \" وكن ت ق د حلم ت حلم ا مرهق ا .وجتن ى ف ى س جن ليش به الس جون ب ل قاع ة ك بيرة غريب ة مض ببة ببخار الماء وتعرفت فيها جموع المس اجين والمنتش رين ف ى أنحائه ا يس يرون ف ى ك ل التجاه ات يحمل ون كتب ا مممزقة وعلى وجوههم آثار دماء\" ويرى حسين عبد ربه \" ولم ا أردت ان أذه ب إلي ه منعن ى حب ل غلي ظ وج دته يكتفنى ويقيد يدى مربوطا لحلقة حديدية فى الجدار وحال بينى وبين رؤيته جسم ضخم لعس كرى مرع ب يمس ك فى يده كرباجا سودانيا وهو يتفحصنى ويهز الكرباج\". بعد تسع وسبعين صفحة يبدأ وصف السجن الحقيقى سجن المنصورة بتفاصيله ،حيث يقف مثل الفأر المسلوخ ،يخيرونه بين الملكى والميرى ،ويتعرف على لئحة المكان التى لم ينقلها له الرفاق المسجونين ،وليملك أن يجعل والده يدفع تسعة جنيهات ثمن طعامه ،فمصاريف د ارسته وهو طليق كانت ستة جنيهات ،يرتدى الن ملب س متس ول ،ليمل ك ش يئا يض عه ف ى المان ات ،يس تقبلونه ب دش الم اء الب ارد ،ويحلق ون ش عر أرس ه ..بع دها تسرق منه ملبسه الداخلية .يفقد البطل اسمه ويصبح رقماً فىالل ي ارد الجديد ،كل هذه المقدمات ليلقى به بعد ذلك فى أتون المكان: \" ك ان العن بر نظيف ا وب اردا وعش ارت المس اجين ف ى ثي اب خض ارء وبيض اء منهمكي ن تنظي ف الج د ارن والرض النظيفة .كانت الصوات المتداخلة تمل العنبر..نداءات وص يحات وثرث رة تخ ترق الج د ارن وزعق ات له ا رنين غامض\" فت ح المس جون المرب رب الب اب وأدخلن ى عب د الت واب ث م دف ع بق دمه كوم ة م ن الهللهي ل الص وف والبطاطين وجردل قديم قذر وأغلق الباب بشدة..وجدتنى ف ى مس احة لتتج اوز م ترين ط ول وعلرض ا له ا ناف ذة لها قاعدة منحدرة خالية ونظيفة وما ازلت مياه المسح تبل ل الرض ية ..وم اإن أغل ق الب اب س قطت ف ى بئ ر م ن الصمت العميق.. وقفت تائها وسط الزن ازنة ،تلفت أتامل المكان ،كانت على الح ائط اليس ر مربع ات م ن ض وء الش مس الباهت تجاهد للتش بث بالج دار وه ى تص عد ف ى بطء نح و حدي د الناف ذة لتتلش ى ..غم رت عين ى ظلل رمادي ة جعلت الرض تبدو أكثر سوادا ..وقع نظرى على الهللهيل اقتربت منها فى حذر وخوف. بع د ذل ك ت أتى محاول ة التكي ف م ع المك ان ،واكتس اب الص لبة وتعل م الرج و الخ اص بالس جن مث ل: \"الج ارية ،والبرش ،وكاويرك\" ،والتعود على اللغة الفاحشة التى تظل سمة من سمات المكان.
74 وفى زمن الزنازين تتعدد السجون والمعتقلت ،ويستعين ال اروى بجانب شهادة البطل بشهادات آخرين، لكن فى الفصل العشرين يتعملق السجن ليصبح وحشاً أسطورياً من حديد وحجر ،وكأننا نق أر فصلً من فصول جحيم دانتى ،ففى وصف سجن قره ميدان ،حاول الكاتب استخدام كل مايثير الرهبة ،لينقل للقارىء فزعه من شكل السجن ،لكن أهم مافى الوصف التركيز على القاموس السمعى ،فجلبة الصوات تكاد تخرق أذن القارىء \"ضجيج ،زئير ،خوار ،ثرثرة ،صرخات ،نداءات ،ضربات\" أما المقارنات المستخدمة فجاءت كلها على وزن أفعل التفض يل كص يغة م ن ص يغ التعج ب ،لتغل ق المج ال أم ام أى تش ابه ،ه ذا غي ر إس ارف الك اتب المقص ود ف ى استخدام صيغة الجمع:، كان السجن قره مي دان يلي ق باس مه إن ه أض خم ثلث م ارت م ن س جن المنص ورة يحيط ه س ور أعل ى وأسلك شائكة أكثر كثافة .وطبعا كانت الضجة المنبعثة ضجة أضخم وأكبر وأكثر إبهاما وغموضا وك ان مئ ات الوحوش ت أزر وتخور وتثرثر .تخترقها صرخات ونداءات ورنين مع ادن يص در م ن ورش وض ربات طائش ة عل ى أبواب مصمطة .مداخن عدة تبعث دخاناًاً دسما من ورش .أس وار ش اهقة بي ن العن ابر وعليه ا أب ارج ح ارس ة، غير أبواب ضيقة لتهدأ الحركة دخول وخروجا منها ،تحت السيطرة\". ويصف لنا سجنا آخر هو السجن الحربى ،حيث يصبح المكان معادياً مرتين :مرة لكونه محبساً ،ومرة لعلقته بفض اء قاح ل م وحش غي ر مطمئ ن ه و فض اء الص ح ارء ،فعن دما يع رف الرفي ق \"محم د ط ه\" أن عزي ز ق ادم م ن السجن الحربى يشفق عليه ويتفهم مأساته لنه قد خبرها ،يحكى هو الخر والغريب وعلى عكس توقع القارىء، ليتح دث المس جونين ع ن ص مت طوي ل وقات ل ،فأش د م ايثير الرع ب ف ى الس جون ه و تل ك الص وات ،فيس تمر التركيز على قاموس سمعى أكثر منه بصرى ،إذ يقول \"محمد طه\": السجن الحربى ده مش سجن ده مق برة ك بيرة وس ط الص ح ار ...أول م اتخطى أول عتب ة تلق ى نفس ك مع زول ع ن الع الم ك ل اص وات الع الم النس انية تم وت ولتس مع ال أص وات غريب ة خلي ط م ن ص يحات أل م وصيحات استغاثة وعواء كلب وحشية ل تسمعها فى مك ان ت انى وك ل م ا تخط ى عتب ة ويتقف ل علي ك ب اب و ار باب تحس إن انت بتتحول لرقم\". واذا تركنا البنية جانباً ،سنرى كيف صور لنا الكاتب احساس الشخصية بالسجن من الداخل ،وليس هناك أصدق أو أفدح من شهادة عزيز ،وعزي ز لم يشكو على مدار الن ص ،ولم يح دثنا عن سجن واحد ،فقد فضل أن تكون شهادته مرسومة ل مكتوبة ،ورسوم عزيز تلخص حالة كل سجون ومعتقلت العالم ،وكيف تبدو فى عيون المضطهدين. فاللوحة الجدارية التى رسمها عزيز هى فضاء تخيلى ،يرسم مكاناً نفسياً ل حقيقياً ،فعيون الفنان التى ترى المكان تحت وطأة القهر المضاعف وهو السجن أولً ،وشعور البرىء بالغبن والظلم ثانياً ،ناهيك عن حوادث الغتصاب كأشد وأقوى أنواع القهر النسانى ،تجعل عين الفنان المرهف ترى المكان بصورة أشد قسوة من كل الكلمات التى استخدمها الكاتب سواء على لسانه أو على لسان آخرين ،وهاهى شهادة عزيز الرسام الخيرة التى سجلها بفرشاته -هو الصامت دوماً -قبل أن يرحل منتح اًر
75 لوحة جدارية رهيبة ترتفع فوق الجدار الشرقى عبارة عن صليب ضخم بنى تضيئه بقع صف ارء وعلي ه مصلوب مسيح ضخم فى ملبس السجن يميل وجهه على رقبته وعين اه شاخص تان نح و الجم ع الم ت ازحم عل ى الباب وخارجه وفيهما نظرة اتهام نارية تخترق المس افة بينه ا وبينن ا ف ى حق د ل يلئ م مس يحا مص لوبا تص يب مشاهدها بالهلع بينما تناثرت أحذية عسكرية ضخمة تهرس صلبانا محطمة فوق الح ائط وعل ى الرض وك انت الدماء تسيل من الذ ارعين المسمرين فى خشب الصلب تض فى عل ى المش هد كل ه دموي ة ورعب ا يجم د ال دم ف ى العروق\". وحينئ ذ يص رخ البط ل أم ام حقيق ة المك ان ف ى وج ه الزب انيه والجلدي ن ق ائل\" :ياش اويش عب د ال لس ه الحيط ان عايزه وش تانى عشان تدارى فضيحتنا كلنا\". إنه ا ش هادة أش د قس وة من شهادة عب د الحمي د عن معتق ل الع زب ،وسوف ن رى كي ف ترب ط الش هادات دائم اً بي ن تجربة السجن والموت ،فكلمة مقبرة ومقابر ترد دون وعى على لسان كثير من المسجونين: ظل )عبد الحميد( يحكي لي عن معتقل )العزب( الذي كان يشبه معتقلت )الن ازي( ف ي مك ان م وحش بالقرب من دير )النبا إب ارم( على بعد حوالي ) (15كيلو جنوب مدينة )الفيوم( حيث مقابر المسيحيين .وعل ى بعد نصف كيلو تقع مقابر المسلمين .ووسط الصمت الرهيب للمقابر توجد بواب ة )الخ رة والم وت( عل ى ش كل عن ابر )معتق ل الع ازب( تحي ط به ا الس لك الش ائكة ومس احات م ن المس تنقعات .حي ث ترتف ع م ن الس ور الساسي أب ارج الح ارسة الخشبية والكش افات الض وئية ال تي تمس ح المنطق ة مش فوعة بن داءات الح ارس ح املي الم دافع الرشاش ة يزعق ون )واح د تم ام ..اتني ن تم ام( لي ل نه ار .وك ان مبن ى الدارة يق ع عل ى يمي ن الع ابر للبوابة التي تسد الطريق مكونة من عدة طبقات من السلك الشائك .وعلى اليسار كانت هناك ثمان عن ابر ك ل أربعة متوالية في ناحية وبينها أسوار شائكة أخ رى وس طها طري ق عري ض م ن أول المعتق ل لخ ره يفص ل بي ن العنابر ودو ارت مياهها التي تقع كل واحدة في صف خلف العنابر .وهي دو ارت ل آدمية بل أب واب أص لً وف ي كل منها حوض م ن الص اج الص دئ يفص ل بينهم ا وبي ن آخ ر عن بر مس احة ك بيرة .ولي س هن اك س ور يحي ط بالمعتقل من الطوب كغيرة من الس جون .ول ذلك تص بح مس احة المعتق ل كله ا ح رة للري ح الب اردة ف ي الش تاء ل تحجزها موانع .. وليصبح الموت هنا ارحة أو نهاية مطاف حيث السكينة والصمت والف ارغ الموحش ،على العكس فعلى بوابات جحيمه يكون الحديث دوماً عن زبانية جهنم الرضية: \"وفي الطري ق الوس طى ك انت خي ام جن ود الهجان ة ال ذين يض افون ليلً إل ى ح ارس الس جن بك اربيجه م المنقوع ة ف ي الزي ت عل ى ال دوام وج اهزة لتنفي ذ أوام ر الض رب عن دما يح ل أوان الت أديب والتك دير .والعن ابر مستطيلة تغطيها جمالون ات م ن الخش ب المغط ى بالص اج وب ذلك تص بح ثلج ات زمهريري ة قارس ة ف ي الش تاء وتتحول في الصيف إلى نار جنهم .. السجن فى و لهم يحزنون: ق د نس تغرب وص ف المك ان بعي ون ن وال ،فه و لي س بالقس وة ال تى نتوقعه ا ،وه ذا ط بيعى فن وال ليس ت معتقل ة أو محتجزة لتجرب فداحة الشعور النفسى بفقدان الحرية ،والحق أن المكان بعيون محايدة لن يؤثر فينا من الخارج
76 ولكن سيتضح بعد ذلك فى زمن الزنازين أن المكان قد تجمل بفعل مجهودات أخيها سمير أو سالم فى النص، لق د\" تخيلته أكثر كآبة مم ا ه و علي ه ،ك انت تتوق ع مكان ا بائس ا رهيب ا ف إذ به ا ت رى مبن ى متأنق اً م دهوناً ح وله خضرة وناس\" ورغ م أن الرواي ة كتب ت كله ا بالض مير الث الث \" ال اروى العلي م \" إل أن س مير عب د الب اقى يص ف الس جن بعي ون الشخصية فيبدأ بوصف الموقع الجغ ارفى: ك ان س جن المنص ورة بج وار غاب ة م ن أش جار الجازورين ة والك افور تمت د لع دة أفدن ة عل ى م دخل الطريق الجنوبى المؤدى إلى القاهرة وتمتد أمامه الم ازرع ح تى ش ط الري اح الت وفيقى القري ب ف ى الش رق وأم ام ب وابته مس احة ز ارعي ة ح والى ف دانين مزروعي ن بخض روات مختلف ة تحي ط به ا وتتخلله ا ع دة أش جار خ روع وفيكس مزهر ويفصلها عن تلك الغابة الطريق المتجهة غربا والذى يقطعه شريط السكة الحديد ثم ينتقل الكاتب لوصف دهشة نوال مما أرته فى السجن الذى كان لس مير/سالم دو اًر فى تجميله ،طبعاً دون أن تعرف مجهودات أخيها وقيادته نواش ارفه على المساجين لتحويله لمكان انسانى ،وهذا ما سيعرفه القارىء فى رواية زمن الزنازين. \"لكن دهشتها الحقيقية كانت لما أرته فى حوش السجن..كانت هناك خضرة ازهية منظمة ومعتنى به ا مرصعة بزهور بنفسجية وحم ارء نظيفة و ازهية وهناك ملعب لكرة السلة مخططاً بالجير وملعب آخر لل اركت أكثر نظافة وتنسيقاً من ملعب مثله أرته فى المدرسة العدادية .وام ام مبن ى مرك ب منخف ض ش ديد البي اض س قوف بجمالون من القرميد الحمر جلس احد الضباط تحت مظلة شاطىء ملونة\" لكن عندما تدخل نوال فى التجربة ،وهى بكل تأكيد لتقارن بتجربة الس جن ،سترى مبن ى النيابة أشد قسوة وقبحاً من السجن ،فوصف السجن جاء من الخارج فلم تدرك نوال بشاعة مايحدث داخله ،أما هذا المبنى فيبدو فمن داخله كالتى: \"طرقة وسخة ،هواء ف ارغها مزيج من ريحة ت ارب وتفل شاى ودهن بش رى وغب ار مظ الم وآه ات قه ر عش ارت السنين تركت آثار غلبها على الجد ارن\" الخاتمة: باختصار كانت هذه أهم الفضاءات أو المكنة التى يتحرك فيها السارد فى ثلثيته ،وكما أرينا فالمكان هو واحد من أهم عناصر البناء القصصي الذي تدور فيه الحداث وتتحرك الشخصيات ،ويقوم بدور المناظر الخلفية في المسرح ،كما يلعب دو اًر أساسياً في إظهار المضمون الجتماعي أو السياسي للقصة ،فالمكان هو الموقع الثابت المحسوس القابل للد ارك والحاوي للشيء ،وهو مستقر بقوة فى إحساس الكائن الحي \" النسان \"، لن العلقة بين النسان والمكان تقوم على ركيزتين :هما :التضاد و اللتقاء. وقد لحظ باختين \"أن المدن فى القصص الكلس يكية تشكل بالنسبة للحبكة خلفية يمك ن الستعاضة بواحدة منها عن الخرى\" 93.لكن النقاد المحدثون يحددون أهمية تلك العلقة: 93ديفيد لودج \"الفن الروائى\" ترجمة ماهر البطوطى المجلس العلى للثقافة ص 66
77 - 1قبل النص :حيث يشكل المكان دافعاً للبداع. - 2أثناء النص :حيث يدخل المكان في نسيج النص من خلل حركة السارد في المكان . - 3بع د النص :يتعلق هذا الجانب بالمتلقي \" القارئ \" وطريقة تلقيه للشا ارت المكانية التي يرسلها القاص، ويرتبط ذلك بقدرة الكاتب على اخت ازن أمكنة مغايرة لما يعهده القارئ أو تقديم المكان المعهود بصورة فنية مختلفة. هك ذا ي دخل المك ان ف ى علق ات جدلي ة م ع بقي ة العناص ر الحكائي ة الخ رى للمت ن الس ردى مث ل الشخصيات والحداث .هذا الفضاء السردى يتشكل عبر الكلمات ،بمعنى أن النص الروائى نفسه يخضع لتنظيم مكانى من فق ارت وجمل وفواصل وعلمات ترقيم وحجم وشكل خط الطباعة ،ناهيك عن عتبات النص :العنوان، صورة الغلف ،الهداء و وكلمة الغلف . وبع د ق ارءة تفكيكي ة للنص وص مح ور الد ارس ة نؤك د أن المك ان يم ارس س طوة ف ى العم ال البداعي ة الثلثة -ربما هو كذلك فى كل عمل إبداعي لو شئنا التعرض له نقدياًاً -ويمثل ظاهرة طاغية تطفو على سطح الكلمات بما يتولد عنها من دللت ل حصر لها؛ تعكس وتجسد الحساس بما و ارء النص. لق د حاولن ا أن نقوم بعملي ة تتب ع لخط ى هذا المكون /المحور داخ ل النص وص ،لنكش ف كي ف يتحول المك ان إل ى عنص ر فاع ل ،وبع د جم الي م ن أبع اد الن ص الس ردي ،لم ا يمنح ه م ن إمكاني ة الغ وص ف ي أعم اق الن ص ورص د تف اعلته وتناقض اته .ورغ م أن رواي ات س مير عب د الب اقى ه ى رواي ات س ير ذاتي ة ،إل أن ه تحي ز للمكان من منظور الروائى ل المؤرخ ،وحتى لو كانت الذات الساردة واحدة ،وحتى فى تجلياتها فى صورة ال اروى العليم إل أنه قد عرض أماكنه وفضاءاته بعيون شخصياته وحسب السياق النفسى وتطور السرد لدى شخوصه. حتى ضمير النا نفسه كان ينظر للماكن حسب موقع شخصيته ،نواد اركه للموقف كشخصية روائية تمارس مع المكنة دو اًر فاعلً حيث يؤثر ويتأثر به. لكننا من ناحية أخرى ليمكننا فصل المكان عن الزمن لرتباطه الوثيق به .نواذا اعتبرنا المكان خطاً حدي دياً ف إن الزم ان ه و الق اطرة ال تى تتح رك ف وقه .إنن ا ن درك المك ان إد ارك اًاً حس ياًاً مباش اًراً ف ى حي ن أن إد اركن ا للزمن هو إد ارك نفسى غير مباشر يتجلى من خلل فعله بالناس والشياء. لقد استعار باختين مصطلح الزمكانية من علم الحياء الرياضى ،حيث ترى النظرية النسبية تقول أن الفص ل بي ن الفع ل والزم ن أم ر مح ال لن الزم ن ه و البع د ال ارب ع للمك ان \"إن مؤش ارت الزم ان والمك ان تتش ابك معاًاً ...فالزمن يتكثف شاخصا يكتسى لحماًاً ويصبح من الناحية الفنية مرئياًاً ،وبالمثل يصبح المكان مشحوناًاً ومستجيباًاً لحركات الزمن والحبكة والتاريخ94\". نواذا كان القص هو رحلة فى الزمان والمكان معا ،فإننا فى الفصل القادم سنتعرض \"للزمن وتقني اته\" فى لنه ل يقل إغواء عن فضاءات سمير عبد الباقى. \" 94ميجان الرويلى وسعد البازعى \" دليل الناقد الدبى\"المركز الثقافى العربى ص 0 170
78 الفصل الثالث: مفهوم الزمن في السيرة الذاتية: يمكنن ي جي داً أن أروي قص ة دون أن أعي ن المك ان ال ذي تح دث في ه ،وه ل ه ذا المك ان بعي د ك ثي اًر أو قليلً ع ن المكان الذي أرويها منه ،هذا في حين يستحيل عل ْي تقريباً أل أموقعها في الزمن بالقياس إلى فعل( السردي ، مادام عل ْي أن أرويها بالضرورة في الزمن الحاضر أو الماضي أو المستقبل\" جي ارر جينيت فى شعرنا القديم طالما وقف الشع ارء أمام الطلل كواحدة من أهم موضوعات الشعر الجاهلى .كانت الطلل دائماً تدعو للتفك ر فى ت أثير الزمن عليهم وعلى الموجودات من حولهم ،وقديماً قال الشاعر \"ما أقرب اليوم من غد\" لقد استوقفت الشاعر الجاهلي المقولة الزمنية ،وانشغل بها ف أرى الزمن في خطيته )اليوم ،الغد ( بنظره مأساوية ؛ لنه يفاجئك ويقضي عليك دون سابق إنذار ،فالزمن ينتقل بسرعة من الحاضر إلى المستقبل، وفي سيره السريع إشارة إلى فناء .لقد ظن الشاعر أن حياة النسان مهددة باستم ارر من قبل الزمن ،فهي تمضي دائماً إلى زوال ،وأن الزمن سيهلكه كما أهلك عاداً والقرون الولى ،وفى ذلك قال طرفة بن العبد: ماغال عادا والقرون فأشعبوا ولقد بدا لى أنه سيغولنى وتتجلى الخطية الزمنية أفقية في رؤية الشاعر العربي القديم ،إذ حصر حاتم الطائى الزمن في ثلثة أقانيم – هي الحاضر والماضي والمستقبل ،فقال: هل الدهر إل اليوم أو أمس أو غد كذلك الزمان بيننا يتردد يبدو هذا الترتيب دقيقاً من الناحية الفلسفية ؛ لن النسان ينطلق عادة لتحديد موقعه من حاضره الذي يعيشه ويحسه ،ثم يعود بالذاكرة إلى الزمن الذي عاشه في الماضي ،أما المستقبل فهو في حكم الغيب ،لذلك جاء في المرتبة الثالثة .فمشكلة الزمن لدى الشاعر العربي كانت ول ت ازل تشكل هاجسه المحوري. الزمان الروائي: ونقصد بذلك أكثر من زمن فهن اك زمن الكتابة ،أي الزمن الذي تدور فيه الحداث المتخيلة .وهناك زمن الق ارءة .وهناك الزمن الداخلي للنص .وهناك الزمن الذي تستغرقه الحداث .فزمن الحداث قد يكون زمناً استط اردياً .الن وأم س وغ داً .وهن اك زم ن استرجاعي أو الفلش ب اك ،و الزمن المتقطع الذي يتقدم ث م يت ارجع.
79 وأخي ار زم ن تي ار الش عور حي ث تعم ل ال ذاكرة م ن دون انتظ ام اس تط اردي كم ا ه و ف ي رواي ة »ع وليس« لجيم س جويس ،فالحدث يجب أن يتس م بالزمانية ،والزمن يجب أن يتص ف بالتاريخية .ف الزمن والتاريخ هما شئ واحد، حسبما يرى عبد الملك مرتاض. ولكن ليعن ى ذلك أن يصبح الروائي مؤرخاً ،ويرى تودوروف أن الذي يحكي »مؤلف الرواية« يج جسد الزمن الحاضر ،وأن ما يحكيه يمثل الزمن الماضي وعليه أن يزيح الزمانين ليتدرج نحو المستقبل على أساس أن المتلقي يأتي حتماً متأخ اًر .إذاً يقوم المر على تمثل علقة طولية متعددة متتابعة ل تلتقي خطوطها أبداً. وللزمن فاعلية كبيرة في النص السردي فهو إحدى الركائز الساسية للعملية السردية ،ود ارسة الزمن في النص السردي هي التي تكشف عن الق ارئن التي يمكن من خللها الوقوف على كيفية اشتغال الزمن في العمل الدبي) .(95فالزمن هو الخيط الذي يجمع كل العناصر السردية ،فالشا ارت الزمنية في أي نص سردي تشترك وتتفاعل مع جميع العناصر السردية الموجودة في النص مؤث اًر فيها ومنعكساً عليها ف \"الزمن حقيقة مجردة سائلة ل تظهر إل من خلل مفعولها على العناصر الخرى\").(96 إن وجود الزمن في السرد حتمي إذ ل سرد بدون زمن) .(97وهذه الحتمية التي تجعل من الزمن سابقاً منطقياً على السرد هي التي دفعت بجي ارر جينيت إلى القول بإمكانية رواية قصة من دون تحديد للمكان الذي تدور فيه الحداث ،واستحالة إهمال العنصر الزمني في النص السردي الذي بوساطته تنتظم العملية السردية).(98 ويعد الزمن بكل إحدى الركائز الساسية في خلق النص السير ذاتي حيث أن \"الماضي بوصفه البنية الزمني ة الس اس ف ي الس يرة يق دم الح وادث المطلوب ة اس تقدامها مج ردة ،وتق وم فعالي ات الت ذكر… باس تلم ه ذه الحوادث على شكل مادة أولية ل يصح نقلها كما هي في كيان فعل أدبي خلق\").(99 ولما كان الزمن في السيرة الذاتية -شأنه شأن أي خطاب قصصي -يحمل على عاتقه تنظي م السرد وترتيب ه فق د انط وى عل ى مش كلة مزدوج ة تكم ن ف ي ترتي ب الح داث ف ي الس رد ،ه ل ترت ب عل ى وف ق ال ترتيب الكورنولوجي التص اعدي يأخ ذ الزمن فيه ا الط ابع الخط ي ،زمن هذا الفع ل من دون أي تق ديم أو تأخير بوص فه قص ة اس تعادية لحي اة حقيقية؟ أم ترت ب فيه ا الحداث عل ى وفق ض رو ارت العملي ة الس ردية إذ ل يح اول الك اتب تتبع مجريات الحداث على وفق الت ارتب الطبيعي بل يستخدم التحريف الزماني لغ ارض جمالية؟ ولك ل م ن ه اتين الطريق تين أنص ارها فأن دريه م وروا ي رى ض رورة \"التعقي ب المط رد النظ ام التسلس ل الزمني\") .(100ويجعلها القاعدة الساسية الولى لكتابة سيرة قريبة من فنية الرواية وبعيدة عن الجفاف العلمي مع الحفاظ على الحقائق .فمن الخطأ استباق المور في السيرة ،كما يرى ضرورة الت ازم التسلسل المنطقي القائم على السبب والنتيجة لكشف التطور البطيء الحاصل في حياة الشخصية).(101 )( بنية الشكل الروائي.113 : 95 96 )( بناء الرواية.27 : 97 98 بنية الشكل الروائي.117 :انظر )( 99 100 )( انظر مرايا نرسيس.117 : 101 )( السيرة الذاتية الشعرية.15 : )( أوجه السيرة.5 : )( انظر مرايا نرسيس.53 -50 :
80 أم ا ليون ايدل في رى أن الن ص الس يري ل يختل ف ع ن أي ن ص حك ائي آخ ر ،ويرف ض إتب اع التسلس ل الزمني التاريخي لنه ل يوحي بالعنصر النساني الزمني في السيرة ،ومن شأنه أن يباعد بين الحوادث والفكار ويبعثره ا بي ن الس نين) .(102كم ا ي رى ف ي اس تخدام التقني ات الزمني ة م ن اس ترجاع واستباق أو غيره ا وسيلة لجع ل السيرة أكثر فنية ،وتخليصها من الطابع الخبري\" :فإذا ما سردت هذه الحقائق طبقاً للتسلسل الزمني جاءت وكأنها صحيفة يومية ،تقفز فيها من خبر لخر دون أن يكون هناك اربط ظاهر يؤلف بين هذه الخبار\").(103 وق د لج أ س مير عب د الب اقى لطريق ة اي دل لن الس يرة الذاتي ة ،رغ م كونه ا قص ة اس تعادية تعتم د عل ى الحداث الماضية في عملية السرد \"إل إنها في الوقت نفسه محكومة بذاكرة تنسى وتتوهم وتشوه ويعسر عليها احت ارم الترتيب الزمني للحداث وتعاقبها الواقعي\") .(104إذ أن الذاكرة بوصفها آلية الفعل الول في السيرة \"ل تقوم باستعادة شريط الماضي على أنه أثر قادم من متحف الذاكرة ،إنما هي تؤلف نسخة جديدة من هذا الثر تنقله من نشاطه المتحفي إلى نشاط حيوي خلق يغادر فيه السكون إلى الحركة ويتمرد على ثب اته ،ويكسر السياق الزمني المألوف لنه يتصرف بالزمن بالشكل الذي يخدم الواقعة أو الحدث بشكله الجديد الحي ل بصورته القديمة الجامدة\").(105 ويتخذ الزمن لدى كاتب السيرة الذاتية أشكالً متعددة فقد يكون \"مكوناً من لحظات متتابعة أو متناثرة وأحيان اً متن افرة\") .(106فه و يق وم عل ى النتقائي ة ،ولك ن ه ذا النتق اء لي س عش وائياً إذ يظ ل هن اك ن وع م ن ال ت اربط يحرص عليه الكاتب من خلل إيجاد شبكة من العلقات تربط الحداث بعضها بعضاً. ب الرغم م ن أن الرواي ة/السيرة سوف تب دأ م ن الماض ى نحو المس تقبل بحك م أنه ا رواي ة س يرية تب دأ م ن الطفولة حتى اللحظة النية ،إل أن سمير عبد الباقى لم يلتزم فيها بالمستوى البسيط للتتابع والتتالى لكنه عمد ف ى أحيان كثيرة لخلط المستويات الزمنية من ماضى وحاضر ومستقبل خلطاً تاماً ،مما خلق نوعا من التلحم بين المس تويات الثلث ة لن الزم ن كم ا اتفقن ا ه و حقيق ة س ائلة ولي س ل ه وج ود مس تقل ،والحقيق ة أن اس تخدام الفع ل الماضى كانت له السطوة ،وأسرف الكاتب فى استخدام فعل الكينونة \"كان ..وكانت\" ولم يعمد لستخدام أفعال المقاربة والشروع إل على استحياء ،وربما كانت مرجعيته فى ذلك ت ارثية ،جعلته يعمد لمقاربة نصه من \"ألف ليلة وليلة\" أو للثيمات الشعبية فى الحكى التى تحتفى بكلمة \"كان\". والفعل الماضى هو القوى دلليا وله تاريخ طويل مع السرد الت ارثى ،فى حين أن الفعل المضارع حديث بعض الشىء ،وبدأ مع كتاب الرواية الجديدة الفرنسيين ،ويرجح البعض ذلك لتأثير فن السينما مع العل م أن الفع ل الماض ى ف ى الق رآن ق د ي دل عل ى المس تقبل وذل ك لقوله تع الى \" اق تربت الس اعة وانش ق القم ر\" .لك ن يقي ن الفع ل الماضى يمنع أحيانا الحيوية والديمومة عن الحكى ففارق كبير بين \" أريت لك\" وبين \"لنرى معا\". وفى آخر أعماله \"موال الصبا فى المشيب\" نجد أن الفتتاحية قد تقلصت ،ولم تعد تشغل حي از كبي اًر فقد اعتمد سمير عبد الباقى على عمليه السابقين لعطاء القارئ خلفية عن المكان ،فالبطل واحد وعالم ميت سلسيل )( فن السيرة الدبية.167 : 102 )( فن السيرة الدبية.173 : 103 )( سيرة الغائب .سيرة التي :السيرة الذاتية في كتاب اليام لطه حسين.64 : 104 )( السيرة الذاتية الشعرية.17 : 105 106 )( مرايا نرسيس.17 :
81 كان دائما فى بؤرة العملين السابقين .وقديما كتب بل ازك وزول روايات تكرر فيها ظهور نفس الشخصيات فمكنهم ذلك من اختصار الفتتاحيات. وعادة ما يلجأ الكاتب للسترجاع كلما قدم شخصية جديدة ،فرغم الت ازمه بالخط المستقيم بصفة عامة إل أنه رغم ذلك يتذبذب مابين حاضر الشخصية وماضيها .ورغم ذلك التعقيد الظاهر إل أننا نجد فى أعمال سمير عب د الب اقى بحك م أنه ا أعم ال س يرية مع الم نصية تس اعد الق ارىء عل ى تتب ع الزم ن .لنقص د ب ذلك مج رد ظروف الزمان أو الزمن الكونى ،بل لجأ الكاتب لتواريخ محددة ،و اضطر فى أحيان كثيرة للتدخل المباش ر لتن بيه القارئ أن هذه الحداث سابقة أو تالية للحظة الحكى ،وأحياناً ماكان يقاطع الحكى الماضى باستخدام كلمة الن. ومعروف أنه كلما ضاق الزمن الروائى \" 3أيام فقط\" مثلما ح دث ف ى ولهم يحزنون ،ش غل الس ترجاع الخارجى لما قبل بداي ة الرواية حي از أكبر .لقد اختار الك اتب النطلق من لحظة موت العمدة ،ولكنن ا نجد أن الس ترجاع الخ ارجى أق ل حجم ا بالنس بة لزم ن الق ص ،وق د تمث ل ذل ك ف ى الح ديث ع ن تاري خ القري ة وع ن زواج وال ديه .ولك ثرة الشخص يات ال تى تظه ر عل ى مس يرة الن ص ،ظ ل الك اتب يع اود الس ترجاع لتق ديم ماض ى الشخصية. فى ولهم يحزنون لجأ للسترجاع الداخلى حيث كان يترك الشخصية الرئيسية نوال ،ويعود للحديث عن شخصيات أخرى أهمها \"فرج ال\" وزوجة \"الشيخ مقبل\" و \"الشنقيط \". ومفهوم الزمن عند سمير عبد الباقى شأنه شأن الشع ارء العرب يسير بكل أسف نحو مستقبل متشائم. صحيح أن مآل النسان هو الموت ،لكن يظل الزمن طوال النص عنص اًر هداماً الى أقصى درجة ،حيث تتآكل الماكن الحميمية وفضاءات اللفة .يغزوها اللسمنت ويشوهها القبح وتفقد روحها .أما العلقات النسانية فتتوتر وتكاد تتلشى ،والتواصل بين الجيال يكاد بكل أسف أن يكون معدوماً .حتى رهان الكاتب أى كاتب على الكلمة لنها ستكتب له الخلود ولن تنتهى بعد موته ،يتشكك الكاتب فى أهميتها ،فأعمال سمير عبد الباقى أقرب لروح رواي ة الق رن التاس ع عش ر حي ث ك انت تمث ل تل ك الرواي ات وخاص ة رواي ات \" إمي ل زول\" وك ذلك رواي ات \"دوستيوفسكى\" أسطورة السقوط .باختصار الزمن له طابع مدمر عند سمير عبد الباقى . الروابط الزمنية: الروابط الظاهرة: يقصد بالروابط :جملة من العلقات التركيبية التي تنتظم في نطاقها المقاطع السردية والمواقع الزمنية.107 والزمن هو أهم اربط يستخدمه الكاتب فالروابط الظاهرة ل يقصد بها أدوات الستئناف وق ارئنه التي تتص در بع ض الفصول نوانما يقصد بها ثلثة مبادئ هي :الستعادة والتداعي والتتابع).(108 أ-مبدأ الستعادة: تحليل الخطاب الروائي.136 : 107 )( سيرة الغائب .سيرة التي :السيرة الذاتية في كتاب اليام لطه حسين.55 -53 : 108
82 يقوم هذا المبدأ على استعادة ال اروي في بعض الفصول عناصر من فصول سابقة لهمية ما يكتسبها أو ليمهد بها للفصل اللحق).(109 ومن الصعوبة الحديث عن ذلك بتحديد الفصول ،ففى رواية ولهم يحزنون يأتى النص كتلة واحدة وف ى زم ن الزن ازين اس تخدم الك اتب نجيم ات للفص ل بي ن الفق ارت الس ردية ،ولكنن ا سنض رب مثل بس فر س مير إل ى المنصورة بالقطار دون علم السرة .فى الفصل 16قد شغفها حبا ،حيث يترك القارئ دون أن يخبره برد فعل الب وهل عاقبه أم ل .ثم يعود فى الفصل 40وقلوبهم شتى ليحدثنا عن قلق السرة وانتظار عودته .وأحيانا كان الستدعاء يتم عن طريق استعادة الحدث السابق مباشرة مثل رحلة السكندرية للعلج من عضة الكلب نهاية فصل 14ظللت منتبها منذ ركبنا القطر الى المنصورة .ث م ف ى الفص ل \" 15في المنص ورة انتقلن ا م ن محط ة سكة حديد وجه بحري إلى محطة المنصورة الميرية بسهولة .. ب-مبدأ التداعي يقوم هذا المبدأ على نوعين: -1الت داعي اللفظ ي :أى اس تدعاء اللف ظ ال ذي ينغل ق ب ه الفص ل مح ور الفص ل اللح ق فيت م التص ال بينهم ا بتكرير اللفظ) (110فنجد تك ارر لفظة \"ربع قرن\" فى ست وحدات سردية ،تبدأ فى نهاية الفصل 15وتستمر فى الفصل 16قد شغفها حبا ومنذ الوحدة السردية الثانية استخدم \" 25عاماً ،ثلث م ارت. -2التداعي الغرضي ،يقوم على ربط الفصول على أساس وحدة الغرض) .(111وهى فصول التى تتحدث عن صعود نجم الخوان وممارساتهم فى الريف. ج -مبدأ التتابع والساس أن التتابع الذى يقوم به الكاتب هو تتابع خطى ،نوان كان قد حدث فى النصف الثانى من موال الصبا فى المشيب نوع من النكوص نحو الماضى ،وسيحدث ذلك دائماً بعد كل لحظة توقف عن الحكى. وقد تحقق ذلك نهاية الفصل الثامن تلك عصاى .الحديث عن إعادة الحتفال بمولد سيدى مجاهد يبدأ فى الفصل 9يحى العظام بالح ديث ع ن ترميم ات وتجدي دات المق ام والمس جد ،وف ى الفص ل الت الى 10كل فى فلك ،والفص ل 11من كل فج ،والفصل 12لنرينهم والفصل 13ويعلم مايسرون. وفضلً عن هذه النواع من الروابط ،نرى التتابع الخطي واضحاً في الكثير من الفصول التي يمكن أن نس تدل عليه ا م ن خلل التحدي دات الزمني ة ال تي يش ير إليه ا الك اتب ليرش د الق ارئ إل ى تتب ع المس ار الزمن ي للحداث .وتأخذ هذه التحديدات الزمنية شكلين :من خلل العمر الذي يبلغه الكاتب فى النص،أو من خلل ذكر السنة تحديداً. -الروابط العميقة: )( مرايا نرسيس.54 : 109 )( سيرة الغائب .سيرة التي :السيرة الذاتية في كتاب اليام لطه حسين.54 : 110 111 )( نفسه.
83 الموضوع الساسى الذى أقام عليه عبد الباقى ثلثيته هو ص ارع النا مع المجتمع لتحقيق الذات ،وذلك من خلل ثلث ة مح اور مح ور ال بيت والقري ة والس جن ،نواذا ك ان الك اتب ق د ظ ل وفي ا ل ذلك ف ى عمل ه الول وله م يحزن ون ،وك ذلك ف ى زم ن الزن ازين ،ف إنه ف ى م وال الص با ف ى المش يب ل م يس تطع رب ط الفصول ببعض ها طيل ة الوقت ،فل م تتمت ع بتماس ك وت اربط العملي ن الس ابقين ،فنج د ف ى بع ض الفصول نوع اً م ن التوق ف والنتقائي ة .ب ل خالف الكاتب أهم سمات النصوص السير ذاتية باستخدام المضارع أى الكتابة بالصيغة النية مثلما كان يوقف الحكى للحديث عن مشكلت القط مشكاح .أو عن عمل ملوخية بال ارنب. إن عزوف ال اروي عن السرد بصيغة الماضي -أحد أهم سمات النص السير ذاتي وتحوله إلى السرد بصيغته النية -أي أنه ينطلق من اللحظة التي يبدأ فيها بالكتابة دون الرجوع بالسرد إلى الو ارء ،قد يربك القارىء بعض الشىء أو على القل يخون توقعاته .صحيح أن الكاتب السير ذاتي ل يستطيع التخلص من الحاضر لحظة كتابته لسيرته إل أن هذا الحضور ليصل إلى حد إلغاء أحد السمات المميزة للنص السير ذاتي .مما جعل النص أقرب فى حداثيته للرواية الجديدة عند آلن روب جرييه .لم يعد الكاتب يحكى لنا عن مغام ارته واكتفى بمغامرة الكتابة وحدها. ومن هنا نجد أن الكاتب قد أخضع موال الصبا فى المشيب إلى انتقائية أكبر بكثير من عمليه السابقين، فقد اقتصر فى ولهم يحزنون على ثلثة أيام وفى زمن الزنازين على ثلث سنوات ،لذا جاءت الفصول أكثر تماسكاً وت اربطاً .أما فى الموال فالحديث يمتد لسبعين عاما بعد حذف سنوات السجن الخمس .وقد استوعب هذا النص تحديداً العديد من الصيغوالجناس الدبية بما يمكن أن يطلق عليه النص المفتوح. ول و نظرن ا بمفه وم كلس يكى لف ن الس يرة أو الرواي ة لقلن ا إن ه ذا الض ط ارب بي ن فص ول \" موال الصبا فى المشيب\" أث ر على المسار السردي للحداث ،وأربكه وأوجد نوع اً من الثغ ارت الزمنية ،إذ نقف في السيرة على أزمنة مضمرة يسكت عنها النص ،ول يعطيها حقها على الرغم من أهميتها .من ذلك على سبيل المثال علقته بزوجته \"نجلء\" .يظل هذا النص ،بانقاطاعاته الزمني ة أقرب للحداث ة فكما يقول ميشيل بوتور :إن الكثيرين من الكتاب أصبحوا يكتبون قصصهمكتلًلً منفصلة متقابلة ،وغايتهم م ن ذل ك جعلن ا نش عر بتل ك النقطاع ات\" .وف ى الحديث عن بيت السرة وتعديلت وتغيي ارت الب ،ظل سمير عبد الباقى يركز على شيء واحد ،وهو استحضار كل ما تستطيعه الذاكرة من ذكريات تتعلق بهذا البيت ليصوغ بكائية على أطلل عالم قديم. طبيعة الزمن: الزمن في الدب حسبما يرى هانز ميرهوف هو\" :الزمن النساني ،إنه وعينا للزمن بوصفه جزءاً من الخلفي ة الغامض ة للخ برة أو كم ا ي دخل الزم ن ف ي نس يج الحي اة النس انية والبح ث ع ن معن اه ،إذاً ل يحص ل إل ضمن نطاق عالم الخبرة هذا أو ضمن نطاق حياة إنسانية تعتبر حصيلة هذه الخب ارت .وتعريف الزمن هنا هو خاص ،شخصي ،ذاتي .أو كما يقال غالباً نفسي ،وتعني هذه اللفاظ أننا نفكر بالزمن الذي يدخل في خبرتنا بص ورة حض ورية مباش رة\") .(112أم ا )ك انط( فق د اعت بر الزم ان والمك ان عنص رين \"مفط ورين ف ي ص لب العق ل () 112الزمن في الدب ،ترجمة :أسعد رزوق.11 -10 :
84 النساني الذي يقوم بعملية المعرفة ،فهما شكلن قبليان للحساسية يتم وفقاً لهما ترتيب معطيات هذه الحساسية ومضمون خبرة النسان بالعالم الخارجي\").(113 وترى سي از قاسم أن هناك زمنان أساسيان يمثلن بعدي البناء في النص الحكائي: -الزمن الطبيعي )خارجي .ظاهري( وهو زمن أفقى. -الزمن النفسي )داخلي ،باطني( وهو الزمن العمودى. -1الزمن الطبيعي )الخارجي .الظاهري( هو الزمن الذي يخضع لمقاييس موضوعية ومعايير خارجية تقاس بالسنة والشهر واليوم والليل والنهار والصباح والظهيرة والمساء لكن المقاييس التي يقاس بها الزمن الطبيعي في النص الحكائي ل تتطابق مطابقة تامة ،فالساعة في النص الحكائي غير الساعة في العالم الحقيقي الخارجي وما يحدث في يوم روائي أو س يري ل يش ترط ح دوثه ف ي ي وم م ن أي ام الواق ع الخ ارجي لن الزم ن ف ي أي ن ص حك ائي –بم ا في ه الن ص الس ير ذات ي- تخيلي وليس حقيقياً. والحقيقة أن الكاتب السير ذاتي ل يحاكي الواقع ،نوانما يحاول كشف ما في الواقع وصياغته ليس كما هو في الواقع ولكن كما هو مترسخ في ذهن الكاتب أو الفنان ،فيتلون بالحالة الشعورية التي أحسها الكاتب أو الفنان ف ي أثناء عملي ة الكش ف؛ إن ه ن وع من الخلق الفن ي الذي يخلق ه الفنان بفع ل الد ارك الذاتي) .(114وهذا م ا يؤكد قول جوزيف ميشال\" :زمن السرد هو غير زمن الحداث الحقيقية فهو أولً زمن جمالي… وهو ثانياً زمن عاطفي وجداني\").(115 وللزمن الطبيعي ارتباط وثيق بالتاريخ لكونه يمثل إسقاطاً للخبرة البشرية على خط الزمن الط بيعي ،وهو يمثل الذاكرة البشرية ،يختزن خب ارتها مدونة في نص له استقلليته عن عالم الوجود في النص السردي ،يلجأ إليه الكاتب الروائي أو السير ذاتي في نسج خيوط عمله الفني) .(116فالزمن الطبيعي بركنيه التاريخي والكوني يشكل إحدى الدعائم الساسية لدى الكاتب لتعزيز عمله داخل النص السردي).(117 ومن الطبيعى على كاتب السيرة تحديد الزمن التاريخى إما بسنوات محددة ،أو بحقبة تاريخية وسيبدو ذل ك واض حا ف ى زم ن الزن ازين ،وف ى \"م وال الص با ف ى المش يب\" ،الول ى بحك م الحساس ية المفرط ة ب الوقت ف ى الس جن ،وفى الثانية بحكم أنه ا تاريخ حياة يتماس مع تاريخ وطن ،لكن اهتم امه بالزمنة التاريخية فى ولهم يحزنون كان أضعف بكثير بلغ به إي ارد أحداث كثيرة دون تحديد ،فمثل تاريخ الخوان المسلمين لينى يظه ر فى أعماله الثلثة ،رغم أن زمن الحكى لم يكن يوازيه حضور مكثف للخوان على الساحة السياسية .وتاريخ القرية ل ينفص ل ع ن تاري خ الخ وان المس لمين ،وف ى النص وص الثلث ة نج د إلحاح ا م ن الك اتب عل ى علقت ه المت وترة )( رؤى العالم في المجتمع المصري :النظر إلى الزمان ،عل مصطفى ،المجلة الجتماعية القومية ،المجلد ،29العدد 1لسنة .33 :1992 113 )( الواقعية.21 -20 : 114 115 )( دليل الد ارسات السلوبية.18 : 116 )( بناء الرواية.46 : 117 )( الفضاء الروائي عند جبرا إب ارهيم جبرا:
85 بالخوان ،هم موجودون دائما فى النصوص الثلثة فالكاتب يحدثنا عن صعود وأفول نجم الخوان ،ويستغل أدن ى مناسبة للتعرض لذلك فصوان ع ازء الشيخ مقبل سيقام فى الجرن \" حيث يقع فى الركن الغربى الجن وبى من ه المبن ى الس ابق لجمعي ة الخ وان المس لمين ال ذى اس تولى عليه العمده أول ماركب بعد أن اغلق لسنوات بمعرفة البلد والش يخ مقب ل ف ى مقاب ل انش اء المدرس ة البتدائي ة ولم ا أص بحت الجمعي ة تهم ة عقوبته ا القت ل او الس جن جعل ه مق ار للتليف ون والعمودي ة معتم دا عل ى ان ه ك ان شخص يا عل ى أرس حمل ة جم ع التبرع ات لبن ائه بفل وس أه ل البل د وأعيانه ا أي ام ك ان لحس ن البن ا ش نة ورن ة وجم اعته تحظ ى برعاي ة الس ارية وحماي ة النجلي ز ف ى مواجه ة الم د الف الت لش باب الوف د والطلب ة الش يوعيين والعمال المتطرفين \". وفى ثلثيته لم يقف الكاتب عند حدود فترة الزمن الحكائى ،نوانما يتجتاوزها ،فنجد السرد قد تناول أحداثاً سابقة عن زمن السرد أو لحقة له .من خلل تقنيتي السترجاع والستباق ،خاصة فى زمن الزنازين. وهن اك حض ور فاع ل مكث ف للزم ن الط بيعي الك وني ف ي الس يرة ،فق د لع ب دوار رئيس ا ف ي تنظي م زم ن الخطاب وتحديد سرعته .فاليقاع الفلكي )الصباح ،المساء ،الليل ،النهار ،فصول السنة ،المواسم( له بحضور دائم ومكثف ،وخاصة فصلى الصيف والشتاء .ومن الواضح أن نظرة سمير عبد الباقى للزمن تتطابق مع النظرة الشعبية التى تقسم العام إلى صيف وشتاء ،فناد ار مايؤرخ الدب الشعبى أو عموم المصريين للحداث والوقائع بربي ع أو خري ف ،لكنن ا رغ م ذل ك نج د حض و اًر للش هور القبطي ة ال تى تخ رج ع ن كونه ا روزنام ة وذل ك لرتباطه ا بمواس م الز ارع ة ،ون اد ار مايلج أ سمير عب د الب اقى لتحدي د الس اعة ب ل يكتف ى ب المواقيت الفلكي ة وم واقيت الص لة، المترسخة فى الكاتب بحكم جذوره الريفية. وسنرى ذلك فى زمن الزنازين :ففى غياب الساعة يصبح الحساس بالزمن الكونى هو الساس ،وفى المساء تبدو تجربة السجن أشد قسوة على النفس: في المساء كَورت جسدي في رحم الزن ازنة بعد أن ربطت أط ارف البطانية في الحدي د المتق اطع للناف ذة هروًبا من مشاعري المضطربة وألصقت خدي مستمت ًعا ببرودة الحديد المنَدى .. هدأت الحركة في الزنازين ..من وقت لخر ل يقطع السكون س وى ص وت فيش ة التس جيل ال تي لب د أن يحكه ا س جان العن بر ف ي )الك وبس( ك ل س اعة مض طًرا أن يم ر ب الدوار الربع ة )خل ف خلف( ليؤك د اس تيقاظه ..وي دور ليفعله ا الس جان المن اوب ف ي ح وش الس جن ح ول أرك ان الس ور الربع ة ،ث م يس ود الصمت ..كأن الم وت ق د تس لم ن وبته معه م بالتب ادل ..ل ول بع ض ص رخات أل م أو نهنه ات بك اء مفاجئ ة أو تضرعات مستجدية الرحمة أو العفو من الرحمن الرحيم ومستنزلة لعنات وبطش المنتقم الجبار . لما انتبهت لموقفي وغفوت كأنني أس تيقظ أس لمت روح ي للس كون والظلم المش وب بإض اءات خابي ة معتمة للمصابيح قليلة الحيلة المتناثرة ف ي الرك ان ..وأرخي ت جف وني متعلقً ا بك ل م ا يس تيقظ ف ي داخل ي م ن أصوات وصور تتداعى وتتسارع أو تتباطأ في إيقاعات ل قصد فيها ول توقع ..
86 والزم ن الك ونى ف ى تل ك الرواي ة يهت م بفص ل الش تاء تحدي داً ،فق د ارتب ط دون غي ره بالس جن ،إن ه أقس ى الفصول ،يستشعره السجين فى زن ازنته وتزيد منه الوحدة .فالبطانية هى أهم الشياء التى يحرص السجين عليها، وعند ترحيله للتحقيق أو من سجن لخر تتبدى ب ارعة الكاتب عندما يوظف فى فقرة واحد الزمن الكونى\" الشتاء\" مع الحالة النفسية للبطل السجين فى زمن الزنازين ،وكأن الزمن التاريخى والكونى يتآم ارن ضده ،فنرى بعيني ه كيف يستقبل المطر ،رغم أن المطر يحمل دللت ثرية توحى بالخير والرخاء ونهاية الجدب ،بل عادة ماتكون دللته أنثوية ،إل إنه يصبح عدائيا ،بل جاء استخدام الكاتب لعوامل الطقس المصاحبة مكرساً للغضب والعنف، فكلمة ريح طالما ذكرت فى القرآن م اردفة للغضب والسخط \" مثال ذلك قوله تعالى فى سورة الحاقة \"اوأا َما اعاد فاأط ،هكل طكوا كبكري ٍح اص،ر اصٍر اعاكتاي ٍة \" ب ديلً ع ن الري اح المترتبط ة دائم ا ب الخير ،مث ال ذل ك قوله تع الى سورة الع ارف\" اوطهاو ٱلَكذى يطر كس طل ٱلسرايٰ اح بطشاار ابي ان ايادى ارح امكت كهۦ: \"انطلقت العربة وانطلقت معها ك اربيج الريح عبر ش قوق المش مع المم زق ،تجل د جس دى النحي ل غي ر آبهة بقماش الجلباب القديم الناح ل\" (...).ك انت الس ماء ملب دة ب الحزن والغي وم الكام دة ال تى م اانفكت ت ت اركم، لتزداد كآبة العالم ثم توالى البرق والرعد وهطلت المطار بكثافة لتسلح ك اربيج الريح بس يوف رذاذ المط ر الب ارد التى انهمرت من كل ناحية لتجلدنى أنا بالذات\". وهناك مبالغة مقصودة فى التحديد التاريخى فى ولهم يحزنون ،فبداي ة الح داث ترتب ط بالش تاء .وق د اس تغل الصيف الحار لرمضان ذلك العام تعبي اًر عن عام المحنة بجوار القويم القبطى والعربى ،بحكم أن الرواية تدور أحداثها فى الريف وارتباط التقويمين بأسلوب الحياة وبالعقيدة وممارسة الشعائر ،فهنا يتبنى الحكى منطق الذات الجمعية للقرية\" :بعد منتصف ليل الثالث من صفر الذى واف ق الث انى م ن أمش ير ف ى الع ام ال ذى ج اء رمض انه فى عز حر أبيب وقبيل موع د ص يحات الديك ة ال تى ك انت ستبش ر بفج ر ي وم الربع اء -ال ذى ع ادت ف ى الي وم السابق عليه -عربة الت ارحيل إلى سجن المنصورة حاملة المتهمين الثلثة سمير عبد الباقى \"\" ... أم ا التحدي د الزمن ى ف ى بداي ة زم ن الزن ازين ،فه و تحدي د مش ابه لكن ه يس تخدم تق ويم الش هور الفرنجي ة ويذكر العام تحديداً ،بحكم أن الذات التى ستحكى هى ذات مثقفة :فيصف فيه لحظة دخول السجن ،ويربطها بتاريخ وطن كامل ل بتاريخ قري ة \"في الثالثة والنصف عص ر ي وم 27س بتمبر س نة 1959؛ أي بع د خروج ي إلى الدنيا من رحم أمي بعشرين عا ًما وستة أشهر ودستة أي ام ،ف ي ذل ك الع ام ال ذي ج اء )رمض انه( ف ي ع ز حسر أبيب\". \"أن ا الط الب )س مير عب د الب اقي( المنق ول إل ى الس نة ال اربع ة بكلي ة ز ارع ة عي ن ش مس -بامتي از - قسم القتصاد الز ارعي والتعاون ؛ التي كانت تشغل الصطبلت والمطابخ الملكية في س اري القبة الواقعة شرق عاصمة جمهورية مصر ؛ بعد قلب نظام الحكم فيها على يد )حركة الجيش المباركة( بقيادة )ضباطه الح ارر(؛ موس وم بالته ام بإع ادة قل ب نظ ام الحك م المقل وب فعلً من ذ س بع س نوات وم ا يزي د عل ى ش هرين وأربع ة أي ام بالكمال والتمام\".
87 وبب ارع ة فني ة يم زج الزم ن الك ونى بالت اريخى :وقلي ل م ن الكت اب م ن يهت م بحال ة الطق س ،لك ن يس تغل الكاتب فصل الشتاء لوصف ل معاناة نوال وحدها ،بل أيضا فى وصف اليوم الذى وقع فيه الحدث الجلل \"وفاة الشيخ مقبل\" فالشتاء ليوحى بأى أمل حيث تغيب فيه الشمس ،وبرودته معادل موضوعى لعدم التواصل بين الشخصيات: لم يشرق وجه نه ار الربع اء الث الث م ن ص فر وال ذى واف ق الث انى عش ر م ن امش ير ف ى تل ك الس نة الس ودا عل ى المني ة ،ظل ت الظلم ة متكاثف ة ي وم م اطلعتلوش ش مس\") (...وأحس ت بلس عة ب رد تخ ترق جل د ساقيها\" \" ظلت السحب تت اركم لتمنع اش ارقة النهار\" إن نوال تواجه الظلمية ،وتقرر أن تخرج بنفسها للبحث عن أخيها المعتقل ظلماً ،ولتمنعها الحداث س واء موق ف الب المتخ اذل ،أو أه ل البل د الخ انعين المص دقين لك اذيب النظ ام ،ولج بروت المؤسس ة –الغ ول- ال ذى ت ذهب لملق اته م ن أن تفق د ش جاعتها .رحل ة الل ف مي ل تب دأ بخط وة .وخط وة بع د خط وة ت زداد ثق ة ن وال بنفسها وبنبل مسعاها فتخضع الزمن نفسه ،أو لنقل تشفق السماء عليها وتتعاطف معها ،فيتبدل الزمن الكونى، ورغ م حلكة الس اعات التى تس بق الفج ر إل أن الش مس تش رق .وسوف ن رى كي ف طلع النه ار جميلً بع د موت الطاغية: \"وأشرقت شمس نهار الربعاء جديدة مغس ول وض عيفة انعكس ت أش عتها الواهن ة عل ى او ارق البرس يم والصفصاف وعلى زرقة انصال القمح المبلولة انتعشت روحها وهى تتأمل خض رة ال ب ارعم الوليدةلش جار الت وت التى تتحول باستم ارر إلى بقع وكتل من الخضرة الذهبية التى تبعث على الفرح\" -2الزمن النفسي )الداخلي .الباطني( يختلف الزمن النفسي عن الزمن الطبيعي في كونه ل يخضع لمقاييس موضوعية أو معايير خارجية، بل يرتبط بالشخصية وحالتها النفسية بما يجري حولها ،ومن هنا يتحدد سرعته ،وتمارس اللغة دو اًر كبي اًر في هذا التحديد ،فالشخص قد يشعر بالساعة مثلً ،وكأنها دهر عندما يكون حزيناً أو يعاني من مشكلة ما ،بينما يحس بمضيها وكأنها لحظات لو كانت حالته نفسية جيدة ،وخير تعبير عن ذلك هو مقولة فرجينيا وولف\" :إن س اعة زمني ة ت دخل ف ي نط اق ذل ك العص ر الغري ب م ن النف س البش رية ق د تمت د لتص بح خمس ين أو مائ ة س اعة بالحس اب الل ي ،ورب س اعة تمث ل تم ثيلً دقيق اً بثاني ة ف ي العق ل البش ري .إن ه ذا التب اين الغري ب بي ن الس اعة بالقياس اللي وبي ن الساعة الذهني ة معروف أقل مم ا يجب ويستحق أن ينال بحث اً واستقصا ًء أوفى\") .(118وم ن قبله ا ق ال مارس يل بروس ت \" إن الروائيي ن ال ذين يع دون الي ام والس نين حمق ى فق د تك ون الي ام متس اوية بالنس بة للساعة ولكنها ليست كذلك عند البشر بأى حال من الحوال\" وتكمن أهمية هذا الزمن الذاتى في قدرته على اقتناص أحداث كثيرة وطويلة ل يستغرق وقوعها سوى دقيق ة أو دقيق تين وتجميعه ا ف ي إط ار زمن ي مح دد ،ويتجس د ه ذا الزم ن ف ي الرواي ات بص ور ش تى كال ذكريات والصور والرموز ،والس تعا ارت والح وا ارت الداخلي ة .فتص بح حينه ا انعكاس ات للحق ائق الساس ية للع الم ال داخلي للوعي ،الذي هو كل ما نعرف عن الحقيقة \" :أي إن البعد الزمني مرتبط هنا بالشخصية ل بالزمن حيث الذات () 118فن السيرة الدبية.165 :
88 تأخذ محل الصدارة ويفقد الزمن معناه الموضوعي ويصبح منسوجاً في خيوط الحياة النفسية) .(119فالوعي جسر ال ذات إل ى الع الم الخ ارجي) .(120كم ا أن ال داخل \"ه و ب ؤرة الخ ارج .نوان الع الم النفس ي ه و ال ذي يحتض ن ال ت اركم المعرفي للشخصية ،ويختزن أثره في الذات .ورد فعله الصامت الناطق\").(121 ولهذا النوع من الزمن حضوره في سيرة سمير عبد الباقى الذاتية ،إذ يمكن التوصل إليه من خلل طريقين: -1الطريقة المباشرة وهى لغة ال اروي في السرد. -2الطريقة غير المباشرة وهى ايقاع النص من حيث سرعته وبطئه )سنتحدث عنها لحقاً(. ف \"كلما ركز الكاتب على الشخصية وذاتها تقلص الزمن الخارجي وصغرت أحداثه ،وكلما خرج خارج الشخصية اتسعت الرقعة الزمنية\") .(122وحتى نرى بوضوح كيف يتضح تأثير الزمن النفسى فى نصوص السيرة ،نضرب للقارىء مثالين: -1عن دما تس يطر عل ى البط ل مش اعر الح زن أو القل ق وال ترقب :فف ى أول تجرب ة احتج از ف ى زم ن الزنازين يش عر الك اتب بتجل ط ال وقت ويص بح الحس اس ب الوقت فادح ا ثقيل \" جربت كل ما جربت ه م ن قب ل م ن محاولت لتمضية الوقت الممل لوان كنت )أول مرة( أود أن ت دفئني الحرك ة إذ كن ا ف ي ع ز الش تاء ..أم ا الي وم ف الجو أدف أ ..ولكنن ي مض يت أدور ح ول الغرف ة وأقطعه ا م ن ناحي ة لخ رى لتمض ية ال وقت ل أك ثر ..ولك ن الوقت ل يريد أن يمر ..والنافذة المغلقة منذ س نوات ل ي وحي م ا يل وح منه ا م ن ض وء ب أي تغي ر أو تب دل .. والصمت يت اركم بمرور الثواني والدقائق طويلة ل تحس \".. -2عندما يكون فى حالة نفسية سعيدة :عندما يقبل البنت مديحة ،فى \"موال الصبا فى المش يب وه ى قبلت ه الول ى فعلي اً ،يص بح الزم ن أب دياً \" فأنحنيت عليها واختطف ت بش فتى ش فتيها البك ر وأذوب ف ى عس ل أول قبلة تلهبها مشاعر حقيقية .وأهيم في رعدة غامرة لم أعرفها من قبل .ل في أوهام غيبوبتى م ع )زهزه ان( ول فى أحلم يقظني مع )نرجس( .كانت قبلة أبدية كونية لم يفارقنى طعمها الخشن المغبر فى يوم من اليام\". وأه م تجلي ات الزم ن النفس ى ك انت ذل ك الزم ن ال وهمى ال ذى يص نعه البط ل لنفس ه ليتح رر م ن الس جن ويم ارس هروب اً نح و الخ ارج ،نح و الش مس والحري ة .اله روب م ن الس جن يب دأ م ع أغني ات الص باح ،إن مش اهد اله روب تفتح مج الًلً للفن ان ل المؤرخ ،وتهرب من أسر اللقطات التس جيلية للواقع الجاثم ،حتى تخلق للبط ل واقع اًبديلً لً تفرضه أنا النص ،وبالرغم من أن \" زمن الزنازين\" قد استثمرت طاقة المكنون السيرذاتي لقصى درج ة ،إل إن وع ي التش كيل عن د روائ ي موه وب مث ل س مير عب د الب اقى ن أى بكت ابته -ف ى أحي ان ك ثيرة -ع ن النسحاق تحت وطأة الغ ارء السيرذاتي ،ونقصد بذلك أنه لم يسقط فى فخ اللحاح على الوقائع المجردة إلحاحاً تسجيلياً ،ونجح الفنان بداخله فى تمثل أدوات اللعب السردي الروائي والشتغال عليها ،محافظا على الحدود الدقيقة التي تبقي الخيط السيرذاتي موازياً للخيط الروائي. )( بناء الرواية.73 : 119 )( الفضاء الروائي عند جبرا إب ارهيم جب ار.58 : 120 121 )( مرايا نرسيس.58 : 122 )( بناء الرواية.52 :
89 \"قبل فتح السجن بساعة تقريبا يفتح سجان المكاتب ال اردي و أقف ز كق رد ي تيم زقزق ت ل ه أم ه إل ى رح م البطانية المعلقة بحديد الشباك المطل على الحوش حتى لتفوتنى صورة أغنيات الصباح والجد ارن تنهار حولى والحج ارة تن ازح ل لر ح ل إل ى أى مك ان انس انى ف أغنى م ع ك روان أم كلث وم ياص باح الخي ر وأس ابق حم ار عب د الوهاب وأناشده أن يجرى إلى حيث حبيب الروح مستنى مرة على طريق تفتيش السرو حيث نجاة أو ف ى زح ام شارع النزهة أتطلع حيث شباك زينب أو أجدنى على ز ارعية ميت سلسيل ،ل ارها تنتظرنى مختفي ة خل ف نخل ة ياس ين مديح ة ذات الش عر الك رت والعي ون البرس يم( فتنمح ى كآب ة مبن ى المستش فى والي ارد وبي ت الم أمور وتحملنى بانو ارما كافورة ترعة مهدب وجمي ازت غيط الخمس وسور المستش فى الياس مين ونخلت ياس ين حي ث مديحة تنتظرنى بابتسامتها وتلومنى لننى تخليت عنها وسافرت دون أن أودعها. ثم ة عص افير نش طة لتك ف ع ن مناكف ة بعض ها البع ض والقف ز ح ول الس لك الش ائك الممت د ف وق السور) ...ياطير ياطاير خدنى معاك وهات لى جناح وأنا أطير وي اك( لرف رف ع اب ار قب ة س يدى مجاه د وج رن دار أحمد والمدرسة إلى بي وت دار ع وض ال تى ت ذوب ملمحه ا ح تى التلش ى ف ى غيام ة غرغ رة دم وعى ال تى أفشل فى حبسها إلى أن يغلق السجان الب ايت ال اردي و ف ى خش ونة .م ع ب دء موس يقى الغب اء الحي ة ،أص وات السلس ل والمفاتي ح المعدني ة ،مفاص ل البواب ة ،وكع وب العس اكر المهرول ة ،فته رب مش اعرى وتس قط ممزق ة مقرفصة أسفل الجدار فى ركن الزن ازنة المعتم\". والذكريات تشكل زمنا نفسيا أشبه بالشرنقة ،يدخلها لترحمه من واقع الزن ازنة ،حيث يمر الوقت بطيئاً. إنه يبحث بالخيال عن وقت آخر ،عن زمن مستعاد ،فيه الخضرة والماء والفتيات الحسان اللتى عرفهن .ففى السجن يفقد كل من السجين والسجان حريته ولكن يعرف السجان متى سيخرج وهذا م ايهون عليه الشعور بفداحة الزمن ،ففى آخر النهار يمكنه أن يمارس طقوس الحرية ،ويقول له الشاويش بولجانين بين إشفاق ومعايرة : \" أنا على القل باقضى فى السجن نص اليوم وبعدين أروح أقلع م ارتى ملط وأنزل حرت طول الليل\" لكنه ليس محقا تماماً ،فللبطل شرنقته السحرية التى ستذهب به إلى عوالم من النفتاح والحرية لم تخطر على بال سجانيه. وزمن السجن رغم قسوته هوزمن مستعاد ،عرفه الكاتب قبل الدخول فى التجربة ،لم يكن يعرف التفاصيل طبعا، لكن التجربة فى جوهرها العام متشابهة كما يقول الكاتب فى افتتاحيته .تبدو إذن تجربة السجن تجربة ثانية مستعادة لبطل خبرها على المستوى الخيالى .مع ذلك فالواقع أبشع بكثير من كل التصو ارت فمن ذاق عرف كما يقولون: \"لقد تعرفت على كثيرين من ق اطني الس جون ومعان اتهم وقص ص حي اتهم نظرًي ا قب ل دخ ولي الس جن وبع د خروجيوأثناء وجودي متنقلً بين متغي ارت صفاته .. عرف ت )د .م انيت( والك ونت )دي م ونت كريس تو( و)ديستوفس كي( )ود .بل ود( و)أكي م أكيم وفيتش( )واب ن المقف ع( وآخري ن ؛ ق دامى ومح دثين ،ش ع ارء ومجرمي ن وسياس يين .وك م ف ي الس جن م ن مظ اليم وك م في ه م ن جبارين ولصوص ونصابين ..تنوع مذهل ما عش ته من ه وم ا أريت ه لي س إل قط رة ف ي بح ر ممت د عل ى ط ول تاري خ النسانية والدول .ومع كل هذا التنوع بين غلظة وقسوة الجلدي ن والس جانة ..ورق ة مش اعر المس اكين والش ع ارء وبين دموية التسلط والقهر والذلل ورغبة الهروب ال دائم بالمش اعر والحاس يس ع بر الج د ارن الغليظ ة إل ى ع والم
90 الذكرياتوالرغبات ودفء ما فات من علقات ،أو الحلم بما يمكن أن يكون من الحتمالت فيما هو آت ..م ع ك ل هذا التنوع فالسجن هو السجن \".. والق ارءة هى فعل آخر للهروب من واقع السجن ،وانتصار على الوقت ،فعندما سرب له مسجون كتاب )الحرية الحم ارء( ل)ح بيب جام اتي( يقول \"انقلب حال الزن ازن ة وانقل ب ح الي\" ث م يق ول ف ى موض ع آخ ر\" وأص بحت أق أر ك ل كتاب يحضره لي في نفس اليوم ) .(...وكان هذا انتصاًار كبيًار على الوحدة بين الجدران الربعة الصماء ،ولكنه ل م يكن يكفي لقتل كل هذا الوقت المأسور بينها طوال هذا الزمن الممل الذي ل يتق دم إل بص عوبة بالغ ة ف ي عن اد ثقي ل يجبرك على ابتكار وسائل لقتل الوقت ل تخطر على بال . والحقيق ة أنه رغ م حس ده للخ وان عل ى مكتبته م الع امرة ف ى الس جن ،إل أن ه ل م يك ن أحيان ا ف ى حاجة للكت ب فهناك زمن نفسى ثرى يعيشه مع كتب قديمة ق أرها قبل السجن: دفعني حسدي للخوان على ما حباهم الحكم عليهم من كتب إلى استدعاء كتب خالي )إب ارهي م( المحش ورة في دولب ه الق ديم فأخ ذت )أس تعرض بخي الي أل ف ليل ة وليل ة .وأع دت إل ى الحي اة الت اجر وعفريت ه و)الحم ال ونساءه( و)علء ال دين أب و الش امات( و)جاهنش اه( ..كم ا ارجع ت كت اب أس تاذ الرس م ف ي مدرس ة الجمالي ة وق أرت مع ه )أس اطير الح ب والجم ال( ..وجس دت )زي وس( و)بوس يدن( وخض ت البح ر م ع )أولي س( و)هي اركلي س( وأخ ذت أق ارن بي ن )وح ش أولي س( و)عملق الس ندباد( ذي العي ن الواح دة .وكن ت أنش ط ذاكرتي بإعادة تلوة ما أذكره على أسماع )أحمد يوسف( و)عبد الحميد عبد ال ارزق( خلل لقاءاتنا القليل ة ف ي دورات المي اه أو ف ي الط ابور أو م ن خلل الج د ارن ..وامت دت الغواي ة إل ى كت ب كش ك )س يدي عب د الق ادر( فاستعدتوعشت مع شخصيات )أرسين لوبين( و)شرلوك هولمز( ..وخطفني )الفرسان الثلثة( م ن ج د ارن زن ازنتي إلى مروج فرنسا الخض ارء كما عبرت مع )كابتن بلود( المحيط إلى)بورت رويال( ممتطًيا سطح سفينته المحبوب ة )أ اربيل( س مية محب وبته وه اجمت م ع )فرس ان المائ دة المس تديرة( جي وش الغ ازة وم ع )ج ان دارك( هزم ت النجلي ز و ازمل ت )س كا ارموش( و)روب ن ه ود( وهرب ت م ن الزن ازن ة م ع )الك ونت دي م ونت كريس تو( واستحض رت شخص يات )بي ت الم وتى( ومخلوق ات )ج وركي( ال تي ك انت رج الً ..وفتي ان )ش ارع الس ردين المعلَب( و)طريق التبغ( ..عرفت حينه ا فض ل الق ارءة ال تي ش غلت أي ام ص باي وش بابي فخفف ت عن ي جلف ة جدران السجن وتش كل أفلم الس ينما ازدا آخ ر للك اتب يس تعيده قط رة قط رة ويس تحلب حلوة ع المه ،حي ث تنتص ب شاش ة وهمية فى الزن ازنة أمام عينيه ،فى الف ارغ الضئيل الذى يتحرك فيه ،فيستعرض فيها وجوهاً أخرى صديقة: وقد ازرني كل أبطال هذه الفلم في زن ازنتي وتحدثوا إل َي وواس اني بعض هم بينم ا تش فَى ف ي م أزقي آخ رون م ن الش ارر وك م جس دت أح داثًا عل ى شاش تي )الش برين( م ن أس فل ج دار الزن ازن ة أو شاش تي اللمح دودة أو )الس كوب( ف ي فض اء الح وش ف ي اللي ل أو ف ي س ماء القم ر الملب دة ب الغيوم تعينن ي عل ى استحض ار ب ارح س هول الغرب المريكي ليرفه عني )راندولف سكوت( و )إيرول فلين( )وتايلور( و)ماتيور( و)بربا ار ستانويك( ،و)جون( و)جين باول( ! أو اتساع بحار الق ارصنةوأبطال الغريقوالرومان ..ياااه عرف ت بس بب ذل ك أن س اعات حض ور تلك الفلم لم تضع هباء فقد أعانتني على الوقت وما أبشع انتظار مروروالوقت وأن ت أع زل أم امه م ن أي س لح تقتله به حتى الكتب .
91 وم ن الزم ن النفس ى أيض ا اله روب إل ى الحل م ،والحل م يمث ل هروب اً م ن واق ع الس جن وم ن القي د ال ذى ي دمى معصمه ،فعند ترحيله من السجن يغفو وساعتها: أخذنى زورق الحلم من علبة العرب ة المي ري الممزق ة مش فقًا عل َي م ن لس عات ال برد وتأم ل وج وه العس اكر الكالحة الحادة في عبوس يفوق عبوس الدنيا الغائمة الممطرة حولنا .ولح لي هذا الخاطر كإنذار مبكروأنا أنت وي أن أبحر خلف ذكريات النيل مستمت ًعا بذكريات )دمياط( )سوق الحسبة( ود ارفيل النهر في الش تاء وس ينما )اللب ان( وسينما )دمياط( الجديدة .لك ن ص دمتني ص خور ش اطئ الحقيق ة الب اردة وأيقظن ي أح دهم وه و يزغ دني ف ي جن بي قائلً : -قوم يا اخويا. وتتبدى فداحة الزمن النفسى أيضا فى الحديث عن رحيل الرفاق الشيوعيين مرة أخرى إلى الوردى ،حيث تسيطر عليه حالة من الخوف ليس فقط من حرمانه من مؤانستهم له ،ولكن خوفاً عليهم من استقبال الوردى ،ففى مثل هذا الستقبال مات كثير من المناضلين والرفاق الشرفاء: \"ومرت عدة أيام طويل ة وثقيل ة الظ ل ،انت ابني ش عور بالفق د مث ل م ا ح دث ل ي عق ب ترحي ل )ال زملء الخ وان( وقضيت يومها قلقًا بشدة عم ا يك ون ق د ح دث له م ف ي )التش ريفة( ال تي ك انت ف ي انتظ ارهم للم رة الثاني ة .وك انت تنتابني كوابيس ش نيعة إذ كن ت أقض ي وقتًا ط ويلً أتخي ل س يناريوهات عدي دة لم ا ح دث له م -وأتمن ى أن تص لني إشارة ولو من السماء تؤكد لي عبورهم ص ارط العذاب ،والشارع الخضر المنص وب أم ام بواب ة الجحي م ال ذي ع ادوا إليه .. وفى السجن سيتعلم البطل فن التعامل مع الوقتواستئناس الصمت ومنازلة وحش اسمه النتظار ،وس يتحتم عليه إما معاداة الوقت أو ترويضهول يعرف هل سينهزم أم سينتصر ف ى تل ك المعرك ة فيق ول\" هأنذا بين أربعة ج د ارن في زن ازنة عارية تما ًما وباب مغل ق ،عارًي ا أو ش به ع ار بل طع ام أو ش ارب أو أقلم أو أو ارق أو كت ب أو أي ش يء إنساني آخر ..ل شيء سوى ال وقت .وقطع ة م ن الض وء انس حبت م ن ف وق الج دار م ع الش مس ال تي توش ك أن تغيب )(...أعود لتأمل الجدران النظيفة ومربعات الحديد ال تي تب دو الس ماء م ن خلفه ا س جينة تح اول أن تش اركني حزني الدفين ..ارح الضوء يخفت في الزن ازنة ،فقد غابت الشمسواكتمل فناء ضي مربعات الش مس عل ى الح ائط وتلشيها والنسان هو الكائن الوحيد الذي يحس بالزمن في حركته الذاهبة واليبة ،ويتأثر بهذه الحركة ،ويؤثر فيها سلبا نوايجابا ،إذ كلما ازدادت خبرة– الكاتب – في الحياة ازداد إحساسه ووعيه بالزمن .،فالزمن كامن في وعي كل إنسان، غير أن كمونه فيوعي المبدع أشد إيلما،وأعمق مدى ،والسجن من شأنه شحذ هذا الوعى فيتأثر بأقل التفاصيل: \"ل تصدق من يقول لك إن أيام السجن متش ابهة -ه ي مبالغ ة ..فالي ام ل تش به بعض ها ف ي المطل ق .فالنس بية هي قانون أزلي من قوانين الوجود ..بالضبط كما أن التغيير قانون الحياة الذي ل يتغير .. اليام بعد ترحيل الخوان اختلفت تما ًما عن أيام الشهور الخمس أو الست قبل ذلك ..كانت أيا ًما غي ر الي ام .. تختلف اختلفًا جذرًيا ..كالفرق بين أيام السجن النف ارديوأيام الحرية ..
92 وتظل دائما علقته متوترة بالوقت ،وقد انعكس ذلك على الصفات التى استخدمها الكاتب لوصف جبروته \"في الزن ازنة النف اردية وحيث يقضي المرء أكثر من اثنتين وعشرين ساعة ك ل ي وم خل ف ب اب موص د بلي د قبي ح اللونوالمنظر ،ومحا ًص ار بجد ارن صماء ل تحس ول تس تجيب ..وش باك مرب ع تحاص ر قض بانه وق واطعه الس ماء وتحبس السحبوالنجوم وتكسر الضوء والظلمة .. ل يكون أمام المرء إل أن يقضم الوقت بأسنانه وأظافرهوأحاسيسه لحظ ة بلحظ ة تم ر ثقيل ة كام دة ..فل ي تركه إل جث ة هام دة ث م يكتش ف أن ال وقت ه و ال ذي أخل ى س بيله وت رك رقبت ه ليس تطيع أن يح رر أنفاس ه ال تي أرهقه ا الص ارع غير المتكافئ ..الذي يجبر النسان المحبوس انف اردًيا عل ى اللج وء إل ى أحض ان أوه ام يلمل م أش تاتها م ن حياته ..يستحضر بها أحاسيس ومواقف من ذكرياته يتغلب إن نجح في تمثلها -على طاغوت الص مت وج بروت الوقت\". وف ى موال الصبا فى المشيب ،يتس لل البط ل الم اره ق إل ى غرف ة نرج س الم أرة المتزوج ة ،وتك اد تس لم ل ه نفس ها، وبع د ارتعاش ات الل ذة وارتجاف ات الخوف م ن الفض يحة ،ته رب م ن الغرف ة وت تركه وحي داً ،ه ذه اللحظ ات م ن الت وتر الشديد تضغط على أعصابه حتى أنه يفقد احساسه بما حوله تماماً ،ويسيل الزمن ويتمدد لتصبح تلك اللحظات – لحظات تخييلية محضةوهو فى غرفة نرجس:- \"لست أدري كم من الوقت مضىوأنا بين الصحو والن وم ،ت دور ب أرس ي الحلم ،وتص و ارت ملون ة لم ا س يحدث ..كن ت بي ن الحل م والعل م ..بي ن الص حو والمن ام ،لكنه ا ك انت دائ ًم ا مع ي ..أخ ذتني م ن ي دي ..نزلن ا البح ر ، س بحنا ح تى غرقن ا ..أنق ذنا قرص ان ع ابر ح اول اغتص ابها فقتلت ه ..لحقته ا ف وق الس طح بي ن كيم ان الق ش . تاهت مني ،درت كأني في متاهة شاسعة أبحث عنها ..كانت مستغرقة في النوم مستلقية بين أكوام قش الرز وق د تعرت إل من قميص ممزق .وكان القم ر ..يغم ر اللي ل ح ولي يحيطن ي بوه ج ض ياء ل ح دود ل ه .كن ت نش وانا .. تقدمت منها ..وجلست أتأملها وهي ساكنة في سلم ..وحين لمستها فزع ت ،لكنه ا أخ ذتني ف ي حض نها ..ح تى فاجأنا عسكر الخليفة وجرجرونا بعد أن ربطونا من القدام بحبال من مسد خلف الخيل ..وأنا أح اول حمايته ا دون جدوى ..ثم فرقوا بيننا ..إصطحبوها إلى مقر السلطان .أما أنا فجلدوني تحت شباكها حتى تقطعت أنفاسي .. تقنيات الزمن: وحتى يتسنى لنا تحليل زمن السرد فلبد من التميي ز بين مستويين هما :مستوى الوقائع أى الترتيب الطبيعي للحداث كما وقعت ،ومستوى القول أى الترتيب الفني الذى اختاره الكاتب فى سرده .لقد فرق الشكلنيون الروس بين المت ن الحك ائى :الحكاي ة عل ى النح و ال ذي ربم ا ح دثت علي ه ح دوثا فعلي ا ف ي الزم ان ،والمك ان ،ف ي خ ط ممت د م ن الح داث المتج اورة ال تي ل حص ر له ا – الحكاي ة ف ي ص ورتها البيض اء المحاي دة – وبي ن المبن ى الحك ائى :الن ص اللفظي التي ظهرت فيه الحكاية :النص بكل ما فيه من فجوات وحذوفات وتأكيدات،وناعادة لترتيب الحداث)123. ويجدر بنا الشارة أن \"التتابع الطبيعي في عرض الحداث هو حالة افت ارضية أكثر مما هي واقعية ،لن تلك المتواليات قد تبتعد كثيراً أو قليلً عن المجرى الخطي للسرد ،فهي تعود إلى الو ارء لتسترجع أحداثاً تكون قد حصلت في الماضي أو على العكس قد تقفز لتستشرف ما هو آت أو متوقع من الحداث .وفي كلتا الحالتين نكون إ ازء مفارقة 123السيد إب ارهيم ،نظرية الرواية ،دراسة لمناهج النقد الدبي في معالجة فن القصة ص 100:101
93 زمنية توقف استرسال الحكي المتنامي وتفسح المجال أمام نوع من الذهابوالياب على محور السرد انطلقاً من النقطة التي وصلتها القصة\") .(124ويحدث هذا عن طريق تقنيتين هما :السترجاعوالستباق. السترجاع: هو أن يترك ال اروى مستوى القص الول ليعود إلى بعض الحداث الماضية ويرويها فى لحظة لحقة لحدوثها .125إذ يعلن السرد توقفه عن السير للمام ويعود إلى الو ارء ليكشف عدداً من الجوانب التي تسهم في إضاءة النص ،وتحقق في الوقت نفسه غايات فنية منها التشويق والتماسكواليهام بالحقيقي) .(126فالسترجاع \"يؤلف نوعاً من الذاكرة القصصية التي تربط الحاضر بالماضي وتفسره وتعلله ،وتضيء جوانب مظلمة من أحداثه ومسا ارت هذه الحداث في امتداداتها أو انكسا ارتها\").(127 جاءت السترجاعات في ثلثية سمير عبد الباقى كالتالى) :السترجاعات التاريخية ،السترجاعات الدينية والت ارثية ،السترجاعات ذات المدى القريب ،السترجاعات ذات المدى البعيد.(، السترجاعات التاريخية: ففى موال الصبا تثير مشكلة تاريخ ميلده استرجاعاً تاريخياً فيقول \" ..فأنا مقتنع أنني ولدت في ) 15مارس( .وأكتب ذلك على صفحات كل كتبيوأقوله في كل أحاديثي الصحفيةوالذاعية .وأصر على أنني من مواليد برج )الحوت( فلست أميل كثيًار لحكاية )الدلو( هذه التي تعني بفجاجة )جردل(! ملمح )الحوت( أكثر احت ار ًماوأبهة ..ويحمل مواليده الكثير من ملمح ذاتي وصفاتي ..التي أفخر بها على العالمين ! ثم إن ) 15مارس( حدث فيه حدث من أهم الحداث الدرامية والتاريخية ..ألم يقل )شيكسبير( على لسان الرجل )بتاع ربنا( الذي قابل )قيصر( .وصرخ فيه بدون مناسبة أو متنبًئا -ال أعلم. -حذار من منتصف )مارس( !! فلم يعره انتبا ًها ..وكان أن طذبح وهو أهم )قيصر( متسلط في التاريخ ،في ذات نفس يوم ميلدي!! أما فى ولهم يحزنون فأهم السترجاعات التىربطها بمهارة بأزمة الشخصية هى استرجاع تاريخ وطنى آخر، لكنه لم يحدده زمنياً ،وربما أفلت من القارئ ،وهو شنق خميس والبقرى ،فأحيانا تصبح اشكالية كاتب السيرة كتابة الشياء كمسلمات معتقداً أن عموم الق ارء سيفهمون تلميحاته ،ولنجد سبباً للتلميح فالرجل لم تكن تنقصه الشجاعة أبدا ،لكنه لنغماسه فى القضية يعتقد أن اشارة بسيطة منه تكفى .ففى زمن الزنازين يفقد اسم الشاويش عبد ال بولجانين كل دللة لو لم يكن القارىء يعرف \"نيقولى بولجانين\" رئيس الوز ارء الروسى صاحب النذار الشهير لس ارئيل وانجلت ار وفرنسا أثناء حرب ،56كذلك حديثه عن مقتل \"عبد اللطيف رشدى\" دون إشارة يعرف بها )( بنية الشكل الروائي.119 : 124 125 بناء الرواية58 : 126 127 )( تقنيات السرد الروائي.75 : )( الفضاء الروائي عند جبرا إب ارهيم جب ار.92 :
94 القارىء أن المقصود هو يقصد ضابط السجن الذى قتل المناضل شهدى عطية. وكنت أتمنى أن يفصح الكاتب عن تفاصيل أكثر فى شهادته فهى وثيقة هامة لجيل ليعرف الشهيدين »محم د مصطفى خمي س« و» محم د عب د الرحم ن البق ري« ،و ليع رف شيئاً ع ن تاري خ ذل ك اليوم السود ف ى تاريخ عمال مصر 128.المهم يستغل سمير عبد الباقى ذلك السترجاع التاريخى ليربط بي ن سقوط الب الشيخ مقبل رمز السلطة البوية وسقوط سلطة نجيب وعبد الناصر وزير داخليته وقتها فى عيون البناء اليساريين ، فالمشهد فيه كثير من الخبث حين يصبح الب الذى يدعى الحكمة والعدل هو مجرد رجل ذو إلية عارية ،يتمرغ فى وحل الزريبة مع خادمته ،مثلما مرغ حادث شنق خميس والبقرى أسماء بعينها فى الوحل ،وبالمناسبة كان رئيس المحكمة العسكرية وقتها »عبد المنعم أمين« أحد الضباط الح ارر ،وأحد كوادر الخوان المسلمين .إن لعبة الزم ن هن ا غي ر بريئ ة فه اهى تعي د للذه ان ذك رى دنش واى ،وس قوط الب وتمرغ ه ف ى وح ل الزريب ة ه و مع ادل موضوعى لتمرغ النظام فى جريمة نك ارء مهما ادعى غير ذلك: \"ف ى ذل ك الي وم ك ان ال بر كل ه وأه الى كف ر ال دوار يش اهدون منظ ار فري دا ل م يح دث ف ى تاري خ مص ر الحديث إل مرة واحدة على يد العساكر النجليز من حوالى نصف قرن فى قرية اسمها دنشواى ..لكن العساكر –المصريين -هذه المرة أجبروا الناس على الفرجة على جسدين مصريين مثلهما فقيرين يتدليان من مش نقتين نصبتا على عج ل دون محاكم ة تقريب ا ف ى س احة مص نع نس يج ليكون ا ع برة لم ن ليعت بر – لك ن ل \"ف رج ال\" كانت ترى الج ارئد ول كانت تعرف الق ارءة أصل ..فلم يعكر صفو حلمها هذا المر ول غيره -غرقت الدنيا عز الضهر فى بحر الليل. اس ودت ال دنيا ف ى وج ه حم دى) (...اذ يش اء العلي م الحكي م أن يش اهد م ؤخرة أبي ه الفخم ة عاري ة بيض اء م ن غي ر س وء -تعل و وتهب ط ف ى ت وتر ليلي ق بس نه ف وق جس د الب ت الس م ارء – ال ذى يتل وى تحته ا وصاحبته تموء مثل قطة لئدة\". وطبعا لم يصدق حمدى وكاد يكذب عينيه ،وسيترك هذا المشهد أث ار لينسى ،فذلك التاريخ سيرتبط من الن فصاعد بخييبته الجنسية ،ولن يستطيع أبدا مضاجعة زوجته ،فأزمة حمدى بسقوط الب مركبة لنه واقع \"فرج ال\" هو الخر من قبل ،وكان يحبها. في 12أغسطس 1952قامت إدارة مصنع كفر الدوار ،بنقل مجموعة من العمال من كفر الدوار إلى كوم حمادة دون 128 سبب واضح ،ساعتها ظن العمال المساكين أن ثورة يوليو قد جاءت لتنصفهم ،فأعلنوا اض اربا سلميا طالبوا فيه بأجر مناسب وبسكن آدمى ،ولكن فوجئ العمال بمحاصرة قوات المن للمصنع نواطلق النار عليهم ،مع ذلك لم يفعل العمال شيئاً سوى تنظيم مسيرة لباب المصنع فقد سمعوا أن محمد نجيب ،رئيس الجمهورية وقتها ،سيمر على المصنع ،كان العمال يهتفون فى اخلص ووطنية »يحيا القائد العام ...تحيا حركة الجيش« وعندما تأخر نجيب خرج العمال لنتظاره عند مدخل المدينة ،وفي طريقهم مروا بأحد نقاط الجيش فهتف العمال من جديد \" تحيا حركة الجيش\" ولما وصلت مسيرة العمال لحد الكباري ،قامت معركة غير مفهومة السباب بين الجنود المسلحين والعمال العزل ،المهم تم القبض على مئ ات العم ال ،وتش كلت محاكم ة عس كرية ،واته م مئ ات العم ال بالقي ام بأعم ال التخري ب والش غب وحكم ت المحكم ة العس كرية -دون دف اع أو مح ام حقيق ى -بالع دام عل ى »محم د مص طفى خمي س« وك ان وقته ا ف ى التاس عة عش ر و» محمد عبد الرحمن البقري« الذى كان فى السابعة عشر.
95 \"لك ن طرب وش الش يخ ،ك ان معلق ا ف وق أح د الوت اد المزروع ة ف ى الج دار وك انت العب اءة الس وداء الفاخرة مغ برة ب الت ارب والتب ن تت دلى ف وق الط واله كخرق ة بالي ة وك ان الش ال البي ض الش اهى المش هور وال ذى اشتهر ببياض ه ال ذى يش رب من ه العص فور ملق ى ف ى اهم ال ف وق الرض الموحل ة ب القرب من ه ..وج د نفس ه يلتقطه ويخرج فزعا الى نهار الزريبة الفاضح منزلقا لحضن القيلولة المشتعلة وهو يستحم بعرق الغضب\" لن أطيل على القارئ فى الشرح ،سيلحظ دللت الطربوش الحمر وهو بديل عن الكاب العسكرى، والعباءة السوداء بديل عن عباءة القاضى ،واللون البيض رمز لثورة يوليو التى علمونا فى مدارسنا أنها الثورة البيضاء ،وكيف استخدم الكاتب تلك الرموز لفضح السلطة ،وأزمة حمدى سببها سقوط الب مثله مثلما كانت أزم ة اليس ار ه ى س قوط عب د الناص ر ،وف ى الح التين ارتكب ت الجريم ة ف ى وض ح النه ار \":ف ى تل ك الس نة ال تى أفحمت ه فيه ا م ؤخرة أبي ه ف دمرت حلم ه ال برىء النظي ف ل م يحص ل عل ى ش هادة الثقاف ة ب ل ول م ينج ح ف ى أى مدرسة فقد قدر له ان يكون ابن ابيه ووارث عهره\". السترجاعات الدينية والت ارثية: فى موال الصبا فى المشيب نجد ان الحديث عن تاريخ المكان \" ميت سلسيل\" يلتقى فيه التاريخ بالسطورة والحقائق التاريخية ،ويعيدنا لجو أسطورى،ربما امتد من عهد الف ارعنة ،والحكايات القرآنية ،وحكايات الولياء تلتقى أيضا بحكايات خالته عن أساطير محلية تؤمن بها القرية\" )ميت سلسيل( تعني مكان الطرب واللهو ..أطلقه المماليك الذين كانوا يرسوحون عن أنفسهم على شاطئ البحيرة) (...هم جمي ًعا يتمسكون بانسبهم )لبو خشبة( ولي ال الصالح ،الذي مات وهو يقاتل الصليبيين -الذين هدموا )تانيس( بخشبة ،طول صاري المركب ،فشتت شملهم قبل أن يستشهد ويدفن على شاطئ )ترعة السلطان( التي تحد القرية من الغرب. ولني عشقت هذه الرض ودفعني عشقي أن أبحث عن خ ارفاتها وتاريخ أهلها الطويل ؛ كانت بلدنا هذه تسمى )منية بني سلسيل( أ أريت – ..سميت باسم أبنائه ما شاء ال ..ولكن كان له ابنان هما المقَدمان لديه دون إخوتهم أجمعين .كان لكل منهما )جنة( .فيها ما ل عينرأت ول خطر على قلب بشر ..كانت الولى اسمها ) ..منية بدر بن سلسيل( والتانية )منية مرجا بن سلسيل( وما ازلت حتى الن اسمها )ميت مرجا سلسيل( .أما )منية بدر( فقد حرقتها لعنة ال ..نعم ..مذكور ذلك في القرآن )جنتان عن يمين وشمال( ..مثل جنة ربنا .. هكذا شاءت إ اردته ..نعم ) ..إذ قال لصاحبه وهو يحاوره( ! ..وارجع بنفسك إلى المصحف الشريف تعرف كل شيء\". والخاله تق أر للطفل سمير ماجاء فى الكتاب على حد قوله ،فتخبره بتاريخ آخر هو خليط من تاريخ شفاهى غير مؤكد وحكايات ألف ليلة فتقول\" :أن ال أ ارد خيًار بأهل هذه القرى التي تواجه )تانيس( بعد إسلمهم ..فأعاد الخصوبة إلى الرض المالحة التي حرقها غضًبا عليها في الماضي ..فعادت أكثر عطاءوأوفر ثماًار مما كانت) (...لكن الخليفة بنفسه ،كان ينزل إليها من )بغداد( متخفًيا فيزي التجار\". السترجاعات ذات المدى القريب:
96 ف ى ول ه م يحزن ون يس تدعى الس ترجاع أو الفلش ب اك عن د ن وال وه ى ف ى طريقه ا لزي ارة أخيه ا ف ى السجن تاريخا آخر ،فهى لتفهم لمصلحة من تم القبض على سالم وزملئه ،وهم الذين وقفوا إلى جانب عبد الناصر فى مواجهة من تربعوا على عرش التحاد القومى ومن قبله هيئة التحرير ،ومنهم العمدة والشيخ مقبل: \" تذكرت كيف رقص هو وصديقه ابن عبد ربه فوق السطوح وه م يس معون عب د الناص ر ي ؤمم القن ال وكيف أسرعا وجمعا طلبة البلد عندما بدأت تهديدات فرنسا وانجلت ار بالعدوان ،وكونوا كتيبة قام بتدريبها محمود الفلس طينى المقات ل الق ديم م ع البط ل أحم د عب د العزي ز ،وكي ف كون وا لجان ا م ن الطلب ة والس يدات لس تقبال المهاجرين من القنال الذين ألقت بهم القطا ارت ،جمعوا الكل والغموس وفتحوا المدارس عنوة وأس كنوهم وتول وا ترتي ب طع امهم وش اربهم وه م يرحب ون وينش دون مخففي ن عنه م لوع ة ف ارق أرض هم ..وكي ف تس لل فتح ى م ع مجموعة كبيرة منهم شبان من ميت الحلوج رغم معارضة أهله ،وماكان أروع صورة قريته م حي ن تكت ل الن اس و ارءه وزملئه ليغيروا مجلس ادارة الجمعية ويفتحوا النادى وحين صنعوا حالة عجيبة من المش اركة الجماعي ة والتواصل بين كل أهل البلد لتأييد حكومة النابلسى فى الردن وتأييد ثورة الع ارق والوحدة مع سوريا ،فى الوقت الذى مزق قادة التحاد الق ومى ف ى البل د المخل وعين م ن الجمعي ة أو ارقه ا واس تعدوا لس تقبال النجلي ز وش نق عبد الناصر وعودة الملك\". ويستمر ال اروى العليم فى سرد تاريخ سالم ،ويسرد مشهد القبض عليه \" :كانوا قد حاصروا م دخل القري ة وتقدموا كمن يدخلون معركة حربية فى ليلة سوداء ممطرة كه ذه وأش د رعب ا م ن ه ذه الص رخات الملتاع ة ال تى تمل سماء القرية\"... والب يسترجع بدوره ماضيه القريب \" وهاقد مضت سنة ياسى عبده ولم تر ابنك منذ ودعته على باب السجن وأنت تبكى حظك المنيل فيه منذ مولده سنة كاملة لم تكف نوال عن تنغيص عيشتك التى ك انت سلس ة آمنة ،هى وأمها تكد ارنك كلما عن لهما ذلك ،لنك ل تبذل جهدا كافيا للف ارج عنه وكأنك تستطيع\" أما فى زمن الزنازين :فبعد مشهد وصوله الى السجن وتفتيشة يعود بنا الحكى إلى نقطة أسبق: كنت قد أفل ُت من قبضة العتقال مرتين من قبل ؛ لحس ن الح ظ أو لس وئه لس ت أدري .الم رة الول ى ك انت ف ي أوائل فب ارير .59؛) (...أما الفلت الثاني من السجن ؛ فقد حدث بالصدفة البحتة بعد هذا بأقل من شهر تقريًبا\". ويسترجع البطل السجين ماحدث له فى تلك الشهور الستة التى سبقت اعتقاله ،ومنها موقف النظام لحظتها من الشيوعيين: ذات ي وم كن ت ف ي مي دان التحري ر م ع )عي داروس القص ير( ..ك ان ال اردي و يزع ق ف ي هس تيريا مطالًب ا بذب ح الشيوعيين الذين يتربصون بالوطن ..كنا وحدنا ..وسط الميدان والميكروفون ات تزع ق مطالب ة ب دمنا ..وكن ا ف ي طريقنا للحصول على البيان بعد أن أبلغنا )فتحي مجاهد( أنه تم طبع كمية محدودة من ه ،وكن ا نعت بر ذل ك انتص اًار لنا ول أرينا ؛ يمثل نقطة تحول نحو التقييم الصحيح للموق ف ..ونقط ة بداي ة لعم ل ن واجه ب ه حمل ة التحري ض عل ى الغتي ال ال تي وص لت إل ى ذروته ا ..ي وم ق رر )كم ال ال دين حس ين( فق رة رديئ ة الص ياغة عممه ا عل ى تلمي ذ المدارس البتدائية ؛ يحفظونها ويرددونها دون فه م ع ن الش يوعية )باعتباره ا داء ينخ ر ف ي جس م الس لم وينه ى عن الفضيلة والنسانية!( ،ولذلك فدماء الشيوعيين مباحة وذبحهم حلل ..
97 ويستمر الحكى عند سمير عبد الباقى عن الشهور الستة التى سبقت اعتقاله حتى يعود مرة أخرى للحديث عن نفس النقطة التى توقف عندها الحكى،وهى الوقوف أمام الشاويش حسن عطية\" :وهأنذا ..بعد ستة ش هور بالض بط أق ف كالفأر المسلوخ في ملقف مدخل سجن )المنصورة( .. \"س تة ش هور مليئ ة بالح داث والحرك ة ركب ت فيه ا كاف ة أن واع المواص لت ،ليلً ونه اًار ..م ن عرب ات نق ل , تاكسيات ..قطا ارت ،بل وعربات كاُرو وحمي ر أي ًض ا ،وس رت عل ى أق دامي مئ ات الكيلوم ت ارت ،وس افرت عش ارت الم ارت بين )القاهرةوالمنصورة وبورسعيد ودكرنس( ،ق ابلت رج الً وش يو ًخا ونس اء وطلب ة وفلحي ن ..ف ي ق رى ل م أك ن دخلته ا أو ح تى عرف ت بمكانه ا ..م ن )مي ت سلس يل( )إل ى مي ت الحل وج( وم ن )ديمش لت( و)الكرم ا( إل ى )الصالحات( ،و)بني عبيد( ،و)طناح( ،و)مي ت ض افر( ،و)الكف ر الجدي د( ،و)المنزل ة( ..ودخل ت المتح ان ونجحت بامتياز ،وتبادلت المركز الول مع طالب أطرسل فيما بعد في بعثة ليحص ل عل ى ال دكتو اره م ن أمريك ا بينم ا كن ت أن ا ف ي الس جن ..عش ارت الجتماع ات ومئ ات المق ابلت ..خض نا انتخاب ات التح اد الق ومي وطاردن ا ق وات المن بالطوب لمحاولتها التدخل في مجرى التصويت ..ستة ش هور كامل ة نابض ة بالحي اة وروح التح دي والخيان ة أي ًضا ..لجد نفسي بعدها كالفأر المس لوخ مج رًدا م ن ملبس ي م ا ع دا الفانل ة واللب اس ..أرتع ش ف ي ملق ف ري ح مدخل سجن )المنصورة( ..يشفق عل َي الشاويش الجميل ذو العي ون الخض ارء والص در العلي ل ع م )حس ن عطي ة( الشرقاوي الطي ب ..بع د أن س لم لوال دي المه زوم المكس ور خ ارج البواب ة الخش بية الجهم ة الب اردة ذات الص رير , ملبسي الخارجية !\" السترجاعات ذات المدى البعيد: فى ولهم يحزنون يسترجع الب عبده أفندى والد سالم وهو ينزل سللم البيت مهموماً تاريخه الشخصى البعيد قبل مولد ابنه سالم وكيف تزوج بتلك الم أرة البندرية \"علية\" ليعود بالتاريخ لنقطة تسبق لحظة الحكى بأكثر من خمسة وعشرين عاماًاً: \" تزوجها أيام كانت الدنيا غير الدنيا والناس غير الناس ..البيضة كانت بمليم وأقل ب ل ك انت النكل ة تس مى عش رين بيض ة ،وقب ل أن يطل ع للمل ك الش اب المحب وب مخ الب تغري ه أن ينح رف ويس لم نفس ه للبن ت الطليانية بينما اللمان يدقون بعنف أبواب أوربا\" لقد تم تعيي ن الب مدرس ا بأربع ة جنيه ات \" وسط احتفالت القطر كله بجل وس مولن ا الص بى الجمي ل على العرش وتوقيع معاهدة .\"36سنلحظ أن استخدام الزمن لم يقتصر على الحديث عن فترة زمنية لكن اللغة المس تخدمة تس هم بق وة ف ى رس م تاريخي ة المش هد باس تدعاء مف ردات مث ل الملي م ..النكل ة ..القط ر \"..هن ا يختل ط التاريخ العام بالتاريخ الخاص أيضا ،فالعروس \"علية\" ابنة المعلم الخميسى صاحب شادر الخشب وورشة السواقى \" تأتى من البل د المج اور ف ى تخ تروان وأربع ة عش ر جمل وحص ان بع دد الربع ة عش ر مديري ة ،ف ى زف ة تمت د على طول الز ارعية) (...وتسهر الست أم زتون وفرقتها من المنصورة حتى الصباح فى فرح سى عبده\". والحقيق ة أن ه ذه التفاص يل وه ذا التاري خ الشخص ى والع ائلى ترتب ط أيض ا بتاري خ ال وطن بص فة عام ة والمنصورة بصفة خاصة ،والكاتب هنا يختلف عن المؤرخ فى كونه يكتب المسكوت عنه فى كتب التاريخ ،ول
98 أقصد بذلك قنص ورصد التفاصيل التى ليدركها المؤرخ .فالمؤرخ يتحدث عن وقائع ،أما الروائى فيحكى انعك اس تلك الوقائع على نفوس البشر ويحتفى بالمنمنمات التى تبدو تافهة فى عين المؤرخ. \" أخذها سى عبده عقب الزفاف لتشاهد احتفالت التتويج ،ورجعت عاشقة ولهانة بالملك الفتى تدعو له ،وتتوحم عليه ،وتغض ب لم ن يجي ب س يرته بم ا ليلي ق م ن الح ت ارم والتق ديس \" وك انت وقته ا الزوج ة علي ة حامل فى نوال \"...وفى مصر عندما أرته أرى العين فى ميدان عابدين ،تخيلته يتقدم منها وح دها ويأخ ذ بي دها وسط الزحام ،فاغرورقت عيناها بالدموع التى مسحها عبده افندى فى حنان فاضطرت أمام حنيته أن تعترف له بالسر أنها حامل فيصيح فرحا وسط الحشود \" أما الولد الثانى س الم/سمير فيرتبط مولده بحوادث جليلة ،كانت السحب تتجمع لتشكل المشهد الرهيب اللئ ق به ذا الول د المش اغب المش اكس ال ذى عرفه م طري ق الس جون \"المل ك يع زل حكوم ة الوف د عام دا متعم دا، ويأتى بمحمد محمود ويرفد الشيخ مقبل من العمودي ة وتنقس م البل د ،واورب ا تغل ى وبش ائر الح رب ت دق الب واب بقوة .هتلر يحرق ال اريخستاغ ويستولى على سدة الحكم فى ألمانيا ،ويهدد ص در الرض الكروي ة ال تى ل م تك ن ق د أص بحت قري ة بع د ،وتعب ت أم يوس ف ف ى الميلد الول ول ذا فق د ح رص عل ى أن ياخ ذها للمنص ورة م ارت عديدة لتواجه حمل سالم الصعب الذى حدث فى فترة صعبة يهتز لها العالم من الرعب والخوف ،ولم يعد للمليم قيمة والقرش عز على الكثيرين حتى على سى عبده رغم الجنيهات الستة التى لم يعد لها ذلك النفوذ القديم\" وهناك تاريخ غير رسمى لحركة اليسار المصرى لم تسجلها الوثائق ،ولكن تحفظها ذاكرة أحد سجانيهم إنه تاريخ الشيوعيين المحفور فى ذاكرة الصول مصطفى،وهو استرجاع بعيد المدى يمتد لعقود: \"أربعين سنة فى السجون قضى نصفها على القل مع هؤلء الناس ويعرف أكابرهم وزعمائهم وأكل معهم عيش وملح فى سجن الجانبوالطور وأبو زعبل ،وكان سجانا على\" شهدى\" فى طره ،و ازمل الشاويش حسن عطية فى المحاريق ،وصادق منهم هناك كتاب ودكاتره وفنانين وعمال لسانهم بربند ،واولد باشوات يطالبون بالغاء الباشوية\". السترجاعات الوسيطة: وفىزمن الزنازين سنجد نوعا آخر من السترجاع ،ليست للشهور الستة التى تسبق دخول سمير السجن ،بل أبعد م ن ذل ك قليلً ،وم ن ه ذه الس ترجاعات الوس يطة :فبعي دا ع ن ذكري ات العم ل الث ورى يس ترجع البط ل دائم ا قص ص الحب ،فيتذكر خطاب من حبيبته سعاد وقع فى يد مدرسه الستاذ النشار فى حصة اللغة العربية ،ولم يكن الخطاب الذى نورده سوى مقلب مدبر من زملئه: )حبيبي سمير ..عارفة ان ك بتحبن ي لك ن م ش ق د م ا بحب ك أن ا ..باس تنى أش وفك ك ل ي وم عل ى ن ار .ألي س هناك طريقة ول فرصة لراك بعيًدا عن النظار – حبيبتك سعاد( .. وهناك لحظات يهرب فيها البطل من واقع الزنزانة باستعادة ذكريات لطيفة أو كوميدية مثل قصة الحمار: \"ودهشت لهذا التصرف الحمق من الحمار .عاودت محاولة النزول ،ولكنه لم يستجب بل أخذ يغُذ السير أس رع ..ولم ا ق ررت القف ز م ن ف وق ظه ره )ق َم ص( ..فاش تبكت ق دمي ف ي )الحياص ة( ووقع ت م ن ف وقه
99 ليسحلني خلفه وهو يزيد من سرعته ..وأخذت أصرخ فيه أسبه ؛ حتى أفلتت قدمي م ن الحب ل وتح ررت من ه . وقد صعقت لما جرى ولم أجد له تفس يًار ..ووج دتني أجل س محب ًط ا مغي ًظ ا وه و )يفلس ع( بعي ًدا .ولم ا نظ رت أق در المس افة ال تي قطعه ا الحم ار عائ ًدا وه و س احب جس مي وراءه انفج رت ض احًكا ..وقم ت أع دل ه دومي وانفَض ملبسي مما علق بها من وساخات الطري ق ..ول أك ف ع ن الض حك ح تى دمع ت عين اي .وأن ا أس ير في جد لعوض ما أفقدنيه الحمار .. ولكن المر كان يتجسد لي مرة بعد أخرى .وكلم ا عج زت ع ن أن أج د تفس يًار معق ولً لتص رف الحم ار ك ان الض حك يح ط عل َي .ولنن ي ل أبص ر أح ًدا عل ى م دى النظ ر ك ان غيظ ي ينطل ق ض حًكا عالًي ا ،س خرية م ن غبائي أو من تصرف الحمار .وفي إحدى نوبات الضحك هذه سمعت من يزعق بي : -بتضحك على إيه يا افندي يا طم هَأز– التفت ناحية الصوت ف أريترجلً عملقًا ) (...أخرسني غضبه فكتم ضحكتي ..ولكنه كرر س ؤاله المحت ج مضيفًا إليه نبرة أشد وشتائم أسخم فلم أجد بًدا من الجري كأرنب مبتعًدا عن ه ناجًي ا بنفس ي م ن ه ذا )العفري ت( الذي انشقت عنه حشائش )الحلفا( وانفلتت على ما يبدو أثناء س قوطي م ن عل ى ظه ر الحم ار س اقى الخدل ة م ن البطاني ة المعلق ة ف ي القض بان فك دت أس قط م ن ش باك الزن ازن ة ف ي نف س ال وقت ال ذى س معت في ه ص وتًا يناديني غاضًبا من الحوش ليعيدني من طريق الجازورينا إلىواقع الزن ازنة. الستباق: هذه الظاهرة نادرة فى الرواية الواقعية وفى القص التقليدى عموماً وذلك بالرغم من ان الملحم الهومرية تبدأ بنوع من تلخيص الحداث المستقبلية ،ولكن هذه التقنية ترتبط بما أسماه تودروف \"عقدة القدر المكتوب\" فهذه التقنية تتنافى مع فكرة التشويق التى تكون العمود الفقرى للنصوص القصصية التى تسير قدما نحو الجابة على السؤال \"ثم ماذا؟\" وأيضا مع مفهوم ال اروى الذى يكشف أحداث الرواية فى نفس الوقت الذى يرويها .129و يلعب الستباق دو اًر هاماً في النص الحكائي فهو تقنية زمنية تخل بالنسق الزمني داخل القصة لغ ارض جمالية ،لكنه ل يؤثر على الحداث من حيث الماهية والوجودونانما من حيث الصياغة والترتيب).(130 نواذا كان الستباق أقل حضو اًر من السترجاع في النص الروائي ،فإنه يصبح في النص السيرذاتي مكوناً سردياً له تأثيره المهم في العمل الحكائي؛ فالسيرة الذاتية تمنح الكاتب فرصة الشارة إلى الحداث اللحقة لن ال اروى \"يحكي قصة حياته حينما يقترب من النتهاء ،ويعلم ما وقع ،قبل لحظة بداية القص وبعدها ،ويستطيع الشارة إلى الحوادث اللحقة دون إخلل بمنطقية التسلسل الزمني\") .(131فالحكي الذاتي المهيمن على النص يلغي المسافة الفاصلة بين ال ارويوالحداث ،كما أن المعلومات التي يقدمها الكاتب هى فى حكم المعلومات اليقينية فالحداث التي يسردها ال اروي حدثت بالفعل قبل بدئه فى السرد. الستباقات قريبة المدى: بناء الرواية 65 : 129 130 )( اللسنية والنقد الدبي.85 : 131 )( بناء الرواية.44 :
100 ففىزمن الزنازين يظل تفكير البطل محصو اًر ،أول أيام الحبس فى البحث ،عن الشخص الذى وشى به .لكنه مثل المسيح يعفو عنه والسبب أن الواشى \"صبى الترزى\" قد تسبب لنفسه فى خمس سنوات من السجنواعترف له قائل \" نفخونى ياسمير\" بل كاد البطل يبكى لحاله،وهو يرى آثار التعذيبوعلمات اطفاء السجائر فى جسده.وليستطيع سمير عبد الباقى ان يرمه بحجر ويعلل ذلك قائلً: \" عرفت كثيرين فيما بعد أكثر لمعاناًاً من عبد الحميدوأكثر وعيا ،لم يدخلوا التجربة التى تجسدت لهم رعبا جاثما لم يحدث أبدا ،لكنهم ولغوا فى دماءالل خرين متطوعين أحيانا أو بأجر ،ول ي ازلون يجدون الج أرة لتدخين الشيشة فى مقاهى المثقفين \" وكذلك على سبيل تشويق القارىء ،لن يقدم لنا دون تمهيد زيارة الم أرة الجميلة زوجة المعلم \"كرم\"،وهى تحمل له زيارة معتبرة على حد قوله ،إذ أن أهمية تلك اللحظة للبطل السجين تجعل الكاتب يفرد لها حديثاً مطولً ،وفى سياق آخر ،بحكم تأثير تلك الزيارة على نفسه ،فيقول على سبيل التمهيد\" :قضيت في حجز عابدين ثمانية عشر يوًما . كان ضمنها عيد ميلدي الثالثوالعشرينواحتفلنا به احتفالً ارئ ًعا ..بالنسبة لليل الحجز في قسم من أكثر القسام شعبيةوازدحا ًما ..وتلقيت فيه أجمل هدية تلقيتها في عيد ميلد ..ولكن ذلك سيحين الحديث عنه في موعده .. وفى موال الصبا فى المشيب حيث ثارت العت ارضات على مشاركة جوالة الخوان بملبسهم الكاكى فى المولد ،ينقل لنا الكاتب نقاشات القرية فيقول :الحاج عبد الهادى رد فى حكمة الخلفاء ،لم يكن قد حج بعد لكنه سيكمل دينه بالتأكيد ويحج .يا )عبد الرؤوف أفندي( وأنا كان في إيدي إيه– ..كل البلد عايزة تشارك ومن حق الكل يمشي في الزفة ..ما هم برضه أهلنا \".وبالتأكيد ل تصدر تلك المعلومات إل عن ذات من خارج النص ،إنها ذات الكاتب السيرذاتى. الستباقات بعيدة المدى: فى زمن الزنازين يرى فتحى أن حملة عبد الناصر ضد الشيوعيين فى يناير \"نقطة سودة لن تزول مهما غسلنا القماش البيض\" ويحكى حكاية تراثية عن ذيل الحية وقبر ابن الحطاب فكلهما لم ينس ماحدث له من الخر وهذا يعنى استحالة المصالحة \"،وأثبتت اليام حكمته الساذجة ،فحتى كتابة هذه السطور لم تطفلح أي محاولة لنسيان )الذيل المقطوع( أو لهدم )قبر البن المقتول( .وفشلت كل محاولت التحالفوالتصالح ؛ بل ولم تسفر أي منها إل عن مزيد من سوء الظن والشك الذي ل يفسح الطريق إل لمزيد من الفرقةوالصراع. وفى موال الصبا فى المشيب حيث سرقات الطفولة ولعب الولد والعلقة مع الرض والطبيعة ،يذكرنا سمير عبد الباقى بمغام ارت مارسيل بانيول فى ذكريات طفولته وتحديدا فى روايتيه \"مجد أبى\" و\"قصر أمى\"، لول أننا نجد دائماً ملمحاً حزيناً يصبغ لحظات السعادة\" :أخرج حسن كيساً به عدة أو ارق بفرة وأخذ بحرفنة يلف سجائره بالدخان المصنوع من شواشى كي ازن الذرة الجافة التى كان يتقن لفها وتدخينها بحذق ومهارة نحسده عليها رغم أنها قتلته فيما بعد مبك ار بداء السل. والحديث عن طفولته ليمنع الحديث عن الظروف السياسية ،والتمهيد لكبر حدث فى اعتقاد الكاتب وهو بطولة شباب القرية فى تغيير مجالس إدارة الجمعية الز ارعية:
Search
Read the Text Version
- 1
- 2
- 3
- 4
- 5
- 6
- 7
- 8
- 9
- 10
- 11
- 12
- 13
- 14
- 15
- 16
- 17
- 18
- 19
- 20
- 21
- 22
- 23
- 24
- 25
- 26
- 27
- 28
- 29
- 30
- 31
- 32
- 33
- 34
- 35
- 36
- 37
- 38
- 39
- 40
- 41
- 42
- 43
- 44
- 45
- 46
- 47
- 48
- 49
- 50
- 51
- 52
- 53
- 54
- 55
- 56
- 57
- 58
- 59
- 60
- 61
- 62
- 63
- 64
- 65
- 66
- 67
- 68
- 69
- 70
- 71
- 72
- 73
- 74
- 75
- 76
- 77
- 78
- 79
- 80
- 81
- 82
- 83
- 84
- 85
- 86
- 87
- 88
- 89
- 90
- 91
- 92
- 93
- 94
- 95
- 96
- 97
- 98
- 99
- 100
- 101
- 102
- 103
- 104
- 105
- 106
- 107
- 108
- 109
- 110
- 111
- 112
- 113
- 114
- 115
- 116
- 117
- 118
- 119
- 120
- 121
- 122
- 123
- 124
- 125
- 126
- 127
- 128
- 129
- 130
- 131
- 132
- 133
- 134
- 135
- 136
- 137
- 138
- 139
- 140
- 141
- 142
- 143
- 144
- 145
- 146
- 147
- 148
- 149
- 150
- 151
- 152
- 153
- 154
- 155
- 156
- 157
- 158
- 159
- 160
- 161
- 162
- 163
- 164
- 165
- 166
- 167
- 168
- 169
- 170
- 171
- 172
- 173
- 174
- 175