Important Announcement
PubHTML5 Scheduled Server Maintenance on (GMT) Sunday, June 26th, 2:00 am - 8:00 am.
PubHTML5 site will be inoperative during the times indicated!

Home Explore جدلية الانا و الذات فى ثلاثية #سمير_عبد_الباقي

جدلية الانا و الذات فى ثلاثية #سمير_عبد_الباقي

Published by ashrafsamir222, 2020-03-20 18:21:39

Description: جدلية الانا و الذات فى ثلاثية #سمير_عبد_الباقي

Keywords: جدلية الانا و الذات فى ثلاثية #سمير_عبد_الباقي

Search

Read the Text Version

1

‫‪2‬‬ ‫رواية السيرة الذاتية‬ ‫جدلية النا والذات‬ ‫فى ثلثية سمير عبد الباقى‬ ‫ول هم يحزنون‬ ‫زمن الزنازين‬ ‫موال الصبا فى المشيب‬ ‫د‪ .‬أشرف حسن عبد الرحمن‬

‫‪3‬‬ ‫ل تعتبروني ميتا‪ ,,‬لن الصحف ستعلن رحيلي‪.‬‬ ‫سأحاول أن أبدو أكثر تواضعا‪ ,‬مما أنا عليه الن‪.‬‬ ‫وسيكون هذا ضروريا‪,,‬‬ ‫إننى أعتمد عليك أنت‪ ,‬أيها القارىء‪,‬‬ ‫أنت الذي ستقرؤني يوما‪ ,‬ما‪,‬‬ ‫ل تتركني وحيدا‪ ,‬مع الموات‪,‬‬ ‫كجندي على الجبهة لم يعد يتسلم رسائل‪.‬‬ ‫اخترني من بينهم‪,‬‬ ‫اخترني بسبب قلقي الكبير ورغبتي الشديدة‪.‬‬ ‫وعندها‪ ,‬كلمني‪,‬‬ ‫أرجوك‪,‬‬ ‫فأنا أعتمد على ذلك‬ ‫هنرى ميشو‬

‫‪4‬‬ ‫ثلثية البحث عن الذات‬ ‫هذا الكتاب‬ ‫س مير عب د الب اقى ش اعر العامي ة المص رية المس رحى وك اتب أدب الطف ل ‪ ،‬ذل ك المغ رد دوم اً خ ارج‬ ‫السرب‪ ،‬الصوت الصارخ فى البرية ‪ ،‬والولد الشقى الذى تجاوز السبعين‪...‬‬ ‫عرفت سمير عبد الباقى عن طريق مجلته الشعرية الساخرة \"شمروخ\" وعندما قابلت الرجل فى مواقف‬ ‫عديدة أولها صدامه مع المحافظ ووزير الثقافة واعت ارضه علنا فى أحد المؤتم ارت على استيلء الحزب الوطنى‬ ‫على مكتبة المنصورة وجعلها مق ار له‪ .‬الموقف الثانى كان إبان انتفاضة القصى وهو يصرخ فى الشع ارء الذين‬ ‫كانوا يت ازحمون للقاء القصائد العاطفية قائل إن موقفهم ليليق بل يثير الخجل أمام موقف أطفال المنصورة الذين‬ ‫خرجوا فى مظاه ارت عارمة رغم أنف النظام وصمته المخزى المهين‪ .‬لقد ارهن سمير عبد الباقى على هؤلء‬ ‫العصافير الذين خرجوا بعد ذلك وصنعوا ثورة يناير‪ .‬أما فى اتحاد الكتاب فكان الرجل يقف مدافعا فى عناد عن‬ ‫حقوق الكتاب طالبا مناقشة المي ازنية بأدق التفاصيل‪.‬‬ ‫وم ع أنن ى لس ت واح دا تلمي ذه إل إنن ى واح د م ن كتيب ة ك بيرة وقائم ة طويل ة م ن مح بيه‪ ،‬وم ن من ا ل م‬ ‫يعجب بشمروخ‪ ،‬وفى كل ندوة أو مؤتمر يجمعنا يتضح لى جانب آخر إبداعى أو إنسانى من ذلك الرجل ‪ ،‬ولكن‬ ‫ت أخرت معرف تى ب ه كروائ ى‪ ،‬وحي ن حص لت م ن الص ديق الش اعر \"س مير المي ر\" عل ى نس خة م ن روايت ه \"زم ن‬ ‫الزنازين\" كنت أكتب وقتها مجموعة من المقالت النقدية بجريدة \"البروجريه ايجيبسيان\" فخصصت مقالً عن تلك‬ ‫الرواية التى أبهرتنى‪ .‬وفى إحدى الندوات شرفت بمناقشة \"الزنازين\" فأهدانى الرجل مجموعة من أعماله‪ ،‬كان أهم‬ ‫مالفت نظرى وقته ا كتاب اته للطفل‪ ،‬فقد أسهم الرجل فى مسيرة الكتابة العربية للطف ل‪ ،‬وفى مجموعة \"عالم من‬ ‫الخيال الجميل\" استوقفتنى رواياته للطفل وكذلك قصصه القصيرة ذات الحس الفكاهى ال ارقى والطابع المصرى‬ ‫الصيل‪ ،‬فضلً عن تلك اللغة المتفردة؛ جملة سردية ارئقة ذات حس بصرى عا ٍل‪ .‬وكنت عازماً بصفتى رئيس‬ ‫لجنة البحوث بأحد مؤتم ارت أدب الطفل أن أكتب عن الرجل‪ ،‬لكن مامنعنى هو ذلك الزخم الذى يمي ز إنتاجه فقد‬ ‫كتب تسع روايات للطفل‪ ،‬وخشيت أل أنصف الرجل وأعطيه قدره الذى يستحق ‪.‬‬ ‫إل أننى عندما ق أرت ارئعته \"ولهم يحزنون\" وكذلك روايته الصغيرة \"هكذا تكلمت الحجار\" اكتشفت أننى‬ ‫أمام روائى مدهش‪ ،‬لم ينل عمله قدره أو مكانته التى يستحقها‪ ،‬فبكل أسف غطت شهرة الشاعر على الروائى‪،‬‬ ‫وعندما شرعت فى الكتابة عنها‪ ،‬فؤجئت بعمله \"موال الصبا فى المشيب\" لتكتمل ثلثية السيرة الذاتية لسمير عبد‬ ‫الب اقى ‪ .‬ونظ ار للظ روف ال تى تم زق ص در الوطن‪ ،‬أش فقت عل ى رواي ة به ذه الهمي ة وبه ذا الحج م م ن التجاه ل‬ ‫النقدى‪ ،‬فقد ولد العمل فى لحظة تاريخية استثنائية‪ ،‬وخفت أن تظلم كما ظلمت أختاها‪ ،‬لنشغال القارىء عن‬ ‫الدب بالسياسة‪ ،‬والحق أن تعامل سمير عبد الباقى مع فن الرواية ليس مجرد محاولت تأتى على استحياء وسط‬ ‫مسيرته الشعرية‪ ،‬بل هناك إلحاح ودأب من الكاتب على أن يسجل اسمه فى مسيرة السرد المصرى‪ ،‬إن سمير‬ ‫عبد الباقى حكاء ماهر ومطبوع ل تمل من حكاياته‪ ،‬والتفاصيل الحميمة التى يذكرها تزيد من متعة القارئ‪ ،‬لكن‬ ‫كما أسلفت‪ ،‬رواية بهذا الحجم فى هذا الظرف السياسى والتاريخى قد يظلمها وقد يحجم عنها القارىء‪ ،‬فاتخذت‬ ‫ق اررى بالكتابة‪.‬‬

‫‪5‬‬ ‫بيد أن السبب الحقيقى للكتابة هو أن ثلثيته قد استفزتنى‪ .‬أنا ل أعتبر نفسى ناقدا أكاديميا محترفا‪ ،‬بل‬ ‫قاص وروائى‪ ،‬والحق أقول لكم‪ ،‬لقد كتبت رواية أسميتها \" ارئحة البيوت\" صدرت منذ سنوات وسنوات وواجهتنى‬ ‫أو صفعتنى نفس السئلة‪ .‬هل هى سيرتى الذاتية التى لم أفعل سوى اجت ارر أحداثها؟ أم أنها رواية ‪،‬لبد لى فيها‬ ‫م ن اح ت ارم قواع د وأص ول الس رد؟ وبه ذا يص بح العم ل ش هادة بخ ط ي دى عل ى ك ذبى واف ت ارئى عل ى تاري خ ع ام‬ ‫وخاص‪ ،‬ووجدت كتابات سمير عبد الباقى تتبنى ‪ ،‬ل أقول نفس المنهج بل نفس الرؤية‪ .‬فالرجل ل يبحث عن‬ ‫إثبات بطولت مزعومة بل عما هو أهم وأعمق‪.‬‬ ‫كتب ت رواي تى تل ك وأن ا ف ى الثلثي ن‪ ،‬كن ت أرى عالم اً يتقل ص ويتغي ر م ن ح ولى ح تى فق د الك ثير م ن‬ ‫ملمحه‪ ،‬كانت الكتابة محاولة لتثبيت تلك اللحظات وتوثيقها‪ ،‬فكما يقول سمير عبد الباقى ليس لنا أن نثق كثي اًر‬ ‫فى الذاكرة‪ .‬أذكر أننى بدأت الكتابة معتقدا أن كتابتى هى محاولة لتغيير العالم‪ ،‬لكننى بعد تقدم العمر اكتفيت‬ ‫بمحاول ة فه م الع الم أثن اء الكتاب ة‪ ،‬وأخي ار حي ن رزقن ى ال ابن اً‪ ،‬كتب ت مح اول التص الح م ع ذل ك الع الم ال ذى‬ ‫سأستودعه ولدى‪ .‬أعرف أننى سأرحل يوماً ما‪ ،‬ولن أكون موجوداً لزعجه بحكاية قديمة مكررة‪ ،‬فتركت له تلك‬ ‫الس طور‪ ،‬ربم ا خ انتنى ال ذاكرة أن ا أيض ا‪ ،‬لكنن ى كن ت أس جل لحظ ات بعينه ا دون أن أدرى أو أس أل نفس ى لم اذا‬ ‫تحدثت عنها‪ ،‬هى بالذات وأغفلت أخرى‪ ،‬وما فائدة الحكى‪ ،‬فالمولد مزدحم‪ ،‬ول أحد يسمع‪ ،‬إل أن الدكتور عبد‬ ‫المنعم الباز أجاب فى مقدمة الرواية على هذا السؤال‪ ،‬مؤكداً تلك الوظيفة الجديدة‪ /‬القديمة جداً للحكى وهى‪:‬‬ ‫\"البوح ولملمة ما يستحق البق اء م ن جم ال إنس اني‪ ،‬ي ذبل م ع الزم ن‪ ،‬والتش بث‪ ،‬بم ا يج ب أل تنس اه‬ ‫القلوب‪ .‬وهل الحكاية – فى الحياة الحقيقية وعلى ألسنة الناس العاديين – غير ذلك –\"‬ ‫نعم بنفس هذا المنطق كنت أبتسم وأشفق على سمير عبد الباقى‪ ،‬وهو يحاول جمع منممات الذاكرة‪،‬‬ ‫دون أن يخف ى ذل ك‪ .‬إنه يري د أن يع رف قبلن ا لماذا صار إل ى ما صار إلي ه‪ .‬لم يك ن قديس اً ول مارق اً ب ل إنسانا‬ ‫م ا ازل ب داخله ذل ك الطف ل‪ .‬أع رف مث ل ك ثيرين غي رى أن الس رد لي س معن اه أن تس كب كلم ات عل ى ال ورق‪ ،‬ب ل‬ ‫اختيار وقصد ومعاناة فى ذلك الختيار‪ .‬أعرف أن السرد صياغة بالساس ‪ ،‬الجملة ترهققك فتكتبها مرة بعد مرة‪،‬‬ ‫ربما لتغير حرفاً واحداً‪ ،‬واو العطف مثلً‪ ،‬كما تحدث عن ذلك ألبير كامى فى ارئعت ه\"الطاعون\"‪ .‬أعرف أكثر من‬ ‫غيرى كي ف ترى نفسك خائفاً وجلً فى مواجهة السطور البيضاء‪ ،‬كأنك ستخرج لصيد الحوت فى بحر هائج‪،‬‬ ‫وم ع ذل ك ليثني ك ش ىء عن ق ارر الكتاب ة‪ ،‬ومث ل الك ابتن \"إيه اب\" تط ارد حوتك يوم اً بع د يوم‪ ،‬فيخل ف وع ده ول‬ ‫يظهر‪ ،‬وقد يظهر فل تستطع صيده‪ ،‬ذلك غير الكثير من العقبات‪ ،‬وكأن ال يرفض أن تكتب‪ ،‬فتعطل ك المش اكل‬ ‫اليومية الروتينية‪ ،‬وأحيانا تلقى بك تلك الفكار وذلك الموج إلى الساحل‪ ،‬حيث لشىء‪ ..‬لشىء فى أرسك سوى‬ ‫رمال بيضاء ممتدة‪ ،‬وتسأل نفسك ياإلهى أين ذهبت الفكار؟‬ ‫هذا المشترك بينى وبين سمير عبد الباقى ‪ ،‬والمتعة التى منحنى الرجل إياها وهو يفتح أمامى عالمين‬ ‫عالمه هو وعالمى الخاص‪ ،‬هذا غير تمكنه من أدواته‪ ،‬هو الذى فرض على أن أكتب ل عن أعماله للطفال ب ل‬ ‫عن رواياته السيرية‪.‬‬ ‫لكنن ى ق ررت أن اس تثنى رواي ة \"هك ذا تكلم ت الحج ار\" مح اولته الول ى ف ى الكتاب ة الروائي ة لس ببين‪:‬‬ ‫أولهما أن سمير عبد الباقى عاد إلى ذلك العالم بالتفصيل ‪ ،‬ولكن بعد أن اكتملت أدواته الفنية‪ ،‬وخاصة علقته‬ ‫بالس جن والح ارس وعلقت ه ب أبيه لك ن دون رم ز أو تلميح ات أو تهويم ات أو إنغلق ات ش عرية‪ ،‬ب ل كت ب بعفوي ة‬

‫‪6‬‬ ‫نوانسانية \"زمن الزنازين\" ذاك اًر الشياء كما – نفترض أنها وقعت‪ -‬فل أحد يكتب الشياء كما وقعت‪ ،‬والغري ب أن‬ ‫إنس انية الرجل وحميمي ة ع المه وص دقه‪ ،‬جعل ت النص أك ثر ش اعرية م ن س ابقه‪\" ،‬هك ذا تكلم ت الحج ار\" مفتت ح‬ ‫علقته بالرواية ‪ ،‬ذلك النص الصغير الرمزي الذى يتأرجح بين الشعر والسرد وكأنه مسرحية شعرية أو أوبريت‪.‬‬ ‫أصداء السيرة الذاتية تتكرر فى أعمال سمير عبد الباقى دائماً‪ ،‬فمثل فى \"ك اركيب السندرة\" نجد فى تلك‬ ‫المقالت إلحاحاً على ذكر أسماء بعينها‪ ،‬تظل ميت سلسيل وكأنها مركز العالم‪ ،‬وما ازل يبحث عن مديحة ذات‬ ‫العيون البرسيمى والنمش الذى يبرقش وجهها‪ .‬لكن تلك المقالت لم تكن من وجهة نظرى سوى إرهاصات ظلت‬ ‫تطارد الكاتب ولم يتخلص منها إل عندما أتم \"موال الصبا فى المشيب\"‪ .‬عالم واحد قلبه ميت سلسيل‪ ،‬مهما بعد‬ ‫عنه الكاتب يعود إليه‪ ،‬ل فى ثلثيته بل فى كل كتاباته‪.‬‬ ‫لي س ه ذا إذن كتاب اً ع ن س مير عب د الب اقى‪ ،‬ولكن ه كت اب ع ن الخط اب الروائ ى‪ ،‬وتحدي داً رواي ة الس يرة‬ ‫الذاتية لسمير عبد الباقى‪ .‬نحن فى د ارستنا لن تبنى منهج لوسيان جولدمان التى تربط بين الدب والمجتمع ربطاً‬ ‫لصيقاً وتحاول الم ازوجة بين البنية الدبية والجتماعية‪ ،‬على العكس سنلتزم بالمنهج البنيوى بروح أقرب ماتكون‬ ‫لمنهج جي ارر جينيت المعتمد على الهرمونطيقا التفسيرية دون أن نغفل بالطبع المنهج التاريخى بحكم أن السيرة‬ ‫هى تاريخ شخص‪ ،‬هو جزء من جماعة‪ ،‬يدون تاريخها ويشاركهم فيها‪.‬‬ ‫أخي اًر‪ ..‬ل يخف ى عل ى الق ارىء أنن ى لس ت م ن نج وم المؤسس ة‪ ،‬ولس ت أن ا ال ذى س يكتب ش هادة ميلد‬ ‫لسمير عبد الباقى الروائى ويقدمه للجمهور‪ ،‬كذلك ل أبغى شهرة بالكتابة عنه‪ ،‬فالحال الثقافى لن يسمح ل بهذا‬ ‫ول بذاك‪ ،‬ولكنى أكتب هذا الكتاب شهادة لتاريخ ربما يذكر أننا قد مررنا من هنا‪ ،‬فمازلت ساد اًر فى إيمانى أن‬ ‫الكلمات أبداً لن تموت‪ .‬وسمير عبد الباقى يستحق نقاداً لناقداً للحديث عن إبداعه الروائى‪ ،‬وأتمنى أل تشارك‬ ‫كلماتى فى غبن الرجل‪ ،‬بل أن يعود القارئ للعمل الصلى‪ ،‬وأنا واثق أنه سيجد متعة حقيقية وسيعرف تاريخاً‬ ‫مسكوتا عنه من صفحات هذا الوطن‪.‬‬ ‫د‪.‬أشرف حسن عبد الرحمن‬

‫‪7‬‬ ‫الفصل الول‬ ‫رواية السيرة الذاتية‪:‬‬ ‫مابين التأريخ والفن‬ ‫إشكالية التصنيف‪:‬‬ ‫ربما ينبغى علينا أول لتوضيح الفارق بين السيرة والرواية أن نبحث فى أصولهما المعجمية؛ كلمة سيرة‪،‬‬ ‫مشتقة من المسير‪ ،‬وهو أصل يدل علي فمض جي وجريان‪ ،‬فال ْس‪:‬ير‪ :‬الذها فب في الرض‪ ،‬ليلً أو نها اًر‪ .‬يقال‪ :‬سار‪،‬‬ ‫يسير‪ ،‬سيَاًر‪ ،‬وتِسَياًار‪ ،‬ومسي اًر‪ ،‬وسيرةً‪ ،‬وسيرور ‪ ،‬وكل مسير له بداية ونهاية‪ ،‬والسائر عادة ل يقطع الطريق في‬ ‫منتصفه‪ ،‬بل يواصله إلى نهايته‪ .‬أما كلمة رواية‪ ،‬فهى مشتقة من الفعل)روى(‪ ،‬ويعني حمل الماء ونقله من مك ان‬ ‫إلى آخر‪ ،‬والفاعل) اروي‪ ،‬و اروية(‪.‬‬ ‫وتعتم د الس يرة ف ي تفاص يلها عل ى أج ازء م ن س يرة ش خص م ا‪ ،‬أو ح وادث وقع ت ف ي الماض ي يقص ها‬ ‫ال اروي على الحاضرين‪ ،‬إما للعبرة أو لذكر مناقب شخص أو جماعة من الناس‪ ،‬وهي جزء من التاريخ الشفاهى‪،‬‬ ‫والحقيقة أن ما نطلق عليه في المصطلح الشعبي) السيرة( ‪ ،‬كسيرة بني هلل‪ ،‬والزير سالم‪ ،...‬من منظور عربي‬ ‫ت ارث ي يختل ف ع ن الس يرة الحديث ة‪ ،‬فه ذا الق ص الش عبي‪ ،‬يفتق د غالب اً للحبك ة الروائي ة‪ ،‬ول نج د فيه ا شخص يات‬ ‫متنامية‪ ،‬ويعتمد فى أحيان كثيرة على ذاكرة ال اروي‪ ،‬حيث يصفرف المور كما يشاء‪.‬‬ ‫والمب دع يعتم د ع ادة عل ى مخ زون ال ذاكرة‪ ،‬حي ث يؤك د الك ثير م ن النق اد مث ل ش ارل م ورون وم ارى‬ ‫بونابرت على الحضور القوى للطفولة في نتاج المبدعين‪ ،‬وهذا مايسميه النقد الحديث )السيرة النفسية( وهي سيرة‬ ‫تختل ف ف ي دللته ا ع ن الس يرة الذاتي ة‪ ،‬فعلقته ا تنحص ر ف ي الماض ي المنقط ع‪ ،‬ل الماض ي المتص ل‪ ،‬بي د أن‬ ‫النقط اع ل يعن ي النس يان‪ ،‬فه و ك امن تح ت اللش عور‪ ،‬يندم ج ف ي الس يرة الكلي ة‪ ،‬ويعي د ترتي ب فص ولها عن د‬ ‫الحاجة‪ ،‬ويحتفظ لها بما تريد على طول الزمن؛ ومهما تقدم النسان في العمر تظل هذه السيرة النفسية ملزمة‬ ‫له‪ ،‬ويجد شيئاً في داخله يعيده إلى سنواته الولى المحفورة في الذاكرة‪ ،‬بينما قد ينسى أحداثاً لم يمض عليها وقت‬ ‫طويل‪ ،‬فلكل واحد منا مواقف لتنسى من طفولته‪.‬‬ ‫كل هذه الحداث تحتفظ بها السيرة النفسية‪ ،‬تظهر في الوقت الذي يثيرها‪ ،‬وتختفي إذا لم يكن لظهورها‬ ‫حاجة‪ ،‬هذا هو أساس السيرة الذاتية؛ فل يمكن للتحليل النفسي إقصاء الذات‪ ،‬سواء كان سيرة ذاتية‪ ،‬أو إبداعا‬ ‫روائيا‪ ،‬رغم اختلف شروط ومقومات كل منهما‪ ،‬وفى ذلك يقول أندريه غرين‪ \" :‬هل يمكن عدم إقامة أي علقة‬ ‫بين النسان نوابداعه؟ فمن أي قوى يقتات هذا البداع إن لم يكن من تلك التي تعمل عند المبدع\"‪1.‬‬ ‫والرواية التقليدية تقترب من السيرة فيما يخص الزمان‪ ،‬فكل منهما سرد منقول حاضر في ذهن ال اروي‬ ‫منذ زمن قد يطول وقد يقصر‪ ،‬لكن كتابتها لحظية‪ ،‬تمتد خلل مشروع الكتابة نفسها‪ ،‬وهذا ينطبق على كتابة‬ ‫الس يرة م ن حي ث الزم ان ولحظ ات الكتاب ة الس ردية الج اهزة؛ بينم ا تعتم د الرواي ة الحديث ة عل ى الق ص المص احب‬ ‫للكتاب ة)القص الس ابق للح دث(‪ ،‬وف ي ه ذه الحال ة تس بق الكتاب ة لحظ ات الق ص المتوال د ع ن العب ا ارت والجم ل‬ ‫التماس الفني بين السيرة والرواية سلطان القحطاني ‪ ،‬بحث منشور بالمجلة الثقافية الثنين ‪، 7‬جمادى الولى ‪ 1429‬العدد ‪:247‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪8‬‬ ‫والمواقف المتداعي ة بالس رد الفن ي؛ فيتحول الزمن من الماضي إلى الحاض ر فالمس تقبل‪ ،‬حسب توظيف الروائ ي‬ ‫له‪.2‬‬ ‫وفى الرواية نجد عادة شخصيات متنامية متطورة بجانب البطل المتخيل‪ ،‬إضافة إلى الحداث المتنامي ة‬ ‫والمتقاطع ة‪ ،‬ويمك ن للروائ ى توظي ف المع ارف النس انية والس اطير الش عبية والح داث التاريخي ة‪ ،‬داخ ل النس يج‬ ‫الروائي لنصه‪ .‬أما السيرة‪ ،‬فيوجد فيها الكاتب‪ ،‬ل باعتباره روائياًاً‪ ،‬بل يصبح الكاتب هو ال اروي والبطل‪ ،‬وهو بطل‬ ‫حقيقي ل متخيل‪ ،‬والشخصيات غير متنامية‪ ،‬والحداث جاهزة‪ ،‬حيث تروى بطريقة السرد التاريخي‪ ،‬إذن ال اروي‬ ‫هو الكاتب‪ ،‬في ذات الوقت ‪ ،‬مع وجود البطل‪ ،‬ولكنه بطل من نوع آخر‪.‬‬ ‫ورغم أن )فن السيرة الذاتية( له جمهور عريض‪ ،‬إل أنه لم يحصل حتى الن على مساحته المشروعة‪،‬‬ ‫إم ا بس بب غي اب الحري ة أو قل ة وع ى الكت اب والق ارء‪ ،‬أو الخ وف م ن قول الحقيق ة‪ ،‬له ذا يلج أ ك ثير م ن الكت اب‬ ‫لرواي ة س يرته الذاتي ة تح ت قن اع روائ ى فيس قط عل ى البط ل مش اعره‪ ،‬ويجعل ه يتح رك بحري ة دون أن ين ال ك اتب‬ ‫الرواية أي شعور بالخوف أو الذنب‪.‬‬ ‫وعندما يكتب الروائي سيرتَه الذاتية‪ ،‬فإنه ل يص فور الواقع تماماً‪ ،‬نواْنما يستعير الواقع لينطلق منه إلى‬ ‫الخيال المنشود‪ .‬ولهذا يسمى هذا النوع من الدب ب \" التخييل الذاتي\"‪ .‬إضافة إلى أن الرواية السيرذاتية تختلف‬ ‫ع ن الكتاب ة التاريخي ة ف ي أس لوبها وف ى التقني ات الس ردية ال تي تس تخدمها‪ .3‬إنه ا الف لن ال ذي فيوف فق م ا بي ن ش غف‬ ‫النسان بالحقائق وحنينه الدائم إلى الخيال‪.‬‬ ‫نظرة تاريخية‪:‬‬ ‫والجدير بالذكر أن أول من تعامل مع فن السيرة هن النائحات البابليات‪ ،‬إذ كن يجمعن معلومات عن‬ ‫الميت ويصغنها بأسلوب مؤثر‪ ،‬يختلط فيه الشعر بالنثر والغناء بالنحيب! بعد ذلك ظهر المنشدون‪ ،‬وكان المنشد‬ ‫يضع اسم صاحب السيرة الم ارد مديحه في الصياغة الكلية أو اسم صاحب السيرة الم ارد هجوه‪.‬‬ ‫وقديما كان العرب يشكون ثقل الشتاء )فليله طويل‪ ،‬ونهاره ضئيل‪ ،‬ونوؤه مطر وق جر‪ ،‬ولذا كان الموقد‬ ‫مهجة الجلسات الليلية‪ ،‬والرواي غجرة السمر والسهر( ولهذا كان الساهرون يطالبون ال اروي أو الحكاء برواية سيرة‬ ‫بطل مثل الزير سالم أو سيرة عنترة‪ .‬ثم أصبحت السيرة فناً شبه متكامل بعد انتشار السلم‪ ،‬وتكفل الرواة برواية‬ ‫فصول من سيرة الرسول الكريم أو أحد الخلفاء ال ارشدين للترغيب‪ ،‬أو سيرة عاد وثمود للترهيب‪ ،‬وكان الهدف من‬ ‫السيرة هو تعزيز صورة الدين الجديد وبث مكارم الخلق في النفوس!‪ 4‬ومن المعروف أن محمد بن اسحاق هو‬ ‫أول من استعمل السيرة فى كتابه تاريخ حياة سيد خلق ال محمد بن عبد ال صلى ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫السابق‬ ‫‪2‬‬ ‫‪3‬‬ ‫ديوان العرب التاريخ والرواية‪ :‬رواية »جيرترود« وتاريخ الدب الربعاء ‪ ١٣‬تشرين الثاني )نوفمبر( ‪٢٠١١‬بقلم علي القاسمي‬ ‫‪4‬‬ ‫‪:-‬‬ ‫‪2013‬‬ ‫أيلول‬ ‫‪/‬‬ ‫سبتمبر‬ ‫‪05‬‬ ‫الخميس‬ ‫الع ارقية‬ ‫الخبار‬ ‫بجريدة‬ ‫منشور‬ ‫الصائغ‬ ‫الله‬ ‫عبد‬ ‫د‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫ليف ‪:‬سَبر‬ ‫ما‬ ‫ِل َس‪:‬بِر‬ ‫محاولة‬ ‫في‬ ‫الذاتية‬ ‫السيرة‬ ‫انظر‬ ‫‪57‬‬

‫‪9‬‬ ‫والمعروف أن السيرة في أدبنا العربي‪ ،‬كانت دائما متعلقة بالخر‪ ،‬أما السيرة الذاتية الشخصية فتعتبر‬ ‫من الفنون الحديث ة التى نقلناها عن الغرب؛ ويذكر أن أول من كتب سيرته هو القديس )أوغسطين( في القرن‬ ‫الخامس الميلدي‪ ،‬لكنها جاءت أقرب للعت ارفات منها للسيرة الذاتية‪.‬‬ ‫ويقرر جورج م اى أن نهاي ة القرن الث امن عش ر هي بداي ة السيرة الذاتي ة‪ ،‬فنش ر \"اعت ارفات\" جان جاك‬ ‫روسو\" بعد وفاته‪ ،‬شكل نقطة النطلق نواعلن عن استقلل السيرة الذاتية ككيان أدبى‪5.‬‬ ‫هكذا نرى أن السيرة الذاتية لم تصل للعرب إل متأخرة‪ ،‬وربما يرجع السبب فى ذلك أنها نص يعتمد‬ ‫على الفتضاح وهتك حياة صاحبها‪ ،‬ومع ذلك يمكن اعتبار بعض السير وثائق تنفع المؤرخين وعلماء النفس‬ ‫والجتماع‪ ،‬سواء تع جمد الكاتب ذلك أم ل‪ .‬وتعد كتابة السيرة الذاتية محاولة لللمام بشخص الكاتب في مجمله‪،‬‬ ‫في حركة تلخيص تركيبات النا‪ .‬أما الوسائل المينة للتعرف على السيرة الذاتية فهي التأكد من أن الحديث عن‬ ‫الطفولة يشغل حي اًزاً كبي اًراً من النص إذا كان السرد يؤكد على مكونات الشخصية‪.‬‬ ‫وع ادة م ا يك ون ك اتب الس يرة ذاتي ة كاتب ا معروف ا‪ ،‬يع د منج زه ه ذا اس ترجاعا للماض ي بحل وه وم ره بع د‬ ‫تجاوزه مرحلة الكهولة ودخوله على أعتاب الشيخوخة‪ .‬وتكون هذه السير أحياناًاً ‪ ،‬كما يقول لمارتين‪\" ،‬في فترة‬ ‫معلق ة بي ن زمني ن‪ ،‬ل نع رف إذا كن ا مازلن ا مس تمرين ف ي الص عود أم س نبدأ ف ي الن زول\"‪ 6.‬لك ن ه ذا الم ر ليع د‬ ‫شرطاً أساسياً فمثلً نشر الشاعر والروائي النجليزي جورج مور‪ ،‬أول مجلد لسيرته الذاتية \"اعت ارفات شاب\"‪ ،‬عام‬ ‫‪ ،1888‬وكان عمره ل يتجاوز الستة والثلثين ‪ ،‬وفى أدبنا العربى كتب محمد شكري سيرته الذاتية وعمره آنذاك‬ ‫سبعة وثلثون عاما‪.‬‬ ‫وتعد ارئعة طه حسين )اليام( أول نص تأسيسى في الدب العربي يمتثل لمقومات السيرة الذاتية كفن‬ ‫روائي‪ .‬ولقيمة هذا النص تتالت من بعده العمال ال فس َيِر الذاتية ‪ ،‬فكتب عباس محمود العقاد \"أنا\"‪ ،‬وكتب أحمد‬ ‫أمي ن \"حي اتي\" ‪ ،‬وكت ب س يد قط ب \"طف ل م ن القري ة\"‪ ،‬وتوفي ق الحكي م \"عص فور م ن الش رق\" و\"س جن العم ر\" ‪،‬‬ ‫والطاهر بن جلون \"في الطفولة\" ‪ ،‬لكن قيمة نص طه حسين تكمن فى كونه نموذجاًاً تأسيسياًاً لنم ط الس رد الذاتي‬ ‫بمدلوله الفني في الدب العربي الحديث‪.‬‬ ‫ويمكن القول أن السيرة الذاتية هى ق ارءة ثانية لتجربة حياتية‪ ،‬يصبح فيها الكاتب بحكم العمر‪ ،‬وبحكم‬ ‫البعد زمانيا ومكانيا عن التجربة أكثر قدرة على فهم الذات‪ .‬وكما يقول تيبودي إن هدف السيرة الذاتية‪ ،‬ليس أن‬ ‫يخبرنا الكاتب بما نعرفه‪ -‬من تاريخ مصر والناس مابعد الحرب العالمية الثانية أو سجون الناصرية كما فى‬ ‫ثلثي ة س مير عب د الب اقى‪ -‬نوانم ا اس تنباط نوايج اد ومعرف ة الحقيق ة ع ن ال ذات‪ .‬أم ا ب ول إكلي ن فيق ترح أن الك اتب‬ ‫يحاول‪ ،‬عن طريق حكاية ماضيه‪ ،‬إلى تقبل هذا الخير بشكل أفضل أو على القل فهمه‪ .‬وبهذا فإن الكاتب ل‬ ‫يعي د الماض ي لكن ه يك جمل ه‪ .‬وذل ك م ن خلل تنظي م وتأوي ل وق ائع حي اته بحي ث يش ارك بفعل ه ه ذا ف ي ص يرورة‬ ‫انظر ماي‪ ،‬جورج‪ :‬السيرة الذاتية –تعريب‪ :‬محمد القاضي‪-‬عبد ال صولة‪-‬المؤسسة الوطنية للترجمة والتحقيق والد ارسات بيت الحكمة‪ -‬قرطاج‬ ‫‪5‬‬ ‫‪١٩‬‬ ‫‪6‬‬ ‫الذات والوعي الجتماعي* السيرة الذاتية لمحمد شكري أنموذجا نجاة تميم الحوار المتمدن‪-‬العدد‪- 20 / 10 / 2013 - 4251 :‬‬ ‫‪00:17‬‬

‫‪10‬‬ ‫البداع‪7 ،‬ويمكننا الزعم أن هذا قد حدث فى ثلثية سمير عبد الباقى \"ولهم يحزنون\" و \"زمن الزنازين\" و \"موال‬ ‫الصبا فى المشيب‪\".‬‬ ‫وقد حاول كل من تعرض للسيرة الذاتية أو تناول علقتها بالرواية‪ ،‬أن يقترح تعريفاً لها‪ ،‬والخلصة أن‬ ‫الس يرة الذاتي ة ه ى \"حكي استرجاعي نثري يقوم به ش خص واقع ي ع ن وج وده الخ اص وذل ك عن دما يرك ز عل ى‬ ‫حياته الفردية وعلى تاريخ شخصيته بصفه خاصة‪ \".8‬وأن يكون هن اك توافق بين هوية الكاتب والس ارد‪ ،‬وتوافق‬ ‫بين هوية السارد والشخصية الرئيسة‪.‬‬ ‫ويرى فيليب لوجون أن السيرة الذاتية تعتمد على المكونات التالية‪:‬‬ ‫‪ -1‬السارد والشخصية وهما يطابقان المؤلف‪،‬‬ ‫‪-٢‬وأن المؤلف ينقل في حاضره تجربته الحياتية في ماضيه‪،‬‬ ‫‪-٣‬أن هذا النقل يتم عبر اللغة المكتوبة وهو نقل سردي طبعاً‪،‬‬ ‫‪-٤‬يتم هذا النقل لهدف ما‪.‬‬ ‫فالسيرة الذاتي ة شأنها شأن الرواية ل بد لها من قصة‪ ،‬والقصة وقعت في ماضي حياة الك اتب‪ ،‬لكنه‬ ‫يسترجعها ويعيد خلقها‪ ،‬أما في الرواية فيتخيل الكاتب القصة بوصفها مادةً خاماً ثم يتجاوزها ويتخطاها‪ ،‬وعادة ما‬ ‫يستجمع الروائي مكونات هذه المادة من تجاربه وخب ارته الحياتية‪ .‬طبعاً ل يمكننا للحديث عن جنس سردي نقى‬ ‫خالص‪ ،‬ولبد من إعادة التوكيد على أن السيرة الذاتية قد استعارت منذ نشأتها أساليب وفنيات الكتابة الروائية‪.‬‬ ‫هكذا تدخل\"الرواية\" و\"السيرة الذاتية\" في علقة إشكالية‪ ،‬فكلهما يعتمد على قصة حياة بطل فرد ‪ K‬قد‬ ‫يدخل في صدام مع محيطه‪ ،‬وقد يكون ارفضاً لقوانين المجتمع‪ ،‬وكلهما يعبر عن ذات قلقة ‪ ،‬تعيش في علقة‬ ‫إشكالية مع كل ما يحيط بها‪.‬‬ ‫ويكمن الفرق أساسا بين السيرة الذاتية والرواية في الختلف القائم بين وجود الشخصية السير ذاتية‪،‬‬ ‫وجود الشخصية الروائية من حيث طبيعة كل منهما‪ ،‬وهذا ما يدفعنا إلى ق ارءة السيرة الذاتية‪ ،‬حيث نسلم أول أن‬ ‫الشخصية موجودة‪ ،‬يشهد بذلك وجود الكاتب نفسه حتى ونان عمد أحد الكتاب إلى عدم تحرى الصدق سواء بقصد‬ ‫أو دون قصد؛ حيث ليمكن التخلص من التطابق القائم بين الكاتب والشخصية‪ ،‬وهو التطابق الذي أرساه كاتب‬ ‫السيرة الذاتية نفسه‪ ،‬وتظل المطابقة قائمة دائماً بينه وبين هذه الشخصية‪.9‬‬ ‫وم ن المع روف أن الس يرة الذاتي ة حاض رة دائم اً ف ي الرواي ة‪،‬ول يتغي ر إل مق دار النس بة الس ير ذاتي ة‬ ‫فحسب‪ .‬حتى نوان اختلف البطل عن المؤلف فى السن أو الثقافة أو الجنس‪ ،‬وأصدق دليل على ذلك هو قول‬ ‫المرجع السابق‬ ‫‪7‬‬ ‫التعالق بين الرواية والسيرة الذاتية \"قصة عن الحب والظلم\" لعاموس عوز نموذجاً د‪ .‬إب ارهيم نصر الدين عبد الجواد دبيكي مجلة كلية الداب‬ ‫‪8‬‬ ‫بجامعة حلوان – ع ‪) ٢٦‬يوليو‬ ‫‪9‬‬ ‫انظر س يرة ج برا الذاتي ة في ) البئر الولى وشارع الميرات ( خليل شكري هياس منشو ارت اتحاد الكتاب العرب دمشق ‪2001 -‬‬

‫‪11‬‬ ‫فلوبير \" مدام بوفارى هى أنا\" و السيرة الذاتية يمكن أن توصف بالطريقة نفسها فالبداع السير ذاتي يعتمد أيضاً‬ ‫على المزج بين الذاكرة والخيال‪.‬‬ ‫لكن تختلف السيرة الذاتية عن الرواية في أنها تتعرض لحياة الكاتب بشكل مباشر‪ ،‬فى الرواية يستطيع‬ ‫المؤلف أن يخفي شخصيته ‪ ،‬لكنه في السيرة الذاتية يجد نفسه فى مواجهة اختبار صعب كلما تعرض لموضوع‬ ‫حساس في حياته‪ .‬هل يسكت أم يبوح؟ والخيا ارن أحلهما مر‪ ،‬فأنت لم تكتب إل لكى تبوح ‪ ،‬ولو بحت ففى ذلك‬ ‫إح ارج نوايلم للبعض‪ ،‬وقد مر سمير عبد الباقى بنفس المشكلة‪ ،‬فنجده إما يفضل عدم البوح حرصاً على من‬ ‫يح ب‪ ،‬أو يس تخدم أس ما ًء مس تعارة وح روف دلل ة ع ن شخص ات معين ة‪ .‬ل ذلك‪ ،‬فمص طلح رواي ة الس يرة الذاتي ة‬ ‫يعني الجمع بين شكلين في عمل أدبي واحد‪ .‬وعلى هذا تكون رواية السيرة الذاتية نوعاً مركباً‪ ،‬يجمع بين \"الرواية\"‬ ‫المتخيل ة وص يغة \" الس يرة الذاتي ة\" الواقعي ة‪ ،‬ولكن ه ينتم ى أولًلً وأخي اًراً لجن س الرواي ة‪ ،‬لن الرواي ة ه ي ال تي‬ ‫تحدد شكله العام‪.‬‬ ‫اشكالية التصنيف‪:‬‬ ‫حتى وقت قريب كانت \"السيرة الذاتية هي الرواية القائمة على الصوت المنفرد أي التي تستعمل ضمير‬ ‫المتكل م أو الن ا ف ي الس رد\" وذل ك لن إمكاني ة تحق ق التط ابق ف ي الس رد بض مير المتكل م يمك ن أن تت م بص ورة‬ ‫مباشرة‪.‬‬ ‫ويرى فيليب لوجون أن السيرة ذاتية ل بد أن تتطابق في المتلفظ السيرذاتي ثلثة أنواع من النا‪:‬‬ ‫‪-1‬أنا المؤلف الحقيقي‪ :‬هو الذي يقف و ارء عمله بحكم وصف السيرة الذاتية‪.‬‬ ‫‪-2‬أنا السارد‪ :‬هو المنبثق من الحاضر‪.‬‬ ‫‪-3‬أنا الكائن السيرذاتي‪ :‬هو الذي يعود إلى الكائن السيري)‪.(10‬‬ ‫أما جي ارر جينيت فيرى في كل حكي للسيرة الذاتية مسافة فاصلة بين )أنا الساردة( و)أنا المسرودة( أي‬ ‫أن التطابق التام بين السارد والبطل أمر غير وارد‪ ،‬حتى في النص السيرذاتي لن السارد يعرف أكثر مما يعلمه‬ ‫البطل )الشخصية المركزية(‪ 11‬ولكن الصيغة النحوية توهم بتطابق الشخصيتين‪ ،‬وليختلف ذلك كثي اًر عما ماقال‬ ‫به استاروبنسكي حين أكد أن ضمير المتكلم )أنا( ليس \"متبنى وجودياً من قبل أي شخص‪ ،‬إنه )أنا( بدون إحالة‪،‬‬ ‫إذ أنه ل يحيل إل لصورة مخترعة\")‪.(12‬‬ ‫خلصة المر أن قضية التطابق ل يمكن طرحها من جهة اللغة‪ ،‬وذلك لن \"الضمير النحوي )بحسب‬ ‫قول بنفست( سواء كان متكلماً أم مخاطباً أم غائباً‪ ،‬ليس له من مفهوم خارج وظيفته الحالية‪ ،‬وأنه نتيجة لذلك ل‬ ‫يمكنه أن يقوم بوصفه معيا اًر خلفياً للتمييز بين مبنى أدبي وآخر\")‪.(13‬‬ ‫)( مرايا نرسيس‪.146 :‬‬ ‫‪10‬‬ ‫)( انظر خطاب الحكاية‪.262 :‬‬ ‫‪11‬‬ ‫)( النقد والدب‪ ،‬جان ستاروبنسكي‪ ،‬ترجمة‪ :‬بدر الدين القاسم‪.79 :‬‬ ‫‪12‬‬ ‫‪13‬‬ ‫)( انظر أنساق الميثاق الوطوبيوغ ارفي‪ :‬السيرة الذاتية بالمغرب نموذجاً‪.41 :‬‬

‫‪12‬‬ ‫وم ن هن ا تتض ح أهمي ة اس م المؤل ف ف ي الن ص الس يرذاتي الم ذكور عل ى غلف الكت اب فه و العلم ة‬ ‫الدالة الوحيدة على وجود كائن اجتماعي مهنته الكتابة ومسئول عما كتب‪ .‬ولينسب جي ارر جينيت الستباقات‬ ‫لل اروى العليم \"فهذا الشعار )الستباقات( ل يمكن أن يكون صاد اًر من البطل‪ ،‬بل من السارد بالضبط وذلك في‬ ‫أغلب الحيان ككل أشكال الستباق التي تتجاوز دائماً قد ارت البطل المعرفية\")‪.(14‬‬ ‫ويذهب جي ارر جينيت إلى أبعد من ذلك حين يجعل الستباقات خاصة بالسارد السيرذاتي دون السارد‬ ‫الروائي )العليم( فيقول‪\" :‬وليس من الصائب أن تنسب مثل هذه التدخلت إلى )ال اروي العليم( فهي ل تمثل إل‬ ‫نصيب السارد السيرذاتي ف ي عرض وقائع م ا ازل البطل يجهله ا‪ ...‬فبين خبر البطل وعلم الرواية العليم يوجد‬ ‫خبر السارد الذي يتصرف به هنا كما يريد ول يحتفظ به لنفسه‪ ،‬إل عندما يرى سبباً مجدداً لذلك‪ ،‬ويمكن للناقد‬ ‫أن يعترض على ملءمة متممات الخبر هذه‪ ،‬ولكن ليس على شرعيتها أو مشابهتها الواقع في حكاية ذات شكل‬ ‫سيرذاتي\")‪.(15‬‬ ‫الميثاق السيرذاتي‬ ‫المقياس الثاني الذي يلجأ إليه لوجون في تحديد طبيعة النص السيرذاتي هو الميثاق ‪ ،‬السيرة الذاتية من‬ ‫وجهة نظره هى نوع من الدب المبني على الثقة‪ ،‬يتطلب من الكاتب في بداية نصه إيجاد نوع من الميثاق الذاتي‬ ‫يتضمن العتذارات‪ ،‬والتوضيحات‪ ،‬والمقدمات‪ ،‬نواعلن النية‪ ،‬وكلها شعائر إيجاد اتصال مباشر‪.16‬‬ ‫ت أتي أهمي ة الميث اق ف ي كونه نوع اً م ن العق د ي برمه المؤل ف مع الق ارئ حتى يح دد نوع الق ارءة وي وجه‬ ‫القارئ إلى هدف محدد في أثناء الق ارءة ف\"فيما يخص الرواية يندفع للتماهي مع تجربة خيالية‪ ،‬ولكنه في السيرة‬ ‫مدفوع بفضول معرفة حقيقة ما حصل للخرين\"‪.17‬‬ ‫ويؤكد حسن بح اروي أن هذا المقياس ل يقل إج ارئية عن المقياس الول في وضع الحلول للكثير من‬ ‫المش اكل ال تي تع ترض الب احث ف ي تحدي د طبيع ة الن ص الس يرذاتي‪ .‬ويق دم ثلث ة أن واع ه ي‪ :‬الميث اق المرجع ي‪،‬‬ ‫والميثاق الروائي‪ ،‬والميثاق السيرذاتي‪:18‬‬ ‫‪ -1‬الميثاق المرجعي‪ :‬وفيه يتوخى الكاتب الدقة العلمية والحقيقة التاريخية التي يمكن التحقق من صحتها‬ ‫بالرجوع إلى مصادر أخرى‪ ،‬أو تلك التي يحيل عليها الكاتب في النص‪ ،‬حيث يعم ل هذا الميثاق على تحديد‬ ‫حقل الواقع الم ارد تصويره‪ ،‬كما يحدد كيفية ودرجة التشابه الذي يزعمه النص بالواقع‪ .19‬تصبح السيرة الذاتية هكذا‬ ‫نوعاًاً من النصوص المرجعية حيث أنها تشترك مع الخطاب العلمي أو التاريخي فى كونها تخبرنا عن واقع خارج‬ ‫الن ص‪ ،‬وه و واق ع يمك ن التحقق م ن ص حته بوس يلة أو ب أخرى‪ ،‬وبه ذا يك ون ل دينا نوع ان م ن الميث اق )مرجع ي‪،‬‬ ‫سيرذاتي(‪.20‬‬ ‫)( خطاب الحكاية‪.214 :‬‬ ‫‪14‬‬ ‫)( السابق‪.‬‬ ‫‪15‬‬ ‫‪16‬‬ ‫)( أدب السيرة الذاتية في فرنسا‪ :‬المفاهيم والتصو ارت‪.39 :‬‬ ‫‪17‬‬ ‫)( السيرة الروائية‪ :‬إشكالية النوع والتهجين السردي‪ ،‬عبد ال إب ارهيم‪ ،‬مجلة نزوى‪ ،‬العدد ‪ 14‬لسنة ‪.18 :1998‬‬ ‫‪18‬‬ ‫‪19‬‬ ‫)( انظر أنساق الميثاق الوطوبيوغ ارفي‪ :‬السيرة الذاتية بالمغرب نموذجاً‪.46-42 :‬‬ ‫‪20‬‬ ‫)( انظر مرايا نرسيس‪.43 :‬‬ ‫)) انظر س يرة ج برا الذاتي ة في ) البئر الولى وشارع الميرات ( خليل شكري هياس منشو ارت اتحاد الكتاب العرب دمشق ‪2001 -‬‬

‫‪13‬‬ ‫وعلى نقيض الصحفى أو المؤرخ يصبح كاتب السيرة الذاتية اروياً لشياء يكون في الغالب هو وحده‬ ‫الذي خبرها‪ .‬و يركز الكاتب هنا على أصالة ذلك الطار الواقعي العام الذي يرسمه لقارئه دون أن يهتم بالدقة‬ ‫العلمية والموضوعية التي يلتزم بها المؤرخ أو الصحفى‪ ،‬بحيث يدعوهم مثلً إلى ق ارءة سيرته الذاتية من خلل‬ ‫مجموع نتاجه السردي أو الفكري‪ ،‬أي في مجال أوسع بكثير من مجالها الحقيقي‪.21‬‬ ‫‪ -2‬الميث اق الروائ ي‪ :‬وه ذا الن وع م ن الميث اق \"عم اده نف ي التط ابق بي ن اس م المؤل ف عل ى الغلف واس م‬ ‫الشخص ية في الن ص‪ ،‬وس نده الق ارر بالط ابع التخيلي للن ص‪ :‬كأن ي ذكر ف ي عن وان فرع ي أن الكت اب رواي ة\"‪.22‬‬ ‫ويتجلى ذلك فى مظهرين للميثاق الروائي هما‪:‬‬ ‫أ‪ -‬الممارس ة المعلن ة لنع دام التط ابق‪ :‬وذل ك ب أن يحم ل البط ل اس ماً مخالف اً لس م المؤل ف‪ ،‬مثلم ا جع ل‬ ‫الك اتب \"س الم\" ب ديل ع ن نفس ه \"س مير عب د الب اقى\" ف ى \" وله م يحزن ون\" ‪ ،‬وب ذلك يبع د العم ل ع ن حق ل الس يرة‬ ‫الذاتي ة‪ ،‬ح تى نوان ك ان هن اك ش به واض ح أو ك بير بي ن المؤل ف البط ل‪ ،‬لن الس يرة الذاتي ة ل تتض من مس تويات‬ ‫متفاوتة من التش ابه‪ ،‬فإم ا أن يكون التشابه تام اً لدرجة المطابقة للص ل أو أل يكون‪ .‬ومج رد الشك في وجوده‬ ‫يؤدي إلى إلغائه تماما‪ .‬لكن حالتنا مختلفة فلمجال للشك رغم اختلف السم فى أن هذه هى سيرة الكاتب وذلك‬ ‫بسبب الستهلل الذى أسماه فذلكة‪ ،‬وتك ارر نفس التفاصيل تقريبا فى كتابيه التاليين‪.‬‬ ‫ب‪ -‬التصريح بالتجاه التخيلي للنص كأن يشير في عنوان صغير في أسفل الغلف إلى الطبيعة الروائية‬ ‫للنص)‪ .(23‬أو أن يشير إلى ذلك في المقدمة‪ .‬وطبعا كان سمير عبد الباقى حريصا على ذلك بالتأكيد على كلمة‬ ‫رواية فى العمال الثلثة ‪.‬‬ ‫‪ -3‬الميثاق السيرذاتي‪ :‬ويقوم هذا النوع من الميثاق على \"تلك العقدة التي يبرمها المؤلف مع القارئ لغاية‬ ‫التأكي د عل ى التط ابق بي ن المؤل ف والبط ل والرج وع بك ل ش يء إل ى الس م الشخص ي المكت وب عل ى الغلف‪24\".‬‬ ‫وذلك لن السيرة الذاتية كما يقول لوجون هي \"طريقة في الق ارءة بقدر ما هي نمط من الكتابة‪ ،‬نوان تاريخ السيرة‬ ‫الذاتية ليس في النهاية سوى تاريخ ط ارئق الق ارءة التي يتعاقد عليها المؤلفون والق ارء عبر التاريخ\"‪.25‬‬ ‫ويمك ن العلن ع ن ه ذا الميث اق بط رق مختلف ة س واء ف ي العن وان أو ف ي اله داء أو ف ي المقدم ة أو ف ي البي ان‬ ‫الختامي )عند أندريه جيد( أو حتى في الحاديث الصحفية التي تتم في وقت النشر )عند سارتر(‪ .26‬ويتم ذلك‬ ‫بطريقتين‪:‬‬ ‫‪ -1‬المعلن‪ :‬وذلك عندما يتطابق اسم )السارد‪ -‬الشخصية المركزية( داخل السرد مع اسم المؤلف الموجود‬ ‫على غلف الكتاب‪.‬‬ ‫)( أنساق الميثاق الوطوبيوغ ارفي‪ :‬السيرة الذاتية بالمغرب نموذجاً‪.43 :‬‬ ‫‪21‬‬ ‫)( سيرة الغائب‪ .‬سيرة التي‪ :‬السيرة الذاتية في كتاب اليام لطه حسين‪.15 :‬‬ ‫‪22‬‬ ‫‪23‬‬ ‫)( مرايا نرسيس‪.15 :‬‬ ‫‪24‬‬ ‫‪25‬‬ ‫)( أنساق الميثاق الوطوبيوغ ارفي‪ :‬السيرة الذاتية بالمغرب نموذجاً‪.44 :‬‬ ‫‪26‬‬ ‫)( مرايا نرسيس‪.40 :‬‬ ‫)( انظر أدب السيرة الذاتية في فرنسا‪ :‬المفاهيم والتصو ارت‪.29 :‬‬

‫‪14‬‬ ‫‪ -2‬الضمني‪ :‬وقد يلجأ فيه المؤلف إلى عناوين ل تترك شكاً في أن الضمير السردى الوارد في الن ص يع ود‬ ‫إلى المؤلف‪ ،‬كما نجد في سيرة أحمد أمين الذاتية )حياتي(‪ ،‬وسيرة العقاد )أنا(‪ .‬وهناك طريقة أخرى حيث يتحدث‬ ‫ال اروى إلى القارئ كما لو كان هو المؤلف نفسه‪ ،‬حتى نوان لم يذكر اسمه وذلك على نحو يجعل القارئ يقتنع بأن‬ ‫ضمير المتكلم المستعمل فيها إنما يعود على السم الذي يحمله الغلف )اسم المؤلف(‪.27‬‬ ‫ورغم أن الكتاب الول من ثلثية السيرة الذاتية لسمير عبد الباقى \"ولهم يحزنون\" يصنف كرواية من‬ ‫أول عتبة نصية على الغلف‪ ،‬فإن الكاتب يعلن أسفل العنوان وفي المقدمة أن كتابه \"سيرة ذاتية\" وذلك بعبارة‬ ‫\"على هامش السيرة الذاتية\"‪ .‬وتكرر ذلك فى العملين التاليين \" زمن الزنازين \" و \"موال الصبا فى المشيب\" أى أنه‬ ‫يفي بأول شرط من شروط الميثاق السير الذاتي؛ وهو التأكيد على ذلك في النص وفي مقدمة الكتاب‪ .‬لكن هناك‬ ‫اشكالية حقيقية‪ ،‬فالفتتاحية الولى التى أسماها \"فذلكة\" تفى بذلك الشرط ‪ ،‬فى حين تبدأ الفتتاحية الثانية صفحة‬ ‫‪ .22‬وهن ا س يتحول الحك ى م ن الض مير الول إل ى الض مير الث الث وسيص بح \"س مير\" \"س الم\" وس يتأكد ذل ك ف ى‬ ‫الكتاب الثانى \"زمن الزنازين\" حين يكرر الكاتب حوادث بعينها أهمها بجانب السجن دوره هو وشباب بلدته فى‬ ‫عزل مجلس إدارة الجمعية الز ارعية الفاسد‪...‬الخ‬ ‫لقد اختار الكاتب استرجاع ماضيه ليفجر سخطه على الظروف المزرية اجتماعيا وسياسيا سواء فى‬ ‫\"وله م يحزن ون\" أو ف ى زم ن الزنزي ن أو \"م وال الص با ف ى المش يب\" ال تي ك ان يعيش ها ش ارئح ك بيرة م ن المجتم ع‬ ‫خاصة الفلحين والموظفين وصغار الملك وكيف أودى به ذلك إلى التمرد واختيار الفكر اليسارى طريقا رغم‬ ‫الثمن الفادح الذى دفعه فى سبيل ذلك الختيار ‪ .‬لكن ذلك ليمنع نوستالجيا سمير عبد الباقى نحو زمن الب ارءة‬ ‫الجمي ل خاص ة ف ى المنص ورة ومي ت سلس يل‪ .‬وق د أثم رت ه ذه التج ارب بخيره ا وش رها ع ن س يرة ذاتي ة سياس ية‬ ‫ثقافية‪ ،‬تؤكد صيرورته البداعية وتبرز مدى وعيه بمجتمعه والتحولت الحادة التى عاشها‪.‬‬ ‫عتبات النص‪:‬‬ ‫‪-‬العنوان‬ ‫يش كل العن وان عنص اًر أساس ياً ف ي الن ص ‪ ،‬فه و ن ص م واٍز مكث ف‪ .28‬لق د ت ازي دت أهمي ة العن وان م ع‬ ‫الشكلنيين والبنيويين باعتباره نصاً صغي اًر يؤدي \"وظائف شكلية وجمالية ودللية تعد مدخلً لنص كبير\" ‪.29‬‬ ‫وهو أيضا البهو بتعبير لوي بورخيس‪ ،‬الذي منه ندلف إلى دهاليز نتحاور فيها مع المؤلف الحقيقي و‬ ‫المتخيل‪ ،‬داخل فضاء تكون إضاءته خافتة‪30.‬‬ ‫ولهمية العنوان بوصفه علمة بارزة في تحديد النص أولً‪ ،‬والكشف عن مجموعة من الدللت المركزية‬ ‫المنبثقة منه ثانياً)‪ (31‬كان العنوان وما ي ازل من المواقع الحساسة التي يقف عندها المؤلفون كثي اًر ‪ ،‬فعلى الرغم م ن‬ ‫)( سيرة الغائب‪ .‬سيرة التي‪ :‬السيرة الذاتية في كتاب اليام لطه حسين‪.15 :‬‬ ‫‪27‬‬ ‫)( انظر السيميوطيقا والعنونة‪ ،‬جميل حمداوي‪ ،‬مجلة عالم الفكر‪ ،‬المجلد ‪ ،25‬العدد ‪ 3‬لسنة ‪.98 :1997‬‬ ‫‪28‬‬ ‫)( شعرية عنوان كتاب الساق على الساق فيما هو الفارياق‪ ،‬محمد الهادي المطوي‪ ،‬عالم الفكر‪ ،‬المجلد ‪ ،28‬العدد ‪ 1‬لسنة ‪.455 :1999‬‬ ‫‪29‬‬ ‫‪30‬‬ ‫\" السميوطيقا والعنونة\"‪ ،‬بمجلة عالم الفكر‪ ،‬الكويت‪ ،‬المجلد ‪ ،25‬العدد‪ ،3:‬يناير‪/‬مارس ‪1997‬م‪،‬‬ ‫‪31‬‬ ‫)( بلغة الخطاب وعلم النص‪ ،‬صلح فضل‪.303 :‬‬

‫‪15‬‬ ‫أن المؤل ف ح ر ف ي اختي ار العن وان إل أن ه يخض ع بطريق ة أو ب أخرى إل ى مع ايير معين ة ف ي الختي ار موقعي اً‬ ‫وتركيبياً وجمالياً ودللياً وتجارياً‪.32‬‬ ‫أما موقعياً فيتعلق بكيفية وضع العنوان على الغلف‪ ،‬وفي الصفحة المخصصة له‪ :‬وفى الكتاب الول‬ ‫والثانى يكون أول ماتقع عليه العين هو كلمة \"رواية\" ومع ذلك جاءت الكلمة على استحياء كون الشاعر يكتب‬ ‫رواية‪ .‬أما فى العمل الثالث فقد كتبها بشكل أفقى بالتجاور لول مرة مع \"على هامش السيرة الذاتية\"‪ .‬ولست أدرى‬ ‫لماذا اختلف الموقع عن سابقيه‪ ،‬وربما يكون مبرر ذلك هو ت ازيد ثقة الكاتب بنفسه مع كتابه الثالث وعدم انشغاله‬ ‫بالتص نيف‪ ،‬ولك ن الص ورة الفوتوغ ارفي ة لس مير عب د الب اقى تؤك د هن ا عل ى نرجس ية الش اعر الواض حة ال تى أب ت‬ ‫الستعانة بلوحة تشكيلية‪.‬‬ ‫وحسب تقسيم جي ارر جينيت للعنوان إلى ثلثة أقسام نجدها بالتطبيق على العمل كالتالى هي‪:‬‬ ‫‪-1‬العنوان ) الرئيس(‪ :‬ولهم يحزنون‪ -‬زمن الزنازين‪ -‬موال الصبا فى المشيب‬ ‫‪-2‬العنوان الفرعي )الثانوي(‪:‬على هامش السيرة الذاتية‬ ‫‪-3‬التعيين الجنسي)‪ (33‬رواية‬ ‫وأما تركيبياً فيتعلق بالجانب اللغوي للعنوان أى اختيار التركيب المناسب فيمكن أن تكون كلمة أو جملة‬ ‫فعلية كانت أم اسمية‪ ،‬أو قد يأتي مركباً وصفياً أو مركباً إضافياً‪ ،‬وهذا التكافؤ في التركيب يعني أن إف ادة العن وان‬ ‫تتكئ إلى وظيفته الحالية إلى ما يعنونه في حين أن إفادة التنفيذات اللغوية تتكئ إلى اكتمالها التركيبي)‪.(34‬‬ ‫وق د جاءت البني ة العنواني ة متس قة إل ى حد ك بير مع البني ة الدللي ة ‪ ،‬حيث تتكون البني ة العنواني ة عن د‬ ‫سمير عبد الباقى من جملة اسمية دائما‪ .‬ويقوم العنوان على الختصار والخت ازل والحذف الدللي‪ .‬ففى \"ولهم‬ ‫يحزن ون\" تن اص قرآن ى غي ر مكتم ل‪ .‬فعب ارة ل خ وف عليه م ول ه م يحزن ون\" ق د وردت ف ي الق رآن الكري م ثلث‬ ‫عشرة مرة ‪ ،‬منها ست م ارت في سورة البقرة وحدها فنجد فى »َول« أن الواو عاطفة على جواب شرط محذوف ‪،‬‬ ‫ول نافية للجنس أما » فه‪:‬م« فضمير منفصل مبتدأ‪َ» .‬ي ‪:‬حَزنفو َن« فعل وفاعل والجملة خبر‪ .‬وبما أن جملة \"ل خوف‬ ‫عليهم\" في محل جزم جواب الشرط‪ .‬فتصبح جملة \"ل هم يحزنون\" معطوفة‪ .‬وع ادة مايكون هذا الوعد القرآن ى‬ ‫للمؤمنين والصابرين والمصدقين بآيات ال‪ ،‬وهى كلها صفات ي ارها سمير عبد الباقى قد توفرت فى أهل قريته من‬ ‫الطيبين والبسطاء‪.‬‬ ‫أما \"زمن الزنازين\" فالعنوان جملة اسمية تحمل دللة زمكانية حيث الزمن كما تقول النظرية النسبية هو‬ ‫البع د ال اربع للمكان‪ ،‬ويحيلنا ك ذلك إلى خصوصية التجربة‪ ،‬وفى \"موال الصبا فى المشيب\" هو مرك ب إضافى‬ ‫يجعل العنوان أكثر تعقيدا فى بنائه اللغوى‪ ،‬فالجملة من مبتدأ لحقت به إضافة‪ ،‬والخبر إما تقديره \"حاضر\" فى‬ ‫زمن المشيب أو أنه شبه جملة من جار ومجرور‪ ،‬والنص يميل أيضا للتعقيد شأنه شأن عنوانه‪ .‬والموال هو ذلك‬ ‫)( شعرية عنوان كتاب الساق على الساق فيما هو الفارياق‪.457 :‬‬ ‫‪32‬‬ ‫)( السيميوطيقيا والعنونة‪.106 :‬‬ ‫‪33‬‬ ‫‪34‬‬ ‫)( العنوان وسيميوطيقيا التصال الدبي‪ ،‬محمد فكري الج ازر‪.39 :‬‬

‫‪16‬‬ ‫الغناء الشعبى الذى يتميز دائما بالشجن‪ ،‬وطبيعى أن يكون شاعر العامية أكثر من يحتفى بذلك النوع من الفن‬ ‫وأكثر احساسا به‪ ،‬فهو بذلك يتبنى دور الفنان الشعبى الذى سيصدح بمواله عن زمن الصبا بعد أن ذهب وتولى‪.‬‬ ‫لق د أس همت البني ة التركيبي ة كم ا ن رى ف ى إث ارء العن وان دللي ا‪ ،‬ف العنوان ح اد مرك ز مبتس ر ف ى \"زم ن‬ ‫الزنازين\" يحيل إلى دللة مغلقة‪ ،‬لكنه فى \" ولهم يحزنون\" يتبنى أفقا دلليا أوسع وأرحب‪ ،‬فالمسكوت عنه أكثر‬ ‫مما يصرح به الكاتب‪.‬أما \"موال الصبا فى المشيب\" فيفتح مساحة أرحب للبوح بكل مايحمله الموال من ظلل‬ ‫ودللت شجنية‪.‬‬ ‫أما جمالياً فيتعلق بنوع الخط المستخدم في كتابة العنوان‪ ،‬وقد يكون للعنوان جماليات إيقاعية أو بيانية‬ ‫مثل السجع والتصوير وغير ذلك)‪ .(35‬وفى حالتنا كان هناك شبه اص ارر من الكاتب على استخدام اللون الحمر‬ ‫وخط الثلث‪ ،‬أما فى \"موال الصبا فى المشيب\" فقد استخدم نوعا من الخطوط هو أكثر حداثة من الثلث التقليدى‬ ‫الكلسيكى‪ ،‬وجاء ذلك متسقا مع الكتابة التى جاءت أكثر حداثية من سابقتها‪ ،‬واختار سمير عبد الباقى هذه المرة‬ ‫أن يكتب اسمه موقعاً بخط يده وكأنه إق ارر بشهادته الكاملة على زمن مضى أو اعت ارف خطى بما فعل‪.‬‬ ‫ويحدد جي ارر جينيت للعنوان أربع وظائف هي‪:‬‬ ‫تحديد هوية النص‪.‬‬ ‫‪-1‬‬ ‫الوظيفة الوصفية‪ :‬التى تصف النص بإحدى خصائصه الموضوعية أو الشكلية‪.‬‬ ‫‪-2‬‬ ‫‪-3‬‬ ‫الوظيفة الدللية الضمنية أو المصاحبة )اليحائية(‪.‬‬ ‫‪-4‬‬ ‫الوظيفة الغ ارئية(‪.‬‬ ‫وقد جاءت كلمة \"رواية\" و \"على هامش السيرة الذاتية\" لتزيد من حيرة القارىء الكلسيكى فهو ليعرف هل هو‬ ‫بصدد رواية أم سيرة‪.‬‬ ‫العنوان الفرعي‪:‬‬ ‫وهو الذي يعين طبيعة النص‪ ،‬ويحدد نوع الق ارءة بالنسبة للمتلقي ف\"عندما نشرع في ق ارءة رواية مثلً‬ ‫تصبح المكونات التي نتوقعها‪ ،‬خاضعة لطبيعة مفهومنا عن الرواية‪ ،‬لكن يصبح المر مختلفاً عندما نشرع في‬ ‫ق ارءة قصيدة أو مقال صحفي\")‪ (36‬غير أن هذا ل يمنع أن تتوافر في النص بعض الشف ارت الجمالية المبتكرة التي‬ ‫تعطي للنص خصوصيته في الطار العام المرن للنوع الدبي المكتوب فيه)‪.(37‬‬ ‫ويتميز العنوان الفرعي بخاصيتين هما‪:‬‬ ‫خاصية تبعية‪ :‬أي وقوعه في الدائرة الدللية للعنوان الرئيس‪.‬‬ ‫‪-1‬‬ ‫خاصية توضيحية تخصيصية‪ :‬بوصفها تتمتع بمحول إعلمي مغاير تكون شارحة للعنوان الرئيس)‪.(38‬‬ ‫‪-2‬‬ ‫)( شعرية عنوان كتاب الساق على الساق فيما هو الفارياق‪.458 :‬‬ ‫‪35‬‬ ‫)( بلغة الخطاب وعلم النص‪.328 :‬‬ ‫‪36‬‬ ‫)( مرايا نرسيس‪.358 :‬‬ ‫‪37‬‬ ‫‪38‬‬ ‫)( العنوان وسيميوطيقيا التصال الدبي‪.56-55 :‬‬

‫‪17‬‬ ‫لقد جاء العنوان الفرعي فى الكتب الثلثة )على هامش السيرة ذاتية( ليؤدي عدة وظائف‪:‬‬ ‫‪ -1‬تحديد النوع الدبي الذي ينتمي إليه الكتاب‬ ‫‪ -2‬التأكي د عل ى مب دأ النتقائية في السيرة الذاتي ة‪ - ،‬ف ى الكت ابين الث انى والث الث‪ -‬فص حيح أن الكاتب ق د‬ ‫اختار الكتابة عن فترة محددة لكنه مع ذلك ليمكنه ذلك مهم ا حاول استقصاء كل تجاربه الحياتية‪،‬‬ ‫فجاءت \"زمن الزنازين\" ليحدثنا عما حدث له فى تلك السنوات الثلث بسجن المنصورة‪ .‬و \"موال الصبا‬ ‫ف ى المش يب\" تأكي داً عل ى أن الك اتب س يعرض لطف ولته بص ورة أك ثر تفص يلً‪ ،‬ه ذا غي ر ال دياليكتيك‬ ‫المستمر مابين الطفل والشيخ ‪ .‬أما داخل النص فقد استخدم عبارة \" رواية قد تكتمل غداً\"‬ ‫‪-2‬اسم المؤلف‬ ‫أول م ا يطالعن ا ف ي ص فحة العن وان ه و كلم ة )رواي ة( والم دهش أن ذاتي ة الش اعر ونرجس يته ل م تظه ر‬ ‫على الغلف‪ .‬وربما كان لورود السم مابين كلمة \"رواية\" و\"على هامش السيرة الذاتية\" تأويل آخر هو أن الذات‬ ‫المتح دث عنه ا ف ي ه ذا الكت اب إنم ا ه ي ذات م ترددة بي ن الرواي ة والس يرة‪ ،‬أى م ا بي ن الل ت ازم بحرفي ة الواق ع‬ ‫وانطلق المخيل ة‪ .‬ف ى حي ن ت رك البن ط الك بير الحم ر وبخ ط الثل ث المتمي ز للعن وان الرئيس ى \" وله م يحزن ون \"‬ ‫وتكرر المر فى \" زمن الزنازين\"‪ ،‬وقد نستشف من ذلك اختناق الذات وضياعها‪ ،‬وتوزعها مابين الفن ومابين‬ ‫السياسة زمن الناصرية وسجونها‪ .‬أما \"فى موال الصبا فى المشيب\" فقد ظهرت صورة الغلف مختلفة فهى صورة‬ ‫فوتوغ ارفية كبيرة للشاعر ولكن مع احتفاظه بكلمة \"رواية\" و \"على هامش السيرة الذاتية\"‪ ،‬الصورة هنا تأكيد على‬ ‫أنه سيحكى هذه المرة سيرة كاملة غير مجتزئة‪.‬‬ ‫ومعروف أن لسم المؤلف في النص السيرذاتي أهمية كبيرة‪ ،‬إذ يمثل عتبة أولى تمهد للقارئ للولوج فى‬ ‫النص والتعامل معه بشكل معين‪ ،‬فاسم سمير عبد الباقى على الغلف يثير لدى القارئ الذي يعرفه موقفاً معيناً‪،‬‬ ‫فهو شاعر ومناضل يسارى‪ ،‬كما أن ظهور السم في هذا النوع الدبي يعكس حرص المؤلف على إعطاء بعد‬ ‫حقيقي للوقائع الخاصة بسيرته)‪ .(39‬لكن ذلك ليمنعه من تطويعها وتهجينها مع الشكل الروائى‪.‬‬ ‫ويؤك د جي ارر جيني ت عل ى أن إثب ات اس م المؤل ف يص بح فعلً أك ثر دلل ة عن دما يتعل ق الم ر بالس يرة‬ ‫الذاتية بشكل خاص‪ ،‬لنه يكون حينئذ جزءاً للعقد المبرم بين المؤلف والقارئ‪ .‬كما أنه يخلق من جهة أخرى نوعاً‬ ‫م ن الث ارة ل دى المتلق ي ي دفعه إل ى ق ارءة ه ذا الث ر م دفوعاً بالفض ول لمعرف ة حي اة الخ ر‪ ،‬لن ال ذات ال تى‬ ‫ستتكشف أمامه هنا في السيرة هي ذات المؤلف‪ ،‬بعيداً عن التمويه أو القناع الذي يلبسه المؤلف عادة في كتاب اته‬ ‫الخرى‪.‬‬ ‫والص دق ال ذي نقص ده لي س الص دق المح ض فالحقيق ة دائم ا نس بية‪ .(40) ،‬ف ى ذل ك يق ول من دلو \"إن‬ ‫الكاتب الكبير يكتب دائما بصدق أكثر مما هو عارف به\" ‪41‬فالصدق في السيرة الذاتية نسبي‪ ،‬خاصة في عالمنا‬ ‫)( السيرة الروائية‪ :‬إشكالية النوع والتهجين السردي‪.29 :‬‬ ‫‪39‬‬ ‫)( في السيرة‪.105 :‬‬ ‫‪40‬‬ ‫‪41‬‬ ‫أ‪ .‬أ‪ .‬مندلو ‪ -‬بكر عباس‪ .‬الزمن والرواية‪ .‬تاليف ‪ :‬أ‪ .‬أ‪ .‬مندلو‪ .‬ترجمة ‪ :‬بكر عباس‪ .‬م ارجعة ‪ :‬إحسان عباس‪.‬‬ ‫دار صادر‪ .‬بيروت‪ .‬الطبعة الولى‪1997 .‬م‪.‬‬

‫‪18‬‬ ‫العربي ‪ ،‬الذي تأمر ثقافته بالستر‪ ،‬وقديما قالت العرب ) ما كل ما يعلم يقال(‪ ،‬كما أن المولى عز وجل قد أمر‬ ‫بالستر إل لمن كشف ستره بنفسه‪.‬‬ ‫‪-3‬صورة الغلف‪:‬‬ ‫ف ى \" زم ن الزن ازين\" ترس م لوح ة الغلف القض بان ب اللون الس ود‪ ،‬خلفه ا وج وه مطموس ة وكاف ة الل وان‬ ‫والشكال‪ ،‬بلون أزرق فى معظمه وتوحى أنها خطوط تذوب‪ .‬أما ظهر الغلف فصورة توحى بالعزلة والتأمل‪ ،‬بعد‬ ‫أن شحبت ألوان القضبان بفعل الزمن الذى يفصل المبدع عن التجربة‪ ،‬وقد اختار الكاتب تناصاًاً ‪-‬هو ذاته ما‬ ‫انتهى به عمله‪ -‬فيه الكثير من الشاعرية‪ ،‬ممهو ار بتوقيعه ‪ ،‬جاء على أرض خض ارء فبدا التوقيع كشجرة‪.‬‬ ‫وفى رواية \"ولهم يحزنون\" جاءت لوحة الغلف لقرية تكاد تذوب فى أجساد ثلثة متعبة‪ ،‬ولنعلم هل‬ ‫الثلث ة يندبون حظهم العاثر‪ ،‬أم يساقون إلى قدرهم‪ ،‬وأيديهم على رؤوسهم فى اتجاه جسد آخر أسود فى لون‬ ‫الح داد‪ ،‬وأك ثر ط ولً لم أرة ترت دى الس واد‪ ،‬وتنعك س له ا ظلل خض ارء وص ف ارء وكأنه ا أش باح ف رج ال‪ ،‬وك أن‬ ‫الملتحفة بالسواد هى مصر التى تستقبل المتعبين والمعذبين‪.‬‬ ‫أم ا غلف \"م وال الص با ف ى المش يب\" فه و ص ورة فوتوغ ارفي ة آني ة تؤك د عل ى الذاتي ة الش ديدة‪ ،‬ونظ رة‬ ‫عميقة من الكاتب وكأنه يتأمل على شريط سينما رحلته مع الحياة‪.‬‬ ‫‪-4‬الهداء‪-:‬‬ ‫عادة ما يمثل الهداء بوصفه عنص اًر من العناصر الموجهة للنص السيرذاتي عتبة نصية هامة تسهم‬ ‫في إضاءة النص‪ ،‬لن الهداء فى الرواية أو القصة ليس بالهمية التي نجدها في النص السيرذاتي‪ ،‬حيث أنه‬ ‫في العمل الروائي يحيل إلى خارج النص‪ ،‬في حين أنه في العمل السيرذاتي يحيل إلى داخل النص ويعم ل عل ى‬ ‫توضيح بعض جوانبه‪.‬‬ ‫وفى كتابه الول \"ول هم يحزنون\" جاء الهداء كالتالى ‪:‬‬ ‫إليهم‪ ..‬إليهن‪..‬‬ ‫كلهم رجال ونساء‬ ‫أينما هم‬ ‫حيثما هم‬ ‫كيفما هم‬ ‫من حملونى همهم‬ ‫من أطعمونى خبزهم‬ ‫من ألهمونى حبهم‬ ‫والهداء الول يدل على تلحم الكاتب مع الجماهير‪ ،‬والحق أنه اختار الحديث عن الجموع‪ ،‬وكادت‬ ‫تل ك الس يرة أن تك ون س يرة قري ة أك ثر منه ا س يرة للك اتب نفس ه‪ ،‬كم ا س يحدث ف ى العملي ن الت اليين حي ث س يكون‬ ‫حضور النا أكثر قوة‪.‬‬

‫‪19‬‬ ‫وف ى \"زم ن الزن ازين\" تطالعن ا ه ذه العب ارة \"ل أدعى امتلك ناص ية الس لف لنن ى أح د ض حاياها دني ا‬ ‫ودين\" هكذا جاء تصدير ل إهداء سمير عبد الباقى للنص‪ .‬ولغ اربة فى ذلك‪ ،‬أليست اللغة هى كينونة الوجود‬ ‫كما يقول مارتن هيد فغر‪ ،‬فكينونة النسان ترتبط ارتباطا وثيقا باللغة فهي \"البيت الذي يسكنه النسان\"‪ .‬وفي أريه‬ ‫أن النسان يجب أن ينصت إلى اللغة حتى يسمع ما تقوله له‪ ،‬أما \"حضور تلك الكينونة\" فل \"يتمظهر\"‪ ،‬بحسب‬ ‫هيد فغر‪ ،‬إل في اللغة ذاتها‪ .‬إن ارتباط الكينونة باللغة‪ ،‬سيؤثر بالتأكيد على اللغة التى اختارها الكاتب والرتباط‬ ‫واضح ومباشر‪ ،‬فمن خلل لغة رومانسية سلسة مثل تعاقب الليل والنهار‪ ،‬ذات سيولة وتدفق يشبه تدفق الزمن‬ ‫الكونى يأتى السرد هادئا كالنهر‪ .‬ومع الشاعر تحديداً تصبح لكل كلمة ثقل دللى وايحاءات وظلل أشد كثافة‬ ‫وتعقيدا من لغة الروائى‪ ،‬وسوف نلحظ أن اللغة مع عبد الباقى تستدعى كتابة عبر نوعيه حيث تقترب أحياناً‬ ‫من السرد الشفاهى وتعتمد ثيمة التك ارر وأحيانا تكاد تصبح لغة الكاتب لغة شعر صرفة‪.‬‬ ‫لكنه فى عمله الخير \" موال الصبا فى المشيب\" يختار تناصاً للشاعر الع ارقى عبد الكريم قاصد‬ ‫حين يصير الم ارهق طفل‬ ‫يجلس الشيخ بينهما ويبكى‬ ‫عائدا إلى صباه‬ ‫لكننى ل أتذكر غير صورة الطفل‬ ‫وقد فاجأه الجنى‬ ‫بضحكاته المجلجلة‬ ‫ومصباحه الذى لم يكن غير لعبة قديمة‬ ‫والهداء يشى بسيولة الزمن وحركته الرتدادية والرتباك الواضح للذاكرة‪ ،‬فالطبيعى أل يصير الم ارهق‬ ‫طفلً بل العكس‪ ،‬لكن حضور الشيخ تلك \"النا\" التى تحدثنا على مدار النص موزعة مابين طفولتها وم ارهقتها‪،‬‬ ‫يجعل الختلل وعدم الت ارتبية أم اًر مبر اًر‪ .‬هكذا نرى نوستالجيا الطفولة واضحة‪ ،‬والكلمات تشى بالرتباك وفوض ى‬ ‫الح واس حي ث يص بح الزم ن واح دة م ن اللع ب‪ ،‬مثل ه مث ل اللعب ة القديم ة‪ .‬إن مرحل ة الطفول ة وذكرياته ا م ا ازلت‬ ‫حاضرة بقوة تطارد كاتب السيرة‪ ،‬لكنه الن يفك الكثير من طلسمها‪ ،‬ويعترف بزوال السحر عن أشياء طالما‬ ‫ظن أنها عجائبية وغير مفهومة أو مبررة لكنها بكل تأكيد كانت تجعل العالم أجمل‪.‬‬ ‫‪ -5‬فاتحة الكتاب‬ ‫تع د فاتح ة الكت اب أح د العناص ر الموجه ة ف ي فه م الن ص‪ .‬ويع دها جي ارر جيني ت واح دة م ن العتب ات‬ ‫النصية المحيطة بالنص والمسهمة في فهم النص وتحليل ه)‪ .(42‬كما أنها تمثل مدخلً من \"المداخل التي تجعل‬ ‫المتلقي يمسك بالخيوط الولية والساسية للعمل المعروض\")‪.(43‬‬ ‫فى \"ولهم يحزنون\" يب دأ الك اتب اس تهلله الول \"فذلكة\" بتل ك الفتتاحية التى ق د يعتبره ا البع ض عبئ اَ‬ ‫على العمل‪ ،‬والرجل يعترف منذ عمله الروائى الول بعيوب كتابته قائلً‪:‬‬ ‫)( السيميوطيقيا والعنونة‪.102 :‬‬ ‫‪42‬‬ ‫)( مرايا نرسيس‪.102 :‬‬ ‫‪43‬‬

‫‪20‬‬ ‫\" نسيت فى غمرة استرسالى أن أذكركم ‪ ..‬أو على الصح أحدثكم عن عيبى الكبير ال ذى ق د ل يك ون‬ ‫العي ب الك بير ف ى كت ابتى‪ ،‬ف ى ذل ك السترس ال المم ل والخ روج المف اجئ غي ر الم برر ع ن الموض وع الساس ى‬ ‫للح ديث ع ن موض وع فرع ى أو يب دو أن ه فرع ى ‪..‬م ع أن ه ق د يك ون موض وعا أساس ياً ورئيس ياً بق در م ايكون‬ ‫الموضوع الساسى والرئيسى فرعياً\" ومع ذلك يمكن فهم أسباب الكاتب بشكل أفضل فى عمليه القادمين‪ ،‬إذ‬ ‫يخبرن ا أن ه حصل علي منحة للتف رغ حتي يكت ب مسلسلً كومي ديا هو غي ر مقتن ع ب ه‪ ،‬لكن الحاجة المادي ة هى‬ ‫دافعه الول للكتابة‪ .‬وكعهده يقول بسخرية لذعة أن مشكلته الساسية \"قتل الذبابة\" التي تعوقه عن الكتابة ‪ .‬هذه‬ ‫الذبابة ل يمكن قتلها إل عن طريق الكتابة‪ ،‬لكن المر ليقف عند هذا الحد ‪ .‬سنجد أن هذه الذبابة تتخ ذ دللت‬ ‫كثيرة ترمز الي العاقة فتصبح هي التي تتخلق من القاذو ارت ومواطن العفن الموجودة في الوطن حيث الشهداء‬ ‫ف ي فلس طين أي أنه ا تحم ل المع وق الساس ي وه و الس تعمار ‪ .‬ول يج د الم رء أم امه س وي اس تغلل ط اقته ف ي‬ ‫)ه ش ون ش( ال ذباب‪ ،‬لك ن الس تعمار لي س م ن الس هل )هش ه ونش ه) فهن اك مقاوم ة له ذة المط اردة ال تي تع وق‬ ‫البداع والسؤال ‪ :‬هل سيقتل الكاتب هذه الذبابة عندما يروي سيرته في ) ميت سلسيل(‪\"44‬‬ ‫أما فى \"زمن الزنازين\" فيبدأ الكاتب بالحديث عن موضوعه وسبب اختياره لهذه الفترة من حياته وحياة‬ ‫المة‪ ،‬والملفت للنظر أنه لم يعنونها أو يعمدها بكلمة مثل \"تمهيد‪ ،‬مقدمة‪ ،‬مفتتح‪ ،‬ونلحظ بصفة عامة غياب‬ ‫العناوين الداخلية فى الكتابين الول والثانى‪ ،‬فسمير عبد الباقى لم يعنون فصوله‪ ،‬أو يمنحها أرقاما‪ ،‬على هذا‬ ‫يمك ن اعتب ار الص فحات الول ى نوع اًاً م ن التق ديم أو الس تهلل‪ .‬حي ث يع ترف أن \"السجن ه و الس جن ف ى ك ل‬ ‫زمان ومكان\" وأن تجربته لن تضيف جديدا على الدب العربى والجنبى‪ ،‬لكن هدفه من كتابة تجربته هو التأكيد‬ ‫على \" قدرة النسان على التسامى على بذاءات الزمان وقاذو ارت المكان\"‪.‬‬ ‫أما افتتاحية \"موال الصبا فى المشيب\" والموسومة ب‪\" :‬ولكن أنفسهم يظلمون\" فجاءت كالتالى‪:‬‬ ‫قوم ‪..‬فز اعترف ‪..‬حق نفسك للف ارح الولى ‪ ..‬لهدهد سيدى مجاهد وجميزة السباخ وم ارجيح )أحم د‬ ‫هم ام( لمش نة خل ت )خض رة أم بي ومى(‪ ..‬اس تغفر الح ازن الول ى‪ ..‬من ديل )مديح ة( بن ت )أم نم ر( أول بوس ة‬ ‫تح ت )خيم ة الياس مين( طرح ة )خل ت مقبول ة( وعينيه ا القديم ة ال تى ك انت ترت ديها عن دما أرت ك تس رق الف ول‬ ‫الح ارتى‪\"...‬‬ ‫أى أننا أمام نص اعت ارفى بامتياز‪ ،‬يغلب عليه مشاعر الذنب تجاه شخوص بعينه ا‪ ،‬وافتقاد لحميمية‬ ‫م ارتع الطفولة‪ ،‬وستلعب القواس دو اًر حاسماً فهى نوع من التأكيد على واقعية تلك الشخوص من ناحية وأهميتها‬ ‫الستثنائية فى حياته‪ ،‬وستصبح العت ارفات أشد قسوة حين يحدثنا عن نساء ظلمهن ومنهم أخته ‪ ،‬وكيف يصم‬ ‫رحلة كفاحه بالفشل فيعترف بصدق مقول ة أم ه\" خايب بلده خايب بلد الناس\" وسوف نج د م ع اس تم ارر الق ارءة‬ ‫نوعا من التلخيص لتاريخ المة فهو ي دين \"رفعت السعيد\" وكل اليسار المصرى الذى تحول إلى \" حزب معفن‬ ‫وفيل ف ى الهض بة الوس طى وقص ر ف ى مارين ا\" وتنته ى الفتتاحي ة بش عور ف ادح بال ذنب \"ق وم ف ز اس تغفر الك ل‬ ‫واستسمحهم يمكن تلحق نصيب فى حزنهم ويعذروك ويسامحوك على حقهم عليك وذنبك يغفروه\"‬ ‫‪ 44‬انظر مقال د‪ .‬منى طلبة )رواية ول هم يحزنون تفضح الفساد( فى\" سمير عبد الباقى طفل السبعين فى عيون الخرين\"‬ ‫مجموعة من الكتاب والباحثين الهيئة العامة لقصور الثقافة ‪2009‬‬

‫‪21‬‬ ‫نح ن إذن أم ام ك اتب ل يكتف ى بافتتاحي ة واح دة‪ ،‬فالفتتاحي ة الول ى تقودن ا دائم ا للحظ ة آني ة تش وبها‬ ‫الم اررة فى معظم الحيان‪ .‬وتكاد تصبح تلخيصاً للعمل قبل أن يشرع فى البداية الحقيقية للسرد‪.‬‬ ‫يتضح مما سبق أن الكاتب قد استثمر عتبات نصوصه للتأكيد أولً على أنه سيكتب سيرة ذاتية روائية‬ ‫وأن عتبات النصوص من عنوان رئيس وفرعى‪ ،‬نواهداء‪ ،‬وافتتاحية‪ ،‬قد أسهمت فى خلق ذلك اللتباس المتعمد‬ ‫م ابين الرواي ة المتخيل ة والس يرة الحقيقي ة‪ ،‬ه ذا م ع اس تثمار ال دللت الفرعي ة كإض اءة خافت ة عل ى نصوص ه‪،‬‬ ‫لتفضح عمله بقدر ماتعد القارىء وتغريه مدفوعاً بالفضول لق ارءة العمل‪ ،‬كما أنه قد استثمر كلمة ظهر الغلف‬ ‫والص ورة ف ى خل ق دللت إض افية تس اعد الق ارىء عل ى الول وج ف ى عمل ه‪ .‬وف ى الص فحات التالي ة س وف نح اول‬ ‫عرض المتن الحكائى للروايات الثلث حتى يتسنى للقارىء تكوين صورة مجملة عن الروايات محل الد ارسة‪.‬‬

‫‪22‬‬ ‫فى البدء كانت الحجار‬ ‫عن عنف السلطة وعنف التجربة‬ ‫فى السجن تمارس السلطة أقسى درجات القمع ففي السجن »تكف السلطة أن تتخفى‪ ،‬يسقط قناعها‪ ،‬وتظهر كيف أنها‬ ‫طغيان مندفع في أشد التفاصيل تفاهة‪ ،‬هي ذاتها وبكل وقاحة‪ ،‬تظهر في الوقت نفسه كم هي نقية‪ ،‬مبررة تماماً‪ ،‬طالما أنها‬ ‫تستطيع صياغة نفسها كلية داخل أخلق تؤطر ممارستها‪ ،‬حينئذ يظهر طغيانها وكأنه سيطرة خالصة للخير على الشر«‬ ‫السجن هو صورة السلطة الكثر هذياناً بتعبير ميشيل فوكو فى كتابه الم ارقبة والمعاقبة‪.‬‬ ‫وتجربة السجن هى الدافع الول لكتابة تلك الرواية فى أوج النظام الساداتى‪ ،‬إن هذيان السلطة يقابله سمير عبد الباقى بل‬ ‫معقولية السرد‪ .‬ففى الوقت الذى دفع فيه خمس سنوات من حياته فى السجن ‪ ،‬كان المتغي ارت السياسية والمجتمعية عنيفة‪\" :‬اهتز‬ ‫البناء اليديولوجي السائد في الستينيات نتيجة لهزيمة الصيف السابع والستين‪ ،‬ومن ثم تداعي الحلم الناصري‪ ،‬والذي كان يمثل‬ ‫منطلقا لمشروع قومي اشت اركي الملمح‪ ،‬وقد تفاقم المر بحدوث هزة قيمية ومجتمعية نجمت عن ق ار ارت النفتاح القتصادي‬ ‫عام ‪1974‬م‪ ،‬ثم انتفاضة الخبز في ‪ 18‬و ‪ 19‬يناير ‪ ،1977‬وصول إلى معاهدة السلم مع العدو الس ارئيلي ‪1979‬م‪\".45‬‬ ‫ورغم أن سمير عبد الباقى ينتمى شعرياً لجيل الستينيات إل أنه ينتمى روائيا للسبعينيات‪ ،‬ومحاولة سمير عبد الباقى مثله‬ ‫مثل كتاب جيل السبعينيات فى الرواية كانت تصبو لخلخلة التقاليد السردية السائدة‪\" ،‬ما جعل للمغامرة الجمالية والموضوعاتية‬ ‫دو اًراً مهما في تشكيل الخطاب الروائي‪\".46‬‬ ‫كان سمير عبد الباقى ومازال ضد سلطة عبد الناصر‪ ،‬لكنه وقتها كان ممزقا فى كتابته هل يعادى عبد الناصر ليصبح‬ ‫بوقا من أبواق النفتاح ‪ ،‬أم يهاجم السادات فيمنح صك غف ارن لعبد الناصر‪ .‬الوالى أو السلطان فى الحالتين لهما أنصارهما‬ ‫وللسلطة دائما ذ ارعها الطويل وقبضتها الخانقة ‪ .‬وعلى هذا آثر أن يكتب رواية حداثية تتمرد على الشكل القديم وعلى الحبكة‬ ‫التقليدية‪ ،‬ويوظف طاقاته الشعرية لستحضار رحلته حتى نهاية السبعينيات‪ ،‬وليس ذلك مستغرباً إذ يقول كمال أبو ديب‪ \" :‬تبدو‬ ‫الحداثة مسكونة بالسلطة‪ ،‬بل إنها لتبدو مشبوحة بالسلطة‪ ،‬بعنفها وتعسفها وبربريتها‪ ،‬تصبح السلطة بيت الحداثة الذي فيه تنمو‪،‬‬ ‫وأفقها الذي تحته تتحرك وتنتفض‪ .\"47‬نواذا كانت الحداثة تحتفى بتكثيف الدللة‪ ،‬والتكاء على الرمز والحكاية‪ ،‬وخلخلة بنية‬ ‫السرد‪ ،‬وتشتت الصور وتجاورها دو علة سببيةواضحة‪ ،‬فيمكن القول أيضاً أن هذا النص يكاد يكون نصا مابعد حداثى إذ يلجأ‬ ‫للعودة إلى الماضي نوالى التاريخ‪ ،‬والتقطيع السردي‪ ،‬والتغريب‪ ،‬والعجائبي والسحري‪ ،‬وتتداخل فيه الجناس الدبية والفنية ‪،‬‬ ‫وكلها ظواهر فنية تلتقي مع استراتيجيات ما بعد الحداثة‪ .‬ذلك التجاه الذى بدأ فى الستينيات لكنه تبلور بشكل خاص فى‬ ‫السبعينيات ومابعدها‪.‬‬ ‫ورغم أننا استثنينا من دراستنا تلك الرواية إل إننا مضطرون للشارة اليها لنها هى الصور البكر لثلثية سمير عبد الباقى‪،‬‬ ‫اذ تتناول ثلثة محاور‪ :‬الطفولة‪ ،‬والسجن‪ ،‬والحب‪ .‬وقد عاد الكاتب بعدربع قرن لكتابة الرواية التقليدية ربما لقتناعه بأن الشكل‬ ‫الكلسيكى مازال قاد ار على إثارة الدهشة‪،‬رغم احتفاء الكثيرين وقتها بهذا الشكل الجديد من أجل ‪\" :‬التأسيس لكتابة روائية مغايرة‬ ‫انظر مقدمة د‪ .‬يسرى عبد ال \"جيل السبعينيات فى الرواية ‪ :‬إشكاليات الواقع وجماليات السرد\"‪ \" .‬دار\"أو ارق\" للنشر‬ ‫‪45‬‬ ‫والتوزيع‬ ‫‪46‬‬ ‫نفسه‬ ‫‪47‬‬ ‫انظر كمال أبو ديب‪ :‬الحداثة‪ ،‬السلطة‪ ،‬النص‪ ،‬مجلة فصول‪ /‬المجلد ‪ 16‬ع ‪ 2‬خريف ‪،1997‬‬

‫‪23‬‬ ‫لكتابات الحذلقة الروائية التقليدية التى أسنت فى أقبية الممارسات المحفوظية المكرورة‪ ،‬وليست محاولت الرواية المصرية‬ ‫الجديدة مبارحة السلوب الروائى الذى أسسه نجيب محفوظ ارجعة إلى ضيق الكتاب والق ارء بهذا السلوب فحسب‪ ،‬ولكنها ناجمة‬ ‫بالدرجة الولى عن ت اركم التغي ارت الحضارية والتاريخية التى يستحيل معها البقاء على أسلوب تناول تلك المتغيرات على حالته‬ ‫التى تبلورت فى الربعينيات والتى استقى محفوظ معظمها من روايات القرن الماضى فى أوروبا\"‪ 48‬ورغم اختلفنا مع ذلك‬ ‫المنطق الغريب فى التناول‪ .‬إل أنه صحيح من ناحية محاولة كتاب السبعينيات التمرد على الشكل الكلسيكى للسرد‪.‬‬ ‫وقد ارتبك النقاد محاولين فهم ذلك النص الذى ليمكن فهمه كاملً‪ ،‬إل من خارجه واعتبروها د ارما شعرية فى تشكيل‬ ‫روائى‪ .‬واحتفوا بالشعر من باب الحتفاء بالشاعر ل بدوره الفاعل فى النص‪ ،‬فقد اعتبر صبرى حافظ أن القصائد حمت الرواية‬ ‫من القتامة وأن الشعر \" لم يؤد إلى كسر فى اليقاع نوانما الى هدوء أو هبوط فى النغمة بعد الصخب المتمثل فى صدامات‬ ‫ال ارهن‪\"49‬‬ ‫لكننا لو تجاوزنا التصنيف الجنسى واقتنعنا أنها رواية عبر نوعية تجمع بين استراتيجيات سردية تعتمد على الطاقات‬ ‫اليحائية للجملة الشعرية وتتكىء على رحابة صدر القصيدة فى الوصف الذى يجمع بين الشتات‪ ،‬حيث يصير المكان فى‬ ‫النص شعريا بالساس‪ ،‬يتخلق بمهارة الذاكرة ‪،‬وفى تدفق سريع يتجاوز قدرة العين الروائية على التسجيل والرصد‪.‬‬ ‫والنص يتجاوز السائد و المألوف‪ ،‬ويتوسل بلغة تتعدد مستوياتها الدللية ‪ ،‬يتكىء النص فى مجمله على على الرمز‬ ‫والمجاز‪ ،‬فقد ظهرت الرواية فى العهد الساداتى ‪ ،‬صحيح أن السلطان الجديد ليشبه الوالى القديم‪ .‬لكن هناك محظو ارت خفية‬ ‫ومعلنة‪ .‬مساحة الحرية لم تكن تسمح بالتصريح من ناحية ولم تكن أدوات الروائى قد اكتملت من ناحية أخرى ‪ .‬لهذا نعتقد أن‬ ‫هذه الرواية كانت تدريبا أسلوبيا لكاتب سيفصح عن نفسه فى أعمال تالية‪ .‬فهذه المغامرة السلوبية التى تتماهى مابين القصيدة‬ ‫والحكاية ومحاولة تجريب ط ارئق أخرى فى السرد تنحو نحو قيم جمالية فى الساس‪ ،‬لكنها مع ذلك تلمس تخوم الواقع ول تنكره‬ ‫تماما‪.‬‬ ‫تحاكى الرواية شكل المتتاليات الموسيقية‪ ،‬وقد احتفى النقاد ‪-‬فى إطار البحث عن ط ارئق جديدة فى الكتابة‪ -‬بتلك الرواية‬ ‫وذلك لكسرها الشكل التقليدى فى السرد‪ ،‬وقارنوا بينها وبين متتابعة صورة فى معرض لمورجسكى وتكريس الربيع لست ارفنسكى‪.50‬‬ ‫وتوقف النقاد أمام السم فمنهم منرأى فى إشاراته التو ارتية محاولة لفهم كلمة السيد المسيح عن مريم المجدلية \" من كان منكم‬ ‫بل خطيئة فليرمها بحجر\" وأن أحجار الرواية هى أحجار التجربة النسانية لمواجهة عصف الطبيعة والحفاظ على كيان‬ ‫النسان‪51.‬‬ ‫البعض الخر مثل صبرى حافظ لفت نظره الحالة لكتاب نيتشه \" هكذا تكلم ز اردشت \" خاصة أن العمل يلح على فكرة‬ ‫الرحلة‪ ،‬ويقارن الناقد بين البطل وبين ز اردشت الذى هجر وطنه وبحيرته وسار إلى الجبل حيث أقام عشر سنوات متأملً كل هذا‬ ‫من أجل البحث عن الحقيقة ‪ .‬أى أنهارحلة للمعرفة تكاد تشبه رحلة السندباد‪ .‬الذى لم يخرج من داره نتيجة لفقر أو عوز مادى‬ ‫ولكن لستشراف أفاق جديدة تروى ظمأه للمعرفة وتهدئ من روحه القلقة‪.‬‬ ‫انظر \"حول رواية هكذا تكلمت الحجار‪ :‬قضية السجن بين التناول الواقعى والمعالجة السطورية\" د‪ .‬صبرى حافظ‬ ‫‪48‬‬ ‫نفسه‬ ‫‪49‬‬ ‫‪50‬‬ ‫انظر \"هكذا تكلمت الحجار محاولة نقدية\" محمد هويدى‬ ‫‪51‬‬ ‫انظر \"هكذا تكلمت أحجار سمير عبد الباقى \" د‪.‬محمد حسن عبد ال‬

‫‪24‬‬ ‫أسباب رحيل البطل هى تمرده على الزمان والمكان\" ذات صباح قديم سمع قبرة تقول\" لتصدق كل ماتراه عيونك أنت‬ ‫تتصور ان الحاضر باق إلى البد‪ ...‬العالم أكثر رحابة من قريتك\" وكان البطل الممسوس بشيطان الشعر يعرف سر قوة‬ ‫الكلمات التى تجعله قائدا لقرانه من الطفال‪ ،‬وم ارودا لجميلت القرية‪ .‬يقول لوالده \"لم أعد أطيق كل هذا القدر من الدناءة‪ ..‬لم‬ ‫أخلق لحرث الرض وشق الم اروى\" ان الرحلة تذكرنا بأبطال الحكاية الشعبية حيث يترك البطل حضن السرة ودفء البيت‪،‬‬ ‫ويخرج لمواجهة العالم‪ ،‬ومحاربة الغول والشكيف ‪،‬وفى النهايةرغم كل صعوبات الرحلة سيعثر على أشياء عجائبية وكلمات‬ ‫ذات قوة سحرية‪ ،‬فيقهر الوحش ويحظى يقلب ابنة السلطان ويتربع على العرش ملكا أو أمي ار‪ .‬لكن الرحلة هنا ليس دافعها نقص‬ ‫مادى أو ضرورة للخروج بقدر ماهىرحلة نحو المعرفة ورحلة تمرد على واقع بغيض‪ ،‬ليس الدافع هو ك ارهية المكان بل كراهية‬ ‫الظلم الواقع على أهل المكان‪ ،‬فقد ظل سمير عبد الباقى وفيا لقريته يكتب \" مواويل لميت سلسيل\" ولينسى أبداً \"قبة سيدى‬ ‫مجاهد\" لكنه كان يبحث عن الحقيقة والعدل و يشفق على ظروف مساكين قريته ‪ ،‬حتى نوان أنكروه‪.‬‬ ‫فضاء النص ي اروح مابين القرية والسجن‪ ،‬فى تلك الرواية ذات الصبغة الملحمية التى قسمها لعشر فصول كلها ذات‬ ‫طبيعة زمنية‪ \" .‬الصباح الذى حل قبل بدء الرحيل\" ‪\" ،‬المساء الذى حل بعد الرحيل\" وصول إلى \"المساء الذى قاربت فيه الرحلة‬ ‫على النتهاء\"‪ .‬طابع الحكايا الشعبية \"صفافير البوص الملونه بدمه التى تزفه للموت‪ ،‬وألف ليلة وليلة ‪:‬قصص السندباد‪ ،‬أدب‬ ‫الطفل‪ :‬حديثه مع القبرة‪ ،‬الحكايات الت ارثية الوالى والسلطان‪ ،‬ومفردات الكتاب المقدس الذى تستدعيه علقته بحبيبته المسيحية‪،‬‬ ‫كل هذا يمتزج بواقع القرية والسجن‪ .‬واللغة ت اروح بين مستويين‪ ،‬الت ارثية‪ \" :‬اضطرب الناس وذهلوا من هول الهول\" \" السلطان‬ ‫احتفظ بكل المي ارث لنفسه وامر الجند بغزو السواق‪ ،‬وأطلق أيديهم فى أمر عوان الناس‪ ،‬فأعملوا فيهم السيف‪ ،‬وانتشرت‬ ‫الخوازيق فيما بين الرميلة والقصرين\" والعامية مثل \" خمس عيال يأكلون الزلط\" لتكن طيباً إلى هذا الحد يا كاويرك\" \"اطلع‬ ‫بالسجائر\" \"اليمك الساخن\"‪ .‬بين الت ارث الشفاهى والكتابى من ناحية‪ ،‬ومفردات الواقع الريفى والسياسى من ناحية أخرى‪ ،‬يتخلق‬ ‫عالم شبه أسطورى عنرحلة الشاطر سمير عبد الباقى‪.‬‬ ‫نصوص كافكا‪ -‬ألف ليلة وليلة‪ -‬هكذا تكلم ز اردشت‪ -‬تلعب دو ار مهما فى تشكيل البنية التحتية لعالم سمير عبد الباقى‬ ‫الذى يحاول فيه عرض رحلته مكثفة‪ ،‬فكرة الرحلة واللحاح على مفردات الزمن‪ :‬و السجن الذى يوقف مسيرة الرحلة إلى حين‪،‬‬ ‫فقد سجن مرتين‪ ،‬هما المحورين الرئيسيين لذلك العمل‪ ،‬وتقوم الجدلية بين السجن والقرية والعالم‪ ،‬ذلك العالم الذى كان مصرا‬ ‫على تزييف مواقف البطل‪.‬‬ ‫ومع ذلك ل يمكن تصوير عمله كرواية كابوسية‪ ،‬الرواية تتكئ على الخيالى والسطورى بجانب الواقع‪ ،‬إنها تعلن عن‬ ‫ميلد روائى‪ ،‬عن ميلد ميلد رواية‪ ،‬على القل بالشكل التقليدى\"‪ .‬لقد اعتبر البعض أنه فشل فى \"عمل فنى متماسك‪ \" .‬وأن‬ ‫الشخصيات غارقة فى التجريد والتعميم‪ .‬لكن لو قرأنا الثلثية قبل الولوج إليها سنجد أنفسنا أمام رواية قصيدة ‪ ،‬وبعد أن نفسر‬ ‫الكثير من شف ارتها الدللية سوف نرى أن الخطوط الرئيسية للرحلة حاضرة فى نصه القصير‪\" ،‬مديحة\" التائهة فى حشد من‬ ‫الصبايا الفقي ارت اللتى ي ارودهن بالكلمات السحرية والفول السودانى والعطر الرخيص‪ .‬البطل الذى كاد أن يكون نبيا فهو الذى‬ ‫طالما رق قلبه لفقراء قريته ووقف بجانبهم من أجل تغيير مجلس إدارة الجمعية الز ارعية ويعيد لهم خبز ولبن المعونة ‪ ،‬يكفرونه‬ ‫بعد سجنه ويسمعون لقول الوالى فيتهمونه مثلما اتهم الشيوعيون بالكفر وأنه \" كان يعاشر أخته فى الح ارم\" وبكل الكاذيب‪.‬‬ ‫والمدينة الغريبة عالية السوار التى وصلها هى السجن‪ ،‬وديكور هذا العمل ليس سجن المنصورة لكنه سجن المحاريق‬ ‫وسجن الواحات حيث \"الكثبان الرملية والنخلت القزمية\"‪ .‬يسرح مع البطل النجوم فتتجسد له جوزفين‪ ،‬المسيحية التى أقامت‬

‫‪25‬‬ ‫علقة نصف مكتملة معه \" تنام على صدره فوق السرير الفقير‪ ،‬ثم هجرته \" مضت خلف حلمها القديم بالثوب البيض والت ارتيل‬ ‫المقدسة‪ .‬ولن يفهم القارىء دللة كونها مسيحية قى النص إل على سبيل المجاز واستثمار حكاية المجدلية والرموز المسيحية‬ ‫شعرية الدللت مثل الصليب‪ ،‬وصعود الجبل‪..‬إلخ‪ ،‬وسيعتبر ذلك مقارنة بين الشاعر والمسيح‪ ،‬لكن النص يتكىء على واقع‪.‬‬ ‫فى النص تحمل الشياء دللت مغايرة للواقع أرحب بالتأكيد لكنها ملغزة فلن يفهم القارئ جملة مثل \" وأمى لن تشرب من كفيك‬ ‫الماء\" وأن جبل لبنان إشارة لزواج جوزفين من مارونى‪ ،‬وأن الرحلة للجبل لم تكن آمنة إذ انتقم منها الرب‪ ،‬إل مع \"موال الصبا فى‬ ‫المشيب\"‬ ‫تبدو تجربة السجن هنا أشد قسوة‪ ،‬فالحديث عن التعذيب النفسى والبدنى الذى تعرض له مثل‪ \":‬لم يعد سمع من مكمنه‬ ‫سوى صوت طحن ضلوع بشرية‪ ،‬وانسحاق عظام أثرية ‪ ،‬ونشيش شواء لحم حى \" وكذلك عنف الحراس معه \"السياط السودانية‬ ‫المعقودة فى الزيت‪ ،‬وخير ازنات الجنود\" هذا غير مفردات أخرى غ ارئبية مثل‪ ،‬و هجوم الحش ارت‪ ،‬وضحكات أطفال تكشف عن‬ ‫أسنان سودها الدخان الرخيص‪ ،‬وعيونهم تنزف سائل لزجا كعيون مدمنى المخد ارت‪ ،‬والحارس الذى يتسلى بأكل فخذ إنسان‪ ،‬كل‬ ‫هذا لم يتعرض له البطل فى ثلثيته‪ .‬لكنها فى نصه تزيد من قتامة المناخ العام للعمل‪.‬‬ ‫فى هذا النص يستحضر مشهد خلع ملبسه الذى سيبدأ به \"زمن الزنازين\"‪ ،‬لكن هنا يصبح الب حاضراً وشاهدا على‬ ‫استقبال العساكر \"لضناه\" وتعريته وحلق شعره نواجباره على ارتداء خرقة بالية قذرة‪ .‬وكما فى \"الزنازين\"سوف يتهم الب ابنه‬ ‫بالجحود وعدم مراعاة مصلحة السرة‪ ،‬وتدمير سمعة أخواته البنات‪ ،‬ويعايره الب بتضحياته التى لم يقدرها‪.‬‬ ‫والب هنا رمز لكل الفلحين فهو ليس المدرس عبد الباقى أفندى بل فلح\" يعمل فى الحقل\" ويصدق كلم السلطة‪،‬‬ ‫فيردد \" الوالى أطيب خلق ال\" ومشهد تذكر الب لبنه بعد سجنه سيرد فى رواية \"ول هم يحزنون\" عند خروجه من داره‪ .‬يتذكر‬ ‫هنا وهو يصعد سلم البيت \" أن ابنه كان يهوى عد الدرجات\" فيعدها هو الخر اك ارما لذكراه‪ ،‬فيلقى ب أرسه على صدر زوجته‬ ‫منتحباً كطفل صغير‪.‬‬ ‫وسنجد وصفا لول ليلة فى السجن‪ ،‬واستقبال المساجين الكابوسى له حسبما يفعل المساجين‪ ،‬وتك ار ار لكلم السجانة‬ ‫ومنطقهم‪ ،‬وحكاياتهم‪ ،‬فالبرص\" معذور! مرتبه ضئيل جدا بينما هو يعول أمه المشلولة وجدته الخرساء وخمس عيال يأكلون‬ ‫الزلط وزوج‪ ،‬وهو لو صرف قرشا من مرتبه على السجائر ستزنى أم عياله من أجل خبز الطفال‪\".‬‬ ‫فى الرواية يتابع القارىء تشكل مشاهد شعرية ل روائية‪ ،‬ففى القصيدة يمكن تقبل التناقضات كصورة شعرية لكنها تفشل‬ ‫فى تشكيل مشهد روائي ‪ ،‬النتقالت المفاجئة والمجا ازت التى تتجاوز قدرة الفن الروائى‪ -‬إذ حذف الكاتب كاف التشبيه‪ -‬تصبح‬ ‫غير مقبولة فى هذا السياق‪ ،‬وفى روايات الل معقول تكون الصور التى تكسر أفق توقع القارىء مفاجئة وغير مبررة‪ ،‬ويغيب‬ ‫منطق النص الداخلى فى تبرير أو فهم الصور‪ ،‬لكنها لتأتى بهذا القدر من اللهاث والس ارف والتشتت‪ ..‬فعندما يتحدث عن‬ ‫جوزفين يقول ‪:‬‬ ‫فى مساء اليوم الذى قابلته فيه لول مرة حملته كالمريمات إلى بيتها‪ ،‬وتعمدت أن يشاهد كل الناس فرحتها الولى‪،‬‬ ‫وحين ت ازحمت حوله الست ارت السوداء والصف ارء‪ ،‬ابتسمت له ومضت أمام الموكب تبشر بقيامه وصعوده‪ ،‬أجلسته فوق سرير‬ ‫عشقها القديم وأشعلت له غليون والدها‪ ،‬وغسلت قدميه بزيت الورد‪ ،‬وأحضرت له سمكا وزيتونا وأطعمته بيدها‪...‬وعندما‬ ‫تصلب جسدها وبرد جسدها حتى الموت انحنى عليها ورسم علمة الصليب وغنى لها أغنية تدشين البيت المزمور‪ ...‬وسقط‬

‫‪26‬‬ ‫على وجهه يصلى للههم‪ ،‬لكنهم أنكروه وعلقوا دمها فى رقبته‪ ،‬وليس إلى جواره سواها رقيقة وذابلة كزهرة تفاح ميتة ‪،‬‬ ‫تحاول بكل مابقى لديها من قوة أن تبعد العجلت المسرعة وسنابك الخيل العثمانيين الل مبالية والج ارئد القديمة\"‬ ‫إن سرعة النص اللهثة ‪ ،‬ناهيك عن كثافة الصور واكتناز الدللت تجعلنا نقتنع بل معقولية المكان و ل معقولية الزمان‬ ‫و ل معقولية الشخصيات كسمة للرواية‪ ،‬ولكن يظل إطارها العام هورحلة السجن والحب بعيداً عن ميت سلسيل‪ .‬انها إعادة‬ ‫تشكيل الواقع بصورة أكثر هذيانا من مفرداته نفسها حيث أن \"تعريفات اللمعقول اللغوية و الفلسفية تبلغ به محل صفة هيئة أو‬ ‫حدث غامض مستغلق على معناه‪ ،‬يكتنفه الوهم من كل جهاته فل يترتب عنه غرضه أبدا ‪ ،‬كما ل يستطيع العقل تبريره أو‬ ‫البرهنة عليه ‪ ،‬لنه خارج ثنائية الصدق و الكذب و الفطرة السليمة‪...‬إن جانب المتخيل فيه يغترف واقع الشياء و الكائنات و‬ ‫يعيد تشكيل هيئاتها ‪ ،‬و من ثمة يصير باحثا على الحيرة و التردد و الضط ارب\"‪52‬‬ ‫لقد حاول مسير عبد الباقى تكثيف وترميز رحلته فى رواية قصيرة‪ ،‬لكنها لم ترو غليله أو رغبته فى الحكى‪،‬واكتشف أن‬ ‫الرحلة أكثر ثراء من أن تختزل‪ ،‬فعاود كتابة تلك المئة صفحة فى ألف صفحة كاملة‪ ،‬وهى تقريبا حجم ثلثيته‪ ...‬أخيرا نكرر أن‬ ‫النص لن يسلم نفسه للقارئ إل لو قرأ الثلثية‪ ،‬ولكن يبقى السؤال هل يستطيع بعد وجبته الدسمة فى الثلثية تقبل أحجار سمير‬ ‫عبد الباقى؟‬ ‫‪ 52‬عبد الدائم السلمي منطق اللمعقول في الرواية العربية الحديثة‪..‬رواية الدارويش نموذجا ص ‪.38‬‬

‫‪27‬‬ ‫المتن الحكائى‪:‬‬ ‫سيرة قرية في رواية \"ول هم يحزنون\"‬ ‫فى أول أج ازء ثلثيته الروائي ة‪/‬السيرية يقدم لنا سمير عبد الباقى صورة غيرية‪ ،‬وليست ذاتيه بحكم أن‬ ‫تلك النا جزء ل يتج أز من الوطن فل يمكن الفصل أبدا بين الذات والموضوع ‪ ،‬وتستمر أحداثها لثلثة أيام منذ‬ ‫لحظة موت الشيخ مقبل حتى مشهد جنازته‪ :‬منذ فجر الربعاء وفاته حتى جمعة الدفن ‪..‬‬ ‫تض م الرواي ةثلث ة أح داث هام ة ‪ :‬م وت الش يخ مقب ل أمي ن ع ام الل تح اد الق ومي وه و ش يخ القري ة‬ ‫والمتحكم فيها سياسياًاً‪،‬وكان رجلً لً مهابا يخشاه الناس ويعملون له ألف حساب‪ ،‬والثانى جهود زوجة مقبل فى‬ ‫جعل الجنازة موكبا مهيبا ومحاولة العثور على ورقة زواج الرجل من خادمته الفقيرة المسكينة \"فرج ال\" ‪ ،‬يتوازى‬ ‫ذلك مع مساعى نوال أخت سالم المناضل الشيوعى السجين فى أن تحظي بزيارة له في السجن‪.‬‬ ‫وينتهى النص بأن تنجح نوال فى رؤية شقيقها سالم من شباك السجن عن طريق زوجة المعلم \"النص\"‬ ‫أحد المسجونين رغم العوائق التى يضعها القائمون على السجن وأقارب الشيخ مقبل فى طريقها‪ .‬وفى نفس الوقت‬ ‫تتح ول في ه الجن ازة لفض يحة مدوي ة‪ ،‬حي ث تخ رج ف رج ال عاري ة تزغ رد وت دق ص ينية الطع ام ك دف‪ ،‬وه ى تغن ى‬ ‫\"اتمخطرى ياحلوة يازينة\" وتتكفل أشباحها بفرط عقد الجنازة نواهانة رموز النظام بعد اشباعهم رفساً وتنكيل ‪.‬‬ ‫وف ى ه ذا العم ل يص بح العن وان الفرع ى ش ديد الدلل ة‪ ،‬فلوله لظنن ا أنن ا أم ام سيرة قري ة لكنن ا حي ن نق أر‬ ‫نكتش ف أن س الم ه و نفس ه س مير عب د الب اقى‪ ،‬وتق ترب الرواي ة ك ثي اًر م ن الس يرة الذاتي ة بس بب إش ا ارت الك اتب‬ ‫المقصودة‪ ،‬وهى إشا ارت ستتضح دللتها فى العمليين التاليين‪ .‬لكن اختلفها عن عمليه التاليين تجلى فى كون‬ ‫الشخصيات جاءت متطورة‪ ،‬كما أن استخدام ضمير الغائب سمح لذلك ال اروى العليم\" بتعرية الواقع والولوج فى‬ ‫نفسيات أبطاله‪ :‬نوال والشيخ مقبل وفرج ال والشنقيط‪ ...‬من ناحية أخرى جاء وصف الشخصيات مختلفاًاً لنها‬ ‫لم تقدم ككتلة واحدة تظهر وتختفى مثل الشهب على الشريط السردى‪ ،‬ولكن مارس الكاتب نوعاً من التدرج فى‬ ‫الكشف حيث يتوزع رسم الشخصية على امتداد العمل ‪.‬‬ ‫رحلة نوال هى رحلة قلما نجدها فى أدبناالعربى فالل م المكلومة أو الم أرة العاشقة سواء كانت زوجة أو‬ ‫حبيبة‪ ،‬هى عادة من تستأثر بدور البطولة فى البحث عن الرجل‪ :‬الحبيب‪ /‬الزوج‪ /‬البن الغائب‪ .‬لكن نوال هى‬ ‫أول شخصية روائية تخرج للبحث عن أخيها‪ ،‬وتلك صورة لها ظلل قوية فى الحكايات الشعبية‪ ،‬عن تلك الم أرة‬ ‫التى ضحت بالبن والزوج إذ يمكنها تعويضهما واختارت حياة أخيها‪.‬‬ ‫وعكس إ اردة والد البطل سالم الضعيف المرتبك‪ ،‬ورغم معارضة السلطة بمستوييها البوليسى ممثلًلً فى‬ ‫مج دى اب ن الش يخ مقب ل‪ ،‬وع اطف ض ابط نقط ة القري ة‪ ،‬والجتم اعى ممثلًلً ف ى بس طاء القري ة ال ذين ي رون ف ى‬ ‫زيارتها لخيها جريمة بحكم أن البواق العلمية تصور الشيوعيين على أنهم كفرة زنادقة يمارسون زنى المحارم‪.‬‬ ‫يرصد لنا الكاتب رحلة نوال من القرية للمدينة \"المنصورة\" فى أواخر الخمسينيات حيث السجن ومبنى‬ ‫النيابة والماكن الشعبية مثل \"عزبة عقل\" و \"الشيخ حسنين\"‪ ،‬ويحدثنا عن الوجوه التى تقابلها‪ ،‬وهى خليط من‬

‫‪28‬‬ ‫ح ارس‪ ،‬وس جانين أجلف‪ ،‬أو م وظفى نياب ة مرتش ين ومهمش ين م ن ق اع المجتم ع‪ ،‬ليس وا ملئك ة لك ن لتخل و‬ ‫مواقفهم من شهامة حتى تنجح نوال أخي ار فى مقابلة أخيها السجين‪.‬‬ ‫هناك خط مواٍزٍز لهذه الرحلة وهو وفاة الشيخ مقبل حيث‪ ،‬تفشل كل الترتيبات فى الحصول على جنازة‬ ‫لئقة بالرجل رغم كل تضحيات زوجته وجهود الشنقيط ساعدها اليمن فى تحقيق مهمتها‪ .‬يعرى الكاتب مجتمع‬ ‫القرية بفساده وشخوصه المقهورين وفق ارئه المساكين وكذلك المستغلين‪ .‬البطل سالم هو الغائب الحاضر فأعماله‬ ‫وماعلمه نوال وشباب القرية ومطالبته بحقوقهم تجعله صوتا روائياًاً هاماًاً رغم أن ظهوره فى الرواية كان قليلًلً‬ ‫نسبياً‪.‬‬ ‫ومهما كانت أسباب الكاتب او ادعاؤه الكتابة متحر ار من كل شكل أو قيد روائى‪ ،‬إل أننا نعتقد المقدمة‬ ‫التى أسماها فذلكة قد أضرت بالعمل وجاءت خارج السياق‪ .‬الرواية تبدأ فعليا مع وفاة الشيخ مقبل‪ ،‬صحيح أن‬ ‫المقدمة تكاد تكون مدخلًلً ودافعا للكتابة لكنها تصدر عن ذات أخرى ‪ ،‬ذات عجوز مثقفة تدور حول نفسها‬ ‫بحثاًاً عن حجة للكتابة‪ .‬تلك الفذلكة كان يمكن أن تقف حائل بين المتلقى والنص‪ ،‬لكن حين يشتبك القارىء مع‬ ‫النص فإنها ‪-‬لحسن الحظ‪ -‬تت ارجع فلتصمدول ترسخ فى الذاكرة‪ .‬إن ميكانيزمات الذاكرة تطردها لتفسح المجال‬ ‫أمام كتابة جميلة ارئقة هى سيرة القرية‪ ،‬والقارىء من الذكاء ليعرف أن سالم هو قناع روائى لسمير عبد الباقى‪.‬‬ ‫نحن إذن أمام ثلث سير‪:‬‬ ‫سيرة الكاتب العجوز \"فذلكة\"‬ ‫سيرة شباب سمير عبد الباقى المقطوعة فى الصفحة الولى‪.‬‬ ‫سيرة سالم بطل العمل‬ ‫والخيرة هى السيرة التى تستحق الق ارءة‪ .‬ربما يعيدنا ذلك لفكرة أن رغبة الكاتب رغم محاولته تحرى الصدق‪ ،‬قد‬ ‫ت ارجع عن ذكر السماء الحقيقية حتى ليسبب اح ارجا لشخوص لعلها ما ازلت على قيد الحياة‪ ،‬وربما رحلت عنها‬ ‫ف آثر أل يهت ك س ترها‪ .‬كم ا أن ه ق د ص رح لن ا أن ه ليكت ب مخطط ات روائي ة مس بقة‪ ،‬والح ق أن كتاب ة مخط ط أو‬ ‫تصور ما لرواية‪ ،‬ليس هو التكنيك أو الروتين الذى يتبعه كل الكتاب‪ ،‬ومع ذلك نرى أن حذف اسم سمير عبد‬ ‫الباقى ‪-‬مجرد السم‪ -‬منالصفحة الل ولى لم يكن ليكلف شيئاًاً ‪.‬‬

‫‪29‬‬ ‫زمن الزنازين لسمير عبد الباقى‬ ‫و البحث عن الذات‬ ‫فَرت الدموع ‪ -‬أو كادت ‪ -‬من عيني الشاويش س َجان )حسن عطية( ‪ .‬لمحته يغالبها ‪ ،‬احم ارر عينيه‬ ‫فضحه ‪ ،‬وهو يحاول التظاهر باستعمال القسوة معي ؛ ل َما الضابط )عبد العظيم الريدي( وكيل السجن شخط‬ ‫فيه وف َي وهو ينتزع علبة السجاير )الهليود( اليتيمة من قبضة يدي الميتة عليها ‪ .‬كانت العلبة الخيرة‬ ‫والوحيدة التي نجت من جيش المخبرين وعساكر الترحيلة في نهاية رحلتي من مبنى المباحث ومكاتب النيابة‬ ‫حتى السجن ‪ .‬كان الشاويش الطيب قد تركها لي حتى خرج الضابط من حجرته ‪ ،‬وبل رحمة هرسها ‪ -‬غاضًبا‬ ‫‪ -‬بجزمته ‪..‬‬ ‫عاود الشاويش تفتيشي بدقَة ‪ -‬منفعلً ‪ -‬كمن طضبط متلسب ًسا بالرحمة ‪ ،‬وأنا بين يديه أل ُف كالفرخة‬ ‫الدايخة‪ ،‬أرتعش من البرد ‪ ،‬عريان إل من الفانلة واللباس البفتة ؛ في ملقف بوابة سجن المنصورة‬ ‫الحتياطي‪.‬‬ ‫فعلي ا يش كل ه ذا المقط ع الس تهلل الروائ ي الح دثي \"ب ؤرة الرواي ة‪/‬الس يرة\" وتمفص لها الساس ي ؛ لن ه يك اد‬ ‫يلخ ص ك ل الح داث ال تي وقع ت وال تي س تقع داخ ل العم ل‪ ،‬فالعم ل يتح دث ع ن تجرب ة الس جن لش اب ج امعى‬ ‫يس ارى الفك ار‪ ،‬تتلقف ه ي د الس لطة الخانق ة الغليظ ة‪ ،‬ولك ن ه ذا ليمن ع م ن وج ود وج وه انس انية سيس جل مواقفه ا‬ ‫خلل تجربته‪ .‬المشكلة أن جزءا كبياًر من أزمته هو أن \"الرفيق\" لم يتلق تدريبا كافيا على مواجهة السجن رغم أنه‬ ‫مصير متوقع لمن يمارس عملً معادياً للسلطة فلم يكن يدرى كيف يتعامل معه‪.‬‬ ‫وبع د ذل ك يلتج ئ الك اتب إل ى تمطي ط ه ذا الس تهلل وتوس يعه وت بئيره س ردا وتحبيك ا وتش ويقا ع بر مس ار‬ ‫المبنى الحكائي‪ .‬لقد اختار الكاتب الحديث عن ثلثين شه ار قضاها فى سجن المنصورة ‪ .‬لكن هذه الفترة يقطعها‬ ‫ترحيله الى القاهرة وحبسه أيضا فى قسم عابدين‪.‬‬ ‫طبيعى أن تكون الرواية‪/‬السيرة رواية مكان بالساس‪ ،‬لكن المكان فى هذا العمل ليس استاتيكيا أى أن‬ ‫فضاء النص ليس هو مجرد مكان السجن بجد ارنه وزنازينه‪ ،‬على العكس هناك حركة لتهدأ‪ ،‬ل تكتفى بالسجن‬ ‫بل هى حركة ارتدادية‪ ،‬إذ يحدث ديالكتيك مستمر بين الداخل والخارج‪ ،‬على هذا لتصبح تجربة السجن مجرد‬ ‫وصف للعنابر والسجانة والزن ازنة والتعذيب‪ ،‬ولكن العمل يقدم شخصية متنامية أبرزها شخصية البطل التى نع رف‬ ‫حياته وكفاحه الوطنى قبل السجن ونرى بعيونه الحياة خارج السجن فى مدينة المنصورة وقرية ميت سلسيل‪ .‬وهذا‬ ‫نوان ب دا حيل ة فني ة لس بر أغوار الن ا التى تعام ل معه ا عل ى أنه ا شخص ية روائي ة‪ .‬إل إنه ا تمث ل نوع ا م ن فع ل‬ ‫الهروب والمقاومة والتمرد على الواقع‪ ،‬فروحه حرة تغادر الداخل المقيت‪ ،‬الضيق‪ ،‬المغلق‪ ،‬نحو الخارج الرحب‪،‬‬ ‫الفسيح‪ ،‬الذى يتنفس بالحرية ‪ .‬يؤرخ سمير عبد الباقى للمنصورة كما فعل من قبل فؤاد حجازى فى ثلثية السيرة‬ ‫الذاتية \" أو ارق ادبية\" \"م الدار للنار\" \"قرون الخروب\" ورفعت السعيد فى \"مجرد ذكريات\" فقد قدم كلهما وثائق‬ ‫هام ة ع ن تاري خ المنصورة بمكتباته ا وسينماتها ومس ارحها وحدائقها وشوارعها القديم ة التى اختف ت من الوجود‪،‬‬ ‫لكنها لتزال حاضرة فى كتابات مبدعيها‪ ،‬وأضاف لها الكاتب جزئية جديدة ومختلفة ‪:‬سجن المنصورة‪.‬‬

‫‪30‬‬ ‫ويقدم لنا الكاتب يجانب الرغو التقليدى الخاص بالسجن والمساجين نماذج بشرية لشخصيات عديدة‪ ،‬و‬ ‫الغريب أن الكاتب يشفق على جلديه‪ ،‬وكأنه مسيح جديد يصرخ أا كحُبوا أا ‪،‬عادا اء طك ‪،‬م‪ ،‬أا ‪،‬ح كسطنوا إكلا ى طم‪،‬بكغ كض ي طك ‪،‬م‪ ،‬اب اكرطكوا‬ ‫لا كعكني طك ‪،‬م‪ ،‬او اصلُوا لا ‪،‬جكل الَكذي ان يط كسيطئو ان إكلا‪،‬ي طك ‪،‬م‪ .‬فهو يشفق على السجانة كما يشفق على المساجين غي ر السياسيين‪،‬‬ ‫وي رى الجريم ة نوع ا م ن الحتج اج عل ى قس وة وظل م سياس ى ومجتمع ى‪ .‬يتح دث ع ن ظروفه م النس انية الخانق ة‬ ‫خ ارج الس جن وداخل ه‪ ،‬ب ل يمك ن الق ول إن ال ق د أحس ن بالمس اجين حي ن دخ ل الش يوعيون المعتقلت‪ ،‬فالبط ل‬ ‫يحاول تعليم السجانة ل مبادىء الق ارءة والحساب بل بعض المبادىء النسانية‪ ،‬ويقوده ذلك نحو اكتشاف غريب‬ ‫\"كي ف يصبح الجلد أك ثر خوف اًاً م ن الض حية وكي ف ت ثير الض حية المس جونة المعذب ة رعب ه المتواص ل‪ .‬وأحيان ا‬ ‫يح اول البط ل مس اعدتهم ف ى اكتش اف الع الم وخلخل ة فكرته م ال ازئف ة عن ه‪ ،‬واس تعادة وعيه م ال ذى غيبت ه الس لطة‪.‬‬ ‫فالشيوعيون وطنيون وليسوا خونة أو كفا اًراً‪.‬‬ ‫والكاتب يرصد نماذج انسانية مختلفة تتسم رغم جرمها بنوع من النبل‪ ،‬فهناك الفلح الشاب الذى يتن ازل‬ ‫له عن الحذاء الوحيد الذى يمتلكه‪ .‬وهناك شخصيات كانت الجريمة عندها وسيلة ل غاية لرفض القمع والظلم‪،‬‬ ‫وشخصيات أخرى مثل المعلم كرم الحشاش الذى يجادله البطل بالتى هى أحسن فيغير من وعيه‪ ،‬لدرجة أن يقسم‬ ‫أل يأكل وحوله جوعان ويرسل له زوجته بزيارة \"معتبرة\" ‪ .‬هذا غير شخصيات لتخلو من خفة الدم‪ .‬وتؤكد على‬ ‫التواصل النسانى مع الخر سواء المختلف عنه فى العقيدة مثل الضابط المسيحى \"ميخائيل\" أو فى اليدولوجيا‬ ‫مثل الخ \"كمال\" المعتقلاللخوانى‪.‬‬ ‫وهناك ثلث شخصيات متطورة‪ :‬شخصية الريدى مأمور السجن‪ ،‬الذى كان لحسن حظ البطل\" تلميًذا‬ ‫بمدرسة جديدة ستحتل مكان مدرسة البطش الف ج المباش ر ال تي ك انت تم ارس الحك م ف ي نف س الف ترة ف ي أب و‬ ‫زعبل و الواحات\" حيث يقدمها الكاتب بحيادية فليس كل مسئول عن سجن أو صاحب سلطة هو مختل وظالم‬ ‫ومريض نفسيا‪ ،‬يقدم لنا الكاتب رجلً اتبع اسلوباًاً حازماًاً فى ادارة السجن‪ ،‬أسلوب لم يخل من انسانية وذك اء‬ ‫مستغلًلً روح القانون‪ ،‬لنه يعرف أن تصرفاته هو الخر مراقبة‪.‬‬ ‫الشخص ية الثاني ة وه ى شخص ية د ارمي ة بامتي از شخصية الرس ام عزي ز وه ى شخص ية متطورة ب ل تل ح‬ ‫وحدها كرواية كاملة منفصلة‪ .‬وكان الكاتب جريئا فى عرضها‪ ،‬هو المسلم‪ ،‬فما ارتكبه المسلمون ضد عزيز شىء‬ ‫بشع بكل تأكيد‪ ،‬وليس فى تصرفاتهم علقة بالسلم‪ .‬ذلك الفنان الجميل الذى جنت عليه قصة حب ‪ ،‬وهى‬ ‫واح دة م ن أع ذب قص ص الح ب وأعنفه ا ف ى الدب العرب ى‪ ،‬ول يع انى عزي ز فق ط م ن حب ه المس تحيل والس جن‬ ‫والتع ذيب والض طهاد لكن ه يص بح فريس ة للس جانة والمس اجين‪ ،‬فيري دون انته اكه جنس يا‪ ،‬وق د ح دث ذل ك ف دمر‬ ‫نفسيته‪ ،‬وعندما كاد أن يشفى من تلك الج ارح النفسية عمقتها محاولة اعتداء جديدة ‪ ،‬ويموت عزيز منتح اًر وقد‬ ‫وصمنا جميعا‪.‬‬ ‫أما الشخصية الخيرة فهى شخصية \"أبو العينين\" ذلك المحتال الذكى المثقف‪ ،‬الحكاء الذى ليجاريه‬ ‫أح د ف ى حكاي اته ع ن الخي ر والش ر‪ ،‬ال ذى يجي د ق اموس المثقفي ن والمنحرفي ن والش عبيين‪ ،‬ويع رف كي ف يص ادق‬ ‫الحرس والمساجين مستغل مكره وحصافته فى التقرب من الجميع‪ ،‬ويشارك مع البطل فى محاولة تطوير السجن‬ ‫وتنظيم نشاط إنسانى أو رياضى ‪ .‬أبو العينين هو المؤهل لسبر أغوار شخصية عزيز وكشف السر الذى ج اء ب ه‬ ‫إلى السجن ودمر حياته‪ ،‬يستطيع أبو العينين أن يكتسب ثقة عزيز فيبوح له بما لم يحدث به أحد‪ ،‬لكن الول‬

‫‪31‬‬ ‫يس تغل ذل ك ف ى محاول ة إقام ة علق ة ش اذة م ع عزي ز مس تغل ض عفه وهشاش ته‪ ،‬فيك اد يك ون ه و ال ذى ج دل‬ ‫النشوطة التى يتخلص بها عزيز من عاره وفضيحته‪.‬‬ ‫أما حديث الكاتب عن أسرته فلم يلجأ فيه لت ارجيديا الموقف‪ ،‬ورغم خطاب الب المؤثر الذى يتهم فيه‬ ‫البطل بتسببه بقتل أخيه الرضيع وارتكاب الكبائر وتلويث سمعة العائلة‪ ،‬لم يفرد الكاتب له مساحة كبيرة ولم يسقط‬ ‫فى ش ارك رومانسية شجنية أو شروحات تبريرية‪ ،‬والموقفالثانى لللب حين رفض ابنه التوقيع على إق ارر بعدم‬ ‫ممارسة السياسة يأتى عرضاًاً‪ ،‬دون أن يسوق مناظ ارت بين الب المكلوم والبن الذى سيتقمص شخص ية الش هيد‬ ‫أو على القل القديس‪.‬‬ ‫وبصفة عامة لم يلجأ الك اتب لستجداء القارىء‪ ،‬وادع اء بطولت ازئفة‪ ،‬فلنجد مشاهد تع ذيب عنيفة‬ ‫تشبه من قريب أو بعيد ما تعرض له الرفاق فى السجن الحربى أو أبى زعبل‪ .‬يعترف أيضا أن استخدامه العنف‬ ‫م رة ض د أح د المس اجين غي ر السياس يين ك ان تص رفاً همجي اً‪ ،‬يعت ذر عن ه ل عل ى مس توى الن ص فق ط ب ل عل ى‬ ‫مستوى الواقع‪ .‬هناك إلحاح وتأكيد أن البطولة كانت لخرين ل يذكرهم تاريخ الحركة الوطنية مثل العامل البسيط‬ ‫\"نجاتى عبد المجيد\" وكذلك لشهداء اليسار المصرى مثل الشهيد \"شهدى عطية الشافعى\"‪ .‬ورغم اغ ارء السرد ورغ م‬ ‫أن القصة قد تم المبالغة فى تأويلها إل أن الكاتب يحاول قدر المكان الت ازم الصدق‪ ،‬فواقعة اسقاطه كاب أحد‬ ‫ل واءات الداخلي ة ال تى \"طارت على أجنح ة الخي ال الش عبى لتص بح ف ى مي ت سلس يل قص ة ت روى ع ن اب ن عب د‬ ‫الباقى وكيف مرمط باللواء الرض\" رواها كما حدثت دون ادعاء للبطولة‪.‬‬ ‫ومع تطور النص وتقدم الشريط السردى للمام‪ ،‬تتبلور فى الذهن فكرة غريبة‪ ،‬لكنها حقيقية بكل أسف‪،‬‬ ‫كيف يمكن لنسان أن يألف السجن‪ ،‬فيكاد البطل يبكى عندما يفكر أنه سيغادره‪ .‬إن فكرة تحطيم ا اردة النسان‬ ‫الح رة واس تم ارءه للحب س ش ىء بش ع بك ل تأكي د‪ .‬ه ل نعزوه ا لللف ة م ع المك ان الخ انق الق ابض عل ى غ ارر ق ول‬ ‫الشاعر \"وقد يؤلف الشىء الذى ليس بالحسن\"؟ أم أن البطل قد أثر فى المكان وأضفى عليه نوعا من الجمال‬ ‫النسانى فارتبط به‪ ،‬ناهيك عن ارتباط المصرى بمن يقاسمه الخبز والملح‪ .‬أم هو الخوف من مواجهة الحرية مرة‬ ‫أخرى‪ ،‬صحيح أن تجربة السجن تمنحه الصلبة فيحاول تجميل ذلك الواقع بتحسين الطعام‪ ،‬بالق ارءة‪ ،‬بممارسة‬ ‫الرياضة بعمل معارض فنية‪ .‬لكن يتبنى النصتأويلً لً آخر وهو أن السجن كان مجتمعا ضيقا‪ ،‬لم تستطع اللة‬ ‫العلمية أن تؤثر فيه‪ ،‬فجاء البطل وكأنه أحد المبشرين بانتصار البروليتاريا القادم‪ ،‬ووجد فى السجن ضالته‬ ‫واكتسب أتباعا جدد‪ ،‬فعالم السجن لم يكن به مستفيدون من السلطة بل ضحاياها الذين أمسوا أطوع من غيرهم‬ ‫فى التأثير عليهم‪.‬‬ ‫ويمثل جسد الم أرة واحة أخرى للهروب من الجو القابض للسجن حيث يتذكر علقاته النسائية‪ ،‬والحق‬ ‫أنه ا علق ات بريئ ة ف ى معظمه ا‪ ،‬ل م تتع د لمسة ي د أو قبل ة ف ى الحل م‪ ،‬وأحيان اًاً يتح رج م ن ذك ر التفاصيل مثلم ا‬ ‫حدث فى تناوله للعلقة مع ابنة خالته‪ .‬وعلى عكس مذك ارت وكتابات السجون نجد أن الرواية‪/‬السيرة تفسح مكانا‬ ‫للم أرة وللعلق ات الرومانس ية خ ارج الس جن‪ ،‬وقلم ا نج د ذل ك ف ى العم ال ال تى تح دثت ع ن تجرب ة الس جن‪ .‬ولن‬ ‫العالم كوميديا لمن يفكرون ومأساة لمن يشعرون‪ .‬لم يكن السجن حدثاَاَ مأسوياًاً دائماً ‪.‬‬ ‫اللفت للنظر أنه الكاتب لم يحدثنا كيف أثرت فترة السجن على نتاجه الشعرى‪ ،‬فلم يخبرنا ببيت واحد‬ ‫من الشعر كتبه فى السجن‪ ،‬وكيف قاوم السجن بالفن وهو أحد آليات المقاومة‪ .‬لم يق أر قصيدة واحدة من شعره أو‬

‫‪32‬‬ ‫من شعر غيره على الزملء‪ .‬لكنه رغم ذلك كان حريصاً على تسجيل عدد من الحكايات الشعبية التى سمعها م ن‬ ‫المساجين‪.‬‬ ‫والفص ول متف اوته ف ى طوله ا النس بى‪ ،‬ولكنه ا أحيان ا تغ رق ف ى التفاص يل لدرج ة اع ت ارف الك اتب نفس ه‬ ‫بذلك على لسان أحد الكوادر الحزبية‪ ،‬فيقول وكأنه لسان حال القارىء \"أعفنا من حبل التفاصيل\"‪ .‬هناك أج ازء‬ ‫يمك ن اختص ارها إذ م الت للط ابع المق الى مث ل ح ديثه ع ن الش اعر والق انونى الفرنس ى لبويس يه ‪La Boétie‬‬ ‫ومقاله عن العبودية المختارة ‪ Discours de la servitude volontaire‬لقدزعموا أن لبويسيه قد كتب هذا‬ ‫المقال فى سن الثامنة عشر‪ ،‬والصحيح أنه كان فى الثانية والعشرين من عمره إبان د ارسته فى الجامعة‪ ،‬وهو سن‬ ‫قري ب من سن الكاتب فى مرحلة السجن‪ ،‬وصحيح أن معدة الكاتب الفكرية قد شكلها بك ل تأكي د كتابات كثيرة‬ ‫ومتنوعة‪ ،‬إل أنه حين ق أر القرآن والل نجيل وكتابات سيد قطب‪ ،‬لم يحدثنا عن الدياليكتيك الذى حدث بينه وبين‬ ‫النص وص‪ ،‬أس وة بم ا ح دث م ع نصلبويسيه‪ ،‬فأفك ار الخي ر والع دل ه ى أس اس الكتاب ات المقدس ة ‪ ،‬ك ان يمك ن‬ ‫لتفاعله مع تلك الق ارءات اث ارء النص‪ ،‬وحينها يصبح الحديث عن العدل الجتماعى ذا مرجعية دينية تمنح قض يته‬ ‫مصداقية أكثر لدى قطاع عريض من الق ارء‪.‬‬ ‫وهن اك تركي ز عل ى المش ترك النس انى‪ ،‬يتجل ى ذل ك ف ى علقت ه بشخص ية كم ال الخ وانى ال ذى يمث ل‬ ‫النقيض اليمينى حيث كان الحوار فى معظمه عن نقاط التفاق ل الختلف‪ ،‬واعت ارف الكاتب رغم ذلك بوجود‬ ‫بمناطق محظورة كانا يحجمان عنها‪.‬‬ ‫المكان الخانق مكان السجن والعزلة يجعله يفر إلى مكان آخر باستخدام تقنية الحلم‪ ،‬أو استدعاء أحلم‬ ‫اليقظة والفلش باك فيخرج إلى البحر‪ ،‬وغيطان قريته‪ .‬والزمان فى حالة سيولة حيث يقوم الفلش باك والتداعى‬ ‫الحر والمونولوج الداخلى معظم الوقت باستدعاء زمن آخر مستعاد هو زمن الحرية‪ ،‬زمن الحب‪ ،‬زمن الب ارءة‪ ،‬ول‬ ‫تحدث الستباقات إل ناد اًراً فى محاولة لتقريب السيرة من الرواية )التقليدية على القل( ‪ .‬وينهى الكاتب نصه‬ ‫بوعد بالعودة للحديث عن سجون أخرى مثل )الواحات( و)عَزب الفيوم( و)مزرعة طرة( و)الستئناف( لكن ذلك لم‬ ‫يحدث‪.‬‬

‫‪33‬‬ ‫جدلية النا والذات‬ ‫فى موال الصبا فى المشيب‬ ‫ف ى روايت ه الس يرة الخي رة موال الصبا ف ى المش يب يع ود س مير عب د الب اقى ل ذكريات طف ولته‪ ،‬والعن وان‬ ‫الفرعى رواية قد تكتمل غدا ليوحى بانتظار جزء آخر بقدر مايوحى بإحساس الكاتب باقت ارب الجل‪ \" .‬موال‬ ‫الصبا فى المشيب\" هى ثالثة الثافى‪ ،‬بها يكتمل الثالوث وبها أيضا يمكن فهم عمليه السابقين والربط بينهما‪.‬‬ ‫وعكس ال ارويتين السابقتين يظهر سمير عبد الباقى بصورته على الغلف‪ ،‬فى إشارة أن هذا العمل‬ ‫أق رب للس يرة التقليدي ة حي ث يس رد علين ا س يرة حي اته م ن المنب ع ح تى المص ب‪ ،‬م ن لحظ ة الميلد ح تى اللحظ ة‬ ‫ال ارهنة‪ ،‬أقصد لحظة التلقى‪ .‬أى أنه أقرب نصوصه للسيرة الذاتية الصريحة التى تتمرد كثي ار على الشكل التقلي دى‬ ‫وتروى حياة الكاتب بنفس السمات السلوبية ‪.‬‬ ‫ولكن يتوق ف النص أكثر م ن مرة متوسلً بأسلوب التداعى الحر أو المونولوج الداخلى ويظل هن اك‬ ‫نفس اللحاح على تفسير علقات بعينه ا‪ .‬وفى رحلة البحث عن الذات تبدو الم ارجعات أكثر وأطول‪ ،‬كما أن‬ ‫المس احة الزمني ة الممت دة جعل ت الشخص يات غي ر فاعل ة روائي اً‪ ،‬ولكنه ا ك انت مج رد علم ات ف ى طري ق البط ل‬ ‫وتكتسب أهميتها من سياق عام أكبر‪ .‬الوقفات المستمرة التى تصور مشكلة الكاتب فى الستم ارر فى الكتابة‪،‬‬ ‫بسبب الي أس والواق ع المحب ط ‪،‬والحديث عن الذات الخ رى التى تتجل ى فيه ا فك رة \"الك ا و \"الب ا\" ل دى المص ريين‬ ‫القدامى‪ ،‬جاءت كلها لتؤكد على الطابع التأملى لتلك السيرة‪.‬‬ ‫الفصل الول \"ولكن أنفسهم\" يظلمون\" هو بمثابة اعتذار من الك اتب لشخصيات يعرفه ا من الطفولة‪،‬‬ ‫ورغم اعت ارفه بارتكاب سرقات طفولية صغيرة إل إنه ل يثقل قلبه سوى تلك الفكار السياسية التى بشر وأقنع به ا‬ ‫البسطاء وأولهم أخته‪ ،‬ومع اقت ارب الجل‪ ،‬وتغير الواقع الذى جعل من ثوار المس أسما ًء ًء فى كشوف العملء‪،‬‬ ‫وبعد أن باع الكثيرون مبادئهم للحصول على نصيب من الكعكة أو منحة تفرغ‪ ،‬يصبح نشره تلك الفكار أشد‬ ‫الخيان ات ال تى ارتكبه ا ض دهم‪ ،‬ل ول أنن ا لنص دقهولنعد ذل ك اعت ارف ا بق در م اهو ن وع م ن الس خرية المري رة ال تى‬ ‫تميزت بها كتابات سمير عبد الباقى‪.‬‬ ‫يتناول سمير عبد الباقى الكثير من م ارحل طفولته حيث يحدثنا عن قرية \"ميت سلسيل\"‪ ،‬المكان الذى‬ ‫شهد م ارتع طفولته وعن اصدقاء الطفولة وع الم المدرسة‪ .‬النص يرص د أيض ا تلك التحولت التى شهدها ريف‬ ‫مصر ماقبل ثورة يوليو‪ ،‬وص ارعات سياسية مثل أفول أو صعود حزب الوفد وقضايا النتخابات وتاريخ الخوان‬ ‫المسلمين وممارساتهم فى الريف‪.‬‬ ‫يحدثنا أيضا عن الق ارءات التى أثرت فى وجدانه ولعل أهمها كتاب \"المعذبون فى الرض \" الذى أثر‬ ‫على مستقبله وجعله ينحاز للفق ارء والفلحين والعمال والمهمشين وكون وعيه اليسارى بكفاح الطبقة العاملة‪.‬‬ ‫يتناول سمير عبد الباقى أيضا علقته المركبة بأبيه ذلك المدرس البسيط الذى بذل جهد النبياء هو‬ ‫وأم ه ف ى تعلي م أولده والحف اظ عل ى مكان ة اجتماعي ة مناس بة رغ م ارتب ه المتواض ع‪ ،‬وص حيح أن الب ه و رم ز‬ ‫للبطريركية لكن سمير عبد الباقى فى م ارجعاته الخيره يكتشف كيف أحبه ذلك الرجل ‪ ،‬فرغم أنه لم يقبله يوماً‬

‫‪34‬‬ ‫ولم يقل له كلمة حب واحده‪ ،‬لكنه كان دائماً مهموماً بالسرة‪ ،‬وما جهوده من أجل تطوير وتعديل البيت إل خير‬ ‫دليل على سعيه المتواصل فى الحياة‪ ،‬ذلك الب الذى فقد اثنين من أبنائه‪ ،‬كان طبيعياً أن يفرض سياجاً قوياً من‬ ‫الحماية البوية على ولده لدرجة أنه كان يوقع اسمه بالقلم الكوبيا على فخذه ليعلم هل نزل مياه الترعة أم ل‪،‬‬ ‫وكل هذا خوفا عليه من الغرق أول والصابة بالبلهارسيا ثانيا‪ ،‬وتتجلى المشاعر الحقيقية للب عندما ظن أن ابنه‬ ‫قد أصيب بمرض الكلب فيسافر به إلى السكندرية لعرضه على طبيب وهو فى أشد حالت القلق‪.‬‬ ‫أما الحديث عن أمه فقد ارح يستكمل ماكتبه عنها فى \" ول هم يحزنون\"‪\" .‬علية\" تلك الست التى تزوجت‬ ‫فلح اً فأض اءت لي اليه الفقي رة بالجم ال‪ ،‬وبأش عار \"أب و بثين ة\"‪ ،‬وعش ارت الحكاي ات‪ ،‬وكي ف ب ذلت جه داً ف ى تربي ة‬ ‫البن اء نوادارة ش ئون المن زل لتجعله م م ن وجه اء القري ة‪ ،‬ولين ى الك اتب يح دثنا ع ن خناقاته ا م ع الج دة بحك م أن‬ ‫الحماة كانت تريد لبنها واحدة من بنات العائلة‪ ،‬لكن ذلك المبرر ليخفى العداء التقليدى ‪.‬‬ ‫ويحدثنا عن قصة حب مع زميلته فى المدرسة التى اختطفها الموت‪ ،‬وعلقاته بالنساء مثل حكايات‬ ‫زهزهان الفاتنة التى يمارس عليها أخوها أشد أنواع القمع الذكورى ويجلدها لمجرد خروجها من الدار‪ ،‬أو نرجس‬ ‫تلك النثى الجميلة الفائرة التى ألقاها حظها العاثر فى طريق رجل عنين‪ ،‬وأسرة شرسة‪ ،‬تريدها خادمة ل سيدة‬ ‫للدار‪ ،‬وكيف أشرفت على السقوط لكنها تستطيع كبح جماح نفسها فى اللحظات الخيرة‪ .‬وكيف لتعدم الم أرة‬ ‫الحيلة أبداً فى الدفاع عن نفسها وشرفها‪ .‬والثنى فى النص ‪ -‬رغم حديثه المبهم عن علقات جنسية أقامها‪-‬‬ ‫ليست مجرد لعبة جنسية‪ ،‬بل كائن شديد الرقة والحساسية والذكاء‪ ،‬وبحكم تكوينه الريفى لم يفضح واحدة على‬ ‫سطور روايت ه‪ .‬حتى ام أرة القطار التى م ارس معه ا بعض اللمسات الجنس ية المس روقة ولم تح رك ساكناً‪ ،‬يب دو‬ ‫سكوتها مغلف اً بش فقة أمومي ة‪ ،‬أك ثر م ن كونه استم ار ًء أو استمتاعاً ب الموقف‪ ،‬فه ى ل م ترغ ب ف ى فض ح الم اره ق‬ ‫الصغير‪.‬‬ ‫وينتق ل بن ا الح ديث للقط ا ارت والس ينما وكي ف ش كل ك ل منهم ا ع الم جدي داً‪ ،‬يحمل ه بعي دا ع ن \"مي ت‬ ‫سلسيل\"‪ ،‬الولى نحو المدينة حيث التعليم والثقافة والمدن الجديدة والبحر‪ ،‬والثانية نحو مدن البهجة والخيال ‪.‬‬ ‫ويروى لنا قصة حب مستحيلة بينه هو المسلم وجوزفين المسيحية وكيف أنه لم يقم معها أية علقة‬ ‫جنسية‪ ،‬ورغم ذلك لم تقبله بريفيته‪ ،‬وكيف خانه الرفاق اليساريون وكيف خانت هى أفكارها وتزوجت من غيره‪.‬‬ ‫ولع سمير عبد الباقى بالبيوت أسلمه للحديث م ار اًر وتك ار اًر عن بيت السرة ‪ ،‬وكأنه أحد شع ارء الطلل‬ ‫وذلك الولع والتقديس ماكان له أن يستمر بسبب تغير الظروف القتصادية والمجتمعية‪.‬‬ ‫أهم ماجاء فى عمله الخير هو الدياليكتيك المستمر بين النا والذات‪ .‬تلك الذات التى شكلت وعيه‬ ‫وتمردت‪ ،‬وتلك النا المروضة التى استمرت فى الحياة أو لنقل فى الموت‪ ،‬إل أن تلك الذات التى تلوث صفاء‬ ‫نفس ه‪ ،‬ه ى ذاته ا وق ود الكتاب ة‪ ،‬وتظ ل ف ى ت وجيه التهام ات ل ه ولليس اريين ال ذين ب اعوا القض ية ورفع وا اري ات‬ ‫النكسار‪.‬‬ ‫وحي اة س مير عب د الب اقى كله ا يفس رها ‪ -‬كم ا تفس ر ه ى‪ -‬التح ولت ال تى أح دثتها ث ورة يولي و‪ ،‬وق ار ارت‬ ‫الستينيات ومعتقلتها‪ ،‬وأيام النفتاح الساداتى ثم النبطاح المباركى ‪ ،‬فيتحول النص فى نصفه الثانى لمحاولت‬ ‫يائسة فى الهروب من الموت الكلينيكى‪ ،‬وم اروغة الموت بالبحث عما يستحق الكتابة والتسجيل‪.‬‬

‫‪35‬‬ ‫هذا غير رحلته مع المرض سواء مرض زوجته أو مرضه هو حين تهاجمه الشيخوخة وقذا ارت الواقع‬ ‫التى تجثم على صدره وصدر الوطن‪ ،‬وتمنع كل فنان من انتاج فن حقيقى‪ ،‬حتى يصل إلى لحظة ثورة يناير‬ ‫مفس اًر صعود نجم التيار الدينى بأن اليسار قد ترك الساحة مبك اًر فلم تجد الجماهير من يحمل ال ارية‪ ،‬فى الوقت‬ ‫الذى كان السلميين فيه متأهبين لتلك اللحظة‪.‬‬ ‫\"م ايهم الرحل ة ولي س الوص ول\" هك ذا يكت ب لن ا س مير عب د الب اقى رحلت ه مس قطا منه ا خم س س نوات‬ ‫العتقال‪ ،‬بحكم أنه قد خصص لها روايته السيرية السابقة \"زمن الزنازين\"‪.‬‬ ‫الفصل الثانى‬ ‫مفهوم المكان في السيرة الذاتية‪:‬‬ ‫\"إن ق ارءة رواية هى رحلة فى عالم يختلف عن العالم الذى يعيش فيه القارئ فمنذ اللحظة الولى التى‬ ‫يفتح فيها القارئ الكتاب ينتقل إلى عالم خيالى من صنع كلمات الروائى‪ ،‬ويقع هذا العالم فى مناطق مغايرة للواقع‬ ‫المكانى المباشر الذى يتواجد فيه القارئ‪\".‬‬ ‫ميشيل بوتور‬ ‫المكان هو المكان اللفظي »المتخيل« أي المكان الذي صنعته اللغة انصياعاً لغ ارض التخيل الروائ ي‪.‬‬ ‫فالنص الروائي يخلق عن طريق الكلمات مكاناً خيالياً له مقوماته الخاصة وأبعاده المميزة‪ .‬وترى سي از القاسم أن‬ ‫المكان في الرواية قائم في خيال المتلقي وليس في العالم الخارجي‪ ،‬وهو مكان تستثيره اللغة من خلل قدرتها‬ ‫عل ى اليح اء‪ ،‬ول ذلك فم ن الض رورى أن نف رق بي ن المك ان الخ ارجي‪ /‬الحقيق ى والمك ان ف ي الع الم الروائ ي‪ .‬له ذا‬ ‫فإن مدينة المنصورة مثل في ثلثية سمير عبد الباقى ليست هى منصورة \"فؤاد حجازى\" أو \"رفعت السعيد\" لن‬ ‫ما يجعل المكان مختلفا هو المنظور‪ ،‬وهو مصطلح مستمد من الفنون التشكيلية وخاصة فن الرسم‪ ،‬إذ يتحدد‬ ‫شكل أى جسم تقع عليه العين والصورة التى تتلقاه بها على الوضع الذى ينظر منه ال ارئى إليه‪ .53‬من الذي ينظ ر‬ ‫إل ى المشهد ؟ ت رى هل هو ال اروي أم الشخصية الروائي ة؟ وف ي الح التين كم ا يق رر جيني ت نج د أن الذي يصف‬ ‫المشهد هو دائما شخصية روائية حتى نوان كان هو السارد‪ .‬وهذا بدوره يقودنا إلى بؤرة الوعي الذي يدرك ويعي‬ ‫المش هد‪ ..‬وهن ا نج د أنفس نا أم ام إش كال تقن ي حقيق ي ه و ذل ك الخل ط بي ن الص وت والص يغة‪ ..‬ه ل الص وت ه و‬ ‫صوت المؤلف »السارد«؟ أم هو صوت الشخصية الروائية؟‬ ‫وناذا عدنا إلى »تزفيتان تودوروف«‪ ،‬نجده يحل الشكال بالحالة إلى أقوال باختين في كتابه »شعرية‬ ‫دوستويفسكي« إذ يفرق باختين بين الصوت والصيغة قائلً‪ :‬ويكون للحياة معنى وتصبح بالتالي مقوماً ممكناً في‬ ‫البناء الجمالي فقط إذا نظر إليها من الخارج »المنظور« ككل‪ .‬إذ ينبغي ان تكون محاطة بالكامل بأفق شخص‬ ‫آخر‪ .‬وبالنسبة للشخصية التخيلية »الروائية« هذا الشخص هو المؤلف بالطبع وهذا ما يسميه باختين التخارج‪.‬‬ ‫إن الخل ق الجم الي ه و نم وذج مكتم ل لنم ط م ن العلق ة النس انية‪ :‬ذاك ال ذي يحي ط في ه أح د الشخص ين الخ ر‬ ‫بشكل كامل وهو بذلك يكمله ويحييه‪ .‬إنها علقة غير متناسقة من خارجية وفوقية‪.‬‬ ‫‪ 53‬سيزا قاسم‬

‫‪36‬‬ ‫ولهذا يخلص باختين إلى أن المؤلف ليس له امتياز على بطله فحقوقهما متساوية‪ ،‬ويضيف قائلً‪ :‬إن‬ ‫آ ارء دوستويفس كي »المفك ر« عن دما ت دخل رواي اته المتع ددة الص وات تنخ رط ف ي ح وار ك بير م ع آ ارء وأص وات‬ ‫الشخصيات الخرى‪ .‬ولهذا يصبح منظور المكان السردي الروائي ملوناً بهذا الحوار وهذا الجدل‪ ،‬ومن ثم يختلف‬ ‫تقني اً المك ان الواح د ف ي الرواي ة حس ب الشخص ية ال تي تتكل م ع ن نف س المك ان‪ .‬كم ا يظ ل الن اظر »الس ارد« أو‬ ‫الشخصية الروائية التي تصور المشهد عبر صوتها ليست هي المؤلف الحقيقي‪ ،‬ولكنها المؤلف المفترض‪.‬‬ ‫ولي س معن ى ه ذا أن الشخص ية تس كن ذاته ا م ن دون م ارع اة للواق ع الخ ارجي‪ ،‬ولكنه ا تنظ ر إل ى ه ذا‬ ‫الواقع وفق ثقافتها ومكوناتها‪ ،‬بل أيضا وفق حالتها النفسية‪ ،‬ومن هنا تأتي موضوعية رؤيتها ونسبيتها في ذات‬ ‫الوقت‪ .‬إذن تحاول كل رواية تطبيع المك ان بناء على الرؤية الخاصة ب النص‪ .‬وكم ا يقول البح اروي إن المك ان‬ ‫الروائي ليس مجرد ديكور بل هو الفضاء الذي يضم شبكة علقات شديدة التعقيد من وجهات نظر شخصيات‬ ‫المكان »الرواية« وللمادة الحكائية‪ ،‬فهو مكون روائي أساسي‪ .‬ولهذا‪ ،‬نجد أن الوصف الروائي ي ارعي إيقاع كل‬ ‫هذه العناصر‪.‬‬ ‫وللمكان بكل تأكيد حضور فاعل في حياة كل منا‪ ،‬فهو الذي يثير فينا \"إحساساً ما بالمواطنة نواحساساً‬ ‫آخ ر ب الزمن وبالمحلي ة‪ .‬وعلق ة النس ان بالمك ان علق ة جدلي ة تتش كل م ن خلل عملي ة الت أثر والت أثير‪ ،‬لن‬ ‫النس ان \"ل يحت اج فق ط إل ى مس احة فيزيقي ة جغ ارفي ة يعي ش فيه ا‪ ،‬ولكن ه يص بو إل ى رقع ة يض رب فيه ا بج ذوره‬ ‫وتتأصل فيها هويته‪ ،‬ومن ثم يأخذ البحث عن الكيان والهوية شكل الفعل على المكان لتحويله إلى مرآة ترى فيها‬ ‫)النا( صورته‪ ،‬فاختيار المكان وتهيئته يمثلن جزءاً في بناء الشخصية البشرية‪ :‬فالذات البشرية ل تكتمل داخل‬ ‫ح دود ذاته ا‪ ،‬ولكنه ا تنبس ط خ ارج ه ذه الح دود لتص بغ ك جل م ا حوله ا بص بغتها‪ ،‬وتس قط عل ى المك ان قيمته ا‬ ‫الحضارية\")‪.(54‬‬ ‫الخصائص المشتركة للمكان وصفاته‪55 :‬‬ ‫‪ - 1‬التواصل ‪ :‬بمعنى أنه يمكن تجزئة المكان إلى أقسام ‪.‬‬ ‫‪ - 2‬التعدد البعدي ‪ ) :‬الطول والعرض والرتفاع (‪.‬‬ ‫‪ – 3‬التصال‪ :‬بمعنى أنه ل توجد منطقة أو مكان منعزل في العالم ‪.‬‬ ‫‪ - 4‬التجاه ‪ :‬ويختل ف ب اختلف الفئ ة ال تي تتعام ل م ع المك ان مث ل‪ :‬الفلس فة والمهندس ين والنس ان‬ ‫العادي والروائي‪.‬‬ ‫مفهوم المكان في القصة ‪56:‬‬ ‫‪ -1‬المكان القصصي ‪ :‬وهو المكان اللفظى الذي تصنعه اللغة لخدمة التخيل القصصي ‪.‬‬ ‫‪ - 2‬الفضاء ‪ :‬وهو مجموعة المكنة في القصة نواطارها المتحرك ‪.‬‬ ‫)( مشكلة المكان الفني‪ ،‬يوري لوتمان‪ ،‬ترجمة وتقديمة‪ :‬سي ار قاسم‪ ،‬مجلة ألف‪ ،‬العدد ‪ -6‬لسنة ‪.83 :1986‬‬ ‫‪54‬‬ ‫س ديفيز \"المفهوم الحديث للمكان والزمان هيئة الكتاب ص ‪12‬‬ ‫‪55‬‬ ‫‪56‬‬ ‫سمر روحي الفيصل \"بناء الرواية العربية السورية\" اتحاد الكتاب العرب‬

‫‪37‬‬ ‫‪ - 3‬الفض اء الجغ ارف ي ‪ :‬وه و مك ان ينتج ه الحك ي وه و مح دود جغ ارفي ا ‪ ،‬قاب ل للد ارك ‪ ،‬يتح رك في ه‬ ‫البطال ‪.‬‬ ‫‪ - 4‬الفضاء الدللي ‪ :‬وهو الصورة التي تخلقها لغة الحكي ‪.‬‬ ‫‪ - 5‬الفضاء النصي ‪ :‬وهو الفضاء المكاني الذي تشغله الكتابة على الورق‪.‬‬ ‫عل ى ه ذا يش كل المك ان ف ي الن ص الس يرذاتي أح د الرك ان الرئيس ية ال تي تق وم عليه ا العملي ة الس ردية‬ ‫حدثاً‪ ،‬وشخصيةً‪ ،‬وزمناً فهو الشاشة المشهدية العاكسة والمجسدة لحركته وفاعليته)‪ .(57‬ولكن هذه المركزية التي‬ ‫يتمت ع به ا المك ان ل تعن ي تف وقه أو تمي زه عل ى بقي ة المكون ات الس ردية الخ رى‪ ،‬نوانم ا تنج م ف ي الس اس ع ن‬ ‫الوظيفة التأطيري ة والديكورية التي يؤديها المكان)‪ .(58‬فالحساس بالمكان ل يختلف عن الحساس بالزمن \"ذلك‬ ‫بمقتضى الت اربط والتشارط العضوي بين الفضائين من جهة‪ ،‬وبمقتضى وحدة الرؤية المؤسسة لها من جهة ثانية‪،‬‬ ‫وبمقتضى المضمون القصصي للمرحلة من جهة ثالثة\")‪.(59‬‬ ‫ول يختل ف الم ر ك ثي اًر ف ي علق ة المك ان بالشخص ية أي النس ان وت أتى أهمي ة ه ذه العلق ة م ن ك ون‬ ‫المكان يشكل الطار الحركي لفعال الشخصيات‪ ،‬فضلً عن وظيفته في تفسير صفات الشخصيات وطبائعها‬ ‫عندما تعكس مواقفها وسلوكها‪ ،‬ويوضح معالمها الداخلية والخارجية)‪ ،(60‬فالبيت مثلً امتداد للنسان فإذا وصفت‬ ‫البيت فقد وصفت النسان)‪.(61‬‬ ‫وكما سبق وأكدنا ل تقل أهمية وجهة النظر بالنسبة للمكان عن المكونات السردية الخرى‪ ،‬فل يمكن‬ ‫للمكان أن يظهر إلج من خلل وجهة نظر الشخصية التي تعيش فيه‪ ،‬وهذا المنظور هو الذي يحدد أبعاد المكان‬ ‫ويرسم طوبوغ ارفيته ويجعله يحقق دللته الخاصة وتماسكه اليديولوجي)‪.(62‬‬ ‫ويمكن القول إن المنظور الذي يتخذه ال اروي في تحديد أبعاد المكان ورسم طوبوغ ارفيته هو من أكثر‬ ‫الط رق ملءم ة ف ي الس يرة الذاتي ة‪ ،‬وذل ك لن \"الرؤي ة م ن أك ثر المكون ات الس ردية توس طاً ف ي الذاتي ة والط ابع‬ ‫الشخصي\")‪ .(63‬ولن السيرة الذاتية تعتمد على وجهة نظر ال اروي الذى يتولى السرد أى وجهة نظر المؤلف نفسه‪.‬‬ ‫ول يرتبط المكان في النص الحكائي بوجهة النظر والحداث والشخصيات والزمن فحسب نوانما يرتبط‬ ‫أيض اً \"بطائف ة م ن القض ايا الس لوبية والس يكولوجية والتيماطيقي ة ال تي نوان ك انت ل تتض من ص فات مكاني ة ف ي‬ ‫الص ل فإنه ا ستكس بها ف ي الدب‪ ،‬كم ا ف ي الحي اة اليومي ة\")‪ (64‬فالمك ان ال ذي يتل جون بالحال ة الفكري ة أو النفس ية‬ ‫للشخصيات المحيطة به هو مكان له\" دللة تفوق دوره المألوف كديكور أو كوس ٍط يؤطجر الحداث إنه يتحول في‬ ‫)( مقاربة الواقع في القصة المغربية القصيرة‪ ،‬نجيب العوفي‪.149 :‬‬ ‫‪57‬‬ ‫)( مرايا نرسيس‪.153 :‬‬ ‫‪58‬‬ ‫)( السابق‪.154 :‬‬ ‫‪59‬‬ ‫‪60‬‬ ‫)( الشخصية في أدب جبرا إب ارهيم جبرا الروائي‪.96 :‬‬ ‫‪61‬‬ ‫)( نظرية الدب‪،‬رينيه ويلك واوستن وارين‪ ،‬ترجمة‪ :‬محيي الدين صبحي‪.532 :‬‬ ‫‪62‬‬ ‫‪63‬‬ ‫)( بنية الشكل الروائي‪54 :‬‬ ‫‪64‬‬ ‫)( مرايا نرسيس‪.101 :‬‬ ‫)( بنية الشكل الروائي‪33 :‬‬

‫‪38‬‬ ‫هذه الحالة إلى محاوٍر حقيقي ويقتحم عالم السرد مح جر اًر نفسه‪ ..‬من أغلل الوصف\")‪ .(65‬وهو ل ينفصل أيضاً‬ ‫عن دللته الحضارية فالمكان \"يتشكل من خلل العالم القصصي ويحمل معه جميع الدللت الملزمة له‪ ،‬والتي‬ ‫تك ون ع ادة مرتبط ة بعص ر م ن العص ور‪ ،‬حي ث تس ود ثقاف ة معين ة ورؤي ة خاص ة للع الم وه و م ا تس ميه جولي ا‬ ‫كريستفيا )اديولوجيم العصر(\")‪.(66‬‬ ‫والسيرة الذاتية هى حصيلة الجمع بين نوعين من الكتابة‪ :‬التدوين التاريخي والحكاية الفنية)‪ (67‬لهذا نجد‬ ‫أن المك ان ال واقعي ال ذي نبح ث عن ه ف ي ك ل س يرة الذاتي ة يتش كل م ن المك ان المعي ش ف ي الواق ع بوص فه واقع ة‬ ‫حقيقي ة ‪ ،‬والمك ان بوص فه تجرب ة فني ة‪ .‬أي أن المك ان حص يلة م زج الوق ائع التاريخي ة بالفني ة‪ .‬المك ان ف ي الن ص‬ ‫السيرذاتي ليس مكاناً جغ ارفياً صرفاً‪ ،‬ولكنه مكان واقعي بالمفهوم الفني للكلمة‪ ،‬مثل أي مكان واقعي في الدب‬ ‫لن \"الم ادة ال تي يف ترض أن تك ون حقيق ة وأص لية ل يمك ن أن تحتف ظ ب ذلك‪ ،‬فم ا أن تص بح موض وعا للس رد إل‬ ‫ويع اد إنتاجه ا طبق اً لش روط تختل ف ع ن ش روط تكونه ا قب ل أن تن درج ف ي سياق التش كيل الفن ي‪ ،‬وعلي ه ل يمك ن‬ ‫الح ديث أب داً ع ن مطابق ة حرفي ة مباش رة بي ن الوق ائع التاريخي ة المتص لة بس يرة المؤل ف التاريخي ة والوق ائع الفني ة‬ ‫المتصلة بسيرة الشخصية الرئيسية في النص\")‪.(68‬‬ ‫واستحضار هذه الوقائع في النص السيرذاتي واستدعائها من الذاكرة ليس أم اًر سهلً‪ ،‬وسيعترف سمير‬ ‫عب د الب اقى ب ذلك م ارت وم ارت‪ ،‬ناقم ا أحيان ا عل ى ذاكرت ه العج وز‪ ،‬أو معترف اً باس تحالة ت ذكر الش ياء كم ا ه ى‪،‬‬ ‫فنجده يقول مثلً فى \"زمن الزنازين\"‪:‬‬ ‫\"طب ًعا ل يمكن أن تتم مطاردة الذكريات بهذه الدقة السردية المتكاملة الد ارمية ‪ ..‬خاصة وهي مطاردة من‬ ‫قبل نزيل زن ازنة انف اردية منذ )‪ (50‬عا ًما أو يزيد ‪ ..‬لم تكن الحداث تتوالى بكل هذه الدقة والكتمال لوال دخلنا‬ ‫في مناطق الفتعال ‪ .‬ويظن أنها حيل من حيل الكتابة وتنويعات من فنون السرد التي ل أجيدها ‪ .‬وتلك الذاكرة‬ ‫مهما كانت فلبد أن أصابها الوهن الن ولذا فمثل هذه الحدوتة قد تتجسد كما هي ولكن حسب سيناريو‬ ‫مختلف ونحن سوف نقابل أحداثًا وشخصيات أخرى كثيرة ‪ ..‬فعذًار نطلبه مقد ًما لختلط التواريخ وفقدان‬ ‫التتابع المنطقي وسيكون هناك بعض التداخل ولكن أبًدا لن نفقد خط الصدق الذي سيكون مقد ًسا كخط الحزب‬ ‫‪\"..‬‬ ‫وفى \"موال الصبا فى المشيب\" سيكون أكثر إلحاحا فى الشكوى‪:‬‬ ‫\" أنا أقلب صفحات ذاكرتى التى صارت كمخطوط قديم تأثرت أو ارقه حتى بليت والتصقت وكادت تته أر من ط ول‬ ‫الهم ال ومخ الب الزم ن‪..‬لتعطينى نفس ها بس هولة وأجته د ف ى تفس ير مايت اح ل ى م ن ش ذ ارت وعب ا ارت تك ون‬ ‫أحيانا ذات مدلول أو تكون ملغزة أو غامضة‪ ،‬وقد تقتص ر عل ى بض ع ح روف أو نث ائر م ن م زق ص ور ح الت‬ ‫ألوانها\"‬ ‫ويعترف الك اتب أيض اً أن الذاكرة تتسلط عليه فى لحظة الكتابة وتفرض أو تلح على موضوع بعين ه‪،‬‬ ‫فمبدأ النتقائية يخضع لهواء ذاكرة عجوز وسياقات اجتماعية وسياسية ونفسية‪:‬‬ ‫)( بنية النص السردي‪.71 :‬‬ ‫‪65‬‬ ‫)( مرايا نرسيس‪.54 :‬‬ ‫‪66‬‬ ‫‪67‬‬ ‫)( النقد والحداثة‪.116 :‬‬ ‫‪68‬‬ ‫)( السيرة الروائية‪ :‬إشكالية النوع والتهجين السردي‪.17 :‬‬

‫‪39‬‬ ‫\" لقد ظللت لثلثة أيام أحاول الهرب من حكاي ة المن درة ال تى ل م يع د له ا وج ود ف ى بيتن ا رغ م ك ل م ا‬ ‫كان لها م ن حض ور ط وال س نوات طفول تى وص باى ح تى ع ودتى م ن الس جن لج د ال بيت ال ذى عش ته وألفت ه‬ ‫صار بيتا آخر أدهشنى ضيقه وتقزمه مع أنه بنى على نفس مساحة البيت القديم\"‬ ‫لكنه يفاجئنا بل فوجىء مثلنا بعد ذلك أن المكان \" المندرة\" الذى أجهد الذاكرة فى استدعاء تفاصيله لم‬ ‫يكن كما وصفه‪ ،‬فالفن بصفة عامة ليستطيع أن يستنسخ الواقع كما هو‪:‬‬ ‫\" اكتشفت بعد تفحص صفحة ظهرت فجأة من بين ركام أو ارق الذاكرة الصف ارء أنها ل م تك ن ك ذلك ف ى س نوات‬ ‫الحرب ومابعدها\"‬ ‫ومع ذلك فالسارد في النص السيرذاتي يذعن كليا في أثناء عملية السرد لذاكرته ‪ ،‬وهذه الذاكرة كما أرينا‬ ‫\"ليست آلة صماء تسجل الحداث والفكار دون تمويه أو تشويه‪ ،‬أو دون زيادة ول نقصان‪ ،‬نوانما هي جزء من‬ ‫نسيج النسان الحي‪ ..‬يتطور ويخضع أعظم الخضوع لعامل الزمان‪ .‬فهي أولً ل تحتفظ بكل الثار والفكار‪ ،‬ول‬ ‫تسجل ك جل ما تضطرب به حياة النسان من تجارب وأحداث‪ .‬نوانما هي تميز وتختار‪ ،‬تأخذ وتدع\")‪.(69‬‬ ‫إن البحث عن التطابق المفترض بين الوقائع كما هي ‪ ،‬وبين أسلوب عرضها في النص السير الذاتي‬ ‫أمر مستحيل وذلك بسبب آلية عمل الذاكرة وما قد يعتريها من ضعف أو نسيان من جهة‪ ،‬وعدم تمكن الكاتب‬ ‫السيرذاتي من التخلص من إلحاح الحاضر عند كتابة السيرة من جهة أخرى‪ .‬إذ ل يستطيع أبداً \" أن يتخلص من‬ ‫الحاضر الذي يكتب فيه‪ ،‬ليلتحم بالماضي الذي يرويه\")‪ (70‬لن الذاكرة في أثناء عملية التذ جكر يحدث فيها انقسام‬ ‫تلق ائي لل ذات إل ى )ال ذي ك ان( و)ال ذي يك ون( م ع اعتب ار )ال ذي يك ون( ل ه الفض لية عل ى )ال ذي ك ان()‪ (71‬ف‬ ‫\"السترجاع الواعي المسلط على أو المسقط على الماضي العتقادي يستجيب لضغط الوعي المتشكل آنياً‪ .‬ول‬ ‫يسمح للماضي وما يمثله وعيه في زمنه بأن يأخذ مساحة كافية في الكتابة\")‪.(72‬‬ ‫وق د تق ود ال ذاكرة بالمك ان إل ى التقريري ة لنه ا تعتم د العي ن أو الس مع أو الد ارك لدرج ة قي اس ت أثير‬ ‫المكان‪ ،‬إلج أن هذه التقريرية لها أهميتها في بعض الحيان لنها \"تعيننا على إد ارج عدد أكبر من الماكن دون‬ ‫الهتمام بتفاصيلها‪ ،‬لن الحديث المراد توضيحه هو ما يجب النتباه إليه آنياً\")‪.(73‬‬ ‫وللمكان في وعي سمير عبد الباقى منزلةً خاصة تتضح أهميته في رواياته السيرية الثلث ‪.‬‬ ‫فضاءات سمير عبد الباقى‬ ‫يتنقل الك اتب فى نصوصه الثلث بي ن فض اء القرية والمدين ة سواء ك انت المنصورة أو الس كندرية أو‬ ‫القاهرة‪ .‬ونلحظ أن فضاء القرية هو الفضاء المهيمن على ثلثية الكاتب‪ ،‬فالمدينة لم تلعب دو اًر كبي اًر ف ى تشكيل‬ ‫وج دان ص احب الس يرة‪ ،‬لكن ه م ع ذل ك ليعاديه ا ول ي اره ا \"مدين ة بل قل ب\" مثلم ا ك ان ي اره ا أحم د عب د المعط ى‬ ‫)( الموت والعبقرية‪ ،‬عبد الرحمن بدوي‪107 :‬‬ ‫‪69‬‬ ‫)( السيرة الذاتية‪ ،‬جورج ماي‪ ،‬تعريب‪ :‬محمد القاضي وعبد ال صولة‪94 :‬‬ ‫‪70‬‬ ‫)( فن الذات كتابة السيرة الذاتية في عصر النرجسية‪ ،‬وليم جنس‪ ،‬ترجمة ‪ :‬ياسر شعبان‪ ،‬مجلة البحرين الثقافية‪ ،‬العدد‬ ‫‪71‬‬ ‫‪ 19‬لسنة ‪.90 :1999‬‬ ‫‪72‬‬ ‫‪73‬‬ ‫)( الذات ممحوة بالكتابة عن السيرة الذاتية نوعاً أدبياً‪.115 :‬‬ ‫)( الرواية والمكان‪.1/87 :‬‬

‫‪40‬‬ ‫حج ازى ‪ ،‬المدين ة ستش هد د ارس ته الثانوي ة والجامعي ة ولك ن ليتع رض الن ص ك ثي ار لتفاص يل المك ان ف ى دمي اط‬ ‫والق اهرة‪ ،‬أم ا الس كندرية فق د هوس ه فيه ا فض ائين‪ :‬فض اء البح ر وفض اء الس ينما‪ ،‬ولكنن ا سنض طر ف ى د ارس تنا‬ ‫التفكيكية أن نبدأ بفضاء القرية‪ ،‬حيث أن مرحلة الطفولة الريفية تشغل أكثر من ثلثى حجم كتابه الثالث \" موال‬ ‫الصبا فى المشيب\" ولنبدأ بنص \"ول هم يحزنون\"‬ ‫مسرح الحداث الرئيس هو قرية ميت سلسيل‪ ،‬وتختلف هنا رؤية الكاتب‪ ،‬فالقرية التى رآها جنة فى‬ ‫طفولته‪ ،‬حيث الب ارح والخضرة وم ارتع الهناءة تختلف بع د أن تشكل وعيه وصار أكثر إد اركا ويسارية‪ ،‬و قاد ار‬ ‫على رؤية الجانب الخر من الصورة حيث الفقر والمرض والجهل وغياب العدالة الجتماعية ‪:‬‬ ‫ويتبدى فقر المكان من خلل ساكنيه فما يهم الن ليس تقديم طبوغ ارفيته أو ملمحه بل التركيز على ساكنيه‪،‬‬ ‫وقد قدم الكاتب مكانه دون تمهيد‪ ،‬بل ألقانا فى أتونه مباشرة بعد أن انطلقت فى ذلك الفجر ثلث طلقات فشنك‬ ‫من بندقيتة \"حماده المصرى\" من فوق مئذنة الجامع الكبير‪ ،‬ثم كبر وأذن معلنا وفاة كبير القرية \"الشيخ مقبل\"‪:‬‬ ‫\" النسوان صحت على النداء الفاجع ‪ ...‬وهن ينفض ن ع ن ص دورهن الص بيان القابض ين بأس نان ك العلق عل ى‬ ‫حلماتهن الناشفة ويزحن الرجال القافزين فوقهن كخيل الموالد\")‪ \"(...‬كاشفات عن الضفائر المحلولة الملبكة أو‬ ‫المعق ودة المترب ة أو ع ن ش عر مه وش أك رت مجع د أو س ائح خش ن ه ائش مكتك ت منق وع ف ى الع رق وال ت ارب‬ ‫محمل بنفايات الحقل والوقيد\"‬ ‫الس رد هن ا يت أثر بالمك ان فق د ج اءت الص ور والخيل ة م ن البيئ ة‪ ،‬ول م يكت ف الك اتب باس تخدام بع ض المف ردات‬ ‫الريفية القليمية‪ ،‬بل ارح ينقل نظرته العارفة بخصوصية ذلك المك ان‪ ،‬العليمة بطبائع وسلوكيات وط ارئق حياة‬ ‫سكانه‬ ‫\" انتش ر الخ بر انتش ار ال دبان ف ى موس م البل ح ‪ ،‬ح ط عل ى ال دور‪ ،‬زن كالنح ل الص ايع عل ى أس وار ال دواوير‬ ‫والز اري ب ‪ .‬تس لل كالس حالى م ن ش قوق النواف ذ والطيق ان ازحف ا تح ت أعق اب البيب ان المخلع ة‪ .‬ه اجم الن ائمين‬ ‫على ضهور الف ارن وفى بطون المداود ‪.‬أقلق منام المرتاحين على الس ارير والمقرفصين عل ى الكن ب البل دى او‬ ‫عل ى المص اطب وص ناديق الن وارج ‪ ،‬ح وم كال دبابير الص ف ارء يلس وع البه ائم ويض ايق الحمي ر ك الق ارد ال رزل ‪،‬‬ ‫ومثل الفاش القاتل أفزع الدجاج ونكد على الحيوانات فى الحواش المستسلمة لليل شتوى قارس مظلم لم يظهر‬ ‫له قمر\"‬ ‫فضاء البيت‪:‬‬ ‫البيت وهو مكان اللفة والحماية والسكينة‪ .‬وقد س جمي بالمسكن لتضمنه معنى السكينة والمان‪ ،‬والبيت‬ ‫كما يقول باشلر \" هو ركننا في العالَم‪ ،‬إنه‪ (...) ،‬كوننا الول‪ ،‬كون حقيقي بكل ما في الكلمة من معنى‪(...).‬‬ ‫ونظ ًرا لن ذكرياتن ا ع ن ال بيوت ال تي س كناها نعيش ها م رة أخ رى كحل م يقظ ة ف إن ه ذه ال بيوت تعي ش معن ا طيل ة‬ ‫حياتنا‪.‬‬

‫‪41‬‬ ‫إن البيت هو واحد من أهم العوامل التي تدمج أفكار وذكريات وأحلم النسانية‪ .‬ومبدأ هذا الدمج وأساسه هما‬ ‫أحلم اليقظة‪ .‬في حياة النسان ين فحي البيت عوامل المفاجأة ويخلق استم اررية‪ ،‬ولهذا فبدون البيت يصبح النسان‬ ‫كائًنا مفتتًا‪ .‬إنه – البيت – من يحفظه عبر عواصف السماء وأهوال الرض‪.‬‬ ‫ال بيت جس د وروح‪ ،‬وه و ع الَم النس ان الول‪ .‬قب ل أن \"فيق َذف النس ان ف ي الع الَم\"‪ ،‬كم ا ي ْدعي بع ض‬ ‫الفلس فة الميت افيزيقيين‪ ،‬ف إنه يج د مك انه ف ي مه د ال بيت‪ .‬وأْي ة ميتافيزيق ا دقيق ة ل تس تطيع إهم ال ه ذه الحقيق ة‬ ‫البس يطة لنه ا قيم ة هام ة‪ ،‬نع ود إليه ا دائ ًم ا ف ي أحلم يقظتن ا‪ .‬الوج ود أص بح الن قيم ة‪ .‬الحي اة تب دأ فس يحة‪،‬‬ ‫محمية‪ ،‬دافئة في صدر البيت‪74.‬‬ ‫وعلقة البطل بالبيت لن ارها بعيون سمير عبد الباقى فقط‪ ،‬ولكنها تبدأ قبل مولده‪ ،‬تتجلى فى علقة‬ ‫الم \"علي ة\" ب البيت‪ ،‬فه ى ال تى تص ور أه ل أبي ه أنه ا مج رد فت اة غريب ة مرفه ة‪ ،‬أخ ذت عل ى عاتقه ا إدارة ش ئون‬ ‫ال بيت‪ ،‬وغ رس قيم ة النتم اء ل ذلك ال بيت‪ ،‬واض فاء ن وع م ن القداس ة والحميمي ة ف ى آن واح د عل ى المك ان‪ .‬وم ن‬ ‫الطبيعى أن ينتقل ذلك الشعور للبناء حيث يشكل البيت بؤرة اهتمامهم‪ ،‬وقد جاء ذلك فى \"و له م يحزنون\" لكنه‬ ‫تكرر بتفصيل أكثر فى \"موال الصبا فى المشيب\"‬ ‫\"أصبحت ل تكف لحظة عن عمل شيء يحتاج البيت له ‪ ..‬فهي تكنس وتغسل وتطبخ ‪ ..‬وترف و وترق ع وتطب ق‬ ‫وتنظ م وتنق ي الغل ة وتس فح ال رز وترت ق القط وع والتمزق ات وم ا أكثره ا ف ي ثي اب م ن ل يكف ون ع ن الحرك ة ‪.‬‬ ‫وتروق الماء ‪ ..‬لكنها لم تخرج لتجلبه فهي ست البيت يأتي إليها دائما من يساعدها ‪ ..‬إذا م ا أحت اج الم ر ‪.‬‬ ‫كانت تعت بر ال بيت مملكته ا ‪ ،‬ل ذلك نش أنا أن ا لواخ وتي الص بيان قب ل البن ات نق دس ال بيت ‪ .‬ون دفع م ن أرواحن ا‬ ‫وأنفسنا وأمزجتنا بل وحتى طموحاتنا ونزواتنا في سبيل تدعيم أسس البيوت التي صنعناها بإ ارداتنا الح رة ‪ ..‬أو‬ ‫بإ اردتنا المهتزة المضطرة – تحت ضغط ظروف أو عواطف أو تطو ارت جبرية في مسا ارت حياتنا القدرية ‪.‬‬ ‫أم ا بي ت الج د وه و الص ل‪ ،‬فق د خص ص ل ه فص لً ك املً بعن وان \"ال ذي ب ارك نا ح ول ه\" ‪ ...‬ونلح ظ‬ ‫بداي ة م ن العن وان‪ ،‬إض فاء ن وع م ن الجلل والقدس ية عل ى ذل ك \"ال بيت الع تيق\" إن الوص ف يرك ز عل ى ص فات‬ ‫الع ارق ة والش موخ والعل و والزده ار‪ ،‬رغ م أن ه يك اد يك ون فوتوغ ارفي ا‪ ،‬فالص فات المس تخدمة ت وحى بالض آلة ف ى‬ ‫م واجهته والحس اس بالحماي ة ف ى ذل ك الكي ان الجلي ل الض خم‪ ،‬وش أن ك ل مق دس هن اك ش عور ب الغموض ال ذى‬ ‫يكتنف ه‪ ،‬وس نلحظ أيض ا ارتب اط المك ان أو ح رص الك اتب ف ى وص فه عل ى اس تخدام مف ردة الحدي د \"ذو الب أس‬ ‫الشديد\" حسب التعبير الق آرنى‪ ،‬ومع ذلك فالخصوبة والخير والسكينة سيعبر عنها حقل سيمائى يتشكل من الطيور‬ ‫والخضرة‪ ،‬ولنق أر وصف الكاتب مع ملحظة أن الخطوط من عندياتنا‪:‬‬ ‫\"ك ان )بي ت ج دي( ف ي زم انه ك بيًار ممت ًدا ف ي الش ارع ‪ ،‬واس ًعا ‪ ،‬ل ه ب اب ض خم ل تص ل عين اي إل ى‬ ‫مداه ‪ ،‬باب من ضلفتين هائلتين منقوشتين بزخارف من أغص ان النب ات والزه ار الخش بية‪ .‬لك ل ض لفة ش َارعة‬ ‫طويل ة م ن الحدي د العري ض المش كل ف ي دوائ ر وأق واس متداخل ة ‪ ..‬وتعل و الب اب ف وق عارض ة م ن الخش ب ‪،‬‬ ‫نصف دائ رة حديدي ة هائل ة ت ؤطر شم ًس ا م ن الش عة تق ف عليه ا أزه ار وعص افير م ن الحدي د ‪ ،‬ل م تك ن تفت ح‬ ‫س وى ض لفة واح دة ول تفت ح الخ رى معه ا إل عن دما ت دخل الحمي ر محمل ة بالزك ائب المتخم ة ب الحبوب ف ي‬ ‫الموس م أو محمل ة بالبرس يم ف ي الش تاء ‪ ،‬لوال ى يس ار ه ذا الب اب العملق ش باكان ش ديدا الط ول لهم ا إط ار‬ ‫‪ 74‬انظر جاستون باشلر جماليات المكان‬

‫‪42‬‬ ‫خارجي من الحدي د المزخ رف الط ارف والزواي ا يحي ط بع دة أس ياخ س ميكة م ن الحدي د ل م تك ن تس مح لرؤوس نا‬ ‫بالخروج من بينها \"‬ ‫)‪ (...‬كانت جد ارن البيت عريضة‪ ..‬يستطيع الجلوس على حجر الشباك ثلثة أو أربعة من ا نط ل عل ى الش ارع‬ ‫من بين القضبان متعلقين في السياخ الحديدية بقبضاتنا الصغيرة ‪..‬‬ ‫خلف الباب الضخم لبيت جدي كان دهلي ز طوي ل واس ع وعري ض س قفه ع ال ج ًدا ‪ ..‬تعش ش في ه بع ض طي ور‬ ‫عصافير الجنة في أعشاش طينية تبنيها باهتمام ودأب شديدين ‪ ،‬ولم أكن أصدق أنه يمكن الوص ول إل ى ذل ك‬ ‫السقف العالي الذي يبدو غارقًا طول الوقت في ظلم غامض حتى في عز النهار ‪.‬‬ ‫على يمين الداخل ك انت المن درة ذات الش باكين حي ث ك انت ثلث مص اطب ك بيرة وعريض ة تمت د أس فل الج د ارن‬ ‫مفروش ة بالحص ر أو الكع‪،‬ب ي الص وفية اليدوي ة ذات الملم س الخش ن‪ .‬ك انت ثقيل ة ل أذك ر أنن ي كن ت أس تطيع‬ ‫تحريكها أو حملها ‪\" ..‬‬ ‫بعد ذلك ننتقل لوصف البيت من الداخل‪ ،‬والبيت ليخلو من الس ارر‬ ‫\"كان هناك ح اجز يفص ل بي ن آخ ر المن درة وداخ ل ال بيت يتك ون م ن نص ف ج دار وب اب بل ملم ح ‪،‬‬ ‫وخلفه يق ع )الكني ف( ال ذي ك ان مج رد )حفي رة( ف ي الرض الس وداء الرطب ة ‪ ..‬كن ت أخ اف الق ت ارب من ه ‪ ..‬ل‬ ‫بسبب ارئحته النفاذة فقط‪ ،‬ولكن لظلمته الغامضة \"‬ ‫وعن د الح ديث ع ن ال بيت س نجد الك ثير م ن الش ياء ال تى تص بح ذات طاق ات س حرية س واء ك انت م ن‬ ‫الحي اء أو الجم ادات‪ ،‬ولما ك ان وصف الشياء يؤدي دو اًر مزدوج اً في الن ص فه و يشير إل ى حقيقة واقعة في‬ ‫العالم الخارجي فضلً عن أنه يحمل دللة خاصة في النص)‪ .(75‬فالوصف هنا يأتى بعيون الطفل بما له من قدرة‬ ‫غريبة على التخيل‪ ،‬وكما يقول فلوبير \"و ارء كل شىء تافه قصة هائلة\" نرى الشياء كيف ي ارها الطفل تحوى‬ ‫أس ار اًر وطلسم تجعل ألفة المكان ممزوجة بالرهبة‪ ،‬ومن ذلك البقرة وهى مجرد بقرة عادية ولكن الرهبة التى تحيط‬ ‫بالمكان تجعل ال اروى الطفل يبالغ فى تصو ارته أو هكذا يتخيل جدته\"أم العز\" ‪:‬‬ ‫في بعض الحيان كانت هناك بقرة ‪ .‬تظهر أحياًنا في قاعة الفرن ‪ ،‬كنت أعتق د اعتق اًدا جازًم ا أنه ا واح دة م ن‬ ‫المداحات الغجر اللتي لم تك ن تطيقه ن ج دتي ‪ ،‬س حرتها وحبس تها لنه ا ل م تم ض ف ي ح ال س بيلها ‪ ،‬وظل ت‬ ‫تصدع أرس جدتي بطبله ا المزع ج وص وتها القبي ح ‪ .‬ول م تج د أح ًدا م ن العي ال لترس له إليه ا برغي ف أو بعص ا‬ ‫ليطردها ‪ ،‬فاستدرجتها إلى داخل البيت وعاقبتها وحَولتها إلى بق رة ‪ ..‬كن ت أرى حزًن ا إنس انًيا غريًب ا ف ي عي ون‬ ‫البقرة ‪ ..‬كانت تسمعني عن دما أتس لل إليه ا أس ألها ‪ ،‬وك انت تح اول الجاب ة ‪ ،‬ولك ن عجزه ا ع ن الش كوى ك ان‬ ‫يفجر في عينيها دمو ًعا ‪ ..‬وكان ص ارخ ج دتي وص ياحها عل َي كلم ا دخل ت عن د البق رة يؤك د ل ي خوفه ا م ن أن‬ ‫أكشف سرها أو أبط ل س حرها ‪ ..‬وك ان الم ر دائ ًم ا ينته ي بعلق ة ‪ ،‬ل لنن ي أغض بت ج دتي ولك ن لن أب ي ل م‬ ‫يكن يريدني أن أعبر حدود المنطقة المحرمة الخاصة بها أصلً ‪ .‬خوفًا من أن تحولني إلى كلب !‬ ‫‪ () 75‬بناء الرواية‪100 :‬‬

‫‪43‬‬ ‫ولنع د إل ى الش ياء فشخص ية الج دة الم رة المتس لطة وم ازجه ا الح اد ونظره ا الكلي ل علوة عل ى أنه ا‬ ‫حارسة للك ارر يجعل الشياء المحيطة بها وفضاء الجدة غ ارئبيا‪.‬‬ ‫ك ان عن دي إيم ان ارس خ مؤك د أن ل ديها كن ًزا يف وق كن ز )المل ك الش مردل( تخفي ه ف ي أرض الحج رة أو ف ي‬ ‫)الخورستانة( التي في الحائط الغامض ‪ ،‬مغلقة بمفتاح له ثلث سنات من حديد صلب نادر‪ ،‬يشل م ن يمس كه‬ ‫‪ ،‬غير صاحبته ‪ ،‬يبرق معلقًا في حب ل كت ان غ امق ح ول رقبته ا ‪ .‬ح ذرت العي ال م ن النظ ر إلي ه لن ه مرص ود‬ ‫وقد يصيبنا بالعمى ‪ ،‬إذا وقعت عيوننا عليه ونحن نعبرها متسللين إلى المنطقة المحرمة ‪.‬‬ ‫لكن ه ش أن ك ل مك ان مرص ود‪ ،‬يخف ى كن وزه وأس ارره‪ ،‬والكن وز نوع ان ك ان أكثره ا م ارودة واغ واء للبط ل‬ ‫الصغير هو وأق ارنه من أبناء عمومته تلك الخي ارت‪ ،‬وسوف نرى الوصف الى يصور حركته هو وبقية الطفال‬ ‫مثل طابور نمل‪ ،‬أما تعداد أنواع تلك المأكولت والخي ارت فحدثعنه ول حرج‪.‬‬ ‫\"كنا في أوقات معينة نصعد في صمت على السلم إلى نص ف الس طح الممت د أم ام )الش كمة( البحري ة‬ ‫في ال دور الث اني ‪ .‬ونزح ف تحته ا ف ي ط ابور كالنم ل أو دود القط ن ‪ ،‬ح تى ل ي ارن ا أح د م ن س كان المقاع د ‪،‬‬ ‫عابرين إلى حيث الخ ازنة العامرة بطواجن ال ارئب وشوالي الحليب وأشولة السمس م ‪ ..‬ك ان عي ال عم تي يعرف ون‬ ‫م تى يك ون الغ زو مجزًي ا لنف وز بالغنيم ة )‪ (...‬وأم ام اس تم ارر غ زو )الخ ازن ة( ح تى بع د معرف ة الس بب س دت‬ ‫الطاقة تما ًما ‪ ..‬وحين اكتشفوا اخت ارق حاجز الطين الذي لم يكد يجف نقل وا ك ل م ا ف ي الخ ازن ة م ن خزي ن إل ى‬ ‫الحاصل المحروس )بالرصد السحري المتربع( على العنجريب طول الوقت مستنًدا على جدار بابه المحرم‪\".‬‬ ‫ويصبح النص الحكائى بديل عن ف ارغ الواقع‪ ،‬فيستكمل السارد فى نوع من الستباق الحكايات الناقصة‬ ‫أو غير المفهومة للطفل‪ ،‬ومن ذلك وصفه لشياء الجدة وممارساتها اليومية واستعمالها تلك الشياء لض فاء مزي د‬ ‫من الغ ارئبية على المكان‪:‬‬ ‫حتى كان يوم أريتها ترج سائلً ما في شيء ص لب غري ب ‪ ،‬ش به مج وف ‪ ،‬يلم ع ب اطنه كرخ ام عتب ة‬ ‫الجامع العاجية ويتعرج ظاهره القائم عروقًا بنية غريبة تتخللها شروخ من بياض يكاد يضيء ‪ ..‬قالوا أنه ق رن‬ ‫)الحنتيت( الذي عرفت فيما بعد أنهم يقصدون )الخرتيت( وبعد أن رج ت الق رن بالس ائل ال ذي وض عته في ه م ع‬ ‫عش ب ناش ف مطح ون ‪ ..‬ق أرت علي ه أو ارًدا أو آي ات عل ى أرس بن ت عم تي المحش ور بي ن ركبتيه ا ‪ .‬وعم تي‬ ‫تفتح فم البنت غصًبا لستقباله فزعة تحاول التخلص باكية من كلب ة ركبتيه ا دون ج دوى ‪..‬البن ت ش فيت م ن‬ ‫المغص القاتل ‪ -‬بعد أن ن امت ط ويلً غارق ة ف ي عرقه ا ‪ ،‬ص حت وقف زت عل ى ق دميها ك القردة ‪ .‬وعرف ت م ن‬ ‫أحاديثهم أن )قرن الحنتيت( هذا أحضره جدي من أرض الحجاز هو )ودهن إحليل تمس اح( و)كب د عق اب ح ي(‬ ‫وأن ساحًرا من السودان لقنه كيفية استعمال السحر في شفاء الم ارض ‪ ،‬وهو علَم جدتي السحر بدوره ‪.‬‬ ‫ويضاف لس ارر الجدة ارتباط المكان فى ذاكرة الطفل بالحكايات الشعبية التى شكلت وجدانه وساعدت‬ ‫على شحذ خياله‪ ،‬فيصبح وعيه بالمكان مختلفاً لدرجة أن المكان سيتغير لدرجة أنه قد يلغى إحساس الطفل فى‬ ‫لحظات الرهبة بالتفاصيل وتزدحم الشياء لدرجة أن تصبح الصورة ضبابية‬ ‫كنت متأكًدا بعدها أن لدى جدتي أشياء أخرى خفية كنت أسمعها ت تردد عل ى ألس نة الكب ار ع ن )نم ل‬ ‫يتيم‪ ...‬وعقارب عقيمة وهداهد ص امتة ‪ ..‬ودم أطف ال يت امى( ث م اختل ط ك ل ه ذا بم ا ق أرت ه ف ي حكاي ة )ج ودر(‬

‫‪44‬‬ ‫والسحرة المغاربة الذين جاءوا إلى مصر يسعون و ارءه لكشف كنز )الشمردل( وبغلة الحظ والمسحور والجح ش‬ ‫الذي يأخذ شكل المارد وتمثل لي كل ذلك متجسًدا في الظلم الذي يكلل الغرفة التي ل نوافذ لها‪ ،‬ضباًبا يحج ب‬ ‫السقف والركان عن نظر من يجرؤ على التطلع صدفة أو على البحلقة عمًدا في ف ارغها الرطب اللزج ‪..‬‬ ‫وبعد وفاة الجد سيصبح البيت خالصا لعائلة عبد الباقى‪ ،‬ورغم أن الب لم يحصل على نصيب مساو‬ ‫لخوته فى التركة‪ ،‬لكنه كان نصيبا عادل من وجهة نظر الب ‪ ،‬فقد تعلم فى حين حرم اخوته من التعليم‪ ،‬على‬ ‫هذا يصبح عبد الباقى الوريث هو الحق بسكنى المكان‪ ،‬وأجدر البناء بمي ارث البيت‪ ،‬فالبيت رمز قوى للسرة‬ ‫ولعزتها ومكانتها الجتماعية فلم يحصل عليه أو لم يسع للحصول عليه إل أخطرهم شأنا‪ ،‬والرض بكل ماتشكله‬ ‫فى الوجدان الريفى‪ ،‬تت ارجع أهميتها أمام استم اررية وجود عبد الباقى فى ذلك المكان‪ ،‬ورغم أن الطفل الصغير‬ ‫س مير س يفرح ب الب ارح والحري ة وزي ادة مس احة مغ ام ارته وح دودها‪ ،‬إل أن أهمي ة ال بيت تف رض نفس ها وتتجل ى ف ى‬ ‫كلمات الطفل‪:‬‬ ‫\"خلص البيت بع د دف ن ج دتي ل )عب د الب اقي( طب ًع ا ‪ .‬ووزع ت بقاي ا الترك ة ال تي ك ان يمك ن أن يك ون‬ ‫مصيرها كمصير )قرن الحنتيت( وكل م ا ظن وا أن ه ك ان يمل )الخورس تانة( وس ويت ملكي ة ال بيت فل م يك ن أح د‬ ‫يود مشاركة أبي فيه‪ .‬وهكذا أص بح ع الم مغ ام ارتي الص غيرة الهائل ة ‪ ،‬ممت ًدا عل ى مس احة يمت د ب ارحه ا – كم ا‬ ‫أوح ت ل ي حص ص وكت ب الجغ ارفي ا ع بر ح دود ‪ -‬ق ا ارت الع الم ‪ -‬ال تي يق ع غي ط )الس باخ( منه ا موق ع القل ب‬ ‫بالضبط ‪ ،‬مثلما تتوسط مصر خارط ة أحلم ي ال تي ب دت ل ي تتس ع وتتخط ى خط وط الط ول والع رض ‪ ..‬وتمت د‬ ‫إل ى حي ث ب دأت تأس رني م دن أتع رف عليه ا مث ل )ت انيس وبغ داد والهن د( ‪ .‬وتخل ب روح ي جب ال )الوليم ب(‬ ‫و)ال واق ال واق( والتل ول ‪ ،‬وف ي القل ب م ن ه ذا الع الم ك ان ال بيت ال ذي أص بح من ذ ذل ك التاري خ مملك ة أب ي‬ ‫ومملكتن ا‪ ،‬تب دأ وتنته ي إلي ه الي ام ‪ ،‬والح داث تول د وتحتض ر في ه لحي ن تتحق ق أو تجه ض الحلم‪ .‬والوه ام‬ ‫أي ًضا ‪\"..‬‬ ‫نواعادة تشكيل البيت تذكرنا برواية \"سجن العمر\" لتوفيق الحكيم‪ ،‬فقد قام الب بمجهودات حثيثة متتالية‬ ‫لجعله عصرياً بعض الشىء‪ ،‬وسوف نلحظ هنا الميل للتعقيد‪ ،‬حتى تجلى ذلك فى بنية الجملة نفسها وتدخلت‬ ‫الس ارد ف ى الحك ى تش به ت دخلت الب وحرص ه عل ى ت برير التجدي دات‪ ،‬لك ن ه ذا ليمن ع تن امى الحك ى ودف ع‬ ‫الشريط السردى للمام‪ ،‬رغم المقارنات المستمرة بما كان عليه البيت فى الزمن الماضى‪ ،‬سنكتشف أن التعديلت‬ ‫ربما كانت نفعية بعض الشىء‪ ،‬لكنها مقدمة للحديث عن عالم سيتشكل ويتبدل‪ ،‬وسوف يحس ال اروى بعد ذلك‬ ‫بفداحة التغيي ارت ‪:‬‬ ‫بع د الربعي ن مباش رة ش َمر أب ي ع ن س اعديه ليعي د تش كيل بي ت الج د ال ذي ص ار بيت ه‪ .‬انهم ك ف ي‬ ‫تجديده وصياغته حسب الحاجات التي كانت تتغير بإيقاع متسارع مع تغير ظروف الحياة ومطالب المعيشة ‪..‬‬ ‫ك ان ق د أق ام الس لم )الخ اص( ف ي حج رة ال دجاج المكش وفة عل ى غي ر رض ا أم ه‪ .‬فع زل نص ف ال دار‬ ‫الداخلي الذي كانت تسكنه عن مدخل البيت ‪ .‬وكان قبل موتها قد استكمل بناء الدور لثاني فبل ط الس طح أم ام‬ ‫المقع دين ‪ .‬وأح اطه بس ور م ن الط وب الحم ر والجب س ‪ .‬وك ان بدع ة ف ي حينه ا ‪ ..‬ث م ع اد وأض اف إل ى‬ ‫المقعدين القبليين المطلين على الحارة ‪ -‬وكانت بينهما ت ارسينة من زجاج وخشب ‪ -‬غرف تين بحري تين ببلكون ة‬

‫‪45‬‬ ‫)ش كمة( أخ رى بع رض الص الة ال تي توس طها ب اب م ن أرب ع ض لف زجاجي ة بمفص لت ج اهزة حي ن يفت ح ف ي‬ ‫الصيف تصبح الشقة مصيفًا يرد الروح ‪..‬‬ ‫وسوف نرى اللحاح فى الحديث عن السلم بدللته الواضحة فالسلم رمز للمابين ‪ .‬إنه نقطة وسطية‬ ‫م ابين العل ى الس امى‪ ،‬والنفت اح عل ى الع الم والن ور والشمس واش ارة للمستقبل ورم ز للص عود الجتم اعى لس رة‬ ‫برجوازي ة ريفي ة أه م مقتنياته ا \"الس ت علي ة\" أى الزوج ة الجدي دة الجميل ة المثقف ة الم دبرة ‪ ،‬وبي ن الس فل ال دنىء‬ ‫الخبيث حيث الكنيف والس ارر والظلم نواشارة للماضى العجوز المرتبط بالموت ل بالحياة‪:‬‬ ‫وبعد أن اكتمل الدور الثاني مّد السلم نصف الخشبي صاعًدا إلى السطح الجديد‪ ،‬ثم أعي دت ص ياغته‬ ‫ليصبح كله سل ًما حجرًيا م ن درج ات م ؤطرة بالخش ب ومبلط ة ب البلط المل ون‪ .‬وتح ول الكش ك الب وص ‪ ،‬ال ذي‬ ‫ك ان ف ي الماض ي مخزًن ا لخزي ن الس ت )أم س مير( ومكاًن ا لزي ار تنقي ة الم اء ومنا ًم ا لم بيت الخادم ة الس م ارء‬ ‫)التي جاء بها لتخدم الس ت وليغي ظ م ن احتج وا عل ى زواج ه منه ا( ‪ ،‬ص ار مطب ًخ ا واس ًعا يش رح القل ب بناف ذة‬ ‫بحرية ‪ .‬جرى بياضه كاملً بالجير من الداخل والخارج ‪ ،‬لكن بعضهم همس في أذنيه مشكًكا ف ي ق درة الج د ارن‬ ‫التي بن ى به ا ال بيت الق ديم عل ى التحم ل ‪ ،‬ص حيح أنه ا متين ة ومبين ة بذم ة أه ل زم ان ‪ ،‬لك ن الحي اة الجدي دة‬ ‫واس تعمال الم اء بإس ارف كم ا تع ودت )الس ت( ‪ ،‬وم د مج اري م ن الحم ام ف ي ال دور الث اني إل ى أس فل‪ ،‬س وف‬ ‫يشكل خطًرا عل ى الج د ارن الخلفي ة ال تي بني ت به ا قاع ة )الس ارر( والف رن والحاص ل ‪ -‬كله ا ب الطوب اللب ن أو‬ ‫على القل بالطين المعرض للتآكل‪\".‬‬ ‫ويض طر الب إذن‪ ،‬مقتنع ا أن ه ليمك ن لل بيت أن يص مد دون إج ارء تع ديل عل ى المك ان فيع ود ل ترميم‬ ‫الدور الول‪ ،‬انه رمز لتقاليد قديمة ليمكن أن تفقد سطوتها أو هويتها مع القادمة الجديدة \"الزوجة الشابة\" وقد‬ ‫ظل الدور الول ممثلً للجدة والثانى ممثلً للزوجة وكأن ذلك إشارة لتوزع الب مابين أمه وزوجته وارتباكه بين‬ ‫سلطة الم أرتين‪ ،‬ومحاولت تطوير البيت ليست على المستوى الرمزى سوى نوع من محاولة الوفاق بين عالم قديم‬ ‫وعالم جديد‪.‬‬ ‫\"ش َمر أبي عن ساعديه وقرر إعادة تدعيم جد ارن الدور الول لتتحمل حداثة الدور الثاني ‪ ،‬وق د ك ان‬ ‫‪ ،‬وحسب أوامره للعمال ‪ ،‬الذين كانوا يعملون حسب إرشادته وتحت إش ارفه ‪ ،‬تم تكحيل كل الج د ارن م ن الرض‬ ‫للسقف بعد كشف كل الحجار‪ .‬ورغم أري بع ض البن ائين ب أن )القص رمل( والطي ن س يطردان الس منت‪ .‬إل أن ه‬ ‫أش رف عل ى مل المس افات ال تي عمق ت لقص ى درج ة بي ن الط وب وبعض ه ‪ -‬بالس منت ث م أع اد تمحي ر ك ل‬ ‫الجد ارن من الداخل والخارج )بمعلمة(‪ ،‬ثم أعاد تبييضها بالجير الملون‪\".‬‬ ‫وبعد ذلك سوف نلمس الفارق بين البيت الول كمرتع للهناءة والطفولة وبين البيت الجديد‪ .‬الحديث عن‬ ‫قدسية البيت هى على مستوى المجاز ل الواقع‪ ،‬فقد انحاز ابن عبد الباقى لفكرة البيت المجازية‪ ،‬والعلقة الس رية‬ ‫التى ينسجها المكان‪ ،‬فرغم مشاعر الحزن يعترف بأن تعديلت والده كانت فى مصلحة السرة‪:‬‬ ‫\"ولك م حزن ت عن دما اختف ى الب اب الض خم ذو الت اج الحدي دي ‪ .‬وال ذي كن ا نزين ه ف ي ش م النس يم‬ ‫بأغص ان الصفص اف الخض ارء وجري د النخ ل والريح ان ‪ ،‬واس تبدل بالش باكين العملقي ن ش باكين أق ل حج ًم ا ‪،‬‬ ‫وبلطت الرض كلها ‪ -‬صارت المساحة على يمي ن ال داخل من درة واس عة تص لح لس تقبال الض يوف وص ار به ا‬

‫‪46‬‬ ‫كنب بلدي بدلً من المصاطب وامتدت الصالة أمامه ا‪ ،‬واس عة برح ة مض يئة عل ى عك س م ا ك انت أي ام الج دة‪،‬‬ ‫ي دعم س قفها قطوع ان يقس مانها قبي ل الكني ف‪ ،‬ويحجب ان داخ ل ال دار ع ن أعي ن ال داخل ‪ ،‬لتنته ي بب اب م ن‬ ‫ضلفتين حديثتين ‪ ،‬يفتح على الحوش ال ذي ك ان نص ف مكش وف ‪ ،‬بع د أن أزيل ت العريش ة ال تي ك انت تغطي ه‬ ‫ليتدفق النور والهواء البحري حًار إلى عمق البيت ‪.‬‬ ‫لكن فى النهاية يظل موقف الكاتب ملتبساً فل نعرف تحديدا ‪-‬على القل حتى هذا الحد من الق ارءة‪-‬‬ ‫هل وق ف الك اتب مع أم ض د التجدي دات‪ ،‬رغ م أنه ا لتخلو م ن فوائ د؟ ولع ل أه م م ايلفت نظرن ا هو التأك د عل ى‬ ‫مفهوم الحماية والدفء والخصوصية وذلك شىء ل يمكنه إنكاره ‪.‬‬ ‫\"وبع د إ ازل ة الس لم الخش بي ‪ ،‬أص بح أم ام حج رة الف رن ح وش ك اف لتربي ة ال دجاج وال ارن ب‪ ..‬وص ار‬ ‫للحاصل شباك بحري وأصبح بع د تجدي ده غرف ة ‪ ،‬بينم ا ص ار الكني ف )الكرس ي( محلً للدب أو )حم ام( ‪ .‬كم ا‬ ‫كانت )الست( تحب أن تطلق عليه ‪ ،‬واختفت إلى البد )جني ة( الكني ف المرعب ة )‪ (...‬وبع د اختفائه ا إل ى الب د‬ ‫أصبح البيت صال ًحا لستقبال غيري وغير أختي آمال ‪\".‬‬ ‫رفع اليري ال القديم إلى سطح الدور الث اني فص ار اس تقبال ال اردي و أص فى وأوض ح‪ ..‬وس ّور الس طح‬ ‫كل ه ب الطوب الحم ر والجب س‪ .‬وص ارت هن اك إمكاني ة لص نع أكش اك ص غيرة لتربي ة الكت اكيت وللتمت ع بش مس‬ ‫الش تاء حي ن تش رق‪ ..‬وبلي الي الص يف تح ت نج وم ص افية بعي ًدا ع ن أعي ن المتطفلي ن م ن ف وق س طح بي ت‬ ‫)الصياغ( وبيت )أبو سيد( القريبين‪.‬‬ ‫اكتمل البيت ‪ ..‬صار الدور الول مكاًنا يتيح الفرص ة لس تقبال الض يوف‪ ،‬وأص دقائي دون ج رح س تر‬ ‫البيت ‪ ..‬بل صار على غير ما كنا نتوق ع أك ثر إغ ارء لم ي وأب ي لقض اء أي ام ولي الي الش تاء في ه‪ ،‬لم ن يطل ب‬ ‫دفًئا توفره الجد ارن السميكة‪ ،‬المبنية على الطريقة القديمة‪.‬‬ ‫والك اتب يع رف أن هن اك ثمن اً ‪ ،‬أو نوع اً م ن القرب ان يق دم ل روح ال بيت الجدي د‪ ،‬وم ا ازل ه ذا حاض ارفى‬ ‫الفكر الشعبى الريفى‪ ،‬رغم أنه ل يحدث عن طيب خاطر‪ ،‬ولكن يقبله الريفى بنوع من التسليم والرضوخ للقدر‪،‬‬ ‫فالق اربين والضاحى ما ازلت فى لشعور الفكر النسانى بصفة عامة والريفى بصفة خاصة‪ ،‬ولم يستطع الكاتب‬ ‫التخلى عن تلك الفكرة التى تسرى تحت جلده الريفى‪ ،‬فقد جرى الفينيقيون على شرعة التضحية بالطفل البكر‪ ،‬وقد‬ ‫كشفت الحفريات الثرية عظاماً للطفال تحت أساسات المنازل‪ ،‬كما كشفت حفائر )كفر الجرة( الكنعانية عن‬ ‫صندوق يضم عظام أطفال تحت أساس عمود من سور كضحية تأسيس‪ ،76‬إن موت الطفلين سامى وصفاء نوع‬ ‫من التعميد لينكره الكاتب‪:‬‬ ‫\"كان البيت قبل هذه التغي ارت وبعدها قد استقبل أخي )سامي( ال ذي س قط م ن ال دور الث الث ف ي بي ت‬ ‫خالي بالمنصورة وودعنا بعده أختي )صفاء( التي اختطفها الم وت فج أة بحم ى ل م تمهله ا ‪ .‬لق د ع َم دته الي ام‬ ‫بما يكفي من أح ازن‪\".‬‬ ‫وبعد سنوات السجن الخمس‪ ،‬نرى البيت بعين أخرى‪ ،‬عين البن العائد بعد تجربة السجن القاسية‪ ،‬لكن‬ ‫الحديث عن تغي ارت البيت يأتى فى سياق تغي ارت أكبر تحدث فى القرية بصفة عامة وفى المجتمعات الريفية‬ ‫‪ 76‬انظر)عبد الحميد ازيد‪ :‬الشرق الخالد ص ‪(302‬‬

‫‪47‬‬ ‫عموماً‪ ،‬لترسم نوعا حادا من القبح‪ ،‬يقع فيه دائما أنصاف المتعلمين وأنصاف البنائين‪ ،‬فالبيوت القديمة البدائية‬ ‫لها حميميتها وسحرها الذى اندثر تحت ركام السمنت‪ ،‬واستخدام الكاتب مفردة \"الرمادى\" و \"الظلل\" خير تع بير‬ ‫عن ذلك‪ ،‬فل الريف ظل كما هو بحالته البدائية التى كانت تفى بأغ ارض واحتياجات الفرد‪ ،‬ولم يتطور بشكل‬ ‫عصرى مدروس‪:‬‬ ‫كان الرمادي ثقيلً ممتًدا حتى أنفي ‪ ،‬حاملً ارئحة ت ارب التلول المالح الذي ل م يع د يل وح لعين ي‪ ،‬ثم ة‬ ‫ظلل أك ثر كثاف ة تحي ط ب ي ‪ ،‬وترس م م ا يش به بقاي ا قري ة مص رية تح اول الخ روج م ن أس ر الط وب اللب ن‬ ‫والسقوف المحملة بالقش الرطب وجد ارن الخ ازين البوص المطلية ب الطين الم دهوك والحظ ائر القديم ة الحميم ة‬ ‫حيث يتشارك فيها البشر والماشية والدواجن ‪.‬‬ ‫قري ة تح اول النفلت إل ى ع الم البن اء ب الطوب الحم ر والس منت وال بيوت العالي ة والمج اري الطافح ة وأك وام‬ ‫الزبالة الحديثة المفعمة بزناخة ارئحة البلستيك المحروق ‪..‬‬ ‫حولي كانت مساحات مربعة ومستديرة وكتل ضخمة ح ادة الخط وط غامض ة تتجس د ص ادمة ص امتة تتن اثر ف ي‬ ‫تح د لتش كل إط اًار ثقيلً م ن س واد ‪ ،‬خلله ا وبينه ا تل وح بق ع مض يئة ترس ل مجه دة أش عة ص ف ارء باهت ة م ن‬ ‫مص ابيح ج از أو فتائ ل س واريخ مرتعش ة تح دد بص عوبة ح دود أك وام الق ش والحط ب ف وق الس طح وح ول‬ ‫الجدران‪.‬‬ ‫والح ق أن الوص ف يك اد ي ذكرنا ببك اء ش ع ارء الجاهلي ة ووق وفهم عل ى الطلل فل مك ا َن ف ي الحي اِة‪، ،‬‬ ‫أجم فل وأبهى من المكان الذي ولد فيه وترعرع‪ ،‬وتفيأَ ظللَه وارتوى من مائِِه‪ ،‬فالمكا فن هو تذ لكر ل َم ارتِع ال فصبا‪،‬‬ ‫و َضحكا ِت الطلففولِة ‪ ،‬وهو جزء من ِكيانه ‪ ،‬فمهما ابتعد عنه‪ ،‬وشطت به الدافر‪ ،‬فل بد أن تبقى أطل فل قريته في‬ ‫ثنايا فم َخجيلتِه‪.‬‬ ‫لكن علينا أن نحسن الظن بالكاتب فى الفقرة التالية ‪ ،‬فقد أقحم الكاتب مفردات‪ ،‬ل أستريح لها شخصياً‪،‬‬ ‫لنها ترتبط بشعائر دينية‪ ،‬وتكاد تكون نوعاً من عدم استساغة أو تدنيس للمقدس‪ ،‬إل إننا قد نلتمس له العذر‬ ‫ونقول ربم ا قص د الك اتب بتل ك الس تعا ارت الش ارة لنتش ار تي ار التأس لم كمج رد طق وس دون الل ت ازم بس لوكيات‬ ‫ال دين القويم‪ ،‬فلحظ ة آذان الفج ر نك اد نحس ها ثقيل ة كئيب ة عل ى نف س ال اروى‪ .‬إن ال زج به ا ف ى ه ذا الس ياق غي ر‬ ‫موفق من الكاتب‪ ،‬وتظهر كنتوء فى النص‪ ،‬فالمفردات جميعها االتى استخدمها الكاتب ذات دللت سلبية دون‬ ‫م برر حقيق ى‪ ،‬فل و ألم ح الك اتب أن ص وت الميكروف ون المرتف ع ق د ص ار ب ديلً ع ن ص وت الم ؤذن بانس انيته‬ ‫الخاشعة هو السبب فى نفوره للتمسنا له العذر‪.‬‬ ‫لكننى أؤكد أننى ل أحاسب نوايا الكاتب‪ ،‬ول أقيم محكمة تفتيش‪ ،‬وأرجح ذلك لعدم توفيق الكاتب‪ ،‬ل‬ ‫أكثر ول أقل‪ .‬فقد تناول \"رفعت السعيد\" فى مذك ارته المعنونة \"مجرد ذكريات\" موقفا مشابها‪ ،‬وهو صوت المؤذن‬ ‫فى الميكروفون عند صلة الفجر ولم يكن قد اعتاد ذلك لكنه تناوله وهو غير روائى بصورة أكثر تحفظاً وتبري اًر‬ ‫وأرجع ذلك لنفوره من الصوت المعدنى‪:‬‬

‫‪48‬‬ ‫\"ثم ة همهم ات ديني ة غامض ة غط ت عل ى ص يحات ال ديوك الخي رة تختل ط ف ي الم دى الكال ح بص وت‬ ‫مياه مندفعة من صنابير مجهولة على أرض صلبة‪ ،‬وبأصوات استنشاق ومضمضة وتك بي ارت وتعوي ذات متبتل ة‬ ‫تمتزج بآهات لذة غامضة تشد أذني إلى أكثر المناطق سواًدا‪\".‬‬ ‫وفى هذا السياق النفسى يحق للبطل العائد من السجن بعد خمس سنوات كاملة بحثاً عن عالم قديم‬ ‫مس تقر أن يش عر بع دم ال ارح ة أو عل ى الق ل بالرتب اك‪ ،‬وعلين ا أل ننس ى أن الب ه و رم ز لعب د الناص ر حي ث‬ ‫تختلط فى أعماق البطل صورة مافعله عبد الناصر بالوطن بما فعله الب بالبيت وفى هذا السياق يمكننا الق ارءة‬ ‫بشكل مختلف فمشاهد اللم والمعاناة لتنفصل عن اد اركه للبيت الجديد ‪:‬‬ ‫\"أحسست بحيرة من ل يس تطيع التأك د أن الم ر اختل ف إل ى ه ذه الدرج ة وك أن الخم س س نوات ال تي‬ ‫غبتها في السجن كانت أربعين تحاول محو تفاصيل كثيرة متداخلة غائمة تتضح قليلً حين تشق الصدر ارئح ة‬ ‫دخان قمائن الطوب المحروق ‪ .‬تلتهب باحت ارق أعود القطن الجافة المحملة بعذارى دودة القطن وع رق البن ات‬ ‫والولد ودماء أصابعهم التي نهشتها إبر )الوشبر( الحادة الثلثية الط ارف للوز القطن الجاف ‪.‬‬ ‫استندت إلى سور الشرفة الضيقة المطلية بالجير والملح المل ون وال تي حل ت مح ل الت ارس ينة القديم ة‬ ‫ف ي بيتن ا الخمس يني ال تي ك انت تط ل عل ى الخلفي ة البحري ة لبيتن ا ‪ ،‬فه الني م دى م ا ص نع أب ي وم ا ج رى ب ه‬ ‫الزمان على بيتنا خلل تلك السنوات الخم س ال تي غبته ا ف ي الس جن لع ود بع دها ل بيت جدي د دفن ت في ه م ع‬ ‫القديم كل الذكريات التي غمرت في السجن قلبي وعقلي تقاوم النسيان والموت \"‪.‬‬ ‫وقد رصدنا استعادة الكاتب م ار اًر وتك ار اًر لتغي ارت البيت‪ ،‬والحق أنها قد تصيب القارىء بالملل‪ ،‬لول أن‬ ‫الوص ف ب أتى ك ل م رة وق د حم ل ب دللت قوي ة مغ ايرة تجعلن ا نغف ر ذل ك للك اتب‪ ،‬فالح ديث ع ن المن درة يجرن ا‬ ‫لطقوس مصرية ريفية بتفاصيلها التى لتخلو من متعة‪ ،‬الحديث عن المندرة هذه المرة‪ ،‬يجرنا لحديث آخر‬ ‫\"اختفت )المندرة( التي ك انت تش كل واجه ة ال بيت بش باكيها الع اليين ال ذين يجاورهم ا الب اب الت اريخي‬ ‫المنح وت ال ارس خ ذي الت اج الحدي دي ال ذي يص نع حدي دة نص ف ش مس تش كل مروح ة أس طورية م ن نج وم‬ ‫وأقواس وعصافير وتهاويل ودوائر تمكننا أن نزرعه بأغصان الصفصاف وجريد النخل الخضر ‪ ،‬وأحياًنا بزه ور‬ ‫عب اد ش مس احتف الً بق دوم ش م النس يم ‪ .‬وك ان ب تركيبه وعل وه الف ذ والفن ي يس اعدنا عل ى حم ايته م ن غ ا ارت‬ ‫أطفال الحواري الخرى ‪ ،‬حيث يشتد الص ارع م ن )أربع اء أي وب( ح تى )س بت الن ور( بي ن الح واري عل ى إش عال‬ ‫الني ارن أمام أبواب البيوت ‪ .‬بعد تزيين قممها بالخضرة لتدور معارك ص بيانية لحماي ة م ا يخص نا والغ ارة عل ى‬ ‫ما يخص الحواري الخرى ‪ ،‬ف ي تن افس ل يول د حق ًدا ولك ن يص نع بهج ة إذا انتص رنا وبعزقن ا ني ارنه م وأس قطنا‬ ‫زينة أبوابهم ‪ ،‬ويخلف حسرة إن نجحوا في بعزقة لواطفاء ني ارننا وزينتنا ‪.‬‬ ‫ف إذا م ا أت ي )س بت الن ور( وف ات ‪ ،‬كف ت ح رب الني ارن المرح ة ه ذه ال تي يتف اخر ويتب اهى م ن ظل ت ني ارنه م‬ ‫مش تعلة إل ى النهاي ة أو م ن بقي ت بس اتين خض رتهم حي ة ف وق هام ات أب وابهم ‪ ..‬ت دور ف رق م ن المنتص رين‬ ‫والمغل وبين م ًع ا لتفق د نتائ ج الح رب المرح ة والتعلي ق الس اخر ‪ .‬والك ل يحض ر البص ل الخض ر لص باح )ش م‬ ‫النسيم( سنلقي به مبكًرا إلى البحر )الترعة أو البحر الصغير( ونحن نغطس معه ليزيح الماء البكر خمول ع ام‬ ‫مضى عن أجسادنا ‪ ..‬كما أحرقت الني ارن السابقة الب ارغيت في بيوتنا لعام قادم ‪\"..‬‬

‫‪49‬‬ ‫والتغيي ارت بعد عودة البطل من السجن تبدو أكثر قسوة من ذى قبل‪ ،‬ربما لنضج البطل‪ ،‬وربما لنه‬ ‫يفتقد ذلك الركن ال ارسخ من شخصيته‪ ،‬فالبطل يصب جام غضبه على تغيي ارت البيت‪ ،‬لكن السبب الحقيقى هو‬ ‫تغي ارت القرية نفسها والمجتمع‪:‬‬ ‫\"ل م يع د ذل ك الب اب الجمي ل موج وًدا ‪ ..‬وترقرق ت ف ي عين ي دم وع حقيقي ة عن دما س ألتني س اخًار ع ن‬ ‫إص ارر أبي الدائم على إعادة صياغته ‪:‬‬ ‫‪ -‬إيه الل عمله أبوك في بيتكم يا وله وانت غايب ! \"‬ ‫عل ى أن تغيي ارت ال بيت يمك ن تفس يرها بش ىء آخ ر غي ر انع دام الح س الجم الى للب‪ ،‬وادخ اله تل ك‬ ‫التع ديلت القبيحة ‪-‬من وجهة نظر ال اروى‪ -‬على أنها محاولة الب‪ ،‬ف البيت رمز لوجود السرة‪ ،‬التحاي ل على‬ ‫الزمن والواقع لستم ارر وجود تلك السرة رغم نوائب الدهر‬ ‫كان خيال أبي في أمور البيت حاضًار نش ًطا ‪ ..‬عدل وغير فيه منذ ك ان بيتًا عادًي ا ج د ارنه م ن الط وب الَن ّي ‪-‬‬ ‫جد ارنه سميكة يتكون من نفس تلك )المندرة( ذات الشباكين وأمامها الحوش الممتد حتى الحائط البح ري لغرف ة‬ ‫الفرن وغرفة الدواجن وال ارنب ‪.‬‬ ‫والح ديث ع ن البيت يجرن ا للسباب الحقيقي ة للتغيي ر فالزوج ة‪/‬الم ه ى الس بب ف ى ذل ك‪ ،‬فالمك ان تهي أ‬ ‫لستقبال الم‪ ،‬والم بدورها أثرت فى شكل البيت‪:‬‬ ‫\"وعندما تزوج أبي بن ى لنفس ه ش قة كامل ة ب الطوب الحم ر والجب س مكون ة ف ي البداي ة م ن حجرتي ن‬ ‫وصالة ‪ ،‬ولها تلك البلكون ة البحري ة لتس تقبل بن ت المعل م )يوس ف النج ار( أقص د يوس ف الخميس ي البندري ة ‪،‬‬ ‫وهيأ لها مع السطوح الممتد أمام الشقة سكًنا يليق بها ويحقق شروط أبيها للرضا به كابن فلحين رغم تعليمه‬ ‫وأفنديته !\"‬ ‫ورغم أن سمير عبد الباقى يسارى الهوى والعقيدة‪ ،‬لكن تأكيده على جهود ومحاولت الب تحقيق نوع من التمايز‬ ‫الجتماعى ليصبح جزءا من البرجوازية الريفية‪ ،‬واص ارره على ذلك‪ ،‬قد يجعلنا نتحول إلى إدانة الكاتب نفسه ل‬ ‫إدانة الب‪ ،‬فالكاتب يحتفى بذلك التمايز الطبقى الذى طالما استنكره اليسار المصرى‪:‬‬ ‫\"وما أن ولد له الطفل الول بعد البن ت البكري ة ح تى ش مر ع ن س اعديه ‪ .‬وك م ك ان يعش ق أن يعم ل‬ ‫بيديه قبل مخه حتى مع من يستجلبهم للبناء من المتخصصين واس تطاع أن ي دحض حججه م ويقنعه م بإع ادة‬ ‫ص ياغة ال دور الول )ال بيت الق ديم( بتكيح ل ج د ارنه إل ى أبع د م دى بالس منت وتمحي ره م ن ال داخل والخ ارج‬ ‫ليتحم ل البن اء ف وقه وليمكن ه م ن اس تقبال نظ م المي اه الحديث ة ‪ ..‬ح تى أن ه أع اد ص ياغة الكني ف المرع ب‬ ‫)الكرس ي( ‪ ..‬وص ارت المن درة كالعروس ة بع د أن طدهن ت محارته ا ب الزيت ‪ .‬وك ان ه ذا جدي ًدا عل ى )مي ت‬ ‫سلسيل( ‪ ..‬وزين السقف بوردة ضخمة من الجبس المصبوب تتدلى من وس طه تما ًم ا ‪ -‬وس ط المن درة ‪ -‬تل ك‬ ‫اللمب ة ذات الش ريط الس طواني والزجاج ة الطويل ة ذات الك رش ‪ ..‬ال تي تهب ط بسلس لة حديدي ة دقيق ة لتعم ر‬ ‫بالجاز وتطغسل زجاجتها ثم ترفع مرة أخرى مضيئة مبهرة تجعل من لي ل المن درة نه اًار س اط ًعا يس تقبل )باب ا عب د‬

‫‪50‬‬ ‫الباقي( فيها أصدقاءه من المدرسين والموظفين والعيان في مك ان لئ ق ل يوج د مثل ه إل ف ي قلي ل م ن بي وت‬ ‫القرية كلها ‪..‬‬ ‫نواذا اعتبرن ا الب رم از للبطريركية التى ك انت تهيم ن بصورة خانقة عل ى المجتم ع‪ ،‬فمش اعره نحو تلك‬ ‫البطريركية التى كان يعتلى قمتها النظام الناصرى نوان كانت ل تخلو من حب‪ ،‬إل أننا نجده يقف مناوئاً لسلطة‬ ‫الب وق ار ارته‪ ،‬فالب مثل ناصر تورط فى ق ار ارت لم تكن فى صالح المنزل‪ .‬كانت ق ار ارت منفردة قد تصيب وقد‬ ‫تخطىء‪ ،‬وكما أشرنا من قبل فصورة الب هنا لتنفصل عن صورة عبد الناصر‪ ،‬لو اعتبرنا أن البيت رم اًز أكثر‬ ‫رحابة وانفتاحا من مجرد مكان السكن‪ ،‬إنه الوطن نفسه‬ ‫\"ولم يكف أبي عن التغيي ر والتع ديل ف ي ال بيت ‪ .‬ك انت الفك ار تف اجئه فيعي د التع ديل والتغيي ر ‪ .‬ولم ا‬ ‫انتزع جزء من المندرة ليخلي مساحة للسلم النازل إلى المدخل الشرقي الخ اص ب الدوار العلي ا ببن اء ج دار ق ال‬ ‫أنه سيساهم في تحمل ما سيجد فوقه من حمول ‪ .‬لم تعد تلك اللمبة القمرية تتوس ط المن درة ‪ ،‬ب ل أزيح ت إل ى‬ ‫الطرف الشرقي ولكن أحًدا لم يلحظ ذلك ولم يؤثر هذا على مركزها كأهم مك ان ف ي ال بيت ال ذي ص ار إل ى أدوار‬ ‫ثلثة مع اليام‪\".‬‬ ‫ولنق أر بس وء ظ ن م افعله الب‪ ،‬يك اد يك ون موق ف الك اتب من ه ه و نف س موق ف الش يوعيين م ن عب د‬ ‫الناصر وق ار ارته‪ ،‬كان عبد الناصر يحقق الحلم اليسارى‪ ،‬ومع ذلك كانت هناك مشاكل فى تطبيق الحلم‪ ،‬وق ار ارته‬ ‫الش ت اركية مث ل الت أميم ال تى سيعارض ها س مير عب د الب اقى ف ى \"زم ن الزن ازين\" ستس لم الش ركات والمص انع لم ن‬ ‫يكرهون الجماهير‪ ،‬وسيكون للقطاع العام \" مستقبل أسود\" ويكاد يكون موقف سمير عبد الباقى من سلطة الب‬ ‫عبد الباقى‪/‬عبد الناصر واحد‬ ‫\"لكن أبي شمر عن ساعديه بعد أن تح ول الح وش إل ى من درة ‪ .‬أق ام الج دار بع د الب اب الك بير ليغل ق‬ ‫الحوش ويبلط أرضه والمساحة التي أمامه ‪ .‬ليبدأ للمندرة تاريخ آخر ‪ ،‬كنت فيه الفتى الول ‪ ..‬وكان ل ه ت أثير‬ ‫كبير على مجريات حياتى بعد الحرب )‪ (...‬مما جعل للمن درة ه ذا الوج ود ال ذى خل ف غي ابه ل ى ألم ا ك بي ار ‪...‬‬ ‫فهى لم تكن مجرد مكان بل كانت حياة كاملة ممتدة مليئة بالحلم والرؤى والحداث والمشاعر ‪ ...‬لدرجة اننى‬ ‫بعد عودتى كرهت ه ذا ال بيت ال ذى أريت ه ق د تق زم ‪ ...‬م ع ان ه أقي م عل ى نف س المس احة ولك ن ف رق ك بير بي ن‬ ‫مك ان ‪ -‬أي مك ان‪ -‬وبي ن مك ان ازخ ر بك ل ه ذه المش اعر والح داث ال تي ل يمك ن أن أك ف ع ن التفكي ر فيه ا‬ ‫واستعادتها‪\".‬‬ ‫والحديث بتلك النوستالجيا عن البيت يعتمد فى الساس على فنية الكاتب وب ارعته‪ ،‬الحديث عن أهمية‬ ‫ومركزي ة ال بيت ي ت ارجع أم ام الواق ع‪ ،‬فبع د ك ل ذل ك الح ديث \" الفن ى\" كم ا يق ول الك اتب‪ ،‬نج د عل ى مس توى الواق ع‬ ‫اختلفا فى الموقف ‪ 180‬درجة كاملة‪ ،‬فلنق أر اعت ارف الكاتب بعد ذلك‬ ‫\"فزعت حي ن ض بطت نفس ى متلبس ا )بالك ذب الفن ى( إذ غمرن ى للحظ ة ش عور س عيد م ن ال ارح ة حي ن‬ ‫ه اتفنى أخ ى الص غر)دكتور هش ام( يخ برنى أن هن اك مش ترى تق دم لش ارء بيتن ا )بي ت ج دى( بي ت التاري خ‬ ‫والسيرة‪ ،‬بسعر معقول !!\"‬


Like this book? You can publish your book online for free in a few minutes!
Create your own flipbook