هكذا عاشوا مع القرآن هذا لو ركن إليهم شي ًئا قليلا ،وهو َص ِف ُّي الله من خلقه وخليله! إ ًذا ما حال العبد المسكين الذي استخفه أصحاب الشهوات والشبهات فركن إليهم شي ًئا كثي ًرا ،وافترى على الله غير وحيه وشرعه؟ إنه لن يكون أكرم على الله من رسوله صلى الله عليه. نسأل الله الثبات على الحق حتى الممات. عندما عادت إل َّي نفسي!! كل ما أملكه لم يكن يتجاوز كونه عقلا شار ًدا يتخبط بي ،وه ًّما يؤرقني ،وأنينًا في صدري يهز أضلاعي ،ووجدت نفسي وحيدة على كثرة من حولي ،ووجدتني ضعيفة ج ًدا ،وما أعظمها من حقيقة تعلمتها من تجربتي ،حقيق ُة أنني ضعيفة لا أملك لنفسي نف ًعا ولا ض ًرا! حقيقة نؤمن بها نظر ًيا ،لكن شتان بين النظرية وبين أن نذوقها ونعيشها ،حينها تتبدل المقاييس والمعايير في ذواتنا ،ونعيد البناء على أساس متين ،على أساس ﮋﰊﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏﮊ (). لجأ ُت للقرآن الكريم حينها ،وكيف لجأت؟! كانت البداي ُة بع َد آي ٍة ترددت في ذهني كثي ًرا ﮋﰏﰐ ﰑﰒﰓﮊ () ،وأخذ ُت أضع لنفسي ِور ًدا أقرؤه ليطمئن قلبي المكلوم ،فهدأت نفسي لمجرد القراءة ،لكن ما زلت أشعر أني في طريقي لخي ٍر أعظم. وفعلا؛ جاءتني مكالمة من أخت في الله ،ذكرتني بالله وبِ ِع َظ ِم أج ِر الابتلاء محمد.19 : الرعد.28 : 101
هكذا عاشوا مع القرآن والصبر عليه ،وقالت :لقد أراد الله بك خي ًرا ،فلربما أرا َد أن يزيد ِك من فضله بعد أن رأى منك نف َع النا ِس بما تقدمينه لهم من خيرُ ،ث َّم قر َأ ْت آي ًة ،وانتهت المكالمة!. لم تكن تعل ُم ما فع َل ْت بي هذه الآية ،لقد غيرَّ ت مجرى تفكيري حينها بشكل غير عادي ،ووجد ُت في روحي انتعاشا غاب عني شهو ًرا ،إنها قول الله تعالى: ﮋﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮊ()، يا الله! أبالصبر واليقين أنال هذا الشرف؟ حينها قلت بكل عزم وحزم :يا أقدا َم الصبر تحملي ﮋﯷ ﯸ ﯹ ﯺﮊ() ،وكوني على يقين بكل ما يعدك ربك في كتابه ،وفعلا قررت حينها أن أصبر وأصبر ،وأن يكون عندي يقين أكثر بفرج الله سبحانه ووعده حيث يقول ﮋﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮊ () ،ويقول :ﮋﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮊ() ،ويقول جل وعلا :ﮋﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﮊ()،ويقول تعالى :ﮋﯿﰀ ﰁﰂﰃﮊ(). وحينما كانت الضغوط تحيط بي ،ويتعالى حديث الناس من حولي بأنني سأفقد الكثير ،كانت تأتيني آية تن ِز ُل على قلبي نزول المطر على الأرض الجدباء القاحلة؛ فيزهر ربيع قلبي ،يقول الله تعالى :ﮋﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ السجدة.24 : البقرة.153 : الطلاق.2 : الطلاق.3 : الشرح.6-5 : الطور.48 : 102
هكذا عاشوا مع القرآن ﭻﭼﭽﭾ ﭿﮀﮊ(). لقد كانت كل آية تأتيني ذكرى من الله ،فكم يفتح التدبر للنفس من آفاق نحو السعادة والاستقرار النفسي ،واللهِ إنها لحياة جديدة لقلبي ،فخرجت من المحنة وقد خسرت في نظر كثير ممن حولي ،وهذا للأسف فهمنا القاصر للمشكلات التي نعيشها ،لكني والله قد ربحت ،بل إن ربحي لكبير مع رحلة التدبر ،لقد ربحت من هذه المحنة ذاتي التي وجدت طريقها أخي ًرا!! تثبي ٌت من الله ُكن ُت إذا سمع ُت بالفت ِن من حولنا وكثرتها وكثرة المعاصي؛ أبحث عن وسائل للثبات على دين الله ،ومع تأ ُّملي في القرآن الكريم؛ وجد ُت هذه الوسائل فعلا في قوله تعالى في سورة النساء :ﮋﭑﭒﭓ ﭔﭕﭖﭗﭘﭙ ﭚ ﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦ ﭧﭨﭩﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﮊ()، فجعل ُت شعاري بعدها العمل بما أعلم ،حتى حصلت على بعض الثمار ،ومنها: معونة الله عز وجل لي على القيام بالطاعات بأسهل الطرق. وعد الله ح ٌّق! احتاجت أمي في يوم من الأيام لشيء يكلف بعض المال ،وكن ُت ألمس رغبتها فيه وحاجتها إليه ،وكان لدي بعض المال الذي رصدته لحاجة لي ،لكنه قد يقضي الحجر.98-97 : النساء.68-66 : 103
هكذا عاشوا مع القرآن حاجة أمي ،ومر في نفسي خاطر :لم لا أقدم حاجتها على حاجتي؟ ألم يأمرني الله ببرها؟ وراودتني نفسي فصارع ُتها حتى قرر ُت تقدي َم حاجتها على حاجتي مهما كلفني ذلك ،وتذكرت قوله تعالى :ﮋﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ ﰙﰚﰛﰜ ﮊ() فقضيت حاجتها ،وكلفني ذلك مبل ًغا من المال ،كلي أمل في رضاها بعد رضا الله ،ولما فاجأتهُ ا بالأمر بكت من شدة الفرح ،فانشرح صدري لما وفقني الله إليه من برها وإدخال السرور عليها. العجيب في الأمر أنه في اليوم التالي لقضائي حاجتها؛ تم تحويل مبلغ لحسابي مكافأة من جهة رسمية ،والأعجب أنها كانت بمعدل الضعف وزيادة ،فبكيت حينها لأنني تذكرت موعود الله عز وجل :ﮋﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ ﰛ ﰜﮊ. (ﭢﭣﭤﭥ) حينما بدأ ُت في حفظ كتاب الله تعالى قبل عشرين عا ًما؛ كن ُت أقف أمام بعض الآيات التي ُتؤثر في قلبي ج ًدا ،وأكررها عشرات المرات ،ثم أكت ُبها على ورقة وأضعها أمامي متأملا كلماتها ومعانيها ،فكن ُت أشعر أن هذه الآيات تحُ دث تأثي ًرا كبي ًرا في قناعاتي وعقيدتي ومبادئي. ومن تلك الآيات العظيمة التي كتب ُتها وع َّلق ُتها على جدار غرفتي قوله تعالى: ﮋﭑﭒﭓﭔ ﭕﭖﭗﭘ ﭙﭚﭛ ﭜﭝ ﭞﭟﭠﭡ الحديد.11 : 104
هكذا عاشوا مع القرآن ﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨ ﭩﭪﭫﮊ(). لقد عالجَ ْت هذه الآي ُة عندي أكثر من %90من الحزن والكآبة والقلق والخوف والتردد!!! ولكن كيف ذلك؟ لقد كنت أتعرض لإحباطات كثيرة نتيجة فشلي في عمل ما ،أو خطئي في تصرف ما ،أو تس ُّرعي في كلمة أقولها ثم أكتشف أنني مخطئ ،وعندما قرأ ُت هذه الآية علم ُت أن أي ض ٍّر يصيبني إنما هو من الله تعالى ،وهو أمر ُم َق َّد ٌر قبل أن ُأخلق، وهذا الضرُ ُّ لا يمكن لأحد أن ُيذهبه ويكشفه إلا الله تعالى ،فكن ُت أقول :لماذا أنا حزي ٌن وقل ٌق ومحبِ ٌط؟ إذا كان الله تعالى وهو أرحم الراحمين قد َم َّسني بهذا الض َّر؛ فهو من سيكشف هذا الضر ،فهل هناك أ َج ُّل من هذا؟ لقد غيرَّ ت هذه القناعة الجديدة أشياء كثيرة في حياتي ،فتحول الوقت الذي كن ُت أمضيه في التفكير فيما سبق من أخطاء ومشاكل؛ تحول إلى وقت مثمر أقرأ فيه القرآن أو أتعلم فيه أم ًرا جدي ًدا من أمور العلم! انظروا معي إلى هذه الكلمات :ﮋﭑﭒﭓﭔ ﭕﭖﭗﭘ ﭙﮊ؛ كيف غيرَّ ت حياة إنسان بأكملها ،وكيف غيرت الوقت من وقت ضائع إلى وقت مثمر وف ّعال! وماذا عن الجملة الثانية من الآية :ﮋﭛ ﭜﭝ ﭞﭟﭠ ﮊ يا لها من كلمات مليئة بالرحمة والتفاؤل والحيوية ،فقد كن ُت في كثير من الأوقات أعاني من قلق وخوف من أشياء سوف تحدث ،أو أتخيل أنها ستحدث ،وعندما قرأ ُت يونس.107 : 105
هكذا عاشوا مع القرآن هذه الكلمات الإلهية أدرك ُت بأن أي خير سيصيبني لا يأتي إلا بإرادة الله عز وجل! ولن يستطيع أن ير َّده عني أحد إلا الله تعالى ،فلماذا التردد في فعل هذا الأمر ما دام في رضا الله؟ بعدها؛ لم يعد لدي حسابات كثيرة أجريها قبل القيام بعمل ما، ماذا يعني ذلك؟ وتأ ّمل :ﮋﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨ ﭩﭪﭫﮊ ، إنها الجملة الثالثة من الآية الكريمة ،وتعني أن الله تعالى يختار من البشر من يشاء ليصيبه بالخير. ﮋﯦﯧﯨﮊ دائما ُكنت أفكر في أولادي ومستقبلهم ،وتراودني فكرة أنني قد أموت وأتركهم وهم أطفال صغار ،وأفكر كيف سيكون حالهم من بعدي؟ ولكن ذات مرة وأنا أقرأ سورة الكهف ،وعندما وصلت إلى قوله تعالى: ﮋﯛﯜ ﯝﯞﯟ ﯠﯡﯢ ﯣﯤ ﯥﯦﯧ ﯨﯩﯪﯫﯬ ﯭﯮﯯ ﯰﯱﯲﮊ(). وقف ُت عندها كثيرا وتأمل ُتها ،وأصبح ُت أرددها كثيرا في نفسي وأتساءل :ما الذي يعنيه أن يكون الشخص صالحًا؟ وما أهمية هذا الصلاح في حفظ الأبناء؟ وقررت بعدها أن أبحث عن تفسيرها ،والذي ما إن قرأته حتى أ َّثر في نفسي أث ًرا بال ًغا ،وجعلني أقرر أن أصلح أولا من أحوالي؛ سواء على صعيد علاقتي بربي، أو علاقتي بالناس من حولي حتى أنتفع وينتفع بذلك أولادي من بعدي ،وبدأت فعلا أقطف ثمار هذه الآية العظيمة ،فأنا أشعر الآن بسعادة عظيمة في ظل عبادتي الكهف.82 : 106
هكذا عاشوا مع القرآن لربي ،وثقتي الكبيرة به أنه هو الحافظ لأولادي وعائلتي من كل شر مادمت أعمل صال ًحا. ميلاد جديد كان ميلادي في السادسة عشرة من عمري!! كان ذلك في ليلة من ليالي الصيف وبعد العشاء في بيت أخي الأكبر ،إذ جلسنا في فناء داره وعلى ضوء أنوار أعمدة الشارع في ليلة لا أنساها أب ًدا ،وكان أخي يحدثنا عن الجنة ونعيمها ،وأخذ الحديث بمجامع قلبي وكأني أسمعه لأول مرة، بل ربما فعلا أسمعه لأول مرة ،فقد كنت في غفلة ُم ْطبِ َق ٍة ،وسألت أخي :أين أجد مثل هذا الكلام الجميل؟ فأشار إلى مكتبته الخاصة ،ونظرت إلى الكتب في حيرة: أيهَّ َا أختا ُر؟ ولا ِز ْل ُت أتعج ُب إلى اليوم كيف وقع اختياري على كتاب (إغاثة اللهفان من مكائد الشيطان) لابن القيم ،مع كتابه الآخر (الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي) ،وكتاب ثالث هو أحد أجزاء (الترغيب والترهيب) للمنذري. أخذتها وذهبت إلى المنزل ،و َظل ْل ُت أقرأ وأقرأ وتأثرت كثي ًرا ،وتولدت لدي الرغبة الشديدة في حفظ القرآن الكريم ،حيث لم يكن معي منه وأنا في السادسة عشرة إلا بع ٌض من قصار السور مع ضعف في حفظها!! وبدأت الحفظ فعلا ،إلا أنني شعرت بالحاجة ال ُم ِل َّح ِة إلى فهم آيا ٍت كنت أقف عندها متسائلة عن معناها ودلالتها ،وهنا بدأت مسيرة حياتي الجديدة حينما أمسكت كتب التفسير وبدأت أقرأ بفهم وتأثر ،كنت أقرأ كثي ًرا في تفسير (جزء ع َّم) وأنا خالية وأبكي ،كنت 107
هكذا عاشوا مع القرآن أعيش الآيات بتفاعل وأشعر أن الروح تسري في قلبي ،وقب َس النو ِر ُي ِش ُّع في نفسي ،ويزداد يو ًما بعد يوم ،إنه الح ُّق في قول الحق سبحانه وتعالى :ﮋﮗ ﮘ ﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢ ﮣﮤﮥﮦ ﮧ ﮨﮊ(). وعرفت طعم الحياة الحقيقية يوم عرفت ربي من خلال تدبر كلامه ،فأحببته وآثرت محا َّبه على كل شهواتي ،فأقبلت على الصلاة والصيام والقرآن والقيام به والقراءة في الكتب النافعة ،وتركت سماع اللهو ومتابعة الأفلام ،وكل ما يمكن أن يمارسه من نشأ في أجواء الغفلة والبعد عن القرآن والعلم الشرعي ،وكن ُت كلما مررت بآية تؤثر في قلبي فتحت كتب التفسير لأفهمها ،ثم أكتبها في دفتر أو في ورقة أعلقها أمامي في مكان بارز. ﮋﭖﭗﭘﮊ كن ُت في العشري َن من ُع ُم ِري يو َم تقد َم لي الشاب الذي أحلم به :طال ُب عل ٍم عليه ِسيْماَ الصلا ِح والاستقام ِة ،ووافق ُت وقتها بعد استخارة واستشارة دون تق ٍّص واضح لأمور أخرى قد تهَ ُ ُّم الناس عادة ،ومضت الأيام وأنا أعيش فترة ال ِخطبة في ظل حل ٍم جمي ٍل بالحياة في بيت طالب علم ،إلى أن اقترب موعد الزواج ،وتسامع الناس بالخبر في بلدتي الصغيرة ،فتتابعت التحذيرات من الارتباط بجا ٍّد متز ِّم ٍت بعيد عن مباهج الحياة!. اضطرب ُت و ِح ْر ُت بين الثبا ِت على المبدأ وتكملة المشوار ،وبين الاستسلا ِم الأنعام.122 : 108
هكذا عاشوا مع القرآن والتراج ِع ،ومض ِت الأيام وأنا بين الحيرة والقلق والدموع ،إلى أن شاء الله جل وعلا ،وفي لحظة لا أنساها بعد صلاة الفجر جلس ُت أنتظ ُر الإشراق ،وأخذت المصحف وتلوت من سورة آل عمران ،حتى توقفت فيها على قوله تعالى :ﮋﯶ ﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿ ﰀﰁﰂﰃﰄ ﰅ ﰆ ﮊ() ،ولم أكن أعرف تفسيرها في ذلك الوقت ولا فيمن نزلت، ولكني شعرت أنها تخاطبني ،فكررتها مرات أتدبرها ،وبعدها اتخذ ُت قراري بالاستمرار في ترتيبات الزواج وأنا أردد :حسبي الله ونعم الوكيل. واليوم؛ وبعد ُمضيِ ِّ خمس ٍة وعشري َن عا ًما على زواجي؛ أرى تتم َة الآي ِة في حياتي :ﮋﭑﭒ ﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙ ﭚﭛﭜﭝﭞ ﭟ ﭠﮊ(). أهل الرجاء والخوف ُكن ُت دائماً أتأمل كيف امتدح الله سبحانه وتعالى أهل الرجاء والخوف في كتابه ،كما في قول الله تعالى :ﮋﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮊ() ،فالرجاء يستلزم الخوف ،ولولا ذلك لكان أمنًا ،والخوف يستلزم الرجاء ،ولولا ذلك لكان قنو ًطا ويأ ًسا ،وكل أحد إذا خفته هربت منه إلا الله تعالى ،فإنك إذا ِخفته هربت إليه. آل عمران.173 : آل عمران.174 : السجدة.16 : 109
هكذا عاشوا مع القرآن ومنها أيضا قوله تعالى :ﮋﯦﯧ ﯨﯩﯪﯫﯬﯭ ﯮ ﯯﯰﯱﮊ() ،قل ُت :سبحان الله! هم يبيتون ساجدين وقائمين ومع ذلك يخافون الآخرة ويرجون رحمة ربهم؛ لأنهم يشعرون أنهم لم يعملوا !فتأملوا كيف َذ َك َر تعالى خو َفهم ورجا َءهم مع إتيانهم بهذه الطاعات. وللأطفال مع كتاب الله ِقصص أي ًضا! الأطفا ُل هم فطر ٌة سليم ٌة لم تتلوث ،وفه ٌم بسي ٌط لم تع ِّقده أحداث الحياة، وتربيتهم في ظل الحنيفية ال َّس ْم َح ِة؛ ُتنتِ ُج آخر المطاف مثل هذه ال ِقصص؛ لنعتبر بها ونتعظ ،ونتعلم منها كيف نتعامل مع القرآن ونعيش معه: ﮋﭕﭖﭗﮊ كنت عائ ًدا ذات صباح من السفر ،وأردت أن أحضر هدية لأبناء أخي الصغار ،و ِح ْر ُت في اختيارها حتى وجد ُت جها ًزا يعرض القرآن كاملا بصوت عدد من القراء فاشتريته ،ولما عد ُت كانوا في استقبالي فقدم ُتها لهم ،ثم صعدت للنوم كوني ُمرهقا من السفر ،و ُرحت في نوم عميق. وفجأة!! -وبعد زمن لم أستطع تقدير -سمع ُت أصوات بكا ٍء ،اعتقد ُت في البداية أنني أحلم ،لكنني بعد أن استيقظت َف ِز ًعا نزلت أسفل البيت لأصعق بابنَي أخي« :راكان» ذي السنوات الأربع ،و«وجدان» ذات السنوات الست؛ وهما يستمعا ِن للجهاز الذي أهديته لهما ،وبالتحديد لآي ٍة في سورة الانفطار تقول: الزمر.9 : 110
هكذا عاشوا مع القرآن ﮋﭕ ﭖ ﭗ ﮊ()ُ ،صعقت لبكائهما ،ومكثت برهة وأنا صامت أراقبهما وهما يبكيان بحرقة ،ثم خرج ُت عن صمتي لأسألهما :لماذا تبكيان؟؟ أجابني راكان بخوف وبراءة :عمي؛ النجوم ستطير والبحر سينفجر! وتس َّمر ُت في مكاني ،ل ُيفاجئني صوت «وجدان» بكلمة هزتني من الأعماق :عمي ص ِّل وحافِ ْظ على صلاتك ،غدا تطير النجوم ،ويا ويلك من ربي! وقد ُكن ُت فعلا لا أواظب على الصلاة حينها ،ولم أشعر بنفسي إلا وأنا أبكي وأصيح من أعماقي ﮋﭕ ﭖ ﭗ ﮊ ماذا سأقول لربي؟؟ ماذا سأقول لربي؟؟ ولم َت ُف ْتنِي صلا ٌة في المسج ِد منذ ذلك اليوم بفضل الله. ﮋﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﮊ طفلة في الحادية عشرة من العمر ،كانت تقول لأمها باستمرار :كلما مرر ُت بآيات معينة من القرآن زاد خوفي ،وتم َّلكتني الرهبة ،وأحسس ُت أن الله قد ُينزل بنا العذاب إن قصرَّ نا في حقه. -سألتها الأم :وما هي هذه الآيات؟ -فأجابت الطفلة :هي قوله تعالى :ﮋﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴ ﯵﯶ ﯷﯸﯹﯺﯻ ﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂ ﰃ ﰄ ﮊ(). الانفطار.2 : الرعد.13-12 : 111
هكذا عاشوا مع القرآن ﮋﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮊ هو طفل ككل الأطفال ،عمره ست سنوات في الصف الأول الابتدائي، قامت أمه الصالحة بتربيته على كتاب الله عز وجل منذ نعومة أظفاره ،فأحب كتاب الله وبدأ في حفظه ،وفي يوم ذهبت أمه إلى المدرسة لأخذه ،فوجدته منشغلا يكتب في ورقة معه ،فنادته فأقبل إليها ومعه الورقة ،وظنت الأم أنه كان يرسم في تلك الورقة ،فأخذت الورقة منه على عجل ،وقامت بطيها ،فخاف ابنها أن ترميها، فقال لها :أمي؛ أمي! لا ترمي هذه الورقة. -قالت له :لمَ؟ -قال لأن بها قرآ ًنا. -فأخذت الأم تقرأ الورقة! ثم قالت :أنت كتبت هذه؟ -قال لها :نعم. -قالت له في اندهاش :ولمَ كتبتها؟ -قال لها :يا أمي؛ إن صديقي الذي يجلس أمامي في الفصل ظل َم صديقي الآخر ظلماً كبي ًرا ،وقام بأذيته دون أدنى ذنب منه ،فقمت بكتابة هذه الآية لصديقي الظالم لأذكره بالله وأخوفه منه. كانت الآية هي قوله تعالى :ﮋﮐﮑﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮊ(). الأحزاب.58 : 112
هكذا عاشوا مع القرآن ﮋﮨ ﮩﮊ كن ُت متهاون ًة في أداء الصلاة رغم حرصي الشديد أن يحافظ عليها أبنائي ،وقد راقبتني ابنتي ذات السنوات العشر دون عل ٍم مني ،فع ِل َم ْت أنني أتهاون في ال َّصلاة، ثم حدث بيني وبينها هذا الحوار الذي كانت فيه سب ًبا بعد الله في هدايتي: -قالت لي :أمي؛ ما جزاء من ترك الصلاة؟ -قلت :كافر ومصيره إلى النار. -قالت :ولماذا يترك الإنسان العاقل الصلاة؟ -قلت :ربما لأنه يعتقد أنه لا يوجد بعث ولا حساب ،وأنه سينتهي بمجرد الموت. -قالت :وهل هذا الاعتقاد صحيح؟ -قلت :كلا ! بل هو باطل ،والصحيح أن هناك بع ًثا ونشو ًرا وحسا ًبا وجزا ًء وجن ًة ونا ًرا! -قالت لي :يا أماه؛ وما فائدة هذا الاعتقاد إذا لم يظهر أثره في سلوك الإنسان وتصرفاته؟ وفي أدائه للصلاة ومحافظته عليها في أوقاتها؟ ألم يقل سبحانه :ﮋﮣ ﮤ ﮥﮦﮧﮨ ﮩﮊ()!! فتأملت كلامها فوجدت أنه الحق ،وتأثرت به فأصبحت -ولله الحمد -بعد هذا الحوار من ال ُمحافظات على الصلوات والسنن الرواتب ،أسأل الله أن يثبتني على ذلك. النساء.103 : 113
القسم الثاني ِقصص تحكي تأملات ومواقف مع آيات القرآن لساني سر شقائي! كن ُت امرأ ًة متدين ًة؛ لكني كن ُت كثير َة الفضو ِل والأسئلة ،فالمه ُّم أن أسأ َل ،لا للمعرف ِة ثم العم ِل ول ِك ْن من با ِب الفضول ،وكنت أتحدث عن الأشياء لمجرد الحديث فقط ،وكثيرا ما كن ُت أ ُم ُّر بلا تفك ٍر أو تد ُّب ٍر على قوله تعالى :ﮋﭪﭫﭬ ﭭﭮ ﭯﭰﭱﮊ() ،وعلى الآية الكريمة :ﮋﮮﮯﮰﮱﯓ ﯔﯕﯖ ﯗﯘﯙﮊ() ،لا أدري أغفلة تلك أم هي حسن ظن بنفسي؛ عياذا بالله! وبعد زواجي كن ُت أسأ ُل عن أشيا َء ،وأتحد ُث عن أمو ٍر لا ينبغي ذكرها حتى مع الزوج ،كنت أفع ُل ذلك -فقط -لأبين له أني قد سمعت عن حيل بعض النساء على أزواجهن ،ولم ُأدرك نفسي إلا بعد أن أدخل ُت الش َّك في قل ِب زوجي ق.18 : المائدة.101 : 115
هكذا عاشوا مع القرآن من جهتي ،وتطور الأمر حتى صار يتهمني ويحتج على صحة اتهاماته بما قلته له، وبما سألته عنه! واستمر تطور الأمور حتى ضاق بي الحال من ازدياد معاملته السيئة لي ،حتى خرجت من بيتي إلى بيت أهلي ،وهناك وصلنا للطلاق. بعد الطلاق كنت أتهمه بأنه مجر ٌم وظالمٌ إذ فعل بي ما فعل بلا ذنب سبق مني، لكن عندما مرر ُت بتفسير الآيا ِت السابقا ِت ،واستشر ُت واحدة من أهل الخبرة في حل القضايا الأسرية ،وسم َع ْت مني ما صنع ُت؛ أشارت إلى لساني وقالت :هذا هو سر شقائك! توبة فتاة استمعت إلى كلام الله كن ُت متمادي ًة في المنكرات والعصيان ،و َل َك ْم حا َو َل ْت والدتي ُنصحي وتذكيري، لدرجة أنها كانت تبكي أمامي؛ ولكن بدون فائدة! ظ َل ْل ُت أسير في طريق مظلم كالح ،أتخبط فيه بين الأوهام والخيالات ،وعندما ُيس ِد ُل اللي ُل ستاره الأسود؛ أفكر فيما سأعمله غدا ،وعندما يشرق النهار أبل َج واض ًحا؛ أحمِ ُل َه َّم الليل وكيف سأقضيه ،ليس لي ه ٌّم إلا الدنيا ،وإضاعة الأوقات بدون فائدة ،وتمر الساعات وأنا ما بين أغنية ومجلة ،وفيلم ،وهكذا ألبستني الغفل ُة من ثيابهِ ا ألوا ًنا شتى. وذات يوم ملل ُت من ذلك الروتين اليومي ،ومن نصح والدتي وتذكيرها لي بوالدي المتو َّىف وحرصه عل َّي ،ودخل ُت غرفتي التي تضج بالأشرطة والمجلات والصور ،وفتح ُت نافذة غرفتي فإذا بصوت إمام المسجد يهز مسامعي وهو يقرأ 116
هكذا عاشوا مع القرآن من سورة ق ،فما أشد وقع تلك الكلمات على نفسي الغافلة ،وما أعظمها وهي تصف حال الإنسان عند الموت :ﮋﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚ ﭛﭜ ﭝﭞﭟﭠﭡﭢ ﭣ ﭤﭥﭦ ﭧ ﭨ ...ﮊ إلى قوله: ﮋﰖ ﰗﰘﰙﰚﰛ ﰜﰝﰞﰟﰠﰡﰢﮊ(). إنها الحياة الحقيقية ،فما أقسى الموت! وما أشد غفلتي عنه! وهذا القب ُر الذي طوته الغفلة و َغ َّي َب ُه النسيان في حياتي! وهذه الصلاة التي كانت مجُ َ َّر َد عاد ٍة ،إِ ْن كن ُت متفرغ ًة أديتها وإلا ترك ُتها كغيرها من الفرائض! أما كتا ُب الله فلا تمَ َ ُّس ُه يدا َي إلا في المدرسة إن حضر ُت حصته ،وهكذا؛ دق جرس الإنذار في نفسي مدو ًيا ،وانهالت الأسئلة عل َّي من كل جانب! يا إلهي! ماذا أعددت لسؤالك؟ ماذا أعدد ُت للقبر وضمته ،وللموت وسكرته؟ لا شيء أب ًدا؛ لا رصي َد لد َّي أنجو به ،ولا زاد أتزود به سوى عشرات الأغاني الماجنة التي أحفظها! يا إلهي؛ ماذا سأفعل؟ راح من ُع ُمري الكثير :ذنوب بالليل وآثام بالنهار! لابد من الرجوع إلى الله والاستعداد ليوم تشيب فيه الولدان ،وتضع كل ذات حمل حملها ،لابد من الاستيقاظ والعمل بجد وإخلاص ،لعل الله أن يعفو عن الكثير، ويقبل القليل ،ولا حول ولا قوة إلا بالله. أعادته آية ! أنا شاب مسلم من أسرة مسلمة متوسطة ،هاجر ُت إلى كندا منذ عشر سنوات، ق. 35-16 : 117
هكذا عاشوا مع القرآن وهناك؛ حيث يباح كل شيء ،ويتم في وضح النهار مهما كان مخزيا؛ انزلق ُت إلى مستنقع الفواحش ،و َغ ِر ْق ُت في الرذيلة المحرمة إلى أقصى درجة ،ثم جاءتني فرص ٌة للعمل في القاهرة بإحدى الوكالات التابعة لهيئ ٍة دولي ٍة معروف ٍة ،وفي القاهرة تعرفت على مجتمع من الشباب المنفلت البغيض ،ونظ ًرا لما حباني به الله من َو َسامة وجاذبية في الحديث؛ فقد كانوا يرحبون بي أينما حللت! وفي أحد الأيام كن ُت أتصفح الشبكة العنكبوتية؛ فدخلت أح َد المواق ِع النصراني ِة التي َت ُس ُّب سيدي وحبيبي × ،وأحسست بالدماء تغلي في عروقي حتى ليكاد رأسي ينفجر من الغيظ ،ووجدت بالموقع راب ًطا لبرامج بعض المنصرين؛ فهالني ما أسمع ،إلا أنى أحسست عند استشهاده بإحدى الآيات القرآنية أن هناك تغيي ًرا ُم َت َع َّم ًدا في كلماتها ،ولكني لم أكن متأكدا منه ،فقررت أن أعود للآية التي َيستشهد بها للتأكد من صدق ما يطرحه من أدل ٍة على شبهاته ،وأمسكت المصحف لأول مرة منذ خمس سنوات للبحث عن الآية المذكورة ،ولكن قبل أن أصل إليها وقعت عيني على قوله سبحانه وتعالى :ﮋﮤﮥﮦﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﮊ() ،ووجدت نفسي أكررها عدة مرات ،وانتابتني موجة من البكاء حتى علا صوتي وأنا أبكي وأستغفر الله ،وأعلنت التوبة ،وانتظمت في صلاتي ،وأرجو من الله أن يتقبل مني توبتي. ثم بدأت بعد ذلك رحلة طويلة من الدراسة للقرآن الكريم ،وكلما أنعم الله الزمر.53 : 118
هكذا عاشوا مع القرآن عل َّي بالعلم من عنده؛ عرفت كم هو عظي ٌم ديننا ،وكم هو عظي ٌم نب ُّينَا الكريم ×، كما عرفت كم هو ضئيل ووضيع كل من حاول الطعن فيهما!. وليهنأ المنصرون ومن سار في ِر َكابهِ ِم ،فكم من مسلم مستهتر عاد إلى جنة الإسلام بفضل أكاذيبهم وافتراءاتهم ،وصدق الله العظيم حين قال :ﮋﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉﮊﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮊ(). ﮋﭖ ﭗ ﭘﮊ أنا امرأة متزوجة ولدي طفلتان ،وبسبب ظروف الحياة الصعبة ،وبسبب دراستي الجامعية اندرج ُت في العمل بأحد البنوك الربوية ،وأنا أحب بطبيعتي التفاني والإخلاص في العمل؛ فكنت من الموظفات النشيطات المتميزات والمحبوبات من الزبائن ،لا أزعم أنني لم أكن أعلم أن العمل بالربا حرام؛ ولكن لم يكن لدي الوازع الديني القوي لِيرَْ َد َعنِي ،وبالرغم من ذلك كنت دائما أشعر أن هناك خط ًأ َما ،وأن مكاني المناسب ليس هنا ،إلى أن ُت ُوفيِّ َ أبي وبدأ ُت بقراءة القرآ ِن بتدبر فتأثرت جدا بقوله تعالى في سورة الحاقة :ﮋﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤﯥﯦﯧ ﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯ ﯰﯱﯲﯳﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇﰈﰉﮊ() ،فكانت هذه الآيا ُت تصيبني بنوب ِة بكا ٍء شديد ٍة ،وخو ٍف وهل ٍع كلما تصورت نفسي مع َمن سيؤتى كتابه بشماله ،فكنت في داخلي أتمنى أن الصف.8 : الحاقة.32-25 : 119
هكذا عاشوا مع القرآن أصبح من الأخوات الملتزمات ،ومع الوقت تكاثرت الديو ُن الربوية عل َّي وعلى زوجي لبناء البيت فكن ُت مقيدة بها شرَ َّ تقييد. وفي إحدى الليالي تسلل ُت من فراشي وفرشت سجادتي وصليت ورفعت يدي لله ،وسألته أن يتوب عل َّي من العمل في البنوك ،وأن ُيدبر لي لأنني لا أحسن التدبير، وأن يختار لي لأنني لا أحسن الاختيار. وعلمت فيما بعد بأنني في هذا الدعاء قد تبرأت من َح ْوليِ و ُق َّوتيِ دون أن أشعر ،وحصل بعد ذلك أن انتقلنا لفرع جديد لهذا البنك تم تأسيسهَ ،ف َب َد َأ ِت الزيادا ُت والترقيا ُت وشهادا ُت الشك ِر ،وزاد حب الزبائن وتقدير المديرين لي، حتى أصبح ُت إن غب ُت عن العمل تتعطل المعاملات المنوطة بي ،وأصبح ُت أدي ُر َمنْ ِص َبينْ ِ م ًعا في آ ٍن واحد ،وبعد ثلاث ِة أشه ٍر فقط من تأسيس الفرع الجديد شعرت فجأة بألم شديد في خاصرتي؛ فأخذني زوجي إلى المستشفى ،وتم اكتشاف ورم خبيث (سرطاني) أدى إلى استئصال الرحم بالكامل ،وكانت النتائج تقول بأن ُع ُم َر الور ِم ثلاث ُة أشه ٍر فقط ،فعلم ُت مباشر ًة أن هذا هو ترتيب رب العالمين لي؛ لأن ُع ُم َر المر ِض هو َن ْف ُس ُه ُع ُم ُر تأسي ِس الفرع الجديد. كان أو ُل ما فعل ُت ُه أن كتبت استقالتي من البنك دون تفكير ،وقد تعرضت لضغوط كثيرة من الأهل والمديرين في البنك ،ونصحوني بعدم التسرع لأني واقعة تحت ضغط نفس ٍّي يمنعني من التفكير السليم ،لكني كنت متيقنة بأن الله سيختار لي ،وبعدها خضع ُت للعلاج الكيماوي ،وكان زوجي -بعد الله تعالى -خي َر عو ٍن ورفي ٍق وصاح ٍب لي في هذا الابتلاء ،وكان كتا ُب الله بيدي دائماً ،فاستوقفتني فيه 120
هكذا عاشوا مع القرآن آية في سورة الإسراء تقول :ﮋﭑ ﭒ ﭓ ﭔﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﮊ()َ ،د َخ َل ِت الآي ُة قلبي وكأنها خطا ٌب وتحذي ٌر من رب العالمين لي مباشرة ،كي تحذرني الوقوع في مثل هذا الخطأ مرة أخرى ،فكانت كلمة :ﮋﭖ ﭗﭘﮊ تتردد على مسامعي كلما عاودني الحنين للعمل أو لزميلاتي أو لمكتبي، وبعدها فوجئ ُت أن البنك قد أعطاني مساعدة مالية كبيرة ،بالإضافة لحقوق نهاية الخدمة ،وأن البنك الآخر قد أسقط عني نصف القرض ،وكن ُت أسمع صوتا يتردد في داخلي يقول لي: لا عذر ل ِك الآن ،لقد شفينا ِك ومنحنا ِك فرصة جديدة للحياة ،ورزقنا ِك من المال الحلال ما ُيسقط كل ديون ِك ،وأعطينا ِك زيادة لتبدأ حياتك من جدي ٍد؛ فإن عد ِت عدنا! وكانت بداية التحول في حياتي ،فبدأت بدراسة العلم الشرعي ،وحضور مجالس الذكر؛ حتى أصبحت مدير َة مركز نسائي دعوي ناجح .أسأل الله القبول. واليو َم -وبعد مرور أكثر من أربع سنوات -لا زالت تلك الآية تتردد في مسامعي :ﮋﭖ ﭗ ﭘ ﮊ ،حتى إن زوجي كان يكررها عل ّي كلما آنس مني ضع ًفا أو حنينًا لعملي السابق ،أو كلما مررنا بالبنك فوجدني أتطلع إلى الداخل لأرى الموظفين الجدد الذين يجلسون مكاني ،فيكرر علي :ﮋﭖﭗﭘﮊ فأبتع ُد مباشرة بنظري عن البنك ،متذكرة مرضي والمحنة التي مررت بها ،وإن عدت فسيعود ،فأستغفر الله وأحمده. الإسراء.8 : 121
هكذا عاشوا مع القرآن ﮋﭑﭒ ﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜ ﭝﮊ (). لقد كانت هذه الآية -ولا تزال -خ ًّطا أحمر بالنسبة لي ،وجرس إنذار قوي لا يمكنني تجاوزه ،فالحمد لله. ﮋﯾﯿ ﰀﰁ ﰂﮊ كن ُت أقرأ الآية الآتية وأسمعها ،فتمر على لساني وأذني مرور الكرام: ﮋﯾﯿ ﰀﰁﰂﰃﰄ ﰅﰆﰇ ﰈﰉﰊ ﰋﰌﮊ() ،حتى تفكر ُت فيها يو ًما ،فقل ُت: ﮋﯾ ﯿ ﮊ كيف ظهر ر َّبا ُه؟ فأتتني الإجابة ﮋ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆﮊ. وماذا بع ُد؟ ﮋﰇ ﰈﰉ ﰊﮊ ،قل ُت :فقط ﮋﰈﮊ !! ﮋﰈ ﰉ ﰊﮊ !! فكيف بنا إذا أذاقنا جزاء كل ما كسبت أيدينا؟ ثم جاء ِخ َتا ُم الآية ﮋﰋﰌﮊ ،هل في جو ِف الابتلاءات والمح ِن التي نستحقها؛ رحم ٌة من الله لكن نرتد َع ونتوب؟ ما ألطف َك وما أحلم َك ربنا ،وما أرحم َك بعبادك الضعفاء ،اللهم ُخ ْذ بنواصينا إليك؛ أخذ الكرام عليك. الإسراء.8 : الروم.41 : 122
هكذا عاشوا مع القرآن ﮋﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﮊ يقول ربنا تبارك وتعالى :ﮋ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﮊ(). إنها رسالة لك ِّل أ ٍب ومر ٍّب وداعية :إذا كان الله يحول بين المرء وقلبه الذي بين جنبيه؛ فكيف بقلب ابنه أو تلميذه أو من يدعوه! اللهم يا مقلب القلوب؛ ثبت قلوبنا على دينك. ﮋﮞ ﮟﮠﮡ ﮊ كن ُت طالبة في المرحلة الثانوية ،وكنت أذاكر لأخي وابن أختي ،ومع ضغط الدراسة عل َّي؛ كن ُت دائما وبمجرد أن أكرر شرح مسألة لهما أكثر من مرة أ َم ُّل وأصرخ فيهما ،فإن تكرر عدم التركيز أرمي الكتاب في وجهيهما. كنت أبكي وأتحسر على عصبيتي معهما بمجرد مغادرتي المكان ،وأحاسب نفسي وأسألها :هؤلاء أطفال! فلماذا أعاملهم بهذه العصبية؟ وبالرغم من ذلك ،كن ُت بمجرد أن أعاود المذاكرة لهما ،أو حتى بمجرد علمي بنزول درجاتهم أعود إلى الصراخ والعصبية معهما. وفي يو ٍم قلت لأخي الصغير وأنا غاضبة :ابتعد ،فلن أدرسك ،وكان وقتها في الصف الثاني الابتدائي ،فوجئت به يبكي ثم لحقني إلى الغرفة الأخرى وهو يقول الأنفال.24 : 123
هكذا عاشوا مع القرآن بصوت متقطع :آخر مرة سامحيني ،فكانت معاناتي بعد ذلك الموقف تزيد يوما بعد يوم. وفي إحدى الليالي قمت في السحر ،وسألت الله أن يهديني ويصلحني ويوفقني لسبيل أستطيع ضبط نفسي به ،وفتحت المصحف لأتخير من آياته للصلاة ،وتوفي ًقا من الله؛ إذ بي أفتح على قوله عز وجل من سورة البقرة :ﮋﮗﮘﮙﮚﮛ ﮜ ﮝﮞ ﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥ ﮦﮧ ﮨﮩﮪﮫﮬ ﮭﮮﮯﮰﮱ ﮊ (). كنت أقرأ من بداية الصفحة؛ وحين وصلت إلى هذه الآية لم أتمالك نفسي، وبدأت أكرر الآية :ﮋﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮊ ،ومع التكرار بدأت أفكر :صلاب ُة الحج ِر َت ِلينْ ُ و ُت َف ِّج ُر أنها ًرا ،وأنت أين قل ُبك؟!! عدت من جديد للآية وقراءتها ،كان الخطاب فيها لليهود ،ووجدتني أحاسب نفسي على فظاظتي وشدتي في المعاملة ،حتى استيقظت في اليوم التالي وكأني قد ولدت من جديد. لقد تخرجت بعد ذلك واشتغل ُت بالتدريس ،وكانت المرحلة الابتدائية أول عملي في التدريس لمدة أربع سنوات ،وها أنا اليو َم أعم ُل في التوجيه ،وأستقبل المكالمات من المعلمات لأعلمهن الطريقة الصحيحة في التعامل مع هذه المرحلة، وأتذكر دائماً ِح ْل َم الله على العاصي والكافر ،فكيف بالمؤمن الموحد! وأخي ًرا ﮋﯯﯰﯱﯲﯳ ﯴﯵ ﯶﯷﯸﯹﯺﮊ(). البقرة.74 : الأعراف.43 : 124
هكذا عاشوا مع القرآن ﮋﭜﭝﭞ ﮊ كلما تذكرت هذه الآية :ﮋﭚﭛ ﭜﭝﭞ ﮊ()؛ َأ ْح ِر ُص ألا يكون بيني وبين أح ٍد خلا ٌف ،وأحاو ُل إن كان هناك خلاف أن أمحوه تطبي ًقا لهذه الآية. آيا ُت التح ّدي! في ظل الانفتاح وكثرة الفتن وتجاوزات البعض؛ وحين أرى منك ًرا؛ و َأ ْض ُع ُف عن التوجيه والإنكار على فاعله؛ أتذكر (آيات التحدي) َف َأ ْق َوى ويشت ُّد عزمي، إنها تلك الآيات التي يحكي الله تعالى فيه َّن التح ِّدي الذي يخوضه إبليس وأعوانه ض َّد المؤمنين: ﮋﭳﭴﭵﭶ ﭷ ﭸﭹﭺﭻ ﭼﭽﭾﭿﮀ ﮁﮂﮃﮄﮅﮆ ﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍ ﮎﮏ ﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚ ﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡ ﮢﮣﮤﮊ(). النّي َة النّي َة!! في كل جمعة أقرأ سورة الكهف ،لكن في جمعة من ال ُجمع ،مرر ُت على آخر صفحة منها ،وتحدي ًدا على قوله تعالى :ﮋﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ الأنفال.1 : الحجر.42-36 : 125
هكذا عاشوا مع القرآن ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮊ()؛ فوقف ُت متأملة :يا الله!!! أ ُيمكن أن يعمل الإنسان أعمالا قد تكون سببا في خسارتــه؛ وهو يظن أنه يحسن العمل؟!! وأخذت بعدها أتعاهد نيتي ،سائل ًة الله ربي أن يجعل كل أعمالي خالصة لوجهه!. آي ٌة غّيرت حياتي! غيرت آي ٌة قرأتهُ ا ذا َت يو ٍم مجرى حياتي كله ،وهي قوله تعالى :ﮋﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹﮊ()، لقد كن ُت في معصية الله عز وجل ثلاث سنوات كاملة ،حاولت أن أترك المعصية لكني ما استطعت! وجلس ُت يوما أبكي بشدة ،وأناجي ربي ،فسمع ُت الآية أعلاه، فانشرح لها صدري ،وتم َّلكني الحياء من ربي عز وجل ،وسأل ُت نفسي حينها بصدق: هل أقبل أن يراني أبي أو أمي أو أ ُّي أحد في هذه الدنيا على ما أنا فيه؟ أو حتى أن يسمعوا بما أفعل؟ وكان جوابي الأكيد لنفسي :لا ،وأ ْل ُف لا ،...فإن كن ُت قد استحيي ُت من العباد فكيف برب العباد وهو المطلع على كل شيء! فاستحييت من نظره سبحانه إل َّي وأنا أعصيه ،وقرر ُت أن أتر َك ما أنا فيه ،ومن ترك شي ًئا لله عوضه الله خيرا منه ،وبمنة من الله وفضل ترك ُت المعصية ،وها أنا أنعم بالسعادة بفضل ربي منذ سنوات. الكهف.104-103 : النساء.108 : 126
هكذا عاشوا مع القرآن ﮋﯝﯞﯟﯠ ﯡ ﮊ آية في كتاب الله ُتبكيني ،فعندما أرى منك ًرا أضعف عن إنكاره أو أسك ُت؛ أتذكر قول الله عز وجل :ﮋﯘ ﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟ ﯠ ﯡ ﮊ() ،تأ َّمل ُتها أ َّو َل مر ٍة وأنا أبكي :كيف لا أخشى الله وحده وهو مراقب لي ،وحاولت فعلا تربية نفسي عند رؤية المنكر أن لا أخشى ولا أخاف إلا الله، فأصبح ُت عندما أنصح من حولي إذا انتابني شعور بالخوف أتذكر تلك الآية: ﮋﯝﯞﯟﯠ ﯡ ﮊ. رضي ُت بما اختار إذا ضاقت عل َّي الأرض بما رحبت وتكالبت الهموم ،وبدأ الشيطان ُيعق ّـِد أمامي الأمور ،وي ّدعي ألاَّ وجود للحلول ،أتذكر قول ربنا ج َّل شأنه :ﮋﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﮊ () ،فتنقشع عني غيوم الهم، وتشرق في سمائي شمس التفاؤل وإحسان الظن ،فإ َّن الخي َر كل الخير في اختيار الحكيم وتدبير العليم ،ولو ُعرض ل َي الغي ُب ما اختر ُت إلا اختيار ربي. آية لا ُتنسى! عند التحاقي لأول مرة بدار التحفيظ قرأت في وردي اليومي :ﮋﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﮊ() ،أحسست حينها بأنني سأتغير مع القرآن الأحزاب.39 : القصص.68 : الإسراء.9 : 127
هكذا عاشوا مع القرآن الكريم ،لكنني ما ُكنت أدري ما هو نوع الهداية ﮋﭣﭤﭥﮊ ؟ ولكن ما م َّر -واللهِ -شهران على التحاقي بالدار إلا وأصبح ُت أحس بلذة في عباداتي وصيامي ،وفي قيام الليل خاصة ومحب ِة الصالحين ،ثم بعد سنتين حفظت القرآن الكريم كاملا -ولله الحمد -مع أني كنت منذ بداية التحاقي بالدار لا أحفظ سوى أربعة أجزاء ،فأدركت أن هذه هي بركة القرآن الكريم. الأدب العظيم سمع ُت أستاذتي يو ًما وهي تف ّرِس قول الله تعالى :ﮋﮠﮡﮢ ﮣ ﮤﮊ()، واستشعرت مع حديثها كيف كان رسول الله × وهو في رحلته في السماء مع جبريل غا ًّضا لبصره عن فضول النظر ،وهذا أكمل ما يكون من الأدب العظيم منه عليه الصلاة والسلام ،حتى مدحه الله بما في الآية ،وأصبحت هذه الآية كلما تذكرتهُ ا طري ًقا لي بأن أترك فضول النظر أينما كنت وحيثما ذهبت!. التجارة مع الله ُكن ُت دائما إذا همم ُت بمعصي ٍة أو ِغ ْي َب ٍة لأحد أتذكر قول الله( :ﭪﭫﭬﭭ ﭮﭯﭰﭱ) ()؛ َف ُأ ْح ِج ُم عن ذلك. وكان سبب محافظتي على العبادات الثلاث :قراءة القرآن الكريم ،والصلاة، والإنفاق؛ هي قول الله تعالى في سورة فاطر :ﮋﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ النجم.17 : ق.18 : 128
هكذا عاشوا مع القرآن ﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﮊ ()، فما أجمل أن نعمل بالعمل موقنين أننا سنأخذ عليه أجرنا من الله وزيادة؛ لأنه تعالى شكو ٌر يقب ُل القليل من الصالحات ،ويجزي عليها الكثير الحسنات. ﮋﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮊ كنت طالبة في المراحل الأولى من دراستي الجامعية ،وأنا من عائلة محافظة والحمد الله ،ولكني كنت متساهلة في الحجاب ،بل لم أكن أتح َّج ُب حقيقة. وحدث أن كنت في صلاة التراويح خلف إمام يرتل القرآن الكريم بصوت جميل وطريقة تحملك على التمعن في الآيات ،وكانت قراءته في تلك الليلة من سورة الكهف حتى وصل إلى قوله تعالى :ﮋﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉ ﮊﮋﮌﮍﮎ ﮏﮐﮑ ﮒﮓﮔ ﮕﮖﮗﮘ ﮙﮚﮊ() ،وفي هذه الآية تحدي ًدا بدأ صوت الشيخ يلين ويرق ثم بكى ،وبكي ُت خلفه وأنا أتخيل الموقف والعرض بين يدي الرحمن وعظمته ،وعندما عدت إلى البيت قررت أن ألبس الحجاب وأخبرت أمي بهذا القرار ،والحمد لله الذي هداني إلى طاعته ورضاه. فاطر.30-29 : الكهف.49-47 : 129
هكذا عاشوا مع القرآن ﮋﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﮊ كنت مري ًضا مر ًضا شدي ًدا ،وكان كل ما يؤرقني هو حياة أولادي من بعدي؛ كيف سيعيشون؟ ومن سيربيهم؟ لو أنهم كانوا أصلب عو ًدا وأش َّد قو ًة وأس َّن مما هم عليه؛ لمِ ُّت مطمئنًا على حالهم. وزارني يو ًما أحد الصالحين ،فبثثت إليه همي ،فقرأ علي الآية الكريمة: ﮋﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀﮁﮂﮊ (). لقد كنت أحفظ سورة النساء عن ظهر قلب ،ولكن الآية كأنما نزلت غضة طرية لتوها ،نزلت على روحي بر ًدا وسلا ًما ،وعلمت أن الله هو الرزاق الحافظ لي ولهم ،وسكنت نفسي لهذا الكلام جدا ،والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. شرف الذاكرين آي ٌة في كتاب الله أس َت ْحضرِ ُ َها كلما دخل ُت مجل ًسا من مجالس ذكر الله ،وهي قوله تعالى :ﮋﰂﰃﰄﰅﰆﰇ ﰈﰉﰊﮊ () ،فأستش ِع ُر أن مجرد إذن الله لي -ولمن حضر هذا المجلس من فوق سبع سماوات – بذكره؛ هو شر ٌف عظيم لنا ،وما أعظم ذكر الله! نسأله سبحانه أن يجعلنا ممن يذكره آناء الليل وأطراف النهار. النساء.9 : النور.36 : 130
هكذا عاشوا مع القرآن ﮋﭑﭒﭓﭔ ﭕﮊ كم أثر ف َّي قوله سبحانه :ﮋﭑﭒﭓﭔ ﭕﮊ () ،لقد صارت أمام عيني كلما هممت بمعصية ،أتخيل أن الله -سبحانه -يخاطبني بها فأرتدع ،فها هو القرآن بين أظهرنا يتلى آناء الليل والنهار ،نو ًرا يمحو ظلمات الهوى ،لا يترك لأحد على الله حجة ،فلنستمع لآياته ،ونتعظ بها قبل أن يقال لنا ﮋﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﮊ . ﮋﯠﯡﮊ عندما بلغ ُت الثامنة عشرة من عمري ُكنت فتاة متدينة ،وتقدم لخطبتي حينها شاب غير متدين ،غير أن الجميع كان ُيثني على أخلاقه واستقامة سلوكه ،و ُكنت مترددة جدا في قبوله؛ بل كنت أقرب إلى الرفض ،ومع أن والدي قد سأل عنه، ووجد فيه الصفات المناسبة ،إلا أن ذلك لم ينطبق على أمنياتي التي ُكنت أن ُسجها حول زوج المستقبل ،والذي ُكنت أريده صال ًحا طال ًبا للعلم. وذات يوم؛ جاءت إل َّى أمي تطلب مني الرد النهائي ،ونظرت إل َّي وهي تقول بحنان :يا بنيتي؛ لقد استخر ِت الله وأن ِت فتاة طيبة ،والله تعالى يقول :ﮋﯠ ﯡﯢﯣ ﮊ () ،فلما سمعت الآية وقعت من نفسي موق ًعا عجي ًبا، وامتلأ قلبي يقينًا بأ َّن الله لن خُي ِّيب أملي في أن يكون هذا الشاب هو الأنسب لي، فتوكل ُت على الله ووافق ُت على الزواج منه. المؤمنون.105 : النور.26 : 131
هكذا عاشوا مع القرآن واليوم؛ وبعد أكثر من ثلاثين سنة قضيتها في زواج ناجح بحمد الله؛ أتذ َّكر هذه الآية وأقول :ﮋﭟﭠﭡﭢﭣﮊ (). آية تشحذ الهمم! كلما قسا قلبي وأصابني الفتور لجأت إلى قوله تعالى :ﮋﮯﮰﮱﯓﯔ ﯕﯖﯗ ﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟ ﯠﯡﯢﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﮊ () ،آي ٌة تخشع لها القلوب ،وتؤثر في النفوس ،كم من سامع لها بكى وخشع! وكم من مذنب تاب وإلى الحق رجع! غِّيري وإلا ُتغَّيري! مرر ُت ذات يوم وأنا أقرأ في كتاب الله بآية لكأنني أقرؤها لأول مرة ،وقف ُت هذه المرة أمامها وقو ًفا طويلا ،انتهى بي إلى بكا ٍء شديد و َّلد في أعماقي إصرا ًرا كبي ًرا وقو ًة لا تقف عند ح ٍّد في تغيير واقع نفسي وأمتي ولو خطوة واحدة إلى الأمام ،لقد أحسس ُت بقشعريرة لا تزال تسري في أوصالي كلما ر َّددتها ،وكأنهّ ا تناديني قائل ًة: غ ِّيــري وإلا ُتغ َّيــري! إنها قوله تعالى :ﮋﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱ ﯓﯔﯕﯖﯗ ﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠ ﯡﯢﯣﮊ () ،إنه فض ُل الله يؤتيه من يشاء، النساء.87 : الحديد.16 : المائدة.54 : 132
هكذا عاشوا مع القرآن وإني لأسأل الله أن أكون ممن ُيؤتاه بمنته ورحمته ،وأن نكون ممن يستعملهم سبحانه في طاعته وخدمة دينه ،لا ممن يستبدلهم ...آمين. ﮋﭹﭺ ﭻﮊ في يوم شتاء بارد ،استيقظ زوجي كالعادة لصلاة الصبح ،فأيقظني وذهب لإيقاظ ابني ،واسترخي ُت قليلا من شدة البرد وأنا بين النوم واليقظة ،وأقول في نفسي :أغفو قليلا لحين عودتهم ثم أقوم للصلاة ،أصغي ُت للإمام وهو يتلو فإذا هي الآية :ﮋﭹ ﭺ ﭻ ﮊ ()؛ فصحوت مسرعة ،ونهضت وأنا أتخيل الساق تلتف بالساق ،وأقول في نفسي :ماذا تنفع هذه الغفوة؟ لقد هزت الآية مشاعري، وأحسست أنها تخاطبني مباشر ًة ،وفعلا غيرت هذه الآية العظيمة مسار حياتي. ﮋﭑﭒﮊ كم يضيق صدري ،وينقبض قلبي ،ويتكدر خاطري؛ مما أراني عليه من لهث وراء هذه الدنيا وزينتها! ومما أرى فيها من الإسراف والترَّ َ ِف والمباهاة والمنكرات وكشف العورات! وأخشى والله من سوء العاقبة ،ويكفي من ذلك الغفلة وعدم المصابرة مع من أ َم َر َنا ر ُبنَا بحب ِس النف ِس معهم في قوله تعالى :ﮋﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰﮊ(). القيامة.29 : الكهف.28 : 133
هكذا عاشوا مع القرآن آي ٌة للتجار فقط! كن ُت أطلب من زوجي دائماً أن يكون هو المبادر لإنجاح حياتنا ،وإصلاح أمورنا ،وكنت أغضب وأرى ذلك واج ًبا عليه وحده ،بينما أتكاسل أنا في ذلك، وأ ُم ُّن عليه في نفسي إذا قمت بشيء من ذلك ،إلى أن قرأت تفسير قوله تعالى :ﮋﯖ ﯗﮊ() ،فأدرك ُت ضرورة أن أطالب نفسي بأكثر مما أطالب به زوجي من المبادرة إلى الخيرات والإصلاح ،وأدرك ُت أهمية أن نجعل هذه الآية نصب أعيننا في جميع تعاملاتنا ،فقد كنت أظن – لفرط جهلي -أن هذه الآية للتجار فقط!. معاناة وآية كن ُت ولا زل ُت أعاني نو ًعا من المشقة في إيقاظ أبنائي على اختلاف أعمارهم لأداء صلاة الفجر في المسجد ،ويتس َّرب إل َّي الضجر والملل في أحايين كثيرة ،ف ُكنت لا أنف ُّك أقرأ بصوت مسموع قو َله تعالى :ﮋﮰﮱ ﯓ ﯔﯕﮊ()، فأشعر بقوة تساندني ،وأستشعر أنني الآن مستجيبة لأمر الله تعالى الذي طلبه مني في الآية ،فأجالد نفسي على الصبر حتى أنال أجر الصابرين ،كما قال تعالى :ﮋﰓ ﰔ ﰕﰖﰗﰘﮊ (). المحك الحقيقي استوقفتني آي ٌة عندما كنت أحفظ سورة الأنفال ،إنها قوله تعالى :ﮋﯛ المطففين.1 : طه.132 : الزمر.10 : 134
هكذا عاشوا مع القرآن ﯜ ﯝﯞﯟﯠﯡ ﯢﯣ ﯤﯥ ﯦﯧﯨﯩ ﯪﯫﯬﮊ () ،وبحث ُت عن تفسيرها وتأثرت به ج ًدا ،فأصبحت بعد ذلك المقياس والمحك لكل موقف يمر بي :هل أنا في المسار الصحيح ،أم ِح ْد ُت عن الطريق؟ فتستحثني للإسراع في الاختيار. في الآية دعو ٌة بنداء الإيمان ،وأم ٌر بالمسارعة إلى طاعة كل أم ٍر من الله ورسوله؛ خشي َة أن يحُ ال بين َك وبين قلب ِك إذا تواني َت أو تردد َت ،ثم تتمنى بعد ذلك الوصول إليه فلا تستطيع!. سورة يوسف بدأت رحلتي مع القرآن الكريم ذات يوم حينما كنت مكروبة بأمر دنيوي وضاقت بي الدنيا ،كان مصحفي الصغير يعلو الطاولة أمامي ،ورغم ذلك لم أمنح نفسي من قب ُل وق ًتا لأتلو آياته ليخفف لوعتي و ُينير َوحدتي ،أمسكته يومها ونفسي الأ َّمارة بالسوء تنازعني وتقول لي :لا وقت ولا ح َّل لمشكلتك ،ولم أعد أطيق الاستماع لها! وشرعت في تلاوة (سورة يوسف) ،و ُكنت قد اعتد ُت في السابق تلاوتها حتى حفظت معظم آياتها فأحببتها ،وأخذ ُت أتلو وأنشج لما آل إليه حالي ،وأفكر في حال يوسف ،وبدأ ُت أقارن بين حاله وحالي ،بين مصيبته ومصيبتي ،فطاشت كفتي أمام كفته ،إذ إن مصيبتي لم تكن شي ًئا في ميزان مصيبته ،طفل صغير ُيلقيه إخوته ويرحلون عنه ،وأ ٌب يفقد أح ِّب أبنائه إليه ،مضي ُت أقرأ أحداث القصة الأنفال.24 : 135
هكذا عاشوا مع القرآن حتى غلبني النوم والمصحف في يدي ،وحينما استيقظ ُت أعلن ُت ميلا ًدا جديدا لقلبي الذي علاه الصدأ ،واستلم ُت مصحفي و ُرح ُت أقرأ بلذة لا ُتعادلها لذة. أزهرت حياتي بالقرآن اكتشف ُت أن العلاج الناجح لكل دا ٍء هو القرآن الكريم ،دائي كان ذنوبي، وضع َف سيطرتي على شهوات نفسي ،حتى أوصلني ذلك إلى حد كره ذاتي ،ولم يكن عمري قد تجاوز السابعة عشرة بعد! و ُق َب ْي َل رمضا َن بأيا ٍم؛ سمع ُت كلما ٍت ناصح ٍة تحَ ُ ُّث على استثمار فرص ِة رمضا َن، وجع ِل ِه نقطة انطلاق لحياة جديدة من خلال تدبر القرآن الكريم ،فامتثل ُت لهذه الموعظة وقرأته بخشو ٍع وتدب ٍر ،فأحسست به َي ْغ ِس ُل ُك َّل ركا ِم الآثا ِم بداخلي ،وبدأت ُأ َد ِّو ُن كل آي ٍة أتأثر بها في دفت ٍر خا ٍّص وأبحث عن تفسيرها ،أقرؤه بعد ذلك فيزيد إيماني وأهنأ بالسكينة ،وأزهرت حياتي بالقرآن ،والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. ﮋﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﮊ قبل اثني عشر عا ًما كن ُت ُأ َد ِّر ُس المرحلة الثانوية ،فأحضر ُت للطلاب شريطا بتلاوة قارئ ،وكان من عادتي يومئذ أن أستمع معهم لقارئ متقن في آخر خمس دقائق من حصة القرآن لتعريفهم بالقراء المتقنين ،وكان نصيب ذلك الدرس تلاوة لشيخ المقارئ الليبية الشيخ (الدوكالي عالم) صاحب الصوت الشجي ،والنبرة المؤثرة. وبعد انتهاء الدرس ،جاءني طالب لم أعهد منه حر ًصا ولا صلا ًحا ،بل كان من أرباب المشكلات السلوكية في المدرسة ،أتاني في غرفة المعلمين بعد الدرس، 136
هكذا عاشوا مع القرآن وبعد أن أبدى إعجابه بالقارئ قال لي :الآيات بصوته حلوة ،وتدخل القلب، وأحسست بها ج ًدا! دفعني الفضول لمعرفة المزيد ،وسألته عن أكثر شيء أ َّثر فيه ،فقال لي :سمع ُت منه آية خوفتني من الله ،فقل ُت :ماهي؟ فطلب مني المصحف لأنه لا يحفظها، فأعطيته المصحف مفتو ًحا على نفس المقطع ،فأشار إلى الآية وإذا هي قوله تعالى: ﮋﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﮊ() ،ورأيته قد تأ َّثر ،وهو يقول لي :اد ُع لي يا أستاذ أن يستر الله عل َّي! ،و والله إ ّن حديثه منذ اثني عشر عا ًما لا يزال في أذني كأنما قد سمع ُته لت ِّوي ،ولا زل ُت أتأثر بالآية كلما سمعتها أو قرأتها. ﮋﯛﯜ ﯝﯞﯟﯠﮊ من الآيات التي تأثرت بها؛ تلك الآيات التي يتو َّدد الله جل وعلا فيها إلى عباده وهو غن ٌّي عنهم ،يقول الله تعالى في سورة الأنفال :ﮋﯛﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸﯹ ﯺﯻﯼﯽﯾﯿ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖ ﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡ ﭢ ﭣ ﮊ(). ما أحقرنا حين نتجرأ على الله بالمعاصي! وكلما وسوس لي الشيطان بمعصية الزمر.47 : الأنفال.26-24 : 137
هكذا عاشوا مع القرآن تذكر ُت هذه الآيات ،واستحيي ُت من الله ،فنحن منذ لحظة استيقاظنا إلى نومنا نتقلب في نعم الله الذي يتودد إلينا بها ،وهو الغني عنا سبحانه! ﮋﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵ ﮊ غالبا ما أستشع ُر في حياتي قوله تعالى :ﮋﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﮊ()، فتط َّبع ُت بها وصار معناها جز ًءا مني ،حتى أصبح البعض لا يته َّيب من استشارتي في بعض الأمور الدقيقة في حياته لعل ِم ِه اليقين بأني لن أتطلع لمعرفة ما حجبه عني بإرادته مما لا يفيد في تقديم المشورة ،فوجدت في ذلك تربي ًة لنفسي على قوة الإرادة، وراحة لها عن أن تنشغل بما لا يعنيها!. ميزان الصداقة كانت الصداقات من حولي كثيرة ،وكنت حائرة في اختياراتي بينها ،حتى قرأت بعين قلبي قو َله تعالى :ﮋﮜﮝ ﮞﮟ ﮠﮡﮢﮊ()، وحينما ِع ْش ُت مع الآية بمشاعري وأحاسيسي؛ أذعنت لها جوارحي ،وأيقن ُت بقرب الله مني ولطفه بي ،وكأنما نزلت الآية لي وحدي دون سواي ،وك َأ ْن قد َع ِل َم سبحانه حاجتي دون أن ُأبدي شكواي ،وها أنا في ظلها أجد السعادة الحقيقية مع الأخلاء الأوفياء الأتقياء الذين ازددت معهم قر ًبا من الله وإقبالا عليه ،ووجدت منهم محبة صادقة لا يحكمها إلا الإيمان والحب في الله. الإسراء.36 : الزخرف.67 : 138
الخاتمة وبع ُد،فقدكانترحل ًةممتعةفيرحا ِب ِق َص ِصالذي َنعاشوام َعالقرآ ِنبقلوبهم، فخشع ْت قلوبهم ،ودم َع ْت عيونهم ،أو عاشوا مع القرآن واق ًعا في حياتهم ،فائتمروا بأمره ،وانتهوا بنهيه ،وعملوا بمحكمه ،وآمنوا بمتشابهه ،فح ُسنت أخلاقهم، وطابت نفوسهم بما لهم عند الله! إن ال ِقصص في القرآن الكريم كثير ٌة ومتنوع ٌة ،وذلك لما للقصة من أث ٍر في تسهيل الفهم ،والتشجيع على العمل ،ولما فيها من العظة والعبرة ،والتاريخ والأحداث تتكرر وتعيد نفسها ،فطوبى لمن كانت له في غي ِر ِه ِع رْ َب ٌة ،ولم ي ُك ْن عبرة لغيره!. إنها دعوة لندخل فيما دخلوا فيه ،لنسعد كما سعدوا ،وننقلب إلى الله بأعمال صالحة ُتدخلنا الجنة برحمة الله ،وما أقبح أن ُتبحر عيوننا في قصص الصالحين؛ ثم لا نسعى إلى التشبه بهم ،والاقتداء بسيرتهم!. نسأل الله أن نكون قد ُو ِّفقنا في جمع هذه ال ِقصص ،وأن تكون نافعة لأهل الإيمان ،زياد ًة في إيمانهم ،ورفع ًة في درجاتهم ،والل َه نسأل القبول. 139
ملحق قالوا عن القرآن الكريم
ملحق لم يمت َّد أثر كتا ٍب سماو ٍّي إلى هذا المدى الذي نشهده ونحياه في أثر القرآن العظيم ،هذا الأثر الذي لم يقتصر على حياة من سبق ،ولا على حياة المعاصرين اليوم ،وإنما امت َّد وتسامق لينش َر ال َع َب َق في حياة أنا ٍس لم يكن لهم بلغته دراية ،ولا في آياته تمحي ٌص وقراءة ،ومع ذلك؛ كان فيه البلاغ للمخاطبين به ،قال الله تعالى: ﮋﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟ ﭠ ﭡﭢﭣﭤﭥﭦ ﭧﭨﭩﭪﭫ ﭬﭭﭮﭯﭰ ﭱﭲﭳﭴﭵﭶ ﭷﭸﭹ ﭺ ﭻﮊ (). لقد تأ َّثر أفراد من الغرب والشرق الكافر بهذا الكتاب العظيم ،ليتجاوزوا بذلك حاجز اللغة والتاريخ والمكان ،وليقولوها ُم َد ِّو َي ًة :هذا القرآن العظيم هو رسال ُة السماء ،مصدا ًقا لقول الحق تبارك وتعالى في كتابه :ﮋﭑﭒﭓ ﭔﭕ ﭖﭗﭘﭙ ﭚﭛﭜﭝﭞﭟﮊ (). سنقرأ فيما يأتي بع ًضا من أقوال القوم الذين بهُ روا فأسلموا ،ومنهم من توقف الأنعام.19 : البقرة.146 : 143
هكذا عاشوا مع القرآن متشب ًثا بدينه قد ألجمه القرآن ولكن لم ُيسلم ،ومنهم من عرف الحق وجحده ،ومنهم من أبى إلا الاعتراف وإن لم ُيسلم ،ه َي لمحا ٌت من تأثير القرآن في حياتهم بأقلامهم وبألسنتهم ،تشهد بأنه الكتاب الحق من الله :ﮋﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙ ﮚ ﮛﮊ () ،ولتكون رسالة لأهل القرآن َع َّل ُه ْم أن يتدبروه ويعملوا به! الشعراء.193-192 : 144
قالوا عن القرآن الكريم « . 1لقد قم ُت بدراسة القرآن الكريم ،وذلك دون أي فكر مسبق وبموضوعية تامة ،باح ًثا عن درجة اتفاق نص القرآن الكريم مع معطيات العلم الحديث؛ فأدركت أنه لا يحتوي على أ َّي ِة َمقول ٍة قابلة للنقد من وجهة نظر العلم في العصر الحديث.)( »... « )1( . 2يرتبط هذا النبي × بإعجا ٍز خال ٍد بما يخبرنا به المسيح في قوله عنه« :ويخبركم بأمور آتية» ،هذا الإعجاز هو القرآن الكريم معجزة ال َّرسول الباقية ما بقي ال َّزمان ،فهو يسبق العلم الحديث في ك ِّل مناحيه :من طب ،وفلك ،وجغرافيا ،وجيولوجيا ،وقانون ،واجتماع، وتاريخ ،وفي أيامنا هذه؛ استطاع العلم أن يرى ما سبق إليه القرآن بالبيان والتعريف.»... العالم الفرنسي موريس بوكاي ،طبيب فرنسي ،رئيس قسم الجراحة في جامعة باريس ،اعتنق الإسلام عام1982م. 145
هكذا عاشوا مع القرآن (« )2للمسلم أن يعت َّز بقرآنه ،فهو كالماء؛ فيه حياة لكل من نهل منه»(). ...« . 3إن القرآن ليس معجزة بمحتواه وتعليمه فقط ،إنه أي ًضا تحفة أدبية رائعة؛ تسمو على جميع ما أق َّرته الإنسانية وب َّجلته من التحف ،إن الخليفة المقب َل عم َر بن الخطاب ال ُم َعا ِر َض الف َّظ في البداية للدين الجديد؛ قد غدا من أشد المتحمسين لنصرة الدين عقب سماعه لمقط ٍع من القرآن ،وسيأتي الحديث فيما بعد عن مقدار الافتتان بالنص القرآني بعد أن ر َّتله المؤمنون»(). ..« .4عندما أكملت القرآن الكريم غمرني شعور بأن هذا هو الحق الذي إبراهيم خليل أحمد ،قس مبشر من مواليد الاسكندرية عام ،1919يحمل شهادات عالية في علم اللاهوت من كلية اللاهوت المصرية ،ومن جامعة برنستون الأمريكية ،عمل أستاذا بكلية اللاهوت بأسيوط ،كما ُأرسل عام 1954إلى أسوان سكرتي ًرا عا ًما للإرسالية الألمانية السويسرية ،وكانت مهمته الحقيقية التنصير والعمل ضد الإسلام ،لكن تعمقه في دراسة الإسلام قاده إلى الإيمان بهذا الدين ،وأشهر إسلامه رسم ًيا عام ،1959كتب العديد من المؤلفات ،أبرزها ولاريب( :محمد في التوراة والإنجيل والقرآن)( ،المستشرقون والمبشرون في العالم العربي والإسلامي) ،و(تاريخ بني إسرائيل). بلاشير،ولد بالقرب من باريس ،وتلقى دروسه الثانوية في الدار البيضاء ،وتخرج بالعربية في كلية الآداب بالجزائر ( ،)1922وعين أستاذا لها في معهد مولاي يوسف بالرباط ،ثم انتدب مدي ًرا لمعهد الدراسات المغربية العليا بالرباط ( ،)1935 - 1924ثم استدعته مدرسة اللغات الشرقية بباريس أستا ًذا لكرسيِ ِّ الأدب العربي ( ،)1951 - 1935ونال الدكتوراه ( ،)1936وعين أستاذا محاضر ًا في السوربون ( ،)1938ومشرف ًا على مجلة (المعرفة) التي ظهرت في باريس باللغتين العربية والفرنسية ،ومن آثاره :دراسات عديدة عن تاريخ الأدب العربي في أشهر المجلات الاستشراقية ،وكتاب (تاريخ الأدب العربي -باريس ،)1952 وترجمة جديدة للقرآن الكريم في ثلاثة أجزاء (باريس ،)1952 - 1947وغيرها. 146
هكذا عاشوا مع القرآن يشتمل على الإجابات الشافية حول مسائل الخلق وغيرها ،فهو يقدم لنا الأحداث بطريقة منطقية نجدها متناقضة مع بعضها في غيره من الكتب الدينية ،أما القرآن الكريم فيتحدث عنها في نسق رائع وأسلوب قاطع لا يدع مجالا للشك بأن هذه هي الحقيقة وأن هذا الكلام هو من عند الله لا محالة»(). ...« .5ابتعت نسخة من ترجمة سافاري ( )Sa:aryالفرنسية لمعاني القرآن الكريم وهي أغلى ما أملك ،فقد لقيت في مطالعتها أعظم متعة ،وابتهجت بها كثي ًرا حتى غدو ُت وكأن شعاع الحقيقة الخالد قد أشرق عل َّي بنوره المبارك»(). « . 6إن الأسلوب القرآني مختلف عن غيره ،ولا يقبل المقارنة بأسلوب آخر، ولا يمكن أن ُيق َّلد ،وهذا هو أساس إعجاز القرآن ،فمن بين جميع المعجزات كان القرآن المعجزة الكبرى»(). ديبورا بوتر ...ولدت عام ،1954بمدينة ترافيرز ،في ولاية متشيغان الأمريكية ،وتخرجت من فرع الصحافة بجامعة متشيغان ،اعتنقت الإسلام عام 1980بعد زواجها من أحد الدعاة الإسلاميين العاملين في أمريكا ،بعد اقتناع عميق بأنه ليس ثمة من دين غير الإسلام يمكن أن يستجيب لمطالب الإنسان ذك ًرا كان أم أنثى. وليم بيرشل بشير بيكارد ،إنكليزي ،تخرج من كانتر بيري ،مؤلف وكاتب مشهور ،ومن بين مؤلفاته الأدبية بالإنكليزية (مغامرات القاسم) و(عالم جديد) ،شارك في الحرب العالمية الأولى وأسر .عمل فترة من الوقت في أوغندا .أعلن إسلامه عام 1922م. د .فيليب ح َّتى ،ولد عام 1886م ،لبناني الأصل ،أمريكي الجنسية ،تخرج من الجامعة الأمريكية في بيروت (1908م) ،ونال الدكتوراه من جامعة كولومبيا (1915م) ،وعين معي ًدا في قسمها الشرقي ( ،)1919-1915وأستا ًذا للتاريخ العربي في الجامعة الأمريكية ببيروت ( ،)1925-1919وأستا ًذا مساع ًدا للآداب السامية في جامعة برنستون (-1926 1929م) ،وأستا ًذا ،ثم أستاذ كرسي ،ثم رئي ًسا لقسم اللغات والآداب الشرقية (-1929 1954م) ،وحين أحيل على التقاعد؛ ان ُتخب عض ًوا في جمعيات ومجامع عديدة. 147
هكذا عاشوا مع القرآن ...« .7تناول ُت نسخ ًة ِم ْن ترجمة معاني القرآن الكريم باللغة الإنجليزية؛ لأنني عرفت أن هذا هو الكتاب المقدس عند المسلمين ،وشرعت في قراءته وتد ُّبر معانيه، فاستقطب ُج َّل اهتمامي ،وكم كانت دهشتي عظيمة حين وجدت الإجابة المقنعة عن سؤاليالمحيرّ (:الهدفمنالخلق)فيالصفحاتالأولىمنالقرآنالكريم...لقدقرأت الآيات ( )39-30من سورة البقرة ...وهي آيات توضح الحقيقة بجلاء لكل دارس منصف ،إنها تخبرنا عن قصة الخلق بكل وضوح وجلاء وبطريقة مقنعة.)(».. « .8سيكون القرآن حاف ًزا للجهاد يردده المؤمنون كما يردد غيرهم أناشيد الحرب ،محر ًضا على القتال جام ًعا لشؤونه ،محر ًكا لفاتري الهمم ،فاض ًحا للمخ َّلفين مخُْ ِز ًيا للمنافقين ،واع ًدا الشهداء جنَّات عدن»(). « .9أتى محمد × بالقرآن دليل ًا على صدق رسالته ،وهو لا يزال إلى يومنا هذا س ًّرا من الأسرار التي تعذر فك طلاسمها ،ولن َي ْسبرِ َ َغ ْو َر هذا السر المكنون إلا من يصدق بأنه منزل من الله.)( »... عامر علي داود ،ينحدر من أسرة هندية برهمية ،تنصرت على أيدي المنصرين الذين قاموا مع طلائع الاستعمار ،كان كثير القراءة للكتب الدينية ،ولما أتيح له أن يطلع على القرآن الكريم كان الجواب هو انتماؤه للإسلام ،وإسلامه. إميل درمنغم ،مستشرق فرنسي ،عمل مدي ًرا لمكتبة الجزائر ،من آثاره( :حياة محمد) (باريس )1929وهو من أدق ما ص َّنفه مستشرق عن النبي ،nو(محمد والسنة الإسلامية) (باريس 1955م) ،ونشر عد ًدا من الأبحاث في المجلات الشهيرة مثل( :المجلة الأفريقية) ،و(حوليات معهد الدراسات الشرقية) ،و(نشرة الدراسات العربية). الكونت هنري دي كاستري ،مقدم في الجيش الفرنسي ،قضى في الشمال الأفريقي رد ًحا من الزمن .من آثاره( :مصادر غير منشورة عن تاريخ المغرب) (( ،)1950الأشراف السعديون) (( ،)1921رحلة هولندي إلى المغرب) ( ،)1926وغيرها. 148
هكذا عاشوا مع القرآن « )1( .10إن معجزة الأنبياء الذين سبقوا محم ًدا × كانت في الواقع معجزات وقتية ،وكانت بالتالي معرض ًة للنسيان السريع ،بينما نستطيع أن نسمي معجزة الآيات القرآنية (المعجزة الخالدة) ،وذلك أن تأثيرها دائ ٌم ومفعولها مستمر ،ومن اليسير على المؤمن في كل زمان ومكان أن يرى هذه المعجزة بمجرد التلاوة في كتاب الله ،وفي هذه المعجزة نجد التعليل الشافي للانتشار الهائل الذي أحرزه الإسلام، ذلك الانتشار الذي لا يدرك سببه الأوروبيون لأنهم يجهلون القرآن ،أو لأنهم لا يعرفونه إلا من خلال ترجمات لا تنبض بالحياة فضلا عن أن تكون دقيقة»(). ..« .11لقد ظل [القرآن] أربعة عشر قر ًنا من الزمان محفو ًظا في ذاكرة [المسلمين] يستثير خيالهم ،ويشكل أخلاقهم ،ويشحذ قرائح مئات الملايين من الرجال ،والقرآن يبعث في النفوس أسهل العقائد ،وأقلها غمو ًضا ،وأب َع َد َها عن التقيد بالمراسم والطقوس ،وأكثرها تحر ًرا من الوثنية والكهنوتية ،وقد كان له أكبر الفضل في رفع المستوى الأخلاقي والثقافي للمسلمين ،وهو الذي أقام فيهم قواعد النظام الاجتماعي والوحدة الاجتماعية ،وح َّرضهم على اتباع القواعد الصحية، وح َّرر عقولهم من كثير من الخرافات والأوهام ،ومن الظلم والقسوة ،وح َّسن أحوال الأ ِر َّقاء ،وبعث في نفوس الأذلاء الكرامة والعزة ،وأوجد بين المسلمين ايتين دينيه ،مفكر فرنسي ،تعلم في فرنسا ،وقصد الجزائر ،فكان يقضي في بلدة بوسعادة نصف السنة من كل عام ،وأشهر إسلامه وتسمى بناصر الدين ( ،)1927وحج إلى بيت الله الحرام ( ،)1928ومن آثاره :صنف بمعاونة سليمان بن إبراهيم (محمد في السيرة النبوية)، وله بالفرنسية (حياة العرب) ،و(حياة الصحراء) ،و(أشعة خاصة بنور الإسلام) ،و(الشرق في نظر الغرب) ،و(الحج إلى بيت الله الحرام). 149
هكذا عاشوا مع القرآن درجة من الاعتدال والبعد عن الشهوات لم يوجد لها نظير في أية بقعة من بقاع العالم يسكنها الرجل الأبيض.)( »... ...« )1( .12لما كانت روعة القرآن في أسلوبه فقد [ ُأ ْن ِز َل] لِ ُيق َر َأ و ُيتلى بصوت عال ،ولا تستطيع أ َّي ُة ترجم ٍة أن تعبر عن فروقه الدقيقة المش َب َعة بالحساسية الشرقية، إذ يجب أن تقرأه بلغته التي ُكتب بها لتتمكن من تذوق جماله وقوته وسمو صياغته، ويخلق نثره الموسيقي المسجوع سح ًرا مؤث ًرا في النفس ،حيث تزخر الأفكار قوة، وتتوهج الصور نضارة ،فلا يستطيع أحد أن ينكر أن سلطانه السحري وسموه الروحي يسهمان في إشعارنا بأن محم ًدا × كان ملهماً بجلال الله وعظمته». (« )2إن القرآن يجد الحلول لجميع القضايا ،ويربط ما بين القانون الديني والقانون الأخلاقي ،ويسعى إلى خلق النظام ،والوحدة الاجتماعية ،وإلى تخفيف البؤس والقسوة والخرافات ،إنه يسعى للأخذ بيد المستضعفين ،ويوصي بالبر، ويأمر بالرحمة ...وفي مادة التشريع َو َض َع قواع َد لأدق التفاصيل للتعاون اليومي، ون َّظ َم العقود والمواريث ،وفي ميدان الأسرة حدد سلوك كل فرد تجاه معاملة الأطفال والأ ِر َّقاء والحيوانات والصحة والملبس ،إلخ.»... ( ..« )3ح ًقا ،لقد ظلت شريعة القرآن راسخة على أنها المبدأ الأساسي لحياة المسلم ،ولم يتعرض ما جاء في القرآن من أخلاق ونظام لأية تغييرات أو ول ديورانت ،مؤلف أمريكي معاصر ،يعد كتابه (قصة الحضارة) ذو الثلاثين مجل ًدا ،واح ًدا من أشهر الكتب التي تؤرخ للحضارة البشرية عبر مساراتها المعقدة المتشابكة ،عكف على تأليفه السنين الطوال ،وأصدر جزأه الأول عام ،1935ثم تلته بقية الأجزاء ،ومن كتبه المعروفة كذلك (قصة الفلسفة). 150
Search
Read the Text Version
- 1
- 2
- 3
- 4
- 5
- 6
- 7
- 8
- 9
- 10
- 11
- 12
- 13
- 14
- 15
- 16
- 17
- 18
- 19
- 20
- 21
- 22
- 23
- 24
- 25
- 26
- 27
- 28
- 29
- 30
- 31
- 32
- 33
- 34
- 35
- 36
- 37
- 38
- 39
- 40
- 41
- 42
- 43
- 44
- 45
- 46
- 47
- 48
- 49
- 50
- 51
- 52
- 53
- 54
- 55
- 56
- 57
- 58
- 59
- 60
- 61
- 62
- 63
- 64
- 65
- 66
- 67
- 68
- 69
- 70
- 71
- 72
- 73
- 74
- 75
- 76
- 77
- 78
- 79
- 80
- 81
- 82
- 83
- 84
- 85
- 86
- 87
- 88
- 89
- 90
- 91
- 92
- 93
- 94
- 95
- 96
- 97
- 98
- 99
- 100
- 101
- 102
- 103
- 104
- 105
- 106
- 107
- 108
- 109
- 110
- 111
- 112
- 113
- 114
- 115
- 116
- 117
- 118
- 119
- 120
- 121
- 122
- 123
- 124
- 125
- 126
- 127
- 128
- 129
- 130
- 131
- 132
- 133
- 134
- 135
- 136
- 137
- 138
- 139
- 140
- 141
- 142
- 143
- 144
- 145
- 146
- 147
- 148
- 149
- 150
- 151
- 152
- 153
- 154
- 155
- 156
- 157
- 158
- 159
- 160
- 161
- 162
- 163
- 164
- 165
- 166
- 167
- 168