Important Announcement
PubHTML5 Scheduled Server Maintenance on (GMT) Sunday, June 26th, 2:00 am - 8:00 am.
PubHTML5 site will be inoperative during the times indicated!

Home Explore هكذا عاشوا مع القران

هكذا عاشوا مع القران

Published by إيمان بنت مانع, 2021-10-25 14:26:35

Description: هكذا عاشوا مع القران

Search

Read the Text Version

‫هكذا عاشوا مع القرآن‬ ‫هذا لو ركن إليهم شي ًئا قليلا‪ ،‬وهو َص ِف ُّي الله من خلقه وخليله!‬ ‫إ ًذا ما حال العبد المسكين الذي استخفه أصحاب الشهوات والشبهات فركن‬ ‫إليهم شي ًئا كثي ًرا‪ ،‬وافترى على الله غير وحيه وشرعه؟ إنه لن يكون أكرم على الله‬ ‫من رسوله صلى الله عليه‪.‬‬ ‫نسأل الله الثبات على الحق حتى الممات‪.‬‬ ‫عندما عادت إل َّي نفسي!!‬ ‫كل ما أملكه لم يكن يتجاوز كونه عقلا شار ًدا يتخبط بي‪ ،‬وه ًّما يؤرقني‪ ،‬وأنينًا‬ ‫في صدري يهز أضلاعي‪ ،‬ووجدت نفسي وحيدة على كثرة من حولي‪ ،‬ووجدتني‬ ‫ضعيفة ج ًدا‪ ،‬وما أعظمها من حقيقة تعلمتها من تجربتي‪ ،‬حقيق ُة أنني ضعيفة لا‬ ‫أملك لنفسي نف ًعا ولا ض ًرا! حقيقة نؤمن بها نظر ًيا‪ ،‬لكن شتان بين النظرية وبين أن‬ ‫نذوقها ونعيشها‪ ،‬حينها تتبدل المقاييس والمعايير في ذواتنا‪ ،‬ونعيد البناء على أساس‬ ‫متين‪ ،‬على أساس ﮋﰊﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏﮊ ()‪.‬‬ ‫لجأ ُت للقرآن الكريم حينها‪ ،‬وكيف لجأت؟! كانت البداي ُة بع َد آي ٍة ترددت في‬ ‫ذهني كثي ًرا ﮋﰏﰐ ﰑﰒﰓﮊ ()‪ ،‬وأخذ ُت أضع لنفسي ِور ًدا‬ ‫أقرؤه ليطمئن قلبي المكلوم‪ ،‬فهدأت نفسي لمجرد القراءة‪ ،‬لكن ما زلت أشعر أني‬ ‫في طريقي لخي ٍر أعظم‪.‬‬ ‫وفعلا؛ جاءتني مكالمة من أخت في الله‪ ،‬ذكرتني بالله وبِ ِع َظ ِم أج ِر الابتلاء‬ ‫  محمد‪.19 :‬‬ ‫  الرعد‪.28 :‬‬ ‫‪101‬‬

‫هكذا عاشوا مع القرآن‬ ‫والصبر عليه‪ ،‬وقالت‪ :‬لقد أراد الله بك خي ًرا‪ ،‬فلربما أرا َد أن يزيد ِك من فضله بعد‬ ‫أن رأى منك نف َع النا ِس بما تقدمينه لهم من خير‪ُ ،‬ث َّم قر َأ ْت آي ًة‪ ،‬وانتهت المكالمة!‪.‬‬ ‫لم تكن تعل ُم ما فع َل ْت بي هذه الآية‪ ،‬لقد غيرَّ ت مجرى تفكيري حينها بشكل‬ ‫غير عادي‪ ،‬ووجد ُت في روحي انتعاشا غاب عني شهو ًرا‪ ،‬إنها قول الله تعالى‪:‬‬ ‫ﮋﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮊ()‪،‬‬ ‫يا الله! أبالصبر واليقين أنال هذا الشرف؟ حينها قلت بكل عزم وحزم‪ :‬يا أقدا َم‬ ‫الصبر تحملي ﮋﯷ ﯸ ﯹ ﯺﮊ()‪ ،‬وكوني على يقين بكل ما يعدك ربك في‬ ‫كتابه‪ ،‬وفعلا قررت حينها أن أصبر وأصبر‪ ،‬وأن يكون عندي يقين أكثر بفرج الله‬ ‫سبحانه ووعده حيث يقول ﮋﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮊ ()‪ ،‬ويقول‪ :‬ﮋﮧ‬ ‫ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮊ()‪ ،‬ويقول جل وعلا‪ :‬ﮋﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ‬ ‫ﯞ ﯟ ﮊ()‪،‬ويقول تعالى‪ :‬ﮋﯿﰀ ﰁﰂﰃﮊ()‪.‬‬ ‫وحينما كانت الضغوط تحيط بي‪ ،‬ويتعالى حديث الناس من حولي بأنني سأفقد‬ ‫الكثير‪ ،‬كانت تأتيني آية تن ِز ُل على قلبي نزول المطر على الأرض الجدباء القاحلة؛‬ ‫فيزهر ربيع قلبي‪ ،‬يقول الله تعالى‪ :‬ﮋﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ‬ ‫  السجدة‪.24 :‬‬ ‫  البقرة‪.153 :‬‬ ‫ الطلاق‪.2 :‬‬ ‫  الطلاق‪.3 :‬‬ ‫ الشرح‪.6-5 :‬‬ ‫  الطور‪.48 :‬‬ ‫‪102‬‬

‫هكذا عاشوا مع القرآن‬ ‫ﭻﭼﭽﭾ ﭿﮀﮊ()‪.‬‬ ‫لقد كانت كل آية تأتيني ذكرى من الله‪ ،‬فكم يفتح التدبر للنفس من آفاق نحو‬ ‫السعادة والاستقرار النفسي‪ ،‬واللهِ إنها لحياة جديدة لقلبي‪ ،‬فخرجت من المحنة‬ ‫وقد خسرت في نظر كثير ممن حولي‪ ،‬وهذا للأسف فهمنا القاصر للمشكلات التي‬ ‫نعيشها‪ ،‬لكني والله قد ربحت‪ ،‬بل إن ربحي لكبير مع رحلة التدبر‪ ،‬لقد ربحت‬ ‫من هذه المحنة ذاتي التي وجدت طريقها أخي ًرا!!‬ ‫تثبي ٌت من الله‬ ‫ُكن ُت إذا سمع ُت بالفت ِن‪ ‬من حولنا وكثرتها وكثرة المعاصي؛ أبحث عن وسائل‬ ‫للثبات على دين الله‪ ،‬ومع تأ ُّملي في القرآن الكريم؛ وجد ُت هذه الوسائل فعلا في‬ ‫قوله تعالى في سورة النساء‪ :‬ﮋﭑﭒﭓ ﭔﭕﭖﭗﭘﭙ‬ ‫ﭚ ﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦ ﭧﭨﭩﭪﭫ‬ ‫ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﮊ()‪،‬‬ ‫فجعل ُت شعاري بعدها العمل بما أعلم‪ ،‬حتى حصلت على بعض الثمار‪ ،‬ومنها‪:‬‬ ‫معونة الله عز وجل لي على القيام بالطاعات بأسهل الطرق‪.‬‬ ‫وعد الله ح ٌّق!‬ ‫احتاجت أمي في يوم من الأيام لشيء يكلف بعض المال‪ ،‬وكن ُت ألمس رغبتها‬ ‫فيه وحاجتها إليه‪ ،‬وكان لدي بعض المال الذي رصدته لحاجة لي‪ ،‬لكنه قد يقضي‬ ‫ الحجر‪.98-97 :‬‬ ‫  النساء‪.68-66 :‬‬ ‫‪103‬‬

‫هكذا عاشوا مع القرآن‬ ‫حاجة أمي‪ ،‬ومر في نفسي خاطر‪ :‬لم لا أقدم حاجتها على حاجتي؟ ألم يأمرني الله‬ ‫ببرها؟ وراودتني نفسي فصارع ُتها حتى قرر ُت تقدي َم حاجتها على حاجتي مهما‬ ‫كلفني ذلك‪ ،‬وتذكرت قوله تعالى‪ :‬ﮋﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ‬ ‫ﰙﰚﰛﰜ ﮊ() فقضيت حاجتها‪ ،‬وكلفني‪ ‬ذلك مبل ًغا من المال‪ ،‬كلي أمل في‬ ‫رضاها بعد رضا الله‪ ،‬ولما فاجأتهُ ا بالأمر بكت من شدة الفرح‪ ،‬فانشرح صدري لما‬ ‫وفقني الله إليه من برها وإدخال السرور عليها‪.‬‬ ‫العجيب في الأمر أنه في اليوم التالي لقضائي حاجتها؛ تم تحويل مبلغ لحسابي‬ ‫مكافأة من جهة رسمية‪ ،‬والأعجب أنها كانت بمعدل الضعف وزيادة‪ ،‬فبكيت‬ ‫حينها لأنني تذكرت موعود الله عز وجل‪  :‬ﮋﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ‬ ‫ﰘ ﰙ ﰚ ﰛ ﰜﮊ‪.‬‬ ‫(ﭢﭣﭤﭥ)‬ ‫حينما بدأ ُت في حفظ كتاب الله تعالى قبل عشرين عا ًما؛ كن ُت أقف أمام بعض‬ ‫الآيات التي ُتؤثر في قلبي ج ًدا‪ ،‬وأكررها عشرات المرات‪ ،‬ثم أكت ُبها على ورقة‬ ‫وأضعها أمامي متأملا كلماتها ومعانيها‪ ،‬فكن ُت أشعر أن هذه الآيات تحُ دث تأثي ًرا‬ ‫كبي ًرا في قناعاتي وعقيدتي ومبادئي‪.‬‬ ‫ومن تلك الآيات العظيمة التي كتب ُتها وع َّلق ُتها على جدار غرفتي قوله تعالى‪:‬‬ ‫ﮋﭑﭒﭓﭔ ﭕﭖﭗﭘ ﭙﭚﭛ ﭜﭝ ﭞﭟﭠﭡ‬ ‫  الحديد‪.11 :‬‬ ‫‪104‬‬

‫هكذا عاشوا مع القرآن‬ ‫ﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨ ﭩﭪﭫﮊ()‪.‬‬ ‫لقد عالجَ ْت هذه الآي ُة عندي أكثر من ‪ %90‬من الحزن والكآبة والقلق والخوف‬ ‫والتردد!!! ولكن كيف ذلك؟‬ ‫لقد كنت أتعرض لإحباطات كثيرة نتيجة فشلي في عمل ما‪ ،‬أو خطئي في‬ ‫تصرف ما‪ ،‬أو تس ُّرعي في كلمة أقولها ثم أكتشف أنني مخطئ‪ ،‬وعندما قرأ ُت هذه‬ ‫الآية علم ُت أن أي ض ٍّر يصيبني إنما هو من الله تعالى‪ ،‬وهو أمر ُم َق َّد ٌر قبل أن ُأخلق‪،‬‬ ‫وهذا الضرُ ُّ لا يمكن لأحد أن ُيذهبه ويكشفه إلا الله تعالى‪ ،‬فكن ُت أقول‪ :‬لماذا أنا‬ ‫حزي ٌن وقل ٌق ومحبِ ٌط؟ إذا كان الله تعالى وهو أرحم الراحمين قد َم َّسني بهذا الض َّر؛‬ ‫فهو من سيكشف هذا الضر‪ ،‬فهل هناك أ َج ُّل من هذا؟‪ ‬‬ ‫لقد غيرَّ ت هذه القناعة الجديدة أشياء كثيرة في حياتي‪ ،‬فتحول الوقت الذي‬ ‫كن ُت أمضيه في التفكير فيما سبق من أخطاء ومشاكل؛ تحول إلى وقت مثمر أقرأ فيه‬ ‫القرآن أو أتعلم فيه أم ًرا جدي ًدا من أمور العلم!‬ ‫انظروا معي إلى هذه الكلمات‪ :‬ﮋﭑﭒﭓﭔ ﭕﭖﭗﭘ‬ ‫ﭙﮊ؛ كيف غيرَّ ت حياة إنسان بأكملها‪ ،‬وكيف غيرت الوقت من وقت ضائع إلى‬ ‫وقت مثمر وف ّعال!‬ ‫وماذا عن الجملة الثانية من الآية‪ :‬ﮋﭛ ﭜﭝ ﭞﭟﭠ ﮊ يا لها‬ ‫من كلمات مليئة بالرحمة والتفاؤل والحيوية‪ ،‬فقد كن ُت في كثير من الأوقات أعاني‬ ‫من قلق وخوف من أشياء سوف تحدث‪ ،‬أو أتخيل أنها ستحدث‪ ،‬وعندما قرأ ُت‬ ‫ يونس‪.107 :‬‬ ‫‪105‬‬

‫هكذا عاشوا مع القرآن‬ ‫هذه الكلمات الإلهية أدرك ُت بأن أي خير سيصيبني لا يأتي إلا بإرادة الله عز وجل!‬ ‫ولن يستطيع أن ير َّده عني أحد إلا الله تعالى‪ ،‬فلماذا التردد في فعل هذا الأمر ما‬ ‫دام في رضا الله؟ بعدها؛ لم يعد لدي حسابات كثيرة أجريها قبل القيام بعمل ما‪،‬‬ ‫ماذا يعني ذلك؟ وتأ ّمل‪ :‬ﮋﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨ ﭩﭪﭫﮊ ‪،‬‬ ‫إنها الجملة الثالثة من الآية الكريمة‪ ،‬وتعني أن الله تعالى يختار من البشر من يشاء‬ ‫ليصيبه بالخير‪.‬‬ ‫ﮋﯦﯧﯨﮊ‬ ‫دائما ُكنت أفكر في أولادي ومستقبلهم‪ ،‬وتراودني فكرة أنني قد أموت وأتركهم‬ ‫وهم أطفال صغار‪ ،‬وأفكر كيف سيكون حالهم من بعدي؟‬ ‫‪ ‬ولكن ذات مرة وأنا أقرأ‪ ‬سورة الكهف‪ ،‬وعندما وصلت إلى قوله تعالى‪:‬‬ ‫ﮋﯛﯜ ﯝﯞﯟ ﯠﯡﯢ ﯣﯤ ﯥﯦﯧ‬ ‫ﯨﯩﯪﯫﯬ ﯭﯮﯯ ﯰﯱﯲﮊ()‪.‬‬ ‫‪ ‬وقف ُت عندها كثيرا وتأمل ُتها‪ ،‬وأصبح ُت أرددها كثيرا في نفسي وأتساءل‪ :‬ما‬ ‫الذي يعنيه أن يكون الشخص صالحًا؟‪ ‬وما أهمية هذا الصلاح في حفظ الأبناء؟‬ ‫وقررت بعدها أن أبحث عن تفسيرها‪ ،‬والذي ما إن قرأته حتى أ َّثر في نفسي أث ًرا‬ ‫بال ًغا‪ ،‬وجعلني أقرر أن‪ ‬أصلح أولا من أحوالي؛ سواء على صعيد علاقتي بربي‪،‬‬ ‫أو علاقتي بالناس من حولي حتى أنتفع وينتفع بذلك أولادي من بعدي‪ ،‬وبدأت‬ ‫فعلا أقطف ثمار هذه الآية العظيمة‪ ،‬فأنا أشعر الآن‪ ‬بسعادة عظيمة في ظل عبادتي‬ ‫ الكهف‪.82 :‬‬ ‫‪106‬‬

‫هكذا عاشوا مع القرآن‬ ‫لربي‪ ،‬وثقتي الكبيرة به أنه هو الحافظ لأولادي وعائلتي من كل شر مادمت أعمل‬ ‫صال ًحا‪.‬‬ ‫ميلاد جديد‬ ‫كان ميلادي في السادسة عشرة من عمري!!‬ ‫كان ذلك في ليلة من ليالي الصيف وبعد العشاء في بيت أخي الأكبر‪ ،‬إذ جلسنا‬ ‫في فناء داره وعلى ضوء أنوار أعمدة الشارع في ليلة لا أنساها أب ًدا‪ ،‬وكان أخي‬ ‫يحدثنا عن الجنة ونعيمها‪ ،‬وأخذ الحديث بمجامع قلبي وكأني أسمعه لأول مرة‪،‬‬ ‫بل ربما فعلا أسمعه لأول مرة‪ ،‬فقد كنت في غفلة ُم ْطبِ َق ٍة‪ ،‬وسألت أخي‪ :‬أين أجد‬ ‫مثل هذا الكلام الجميل؟ فأشار إلى مكتبته الخاصة‪ ،‬ونظرت إلى الكتب في حيرة‪:‬‬ ‫أيهَّ َا أختا ُر؟‬ ‫ولا ِز ْل ُت أتعج ُب إلى اليوم كيف وقع اختياري على كتاب (إغاثة اللهفان من‬ ‫مكائد الشيطان) لابن القيم‪ ،‬مع كتابه الآخر (الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء‬ ‫الشافي)‪ ،‬وكتاب ثالث هو أحد أجزاء (الترغيب والترهيب) للمنذري‪.‬‬ ‫أخذتها وذهبت إلى المنزل‪ ،‬و َظل ْل ُت أقرأ وأقرأ وتأثرت كثي ًرا‪ ،‬وتولدت لدي‬ ‫الرغبة الشديدة في حفظ القرآن الكريم‪ ،‬حيث لم يكن معي منه وأنا في السادسة‬ ‫عشرة إلا بع ٌض من قصار السور مع ضعف في حفظها!! وبدأت الحفظ فعلا‪ ،‬إلا‬ ‫أنني شعرت بالحاجة ال ُم ِل َّح ِة إلى فهم آيا ٍت كنت أقف عندها متسائلة عن معناها‬ ‫ودلالتها‪ ،‬وهنا بدأت مسيرة حياتي الجديدة حينما أمسكت كتب التفسير وبدأت‬ ‫أقرأ بفهم وتأثر‪ ،‬كنت أقرأ كثي ًرا في تفسير (جزء ع َّم) وأنا خالية وأبكي‪ ،‬كنت‬ ‫‪107‬‬

‫هكذا عاشوا مع القرآن‬ ‫أعيش الآيات بتفاعل وأشعر أن الروح تسري في قلبي‪ ،‬وقب َس النو ِر ُي ِش ُّع في‬ ‫نفسي‪ ،‬ويزداد يو ًما بعد يوم‪ ،‬إنه الح ُّق في قول الحق سبحانه وتعالى‪ :‬ﮋﮗ ﮘ‬ ‫ﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢ ﮣﮤﮥﮦ‬ ‫ﮧ ﮨﮊ()‪.‬‬ ‫وعرفت طعم الحياة الحقيقية يوم عرفت ربي من خلال تدبر كلامه‪ ،‬فأحببته‬ ‫وآثرت محا َّبه على كل شهواتي‪ ،‬فأقبلت على الصلاة والصيام والقرآن والقيام به‬ ‫والقراءة في الكتب النافعة‪ ،‬وتركت سماع اللهو ومتابعة الأفلام‪ ،‬وكل ما يمكن‬ ‫أن يمارسه من نشأ في أجواء الغفلة والبعد عن القرآن والعلم الشرعي‪ ،‬وكن ُت كلما‬ ‫مررت بآية تؤثر في قلبي فتحت كتب التفسير لأفهمها‪ ،‬ثم أكتبها في دفتر أو في‬ ‫ورقة أعلقها أمامي في مكان بارز‪.‬‬ ‫ﮋﭖﭗﭘﮊ‬ ‫كن ُت في العشري َن من ُع ُم ِري يو َم تقد َم لي الشاب الذي أحلم به‪ :‬طال ُب عل ٍم‬ ‫عليه ِسيْماَ الصلا ِح والاستقام ِة‪ ،‬ووافق ُت وقتها بعد استخارة واستشارة دون تق ٍّص‬ ‫واضح لأمور أخرى قد تهَ ُ ُّم الناس عادة‪ ،‬ومضت الأيام وأنا أعيش فترة ال ِخطبة في‬ ‫ظل حل ٍم جمي ٍل بالحياة في بيت طالب علم‪ ،‬إلى أن اقترب موعد الزواج‪ ،‬وتسامع‬ ‫الناس بالخبر في بلدتي الصغيرة‪ ،‬فتتابعت التحذيرات من الارتباط بجا ٍّد متز ِّم ٍت‬ ‫بعيد عن مباهج الحياة!‪.‬‬ ‫اضطرب ُت و ِح ْر ُت بين الثبا ِت على المبدأ وتكملة المشوار‪ ،‬وبين الاستسلا ِم‬ ‫  الأنعام‪.122 :‬‬ ‫‪108‬‬

‫هكذا عاشوا مع القرآن‬ ‫والتراج ِع‪ ،‬ومض ِت الأيام وأنا بين الحيرة والقلق والدموع‪ ،‬إلى أن شاء الله جل‬ ‫وعلا‪ ،‬وفي لحظة لا أنساها بعد صلاة الفجر جلس ُت أنتظ ُر الإشراق‪ ،‬وأخذت‬ ‫المصحف وتلوت من سورة آل عمران‪ ،‬حتى توقفت فيها على قوله تعالى‪ :‬ﮋﯶ‬ ‫ﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿ ﰀﰁﰂﰃﰄ‬ ‫ﰅ ﰆ ﮊ()‪ ،‬ولم أكن أعرف تفسيرها في ذلك الوقت ولا فيمن نزلت‪،‬‬ ‫ولكني شعرت أنها تخاطبني‪ ،‬فكررتها مرات أتدبرها‪ ،‬وبعدها اتخذ ُت قراري‬ ‫بالاستمرار في ترتيبات الزواج وأنا أردد‪ :‬حسبي الله ونعم الوكيل‪.‬‬ ‫واليوم؛ وبعد ُمضيِ ِّ خمس ٍة وعشري َن عا ًما على زواجي؛ أرى تتم َة الآي ِة في‬ ‫حياتي‪ :‬ﮋﭑﭒ ﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙ ﭚﭛﭜﭝﭞ‬ ‫ﭟ ﭠﮊ()‪.‬‬ ‫أهل الرجاء والخوف‬ ‫ُكن ُت دائماً أتأمل كيف امتدح الله سبحانه وتعالى أهل الرجاء والخوف في‬ ‫كتابه‪ ،‬كما في قول الله تعالى‪ :‬ﮋﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ‬ ‫ﮛﮊ()‪ ،‬فالرجاء يستلزم الخوف‪ ،‬ولولا ذلك لكان أمنًا‪ ،‬والخوف يستلزم‬ ‫الرجاء‪ ،‬ولولا ذلك لكان قنو ًطا ويأ ًسا‪ ،‬وكل أحد إذا خفته هربت منه إلا الله‬ ‫تعالى‪ ،‬فإنك إذا ِخفته هربت إليه‪.‬‬ ‫ آل عمران‪.173 :‬‬ ‫  آل عمران‪.174 :‬‬ ‫ السجدة‪.16 :‬‬ ‫‪109‬‬

‫هكذا عاشوا مع القرآن‬ ‫ومنها أيضا قوله تعالى‪ :‬ﮋﯦﯧ ﯨﯩﯪﯫﯬﯭ ﯮ‬ ‫ﯯﯰﯱﮊ()‪ ،‬قل ُت‪ :‬سبحان الله! هم يبيتون ساجدين وقائمين ومع ذلك‬ ‫يخافون الآخرة ويرجون رحمة ربهم؛ لأنهم يشعرون أنهم لم يعملوا !فتأملوا كيف‬ ‫َذ َك َر تعالى خو َفهم ورجا َءهم مع إتيانهم بهذه الطاعات‪.‬‬ ‫وللأطفال مع كتاب الله ِقصص أي ًضا!‬ ‫الأطفا ُل هم فطر ٌة سليم ٌة لم تتلوث‪ ،‬وفه ٌم بسي ٌط لم تع ِّقده أحداث الحياة‪،‬‬ ‫وتربيتهم في ظل الحنيفية ال َّس ْم َح ِة؛ ُتنتِ ُج آخر المطاف مثل هذه ال ِقصص؛ لنعتبر بها‬ ‫ونتعظ‪ ،‬ونتعلم منها كيف نتعامل مع القرآن ونعيش معه‪:‬‬ ‫ﮋﭕﭖﭗﮊ‬ ‫كنت عائ ًدا ذات صباح من السفر‪ ،‬وأردت أن أحضر هدية لأبناء أخي‬ ‫الصغار‪ ،‬و ِح ْر ُت في اختيارها حتى وجد ُت جها ًزا يعرض القرآن كاملا بصوت‬ ‫عدد من القراء فاشتريته‪ ،‬ولما عد ُت كانوا في استقبالي فقدم ُتها لهم‪ ،‬ثم صعدت‬ ‫للنوم كوني ُمرهقا من السفر‪ ،‬و ُرحت في نوم عميق‪.‬‬ ‫وفجأة!! ‪ -‬وبعد زمن لم أستطع تقدير ‪ -‬سمع ُت أصوات بكا ٍء‪ ،‬اعتقد ُت‬ ‫في البداية أنني أحلم‪ ،‬لكنني بعد أن استيقظت َف ِز ًعا نزلت أسفل البيت لأصعق‬ ‫بابنَي أخي‪« :‬راكان» ذي السنوات الأربع‪ ،‬و«وجدان» ذات السنوات الست؛‬ ‫وهما يستمعا ِن للجهاز الذي أهديته لهما‪ ،‬وبالتحديد لآي ٍة في سورة الانفطار تقول‪:‬‬ ‫  الزمر‪.9 :‬‬ ‫‪110‬‬

‫هكذا عاشوا مع القرآن‬ ‫ﮋﭕ ﭖ ﭗ ﮊ()‪ُ ،‬صعقت لبكائهما‪ ،‬ومكثت برهة وأنا صامت أراقبهما‬ ‫وهما يبكيان بحرقة‪ ،‬ثم خرج ُت عن صمتي لأسألهما‪ :‬لماذا تبكيان؟؟‬ ‫أجابني راكان بخوف وبراءة‪ :‬عمي؛ النجوم ستطير والبحر سينفجر!‬ ‫وتس َّمر ُت في مكاني‪ ،‬ل ُيفاجئني صوت «وجدان» بكلمة هزتني من الأعماق‪ :‬عمي‬ ‫ص ِّل وحافِ ْظ على صلاتك‪ ،‬غدا تطير النجوم‪ ،‬ويا ويلك من ربي!‬ ‫وقد ُكن ُت فعلا لا أواظب على الصلاة حينها‪ ،‬ولم أشعر بنفسي إلا وأنا أبكي‬ ‫وأصيح من أعماقي ﮋﭕ ﭖ ﭗ ﮊ ماذا سأقول لربي؟؟ ماذا سأقول‬ ‫لربي؟؟ ولم َت ُف ْتنِي صلا ٌة في المسج ِد منذ ذلك اليوم بفضل الله‪.‬‬ ‫ﮋﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﮊ‬ ‫طفلة في الحادية عشرة من العمر‪ ،‬كانت تقول لأمها باستمرار‪ :‬كلما مرر ُت‬ ‫بآيات معينة من القرآن زاد خوفي‪ ،‬وتم َّلكتني الرهبة‪ ،‬وأحسس ُت أن الله قد ُينزل بنا‬ ‫العذاب إن قصرَّ نا في حقه‪.‬‬ ‫‪ -‬سألتها الأم‪ :‬وما هي هذه الآيات؟‬ ‫‪ -‬فأجابت الطفلة‪ :‬هي قوله تعالى‪ :‬ﮋﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ‬ ‫ﯭ ﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴ ﯵﯶ‬ ‫ﯷﯸﯹﯺﯻ ﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂ ﰃ‬ ‫ﰄ ﮊ()‪.‬‬ ‫  الانفطار‪.2 :‬‬ ‫  الرعد‪.13-12 :‬‬ ‫‪111‬‬

‫هكذا عاشوا مع القرآن‬ ‫ﮋﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮊ‬ ‫هو طفل ككل الأطفال‪ ،‬عمره ست سنوات في الصف الأول الابتدائي‪،‬‬ ‫قامت أمه الصالحة بتربيته على كتاب الله عز وجل منذ نعومة أظفاره‪ ،‬فأحب كتاب‬ ‫الله وبدأ في حفظه‪ ،‬وفي يوم ذهبت أمه إلى المدرسة لأخذه‪ ،‬فوجدته منشغلا يكتب‬ ‫في ورقة معه‪ ،‬فنادته فأقبل إليها ومعه الورقة‪ ،‬وظنت الأم أنه كان يرسم في تلك‬ ‫الورقة‪ ،‬فأخذت الورقة منه على عجل‪ ،‬وقامت بطيها‪ ،‬فخاف ابنها أن ترميها‪،‬‬ ‫فقال لها‪ :‬أمي؛ أمي! لا ترمي هذه الورقة‪.‬‬ ‫‪ -‬قالت له‪ :‬لمَ؟‬ ‫‪ -‬قال لأن بها قرآ ًنا‪.‬‬ ‫‪ -‬فأخذت الأم تقرأ الورقة! ثم قالت‪ :‬أنت كتبت هذه؟‬ ‫‪ -‬قال لها‪ :‬نعم‪.‬‬ ‫‪ -‬قالت له في اندهاش‪ :‬ولمَ كتبتها؟‬ ‫‪ -‬قال لها‪ :‬يا أمي؛ إن صديقي الذي يجلس أمامي في الفصل ظل َم صديقي‬ ‫الآخر ظلماً كبي ًرا‪ ،‬وقام بأذيته دون أدنى ذنب منه‪ ،‬فقمت بكتابة هذه الآية لصديقي‬ ‫الظالم لأذكره بالله وأخوفه منه‪.‬‬ ‫كانت الآية هي قوله تعالى‪ :‬ﮋﮐﮑﮒﮓ ﮔ‬ ‫ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮊ()‪.‬‬ ‫  الأحزاب‪.58 :‬‬ ‫‪112‬‬

‫هكذا عاشوا مع القرآن‬ ‫ﮋﮨ ﮩﮊ‬ ‫كن ُت متهاون ًة في أداء الصلاة رغم حرصي الشديد أن يحافظ عليها أبنائي‪ ،‬وقد‬ ‫راقبتني ابنتي ذات السنوات العشر دون عل ٍم مني‪ ،‬فع ِل َم ْت أنني أتهاون في ال َّصلاة‪،‬‬ ‫ثم حدث بيني وبينها هذا الحوار الذي كانت فيه سب ًبا بعد الله في هدايتي‪:‬‬ ‫‪ -‬قالت لي‪ :‬أمي؛ ما جزاء من ترك الصلاة؟‬ ‫‪ -‬قلت‪ :‬كافر ومصيره إلى النار‪.‬‬ ‫‪ -‬قالت‪ :‬ولماذا يترك الإنسان العاقل الصلاة؟‬ ‫‪ -‬قلت‪ :‬ربما لأنه يعتقد أنه لا يوجد بعث ولا حساب‪ ،‬وأنه سينتهي بمجرد‬ ‫الموت‪.‬‬ ‫‪ -‬قالت‪ :‬وهل هذا الاعتقاد صحيح؟‬ ‫‪ -‬قلت ‪ :‬كلا ! بل هو باطل‪ ،‬والصحيح أن هناك بع ًثا ونشو ًرا وحسا ًبا وجزا ًء‬ ‫وجن ًة ونا ًرا!‬ ‫‪ -‬قالت لي ‪ :‬يا أماه؛ وما فائدة هذا الاعتقاد إذا لم يظهر أثره في سلوك الإنسان‬ ‫وتصرفاته؟ وفي أدائه للصلاة ومحافظته عليها في أوقاتها؟ ألم يقل سبحانه‪ :‬ﮋﮣ‬ ‫ﮤ ﮥﮦﮧﮨ ﮩﮊ()!!‬ ‫فتأملت كلامها فوجدت أنه الحق‪ ،‬وتأثرت به فأصبحت ‪-‬ولله الحمد‪ -‬بعد‬ ‫هذا الحوار من ال ُمحافظات على الصلوات والسنن الرواتب‪ ،‬أسأل الله أن يثبتني‬ ‫على ذلك‪.‬‬ ‫  النساء‪.103 :‬‬ ‫‪113‬‬



‫القسم الثاني‬ ‫ِقصص تحكي تأملات ومواقف مع آيات القرآن‬ ‫لساني سر شقائي!‬ ‫كن ُت امرأ ًة متدين ًة؛ لكني كن ُت كثير َة الفضو ِل والأسئلة‪ ،‬فالمه ُّم أن أسأ َل‪ ،‬لا‬ ‫للمعرف ِة ثم العم ِل ول ِك ْن من با ِب الفضول‪ ،‬وكنت أتحدث عن الأشياء لمجرد‬ ‫الحديث فقط‪ ،‬وكثيرا ما كن ُت أ ُم ُّر بلا تفك ٍر أو تد ُّب ٍر على قوله تعالى‪ :‬ﮋﭪﭫﭬ‬ ‫ﭭﭮ ﭯﭰﭱﮊ()‪ ،‬وعلى الآية الكريمة‪ :‬ﮋﮮﮯﮰﮱﯓ‬ ‫ﯔﯕﯖ ﯗﯘﯙﮊ()‪ ،‬لا أدري أغفلة تلك أم هي حسن ظن بنفسي؛‬ ‫عياذا بالله!‬ ‫وبعد زواجي كن ُت أسأ ُل عن أشيا َء‪ ،‬وأتحد ُث عن أمو ٍر لا ينبغي ذكرها حتى‬ ‫مع الزوج‪ ،‬كنت أفع ُل ذلك ‪ -‬فقط ‪ -‬لأبين له أني قد سمعت عن حيل بعض‬ ‫النساء على أزواجهن‪ ،‬ولم ُأدرك نفسي إلا بعد أن أدخل ُت الش َّك في قل ِب زوجي‬ ‫  ق‪.18 :‬‬ ‫  المائدة‪.101 :‬‬ ‫‪115‬‬

‫هكذا عاشوا مع القرآن‬ ‫من جهتي‪ ،‬وتطور الأمر حتى صار يتهمني ويحتج على صحة اتهاماته بما قلته له‪،‬‬ ‫وبما سألته عنه!‬ ‫واستمر تطور الأمور حتى ضاق بي الحال من ازدياد معاملته السيئة لي‪ ،‬حتى‬ ‫خرجت من بيتي إلى بيت أهلي‪ ،‬وهناك وصلنا للطلاق‪.‬‬ ‫بعد الطلاق كنت أتهمه بأنه مجر ٌم وظالمٌ إذ فعل بي ما فعل بلا ذنب سبق مني‪،‬‬ ‫لكن عندما مرر ُت بتفسير الآيا ِت السابقا ِت‪ ،‬واستشر ُت واحدة من أهل الخبرة في‬ ‫حل القضايا الأسرية‪ ،‬وسم َع ْت مني ما صنع ُت؛ أشارت إلى لساني وقالت‪ :‬هذا‬ ‫هو سر شقائك!‬ ‫توبة فتاة استمعت إلى كلام الله‬ ‫كن ُت متمادي ًة في المنكرات والعصيان‪ ،‬و َل َك ْم حا َو َل ْت والدتي ُنصحي وتذكيري‪،‬‬ ‫لدرجة أنها كانت تبكي أمامي؛ ولكن بدون فائدة!‬ ‫ظ َل ْل ُت أسير في طريق مظلم كالح‪ ،‬أتخبط فيه بين الأوهام والخيالات‪ ،‬وعندما‬ ‫ُيس ِد ُل اللي ُل ستاره الأسود؛ أفكر فيما سأعمله غدا‪ ،‬وعندما يشرق النهار أبل َج‬ ‫واض ًحا؛ أحمِ ُل َه َّم الليل وكيف سأقضيه‪ ،‬ليس لي ه ٌّم إلا الدنيا‪ ،‬وإضاعة الأوقات‬ ‫بدون فائدة‪ ،‬وتمر الساعات وأنا ما بين أغنية ومجلة‪ ،‬وفيلم‪ ،‬وهكذا ألبستني الغفل ُة‬ ‫من ثيابهِ ا ألوا ًنا شتى‪.‬‬ ‫وذات يوم ملل ُت من ذلك الروتين اليومي‪ ،‬ومن نصح والدتي وتذكيرها لي‬ ‫بوالدي المتو َّىف وحرصه عل َّي‪ ،‬ودخل ُت غرفتي التي تضج بالأشرطة والمجلات‬ ‫والصور‪ ،‬وفتح ُت نافذة غرفتي فإذا بصوت إمام المسجد يهز مسامعي وهو يقرأ‬ ‫‪116‬‬

‫هكذا عاشوا مع القرآن‬ ‫من سورة ق‪ ،‬فما أشد وقع تلك الكلمات على نفسي الغافلة‪ ،‬وما أعظمها وهي‬ ‫تصف حال الإنسان عند الموت‪ :‬ﮋﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚ‬ ‫ﭛﭜ ﭝﭞﭟﭠﭡﭢ ﭣ ﭤﭥﭦ ﭧ ﭨ ‪...‬ﮊ إلى قوله‪:‬‬ ‫ﮋﰖ ﰗﰘﰙﰚﰛ ﰜﰝﰞﰟﰠﰡﰢﮊ()‪.‬‬ ‫إنها الحياة الحقيقية‪ ،‬فما أقسى الموت! وما أشد غفلتي عنه! وهذا القب ُر الذي‬ ‫طوته الغفلة و َغ َّي َب ُه النسيان في حياتي! وهذه الصلاة التي كانت مجُ َ َّر َد عاد ٍة‪ ،‬إِ ْن كن ُت‬ ‫متفرغ ًة أديتها وإلا ترك ُتها كغيرها من الفرائض! أما كتا ُب الله فلا تمَ َ ُّس ُه يدا َي إلا في‬ ‫المدرسة إن حضر ُت حصته‪ ،‬وهكذا؛ دق جرس الإنذار في نفسي مدو ًيا‪ ،‬وانهالت‬ ‫الأسئلة عل َّي من كل جانب!‬ ‫يا إلهي! ماذا أعددت لسؤالك؟ ماذا أعدد ُت للقبر وضمته‪ ،‬وللموت‬ ‫وسكرته؟ لا شيء أب ًدا؛ لا رصي َد لد َّي أنجو به‪ ،‬ولا زاد أتزود به سوى عشرات‬ ‫الأغاني الماجنة التي أحفظها!‬ ‫يا إلهي؛ ماذا سأفعل؟ راح من ُع ُمري الكثير‪ :‬ذنوب بالليل وآثام بالنهار!‬ ‫لابد من الرجوع إلى الله والاستعداد ليوم تشيب فيه الولدان‪ ،‬وتضع كل ذات حمل‬ ‫حملها‪ ،‬لابد من الاستيقاظ والعمل بجد وإخلاص‪ ،‬لعل الله أن يعفو عن الكثير‪،‬‬ ‫ويقبل القليل‪ ،‬ولا حول ولا قوة إلا بالله‪.‬‬ ‫أعادته آية !‬ ‫أنا شاب مسلم من أسرة مسلمة متوسطة‪ ،‬هاجر ُت إلى كندا منذ عشر سنوات‪،‬‬ ‫  ق‪. 35-16 :‬‬ ‫‪117‬‬

‫هكذا عاشوا مع القرآن‬ ‫وهناك؛ حيث يباح كل شيء‪ ،‬ويتم في وضح النهار مهما كان مخزيا؛ انزلق ُت إلى‬ ‫مستنقع الفواحش‪ ،‬و َغ ِر ْق ُت في الرذيلة المحرمة إلى أقصى درجة‪ ،‬ثم جاءتني فرص ٌة‬ ‫للعمل في القاهرة بإحدى الوكالات التابعة لهيئ ٍة دولي ٍة معروف ٍة‪ ،‬وفي القاهرة‬ ‫تعرفت على مجتمع من الشباب المنفلت البغيض‪ ،‬ونظ ًرا لما حباني به الله من َو َسامة‬ ‫وجاذبية في الحديث؛ فقد كانوا يرحبون بي أينما حللت!‬ ‫وفي أحد الأيام كن ُت أتصفح الشبكة العنكبوتية؛ فدخلت أح َد المواق ِع‬ ‫النصراني ِة التي َت ُس ُّب سيدي وحبيبي ×‪ ،‬وأحسست بالدماء تغلي في عروقي حتى‬ ‫ليكاد رأسي ينفجر من الغيظ‪ ،‬ووجدت بالموقع راب ًطا لبرامج بعض المنصرين؛‬ ‫فهالني ما أسمع‪ ،‬إلا أنى أحسست عند استشهاده بإحدى الآيات القرآنية أن‬ ‫هناك تغيي ًرا ُم َت َع َّم ًدا في كلماتها‪ ،‬ولكني لم أكن متأكدا منه‪ ،‬فقررت أن أعود للآية‬ ‫التي َيستشهد بها للتأكد من صدق ما يطرحه من أدل ٍة على شبهاته‪ ،‬وأمسكت‬ ‫المصحف لأول مرة منذ خمس سنوات للبحث عن الآية المذكورة‪ ،‬ولكن قبل أن‬ ‫أصل إليها وقعت عيني على قوله سبحانه وتعالى‪ :‬ﮋﮤﮥﮦﮧﮨ‬ ‫ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ‬ ‫ﮊ()‪ ،‬ووجدت نفسي أكررها عدة مرات‪ ،‬وانتابتني موجة من البكاء حتى علا‬ ‫صوتي وأنا أبكي وأستغفر الله‪ ،‬وأعلنت التوبة‪ ،‬وانتظمت في صلاتي‪ ،‬وأرجو من‬ ‫الله أن يتقبل مني توبتي‪.‬‬ ‫ثم بدأت بعد ذلك رحلة طويلة من الدراسة للقرآن الكريم‪ ،‬وكلما أنعم الله‬ ‫  الزمر‪.53 :‬‬ ‫‪118‬‬

‫هكذا عاشوا مع القرآن‬ ‫عل َّي بالعلم من عنده؛ عرفت كم هو عظي ٌم ديننا‪ ،‬وكم هو عظي ٌم نب ُّينَا الكريم ×‪،‬‬ ‫كما عرفت كم هو ضئيل ووضيع كل من حاول الطعن فيهما!‪.‬‬ ‫وليهنأ المنصرون ومن سار في ِر َكابهِ ِم‪ ،‬فكم من مسلم مستهتر عاد إلى جنة‬ ‫الإسلام بفضل أكاذيبهم وافتراءاتهم‪ ،‬وصدق الله العظيم حين قال‪ :‬ﮋﮄ‬ ‫ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉﮊﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮊ()‪.‬‬ ‫ﮋﭖ ﭗ ﭘﮊ‬ ‫أنا امرأة متزوجة ولدي طفلتان‪ ،‬وبسبب ظروف الحياة الصعبة‪ ،‬وبسبب‬ ‫دراستي الجامعية اندرج ُت في العمل بأحد البنوك الربوية‪ ،‬وأنا أحب بطبيعتي‬ ‫التفاني والإخلاص في العمل؛ فكنت من الموظفات النشيطات المتميزات‬ ‫والمحبوبات من الزبائن‪ ،‬لا أزعم أنني لم أكن أعلم أن العمل بالربا حرام؛ ولكن‬ ‫لم يكن لدي الوازع الديني القوي لِيرَْ َد َعنِي‪ ،‬وبالرغم من ذلك كنت دائما أشعر أن‬ ‫هناك خط ًأ َما‪ ،‬وأن مكاني المناسب ليس هنا‪ ،‬إلى أن ُت ُوفيِّ َ أبي وبدأ ُت بقراءة القرآ ِن‬ ‫بتدبر فتأثرت جدا‪ ‬بقوله تعالى في سورة الحاقة‪ :‬ﮋﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ‬ ‫ﯤﯥﯦﯧ ﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯ ﯰﯱﯲﯳﯴ‬ ‫ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ‬ ‫ﰇﰈﰉﮊ()‪ ،‬فكانت هذه الآيا ُت تصيبني بنوب ِة بكا ٍء شديد ٍة‪ ،‬وخو ٍف‬ ‫وهل ٍع كلما تصورت نفسي مع َمن سيؤتى كتابه بشماله‪ ،‬فكنت في داخلي أتمنى أن‬ ‫  الصف‪.8 :‬‬ ‫ الحاقة‪.32-25 :‬‬ ‫‪119‬‬

‫هكذا عاشوا مع القرآن‬ ‫أصبح من الأخوات الملتزمات‪ ،‬ومع الوقت‪  ‬تكاثرت الديو ُن الربوية عل َّي وعلى‬ ‫زوجي لبناء البيت فكن ُت مقيدة بها شرَ َّ ‪ ‬تقييد‪.‬‬ ‫وفي إحدى الليالي تسلل ُت من فراشي وفرشت سجادتي وصليت ورفعت يدي‬ ‫لله‪ ،‬وسألته أن يتوب عل َّي من العمل في البنوك‪ ،‬وأن ُيدبر لي لأنني لا أحسن التدبير‪،‬‬ ‫وأن يختار لي لأنني لا أحسن الاختيار‪.‬‬ ‫وعلمت فيما بعد بأنني في هذا الدعاء قد تبرأت من َح ْوليِ و ُق َّوتيِ دون أن‬ ‫أشعر‪ ،‬وحصل بعد ذلك أن انتقلنا لفرع جديد لهذا البنك تم تأسيسه‪َ ،‬ف َب َد َأ ِت‬ ‫الزيادا ُت والترقيا ُت وشهادا ُت الشك ِر‪ ،‬وزاد حب الزبائن وتقدير المديرين‪ ‬لي‪،‬‬ ‫حتى أصبح ُت إن غب ُت عن العمل تتعطل المعاملات المنوطة بي‪ ،‬وأصبح ُت أدي ُر‬ ‫َمنْ ِص َبينْ ِ م ًعا في آ ٍن واحد‪ ،‬وبعد ثلاث ِة أشه ٍر فقط من تأسيس الفرع الجديد شعرت‬ ‫فجأة بألم شديد في خاصرتي؛‪  ‬فأخذني زوجي إلى المستشفى‪ ،‬وتم اكتشاف ورم‬ ‫خبيث (سرطاني) أدى إلى استئصال الرحم بالكامل‪ ،‬وكانت النتائج تقول بأن‬ ‫ُع ُم َر الور ِم ثلاث ُة أشه ٍر فقط‪ ،‬فعلم ُت مباشر ًة‪ ‬أن هذا هو ترتيب رب العالمين لي؛‬ ‫لأن ُع ُم َر المر ِض هو َن ْف ُس ُه ُع ُم ُر تأسي ِس الفرع الجديد‪.‬‬ ‫كان أو ُل ما فعل ُت ُه أن كتبت استقالتي من البنك دون تفكير‪ ،‬وقد تعرضت‬ ‫لضغوط كثيرة من الأهل والمديرين في البنك‪ ،‬ونصحوني بعدم التسرع لأني واقعة‬ ‫تحت ضغط نفس ٍّي يمنعني من التفكير السليم‪ ،‬لكني كنت متيقنة بأن الله سيختار‬ ‫لي‪ ،‬وبعدها خضع ُت للعلاج الكيماوي‪ ،‬وكان زوجي ‪-‬بعد الله تعالى‪ -‬خي َر عو ٍن‬ ‫ورفي ٍق وصاح ٍب لي في هذا الابتلاء‪ ،‬وكان كتا ُب الله بيدي دائماً ‪ ،‬فاستوقفتني فيه‬ ‫‪120‬‬

‫هكذا عاشوا مع القرآن‬ ‫آية‪ ‬في سورة الإسراء تقول‪ :‬ﮋﭑ ﭒ ﭓ ﭔﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ‬ ‫ﭜ ﭝﮊ()‪َ ،‬د َخ َل ِت الآي ُة قلبي وكأنها خطا ٌب وتحذي ٌر من رب العالمين لي‬ ‫مباشرة‪ ،‬كي تحذرني الوقوع في مثل هذا الخطأ مرة أخرى‪ ،‬فكانت كلمة‪ :‬ﮋﭖ‬ ‫ﭗﭘﮊ‪ ‬تتردد على مسامعي كلما عاودني الحنين للعمل أو لزميلاتي أو لمكتبي‪،‬‬ ‫وبعدها فوجئ ُت أن البنك قد أعطاني مساعدة مالية كبيرة‪ ،‬بالإضافة لحقوق نهاية‬ ‫الخدمة‪  ،‬وأن البنك الآخر قد أسقط عني نصف القرض‪ ،‬وكن ُت أسمع صوتا‬ ‫يتردد في داخلي يقول لي‪:‬‬ ‫لا عذر ل ِك الآن‪ ،‬لقد شفينا ِك ومنحنا ِك فرصة جديدة للحياة‪ ،‬ورزقنا ِك من‬ ‫المال الحلال ما ُيسقط كل ديون ِك‪ ،‬وأعطينا ِك زيادة لتبدأ حياتك من جدي ٍد؛‪ ‬فإن‬ ‫عد ِت عدنا!‬ ‫‪ ‬وكانت بداية التحول في حياتي‪ ،‬فبدأت بدراسة العلم الشرعي‪ ،‬وحضور‬ ‫مجالس الذكر؛ حتى أصبحت مدير َة مركز نسائي دعوي ناجح‪ .‬أسأل الله القبول‪.‬‬ ‫واليو َم ‪ -‬وبعد مرور أكثر من أربع سنوات ‪ -‬لا زالت تلك الآية تتردد في‬ ‫مسامعي‪ :‬ﮋﭖ ﭗ ﭘ ﮊ‪ ،‬حتى إن زوجي كان يكررها عل ّي كلما آنس مني‬ ‫ضع ًفا أو حنينًا لعملي السابق‪ ،‬أو كلما مررنا بالبنك فوجدني أتطلع إلى الداخل‬ ‫لأرى الموظفين الجدد الذين يجلسون مكاني‪ ،‬فيكرر علي‪ :‬ﮋﭖﭗﭘﮊ‪ ‬فأبتع ُد‬ ‫مباشرة بنظري عن البنك‪ ،‬متذكرة مرضي والمحنة التي مررت بها‪ ،‬وإن عدت‬ ‫فسيعود‪ ،‬فأستغفر الله وأحمده‪.‬‬ ‫ الإسراء‪.8 :‬‬ ‫‪121‬‬

‫هكذا عاشوا مع القرآن‬ ‫ﮋﭑﭒ ﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜ ﭝﮊ ()‪.‬‬ ‫لقد كانت هذه الآية ‪ -‬ولا تزال ‪ -‬خ ًّطا أحمر بالنسبة لي‪ ،‬وجرس إنذار قوي لا‬ ‫يمكنني تجاوزه‪ ،‬فالحمد لله‪.‬‬ ‫ﮋﯾﯿ ﰀﰁ ﰂﮊ‬ ‫كن ُت أقرأ الآية الآتية وأسمعها‪ ،‬فتمر على لساني وأذني مرور الكرام‪:‬‬ ‫ﮋﯾﯿ ﰀﰁﰂﰃﰄ ﰅﰆﰇ ﰈﰉﰊ‬ ‫ﰋﰌﮊ()‪ ،‬حتى تفكر ُت فيها يو ًما‪ ،‬فقل ُت‪:‬‬ ‫ﮋﯾ ﯿ ﮊ كيف ظهر ر َّبا ُه؟‪ ‬فأتتني الإجابة ﮋ ﰃ ﰄ ﰅ‬ ‫ﰆﮊ‪.‬‬ ‫وماذا بع ُد؟ ﮋﰇ ﰈﰉ ﰊﮊ ‪ ،‬قل ُت‪ :‬فقط ﮋﰈﮊ !! ﮋﰈ‬ ‫ﰉ ﰊﮊ !!‬ ‫فكيف بنا إذا أذاقنا جزاء كل ما كسبت أيدينا؟‬ ‫ثم جاء ِخ َتا ُم الآية ﮋﰋﰌﮊ ‪ ،‬هل في جو ِف الابتلاءات والمح ِن التي‬ ‫نستحقها؛ رحم ٌة من الله لكن نرتد َع ونتوب؟‬ ‫ما ألطف َك وما أحلم َك ربنا‪ ،‬وما أرحم َك بعبادك الضعفاء‪ ،‬اللهم ُخ ْذ بنواصينا‬ ‫إليك؛ أخذ الكرام عليك‪.‬‬ ‫ الإسراء‪.8 :‬‬ ‫  الروم‪.41 :‬‬ ‫‪122‬‬

‫هكذا عاشوا مع القرآن‬ ‫ﮋﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﮊ‬ ‫‪ ‬يقول ربنا تبارك وتعالى‪ :‬ﮋ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ‬ ‫ﯡ ﯢ ﯣ ﯤﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ‬ ‫ﯯ ﮊ()‪.‬‬ ‫إنها رسالة لك ِّل أ ٍب ومر ٍّب‪ ‬وداعية‪ :‬إذا كان الله يحول بين المرء وقلبه الذي بين‬ ‫جنبيه؛‪ ‬فكيف بقلب ابنه أو تلميذه أو من يدعوه!‬ ‫اللهم يا مقلب القلوب؛ ثبت قلوبنا على دينك‪.‬‬ ‫ﮋﮞ ﮟﮠﮡ ﮊ‬ ‫كن ُت طالبة في المرحلة الثانوية‪ ،‬وكنت أذاكر لأخي وابن أختي‪ ،‬ومع ضغط‬ ‫الدراسة عل َّي؛ كن ُت دائما وبمجرد أن أكرر‪ ‬شرح مسألة لهما أكثر من مرة أ َم ُّل‬ ‫وأصرخ فيهما‪ ،‬فإن تكرر عدم التركيز أرمي الكتاب في وجهيهما‪.‬‬ ‫‪ ‬كنت أبكي وأتحسر على عصبيتي معهما بمجرد مغادرتي المكان‪ ،‬وأحاسب‬ ‫نفسي وأسألها‪ :‬هؤلاء أطفال! فلماذا أعاملهم بهذه العصبية؟‬ ‫‪ ‬وبالرغم من ذلك‪ ،‬كن ُت بمجرد أن أعاود المذاكرة لهما‪ ،‬أو حتى بمجرد علمي‬ ‫بنزول درجاتهم أعود إلى الصراخ والعصبية معهما‪.‬‬ ‫وفي يو ٍم قلت لأخي الصغير وأنا غاضبة‪ :‬ابتعد‪ ،‬فلن أدرسك‪ ،‬وكان وقتها في‬ ‫الصف الثاني الابتدائي‪ ،‬فوجئت به يبكي ثم لحقني إلى الغرفة الأخرى وهو يقول‬ ‫ الأنفال‪.24 :‬‬ ‫‪123‬‬

‫هكذا عاشوا مع القرآن‬ ‫بصوت متقطع‪ :‬آخر مرة سامحيني‪ ،‬فكانت معاناتي بعد ذلك الموقف تزيد يوما بعد‬ ‫يوم‪.‬‬ ‫وفي إحدى الليالي قمت في السحر‪ ،‬وسألت الله أن يهديني ويصلحني ويوفقني‬ ‫لسبيل أستطيع ضبط نفسي به‪ ،‬وفتحت المصحف لأتخير من آياته للصلاة‪ ،‬وتوفي ًقا‬ ‫من الله؛ إذ بي أفتح على قوله عز وجل من سورة البقرة‪ :‬ﮋﮗﮘﮙﮚﮛ‬ ‫ﮜ ﮝﮞ ﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥ ﮦﮧ ﮨﮩﮪﮫﮬ‬ ‫ﮭﮮﮯﮰﮱ ﮊ ()‪.‬‬ ‫كنت أقرأ من بداية الصفحة؛ وحين وصلت إلى هذه الآية لم أتمالك نفسي‪،‬‬ ‫وبدأت أكرر الآية‪ :‬ﮋﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮊ‪ ،‬ومع التكرار‬ ‫بدأت أفكر‪ :‬صلاب ُة الحج ِر َت ِلينْ ُ و ُت َف ِّج ُر أنها ًرا‪ ،‬وأنت أين قل ُبك؟!!‬ ‫‪ ‬عدت من جديد للآية وقراءتها‪ ،‬كان الخطاب فيها لليهود‪ ،‬ووجدتني أحاسب‬ ‫نفسي على فظاظتي وشدتي في المعاملة‪ ،‬حتى استيقظت في اليوم التالي وكأني قد‬ ‫ولدت من جديد‪.‬‬ ‫لقد تخرجت بعد ذلك واشتغل ُت بالتدريس‪ ،‬وكانت المرحلة الابتدائية أول‬ ‫عملي في التدريس لمدة أربع سنوات‪ ،‬وها أنا اليو َم أعم ُل في التوجيه‪ ،‬وأستقبل‬ ‫المكالمات من المعلمات لأعلمهن الطريقة الصحيحة في التعامل مع هذه المرحلة‪،‬‬ ‫وأتذكر دائماً ِح ْل َم الله على العاصي والكافر‪ ،‬فكيف بالمؤمن الموحد!‬ ‫وأخي ًرا ﮋﯯﯰﯱﯲﯳ ﯴﯵ ﯶﯷﯸﯹﯺﮊ()‪.‬‬ ‫ البقرة‪.74 :‬‬ ‫ الأعراف‪.43 :‬‬ ‫‪124‬‬

‫هكذا عاشوا مع القرآن‬ ‫ﮋﭜﭝﭞ ﮊ‬ ‫كلما تذكرت هذه الآية‪ :‬ﮋﭚﭛ ﭜﭝﭞ ﮊ()؛ َأ ْح ِر ُص‬ ‫ألا يكون بيني وبين أح ٍد خلا ٌف‪ ،‬وأحاو ُل إن كان هناك خلاف أن أمحوه تطبي ًقا‬ ‫لهذه الآية‪.‬‬ ‫آيا ُت التح ّدي!‬ ‫في ظل الانفتاح وكثرة الفتن وتجاوزات البعض؛ وحين أرى منك ًرا؛ و َأ ْض ُع ُف‬ ‫عن التوجيه والإنكار على فاعله؛ أتذكر (آيات التحدي) َف َأ ْق َوى ويشت ُّد عزمي‪،‬‬ ‫إنها تلك الآيات التي يحكي الله تعالى فيه َّن التح ِّدي الذي يخوضه إبليس وأعوانه‬ ‫ض َّد المؤمنين‪:‬‬ ‫ﮋﭳﭴﭵﭶ ﭷ ﭸﭹﭺﭻ ﭼﭽﭾﭿﮀ‬ ‫ﮁﮂﮃﮄﮅﮆ ﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍ‬ ‫ﮎﮏ ﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚ‬ ‫ﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡ ﮢﮣﮤﮊ()‪.‬‬ ‫النّي َة النّي َة!!‬ ‫في كل جمعة أقرأ سورة الكهف‪ ،‬لكن في جمعة من ال ُجمع‪ ،‬مرر ُت على آخر‬ ‫صفحة منها‪ ،‬وتحدي ًدا على قوله تعالى‪ :‬ﮋﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ‬ ‫ الأنفال‪.1 :‬‬ ‫  الحجر‪.42-36 :‬‬ ‫‪125‬‬

‫هكذا عاشوا مع القرآن‬ ‫ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮊ()؛ فوقف ُت متأملة‪ :‬يا‬ ‫الله!!! ‪ ‬أ ُيمكن أن يعمل الإنسان أعمالا قد تكون سببا في خسارتــه؛ وهو يظن أنه‬ ‫يحسن العمل؟!! ‪ ‬وأخذت بعدها أتعاهد نيتي‪ ،‬سائل ًة الله ربي أن يجعل كل أعمالي‬ ‫خالصة لوجهه!‪.‬‬ ‫آي ٌة غّيرت حياتي!‬ ‫غيرت آي ٌة قرأتهُ ا ذا َت يو ٍم مجرى حياتي كله‪ ،‬وهي قوله تعالى‪ :‬ﮋﭪ‬ ‫ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹﮊ()‪،‬‬ ‫لقد كن ُت في معصية الله عز وجل ثلاث سنوات كاملة‪ ،‬حاولت أن أترك المعصية‬ ‫لكني ما استطعت! وجلس ُت يوما أبكي بشدة‪ ،‬وأناجي ربي‪ ،‬فسمع ُت الآية أعلاه‪،‬‬ ‫فانشرح لها صدري‪ ،‬وتم َّلكني الحياء من ربي عز وجل‪ ،‬وسأل ُت نفسي حينها بصدق‪:‬‬ ‫هل أقبل أن يراني أبي أو أمي أو أ ُّي أحد في هذه الدنيا على ما أنا فيه؟ أو حتى أن‬ ‫يسمعوا بما أفعل؟‬ ‫وكان جوابي الأكيد لنفسي ‪ :‬لا‪ ،‬وأ ْل ُف لا‪ ،...‬فإن كن ُت قد استحيي ُت من‬ ‫العباد فكيف برب العباد وهو المطلع على كل شيء! فاستحييت من نظره سبحانه‬ ‫إل َّي وأنا أعصيه‪ ،‬وقرر ُت أن أتر َك ما أنا فيه‪ ،‬ومن ترك شي ًئا لله عوضه الله خيرا‬ ‫منه‪ ،‬وبمنة من الله وفضل ترك ُت المعصية‪ ،‬وها أنا أنعم بالسعادة بفضل ربي منذ‬ ‫سنوات‪.‬‬ ‫ الكهف‪.104-103 :‬‬ ‫ النساء‪.108 :‬‬ ‫‪126‬‬

‫هكذا عاشوا مع القرآن‬ ‫ﮋﯝﯞﯟﯠ ﯡ ﮊ‬ ‫آية في كتاب الله ُتبكيني‪ ،‬فعندما أرى منك ًرا أضعف عن إنكاره أو أسك ُت؛‬ ‫أتذكر قول الله عز وجل‪ :‬ﮋﯘ ﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟ‬ ‫ﯠ ﯡ ﮊ()‪ ،‬تأ َّمل ُتها أ َّو َل مر ٍة وأنا أبكي‪ :‬كيف لا أخشى الله وحده وهو‪ ‬مراقب‬ ‫لي‪ ،‬وحاولت فعلا تربية نفسي عند رؤية المنكر أن لا أخشى ولا أخاف إلا الله‪،‬‬ ‫فأصبح ُت عندما أنصح من حولي إذا انتابني شعور‪ ‬بالخوف أتذكر تلك الآية‪:‬‬ ‫ﮋﯝﯞﯟﯠ ﯡ ﮊ‪.‬‬ ‫رضي ُت بما اختار‬ ‫إذا ضاقت عل َّي الأرض بما رحبت وتكالبت الهموم‪ ،‬وبدأ الشيطان ُيعق ّـِد‬ ‫أمامي الأمور‪ ،‬وي ّدعي ألاَّ وجود للحلول‪ ،‬أتذكر قول ربنا ج َّل شأنه‪ :‬ﮋﯞ‬ ‫ﯟ ﯠ ﯡ ﯢﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﮊ ()‪ ،‬فتنقشع عني غيوم الهم‪،‬‬ ‫وتشرق في سمائي شمس التفاؤل وإحسان الظن‪ ،‬فإ َّن الخي َر كل الخير في اختيار‬ ‫الحكيم وتدبير العليم‪ ،‬ولو ُعرض ل َي الغي ُب ما اختر ُت إلا اختيار ربي‪.‬‬ ‫آية لا ُتنسى!‬ ‫عند التحاقي لأول مرة بدار التحفيظ‪ ‬قرأت في وردي اليومي‪ :‬ﮋﭟ ﭠ‬ ‫ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﮊ()‪ ،‬أحسست حينها بأنني سأتغير مع القرآن‬ ‫  الأحزاب‪.39 :‬‬ ‫ القصص‪.68 :‬‬ ‫  الإسراء‪.9 :‬‬ ‫‪127‬‬

‫هكذا عاشوا مع القرآن‬ ‫الكريم‪ ،‬لكنني ما ُكنت أدري ما هو نوع الهداية ﮋﭣﭤﭥﮊ ؟‬ ‫ولكن ما م َّر ‪ -‬واللهِ ‪ -‬شهران على التحاقي بالدار إلا وأصبح ُت أحس بلذة‬ ‫في عباداتي وصيامي‪ ،‬وفي قيام الليل خاصة ومحب ِة الصالحين‪ ،‬ثم بعد سنتين حفظت‬ ‫القرآن الكريم كاملا ‪ -‬ولله الحمد ‪ -‬مع أني كنت منذ بداية التحاقي بالدار لا‬ ‫أحفظ سوى أربعة أجزاء‪ ،‬فأدركت أن هذه هي بركة القرآن الكريم‪.‬‬ ‫الأدب العظيم‬ ‫سمع ُت أستاذتي يو ًما‪ ‬وهي تف ّرِس قول الله تعالى‪ :‬ﮋﮠﮡﮢ ﮣ ﮤﮊ()‪،‬‬ ‫واستشعرت مع حديثها كيف كان رسول الله × وهو في رحلته في السماء مع‬ ‫جبريل غا ًّضا لبصره عن فضول النظر‪ ،‬وهذا أكمل ما يكون من الأدب العظيم‬ ‫منه عليه الصلاة والسلام‪ ،‬حتى مدحه الله بما في الآية‪ ،‬وأصبحت هذه الآية كلما‬ ‫تذكرتهُ ا طري ًقا لي بأن أترك فضول النظر أينما كنت وحيثما ذهبت!‪.‬‬ ‫التجارة مع الله‬ ‫ُكن ُت دائما إذا همم ُت بمعصي ٍة أو ِغ ْي َب ٍة لأحد أتذكر قول الله‪( :‬ﭪﭫﭬﭭ‬ ‫ﭮﭯﭰﭱ) ()؛ َف ُأ ْح ِج ُم عن ذلك‪.‬‬ ‫وكان سبب محافظتي على العبادات الثلاث‪ :‬قراءة القرآن الكريم‪ ،‬والصلاة‪،‬‬ ‫والإنفاق؛ هي قول الله تعالى في سورة فاطر‪ :‬ﮋﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ‬ ‫ النجم‪.17 :‬‬ ‫ ق‪.18 :‬‬ ‫‪128‬‬

‫هكذا عاشوا مع القرآن‬ ‫ﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹ‬ ‫ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﮊ ()‪،‬‬ ‫فما أجمل أن نعمل بالعمل موقنين أننا سنأخذ عليه أجرنا من الله وزيادة؛ لأنه تعالى‬ ‫شكو ٌر يقب ُل القليل من‪ ‬الصالحات‪ ،‬ويجزي عليها الكثير الحسنات‪.‬‬ ‫ﮋﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮊ‬ ‫كنت طالبة في المراحل الأولى من دراستي الجامعية‪ ،‬وأنا من عائلة محافظة‬ ‫والحمد الله‪ ،‬ولكني كنت متساهلة في الحجاب‪ ،‬بل لم أكن أتح َّج ُب حقيقة‪.‬‬ ‫وحدث أن كنت في صلاة التراويح خلف إمام يرتل القرآن الكريم بصوت‬ ‫جميل وطريقة تحملك على التمعن في الآيات‪ ،‬وكانت قراءته في تلك الليلة من‬ ‫سورة الكهف حتى وصل إلى قوله تعالى‪ :‬ﮋﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ‬ ‫ﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲ ﭳ‬ ‫ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ‬ ‫ﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉ ﮊﮋﮌﮍﮎ ﮏﮐﮑ‬ ‫ﮒﮓﮔ ﮕﮖﮗﮘ ﮙﮚﮊ()‪ ،‬وفي هذه الآية تحدي ًدا بدأ صوت‬ ‫الشيخ يلين ويرق ثم بكى‪ ،‬وبكي ُت خلفه وأنا أتخيل الموقف والعرض بين يدي‬ ‫الرحمن وعظمته‪ ،‬وعندما عدت إلى البيت قررت أن ألبس الحجاب وأخبرت أمي‬ ‫بهذا القرار‪ ،‬والحمد لله الذي هداني إلى طاعته ورضاه‪.‬‬ ‫ فاطر‪.30-29 :‬‬ ‫ الكهف‪.49-47 :‬‬ ‫‪129‬‬

‫هكذا عاشوا مع القرآن‬ ‫ﮋﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﮊ‬ ‫كنت مري ًضا مر ًضا شدي ًدا‪ ،‬وكان كل ما يؤرقني هو حياة أولادي من بعدي؛‬ ‫كيف سيعيشون؟ ومن سيربيهم؟ لو أنهم كانوا أصلب عو ًدا وأش َّد قو ًة وأس َّن مما‬ ‫هم عليه؛ لمِ ُّت مطمئنًا على حالهم‪.‬‬ ‫وزارني يو ًما أحد الصالحين‪ ،‬فبثثت إليه همي‪ ،‬فقرأ علي الآية الكريمة‪:‬‬ ‫ﮋﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ‬ ‫ﮀﮁﮂﮊ ()‪.‬‬ ‫لقد كنت أحفظ سورة النساء عن ظهر قلب‪ ،‬ولكن الآية كأنما نزلت غضة‬ ‫طرية لتوها‪ ،‬نزلت على روحي بر ًدا وسلا ًما‪ ،‬وعلمت أن الله هو الرزاق الحافظ لي‬ ‫ولهم‪ ،‬وسكنت نفسي لهذا الكلام جدا‪ ،‬والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات‪.‬‬ ‫شرف الذاكرين‬ ‫آي ٌة في كتاب الله أس َت ْحضرِ ُ َها كلما دخل ُت مجل ًسا من مجالس ذكر الله‪ ،‬وهي قوله‬ ‫تعالى‪ :‬ﮋﰂﰃﰄﰅﰆﰇ ﰈﰉﰊﮊ ()‪ ،‬فأستش ِع ُر أن مجرد إذن‬ ‫الله لي ‪ -‬ولمن حضر هذا المجلس من فوق سبع سماوات – بذكره؛ هو شر ٌف عظيم‬ ‫لنا‪ ،‬وما أعظم ذكر الله! نسأله سبحانه أن يجعلنا ممن يذكره آناء الليل وأطراف‬ ‫النهار‪.‬‬ ‫ النساء‪.9 :‬‬ ‫  النور‪.36 :‬‬ ‫‪130‬‬

‫هكذا عاشوا مع القرآن‬ ‫ﮋﭑﭒﭓﭔ ﭕﮊ‬ ‫كم أثر ف َّي قوله سبحانه‪ :‬ﮋﭑﭒﭓﭔ ﭕﮊ ()‪ ،‬لقد صارت أمام‬ ‫عيني كلما هممت بمعصية‪ ،‬أتخيل أن الله ‪ -‬سبحانه ‪ -‬يخاطبني بها فأرتدع‪ ،‬فها هو‬ ‫القرآن بين أظهرنا يتلى آناء الليل والنهار‪ ،‬نو ًرا يمحو ظلمات الهوى‪ ،‬لا يترك لأحد‬ ‫على الله حجة‪ ،‬فلنستمع لآياته‪ ،‬ونتعظ بها قبل أن يقال لنا ﮋﭑ ﭒ ﭓ ﭔ‬ ‫ﭕﮊ ‪.‬‬ ‫ﮋﯠﯡﮊ‬ ‫عندما بلغ ُت الثامنة عشرة من عمري ُكنت فتاة متدينة‪ ،‬وتقدم لخطبتي حينها‬ ‫شاب غير متدين‪ ،‬غير أن الجميع كان ُيثني على أخلاقه واستقامة سلوكه‪ ،‬و ُكنت‬ ‫مترددة جدا في قبوله؛ بل كنت أقرب إلى الرفض‪ ،‬ومع أن والدي قد سأل عنه‪،‬‬ ‫ووجد فيه الصفات المناسبة‪ ،‬إلا أن ذلك لم ينطبق على أمنياتي التي ُكنت أن ُسجها‬ ‫حول زوج المستقبل‪ ،‬والذي ُكنت أريده صال ًحا طال ًبا للعلم‪.‬‬ ‫وذات يوم؛ جاءت إل َّى أمي تطلب مني الرد النهائي‪ ،‬ونظرت إل َّي وهي تقول‬ ‫بحنان‪ :‬يا بنيتي؛ لقد استخر ِت الله وأن ِت فتاة طيبة‪ ،‬والله تعالى يقول‪ :‬ﮋﯠ‬ ‫ﯡﯢﯣ ﮊ ()‪ ،‬فلما سمعت الآية وقعت من نفسي موق ًعا عجي ًبا‪،‬‬ ‫وامتلأ قلبي يقينًا بأ َّن الله لن خُي ِّيب أملي في أن يكون هذا الشاب هو الأنسب لي‪،‬‬ ‫فتوكل ُت على الله ووافق ُت على الزواج منه‪.‬‬ ‫  المؤمنون‪.105 :‬‬ ‫  النور‪.26 :‬‬ ‫‪131‬‬

‫هكذا عاشوا مع القرآن‬ ‫واليوم؛ وبعد أكثر من ثلاثين سنة قضيتها في زواج ناجح بحمد الله؛ أتذ َّكر‬ ‫هذه الآية وأقول‪ :‬ﮋﭟﭠﭡﭢﭣﮊ ()‪.‬‬ ‫آية تشحذ الهمم!‬ ‫كلما قسا قلبي وأصابني الفتور لجأت إلى قوله تعالى‪ :‬ﮋﮯﮰﮱﯓﯔ‬ ‫ﯕﯖﯗ ﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟ ﯠﯡﯢﯣﯤ‬ ‫ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﮊ ()‪ ،‬آي ٌة تخشع لها القلوب‪ ،‬وتؤثر في‬ ‫النفوس‪ ،‬كم من سامع لها بكى وخشع! وكم من مذنب تاب وإلى الحق رجع!‬ ‫غِّيري وإلا ُتغَّيري!‬ ‫مرر ُت ذات يوم وأنا أقرأ في كتاب الله بآية لكأنني أقرؤها لأول مرة‪ ،‬وقف ُت‬ ‫هذه المرة أمامها وقو ًفا طويلا‪ ،‬انتهى بي إلى بكا ٍء شديد و َّلد في أعماقي إصرا ًرا كبي ًرا‬ ‫وقو ًة لا تقف عند ح ٍّد في تغيير واقع نفسي وأمتي ولو خطوة واحدة إلى الأمام‪ ،‬لقد‬ ‫أحسس ُت بقشعريرة لا تزال تسري في أوصالي كلما ر َّددتها‪ ،‬وكأنهّ ا تناديني قائل ًة‪:‬‬ ‫غ ِّيــري وإلا ُتغ َّيــري!‬ ‫إنها قوله تعالى‪ :‬ﮋﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ‬ ‫ﮨ ﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱ ﯓﯔﯕﯖﯗ‬ ‫ﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠ ﯡﯢﯣﮊ ()‪ ،‬إنه فض ُل الله يؤتيه من يشاء‪،‬‬ ‫  النساء‪.87 :‬‬ ‫ الحديد‪.16 :‬‬ ‫  المائدة‪.54 :‬‬ ‫‪132‬‬

‫هكذا عاشوا مع القرآن‬ ‫وإني لأسأل الله أن أكون ممن ُيؤتاه بمنته ورحمته‪ ،‬وأن نكون ممن يستعملهم سبحانه‬ ‫في طاعته وخدمة دينه‪ ،‬لا ممن يستبدلهم‪ ...‬آمين‪.‬‬ ‫ﮋﭹﭺ ﭻﮊ‬ ‫في يوم شتاء بارد‪ ،‬استيقظ زوجي كالعادة لصلاة الصبح‪ ،‬فأيقظني وذهب‬ ‫لإيقاظ ابني‪ ،‬واسترخي ُت قليلا من شدة البرد وأنا بين النوم واليقظة‪ ،‬وأقول في‬ ‫نفسي‪ :‬أغفو قليلا لحين عودتهم ثم أقوم للصلاة‪ ،‬أصغي ُت للإمام وهو يتلو فإذا هي‬ ‫الآية‪ :‬ﮋﭹ ﭺ ﭻ ﮊ ()؛ فصحوت مسرعة‪ ،‬ونهضت وأنا أتخيل الساق‬ ‫تلتف بالساق‪ ،‬وأقول في نفسي‪ :‬ماذا تنفع هذه الغفوة؟ لقد هزت الآية مشاعري‪،‬‬ ‫وأحسست أنها تخاطبني مباشر ًة‪ ،‬وفعلا غيرت هذه الآية العظيمة مسار حياتي‪.‬‬ ‫ﮋﭑﭒﮊ‬ ‫كم يضيق صدري‪ ،‬وينقبض قلبي‪ ،‬ويتكدر خاطري؛ مما أراني عليه من لهث‬ ‫وراء هذه الدنيا وزينتها! ومما أرى فيها من الإسراف والترَّ َ ِف والمباهاة والمنكرات‬ ‫وكشف العورات! وأخشى والله من سوء العاقبة‪ ،‬ويكفي من ذلك الغفلة وعدم‬ ‫المصابرة مع من أ َم َر َنا ر ُبنَا بحب ِس النف ِس معهم في قوله تعالى‪ :‬ﮋﭑ ﭒ‬ ‫ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ‬ ‫ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ‬ ‫ﭰﮊ()‪.‬‬ ‫ القيامة‪.29 :‬‬ ‫ الكهف‪.28 :‬‬ ‫‪133‬‬

‫هكذا عاشوا مع القرآن‬ ‫آي ٌة للتجار فقط!‬ ‫كن ُت أطلب من زوجي دائماً أن يكون هو المبادر لإنجاح حياتنا‪ ،‬وإصلاح‬ ‫أمورنا‪ ،‬وكنت أغضب وأرى ذلك واج ًبا عليه وحده‪ ،‬بينما أتكاسل أنا في ذلك‪،‬‬ ‫وأ ُم ُّن عليه في نفسي إذا قمت بشيء من ذلك‪ ،‬إلى أن قرأت تفسير قوله تعالى‪ :‬ﮋﯖ‬ ‫ﯗﮊ()‪ ،‬فأدرك ُت ضرورة أن أطالب نفسي بأكثر مما أطالب به زوجي من‬ ‫المبادرة إلى الخيرات والإصلاح‪ ،‬وأدرك ُت أهمية أن نجعل هذه الآية نصب أعيننا في‬ ‫جميع تعاملاتنا‪ ،‬فقد كنت أظن – لفرط جهلي ‪ -‬أن هذه الآية للتجار فقط!‪.‬‬ ‫معاناة وآية‬ ‫كن ُت ولا زل ُت أعاني نو ًعا من المشقة في إيقاظ أبنائي على اختلاف أعمارهم‬ ‫لأداء صلاة الفجر في المسجد‪ ،‬ويتس َّرب إل َّي الضجر والملل في أحايين كثيرة‪ ،‬ف ُكنت‬ ‫لا أنف ُّك أقرأ بصوت مسموع قو َله تعالى‪ :‬ﮋﮰﮱ ﯓ ﯔﯕﮊ()‪،‬‬ ‫فأشعر بقوة تساندني‪ ،‬وأستشعر أنني الآن مستجيبة لأمر الله تعالى الذي طلبه مني‬ ‫في الآية‪ ،‬فأجالد نفسي على الصبر حتى أنال أجر الصابرين‪ ،‬كما قال تعالى‪ :‬ﮋﰓ‬ ‫ﰔ ﰕﰖﰗﰘﮊ ()‪.‬‬ ‫المحك الحقيقي‪ ‬‬ ‫استوقفتني آي ٌة عندما كنت أحفظ سورة الأنفال‪ ،‬إنها قوله تعالى‪ :‬ﮋﯛ‬ ‫ المطففين‪.1 :‬‬ ‫ طه‪.132 :‬‬ ‫  الزمر‪.10 :‬‬ ‫‪134‬‬

‫هكذا عاشوا مع القرآن‬ ‫ﯜ ﯝﯞﯟﯠﯡ ﯢﯣ ﯤﯥ ﯦﯧﯨﯩ‬ ‫ﯪﯫﯬﮊ ()‪ ،‬وبحث ُت عن تفسيرها وتأثرت به ج ًدا‪ ،‬فأصبحت بعد‬ ‫ذلك المقياس والمحك لكل موقف يمر بي‪ :‬هل أنا في المسار الصحيح‪ ،‬أم ِح ْد ُت‬ ‫عن الطريق؟ فتستحثني للإسراع في الاختيار‪.‬‬ ‫في الآية دعو ٌة بنداء الإيمان‪ ،‬وأم ٌر بالمسارعة إلى طاعة كل أم ٍر من الله ورسوله؛‬ ‫خشي َة أن يحُ ال بين َك وبين قلب ِك إذا تواني َت أو تردد َت‪ ،‬ثم تتمنى بعد ذلك الوصول‬ ‫إليه فلا تستطيع!‪.‬‬ ‫سورة يوسف‬ ‫بدأت رحلتي مع القرآن الكريم ذات يوم حينما كنت مكروبة بأمر دنيوي‬ ‫وضاقت بي الدنيا‪ ،‬كان مصحفي الصغير يعلو الطاولة أمامي‪ ،‬ورغم ذلك لم أمنح‬ ‫نفسي من قب ُل وق ًتا لأتلو آياته ليخفف لوعتي و ُينير َوحدتي‪ ،‬أمسكته يومها ونفسي‬ ‫الأ َّمارة بالسوء تنازعني وتقول لي‪ :‬لا وقت ولا ح َّل لمشكلتك‪ ،‬ولم أعد أطيق‬ ‫الاستماع لها!‬ ‫وشرعت في تلاوة (سورة يوسف)‪ ،‬و ُكنت قد اعتد ُت في السابق تلاوتها حتى‬ ‫حفظت معظم آياتها فأحببتها‪ ،‬وأخذ ُت أتلو وأنشج لما آل إليه حالي‪ ،‬وأفكر في حال‬ ‫يوسف ‪ ،‬وبدأ ُت أقارن بين حاله وحالي‪ ،‬بين مصيبته ومصيبتي‪ ،‬فطاشت‬ ‫كفتي أمام كفته‪ ،‬إذ إن مصيبتي لم تكن شي ًئا في ميزان مصيبته‪ ،‬طفل صغير ُيلقيه‬ ‫إخوته ويرحلون عنه‪ ،‬وأ ٌب يفقد أح ِّب أبنائه إليه‪ ،‬مضي ُت أقرأ أحداث القصة‬ ‫ الأنفال‪.24 :‬‬ ‫‪135‬‬

‫هكذا عاشوا مع القرآن‬ ‫حتى غلبني النوم والمصحف في يدي‪ ،‬وحينما استيقظ ُت أعلن ُت ميلا ًدا جديدا‬ ‫لقلبي الذي علاه الصدأ‪ ،‬واستلم ُت مصحفي و ُرح ُت أقرأ بلذة لا ُتعادلها لذة‪.‬‬ ‫أزهرت حياتي بالقرآن‬ ‫اكتشف ُت أن العلاج الناجح لكل دا ٍء هو القرآن الكريم‪ ،‬دائي كان ذنوبي‪،‬‬ ‫وضع َف سيطرتي على شهوات نفسي‪ ،‬حتى أوصلني ذلك إلى حد كره ذاتي‪ ،‬ولم‬ ‫يكن عمري قد تجاوز السابعة عشرة بعد!‬ ‫و ُق َب ْي َل رمضا َن بأيا ٍم؛ سمع ُت كلما ٍت ناصح ٍة تحَ ُ ُّث على استثمار فرص ِة رمضا َن‪،‬‬ ‫وجع ِل ِه نقطة انطلاق لحياة جديدة من خلال تدبر القرآن الكريم‪ ،‬فامتثل ُت لهذه‬ ‫الموعظة وقرأته بخشو ٍع وتدب ٍر‪ ،‬فأحسست به َي ْغ ِس ُل ُك َّل ركا ِم الآثا ِم بداخلي‪ ،‬وبدأت‬ ‫ُأ َد ِّو ُن كل آي ٍة أتأثر بها في دفت ٍر خا ٍّص وأبحث عن تفسيرها‪ ،‬أقرؤه بعد ذلك فيزيد إيماني‬ ‫وأهنأ بالسكينة‪ ،‬وأزهرت حياتي بالقرآن‪ ،‬والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات‪.‬‬ ‫ﮋﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﮊ‬ ‫قبل اثني عشر عا ًما كن ُت ُأ َد ِّر ُس المرحلة الثانوية‪ ،‬فأحضر ُت للطلاب شريطا‬ ‫بتلاوة قارئ‪ ،‬وكان من عادتي يومئذ أن أستمع معهم لقارئ متقن في آخر خمس دقائق‬ ‫من حصة القرآن لتعريفهم بالقراء المتقنين‪ ،‬وكان نصيب ذلك الدرس تلاوة لشيخ‬ ‫المقارئ الليبية الشيخ (الدوكالي عالم) صاحب الصوت الشجي‪ ،‬والنبرة المؤثرة‪.‬‬ ‫وبعد انتهاء الدرس‪ ،‬جاءني طالب لم أعهد منه حر ًصا ولا صلا ًحا‪ ،‬بل كان‬ ‫من أرباب المشكلات السلوكية في المدرسة‪ ،‬أتاني في غرفة المعلمين بعد الدرس‪،‬‬ ‫‪136‬‬

‫هكذا عاشوا مع القرآن‬ ‫وبعد أن أبدى إعجابه بالقارئ قال لي‪ :‬الآيات بصوته حلوة‪ ،‬وتدخل القلب‪،‬‬ ‫وأحسست بها ج ًدا!‬ ‫دفعني الفضول لمعرفة المزيد‪ ،‬وسألته عن أكثر شيء أ َّثر فيه‪ ،‬فقال لي‪ :‬سمع ُت‬ ‫منه آية خوفتني من الله‪ ،‬فقل ُت‪ :‬ماهي؟ فطلب مني المصحف لأنه لا يحفظها‪،‬‬ ‫فأعطيته المصحف مفتو ًحا على نفس المقطع‪ ،‬فأشار إلى الآية وإذا هي قوله تعالى‪:‬‬ ‫ﮋﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﮊ()‪ ،‬ورأيته قد تأ َّثر‪ ،‬وهو يقول لي‪ :‬اد ُع‬ ‫لي يا أستاذ أن يستر الله عل َّي!‪ ،‬و والله إ ّن حديثه منذ اثني عشر عا ًما لا يزال في أذني‬ ‫كأنما قد سمع ُته لت ِّوي‪ ،‬ولا زل ُت أتأثر بالآية كلما سمعتها أو قرأتها‪.‬‬ ‫ﮋﯛﯜ ﯝﯞﯟﯠﮊ‬ ‫من الآيات التي تأثرت بها؛ تلك الآيات التي يتو َّدد الله جل وعلا فيها إلى عباده‬ ‫وهو غن ٌّي عنهم‪ ،‬يقول الله تعالى في سورة الأنفال‪ :‬ﮋﯛﯜ ﯝﯞ‬ ‫ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ‬ ‫ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸﯹ‬ ‫ﯺﯻﯼﯽﯾﯿ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖ‬ ‫ﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡ‬ ‫ﭢ ﭣ ﮊ()‪.‬‬ ‫ما أحقرنا حين نتجرأ على الله بالمعاصي! وكلما وسوس لي الشيطان بمعصية‬ ‫  الزمر‪.47 :‬‬ ‫  الأنفال‪.26-24 :‬‬ ‫‪137‬‬

‫هكذا عاشوا مع القرآن‬ ‫تذكر ُت هذه الآيات‪ ،‬واستحيي ُت من الله‪ ،‬فنحن منذ لحظة استيقاظنا إلى نومنا‬ ‫نتقلب في نعم الله الذي يتودد إلينا بها‪ ،‬وهو الغني عنا سبحانه!‬ ‫ﮋﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵ ﮊ‬ ‫غالبا ما أستشع ُر في حياتي قوله تعالى‪ :‬ﮋﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﮊ()‪،‬‬ ‫فتط َّبع ُت بها وصار معناها جز ًءا مني‪ ،‬حتى أصبح البعض لا يته َّيب من استشارتي‬ ‫في بعض الأمور الدقيقة في حياته لعل ِم ِه اليقين بأني لن أتطلع لمعرفة ما حجبه عني‬ ‫بإرادته مما لا يفيد في تقديم المشورة‪ ،‬فوجدت في ذلك تربي ًة لنفسي على قوة الإرادة‪،‬‬ ‫وراحة لها عن أن تنشغل بما لا يعنيها!‪.‬‬ ‫ميزان الصداقة‬ ‫كانت الصداقات من حولي كثيرة‪ ،‬وكنت حائرة في اختياراتي بينها‪ ،‬حتى قرأت‬ ‫بعين قلبي قو َله تعالى‪ :‬ﮋﮜﮝ ﮞﮟ ﮠﮡﮢﮊ()‪،‬‬ ‫وحينما ِع ْش ُت مع الآية بمشاعري وأحاسيسي؛ أذعنت لها جوارحي‪ ،‬وأيقن ُت‬ ‫بقرب الله مني ولطفه بي‪ ،‬وكأنما نزلت الآية لي وحدي دون سواي‪ ،‬وك َأ ْن قد َع ِل َم‬ ‫سبحانه حاجتي دون أن ُأبدي شكواي‪ ،‬وها أنا في ظلها أجد السعادة الحقيقية مع‬ ‫الأخلاء الأوفياء الأتقياء الذين ازددت معهم قر ًبا من الله وإقبالا عليه‪ ،‬ووجدت‬ ‫منهم محبة صادقة لا يحكمها إلا الإيمان والحب في الله‪.‬‬ ‫ الإسراء‪.36 :‬‬ ‫  الزخرف‪.67 :‬‬ ‫‪138‬‬

‫الخاتمة‬ ‫وبع ُد‪،‬فقدكانترحل ًةممتعةفيرحا ِب ِق َص ِصالذي َنعاشوام َعالقرآ ِنبقلوبهم‪،‬‬ ‫فخشع ْت قلوبهم‪ ،‬ودم َع ْت عيونهم‪ ،‬أو عاشوا مع القرآن واق ًعا في حياتهم‪ ،‬فائتمروا‬ ‫بأمره‪ ،‬وانتهوا بنهيه‪ ،‬وعملوا بمحكمه‪ ،‬وآمنوا بمتشابهه‪ ،‬فح ُسنت أخلاقهم‪،‬‬ ‫وطابت نفوسهم بما لهم عند الله!‬ ‫إن ال ِقصص في القرآن الكريم كثير ٌة ومتنوع ٌة‪ ،‬وذلك لما للقصة من أث ٍر‬ ‫في تسهيل الفهم‪ ،‬والتشجيع على العمل‪ ،‬ولما فيها من العظة والعبرة‪ ،‬والتاريخ‬ ‫والأحداث تتكرر وتعيد نفسها‪ ،‬فطوبى لمن كانت له في غي ِر ِه ِع رْ َب ٌة‪ ،‬ولم ي ُك ْن عبرة‬ ‫لغيره!‪.‬‬ ‫إنها دعوة لندخل فيما دخلوا فيه‪ ،‬لنسعد كما سعدوا‪ ،‬وننقلب إلى الله بأعمال‬ ‫صالحة ُتدخلنا الجنة برحمة الله‪ ،‬وما أقبح أن ُتبحر عيوننا في قصص الصالحين؛ ثم‬ ‫لا نسعى إلى التشبه بهم‪ ،‬والاقتداء بسيرتهم!‪.‬‬ ‫نسأل الله أن نكون قد ُو ِّفقنا في جمع هذه ال ِقصص‪ ،‬وأن تكون نافعة لأهل‬ ‫الإيمان‪ ،‬زياد ًة في إيمانهم‪ ،‬ورفع ًة في درجاتهم‪ ،‬والل َه نسأل القبول‪.‬‬ ‫‪139‬‬



‫ملحق‬ ‫قالوا عن القرآن الكريم‬



‫ملحق‬ ‫لم يمت َّد أثر كتا ٍب سماو ٍّي إلى هذا المدى الذي نشهده ونحياه في أثر القرآن‬ ‫العظيم‪ ،‬هذا الأثر الذي لم يقتصر على حياة من سبق‪ ،‬ولا على حياة المعاصرين‬ ‫اليوم‪ ،‬وإنما امت َّد وتسامق لينش َر ال َع َب َق في حياة أنا ٍس لم يكن لهم بلغته دراية‪ ،‬ولا‬ ‫في آياته تمحي ٌص وقراءة‪ ،‬ومع ذلك؛ كان فيه البلاغ للمخاطبين به‪ ،‬قال الله تعالى‪:‬‬ ‫ﮋﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟ ﭠ ﭡﭢﭣﭤﭥﭦ‬ ‫ﭧﭨﭩﭪﭫ ﭬﭭﭮﭯﭰ ﭱﭲﭳﭴﭵﭶ ﭷﭸﭹ‬ ‫ﭺ ﭻﮊ ()‪.‬‬ ‫لقد تأ َّثر أفراد من الغرب والشرق الكافر بهذا الكتاب العظيم‪ ،‬ليتجاوزوا‬ ‫بذلك حاجز اللغة والتاريخ والمكان‪ ،‬وليقولوها ُم َد ِّو َي ًة‪ :‬هذا القرآن العظيم هو‬ ‫رسال ُة السماء‪ ،‬مصدا ًقا لقول الحق تبارك وتعالى في كتابه‪ :‬ﮋﭑﭒﭓ‬ ‫ﭔﭕ ﭖﭗﭘﭙ ﭚﭛﭜﭝﭞﭟﮊ ()‪.‬‬ ‫سنقرأ فيما يأتي بع ًضا من أقوال القوم الذين بهُ روا فأسلموا‪ ،‬ومنهم من توقف‬ ‫ الأنعام‪.19 :‬‬ ‫  البقرة‪.146 :‬‬ ‫‪143‬‬

‫هكذا عاشوا مع القرآن‬ ‫متشب ًثا بدينه قد ألجمه القرآن ولكن لم ُيسلم‪ ،‬ومنهم من عرف الحق وجحده‪ ،‬ومنهم‬ ‫من أبى إلا الاعتراف وإن لم ُيسلم‪ ،‬ه َي لمحا ٌت من تأثير القرآن في حياتهم بأقلامهم‬ ‫وبألسنتهم‪ ،‬تشهد بأنه الكتاب الحق من الله‪ :‬ﮋﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙ‬ ‫ﮚ ﮛﮊ ()‪ ،‬ولتكون رسالة لأهل القرآن َع َّل ُه ْم أن يتدبروه ويعملوا به!‬ ‫ الشعراء‪.193-192 :‬‬ ‫‪144‬‬

‫قالوا عن القرآن الكريم‬ ‫‪« . 1‬لقد قم ُت بدراسة القرآن الكريم‪ ،‬وذلك دون أي فكر مسبق‬ ‫وبموضوعية تامة‪ ،‬باح ًثا عن درجة اتفاق نص القرآن الكريم مع معطيات‬ ‫العلم الحديث؛ فأدركت أنه لا يحتوي على أ َّي ِة َمقول ٍة قابلة للنقد من وجهة نظر‬ ‫العلم في العصر الحديث‪.)( »...‬‬ ‫‪« )1( . 2‬يرتبط هذا النبي × بإعجا ٍز خال ٍد بما يخبرنا به المسيح‬ ‫في قوله عنه‪« :‬ويخبركم بأمور آتية»‪ ،‬هذا الإعجاز هو القرآن الكريم‬ ‫معجزة ال َّرسول الباقية ما بقي ال َّزمان‪ ،‬فهو يسبق العلم الحديث في ك ِّل‬ ‫مناحيه‪ :‬من طب‪ ،‬وفلك‪ ،‬وجغرافيا‪ ،‬وجيولوجيا‪ ،‬وقانون‪ ،‬واجتماع‪،‬‬ ‫وتاريخ‪ ،‬وفي أيامنا هذه؛ استطاع العلم أن يرى ما سبق إليه القرآن بالبيان‬ ‫والتعريف‪.»...‬‬ ‫  العالم الفرنسي موريس بوكاي ‪،‬طبيب فرنسي ‪ ،‬رئيس قسم الجراحة في جامعة باريس ‪ ،‬اعتنق‬ ‫الإسلام عام‪1982‬م‪.‬‬ ‫‪145‬‬

‫هكذا عاشوا مع القرآن‬ ‫(‪« )2‬للمسلم أن يعت َّز بقرآنه‪ ،‬فهو كالماء؛ فيه حياة لكل من نهل منه»()‪.‬‬ ‫‪ ...« . 3‬إن القرآن ليس معجزة بمحتواه وتعليمه فقط‪ ،‬إنه أي ًضا تحفة أدبية‬ ‫رائعة؛ تسمو على جميع ما أق َّرته الإنسانية وب َّجلته من التحف‪ ،‬إن الخليفة المقب َل‬ ‫عم َر بن الخطاب ال ُم َعا ِر َض الف َّظ في البداية للدين الجديد؛ قد غدا من أشد‬ ‫المتحمسين لنصرة الدين عقب سماعه لمقط ٍع من القرآن‪ ،‬وسيأتي الحديث فيما بعد‬ ‫عن مقدار الافتتان بالنص القرآني بعد أن ر َّتله المؤمنون»()‪.‬‬ ‫‪ ..« .4‬عندما أكملت القرآن الكريم غمرني شعور بأن هذا هو الحق الذي‬ ‫  إبراهيم خليل أحمد ‪ ،‬قس مبشر من مواليد الاسكندرية عام ‪ ،1919‬يحمل شهادات عالية‬ ‫في علم اللاهوت من كلية اللاهوت المصرية‪ ،‬ومن جامعة برنستون الأمريكية‪ ،‬عمل أستاذا‬ ‫بكلية اللاهوت بأسيوط‪ ،‬كما ُأرسل عام ‪ 1954‬إلى أسوان سكرتي ًرا عا ًما للإرسالية الألمانية‬ ‫السويسرية‪ ،‬وكانت مهمته الحقيقية التنصير والعمل ضد الإسلام‪ ،‬لكن تعمقه في دراسة‬ ‫الإسلام قاده إلى الإيمان بهذا الدين‪ ،‬وأشهر إسلامه رسم ًيا عام ‪ ،1959‬كتب العديد من‬ ‫المؤلفات‪ ،‬أبرزها ولاريب‪( :‬محمد في التوراة والإنجيل والقرآن)‪( ،‬المستشرقون والمبشرون‬ ‫في العالم العربي والإسلامي)‪ ،‬و(تاريخ بني إسرائيل)‪.‬‬ ‫ بلاشير‪،‬ولد بالقرب من باريس‪ ،‬وتلقى دروسه الثانوية في الدار البيضاء‪ ،‬وتخرج بالعربية في‬ ‫كلية الآداب بالجزائر (‪ ،)1922‬وعين أستاذا لها في معهد مولاي يوسف بالرباط‪ ،‬ثم انتدب‬ ‫مدي ًرا لمعهد الدراسات المغربية العليا بالرباط (‪ ،)1935 - 1924‬ثم استدعته مدرسة‬ ‫اللغات الشرقية بباريس أستا ًذا لكرسيِ ِّ الأدب العربي (‪ ،)1951 - 1935‬ونال الدكتوراه‬ ‫(‪ ،)1936‬وعين أستاذا محاضر ًا في السوربون (‪ ،)1938‬ومشرف ًا على مجلة (المعرفة) التي‬ ‫ظهرت في باريس باللغتين العربية والفرنسية‪ ،‬ومن آثاره‪ :‬دراسات عديدة عن تاريخ الأدب‬ ‫العربي في أشهر المجلات الاستشراقية‪ ،‬وكتاب (تاريخ الأدب العربي ‪ -‬باريس ‪،)1952‬‬ ‫وترجمة جديدة للقرآن الكريم في ثلاثة أجزاء (باريس ‪ ،)1952 - 1947‬وغيرها‪.‬‬ ‫‪146‬‬

‫هكذا عاشوا مع القرآن‬ ‫يشتمل على الإجابات الشافية حول مسائل الخلق وغيرها‪ ،‬فهو يقدم لنا الأحداث‬ ‫بطريقة منطقية نجدها متناقضة مع بعضها في غيره من الكتب الدينية‪ ،‬أما القرآن‬ ‫الكريم فيتحدث عنها في نسق رائع وأسلوب قاطع لا يدع مجالا للشك بأن هذه‬ ‫هي الحقيقة وأن هذا الكلام هو من عند الله لا محالة»()‪.‬‬ ‫‪ ...« .5‬ابتعت نسخة من ترجمة سافاري (‪ )Sa:ary‬الفرنسية لمعاني القرآن‬ ‫الكريم وهي أغلى ما أملك‪ ،‬فقد لقيت في مطالعتها أعظم متعة‪ ،‬وابتهجت بها كثي ًرا‬ ‫حتى غدو ُت وكأن شعاع الحقيقة الخالد قد أشرق عل َّي بنوره المبارك»()‪.‬‬ ‫‪« . 6‬إن الأسلوب القرآني مختلف عن غيره‪ ،‬ولا يقبل المقارنة بأسلوب آخر‪،‬‬ ‫ولا يمكن أن ُيق َّلد‪ ،‬وهذا هو أساس إعجاز القرآن‪ ،‬فمن بين جميع المعجزات كان‬ ‫القرآن المعجزة الكبرى»()‪.‬‬ ‫  ديبورا بوتر‪ ...‬ولدت عام ‪ ،1954‬بمدينة ترافيرز‪ ،‬في ولاية متشيغان الأمريكية‪ ،‬وتخرجت‬ ‫من فرع الصحافة بجامعة متشيغان‪ ،‬اعتنقت الإسلام عام ‪ 1980‬بعد زواجها من أحد‬ ‫الدعاة الإسلاميين العاملين في أمريكا‪ ،‬بعد اقتناع عميق بأنه ليس ثمة من دين غير الإسلام‬ ‫يمكن أن يستجيب لمطالب الإنسان ذك ًرا كان أم أنثى‪.‬‬ ‫  وليم بيرشل بشير بيكارد ‪ ،‬إنكليزي‪ ،‬تخرج من كانتر بيري‪ ،‬مؤلف وكاتب مشهور‪ ،‬ومن‬ ‫بين مؤلفاته الأدبية بالإنكليزية (مغامرات القاسم) و(عالم جديد)‪ ،‬شارك في الحرب العالمية‬ ‫الأولى وأسر‪ .‬عمل فترة من الوقت في أوغندا‪ .‬أعلن إسلامه عام ‪1922‬م‪.‬‬ ‫ د‪ .‬فيليب ح َّتى ‪ ،‬ولد عام ‪1886‬م ‪ ،‬لبناني الأصل‪ ،‬أمريكي الجنسية‪ ،‬تخرج من الجامعة‬ ‫الأمريكية في بيروت (‪1908‬م)‪ ،‬ونال الدكتوراه من جامعة كولومبيا (‪1915‬م)‪ ،‬وعين‬ ‫معي ًدا في قسمها الشرقي (‪ ،)1919-1915‬وأستا ًذا للتاريخ العربي في الجامعة الأمريكية‬ ‫ببيروت (‪ ،)1925-1919‬وأستا ًذا مساع ًدا للآداب السامية في جامعة برنستون (‪-1926‬‬ ‫‪1929‬م)‪ ،‬وأستا ًذا‪ ،‬ثم أستاذ كرسي‪ ،‬ثم رئي ًسا لقسم اللغات والآداب الشرقية (‪-1929‬‬ ‫‪1954‬م)‪ ،‬وحين أحيل على التقاعد؛ ان ُتخب عض ًوا في جمعيات ومجامع عديدة‪.‬‬ ‫‪147‬‬

‫هكذا عاشوا مع القرآن‬ ‫‪ ...« .7‬تناول ُت نسخ ًة ِم ْن ترجمة معاني القرآن الكريم باللغة الإنجليزية؛ لأنني‬ ‫عرفت أن هذا هو الكتاب المقدس عند المسلمين‪ ،‬وشرعت في قراءته وتد ُّبر معانيه‪،‬‬ ‫فاستقطب ُج َّل اهتمامي‪ ،‬وكم كانت دهشتي عظيمة حين وجدت الإجابة المقنعة عن‬ ‫سؤاليالمحيرّ ‪(:‬الهدفمنالخلق)فيالصفحاتالأولىمنالقرآنالكريم‪...‬لقدقرأت‬ ‫الآيات (‪ )39-30‬من سورة البقرة‪ ...‬وهي آيات توضح الحقيقة بجلاء لكل دارس‬ ‫منصف‪ ،‬إنها تخبرنا عن قصة الخلق بكل وضوح وجلاء وبطريقة مقنعة‪.)(»..‬‬ ‫‪« .8‬سيكون القرآن حاف ًزا للجهاد يردده المؤمنون كما يردد غيرهم أناشيد‬ ‫الحرب‪ ،‬محر ًضا على القتال جام ًعا لشؤونه‪ ،‬محر ًكا لفاتري الهمم‪ ،‬فاض ًحا للمخ َّلفين‬ ‫مخُْ ِز ًيا للمنافقين‪ ،‬واع ًدا الشهداء جنَّات عدن»()‪.‬‬ ‫‪« .9‬أتى محمد × بالقرآن دليل ًا على صدق رسالته‪ ،‬وهو لا يزال إلى يومنا هذا‬ ‫س ًّرا من الأسرار التي تعذر فك طلاسمها‪ ،‬ولن َي ْسبرِ َ َغ ْو َر هذا السر المكنون إلا‬ ‫من يصدق بأنه منزل من الله‪.)( »...‬‬ ‫ عامر علي داود ‪ ،‬ينحدر من أسرة هندية برهمية‪ ،‬تنصرت على أيدي المنصرين الذين قاموا مع‬ ‫طلائع الاستعمار‪ ،‬كان كثير القراءة للكتب الدينية‪ ،‬ولما أتيح له أن يطلع على القرآن الكريم‬ ‫كان الجواب هو انتماؤه للإسلام‪ ،‬وإسلامه‪.‬‬ ‫ إميل درمنغم ‪ ،‬مستشرق فرنسي‪ ،‬عمل مدي ًرا لمكتبة الجزائر‪ ،‬من آثاره‪( :‬حياة محمد) (باريس‬ ‫‪ )1929‬وهو من أدق ما ص َّنفه مستشرق عن النبي ‪ ،n‬و(محمد والسنة الإسلامية) (باريس‬ ‫‪1955‬م)‪ ،‬ونشر عد ًدا من الأبحاث في المجلات الشهيرة مثل‪( :‬المجلة الأفريقية)‪ ،‬و(حوليات‬ ‫معهد الدراسات الشرقية)‪ ،‬و(نشرة الدراسات العربية)‪.‬‬ ‫  الكونت هنري دي كاستري ‪ ،‬مقدم في الجيش الفرنسي‪ ،‬قضى في الشمال الأفريقي رد ًحا من‬ ‫الزمن‪ .‬من آثاره‪( :‬مصادر غير منشورة عن تاريخ المغرب) (‪( ،)1950‬الأشراف السعديون)‬ ‫(‪( ،)1921‬رحلة هولندي إلى المغرب) (‪ ،)1926‬وغيرها‪.‬‬ ‫‪148‬‬

‫هكذا عاشوا مع القرآن‬ ‫‪« )1( .10‬إن معجزة الأنبياء الذين سبقوا محم ًدا × كانت في الواقع معجزات‬ ‫وقتية‪ ،‬وكانت بالتالي معرض ًة للنسيان السريع‪ ،‬بينما نستطيع أن نسمي معجزة‬ ‫الآيات القرآنية (المعجزة الخالدة)‪ ،‬وذلك أن تأثيرها دائ ٌم ومفعولها مستمر‪ ،‬ومن‬ ‫اليسير على المؤمن في كل زمان ومكان أن يرى هذه المعجزة بمجرد التلاوة في كتاب‬ ‫الله‪ ،‬وفي هذه المعجزة نجد التعليل الشافي للانتشار الهائل الذي أحرزه الإسلام‪،‬‬ ‫ذلك الانتشار الذي لا يدرك سببه الأوروبيون لأنهم يجهلون القرآن‪ ،‬أو لأنهم لا‬ ‫يعرفونه إلا من خلال ترجمات لا تنبض بالحياة فضلا عن أن تكون دقيقة»()‪.‬‬ ‫‪ ..« .11‬لقد ظل [القرآن] أربعة عشر قر ًنا من الزمان محفو ًظا في ذاكرة‬ ‫[المسلمين] يستثير خيالهم‪ ،‬ويشكل أخلاقهم‪ ،‬ويشحذ قرائح مئات الملايين من‬ ‫الرجال‪ ،‬والقرآن يبعث في النفوس أسهل العقائد‪ ،‬وأقلها غمو ًضا‪ ،‬وأب َع َد َها عن‬ ‫التقيد بالمراسم والطقوس‪ ،‬وأكثرها تحر ًرا من الوثنية والكهنوتية‪ ،‬وقد كان له أكبر‬ ‫الفضل في رفع المستوى الأخلاقي والثقافي للمسلمين‪ ،‬وهو الذي أقام فيهم قواعد‬ ‫النظام الاجتماعي والوحدة الاجتماعية‪ ،‬وح َّرضهم على اتباع القواعد الصحية‪،‬‬ ‫وح َّرر عقولهم من كثير من الخرافات والأوهام‪ ،‬ومن الظلم والقسوة‪ ،‬وح َّسن‬ ‫أحوال الأ ِر َّقاء‪ ،‬وبعث في نفوس الأذلاء الكرامة والعزة‪ ،‬وأوجد بين المسلمين‬ ‫ ايتين دينيه ‪ ،‬مفكر فرنسي‪ ،‬تعلم في فرنسا‪ ،‬وقصد الجزائر‪ ،‬فكان يقضي في بلدة بوسعادة‬ ‫نصف السنة من كل عام‪ ،‬وأشهر إسلامه وتسمى بناصر الدين (‪ ،)1927‬وحج إلى بيت الله‬ ‫الحرام (‪ ،)1928‬ومن آثاره‪ :‬صنف بمعاونة سليمان بن إبراهيم (محمد في السيرة النبوية)‪،‬‬ ‫وله بالفرنسية (حياة العرب)‪ ،‬و(حياة الصحراء)‪ ،‬و(أشعة خاصة بنور الإسلام)‪ ،‬و(الشرق‬ ‫في نظر الغرب)‪ ،‬و(الحج إلى بيت الله الحرام)‪.‬‬ ‫‪149‬‬

‫هكذا عاشوا مع القرآن‬ ‫درجة من الاعتدال والبعد عن الشهوات لم يوجد لها نظير في أية بقعة من بقاع‬ ‫العالم يسكنها الرجل الأبيض‪.)( »...‬‬ ‫‪ ...« )1( .12‬لما كانت روعة القرآن في أسلوبه فقد [ ُأ ْن ِز َل] لِ ُيق َر َأ و ُيتلى بصوت‬ ‫عال‪ ،‬ولا تستطيع أ َّي ُة ترجم ٍة أن تعبر عن فروقه الدقيقة المش َب َعة بالحساسية الشرقية‪،‬‬ ‫إذ يجب أن تقرأه بلغته التي ُكتب بها لتتمكن من تذوق جماله وقوته وسمو صياغته‪،‬‬ ‫ويخلق نثره الموسيقي المسجوع سح ًرا مؤث ًرا في النفس‪ ،‬حيث تزخر الأفكار قوة‪،‬‬ ‫وتتوهج الصور نضارة‪ ،‬فلا يستطيع أحد أن ينكر أن سلطانه السحري وسموه‬ ‫الروحي يسهمان في إشعارنا بأن محم ًدا × كان ملهماً بجلال الله وعظمته»‪.‬‬ ‫(‪« )2‬إن القرآن يجد الحلول لجميع القضايا‪ ،‬ويربط ما بين القانون الديني‬ ‫والقانون الأخلاقي‪ ،‬ويسعى إلى خلق النظام‪ ،‬والوحدة الاجتماعية‪ ،‬وإلى تخفيف‬ ‫البؤس والقسوة والخرافات‪ ،‬إنه يسعى للأخذ بيد المستضعفين‪ ،‬ويوصي بالبر‪،‬‬ ‫ويأمر بالرحمة‪ ...‬وفي مادة التشريع َو َض َع قواع َد لأدق التفاصيل للتعاون اليومي‪،‬‬ ‫ون َّظ َم العقود والمواريث‪ ،‬وفي ميدان الأسرة حدد سلوك كل فرد تجاه معاملة‬ ‫الأطفال والأ ِر َّقاء والحيوانات والصحة والملبس‪ ،‬إلخ‪.»...‬‬ ‫(‪ ..« )3‬ح ًقا‪ ،‬لقد ظلت شريعة القرآن راسخة على أنها المبدأ الأساسي‬ ‫لحياة المسلم‪ ،‬ولم يتعرض ما جاء في القرآن من أخلاق ونظام لأية تغييرات أو‬ ‫  ول ديورانت ‪ ،‬مؤلف أمريكي معاصر‪ ،‬يعد كتابه (قصة الحضارة) ذو الثلاثين مجل ًدا‪ ،‬واح ًدا‬ ‫من أشهر الكتب التي تؤرخ للحضارة البشرية عبر مساراتها المعقدة المتشابكة‪ ،‬عكف على‬ ‫تأليفه السنين الطوال‪ ،‬وأصدر جزأه الأول عام ‪ ،1935‬ثم تلته بقية الأجزاء‪ ،‬ومن كتبه‬ ‫المعروفة كذلك (قصة الفلسفة)‪.‬‬ ‫‪150‬‬


Like this book? You can publish your book online for free in a few minutes!
Create your own flipbook