Important Announcement
PubHTML5 Scheduled Server Maintenance on (GMT) Sunday, June 26th, 2:00 am - 8:00 am.
PubHTML5 site will be inoperative during the times indicated!

Home Explore هكذا عاشوا مع القران

هكذا عاشوا مع القران

Published by إيمان بنت مانع, 2021-10-25 14:26:35

Description: هكذا عاشوا مع القران

Search

Read the Text Version

‫هكذا عاشوا مع القرآن‬ ‫المصحف‪ ،‬وذلك لبيان كلمة غريبة‪ ،‬أو تحديد معنى غامض‪ ،‬أو معرفة حكم‬ ‫خاص‪ ،‬كـ(زبدة التفسير) للشيخ محمد سليمان الأشقر‪.‬‬ ‫معرفة أسباب النزول‪:‬‬ ‫و ُتع ُّد من الأمور المهمة في تدبر القرآن الكريم؛ لأن نزول كثير من الآيات‬ ‫قد ارتبط بمناسبات ووقائع معينة‪ ،‬ومن المهم أن ُتفهم الآيات في ضوئها ليسهل‬ ‫تنزيلها على الواقع الحالي للمسلم‪ ،‬فالتاريخ ُي ِعي ُد نفسه‪ ،‬وتتداعى أحدا ُثه ووقائ ُع ُه‬ ‫في تشاب ٍه يكا ُد يكو ُن كالتكرار‪.‬‬ ‫تكرار الآيات ‪-‬خصو ًصا التي تلمس واقع القارئ‪ -‬حتى يجد أثرها في قلبه‪:‬‬ ‫وقد كانت هذه عاد َة السل ِف؛ يرد ُد أح ُدهم الآي َة إلى الصبا ِح‪ ،‬وقد ثب َت ع ِن‬ ‫النب ِّي ×؛ أنه قام بآي ٍة ير ِد ُدها حتى الصبا ِح؛ وهي قوله‪ :‬ﮋﯯﯰﯱﯲﯳ‬ ‫ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺﮊ() ()‪ ،‬فترديد الآية يسمح بتوار ِد معانيها‬ ‫على القلب‪ ،‬وتقلي ِب الفكر فيها على أو ُج ِه َها‪ ،‬مع وصل الآية بواق ِع تاليها‪ ،‬وإنزا ِل‬ ‫حكمها عليه‪ ،‬ليرى هل يوافقها أم يتنكبها؟!‪َ ،‬قا َل َر ُج ٌل لِ ْل َح َس ِن‪َ :‬يا َأ َبا َس ِعي ٍد‪ ،‬إِنيِّ‬ ‫إِ َذا َق َر ْأ ُت ِك َتا َب اللهِ َو َتد َّبر ُته‪ِ ،‬كد ُت َأ ْن آ َي َس‪َ ،‬وينقط َع َر َجا ِئي‪َ ،‬ف َقا َل‪ :‬إِ َّن ال ُق ْرآ َن‬ ‫َكل َا ُم اللهِ‪َ ،‬و َأعماَ ُل ا ْب ِن آ َد َم إِلىَ ال َّضع ِف َوال َّت ْق ِصي ِر‪َ ،‬فاع َم ْل‪َ ،‬و َأبْشرِْ ()‪.‬‬ ‫القراءة في الكتب المتخصصة في التدبر‪:‬‬ ‫لأنها ُت ْط ِل ُع قارئها على تجارب سابقيه‪ ،‬وتح ِف ُز همته للحاق بركبهم‪ ،‬وتعطيه‬ ‫ المائدة‪.118 :‬‬ ‫  سنن النسائي (‪.)177/2‬‬ ‫  ترجمة الأئمة الأربعة (‪.)316/1‬‬ ‫‪51‬‬

‫هكذا عاشوا مع القرآن‬ ‫خلاصة ذلك‪ ،‬ومنها على سبيل التمثيل لا الحصر‪:‬‬ ‫* (القواعد الحسان لتفسير القرآن) للشيخ عبدالرحمن بن سعدي‪.‬‬ ‫ * (مفاتح تدبر القرآن والنجاح في الحياة) د‪.‬خالد بن عبد الكريم اللاحم‬ ‫ * (قواعد التدبر الأمثل لكتاب الله عز وجل) لعبد الرحمن حبنكة الميداني‪.‬‬ ‫* (دراسات قرآنية) لمحمد قطب‪.‬‬ ‫ * (مفاتيح للتعامل مع القرآن) د‪ .‬صلاح الخالدي‪.‬‬ ‫تخلية النفس من صوارف القلب عن التدبر‪:‬‬ ‫وهي كثيرة‪ ،‬لك َّن أهمها‪:‬‬ ‫ * أمراض القلوب بأنواعها‪.‬‬ ‫* الإصرار على الذنوب والمعاصي‪.‬‬ ‫ * العجلة وعدم الترتيل عند التلاوة‪.‬‬ ‫* َح رْ ُص معاني الآيات المتلوة في الذين نزلت فيهم كالمنافقين أو الكفار‪.‬‬ ‫* َق ْر ُص الخشوع والتفكر على آيات العذاب والوعيد‪.‬‬ ‫روى أبو نعيم الأصبهان ُّي في الحلي ِة بسنده‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا ُسفيان بن ُع َي ْينَ َة قال‪،‬‬ ‫قال عثمان بن عفان له‪ :‬لو أن قلوبنا طهرت ما شبعت من كلام الله‪ .‬وقال عثما ُن‪ :‬ما‬ ‫ُأ ِح ُّب أن يأتي عل َّي يو ٌم ولا ليل ٌة إلا أنظر في كلام الله‪ ،‬يعني‪ :‬القرآ َن في المصحف()‪.‬‬ ‫ حلية الأولياء (‪.)272/7‬‬ ‫‪52‬‬

‫الفصل الأول‬ ‫ِمن ِق َص ِص الرسول × والسل ِف‬ ‫الصال ِح في َت َدُبِّر ال ُق ْرآ ِن ال َكِري ِم‬



‫قصص الرسول × والسلف الصالح في التدبر‬ ‫أقرأ عليك وعليك أُنز َل؟!‬ ‫عن عبد الله بن مسعود قال‪ :‬قال لي النبي × «اقرأ علي» قلت‪ :‬يا رسول‬ ‫الله‪ ،‬أقرأ عليك وعليك ُأنز َل؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬إني أحب أن أسمعه من غيري‪ ،‬فقرأ ُت‬ ‫سور َة النساء‪ ،‬حتى أتيت إلى هذه الآية‪ :‬ﮋﮇﮈ ﮉﮊﮋ ﮌﮍ‬ ‫ﮎﮏﮐﮑﮒﮊ()‪ ،‬قال‪ :‬حسبك الآن؛ فإذا عيناه َت ْذ ِر َفان ()‪.‬‬ ‫وهذا الحديث عن أشرف الخلق × يعطينا الصورة الأكمل والأمثل للتأثر‬ ‫بالقرآن‪ ،‬وهي حالة من التأثر تشمل القلب والفكر والجوارح بحيث لا يبقى مجال‬ ‫للنفس أن تنشغل بشيء آخر‪ ،‬وفي نفس الوقت يبقى معها الترابط النفسي حاض ًرا‬ ‫ولا يخرج بصاحبها عن المألوف‪.‬‬ ‫الَلّ ُه َّم أُ َّمِتي أُ َّمِتي!‬ ‫عن َع ْب ِد اللهِ ْب ِن َع ْم ِرو ْب ِن ا ْل َعا ِص ‪َ ،‬أ َّن النَّبِ َّي × َتلا َق ْو َل اللهِ َع َّز َو َج َّل فيِ‬ ‫ النساء‪.41 :‬‬ ‫ رواه البخاري (‪ ،)4582‬ومسلم برقم (‪.)800‬‬ ‫‪55‬‬

‫هكذا عاشوا مع القرآن‬ ‫إِ ْب َرا ِهي َم‪ :‬ﮋﭱﭲ ﭳﭴ ﭵﭶﭷ ﭸﭹﭺﭻﭼﮊ() الآ َي َة‪َ ،‬و َقو َله‬ ‫في ِعي َسى ‪ :‬ﮋﯯﯰﯱﯲﯳ ﯴﯵ ﯶﯷﯸﯹ ﯺﮊ ()‬ ‫َف َر َف َع َي َد ْي ِه َو َقا َل‪ :‬ال َّل ُه َّم ُأ َّمتِي ُأ َّمتِي! َو َب َكى‪َ ،‬ف َقا َل اللهَُّ َع َّز َو َج َّل‪َ :‬يا ِج رْ ِبي ُل ا ْذ َه ْب إِلىَ‬ ‫محُ َ َّم ٍد ‪َ -‬و َر ُّب َك َأ ْع َل ُم ‪َ -‬ف َس ْل ُه َما ُي ْب ِكي َك؟ َف َأ َتا ُه ِج ْر ِبي ُل َف َس َأ َل ُه‪َ ،‬ف َأ ْبخرَ َ ُه َر ُسو ُل‬ ‫اللهَِّ × بِماَ َقا َل‪َ ،‬و ُه َو َأ ْع َل ُم‪َ ،‬ف َقا َل اللهَُّ‪َ :‬يا ِج رْ ِبي ُل ا ْذ َه ْب إِلىَ محُ َ َّم ٍد َف ُق ْل‪ :‬إِ َّنا َسنُ ْر ِضي َك‬ ‫فيِ ُأ َّمتِ َك َولا َن ُسو ُء َك()‪.‬‬ ‫أَِزيُز الَّر َحى‬ ‫عن ُم َط ِّر ٍف َع ْن َأبِي ِه َقا َل‪َ :‬ر َأ ْي ُت َر ُسو َل اللهَ ِّ × ُي َصليِّ َوفيِ َص ْد ِر ِه َأ ِزي ٌز َك َأ ِزي ِز‬ ‫ال َّر َحى ِم َن ا ْل ُب َكا ِء()‪.‬‬ ‫شيبتني هود وأخواتها‬ ‫قالأبوبك ٍر ‪:‬يارسولالله؛قد ِش ْب َت!قال‪:‬شيبتنيهو ٌدوالواقع ُةوالمرسلا ُت‬ ‫وع َّم يتساءلو َن وإذا الشم ُس كورت()‪.‬‬ ‫كما نعت ُهم الله‬ ‫قال عبد الله بن عروة بن الزبير ‪ :‬قلت لجدتي أسماء بنت أبي بكر‪ :‬كيف‬ ‫  إبراهيم‪.36 :‬‬ ‫  المائدة‪.118 :‬‬ ‫ صحيح مسلم (‪.)132/1‬‬ ‫  صحيح أبي داود (‪ ،)170/1‬وصححه الألباني‪.‬‬ ‫ صحيح وضعيف سنن الترمذي (‪ ،)297/7‬وصححه الألباني‪.‬‬ ‫‪56‬‬

‫هكذا عاشوا مع القرآن‬ ‫كان أصحاب رسول الله × إذا سمعوا القرآن؟ قالت‪ :‬تدمع أعينهم وتقشعر‬ ‫جلودهم كما نعتهم الله()‪.‬‬ ‫والله لا أنزعها منه‬ ‫في قصة الإف ِك التي كان فيمن خاض فيها ِم ْس َط ُح بن َأ َثا َثة‪ ،‬وكانت أمه بنت‬ ‫خالة ال ِّص ِّديق‪ ،‬وكان ِم ْس َط ٌح رجل ًا فقي ًرا‪ ،‬وكان الصديق ينفق عليه‪ ،‬فلما قال ما‬ ‫قاله في عائشة ‪ ،‬ونزلت الآيات ببراءتها قال أبو بكر‪ :‬والله لا أنفق على مسطح‬ ‫شي ًئا أب ًدا بعد الذي قال لعائشة ما قال‪ ،‬فأنزل الله‪ :‬ﮋﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ‬ ‫ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆﮇ ﮈ ﮉﮊ‬ ‫ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮊ()‪ ،‬قال أبو بكر‪ :‬بلى‪ ،‬والله إني أحب‬ ‫أن يغفر الله لي‪ .‬فرجع إلى ِم ْس َط ٍح النفق َة التي كان ُينفق عليه‪ ،‬وقال‪ :‬والله لا أنزعها‬ ‫منه أب ًدا()‪.‬‬ ‫ابن عباس‬ ‫قال ابن أبي مليكة‪ :‬صحبت ابن عباس من المدينة إلى مكة‪ ،‬وكان يصلي ركعتين‬ ‫فإذا نز َل قا َم شط َر اللي ِل ُيرت ُل القرآن حر ًفا حر ًفا‪ ،‬ويكثر في ذلك من النشيج‬ ‫والنحيب‪ ،‬ويقرأ‪ :‬ﮋﭳﭴ ﭵﭶﭷﭸﭹﭺ ﭻﭼﮊ()‪ ،‬و ُر ِو َي‬ ‫  شعب الإيمان للبيهقي‪)2002 - 72/5( -‬‬ ‫ النور‪.22 :‬‬ ‫  فتح الباري في شرح صحيح البخاري (‪4750/8‬ص ‪.)306‬‬ ‫  ق‪.19 :‬‬ ‫‪57‬‬

‫هكذا عاشوا مع القرآن‬ ‫عن شعيب بن درهم قال‪ :‬كان في هذا المكان ‪ -‬وأومأ إلى مجرى الدموع من خديه‬ ‫يعني خدي ابن عباس ‪ -‬مثل الشراك البالي من البكاء()‪.‬‬ ‫كان عمر و َّقا َفا عند كتاب الله‬ ‫عن عبد الله بن عباس قال‪َ :‬ق ِد َم ُع َي ْينَ ُة ب ُن ِح ْصن بن حذيفة بن بدر فنز َل‬ ‫على ابن أخي ِه الحُ ِّر بن َق ْيس بن ِح ْصن‪ ،‬وكان من النفر الذين ُي ْدنِي ِه ْم ُع َم ُر‪ ،‬وكان‬ ‫ال ُق َّرا ُء أصحا َب مجل ِس عمر ومشاورتِه؛ ُك ُهولاً كانوا أو ُش َّبا ًنا‪ ،‬فقا َل ُع َي ْينَ ُة لاب ِن‬ ‫أخيه‪ :‬يا ابن أخي؛ هل ل َك وج ٌه عن َد هذا الأمي ِر فتستأذ َن لي عليه؟ قال‪ :‬سأستأذن‬ ‫لك عليه‪ ،‬قال ابن عباس‪ :‬فاستأذ َن ل ُعيين َة؛ فلما دخل قال‪ :‬يا ابن الخطاب؛ والله‬ ‫ما تعطينا الجَ ْزل‪ ،‬ولا تحك ُم بيننا بال َع ْدل! فغض َب عم ُر حتى َه َّم بأن َي َق َع بِ ِه‪ ،‬فقال‬ ‫الح ُّر‪ :‬يا أمي َر المؤمني َن؛ إن الله تعالى قال لنبيه ×‪ :‬ﮋﭵﭶ ﭷ ﭸﭹ‬ ‫ﭺ ﭻ ﮊ()‪ ،‬وإن هذا من الجاهلين‪ ،‬فوالله ما جاوزها ُع َم ُر حين تلاها‬ ‫عليه‪ ،‬وكان َو َّقا ًفا عند كتا ِب الله()‪.‬‬ ‫مرض الفاروق لسماع آية!‬ ‫عن هشام بن الحسين قال‪ :‬كان عمر بن الخطاب يمر بالآية في ورده فتخيفه‬ ‫‪ -‬وفي بعض الروايات‪ :‬فتخنقه ‪ -‬فيبكي حتى َي ْس ُق َط‪ ،‬و َيلز ُم بي َته اليوم واليومين‬ ‫  سير أعلام النبلاء (‪ ،)352/3‬وانظر كذلك‪ :‬البداية والنهاية (ج ‪ - 8‬ص ‪ ،)334‬وتاريخ‬ ‫الإسلام للإمام الذهبي (‪.)158 /5‬‬ ‫  الأعراف‪.199 :‬‬ ‫  صحيح البخاري (‪.)2657/6‬‬ ‫‪58‬‬

‫هكذا عاشوا مع القرآن‬ ‫حتى ُيعاد‪ ،‬ويحسبونه مري ًضا()‪.‬‬ ‫وقد سمع عمر بن الخطاب يو ًما رجلا يتهجد في الليل ويقرأ سورة الطور‪،‬‬ ‫فلما بلغ إلى قوله تعالى‪ :‬ﮋﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙﮊ()‪ ،‬قال عمر‪:‬‬ ‫قس ٌم ور ِّب الكعب ِة ح ٌّق‪ ،‬ثم رجع إلى منزله فمرض شه ًرا يعوده الناس لا يدرون‬ ‫ما مرضه()‪.‬‬ ‫(ﭭﭮ)‬ ‫كان عمر بن الخطاب يعيش القرآن في كل حركاته وسكناته‪ ،‬ومن ذلك‬ ‫أنه م ّر بِ َد ْي ِر راه ٍب فناداه‪ :‬يا راه ُب؛ فأشرف‪ ،‬فجعل عم ُر ينظ ُر إليه ويبكي‪ ،‬فقيل‬ ‫له‪ :‬يا أمير المؤمنين؛ ما يبكيك من هذا؟ قال ذكرت قول الله ‪ -‬عز وجل‪ -‬في كتابه‬ ‫ﮋﭭ ﭮ ﭯﭰﭱ ﭲﮊ() فذاك الذي أبكاني()‪.‬‬ ‫(ﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖ)‬ ‫عن ناف ٍع‪ :‬كان اب ُن عم َر إذا قرأ هذه الآية‪ :‬ﮋﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖ‬ ‫ﯗ ﯘ ﮊ () يبكي حتى يغلبه البكاء()‪.‬‬ ‫  شعب الإيمان للبيهقي ( ‪)364 / 2‬‬ ‫  الطول‪.8 :‬‬ ‫  التخويف من النار والتعريف بحال دار البوار‪ /‬لابن رجب الحنبلي (ص ‪.)48‬‬ ‫  الغاشية‪.4-3 :‬‬ ‫  تفسير القرآن العظيم‪ /‬ابن كثير (‪.)385/4‬‬ ‫  الحديد‪.16 :‬‬ ‫  الإصابة في تمييز الصحابة (‪.)187/4‬‬ ‫‪59‬‬

‫هكذا عاشوا مع القرآن‬ ‫و ُرو َي أن ال ُف َض ْي َل ب َن ِع َيا ٍض كان شاط ًرا يقط ُع الطري َق بي َن أبيورد وسرخس‪،‬‬ ‫وكان سب ُب توبتِ ِه أنه َع ِش َق جارية‪ ،‬فبينا هو يرتقي الجدران إليها؛ إذ سمع تال ًيا‬ ‫يتلو‪ :‬ﮋﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﮊ فلما سمعها قال‪ :‬بلى يا‬ ‫رب‪ ،‬قد آن‪ ،‬فرجع‪ ،‬فآواه الليل إلى َخ ْر َب ٍة‪ ،‬فإذا فيها سابل ٌة‪ ،‬فقال بعضهم‪ :‬نرحل‪،‬‬ ‫وقال بعضهم‪ :‬حتى ُن ْصبِ َح فإن فضيلا على الطريق يقط ُع علينا‪ ،‬قال‪ :‬ففكرت‬ ‫وقلت‪ :‬أنا أسعى بالليل في المعاصي‪ ،‬وقوم من المسلمين ها هنا يخافوني‪ ،‬وما أرى‬ ‫الله ساقني إليهم إلا لأرتدع‪ ،‬اللهم إني قد تبت إليك‪ ،‬وجعلت توبتي مجاورة البيت‬ ‫الحرام()‪.‬‬ ‫يقول إسحا ُق بن إبراهي َم عن ال ُف َض ْي ِل بعد ذلك‪ :‬كانت قراء ُته حزين ًة شهي ًة‬ ‫بطيئ ًة ُمترَ َ ِّس َل ًة كأنه يخاط ُب إنسانا‪ ،‬وكان إذا مر بآي ٍة فيها ِذ ْك ُر الجنة ُي َر ِّد ُد فيها‬ ‫ويسأل()‪.‬‬ ‫وصار ال ُف َض ْي ُل من ِج َّل ِة السلف حتى قال فيه إبراهيم بن الأشعث‪ :‬ما رأيت‬ ‫أح ًدا؛ كان الله في صدره أعظم؛ من الفضيل‪ ،‬كان إذا ذكر الله‪ ،‬أو ُذ ِك َر عنده‪ ،‬أو‬ ‫سمع القرآن؛ ظهر به من الخوف والحزن‪ ،‬وفاضت عيناه وبكى حتى يرحمه من‬ ‫بحضرته‪ ،‬وكان دائم الحزن‪ ،‬شديد ال ِف ْك َر ِة‪ ،‬ما رأيت رجل ًا يريد الله بِ ِع ْل ِم ِه و َأخ ِذ ِه‬ ‫وإعطا ِئ ِه ومن ِع ِه وبذلِ ِه وبغ ِض ِه وح ِّب ِه وخصالِ ِه ُك ِّل َها؛ َغ رْ َي ُه‪ ،‬يعني‪ :‬الفضيل()‪.‬‬ ‫ سير أعلام النبلاء (‪.)423/8‬‬ ‫ انظر‪ :‬سير أعلام النبلاء (ج ‪ - 8‬ص ‪ ،)428‬حلية الأولياء (‪ ،)86/8‬وصفة الصفوة‬ ‫(‪ ،)238/2‬وتاريخ دمشق (‪ ،)396/48‬وتهذيب الكمال (‪.)292/23‬‬ ‫ حلية الأولياء (‪.)84/8‬‬ ‫‪60‬‬

‫هكذا عاشوا مع القرآن‬ ‫عبد الله بن عمر‬ ‫هذا عبد الله بن عمر تدبر قوله تعالى‪ :‬ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ‬ ‫ﭗﮊ()؛ فكان إذا أعجبه شي ٌء من ماله يقربه إلى الله عز وجل‪ ،‬وكأ َّن عبي َده‬ ‫قد عرفوا ذلك منه فربما لزم أحدهم المسجد‪ ،‬فإذا رآه ابن عمر على تلك الحال‬ ‫أعتقه‪ ،‬فيقال له‪ :‬إنهم يخدعونك! فيقول‪ :‬من خدعنا لله انخدعنا له!()‪.‬‬ ‫وكان له جارية يحبها كثي ًرا فأعتقها وز َّو َجها لمولاه نافع‪ ،‬وقال‪ :‬إن الله تعالى‬ ‫يقول‪ :‬ﮋﭑﭒﭓ ﭔﭕﭖ ﭗ ﮊ ‪ ،‬واشترى َم َّر ًة بعي ًرا فأعجبه لما‬ ‫ركبه فقال‪ :‬يا نافع أدخله في إبل الصدقة‪.‬‬ ‫وأعطاه ابن جعفر في ناف ٍع عشرة آلاف فقال‪ :‬أ َو خي ًرا من ذلك! هو ُح ٌّر لوجه‬ ‫الله‪ ،‬واشترى مر ًة غلا ًما بأربعين أل ًفا وأعتقه فقال الغلام‪ :‬يا مولاي قد أعتقتني‬ ‫ف َه ْب لي شي ًئا أعيش به؛ فأعطاه أربعين أل ًفا‪.‬‬ ‫واشترى مرة خمسة عبيد‪ ،‬فقام يصلي فقاموا خلفه يصلون فقال‪ :‬لمن صليتم‬ ‫هذه الصلاة؟ فقالوا‪ :‬لله‪ ،‬فقال‪ :‬أنتم أحرار لمن صليتم له؛ فأعتقهم ()‪.‬‬ ‫عل ُّي ب ُن ال ُحسين‬ ‫وهذا عل ُّي بن الحسي ِن يتخلق بصفات المتقين في قول الله تعالى‪ :‬ﮋﭞ‬ ‫ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ‬ ‫  آل‪ :‬عمران‪.92 :‬‬ ‫ حلية الأولياء (‪.)372/1‬‬ ‫ البداية والنهاية (‪.)6/9‬‬ ‫‪61‬‬

‫هكذا عاشوا مع القرآن‬ ‫ﭪ ﭫﮊ()‪ ،‬قال عبد الرزاق‪َ :‬س َك َب ْت جاري ٌة لِعل ِّي بن الحسين عليه‬ ‫ما ًء ليتوضأ؛ فسق َط الإبري ُق من يدها على وجهه َف َش َّج ُه‪ ،‬فرفع رأسه إليها‪ ،‬فقالت‬ ‫الجارية‪ :‬إن الله يقول‪ :‬ﮋﭣ ﭤﮊ ‪ ،‬فقال‪ :‬قد كظمت غيظي‪،‬‬ ‫قالت‪ :‬ﮋﭥ ﭦ ﭧﮊ فقال‪ :‬عفا الله عنك‪ ،‬فقالت‪ :‬ﮋﭩ ﭪ‬ ‫ﭫﮊ‪ ،‬قال‪ :‬أنت ُح َّر ٌة لوجه الله تعالى!‬ ‫ﮋﯡ ﯢ ﯣ ﮊ‬ ‫عن ع َّباد ب ِن حمزة قال‪ :‬دخل ُت على أسماء وهي تقرأ‪ :‬ﮋﯡﯢ ﯣ‬ ‫ﯤ ﯥ ﯦ ﮊ ()‪ ،‬قال‪ :‬فوقفت عليها ف َج َع َل ْت تستعي ُذ وتدعو‪ ،‬قال‬ ‫ع َّباد‪ :‬فذهب ُت إلى السوق فقضيت حاجتي‪ ،‬ثم رجع ُت وهي تستعي ُذ وتدعو()!‬ ‫إني قد أٌرض ُت ربي‬ ‫هذا أبو ال َّد ْح َدا ِح لما نزل قول الله تعالى‪ :‬ﮋﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ‬ ‫ﯩﯪﯫﯬ ﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﮊ () قال‬ ‫أبو ال َّد ْح َدا ِح‪ :‬يا رسول الله‪ :‬وإن الله يريد منا القرض؟ قال‪ :‬نعم يا أبا ال َّد ْح َدا ِح‪،‬‬ ‫قال‪ :‬أرني يدك يا رسول الله! فناوله يده‪ ،‬قال‪ :‬إني قد أقرضت ربي حائطي (أي‬ ‫بستانه) فيه ستمائة نخلة‪ .‬وأم ال َّد ْح َدا ِح فيه وعيالها‪ ،‬فجاء أبو ال َّد ْح َدا ِح فناداها‪ :‬يا‬ ‫ آل عمران‪.134 :‬‬ ‫  الطور‪.27 :‬‬ ‫ مصنف ابن أبي شيبة ‪)6037( 25/2‬‬ ‫ البقرة‪.245 :‬‬ ‫‪62‬‬

‫هكذا عاشوا مع القرآن‬ ‫أم ال َّد ْح َدا ِح! أخرجي فقد أقرضته ربي عز وجل‪ ،‬قالت‪ :‬ربح بيعك يا أبا ال َّد ْح َدا ِح!‬ ‫ونقلت منه متاعها وصبيانها()‪.‬‬ ‫إحصا ٌء شديد !‬ ‫عن البراء بن سليم قال‪ :‬سمعت ناف ًعا يقول‪ :‬ما قرأ ابن عمر هاتين الآيتين قط‬ ‫من آخر سورة البقرة إلا بكى‪ :‬ﮋﭿﮀﮁﮂ ﮃﮄ ﮅﮊ () ثم‬ ‫يقول‪ :‬إن هذا لإحصاء شديد()‪.‬‬ ‫الخوف من العقوبة‬ ‫عن ِع ْك ِر َم َة قال‪ :‬جئ ُت ابن عبا ٍس يوما وهو يبكي‪ ،‬وإذا المصحف في‬ ‫ِح ْج ِر ِه فأعظم ُت أن أدنو منه‪ُ ،‬ثم لم أزل على ذلك حتى تقدم ُت فجلس ُت‪ ،‬فقل ُت‪:‬‬ ‫ما يبكي َك يا ابن عباس جعلني الله فِ َدا َك؟ فقال‪ :‬هؤلاء ال َو َر َقات‪ ،‬قال‪ :‬وإذا هو‬ ‫في سورة الأعراف‪ ،‬و َذ َك َر أصحاب ال َّس ْب ِت()‪ ،‬ثم قرأ ابن عباس «فلما نسوا ما‬ ‫ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس»‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫فأرى الذين نهَ َ ْوا قد َن َج ْوا‪ ،‬ولا أرى الآخري َن ُذ ِك ُروا‪ ،‬ونحن نرى أشيا َء ننكرها‬ ‫ولا نقول فيها‪ .‬قال‪ :‬قلت‪ :‬جعلني الله فداك؛ ألا ترى أنهم قد َك ِر ُهوا ما هم عليه‬ ‫  حلية الأولياء وطبقات الأصفياء ج‪.4‬‬ ‫  البقرة‪.284 :‬‬ ‫ صفة الصفوة لابن الجوزي ( ‪)294 - 1‬‬ ‫ يعني قوله تعالى‪ :‬ﮋﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ‬ ‫ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢﯣ‬ ‫ﯤﯥﯦﯧ ﯨﮊ (الأعراف‪.)163 :‬‬ ‫‪63‬‬

‫هكذا عاشوا مع القرآن‬ ‫وخالفوهم وقالوا‪ :‬ﮋﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﮊ ()‪ ،‬قال‪ :‬فأمر لي ف ُك ِسي ُت‬ ‫ثوبين غليظين()‪.‬‬ ‫(ﮎﮏﮐﮑﮒ)‬ ‫عن سمير الرياحي عن أبيه قال‪ :‬شرب عبد الله بن ُعمر ما ًء ُمبرَ َّ ًدا فبكى فاشتد‬ ‫بكاؤه‪ ،‬فقيل له‪ :‬ما يبكيك؟ فقال‪َ :‬ذ َك ْر ُت آي ًة في كتاب الله عز وجل‪ :‬ﮋﮎ‬ ‫ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮊ ()؛ فعرف ُت أن أهل النار لا يشتهون شي ًئا شهوتهَ ُ ُم الما َء‪،‬‬ ‫وقد قال الله عز وجل‪ :‬ﮋﯦﯧﯨ ﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱ‬ ‫ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﮊ () ()‪.‬‬ ‫خامس الخلفاء الراشدين‬ ‫وهذا عمر بن عبد العزيز يتعايش مع قوله تعالى‪ :‬ﮋﭑ ﭒ ﭓ ﭔ‬ ‫ﭕﭖﭗﭘﭙﭚﮊ ()‪ ،‬فقد قيل له وهو على فراش الموت‪ :‬هؤلاء‬ ‫بنوك ‪ -‬وكانوا اثني عشر ‪ -‬ألا توصي لهم بشيء فإنهم فقراء؟! فقال‪ :‬ﮋﭑﭒ‬ ‫ﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﮊ ‪ ،‬والله لا أعطيهم ح َّق أح ٍد‪ ،‬وهم بين‬ ‫رجلين‪ :‬إما صالح؛ فالله يتولى الصالحين‪ ،‬وإما غير صالح؛ فما كن ُت لأُ ِعينَ ُه على‬ ‫ الأعراف‪.164 :‬‬ ‫ تفسير القرآن العظيم‪ /‬ابن كثير (‪)342/2‬‬ ‫ سبأ‪.54 :‬‬ ‫ صفة الصفوة (‪)295 / 1‬‬ ‫  الأعراف‪.50 :‬‬ ‫ الأعراف‪.196 :‬‬ ‫‪64‬‬

‫هكذا عاشوا مع القرآن‬ ‫فِ ْس ِق ِه‪ ،‬ولا أبالي في أ ِّي وا ٍد هلك‪ ،‬ولا أد ُع له ما يستعين به على معصية الله فأكو ُن‬ ‫شري َكه فيما يعمل بعد الموت‪ ،‬ثم استدعى أولا َده فو َّدعهم وع َّزاهم وأوصاهم بهذا‬ ‫الكلام ثم قال‪ :‬انصرفوا عص َمكم الله وأحس َن الخلافة عليكم‪.‬‬ ‫قالوا‪ :‬فلقد رأينا بعض أولاد عمر بن عبد العزيز يحَ م ُل على ثماني َن فر ًسا في‬ ‫سبيل الله‪ ،‬وكان بعض أولاد سليما َن بن عبد المل ِك مع كثر ِة ما تر َك لهم من الأموال؛‬ ‫يتعاطى ويسأ ُل من أولاد عمر بن عبد العزيز‪ ،‬لأن عم َر َو َك َل ول َد ُه إلى الله عز وجل‪،‬‬ ‫وسليما ُن وغي ُره إنما َي ِك ِلو َن أولادهم إلى ما َي َد ُعو َن لهم من الإرث؛ َف َي ِضي ُعو َن وتذه ُب‬ ‫أموا ُهلم في شهوات أولادهم!‪ .‬لقد عمل عمر بن عبد العزيز في ح ّق أبنائه بمضمون‬ ‫الآية الكريمة؛ فعص َم ُهم الله سبحانه‪ ،‬و َض ِم َن لهم خير الدنيا والآخرة!‬ ‫ﮋﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﮊ()‬ ‫عن قزعة قال‪ :‬رأيت على ابن عمر ثيابا خشنة‪ ،‬فقلت له‪ :‬إني قد أتي ُت َك بثو ٍب‬ ‫َلينِّ ٍ مما ُيصنع ب ُخراسان‪ ،‬وتق ُّر عينا َي أن أراه عليك‪ ،‬قال‪ :‬أ ِرنِ ْي ِه؛ فلمسه وقال‪:‬‬ ‫أحرير هذا؟ قل ُت‪ :‬لا‪ ،‬إنه من قطن‪ ،‬قال‪ :‬إني أخاف أن ألبسه‪ ،‬أخاف أكون مختالا‬ ‫فخورا‪ ،‬ﮋﯱ ﯲﯳﯴ ﯵﯶﮊ ()‪.‬‬ ‫قال الذهبي معل ًقا‪ :‬كل لِ َبا ٍس َأو َج َد في المر ِء ُخ َيلاء وفخ ًرا فتر ُكه ُم َت َعينِّ ٌ ‪،‬‬ ‫ولو كان من غير ذه ٍب ولا حرير‪ ،‬فإنا نرى الشاب يلبس الفرجي َة() الصو ُف بفر ٍو‬ ‫  الزمر‪.47 :‬‬ ‫  الحديد‪.23 :‬‬ ‫ الفرجية‪ :‬ثوب واسع طويل الأكمام يتزيا به علماء الدين‪ ،‬انظر‪ :‬المعجم الوسيط (‪.)270/2‬‬ ‫‪65‬‬

‫هكذا عاشوا مع القرآن‬ ‫ِم ْن أثما ِن أرب ِعمائ ِة دره ٍم ونحوها‪ ،‬والكب ُر والخيلا ُء على ِم ْش َيتِ ِه َظا ِه ٌر‪ ،‬فإ ْن نصحته‬ ‫ولمُْ َت ُه بِ ِر ْف ٍق َكا َب َر‪ ،‬وقا َل‪ :‬ما ف َّي خيلا ٌء ولا فخ ٌر‪ ،‬وهذا ال َّس ِّي ُد اب ُن ُع َم َر خَ َيا ُف ذل َك عل َى‬ ‫نفسه()!‬ ‫وجاء في ترجمة محمد بن المنكدر أنه كان ذا َت ليل ٍة قائماً ُيصلي إ ِذ استب َكى‪ ،‬فكثر‬ ‫بكاؤه حتى فزع له أهله وسألوه‪ ،‬فاستعجم عليهم وتمادى في البكاء‪ ،‬فأرسلوا إلى‬ ‫أبي حاز ٍم فجاء إليه‪ ،‬فقال‪ :‬ما الذي أبكاك؟ قال‪َ :‬م َّر ْت بي آي ٌة‪ ،‬قال‪ :‬وما هي؟‬ ‫قال‪ :‬ﮋﯻﯼﯽﯾﯿ ﰀﰁﰂﮊ ()؛ فبكى أبو حازم معه‪ ،‬فاشتد‬ ‫بكاؤهما‪.‬‬ ‫وجاء عنه أنه جزع عند الموت‪ ،‬فقيل له‪ :‬لم تجز ُع؟ قال‪ :‬أخشى آي ًة من كتاب‬ ‫الله ﮋﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﮊ ‪ ،‬فأنا أخشى أن يبدو لي من الله ما لم‬ ‫أكن أحتسب()!‬ ‫قيل لسليمان بن َط ْر َخا َن ال َّت ْي ِم ِّي البصر ِّي‪ :‬أن َت أن َت! و َم ْن ِم ْث ُل َك؟! قا َل‪ :‬لا‬ ‫تقولوا هكذا‪ ،‬لا أدري ما يبدو لي من ربي عز وجل‪ ،‬سمع ُت الل َه يقو ُل‪ :‬ﮋﯻﯼ‬ ‫ﯽﯾﯿﰀﰁﰂﮊ ()‪.‬‬ ‫روى الخطيب البغدادي بسنده قال‪ :‬سمعت بكرا العابد يقول‪ :‬سمعت فضيل‬ ‫ابن عياض يقول في قول الله عز وجل‪ :‬ﮋﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﮊ؛‬ ‫  سير أعلام النبلاء (‪.)234 - 233/3‬‬ ‫ الزمر‪.47 :‬‬ ‫ سير أعلام النبلاء (‪.)355/5‬‬ ‫  سير أعلام النبلاء (‪.)200/6‬‬ ‫‪66‬‬

‫هكذا عاشوا مع القرآن‬ ‫قال‪َ :‬أ َت ْوا بأعما ٍل ظنُّوها حسنا ٍت فإذا ه َي سيئا ٌت‪ ،‬قا َل‪ :‬فرأي ُت يحيى ب َن َم ِعينْ ٍ‬ ‫َب َكى()‪.‬‬ ‫ﮋﭪﭫﭬ ﭭﭮﭯﭰﭱﮊ‬ ‫َع ْن محُ َ َّم ِد ْب ِن ُج َب رْ ِي ْب ِن ُم ْط ِع ٍم‪َ ،‬ع ْن َأبِي ِه‪َ ،‬قا َل‪َ :‬س ِم ْع ُت َر ُسو َل الل ِه × َي ْق َر ُأ فيِ‬ ‫المَْ ْغ ِر ِب ﮋﮞﮊ ‪َ ،‬ف َلماَّ َب َل َغ َه ِذ ِه الآ َي َة‪ :‬ﮋﭪﭫﭬ ﭭﭮﭯﭰﭱ‬ ‫ﭲﭳﭴ ﭵﭶﭷﭸﭹﭺﮊ ()؛ َكا َد َق ْلبِي َأ ْن َي ِطي َر‪.‬‬ ‫َقا َل َأ ُبو ُس َليْماَ َن الخْ َ َّطابيِ ُّ ‪ :‬إِ َّنماَ َكا َن ا ْن ِز َعا ُج ُه ِعنْ َد َسماَ ِع َه ِذ ِه الآ َي ِة؛ لحِ ُ ْس ِن‬ ‫َت َل ِّقي ِه َم ْعنَى الآ َي ِة‪َ ،‬و َمع ِر َفتِ ِه بِماَ َت َض َّمنَ ْت ُه ِم ْن َب ِلي ِغ الحْ ُ َّج ِة‪َ ،‬فا ْس َت ْد َر َك َها بِ َل ِطي ِف َط ْب ِع ِه‪،‬‬ ‫َوا ْس َت َش َّف َم ْعنَا َها بِ َذ ِك ِّي َف ْه ِم ِه()‪.‬‬ ‫ﮋﮐﮑﮒﮓ ﮊ‬ ‫روى الإمام أحمد‪ :‬عن قيس بن حازم قال‪ :‬كان عبد الله بن رواحة واضعا‬ ‫رأسه في حجر امرأته فبكى فبكت امرأته‪ ،‬فقال‪ :‬مايبكي ِك؟ فقالت‪ :‬رأي ُتك تبكي‬ ‫فبكي ُت‪ ،‬قال‪ :‬إني ذكرت قول الله‪ :‬ﮋﮐﮑﮒ ﮓ ﮊ ()‪ ،‬فلا أدري أنجو‬ ‫منها أم لا()؟‪.‬‬ ‫  تاريخ بغداد (‪.)262/13‬‬ ‫  الطور‪.36-35 :‬‬ ‫  الأسماء والصفات للبيهقي (‪.)374/2‬‬ ‫  مريم‪.71 :‬‬ ‫  تفسير القرآن العظيم‪ /‬ابن كثير (‪.)252/5‬‬ ‫‪67‬‬

‫هكذا عاشوا مع القرآن‬ ‫ﮋﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﮊ‬ ‫عن َمنْ ُصو ِر ْب ِن َعماَّ ٍر قال‪ :‬حجج ُت حج ًة؛ فنزل ُت ِس َّك ًة ِم ْن ِس َك ِك الكوفة‪،‬‬ ‫فخرج ُت في ليل ٍة مظلم ٍة فإذا بصار ٍخ يصر ُخ في جو ِف اللي ِل وهو يقول‪ :‬إلهي؛‬ ‫وعزتِك وجلالِك ما أرد ُت بمعصيتي مخالفتك‪ ،‬ولكن خطيئة عرضت لي أعانني‬ ‫عليها شقائي‪ ،‬وغ َّرنيِ سترك المرخى عل َّي‪ ،‬وقد عصيتك بجهدي وخالفتك بجهلي‪،‬‬ ‫ولك الحجة عل َّي‪ ،‬فالآن ِمن عذابك َمن يستنقذني؟! وبحب ِل َم ْن أتص ُل إذا قطع َت‬ ‫حبلك عني؟! واشباباه! واشباباه! قال‪ :‬فلما فرغ من قوله؛ تلو ُت آي ًة من كتا ِب‬ ‫الله‪ :‬ﮋﯛﯜﯝﯞﯟ ﯠ ﯡﯢﯣ ﯤﯥﯦ‬ ‫ﯧ ﯨ ﮊ ()‪ ،‬فسمع ُت حرك ًة شديد ًة ثم لم أس َم ْع بعدها ِح ًّسا فمضي ُت‪،‬‬ ‫فلما كا َن من ال َغ ِد رجع ُت في مدرجتي فإذا ِجنَاز ٌة قد ُوضعت‪ ،‬وإذا بعجو ٍز كبيرة‪،‬‬ ‫فسألتها عن أم ِر الم ِّي ِت ‪ -‬ولم تكن عرفتني ‪ -‬فقالت‪ :‬هذا رجل ‪ -‬لا جزاه الله إلا‬ ‫جزاءه ‪ -‬م ّر بابني البارح َة وهو قائ ٌم يصلي؛ فتلا آية من كتاب الله‪ ،‬فلما سمعها ابني‬ ‫تفطرت مرار ُته فوقع مي ًتا()‪.‬‬ ‫ﮋﮱﯓﯔﯕﯖﯗ ﮊ‬ ‫جاء في ترجمة الإمام أحمد بن حنبل أن ابنه صال ًحا قال‪َ :‬س ِم ْع ُت َأبيِ َي ُقو ُل‪:‬‬ ‫َل َق ْد َج َعل ُت ال َم ِّي َت() فيِ ِح ٍّل ِم ْن َرضبِه إِ َّيا َي‪ُ ،‬ث َّم َقا َل‪َ :‬م َر ْر ُت بهِ َ ِذه الآ َي ِة‪ :‬ﮋﮱ‬ ‫  التحريم‪.6 :‬‬ ‫  التوابين‪ /‬لابن قدامة (ص ‪.)289‬‬ ‫  يقصد الخليفة المعتصم‪ ،‬إذ ضربه في محنة خلق القرآن الكريم‪.‬‬ ‫‪68‬‬

‫هكذا عاشوا مع القرآن‬ ‫ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﮊ()؛ َفنَ َظر ُت فيِ َت ْف ِسير َها‪َ ،‬فإ َذا ُه َو َما َأ ْبخرَ َ َنا َها ِش ُم ب ُن‬ ‫ال َقا ِس ِم‪َ ،‬أ ْبخرَ َ َنا ال ُم َبا َر ُك ب ُن َف َضا َل َة َقا َل‪َ :‬أ ْبخرَ َنيِ َم ْن َس ِم َع الحَ َس َن َي ُقو ُل‪ :‬إِ َذا َكا َن َي ْو ُم‬ ‫ال ِق َيا َم ِة َجث ِت الأُ َم ُم ُك ُّل َها َبينْ َ َي َد ِي الل ِه َر ِّب ال َعالم ِِي َن‪ُ ،‬ث َّم ُنو ِد َي َأ ْن لاَ يقو َم إِلاَّ َم ْن‬ ‫َأج ُره َعلىَ اللهِ‪َ ،‬فل َا َيقو ُم إِلاَّ َم ْن َع َفا فيِ ال ُّد ْن َيا‪َ .‬قا َل؛ أي ابن حنبل‪َ :‬ف َج َعل ُت ال َم ِّي َت فيِ‬ ‫ِح ٍّل‪ُ ،‬ث َّم َقا َل‪َ :‬و َما َعلىَ َر ُج ٍل َأ ْن لاَ ُي َع ِّذ َب اللهُ بِ َسبِبِ ِه َأ َح ًدا؟!‬ ‫قا َم من َمَر ِض ِه لسماع آية!‬ ‫وروى ابن أبي الدنيا من حديث عبد الرحمن بن الحارث بن هشام قال‪ :‬سمعت‬ ‫عبد الله بن حنظلة يو ًما وهو على فراشه و ُع ْد ُت ُه من ِعلته‪ ،‬فتلا رج ٌل عنده هذه‬ ‫الآية‪ :‬ﮋﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫ ﮊ ()؛ فبكى حتى ظننت أن نف َس ُه‬ ‫ستخر ُج‪ ،‬وقال‪ :‬صاروا بين أطباق النار‪ ،‬ثم قام على رجليه‪ ،‬فقال قائل‪ :‬يا أبا عبد‬ ‫الرحمن! اقعد‪ ،‬قال‪ :‬منعني القعو َد ذك ُر جهنم؛ و َل َعليِّ أحدهم()‪.‬‬ ‫َت ِمْي ُم ب ُن أَ ْو ٍس ال َّداِر ُّي‬ ‫وعن مسرو ٍق؛ قال‪ :‬قال لي رجل من أهل مكة‪ :‬هذا َم َقا ُم أ ِخي ِك تمي ٍم الدار ِّي‪،‬‬ ‫لقد رأي ُته قا َم ليل ًة حتى أصب َح‪ ،‬أو كا َد أ ْن ُي ْصبِ َح؛ يقرأ آي ًة من كتاب الله‪ ،‬فيرك ُع‬ ‫ويسج ُد ويبكي‪ :‬ﮋ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ‬ ‫  الشورى‪.40 :‬‬ ‫ الأعراف‪.41 :‬‬ ‫ التخويف من النار والتعريف بحال دار البوار‪ /‬لابن رجب الحنبلي (ص ‪.)34‬‬ ‫‪69‬‬

‫هكذا عاشوا مع القرآن‬ ‫ﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯ ﯰﯱﮊ ()()‪.‬‬ ‫محم ُد ب ُن َك ْع ٍب ال ُقَر ِظ ُّي‬ ‫روى أبو نعيم الأصبهانيِ ِّ قال‪ :‬سمع ُت محم َد ب َن َك ْع ٍب ال ُق َرظِ َّي يقول‪ :‬لأن أقرأ‬ ‫في ليل ٍة حتى أصب َح‪ :‬ﮋﭩﭪﭫﭬﮊ ()‪ ،‬والقارعة ‪ -‬لا أزيد عليهما‪،‬‬ ‫وأ َت َر َّد ُد فيهما و َأ َت َف َّك ُر ‪َ -‬أ َح ُّب إل َّي من أن أهدر القرآن هدرا()‪.‬‬ ‫الحسن البصري‬ ‫قال محمد بن جحادة‪ :‬قلت لأ ِّم ول ِد الحس ِن البصري‪ :‬ما رأي ِت منه؛ أي من‬ ‫الحس ِن البصر ِّي‪ ،‬فقال ْت‪ :‬رأي ُته فت َح المصح َف‪ ،‬فرأي ُت عينيه تسيلا ِن وشفتاه لا‬ ‫تتحركان()‪.‬‬ ‫وهل تر َك القرآن فصاحة لأحد ؟!‬ ‫‪ -‬قال الأصمعي ل َصبِ َّي ٍة‪ :‬ما أفصحك!‬ ‫‪ -‬فقالت‪ :‬يا َع ِّم‪ ،‬وهل تر َك القرآن لأحد فصاحة؛ وفيه آي ٌة فيها َخبرا ِن‪،‬‬ ‫وأمرا ِن‪ ،‬ونهيا ِن‪ ،‬وبِ َشا َر َتا ِن!؟‪.‬‬ ‫‪ -‬فقال‪ :‬وما هي؟‬ ‫ الجاثية‪.21 :‬‬ ‫  المعجم الكبير (‪.)50/2‬‬ ‫ الزلزلة‪.1 :‬‬ ‫ حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (‪.)214/3‬‬ ‫  شعب الإيمان‪ /‬للبيهقي (‪.)411/2‬‬ ‫‪70‬‬

‫هكذا عاشوا مع القرآن‬ ‫‪ -‬قالت‪ :‬قوله تعالى‪ :‬ﮋﭞﭟ ﭠ ﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨ‬ ‫ﭩﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮﭯﭰ ﭱﭲ ﭳﭴﭵﮊ()‪.‬‬ ‫‪ -‬قال الأصمعي‪ :‬فرجع ُت بفائد ٍة‪ ،‬وكأن تلك الآية ما مرت بمسامعي!‪.‬‬ ‫ما هذا العبث ؟‬ ‫عن ُيونِ َس ال َب ْل ِخ ِّي قال‪ :‬كان إبراهي ُم بن أده َم من الأشرا ِف‪ ،‬وكان أبوه كثير‬ ‫المال والخدم والمراكب والجنائب والبزاة‪ ،‬فبينا إبراهي ُم في الصيد على فرسه ُير ِّك ُضه‬ ‫إذا هو بصوت من فوقه‪ :‬يا إبراهيم ما هذا العبث؟ ﮋﮮ ﮯ ﮰ‬ ‫ﮱﯓﯔﯕﯖﮊ () اتق الله‪ ،‬عليك بالزاد ليوم الفاقة‪ .‬فنزل عن دابته‬ ‫وأخذ في عمل الآخرة()‪.‬‬ ‫المخرج من كل غم‬ ‫قال ابن الجوزي‪ :‬ضا َق بي أم ٌر أوج َب غماً لاز ًما دائماً ‪ ،‬وأخذ ُت أبالغ في الفكر‬ ‫في الخلاص من هذه الهموم بكل حيلة وبكل وجه‪ ،‬فما رأيت طريق ًا للخلاص‪،‬‬ ‫فعرضت لي هذه الآية‪ :‬ﮋﮚﮛ ﮜﮝﮞ ﮟﮊ ()‪ ،‬فعلم ُت أن التقوى سب ٌب‬ ‫للمخرج من كل غم‪ ،‬فما كان إلا أن هممت بتحقيق التقوى فوجد ُت المخرج()‪.‬‬ ‫  القصص‪.7 :‬‬ ‫  المؤمنون‪.115 :‬‬ ‫ سير أعلام النبلاء ‪.388/7‬‬ ‫  الطلاق‪.2 :‬‬ ‫ صيد الخاطر (‪.)303‬‬ ‫‪71‬‬

‫هكذا عاشوا مع القرآن‬ ‫ﮋﭦﭧﮊ‬ ‫عن إبراهي َم بن الأَ ْش َع ِث قال‪ :‬سمعت ُف َضيل ًا يقو ُل ذات ليل ٍة وهو يقرأ سور َة‬ ‫محمد‪ ،‬وهو يبكي ويردد هذه الآية‪ :‬ﮋﭠﭡﭢ ﭣﭤ ﭥ‬ ‫ﭦﭧﮊ ()‪ ،‬وجعل يقو ُل‪ :‬ﮋﭦﭧﮊ ‪ ،‬ويرد ُد‪ :‬وتبلو أخبا َر َنا‪ ،‬إن‬ ‫َب َل ْو َت أخبارنا فضحتنا‪ ،‬وهتكت أستارنا! إنك إن بلوت أخبارنا أهلكتنا وعذبتنا!‬ ‫ويبكي()‪.‬‬ ‫وما ين َف ُعنِي َعْر ُضها ؟!‬ ‫أخذ أحد الصالحين يبكي لما قرأ قوله تعالى‪ :‬ﮋﭒ ﭓ ﭔ ﭕ‬ ‫ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﮊ ()‪ ،‬فقيل له‪ :‬لقد‬ ‫أبكت َك آية ما ِم ْث ُل َها ُي ْب ِك ْي! إنها جن ٌة عريض ٌة واسع ٌة‪ ،‬فقال‪ :‬يا ابن أخي؛ وما ينف ُعنِي‬ ‫عرضها إن لم يكن لي فيها موضع قدم()‪.‬‬ ‫ﮋﭩﭪﭫﮊ‬ ‫عن الحار ِث بن سعي ٍد قال‪ :‬كنا عند َمالِ ِك ب ِن ِدينَا ٍر وعندنا قار ٌئ يقرأ‪ :‬ﮋﭩ‬ ‫ﭪﭫﭬﮊ ()جعل مال ٌك ينتف ُض وأه ُل المجل ِس يبكو َن حتى انتهى إلى‬ ‫  محمد‪.31 :‬‬ ‫ التوابين لابن قدامة – ص‪224‬‬ ‫  آل‪ :‬عمران‪.133 :‬‬ ‫  «صفقات رابحة»؛ خالد أبو شادي‪ ،‬ص ‪142‬‬ ‫  الزلزلة‪.1 :‬‬ ‫‪72‬‬

‫هكذا عاشوا مع القرآن‬ ‫هذه الآية‪ :‬ﮋﮇﮈﮉﮊﮋ ﮌﮍﮎﮏﮐ‬ ‫ﮑﮒﮓ ﮊ () فجعل مال ٌك – والل ِه ‪ -‬يبكي ويشه ُق حتى ُغشيِ َ عليه‪ ،‬فحمل‬ ‫بين القوم مغشيا عليه()‪.‬‬ ‫اللهم بلَى !‬ ‫كان َج ْع َف ُر ب ُن َح ْر ٍب يتقلد ِك َبا َر الأعما ِل للسلطان‪ ،‬وكانت وظيفته تقارب‬ ‫وظيفة الوزارة‪ ،‬فاجتاز يوما راك ًبا في موك ٍب له عظي ٍم فسم َع رجلا يقرأ‪ :‬ﮋﮯﮰ‬ ‫ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﮊ ()؛ فصاح‪ :‬اللهم بلى‪،‬‬ ‫ُي َك ِّر ُر َها‪ ،‬ثم َب َكى وتا َب و َر َّد المظالمَ التي كانت عليه‪ ،‬وانقطع للعلم والعبادة حتى‬ ‫مات()‪.‬‬ ‫ﮋﭛ ﭜﮊ!‬ ‫كان الحس ُن ال َب ْر ِص ُّي رحمه الله يردد في ليلة قوله تعالى‪ :‬ﮋﭗﭘﭙﭚ‬ ‫ﭛﭜ ﮊ ()‪ ،‬فقيل له في ذلك‪ ،‬فقال‪ :‬إن فيها ل ُمعتب ًرا‪ ،‬ما نرفع َط ْر ًفا ولا نر ُّده‬ ‫إلا َو َق َع على نعمة‪ ،‬وما لا نعلمه من نعم الله أكثر()‪.‬‬ ‫  الزلزلة‪.8 :‬‬ ‫  صفة الصفوة (‪.)71/3‬‬ ‫  الحديد‪.17 :‬‬ ‫  صفة الصفوة (‪.)39/3‬‬ ‫  إبراهيم‪ ،34 :‬والنحل‪.18 :‬‬ ‫  رهبان الليل‪ /‬سيد العفاني (‪.)73/2‬‬ ‫‪73‬‬

‫هكذا عاشوا مع القرآن‬ ‫اتق الله !!‬ ‫خرج هارو ُن الرشي ُد يو ًما من مجلس الإمارة فاعترضه يهود ٌّي وقال له‪ :‬اتق‬ ‫الله‪ ،‬فنزل هارون من على دابته وسجد على الأرض‪ ،‬فقال له أتباعه‪ :‬إنه يهودي‪،‬‬ ‫قال هارون‪ :‬اتق الله! ﮋﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗ ﮘﮙﮚﮛﮜ‬ ‫ﮝ ﮞ ﮊ() ()‪.‬‬ ‫فأين القرآن إ ًذا ؟‬ ‫وها ه َو الإما ُم أحم ُد ‪-‬عليه رحم ُة الله‪ -‬في مجلسه وبين تلاميذه؛ ويأتي سفيه من‬ ‫السفهاء فيس ُبه ويش ُتمه و ُي ْق ِذ ُع ُه بال َّس ِّب والشتم‪ ،‬فيقو ُل له طلا ُبه وتلامي ُذه‪ :‬يا أبا‬ ‫عبد الله؛ ُر َّد على هذا السفيه‪ ،‬قال‪ :‬لا والله؛ فأي َن القرآ ُن إ ًذا!؟ ﮋﮱ ﯓ‬ ‫ﯔﯕﯖ ﯗ ﯘﯙﯚﯛﯜﯝﮊ ()()‪.‬‬ ‫كان بإمكانه أن يرد عليه وما َمنَ َع طلابه الانبراء له برد هو ما اعتادوا عليه‬ ‫من علمهم السابق بمنهج الشيخ في عدم مماراة هذا الصنف من الناس امتثالاً‬ ‫لهذه الآية العظيمة!‪.‬‬ ‫ البقرة‪.206 :‬‬ ‫  (( تدبر القرآن – سعيد عبد العظيم – ص‪.6‬‬ ‫ الفرقان‪.63 :‬‬ ‫  هكذا علمتني الحياة ‪ – 2‬علي بن عبد الخالق القرني‬ ‫‪74‬‬

‫الفصل الثاني‬ ‫ِق َص ٌص ُم َعا ِصَر ٌة‬ ‫َو َق َع لَأ ْص َحابِ َها َت َدُبٌّر في القرآن الكري ِم‬ ‫َو ِع َظ ٌة بِآَياِته‬



‫قصص معاصرة‬ ‫لقد تأثر سل ُفنا الصال ُح بآيات الله‪ ،‬وكانوا حديثي عهد بنزولها‪ ،‬وكان القرآن‬ ‫قد نزل لت ِّو ِه غ ًّضا طر ًّيا‪ ،‬وكان رسول الله × يحيا بالقرآن بين أظ ُه ِر ِهم‪ .‬ولكن‬ ‫القرآن الكريم الذي أخرج لنا تلك النماذج المشرقة من سلف الأمة العظام؛ لم يفقد‬ ‫قدرته على التأثير على قارئيه في زماننا‪ ،‬ولم ُي ْع َد ْم ِم ْن أهله َمن يتلوه حق تلاوته؛‬ ‫ويستخرج منه كنوزه‪ ،‬ويستلهم منه توجيهه‪ ،‬ويسير على خطاه وهد ِي ِه‪.‬‬ ‫وهذا سر ٌد لمواقف و ِقصص من الواقع الحديث؛ تحدث بها أصحابها في بيان‬ ‫حالهم مع القرآ ِن تدب ًرا وعملا‪ ،‬وكيف كان أثر ذلك في تحولهم من الضلال إلى‬ ‫الهداية‪ ،‬ومن اتباع الشهوات والأهواء إلى الاجتهاد في عبادة رب الأرض والسماء‪،‬‬ ‫وكيف زالت الأ ِكنَّ ُة التي كانت ُتغ ِّطي عقولهم وقلوبهم فاستشعروا أحوالا وقر ًبا لم‬ ‫يكونوا بالغيها من قب ُل؛ رغم مرورهم على تلك الآيات مرا ًرا وتكرا ًرا‪ ،‬فتالله لقد‬ ‫أثمر ذلك في قلوبهم حلاو ًة وإيما ًنا لا يجدهما إلا من عاش مع القرآن كما عاشوا‪،‬‬ ‫وتدبره كما تدبروا!‬ ‫وسأسرد ِقص ًصا دون ذكر أسماء كاتبيها؛ فالعبرة بال ِقصص لا بأسماء أصحابها‪،‬‬ ‫وقد قسمتها إلى قسمين‪:‬‬ ‫‪77‬‬

‫هكذا عاشوا مع القرآن‬ ‫الأول‪ِ :‬قصص تحكي تجارب أهل القرآن في تدبر آياته‪.‬‬ ‫والثاني‪ِ :‬قصص تحكي تأملات ومواقف مع آيات القرآن‪.‬‬ ‫‪78‬‬

‫القسم الأول‬ ‫ِقصص تحكي تجارب أهل القرآن في تدبر آياته‬ ‫ﮋﯼﯽ ﯾ ()ﮊ‬ ‫هذه امرأة لم يرزقها الله ذرية‪َ ،‬م َّر ْت على ما استطاعت الوصول إليه من الأدوية‬ ‫الطبية والشعبية بلا فائدة‪ ،‬وكان زوجها ذات يوم يتحدث مع إمام المسجد فقال‬ ‫له‪ :‬لمِ َ لا تقر ُأ سورة نوح بحضو ِر قل ٍب‪ ،‬وتستغف ُر ما استطعت من الاستغفار؟‬ ‫قالت‪ :‬فجاء زوجي وأخبرني بذلك‪ ،‬ثم قال‪ :‬ما رأ ُي ِك أن ننفذ هذه الوصية؟‬ ‫فرحب ُت بما قا َل ُه‪ ،‬وقرأنا سورة نوح بتدبر‪ ،‬وفيها قوله تعالى‪ :‬ﮋﯼ ﯽ‬ ‫ﯾﯿ ﰀ ﰁﰂﭑ ﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙ‬ ‫ﭚ ﭛﭜﭝ ﭞﮊ ()‪ ،‬وأكثرنا الاستغفار والدعاء بإلحاح‪ ،‬وما هي إلا‬ ‫أشه ٌر حتى بدأ ُت أشعر بأعراض الحمل‪ ،‬وذهب ُت إلى الطبيبة وكانت النتيجة أني‬ ‫حامل‪.‬‬ ‫ نوح‪.10 :‬‬ ‫  نوح‪.12-10 :‬‬ ‫‪79‬‬

‫هكذا عاشوا مع القرآن‬ ‫ﮋﮫﮬﮭ ﮊ()‬ ‫أحد الدعاة في مصر يتحدث عن قصة اعتقاله فيقول‪ :‬لما دخلنا سجن القلعة‬ ‫وكان تحت الأرض؛ ُأدخلنا إلى زنازي َن انفرادية‪ ،‬وكانت أصوا ُت المع َّذبين وأ َّناتهُ ُم‬ ‫تتعالى حولنا ليلا ونها ًرا‪ ،‬وكانت الزنزانة مليئ ًة بالماء قيد شب ٍر ونصف‪ ،‬وكنا في‬ ‫زمهرير الشتاء‪ ،‬فلا مجال للنوم من أصوات التعذيب‪ ،‬ولا من الماء الذي يغمر‬ ‫أرجلنا‪ ،‬فكانت محنة شديدة‪ ،‬وما كان يخفف عنا إلا ذكر الله‪ ،‬وبقي ٌة من إيما ٍن‬ ‫ُأشربناه في أيام الرخاء النسبي التي سبقت اعتقالنا‪.‬‬ ‫وفي ليلة من الليالي وقد اشتدت عل َّي المحنة‪ ،‬وضاقت الزنزانة ضي ًقا على ضي ٍق؛‬ ‫رأي ُت فيما يرى النائم ‪ -‬وهو حلم يقظة ‪ -‬أ ْن قد دخل عل َّى أحد الصالحين الذين‬ ‫أعرفهم‪ ،‬فاستبشرت برؤيته خي ًرا‪ ،‬فس َّل َم وسألني هل تحفظ سورة الأعراف‪ ،‬قلت‪:‬‬ ‫نعم‪ ،‬قال اقرأ‪ :‬ﮋﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ‬ ‫ﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢ ﮣﮤﮥﮦﮧ‬ ‫ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ‬ ‫ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ‬ ‫ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ‬ ‫ﯰ ﯱ ﯲ ﮊ ()‪ ،‬فلما قرأتهُ ا ‪ -‬كأنما أنزلت لتوها وكأني لم أقرأها‬ ‫من قب ُل ‪ -‬ثبت الله بها قلبي‪ ،‬وس َّكن فؤادي‪ ،‬وح َّل ْت عل َّي رحمات كأنما أنام في بيتي‬ ‫ الأعراف‪.128 :‬‬ ‫  الأعراف‪.129-127 :‬‬ ‫‪80‬‬

‫هكذا عاشوا مع القرآن‬ ‫على فراشي‪ ،‬فعجب ُت من أثرها‪ ،‬وصر ُت بعدها أقرؤها على إخواني كلما رأيت من‬ ‫أحدهم ضع ًفا أو استسلا ًما‪ ،‬والحمد لله الذي أحيانا بعد هذه المحنة وس َّل َمنا‪.‬‬ ‫مع الشيخ ابن جبرين‬ ‫موقف مؤثر يحدث به أحد طلبة الشيخ عبدالله بن جبرين فيقول‪:‬‬ ‫كنا تحديدا في عام ‪1420‬هـ؛ في درس بعد المغرب لفضيلة العلامة الجبرين‬ ‫على كتاب (شرح الزركشي)‪ ،‬وصادف أن كانت السماء عصر ذلك اليوم تمُ طر‬ ‫مط ًرا شدي ًدا لم تعهده العاصم ُة الرياض‪ ،‬واستم ّر المطر حتى موعد بدء الدرس‪،‬‬ ‫وقد أحسن إمام المسجد حين قرأ في الصلاة قوله تعالى‪ :‬ﮋﯴﯵ ﯶ ﯷﯸ ﯹ‬ ‫ﯺﯻﯼ ﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃ ﰄﮊ ()‪.‬‬ ‫وبعد الصلاة جلس الشيخ لدرسه‪ ،‬وكعادته‪ :‬ع ّلق قبل أن يبدأ على نزول المطر‪،‬‬ ‫وبينَّ أنه رحم ٌة من الله وفض ٌل‪ ،‬واستشهد بحديث الطائ ِف‪( :‬أصبح من عبادي مؤمن‬ ‫بي وكافر‪ ،‬فمن قال ُمطرنا بفضل الله ورحمته فهو مؤمن بي كافر بالكوكب)()‪ ،‬ثم‬ ‫تلا الشي ُخ الآي َة التي قرأها الإمام‪ ،‬وظل يشرحها كلم ًة كلم ًة وأورد الكثير من‬ ‫القصص والشواهد حتى أ َّذ َن المؤذن للعشاء‪.‬‬ ‫فلما بلغ تفسير قوله تعالى‪ :‬ﮋﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﮊ ()؛ وا َف َق‬ ‫شرَْ َح ُه لها إرعا َد السما ِء رعد ًة ُسمع لها دو ٌّي قو ٌّي داخل المسجد‪ ،‬فأسهب في‬ ‫ النور‪.43 :‬‬ ‫ صحيح البخاري (ج ‪ - 1‬ص ‪.)351‬‬ ‫  النور‪.43 :‬‬ ‫‪81‬‬

‫هكذا عاشوا مع القرآن‬ ‫شرحها‪ ،‬وفتح الله عليه بفتح عظيم حتى أتى بأقوال السلف وأشعار العرب‪،‬‬ ‫وعلته خشية‪ ،‬وخنقته عبرة‪ ،‬وهو ما لم يكن من عادته؛ إذ كان غالبا ما يتمالك نفسه‬ ‫وتأثر بعض طلبة الشيخ كثي ًرا‪ ،‬وكان ذلك كله مع خرير ماء ُيسمع سقوطه من على‬ ‫نوافذ المسجد‪ ،‬وعشنا يومها أجوا ًء ُر ْو َحانِ َّي ًة رائع ًة ع ِّرفتنا حقا قيمة الماء‪ ،‬وإبداع‬ ‫صنع الله في السحاب‪ ،‬بما تعجز عن إيصاله آلاف الأفلام الوثائقية الحديثة‪ ،‬التي‬ ‫تصف نزول المطر بالصوت والصورة‪.‬‬ ‫آيا ٌت مخيف ٌة لمن تأ ّمل!‬ ‫في جو هادئ ولحظات سكون؛ كنت في زاوي ٍة أتلو كتاب ربي‪ ،‬وأتأ َّمل ما فيه‬ ‫من ِعظات وعبر‪ ،‬وما فيه من نداءات من الرحمن سبحانه لنا‪ُ ،‬كن ُت أرتل قول الله‪:‬‬ ‫ﮋﭮﭯﭰﭱ ﭲ ﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻ ﭼ‬ ‫ﭽﭾﮊ ()‪.‬‬ ‫فسمع ُت فجأة صو ًتا عال ًيا مخي ًفا‪ ،‬فارتجف ُت وارتعدت فرائصي‪ :‬ما الذي يحصل‬ ‫يا ُترى؟‬ ‫أهي طائرة سقطت؟ ربما انفجار غاز‪ ،‬أو كهرباء! يا إلهي ما الذي يحصل؟ هل‬ ‫سأموت؟؟ لا لا أستطيع تخيل ذلك‪.‬‬ ‫ِكد ُت أفقد عقلي من شدة الخوف‪ ،‬لكن فجأة سكت الصوت! أخذت بعدها‬ ‫أتأمل للحظات!‪ ،‬الحمد لله لم يحدث شيء مما توقعت‪ ،‬ولا زل ُت على قيد الحياة‪ ،‬لم‬ ‫أعلم إلى الآن ما كان ذلك الصوت‪ ،‬لكن ك ُّلما أدركته هو ذلك الخوف الذي انتابني‬ ‫  الحاقة‪.15-13 :‬‬ ‫‪82‬‬

‫هكذا عاشوا مع القرآن‬ ‫وكاد يقتلني‪ ،‬لا إله إلا الله‪ ،‬هذا صوت مخيف فقط وليس معه اهتزاز للأرض‪ ،‬ومع‬ ‫هذا فقد ُج َّن جنوني خو ًفا منه‪ ،‬فيا ويح قلبي؛ ما حالي يوم القيامة؟ ما حالي عندما‬ ‫أسمع النفخ في الصور؟ ما حالي إذا اهتزت الأرض‪ ،‬وانشقت السماء؟ بل كيف بي‬ ‫إذا ُع ِرض ُت على ربي لا يخفى عليه شيء من أمري؟ عاودت قراءة تلك الآيات‪ ،‬لا‬ ‫إله إلا الله‪ ،‬آيا ٌت مخُ يف ٌة ح ًقا لمِن تأ ّملها‪ ،‬ر ِّب ارحم يوم العرض علي َك ُذ َّل مقا ِمنَا‪،‬‬ ‫و َث ِّب ْت على الصراط أقدا َمنَا‪ ،‬ر ِّب ارحم ضعفنا‪ ،‬وتو َّل أمرنا‪ ،‬واجبر كسرنا‪ ،‬آمين‪.‬‬ ‫ﮋﭲﭳ ﭴﭵﭶﮊ‬ ‫تحدث الدكتور عامر رضوي الطبيب المشرف على متابعة الشيخ ابن عثيمين‬ ‫في مرضه؛ عن آخر ساعة في حياة فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين فقال‪:‬‬ ‫كان يقرأ القرآن‪ ‬الكريم‪ ،‬وكان يغيب عن وعيه ثم ُيفيق‪ ،‬ثم دخل في غيبوبة‪،‬‬ ‫وبعدها بساعة انتقل إلى جوار ربه الكريم‪ ،‬وقد سمعته يتمتم لصعوبة حالته‬ ‫الصحية في لحظات إفاقته‪ ،‬وعندما سأل ُت أبنا َءه عما يتمتم به الشيخ ذكروا لي بأنه‬ ‫كان يقرأ قوله تعالى‪ :‬ﮋﭲﭳ ﭴﭵﭶﮊ()()‪.‬‬ ‫َت ْجُربَُة ُم َعِلّ َم ِة الأ ْط َفال‬ ‫كن ُت أعمل ُمعلمة لمرحلة الروضة والتمهيدي‪ ،‬وبدأ ُت بعدها بخم ِس‬ ‫سنوا ٍت أعتني بمعاني القرآن الكريم‪ ،‬وأتدب ُر قصار السور‪ ،‬وأرب ُط الآيا ِت بواقعي‬ ‫وواقع تلميذاتي‪ ،‬واستعمل ُت مفاتي َح التدب ِر العشرة الواردة في كتاب د‪.‬خالد بن‬ ‫ وقفات في حياة الشيخ ابن عثيمين‪ ،‬لإحسان العتيبي ص‪.32‬‬ ‫  الأنفال‪.11 :‬‬ ‫‪83‬‬

‫هكذا عاشوا مع القرآن‬ ‫عبدالكريم اللاحم؛ فوجدت الفارق كبي ًرا في نفسي وصغيراتي‪...‬‬ ‫كنت أقرأ السورة في المنزل لنفسي وبترتيل وتمهل‪ ،‬مع الرجوع إلى ما تيسر من‬ ‫كتب التفسير؛ فوجد ُت الأث َر ينعك ُس بلا تكلف عل ِّي وعلى صغاري‪ ،‬وها هم قد‬ ‫تعايشوا مع الآيات وانفعلوا بمدلولاتها‪ ،‬وقد لمس ُت التغيير في نفسي وشخصيتي‬ ‫بهدوء أعصابي وراحة بالي في بيتي ومع أولادي وبناتي داخل الحلقة وخارجها‪ ،‬كما‬ ‫لمست السكينة والهدوء والصبر على الأطفال‪ ،‬فلم يعد يعتدي بعضهم على بعض‬ ‫كما كانوا ساب ًقا‪.‬‬ ‫لقد كانت أعما ُرهم ما بين الرابعة والسادسة‪ ،‬وكنت أظن أن إدراكهم لمفهوم‬ ‫التدبر وتأ ُّثرهم به أم ٌر صع ٌب وبعي ُد المنال‪ ،‬ولكني فوجئت بأنهم يستوعبون‬ ‫ويتجاوبون بشكل كبير ج ًدا‪ ،‬كما تحسن وضع القراءة داخل الحلقة‪ ،‬وتحسن‬ ‫الانضباط‪ ،‬وزاد ثبات الحفظ‪ ،‬وكنت أظن أن القراءة بصوت عا ٍل ‪ -‬كما اعتدنا ‪-‬‬ ‫تساعد على الحفظ‪ ،‬فلاحظ ُت العك َس‪ :‬أن القراءة بترتيل و َت َر ُّس ٍل تجعل الطالبات‬ ‫أكثر تفاعلا مع الحفظ‪ ،‬فأين كن ُت من هذا الخير منذ زمن بعيد!؟‪.‬‬ ‫ولا أنسى أن أوصي َأ َخ َواتي المعلمات أولا بالإخلاص لله‪ ،‬وأدعوهن إلى الصبر‬ ‫والاحتساب في العمل‪ ،‬وأذ ِّكرهن أنه لابد من بذل الجهد في ربط الآيات بالواقع‪،‬‬ ‫ومراعاة أن الصغار لديه ُم القدرة على استيعاب أشياء لم يكن من الممكن استيعابها‬ ‫فيما سبق‪ ،‬وكلما َص َد َق القص ُد و َب َذ َل الإنسا ُن كل ما في وسعه جاء الحصا ُد وفي ًرا‬ ‫بإذن الله‪.‬‬ ‫‪84‬‬

‫هكذا عاشوا مع القرآن‬ ‫َت ْجُربَُة ُم َعِلّ َم ِة الَّت ْجوي ِد‬ ‫بدأت حكايتي مع كتاب الله العزيز باهتمامي الكبير بحفظ أكبر قدر من السور‪،‬‬ ‫وكان همي وهدفي أن أختم القرآن بأي طريقة‪ ،‬فكن ُت أهت ُّم بالك ِّم لا بالكيف‪،‬‬ ‫ولم أكن أتعرف على معانيه لأكتشف المعاني والأسرار التي يتضمنها‪ ،‬ولكن بع َد‬ ‫أ ْن م َّن الله عل َّي بأخذ بعض الدورات‪ ،‬وقراءة بعض الكتب في فن التدبر؛ َت َغيرَّ َ‬ ‫مقصودي‪.‬‬ ‫ومما كان له الأثر الفعال في َت َغيرُّ ِ فهمي؛ كتاب د‪.‬خالد بن عبدالكريم اللاحم‬ ‫بعنوان (مفاتح تدبرالقرآن)‪ ،‬فقد لمست خلال قراءتي له كثي ًرا من الفوائد التي‬ ‫انتفعت بها‪ ،‬فمنها أن أم َر التدب ِر خلا ُف التفسير الظاهر للآيات‪ ،‬وهناك معا ٍن‬ ‫عظيمة لا تظهر إلا لمَِ ْن م َّن الله عليه فأبحر في أعماق معاني القرآن‪.‬‬ ‫عرف ُت كذلك أن للتدبر مفاتيح‪ ،‬وشرع ُت في تطبيقها‪ ،‬ومن ذلك‪ :‬تكرار‬ ‫الآية وترديدها بتمعن وحضور قلب‪ ،‬وما قرأ ُت آي ًة بعد ذلك وكررتهُ ا عدة مرات‬ ‫وتدبرتهُ ا؛ إلا كان لها تأثير وتحريك لقلبي وعيني‪.‬‬ ‫إن الذي يقرأ القرآن بقل ٍب حاض ٍر يدر ُك جي ًدا قيم َة القرآ ِن وعظمته‪ ،‬ويتحرك‬ ‫قلبه بلا شك‪ ،‬وكل ما أريد قوله أنني بعد أن أدركت أهمية التدبر‪ ،‬وأثره الفعال‬ ‫على القلب وعامة الجوارح؛ صرِْ ُت أقر ُأ الآيات على طالباتي بفه ٍم‪ ،‬وأعيش مع‬ ‫ما في الآية من معا ٍن‪ ،‬وأقف حتى ولو مع آية واحدة فأحس بمعانيها‪ ،‬ويسهل‬ ‫توصيلها للطالبات‪ ،‬حتى أصبحن يستخرجن الفوائد من الآية بأنفسهن بعد‬ ‫قراءتها عدة مرات‪.‬‬ ‫‪85‬‬

‫هكذا عاشوا مع القرآن‬ ‫إذا كان المرء لا يفقه شيئا مما يقرأ‪ ،‬ولا يتأثر به؛ فكيف يع ِّل ُم غيره ويؤثر فيه؟!‬ ‫إن فاقد الشيء لا يعطيه!‬ ‫َت َدَبَّر سور َة َعبَ َس‬ ‫فعر َف الطري َق وخ َّط المنهج!‬ ‫(طارق) شا ٌّب أمريكي من أص ٍل أفريقي‪ ،‬هداه الله إلى الإسلام فصار داعية إلى‬ ‫الدين الحنيف‪ ،‬وكن ُت قد سمع ُت من الأستاذ الدكتور جعفر شيخ إدريس (العالمِ ِ‬ ‫السوداني الشهير) أن طارق ًا ُيس ِل ُم على يديه أكثر من ثلاثمائة شخص أسبوع ًّيا!‬ ‫وقد شاء الله أن ألقى طار ًقا هذا في موسم ح ِّج عام ‪1421‬هـ‪ ،‬إذ ق َّدر الله‬ ‫تعالى أن يكون طارق أحد ضيوف الأمير سلطان بن عبد العزيز آل سعود لأداء‬ ‫مناسك الحج‪ ،‬وكنت مشر ًفا على أولئك الضيوف الأمريكيين في ذاك العام‪،‬‬ ‫وصح َبنَا في الح ِّج الدكتور جعفر شيخ إدريس لإلقاء درو ٍس ومحاضرا ٍت عليهم‬ ‫باللغة الإنجليزية‪.‬‬ ‫وكان ْت مفاجأ ًة للدكتور جعفر وليِ ؛ أ ْن كا َن طارق مع الضيوف‪ ،‬فلما رآه‬ ‫الشيخ قال لي‪ :‬هذا هو الداعي ُة الذي حدثتك عنه‪ ،‬فأرجو أن تسمع منه مشافهة‬ ‫حتى يكون سندك في الرواية متصلا!‬ ‫ففرحت بهذا فر ًحا عظيماً ‪ ،‬واقترحت على طارق أن يشرح لنا ولكل زملائه‬ ‫الضيوف منهجه في الدعوة‪ ،‬وكان ذلك مساء الثامن من شهر ذي الحجة عام‬ ‫‪1421‬هـ‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫حينما أسلم ُت شعر ُت بعظمة هذا الدين القويم‪ ،‬وأثره على نفوس أهله‪،‬‬ ‫‪86‬‬

‫هكذا عاشوا مع القرآن‬ ‫وخالطني حزن شديد على حرمان الأمريكيين من هذا النعيم المقيم‪ ،‬فقررت أن‬ ‫أبذل قصارى جهدي لأنقل لهم بعض أنوار الإسلام َل َعليِّ بهذا أنقلهم من الظلمات‬ ‫إلى النور‪ ،‬ولكنني أدركت أني فرد‪ ،‬فماذا يجدي جهد فردي أمام طوفان الظلام؟‬ ‫لكنني لما قرأت سورة عبس‪ ،‬بهرني قول الله تعالى‪ :‬ﮋﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ‬ ‫ﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤ ﭥﭦ‬ ‫ﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭ ﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵ ﭶﭷﭸﭹ‬ ‫ﭺﭻ ﭼ ﭽ ﮊ()‪ ،‬فقلت في نفسي‪:‬‬ ‫الناس صنفان‪:‬‬ ‫* ِصنْ ٌف ُم ْس َت ْغ ٍن عن الدين‪ ،‬فلا تنفعه الذكرى‪ ،‬ولن َي َّز َّكى‪.‬‬ ‫* و ِصنْ ٌف ُم ْقبِ ٌل‪ ‬يريد أن َي َّز َّكى‪ ،‬وهذا ‪ -‬بلا ش ٍّك ‪َ -‬تنْ َف ُع ُه ال ِّذكرى‪.‬‬ ‫وهذا ال ِّصن ُف ال ُم ْقبِ ُل ‪ -‬الذي يريد أن َي َّز َّكى ‪ -‬أعدادهم كبيرة ج ًدا‪ ،‬والجهد‬ ‫اللازم لتبليغهم رسالة الإسلام فوق طاقتي الشخصية‪ ،‬بل فوق طاقات دعاة‬ ‫المسلمين جمي ًعا‪ ،‬بل لكثرتهم لو اشتغل كل المسلمين فرادى وجماعات في إبلاغهم‬ ‫بالحق لكان ذلك فوق قدرتهم‪.‬‬ ‫فقررت في نفسي أن لا أبذل طاقتي الدعوية إلا مع الذين يرغبون في معرفة‬ ‫الإسلام‪ ،‬فصرت إذا قابلت أح ًدا َح َّي ْي ُته وصافحته وسألته ‪ -‬وعيناي تتفرسان في‬ ‫وجهه لِ َس رْ ِب أث ِر سؤالي عليه ‪ -‬قائلا‪ :‬هل ترغب في معرفة شيء عن الإسلام؟ فإن‬ ‫قال‪( :‬لا) قل ُت في نفسي‪ :‬هذا مِمَّ ِن استغنى‪ ،‬ولا يري ُد أن َي َّز َّكى‪ ،‬فيا طار ُق لا ُتِ ْضع‬ ‫  عبس‪.11-1 :‬‬ ‫‪87‬‬

‫هكذا عاشوا مع القرآن‬ ‫جهدك معه‪ ،‬وابحث عن غيره‪.‬‬ ‫وإذا قال‪ :‬نعم أريد أن أعرف؛ وقفت معه ُأ َح ِّد ُث ُه عن أسس الدين الحنيف‪،‬‬ ‫وعيناي ما زالتا تتفرسان في وجهه لِ َس رْ ِب أث ِر كلامي عليه‪ ،‬فإن رأيته غير منسجم‬ ‫مع كلامي سألته‪:‬‬ ‫هل تريد أن أزيدك معلومات؟ فإن أبدى تململا أو عدم ارتياح‪ ،‬أو رغبة في‬ ‫الانصراف‪َ ،‬و َّد ْع ُت ُه راج ًيا منه أن يبحث عن الحقيقة أكثر فأكثر‪ ،‬ثم افترقنا‪.‬‬ ‫وإذا كان جوابه إيجا ًبا؛ عرض ُت عليه أن نجل َس إ َّما في حديق ٍة أو مقه ًى أو‬ ‫مطعم؛ فأزيده تفصيل ًا‪ ،‬ثم أعطيه عنوان المركز الإسلامي‪ ،‬وأطل ُب منه أن نلتقي‬ ‫مسا ًء هناك‪ ،‬وأكثرهم يأتي على حسب الموعد و ُي ْس ِلم‪.‬‬ ‫قل ُت‪ :‬ولما استوثق ُت منه عن عدد الذين يسلمون على يده؛ أكد أنهم فعلا‬ ‫يزيدون على الثلاثمائة أسبوع ًّيا‪ ،‬وأ َّكد أ َّن ذلك بفضل الله وبفضل كلام الله الكريم‬ ‫في سورة عبس!‪.‬‬ ‫حينما زار ملك الموت بيتي!!‬ ‫زار ملك الموت بيتي عندما أراد الله جل وعلا قبض روح فلذة كبدي‪ ،‬رحمه الله‬ ‫رحم ًة واسع ًة‪ ،‬وأفاض عليه من كرامته ورضوانه‪ ،‬ورأيت تلك الزيارة في رؤيا قبل تحقق‬ ‫المصيبة بثلاثة أيام‪ ،‬فكنت لا أعلم من سيأخذ؟ وهنا كان الابتلاء والامتحان!!‬ ‫وبعد ذلك قضى الله أمره في ولدي‪ ،‬فعلمت عل َم يقي ٍن أن ما أصابه لم يكن‬ ‫ليخطئه‪ ،‬وأن ما أخطأه لم يكن أب ًدا ليصيبه!‬ ‫اتجهت في هذه المحنة إلى كتاب الله ليسكن فؤادي المقطوع الفارغ من كل شيء‬ ‫‪88‬‬

‫هكذا عاشوا مع القرآن‬ ‫إلا من ذكر الله‪ ،‬فقد كان للمصيبة ألمٌ شدي ٌد كالسيف ُي َق ِّط ُع أوصالي قطع ًة قطع ًة‪،‬‬ ‫فوجدت ‪ -‬والحمد لله ‪ -‬العلا َج والراح َة وال َّسكين َة وال ُّطمأنين َة واليقي َن والصب َر‬ ‫والرحم َة والهداية وثمرا ٍت أخرى كثيرة؛ وجدتهُ ا في آيات الله وكتابه المبين‪.‬‬ ‫كان لساني لا َيفْترُ ُ من دعاء الله أن يربط على قلبي كما ربط على فؤاد أم موسى‪،‬‬ ‫واستحضر ُت في نفسي الآية التي تصف حال أم موسى وهي ترمي بثمرة فؤادها في‬ ‫البحر‪ ،‬يقول تعالى‪ :‬ﮋﮚ ﮛﮜﮝﮞﮟﮠ ﮡﮢﮣﮤ‬ ‫ﮥ ﮦﮧﮨﮩ ﮪﮫﮊ()‪.‬‬ ‫وقد جاءني ال َغ ْو ُث بحمد الله‪ ،‬فأحسست بالثبات وال ِّر َبا ِط على قلبي‪،‬‬ ‫واستشعر ُت السكينة والهدو َء في قلبي وجوارحي‪َ ،‬ف َق َل َص دمعي‪ ،‬وازداد رسوخ‬ ‫عقيدة الإيمان بالقضاء والقدر عندي‪ ،‬ومازلت أردد قول رسولنا الكريم صلي‬ ‫الله عليه وسلم‪ :‬إن العين تدمع‪ ،‬والقلب يحزن‪ ،‬ولا نقول إلا ما يرضي ربنا‪ ،‬وإنا‬ ‫بفراقك يا إبراهيم لمحزنون()‪.‬‬ ‫مسل ٌم جدي ٌد ُيعظم شعائر الله‬ ‫حدث الأستاذ الدكتور جعفر شيخ إدريس بعد إحدى زياراته إلى كندا‬ ‫قائلا‪:‬‬ ‫رأي ُت في المركز الإسلام ّي بـ(مونتريال) شا ًبا قد أسلم حدي ًثا‪ ،‬ويصلي جميع‬ ‫الصلوات جماع ًة في المركز الإسلام ّي‪ ،‬وقد أخبرني إما ُم المسجد أن هذا الشاب منذ‬ ‫ القصص‪.10 :‬‬ ‫  صحيح البخاري ‪.)439/1( -‬‬ ‫‪89‬‬

‫هكذا عاشوا مع القرآن‬ ‫أن دخل في الإسلام وهو لا يترك فر ًضا من الفروض مع الجماعة بهذا المركز صي ًفا‬ ‫ولا شتا ًء‪ ،‬حتى في شهور الثلوج والبرد الشديد‪ ،‬وأنه يقطع في سبيل ذلك طري ًقا‬ ‫يستغرق منه كل مرة حوالي نصف ساعة‪.‬‬ ‫يقول الدكتور جعفر ‪ :‬فكلم ُت ذلك الشاب لأقنعه بأنه‪ ‬في ذلك يشق على‬ ‫نفسه‪.‬‬ ‫فقال لي‪ :‬يا شي ُخ؛ أ َما قرأ َت قول الله تعالى‪ :‬ﮋﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ‬ ‫ﭭﭮﭯ ﭰ ﮊ ()‪ ،‬والمساجد من شعائر الله‪ ،‬فأنا أريد أن أعظم شعائر‬ ‫الله تعالى‪.‬‬ ‫قال الشيخ ‪ :‬فوالله لقد انقطعت حجتي‪ ،‬وسكت!‬ ‫َجلْ َس ُة القرآن العامرة في البيت!‬ ‫كانت البداية قبل سبع سنوات تقري ًبا‪ ،‬حيث قرر رب الأسرة أن نجتمع لنقرأ‬ ‫شي ًئا من القرآن ونتدارسه‪ ،‬وكانت الجلسات غير منتظمة‪ ،‬كما أنها غير محددة بوقت‬ ‫معين‪ ،‬وذلك لظروف عمله وفترة وجوده في البيت فتارة بعد الفجر‪ ،‬وتارة بعد‬ ‫العصر‪ ،‬وأخرى بعد المغرب أو العشاء‪ ،‬وقد نجلس يوم ًيا أو يو ًما بعد يوم‪ ،‬وقد‬ ‫تمضي أربعة أيام لا نجلس فيها لانشغاله‪ ،‬لكن اضطراب الأيام والأوقات لم يؤثر‬ ‫على إص َرا ِر ُه أن يستمر‪.‬‬ ‫كانت الطريقة تتمثل في قراء ِة صفح ٍة من القرآ ِن‪ ،‬وبدأنا من سورة الفاتحة ثم‬ ‫البقرة‪ ،‬نقرأ ثلا َث مرا ٍت أو أرب ًعا تب ًعا لعدد الحضو ِر من الأولاد‪ ،‬وقد تتقلص إلى‬ ‫  الحج‪.32 :‬‬ ‫‪90‬‬

‫هكذا عاشوا مع القرآن‬ ‫مرتين‪ ،‬ثم نبدأ في استعراض الألفاظ الغريبة التي يصعب عليهم فهمها‪ ،‬ثم يبدأ‬ ‫الوالد في شرح الآيات والوقوف على معانيها وتوضيح المراد منها‪ ،‬وكثي ًرا ما كان‬ ‫يستخد ُم أسلوب الحوار والمناقشة بطرح الاستفهامات‪  ‬أو الأسئلة‪ ،‬ثم ُي َع ِّق ُب على‬ ‫إجاباتهم إن كانت صحيحة‪ ،‬أو ُيصحح إن كانت غير ذلك‪ ،‬ثم نبدأ في استخراج‬ ‫الفوائد والعبر من الآيات‪ ،‬وقد يتخلل ذلك قصة من القصص أو سبب نزول‬ ‫لآي ٍة‪ ،‬وقد يكون لها علاقة باليوم الآخر فيستطرد في الحديث عن مشاهد القيامة‬ ‫وأحوال الآخرة والجنة والنار‪ ،‬وقد يتحدث في مناسبة أخرى عن الحساب والجزاء‬ ‫وعرضالأعمالوتطايرالصحف وهكذا‪،‬ثميوظفهذهالمعانيلاستجاشةمشاعر‬ ‫الأولاد‪ ،‬وتحريك ضمائرهم‪ ،‬وضرب الأمثلة المتنوعة‪ ،‬وأثر ذلك على السلوك‪.‬‬ ‫وفي كثير من الأحيان يركز على قضايا العبودية والإخلاص‪ ،‬وصور الشرك‬ ‫ويربط ذلك بواقع الأولاد وأمثل ٍة من حياتهم وتصرفاتهم‪ ،‬وقد يتحول الدرس في‬ ‫بعض الأحيان إلى خطبة وعظية من خلال الآيات‪ ،‬ثم يترك المجال لغيره للتعليق‪،‬‬ ‫وقد يطرأ استفسار أو لبس فيزيل اللبس والإشكال عنه‪ ،‬وإذا لم نجد إجابة وافية‬ ‫رجعنا فيما بع ُد إلى كتب أهل العلم‪ ،‬وربما لبعض أهل العلم أنفسهم في بعض‬ ‫القضايا العلمية الخاصة‪.‬‬ ‫لقد لمست أث ًرا طي ًبا من هذه الجلسات‪ ،‬وخي ًرا كثي ًرا تمثل فيما يأتي‪:‬‬ ‫‪ -‬زاد تعظيم القرآن الكريم وهيبته في نفوس أبنائي‪.‬‬ ‫‪ -‬ازداد وع ُيهم بأهمية القرآن في حياتنا وسلوكنا‪ ،‬وأنه المرجع الأول لكل شيء‬ ‫نريد أن نقوله أو نعمله‪.‬‬ ‫‪91‬‬

‫هكذا عاشوا مع القرآن‬ ‫‪َ -‬جلس ُة القرآ ِن ُتعلم الانضباط في الوقت والحركة‪ ،‬وفي كيفية ال ِجلسة ذاتها‪،‬‬ ‫وتع ِّل ُم آدا َب قراءة القرآن‪ ،‬وحم َل المصح ِف بطريقة صحيحة‪.‬‬ ‫‪ -‬تصويب القراءة عمو ًما وتحسين مستواها عند الأولاد‪.‬‬ ‫‪ -‬الوقوف عند النطق أو النواحي الإعرابية يزيد المستوى العلمي عند الأولاد‬ ‫من حيث لا يشعرون‪.‬‬ ‫‪ -‬طرح القضايا الكبيرة العقدية والتشريعية والسلوكية من خلال الآيات؛‬ ‫يجع ُل همِ َ َم الأولا ِد عالي ًة‪ ،‬واهتماماتهِ ِ ْم جاد ًة‪ ،‬و َيظهر هذا من حديثهم في الاجتماعات‬ ‫الأسرية حيث يلتقون بأقرانهم من البنين والبنات‪.‬‬ ‫‪ -‬طرح القضايا الفكرية وربطها بالواقع ُي ْض ِفي مزي ًدا من النضج على الأولاد‪،‬‬ ‫والتعرض لبعض القضايا الاقتصادية أو الطبية يعطيهم نظرة واسعة‪ ،‬وكل ذلك‬ ‫يولد عندهم ِح َّس التحرج من الحرام قليله وكثيره‪.‬‬ ‫‪ -‬صارت القضايا التي يحملها الوالدان واضحة عندهم إلى حد كبير‪.‬‬ ‫‪ -‬التأثير المباشر على سلوك الأولاد‪:‬‬ ‫ ‪ o‬في الحرص على إقامة الصلاة‪ ،‬وأدائها على الوجه الأكمل‪.‬‬ ‫‪ o‬في الالتزام بقيام الليل وصيام التطوع‪.‬‬ ‫‪ o‬في التسامح فيما بينهم‪.‬‬ ‫‪ o‬في تعزيز بعض الأخلاقيات الحسنة‪ ،‬كتجنب الألفاظ البذيئة أو الترفع عن‬ ‫السباب‪.‬‬ ‫ ‪ o‬في ضبط النفس في ذلك‪.‬‬ ‫‪92‬‬

‫هكذا عاشوا مع القرآن‬ ‫ ‪ o‬في الكرم‪ ،‬والتصدق والبذل للفقراء والمساكين‪ ،‬حتى نشأ ما يمكن أن‬ ‫يسمى بصندوق التبرعات‪.‬‬ ‫لا شك أن الخير كل الخير في استمرار مثل هذه اللقاءات على مائدة القرآن‪ ،‬وإن‬ ‫اعترضها بع َض الأحيا ِن شي ٌء من الملل والرتابة لأن النفوس تمَ َ ُّل وتنفر‪ ،‬إلا أنه ُيعتاض‬ ‫عن ذلك بتجديد الأسلوب‪ ،‬ومراعاة بعض التغيير في الوقت والمكان والطريقة‪ ،‬فمن‬ ‫الأمور التي جددنا فيها أنه أصبح كل واحد منهم يشرح الآيات بحسب ما يفهمه‪،‬‬ ‫ويدور عليه ال َد ْو ُر مرة على الأقل‪ ،‬وهذا وإن كان ثقيلا عليهم في البداية؛ إلا أنه‬ ‫أكسبهم الجرأة والمقدرة على التعبير عما يريدون‪ ،‬والحمد لله رب العالمين‪.‬‬ ‫تدارس وتفسير‬ ‫هناك طريقة تعلمتها من معلمتي في التعامل مع القرآن الكريم ومدارسته؛‬ ‫ُمفا ُدها‪ :‬ألا نقرأ معاني الآيات من التفسير مباشر ًة عند تلاوتها‪ ،‬بل نقف على الآية‬ ‫بالتأمل والتفكر حتى نستنتج المعنى أولا‪ ،‬ثم نعود بعدها إلى التفسير لنرى هل كان‬ ‫فهمنا مواف ًقا له أم لا؟‬ ‫وقد وجدت ثمرة هذه الطريقة في تدبري للقرآن الكريم‪ ،‬ووجدت أي ًضا أن‬ ‫المعنى يثبت لد َّي بشكل أكبر بسبب تفكري فيه‪ ،‬وكنت أراجع التفسير بعدها‬ ‫بشغف لأتأكد من فهمي للآيات‪ ،‬مع ملاحظة ضرورة هذه المراجعة للتفاسير‪،‬‬ ‫وعدم الاعتماد على الاجتهاد‪ ‬الشخصي في الفهم لأن الشيطان يسعى جاهدا أن‬ ‫ُيل ِّبس المعنى على المؤمن‪.‬‬ ‫أي ًضا تدارس القرآن الكريم مع صويحباتي في حلقة نلتقي بها عند إحدانا‪،‬‬ ‫‪93‬‬

‫هكذا عاشوا مع القرآن‬ ‫أو عن طريق الشبكة العنكبوتية‪ ،‬نحدد آيات كل أسبوع‪ ،‬فنراجع حفظها ونتدبر‬ ‫معناها‪ ،‬وتحضرِّ كل واحدة منا فوائد من تلك الآيات من مراج َع مختلفة ثم‬ ‫نتدارسها م ًعا‪ ،‬كذلك الإطلاع على منتديات أهل التفسير والدراسات القرآنية‬ ‫علمتني الكثير‪  ،‬ولقد كانت تجربتي في حفظ القرآن الكريم ‪ -‬بفضل من الله ‪ -‬في‬ ‫مدة قصيرة نسبيا‪ ،‬ومع ذلك لم أستطع أن أثبت حفظي إلا بعد قراءة تفسير الآيات‬ ‫ثم تكرارها‪ ،‬وهكذا؛ ظهرت لي معا ٍن عديدة في القرآن لم أكن لأدركها لو لم أطالع‬ ‫تفسيره وأتدبر معناه‪ ،‬كأسرار تشابه الآيات‪ ،‬وربط السور ببعضها‪ ،‬وغيرها من‬ ‫علوم القرآن التي لا يدركها من يقرأ القرآن فقط دون حفظ وتدبر‪.‬‬ ‫تجربة شخصية‬ ‫عندما أود الاستمتاع والانتفاع بكلام ربي؛ أجلس في ُمصلا َي بعد إحدى‬ ‫الصلوات المكتوبة‪ ،‬وأختار صلا ًة ليس بعدها شغل لكي يكون ذهني فار ًغا من‬ ‫الشواغل‪ ،‬ثم أقرأ الآيات بترتيل‪ ،‬وإذا مررت بآية لا أعرف معناها أنظر إلى هامش‬ ‫مصحفي المفسر‪ ،‬وإذا عرف ُت معناها وتأثرت بها كررتها حتى تدمع عيني و َي ِر َق‬ ‫قلبي‪ ،‬ثم أعرضها على حياتي وأسأل نفسي‪ :‬هل عملت بها يا نفس؟ وإذا أغلق ُت‬ ‫المصحف وجلست إلى زوجي أو أحد أبنائي قرأتها عليهم‪ ،‬فيشاركونني التأمل‬ ‫فيها‪ ،‬وهكذا حتى لا أكاد أنساها‪ ،‬نفعنا الله بالقرآن العظيم آمين‪.‬‬ ‫رؤية شاملة للسورة‬ ‫تجربتي مع التدبر كانت من خلال تدريسي لحلقة القرآن الكريم في سكن‬ ‫الطلاب بجامعة الملك سعود‪ ،‬فقد شرحت‪ ‬من سورة الفاتحة إلى الأنعام‪ ‬مع حزب‬ ‫‪94‬‬

‫هكذا عاشوا مع القرآن‬ ‫المفصل‪ ،‬ثم تخرجت فلم أكمل! كانت لي طريقة تعتمد على تكوين رؤية شاملة عن‬ ‫السورة وما المطلوب مني فيها‪ ،‬وتحديد ذلك باستخدام الخرائط الذهنية‪ ،‬ثم تجزيء‬ ‫السورة إلى مقاطع حسب المعنى‪ ،‬مع مراجعة أمهات الكتب الموثوقة في التفسير‪.‬‬ ‫جمعهن التدُبّر!‬ ‫نحن مجموعة من الجارات جمعتنا الأخوة في الله‪ ،‬وجمعنا السكن في نفس الحي‪،‬‬ ‫وقد حضرنا دور ًة في تدبر القرآن الكريم ألقتها إحدى الداعيات في دار التحفيظ‬ ‫التابعة للحي‪ ،‬وتأثرنا جدا بهذه المحاضرة‪ ،‬وأدركنا مدى إهمالنا لكتاب الله‪ ،‬وأهمية‬ ‫تدبره‪ ،‬ومدى أثره في ترسيخ الإيمان بالله والعبادة‪ ،‬وعلى السلوك والتعامل مع‬ ‫الناس‪ ،‬وتعاهدنا على أن نتدبر القرآن الكريم م ًعا‪.‬‬ ‫بدأنا نعقد َج ْل َس ًة أسبوعي ًة كل يوم سبت في دار التحفيظ‪ ،‬من بعد صلاة‬ ‫العصر حتى أذان المغرب‪ ،‬وكان ترتي ُبنا أن نتدبر ثلا َث صفحا ٍت أسبوع ًيا‪ ،‬على أن‬ ‫تعود كل واحدة منا إلى كتب التفسير التي وزعناها فيما بيننا‪ ،‬ثم نقف عند كل آية‬ ‫ونراجع ما قيل في كتب التفسير ونعلق‪ ،‬ونتفكر في الآية من جميع جوانبها‪ ،‬مراعين‬ ‫بذلك خطوات التدبر التي تعلمناها من المحاضرة‪ ،‬وكانت تعتمد على السؤال‬ ‫والعصف الذهني وربط الآيات ببعضها‪ ،‬والانتباه إلى تذييل الآية‪ ،‬ومناسبته للآية‬ ‫السابقة واللاحقة‪ ،‬وعدم الخوض في تفاصيل أغفلها القرآن الكريم لحكمة بالغة‪،‬‬ ‫وغيرها من الخطوات‪...‬‬ ‫مكانة وأ ُّي مكانة!‬ ‫لا يمر شي ٌء على قلب الإنسان فيغيرِّ ُ فيه ويب ِّد ُل مث َل كلام الله عز وجل‪ ،‬وكن ُت‬ ‫‪95‬‬

‫هكذا عاشوا مع القرآن‬ ‫كلما مرر ُت على الآيات التي يمتدح الله فيها أنبياءه وعباده الصالحين‪ ،‬وكيف علا‬ ‫شأنهم عنده سبحانه‪ ،‬كقوله تعالى في نبينا محمد ×‪ :‬ﮋﯫﯬﯭﯮ‬ ‫ﯯ ﯰ ﮊ()؛ ظهر لي إكرامه تعالى لنب ِّيه ×‪َ ،‬ف ِل ِع َظ ِم مكانته عنده سبحانه لن‬ ‫يعذب القوم وهو بينهم‪ ،‬فأقف متأملة لهذه ال ِّرفعة‪.‬‬ ‫‪ ‬وأتأ َّمل كذلك قوله تعالى في إبراهيم ‪ :‬ﮋﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ‬ ‫ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﮊ()‪ ،‬وقوله عنه‪ :‬ﮋﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﮊ ()؛ فأرى‬ ‫المولى جل وعلا يثني على توحيده لربه‪.‬‬ ‫وأتأ َّمل أيضا قوله تعالى لموسى ‪ :‬ﮋﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﮊ ()‪،‬‬ ‫بل إنه تعالى يقول عن إسماعيل ‪ :‬ﮋﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﮊ ()‪ ،‬فما أروع ما‬ ‫ينبعث في نفسي بعدها من شعو ٍر يردد بين أصداء قلبي‪ :‬وهل يتمنى الإنسان شي ًئا‬ ‫أكبر من أن يكون مرضيا عند ربه؟‬ ‫ويشتد وقع مثل هذا الثناء على قلبي إذا كان قد خ َّص امرأة مثلي‪ ،‬فلطالما‬ ‫قرأ ُت قوله تعالى عن مريم‪ :‬ﮋ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ‬ ‫ﮭﮊ()‪ ،‬فعلا؛ ما أجمل وما أعظم هذا الاختيار! وممن هو؟ من مالك‬ ‫ الأنفال‪.33 :‬‬ ‫  النحل‪.120 :‬‬ ‫ مريم‪.41 :‬‬ ‫ طه‪.13 :‬‬ ‫  مريم‪.55 :‬‬ ‫  آل‪ :‬عمران‪.42 :‬‬ ‫‪96‬‬

‫هكذا عاشوا مع القرآن‬ ‫الملك عز وجل‪ ،‬فهنيئا لها!‪.‬‬ ‫ينبعثفينفسيسؤال واحدعندماأقف متأملةكل هذه المقاماتمنالتشريف‪:‬‬ ‫ما هي مكانتي عند ربي؟ وهل هو راض عني؟‬ ‫فأشحذ همتي في الاقتداء بهم‪ ،‬والوصول إلى أحوالهم التي جعلت لهم هذه‬ ‫ال ِّر ْف َع َة بفضل الله ومنته‪ ،‬وإن كنت أعلم أني لن أبلغ مبلغهم‪ ،‬ولكن لعل الله ينظر‬ ‫إلى قلبي برحمته فيرضى عني ويرفع شأني‪ ،‬و ُيلحقني بهم في الآخرة‪.‬‬ ‫ش َّوقهم تدبُر القرآن إلى علم النحو والبلاغة!‬ ‫‪ُ  ‬ك ِّل ْف ُت بتدريس مادة النحو لبعض طلاب كلية أصول الدين في جامعة الإمام‬ ‫محمد بن سعود الإسلامية‪ ،‬ووجدت في بداية التعليم نفو ًرا غري ًبا من علم النحو‪،‬‬ ‫بل لاحظت ريبة وش ًّكا في نفوس الطلاب تجاه ُمعلمهم‪ ،‬فيسألون عن رأيي في‬ ‫القول بالمجاز‪ ،‬وإعراب بعض الحروف الزائدة في القرآن ونحو ذلك‪ ،‬وقد بل َغ‬ ‫الأم ُر غايته حينما دخل ُت إحدى القاعا ِت فوجد ُت طال ًبا قد كت َب على السبور ِة‬ ‫بي َت الشع ِر المشهو ِر الذي لا ُيعرف قائله‪:‬‬ ‫َو َل ْس ُت بِ َن ْح ِو ٍّي َي ُلو ُك لِ َسا َن ُه َو َل ِك ْن َس ِل ْي ِق ٌّي َي ُقو ُل َف ُي ْع ِر ُب‬ ‫فأدركت أنني ‪-‬هكذا‪ -‬أ ْن ُف ُخ في ِق ْر َب ٍة مشقوقة‪ ،‬ففكرت تفكي ًرا عمي ًقا‪،‬‬ ‫وأيقن ُت أنه لا سبيل إلى إقناع هؤلاء الطلاب بأهمية علم النحو إلا بربطه بالقرآن‬ ‫الكريم‪ ،‬فقلت لهم يو ًما‪ :‬لد َّي سؤال‪ ،‬من أجاب عليه فله جائزة‪ :‬لماذا قال‬ ‫‪97‬‬

‫هكذا عاشوا مع القرآن‬ ‫الله تعالى‪ :‬ﮋﰛ ﰜ ﰝ ﰞ ﰟ ﰠ ﰡ ﰢ ﮊ() ﮋﰜ ﮊ‬ ‫وﮋﰠ ﮊ ؟ فلم يعرف أحد منهم الجواب‪ ،‬فأعطيتهم ُمهلة إلى المحاضرة‬ ‫التالية‪ ،‬ونقلت السؤال إلى القاعات الأخرى‪.‬‬ ‫وفي المحاضرة التي بعدها سألتهم عن قوله تعالى‪ :‬ﮋﮗ ﮘ ﮙ ﮚ‬ ‫ﮛ ﮜ ﮝﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮊ()‪ ،‬لماذا َع َّدى‬ ‫الفع َل ﮋﮘ ﮊ بـ ﮋﮙ ﮊ ولم يقل‪ :‬أو لم يروا الطير؟ ولماذا قال‪ :‬ﮋﮜ‬ ‫ﮝﮊ؟‪.‬‬ ‫وهكذا؛ كنا في بداية كل محاضرة نجيب عن سؤال المحاضرة السابقة‪ ،‬وفي‬ ‫نهايتها ُألقي عليهم سؤالا جدي ًدا!‬ ‫وقد رأيت ثمرة هذا التدبر عليهم وعل َّي‪ ،‬أما الطلاب فقد أدركوا حاجتهم إلى‬ ‫علم النحو‪ ،‬حتى إن بعضهم صار يأتي إلى بيتي ل َيدرس عل َّي علم النحو والصرف‪،‬‬ ‫وأما أثره عل َّي فقد اجتهد ُت في التنقي ِب عما أشار إليه العلماء والمفسرون من صور‬ ‫الإعجاز البياني‪ ،‬فاجتمعت لد َّي حصيلة طيبة منها قدمتها في برنامج إذاعي في‬ ‫إذاعة القرآن الكريم‪ ،‬ثم نشرتهُ ا في كتاب بعنوان‪ :‬نظرات لغوية في القرآن الكريم‪/‬‬ ‫صالح بن حسين العايد‪.‬‬ ‫غِّير نفسك أولا!!‬ ‫كن ُت أرى سنين ُع ُم ِري تذه ُب هد ًرا دون أ ِّي إدرا ٍك مني‪ ،‬إذ ُكنت في عزلة‬ ‫ الكهف‪.97 :‬‬ ‫ الملك‪.19 :‬‬ ‫‪98‬‬

‫هكذا عاشوا مع القرآن‬ ‫أقر ُب للانطوائية‪ ،‬وكان بعض من حولي يحُ اولون إخراجي من الجو الذي ُكنت‬ ‫فيه‪ ،‬واستم َّر الحال حتى أصبح عمري ‪ 19‬سنة‪ ،‬وشي ًئا فشي ًئا بدأ ُت أشعر أنني‬ ‫فعلا بعيدة عن الواقع وعن الحياة‪ ،‬فحاول ُت أن أغير نفسي فلم أستطع‪.‬‬ ‫اسو َّدت الدنيا بعدها في عين َّي‪ ،‬وأحسس ُت أنني انتهي ُت َو ِض ْع ُت للأبد‪،‬‬ ‫وكره ُت نفسي واستسلم ُت في خنوع لواقعي‪ ،‬بل إنني أقنع ُت نفسي أن الناس من‬ ‫حولي لن يعودوا إلى تق ُّبلي مرة أخرى‪ ،‬فأنا في نظرهم المنعزلة والوحيدة‪ ،‬وفي يوم‬ ‫قرأت قوله تعالى‪ :‬ﮋﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﮊ()؛ فعرف ُت‬ ‫أن التغيير لاب َّد أن يبدأ من نفسي‪ ،‬ففرح ُت ج ًّدا وقرر ُت أن ُأغيرِّ نظرتي للحياة‬ ‫ولنفسي أولا‪ ،‬وبعدها ستتغيرَّ نظرة الناس لي بالتأكيد‪ ،‬وبالفعل أصبح ُت أفض َل‬ ‫ولله الحمد‪ ،‬صحي ٌح أنني لازل ُت في بداية الطريق‪ ،‬لك َّن التغيرُّ َ كان ظاه ًرا ج ًدا عل َّي‪،‬‬ ‫والحمد لله‪.‬‬ ‫ثلاث آيات لأصحاب الفتاوى الشاذة‬ ‫كن ُت في ضيق وغ ٍّم وأنا أقرأ وأسمع بين آ ٍن وآخ َر فتاوى شاذة؛ تحُ ِ ُّل حرا ًما‬ ‫مما استقر على حرمته الواقع في بلاد المسلمين‪ ،‬فتتلق ُفها وتبتدرها وسائل الإعلام‬ ‫ال ُمغ ِر َض ُة فتنشرها‪ ،‬وتفرح بأصحابها ف ُتمجدهم وتنافح عنهم‪ ،‬وتمسي صورهم‬ ‫وكلماتهم ِم ْل َء الشاشا ِت والصحف‪ ،‬وكنت إذا حزبني أمر أو غمني سو ٌء ِم ْل ُت إلى‬ ‫واح ِة القرآن الكريم أستظِل بأفيائها وأتنسم عبيرها‪ ،‬وذات يوم كنت أقرأ سورة‬ ‫الإسراء‪ ،‬فتس ّم َر ْت عينا َي على آيا ٍت ثلا ٍث عجز ُت أن أجاوزهن‪ :‬ﮋﯟﯠ‬ ‫  الرعد‪.11 :‬‬ ‫‪99‬‬

‫هكذا عاشوا مع القرآن‬ ‫ﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩ ﯪﯫﯬﯭ‬ ‫ﯮﯯﯰﯱﯲ ﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺ‬ ‫ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃﮊ()‪ ،‬وصرِْ ُت أعيد قراءتهن‬ ‫وأتفكر في معانيهن‪ ،‬وأقول في نفسي‪:‬‬ ‫هل قرأهن فلان الذي أفتى بجواز الربا؟ وهل قرأهن فلان الذي أفتى بجواز‬ ‫الاختلاط؟‬ ‫سبحان الله! لقد اتخذ الإعلا ُم السي ُئ ك َّل واح ٍد من هؤلاء خليلا!!‬ ‫نسألالله الثباتعلى الحقحتى الممات؛فرسولالله× المؤيدبالوحي والعصم ِة‬ ‫كادوا يفتنونه عما أوحى الله إليه ليفتري على الله غيره‪ ،‬وسيتخذونه حينئذ خليلا‪،‬‬ ‫ولولا أن ثبته الله لقد كاد يركن إليهم شي ًئا قليلا!‬ ‫لكن ذاك الإنسان الضعيف غير المؤ َّي َد لا بوح ٍي ولا ِعصم ٍة؛ افترى على الله‬ ‫‪ -‬عند أول إغراء ‪ -‬ما ليس في شرعه؛ فاتخذوه خليلا فركن إليهم كثيرا وليس شيئا‬ ‫قليلا!‬ ‫لكن هل تدبر هذا الضعي ُف الذي أفتى بغير شرع الله العاقبة التي يخشى عليه‬ ‫منها؟‬ ‫ليقرأ عقا َب خي ِر البش ِر أولهم وآخرهم رسول الله × لو ركن إليهم شي ًئا قليلا‬ ‫ﮋﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﮊ‪،‬‬ ‫َوا َح َّر قلباه‪ :‬ﮋﯺ ﯻﯼﯽﮊ‪ ،‬ثم لا يجد له على الله نصيرا‪ ،‬كل‬ ‫ الإسراء‪.75-73 :‬‬ ‫‪100‬‬


Like this book? You can publish your book online for free in a few minutes!
Create your own flipbook