هكذا عاشوا مع القرآن المصحف ،وذلك لبيان كلمة غريبة ،أو تحديد معنى غامض ،أو معرفة حكم خاص ،كـ(زبدة التفسير) للشيخ محمد سليمان الأشقر. معرفة أسباب النزول: و ُتع ُّد من الأمور المهمة في تدبر القرآن الكريم؛ لأن نزول كثير من الآيات قد ارتبط بمناسبات ووقائع معينة ،ومن المهم أن ُتفهم الآيات في ضوئها ليسهل تنزيلها على الواقع الحالي للمسلم ،فالتاريخ ُي ِعي ُد نفسه ،وتتداعى أحدا ُثه ووقائ ُع ُه في تشاب ٍه يكا ُد يكو ُن كالتكرار. تكرار الآيات -خصو ًصا التي تلمس واقع القارئ -حتى يجد أثرها في قلبه: وقد كانت هذه عاد َة السل ِف؛ يرد ُد أح ُدهم الآي َة إلى الصبا ِح ،وقد ثب َت ع ِن النب ِّي ×؛ أنه قام بآي ٍة ير ِد ُدها حتى الصبا ِح؛ وهي قوله :ﮋﯯﯰﯱﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺﮊ() () ،فترديد الآية يسمح بتوار ِد معانيها على القلب ،وتقلي ِب الفكر فيها على أو ُج ِه َها ،مع وصل الآية بواق ِع تاليها ،وإنزا ِل حكمها عليه ،ليرى هل يوافقها أم يتنكبها؟!َ ،قا َل َر ُج ٌل لِ ْل َح َس ِنَ :يا َأ َبا َس ِعي ٍد ،إِنيِّ إِ َذا َق َر ْأ ُت ِك َتا َب اللهِ َو َتد َّبر ُتهِ ،كد ُت َأ ْن آ َي َسَ ،وينقط َع َر َجا ِئيَ ،ف َقا َل :إِ َّن ال ُق ْرآ َن َكل َا ُم اللهَِ ،و َأعماَ ُل ا ْب ِن آ َد َم إِلىَ ال َّضع ِف َوال َّت ْق ِصي ِرَ ،فاع َم ْلَ ،و َأبْشرِْ (). القراءة في الكتب المتخصصة في التدبر: لأنها ُت ْط ِل ُع قارئها على تجارب سابقيه ،وتح ِف ُز همته للحاق بركبهم ،وتعطيه المائدة.118 : سنن النسائي (.)177/2 ترجمة الأئمة الأربعة (.)316/1 51
هكذا عاشوا مع القرآن خلاصة ذلك ،ومنها على سبيل التمثيل لا الحصر: * (القواعد الحسان لتفسير القرآن) للشيخ عبدالرحمن بن سعدي. * (مفاتح تدبر القرآن والنجاح في الحياة) د.خالد بن عبد الكريم اللاحم * (قواعد التدبر الأمثل لكتاب الله عز وجل) لعبد الرحمن حبنكة الميداني. * (دراسات قرآنية) لمحمد قطب. * (مفاتيح للتعامل مع القرآن) د .صلاح الخالدي. تخلية النفس من صوارف القلب عن التدبر: وهي كثيرة ،لك َّن أهمها: * أمراض القلوب بأنواعها. * الإصرار على الذنوب والمعاصي. * العجلة وعدم الترتيل عند التلاوة. * َح رْ ُص معاني الآيات المتلوة في الذين نزلت فيهم كالمنافقين أو الكفار. * َق ْر ُص الخشوع والتفكر على آيات العذاب والوعيد. روى أبو نعيم الأصبهان ُّي في الحلي ِة بسنده ،قال :حدثنا ُسفيان بن ُع َي ْينَ َة قال، قال عثمان بن عفان له :لو أن قلوبنا طهرت ما شبعت من كلام الله .وقال عثما ُن :ما ُأ ِح ُّب أن يأتي عل َّي يو ٌم ولا ليل ٌة إلا أنظر في كلام الله ،يعني :القرآ َن في المصحف(). حلية الأولياء (.)272/7 52
الفصل الأول ِمن ِق َص ِص الرسول × والسل ِف الصال ِح في َت َدُبِّر ال ُق ْرآ ِن ال َكِري ِم
قصص الرسول × والسلف الصالح في التدبر أقرأ عليك وعليك أُنز َل؟! عن عبد الله بن مسعود قال :قال لي النبي × «اقرأ علي» قلت :يا رسول الله ،أقرأ عليك وعليك ُأنز َل؟ قال :نعم ،إني أحب أن أسمعه من غيري ،فقرأ ُت سور َة النساء ،حتى أتيت إلى هذه الآية :ﮋﮇﮈ ﮉﮊﮋ ﮌﮍ ﮎﮏﮐﮑﮒﮊ() ،قال :حسبك الآن؛ فإذا عيناه َت ْذ ِر َفان (). وهذا الحديث عن أشرف الخلق × يعطينا الصورة الأكمل والأمثل للتأثر بالقرآن ،وهي حالة من التأثر تشمل القلب والفكر والجوارح بحيث لا يبقى مجال للنفس أن تنشغل بشيء آخر ،وفي نفس الوقت يبقى معها الترابط النفسي حاض ًرا ولا يخرج بصاحبها عن المألوف. الَلّ ُه َّم أُ َّمِتي أُ َّمِتي! عن َع ْب ِد اللهِ ْب ِن َع ْم ِرو ْب ِن ا ْل َعا ِص َ ،أ َّن النَّبِ َّي × َتلا َق ْو َل اللهِ َع َّز َو َج َّل فيِ النساء.41 : رواه البخاري ( ،)4582ومسلم برقم (.)800 55
هكذا عاشوا مع القرآن إِ ْب َرا ِهي َم :ﮋﭱﭲ ﭳﭴ ﭵﭶﭷ ﭸﭹﭺﭻﭼﮊ() الآ َي َةَ ،و َقو َله في ِعي َسى :ﮋﯯﯰﯱﯲﯳ ﯴﯵ ﯶﯷﯸﯹ ﯺﮊ () َف َر َف َع َي َد ْي ِه َو َقا َل :ال َّل ُه َّم ُأ َّمتِي ُأ َّمتِي! َو َب َكىَ ،ف َقا َل اللهَُّ َع َّز َو َج َّلَ :يا ِج رْ ِبي ُل ا ْذ َه ْب إِلىَ محُ َ َّم ٍد َ -و َر ُّب َك َأ ْع َل ُم َ -ف َس ْل ُه َما ُي ْب ِكي َك؟ َف َأ َتا ُه ِج ْر ِبي ُل َف َس َأ َل ُهَ ،ف َأ ْبخرَ َ ُه َر ُسو ُل اللهَِّ × بِماَ َقا َلَ ،و ُه َو َأ ْع َل ُمَ ،ف َقا َل اللهََُّ :يا ِج رْ ِبي ُل ا ْذ َه ْب إِلىَ محُ َ َّم ٍد َف ُق ْل :إِ َّنا َسنُ ْر ِضي َك فيِ ُأ َّمتِ َك َولا َن ُسو ُء َك(). أَِزيُز الَّر َحى عن ُم َط ِّر ٍف َع ْن َأبِي ِه َقا َلَ :ر َأ ْي ُت َر ُسو َل اللهَ ِّ × ُي َصليِّ َوفيِ َص ْد ِر ِه َأ ِزي ٌز َك َأ ِزي ِز ال َّر َحى ِم َن ا ْل ُب َكا ِء(). شيبتني هود وأخواتها قالأبوبك ٍر :يارسولالله؛قد ِش ْب َت!قال:شيبتنيهو ٌدوالواقع ُةوالمرسلا ُت وع َّم يتساءلو َن وإذا الشم ُس كورت(). كما نعت ُهم الله قال عبد الله بن عروة بن الزبير :قلت لجدتي أسماء بنت أبي بكر :كيف إبراهيم.36 : المائدة.118 : صحيح مسلم (.)132/1 صحيح أبي داود ( ،)170/1وصححه الألباني. صحيح وضعيف سنن الترمذي ( ،)297/7وصححه الألباني. 56
هكذا عاشوا مع القرآن كان أصحاب رسول الله × إذا سمعوا القرآن؟ قالت :تدمع أعينهم وتقشعر جلودهم كما نعتهم الله(). والله لا أنزعها منه في قصة الإف ِك التي كان فيمن خاض فيها ِم ْس َط ُح بن َأ َثا َثة ،وكانت أمه بنت خالة ال ِّص ِّديق ،وكان ِم ْس َط ٌح رجل ًا فقي ًرا ،وكان الصديق ينفق عليه ،فلما قال ما قاله في عائشة ،ونزلت الآيات ببراءتها قال أبو بكر :والله لا أنفق على مسطح شي ًئا أب ًدا بعد الذي قال لعائشة ما قال ،فأنزل الله :ﮋﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆﮇ ﮈ ﮉﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮊ() ،قال أبو بكر :بلى ،والله إني أحب أن يغفر الله لي .فرجع إلى ِم ْس َط ٍح النفق َة التي كان ُينفق عليه ،وقال :والله لا أنزعها منه أب ًدا(). ابن عباس قال ابن أبي مليكة :صحبت ابن عباس من المدينة إلى مكة ،وكان يصلي ركعتين فإذا نز َل قا َم شط َر اللي ِل ُيرت ُل القرآن حر ًفا حر ًفا ،ويكثر في ذلك من النشيج والنحيب ،ويقرأ :ﮋﭳﭴ ﭵﭶﭷﭸﭹﭺ ﭻﭼﮊ() ،و ُر ِو َي شعب الإيمان للبيهقي)2002 - 72/5( - النور.22 : فتح الباري في شرح صحيح البخاري (4750/8ص .)306 ق.19 : 57
هكذا عاشوا مع القرآن عن شعيب بن درهم قال :كان في هذا المكان -وأومأ إلى مجرى الدموع من خديه يعني خدي ابن عباس -مثل الشراك البالي من البكاء(). كان عمر و َّقا َفا عند كتاب الله عن عبد الله بن عباس قالَ :ق ِد َم ُع َي ْينَ ُة ب ُن ِح ْصن بن حذيفة بن بدر فنز َل على ابن أخي ِه الحُ ِّر بن َق ْيس بن ِح ْصن ،وكان من النفر الذين ُي ْدنِي ِه ْم ُع َم ُر ،وكان ال ُق َّرا ُء أصحا َب مجل ِس عمر ومشاورتِه؛ ُك ُهولاً كانوا أو ُش َّبا ًنا ،فقا َل ُع َي ْينَ ُة لاب ِن أخيه :يا ابن أخي؛ هل ل َك وج ٌه عن َد هذا الأمي ِر فتستأذ َن لي عليه؟ قال :سأستأذن لك عليه ،قال ابن عباس :فاستأذ َن ل ُعيين َة؛ فلما دخل قال :يا ابن الخطاب؛ والله ما تعطينا الجَ ْزل ،ولا تحك ُم بيننا بال َع ْدل! فغض َب عم ُر حتى َه َّم بأن َي َق َع بِ ِه ،فقال الح ُّر :يا أمي َر المؤمني َن؛ إن الله تعالى قال لنبيه × :ﮋﭵﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﮊ() ،وإن هذا من الجاهلين ،فوالله ما جاوزها ُع َم ُر حين تلاها عليه ،وكان َو َّقا ًفا عند كتا ِب الله(). مرض الفاروق لسماع آية! عن هشام بن الحسين قال :كان عمر بن الخطاب يمر بالآية في ورده فتخيفه -وفي بعض الروايات :فتخنقه -فيبكي حتى َي ْس ُق َط ،و َيلز ُم بي َته اليوم واليومين سير أعلام النبلاء ( ،)352/3وانظر كذلك :البداية والنهاية (ج - 8ص ،)334وتاريخ الإسلام للإمام الذهبي (.)158 /5 الأعراف.199 : صحيح البخاري (.)2657/6 58
هكذا عاشوا مع القرآن حتى ُيعاد ،ويحسبونه مري ًضا(). وقد سمع عمر بن الخطاب يو ًما رجلا يتهجد في الليل ويقرأ سورة الطور، فلما بلغ إلى قوله تعالى :ﮋﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙﮊ() ،قال عمر: قس ٌم ور ِّب الكعب ِة ح ٌّق ،ثم رجع إلى منزله فمرض شه ًرا يعوده الناس لا يدرون ما مرضه(). (ﭭﭮ) كان عمر بن الخطاب يعيش القرآن في كل حركاته وسكناته ،ومن ذلك أنه م ّر بِ َد ْي ِر راه ٍب فناداه :يا راه ُب؛ فأشرف ،فجعل عم ُر ينظ ُر إليه ويبكي ،فقيل له :يا أمير المؤمنين؛ ما يبكيك من هذا؟ قال ذكرت قول الله -عز وجل -في كتابه ﮋﭭ ﭮ ﭯﭰﭱ ﭲﮊ() فذاك الذي أبكاني(). (ﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖ) عن ناف ٍع :كان اب ُن عم َر إذا قرأ هذه الآية :ﮋﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖ ﯗ ﯘ ﮊ () يبكي حتى يغلبه البكاء(). شعب الإيمان للبيهقي ( )364 / 2 الطول.8 : التخويف من النار والتعريف بحال دار البوار /لابن رجب الحنبلي (ص .)48 الغاشية.4-3 : تفسير القرآن العظيم /ابن كثير (.)385/4 الحديد.16 : الإصابة في تمييز الصحابة (.)187/4 59
هكذا عاشوا مع القرآن و ُرو َي أن ال ُف َض ْي َل ب َن ِع َيا ٍض كان شاط ًرا يقط ُع الطري َق بي َن أبيورد وسرخس، وكان سب ُب توبتِ ِه أنه َع ِش َق جارية ،فبينا هو يرتقي الجدران إليها؛ إذ سمع تال ًيا يتلو :ﮋﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﮊ فلما سمعها قال :بلى يا رب ،قد آن ،فرجع ،فآواه الليل إلى َخ ْر َب ٍة ،فإذا فيها سابل ٌة ،فقال بعضهم :نرحل، وقال بعضهم :حتى ُن ْصبِ َح فإن فضيلا على الطريق يقط ُع علينا ،قال :ففكرت وقلت :أنا أسعى بالليل في المعاصي ،وقوم من المسلمين ها هنا يخافوني ،وما أرى الله ساقني إليهم إلا لأرتدع ،اللهم إني قد تبت إليك ،وجعلت توبتي مجاورة البيت الحرام(). يقول إسحا ُق بن إبراهي َم عن ال ُف َض ْي ِل بعد ذلك :كانت قراء ُته حزين ًة شهي ًة بطيئ ًة ُمترَ َ ِّس َل ًة كأنه يخاط ُب إنسانا ،وكان إذا مر بآي ٍة فيها ِذ ْك ُر الجنة ُي َر ِّد ُد فيها ويسأل(). وصار ال ُف َض ْي ُل من ِج َّل ِة السلف حتى قال فيه إبراهيم بن الأشعث :ما رأيت أح ًدا؛ كان الله في صدره أعظم؛ من الفضيل ،كان إذا ذكر الله ،أو ُذ ِك َر عنده ،أو سمع القرآن؛ ظهر به من الخوف والحزن ،وفاضت عيناه وبكى حتى يرحمه من بحضرته ،وكان دائم الحزن ،شديد ال ِف ْك َر ِة ،ما رأيت رجل ًا يريد الله بِ ِع ْل ِم ِه و َأخ ِذ ِه وإعطا ِئ ِه ومن ِع ِه وبذلِ ِه وبغ ِض ِه وح ِّب ِه وخصالِ ِه ُك ِّل َها؛ َغ رْ َي ُه ،يعني :الفضيل(). سير أعلام النبلاء (.)423/8 انظر :سير أعلام النبلاء (ج - 8ص ،)428حلية الأولياء ( ،)86/8وصفة الصفوة ( ،)238/2وتاريخ دمشق ( ،)396/48وتهذيب الكمال (.)292/23 حلية الأولياء (.)84/8 60
هكذا عاشوا مع القرآن عبد الله بن عمر هذا عبد الله بن عمر تدبر قوله تعالى :ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﮊ()؛ فكان إذا أعجبه شي ٌء من ماله يقربه إلى الله عز وجل ،وكأ َّن عبي َده قد عرفوا ذلك منه فربما لزم أحدهم المسجد ،فإذا رآه ابن عمر على تلك الحال أعتقه ،فيقال له :إنهم يخدعونك! فيقول :من خدعنا لله انخدعنا له!(). وكان له جارية يحبها كثي ًرا فأعتقها وز َّو َجها لمولاه نافع ،وقال :إن الله تعالى يقول :ﮋﭑﭒﭓ ﭔﭕﭖ ﭗ ﮊ ،واشترى َم َّر ًة بعي ًرا فأعجبه لما ركبه فقال :يا نافع أدخله في إبل الصدقة. وأعطاه ابن جعفر في ناف ٍع عشرة آلاف فقال :أ َو خي ًرا من ذلك! هو ُح ٌّر لوجه الله ،واشترى مر ًة غلا ًما بأربعين أل ًفا وأعتقه فقال الغلام :يا مولاي قد أعتقتني ف َه ْب لي شي ًئا أعيش به؛ فأعطاه أربعين أل ًفا. واشترى مرة خمسة عبيد ،فقام يصلي فقاموا خلفه يصلون فقال :لمن صليتم هذه الصلاة؟ فقالوا :لله ،فقال :أنتم أحرار لمن صليتم له؛ فأعتقهم (). عل ُّي ب ُن ال ُحسين وهذا عل ُّي بن الحسي ِن يتخلق بصفات المتقين في قول الله تعالى :ﮋﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ آل :عمران.92 : حلية الأولياء (.)372/1 البداية والنهاية (.)6/9 61
هكذا عاشوا مع القرآن ﭪ ﭫﮊ() ،قال عبد الرزاقَ :س َك َب ْت جاري ٌة لِعل ِّي بن الحسين عليه ما ًء ليتوضأ؛ فسق َط الإبري ُق من يدها على وجهه َف َش َّج ُه ،فرفع رأسه إليها ،فقالت الجارية :إن الله يقول :ﮋﭣ ﭤﮊ ،فقال :قد كظمت غيظي، قالت :ﮋﭥ ﭦ ﭧﮊ فقال :عفا الله عنك ،فقالت :ﮋﭩ ﭪ ﭫﮊ ،قال :أنت ُح َّر ٌة لوجه الله تعالى! ﮋﯡ ﯢ ﯣ ﮊ عن ع َّباد ب ِن حمزة قال :دخل ُت على أسماء وهي تقرأ :ﮋﯡﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﮊ () ،قال :فوقفت عليها ف َج َع َل ْت تستعي ُذ وتدعو ،قال ع َّباد :فذهب ُت إلى السوق فقضيت حاجتي ،ثم رجع ُت وهي تستعي ُذ وتدعو()! إني قد أٌرض ُت ربي هذا أبو ال َّد ْح َدا ِح لما نزل قول الله تعالى :ﮋﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩﯪﯫﯬ ﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﮊ () قال أبو ال َّد ْح َدا ِح :يا رسول الله :وإن الله يريد منا القرض؟ قال :نعم يا أبا ال َّد ْح َدا ِح، قال :أرني يدك يا رسول الله! فناوله يده ،قال :إني قد أقرضت ربي حائطي (أي بستانه) فيه ستمائة نخلة .وأم ال َّد ْح َدا ِح فيه وعيالها ،فجاء أبو ال َّد ْح َدا ِح فناداها :يا آل عمران.134 : الطور.27 : مصنف ابن أبي شيبة )6037( 25/2 البقرة.245 : 62
هكذا عاشوا مع القرآن أم ال َّد ْح َدا ِح! أخرجي فقد أقرضته ربي عز وجل ،قالت :ربح بيعك يا أبا ال َّد ْح َدا ِح! ونقلت منه متاعها وصبيانها(). إحصا ٌء شديد ! عن البراء بن سليم قال :سمعت ناف ًعا يقول :ما قرأ ابن عمر هاتين الآيتين قط من آخر سورة البقرة إلا بكى :ﮋﭿﮀﮁﮂ ﮃﮄ ﮅﮊ () ثم يقول :إن هذا لإحصاء شديد(). الخوف من العقوبة عن ِع ْك ِر َم َة قال :جئ ُت ابن عبا ٍس يوما وهو يبكي ،وإذا المصحف في ِح ْج ِر ِه فأعظم ُت أن أدنو منهُ ،ثم لم أزل على ذلك حتى تقدم ُت فجلس ُت ،فقل ُت: ما يبكي َك يا ابن عباس جعلني الله فِ َدا َك؟ فقال :هؤلاء ال َو َر َقات ،قال :وإذا هو في سورة الأعراف ،و َذ َك َر أصحاب ال َّس ْب ِت() ،ثم قرأ ابن عباس «فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس» ،قال: فأرى الذين نهَ َ ْوا قد َن َج ْوا ،ولا أرى الآخري َن ُذ ِك ُروا ،ونحن نرى أشيا َء ننكرها ولا نقول فيها .قال :قلت :جعلني الله فداك؛ ألا ترى أنهم قد َك ِر ُهوا ما هم عليه حلية الأولياء وطبقات الأصفياء ج.4 البقرة.284 : صفة الصفوة لابن الجوزي ( )294 - 1 يعني قوله تعالى :ﮋﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢﯣ ﯤﯥﯦﯧ ﯨﮊ (الأعراف.)163 : 63
هكذا عاشوا مع القرآن وخالفوهم وقالوا :ﮋﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﮊ () ،قال :فأمر لي ف ُك ِسي ُت ثوبين غليظين(). (ﮎﮏﮐﮑﮒ) عن سمير الرياحي عن أبيه قال :شرب عبد الله بن ُعمر ما ًء ُمبرَ َّ ًدا فبكى فاشتد بكاؤه ،فقيل له :ما يبكيك؟ فقالَ :ذ َك ْر ُت آي ًة في كتاب الله عز وجل :ﮋﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮊ ()؛ فعرف ُت أن أهل النار لا يشتهون شي ًئا شهوتهَ ُ ُم الما َء، وقد قال الله عز وجل :ﮋﯦﯧﯨ ﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﮊ () (). خامس الخلفاء الراشدين وهذا عمر بن عبد العزيز يتعايش مع قوله تعالى :ﮋﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖﭗﭘﭙﭚﮊ () ،فقد قيل له وهو على فراش الموت :هؤلاء بنوك -وكانوا اثني عشر -ألا توصي لهم بشيء فإنهم فقراء؟! فقال :ﮋﭑﭒ ﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﮊ ،والله لا أعطيهم ح َّق أح ٍد ،وهم بين رجلين :إما صالح؛ فالله يتولى الصالحين ،وإما غير صالح؛ فما كن ُت لأُ ِعينَ ُه على الأعراف.164 : تفسير القرآن العظيم /ابن كثير ()342/2 سبأ.54 : صفة الصفوة ()295 / 1 الأعراف.50 : الأعراف.196 : 64
هكذا عاشوا مع القرآن فِ ْس ِق ِه ،ولا أبالي في أ ِّي وا ٍد هلك ،ولا أد ُع له ما يستعين به على معصية الله فأكو ُن شري َكه فيما يعمل بعد الموت ،ثم استدعى أولا َده فو َّدعهم وع َّزاهم وأوصاهم بهذا الكلام ثم قال :انصرفوا عص َمكم الله وأحس َن الخلافة عليكم. قالوا :فلقد رأينا بعض أولاد عمر بن عبد العزيز يحَ م ُل على ثماني َن فر ًسا في سبيل الله ،وكان بعض أولاد سليما َن بن عبد المل ِك مع كثر ِة ما تر َك لهم من الأموال؛ يتعاطى ويسأ ُل من أولاد عمر بن عبد العزيز ،لأن عم َر َو َك َل ول َد ُه إلى الله عز وجل، وسليما ُن وغي ُره إنما َي ِك ِلو َن أولادهم إلى ما َي َد ُعو َن لهم من الإرث؛ َف َي ِضي ُعو َن وتذه ُب أموا ُهلم في شهوات أولادهم! .لقد عمل عمر بن عبد العزيز في ح ّق أبنائه بمضمون الآية الكريمة؛ فعص َم ُهم الله سبحانه ،و َض ِم َن لهم خير الدنيا والآخرة! ﮋﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﮊ() عن قزعة قال :رأيت على ابن عمر ثيابا خشنة ،فقلت له :إني قد أتي ُت َك بثو ٍب َلينِّ ٍ مما ُيصنع ب ُخراسان ،وتق ُّر عينا َي أن أراه عليك ،قال :أ ِرنِ ْي ِه؛ فلمسه وقال: أحرير هذا؟ قل ُت :لا ،إنه من قطن ،قال :إني أخاف أن ألبسه ،أخاف أكون مختالا فخورا ،ﮋﯱ ﯲﯳﯴ ﯵﯶﮊ (). قال الذهبي معل ًقا :كل لِ َبا ٍس َأو َج َد في المر ِء ُخ َيلاء وفخ ًرا فتر ُكه ُم َت َعينِّ ٌ ، ولو كان من غير ذه ٍب ولا حرير ،فإنا نرى الشاب يلبس الفرجي َة() الصو ُف بفر ٍو الزمر.47 : الحديد.23 : الفرجية :ثوب واسع طويل الأكمام يتزيا به علماء الدين ،انظر :المعجم الوسيط (.)270/2 65
هكذا عاشوا مع القرآن ِم ْن أثما ِن أرب ِعمائ ِة دره ٍم ونحوها ،والكب ُر والخيلا ُء على ِم ْش َيتِ ِه َظا ِه ٌر ،فإ ْن نصحته ولمُْ َت ُه بِ ِر ْف ٍق َكا َب َر ،وقا َل :ما ف َّي خيلا ٌء ولا فخ ٌر ،وهذا ال َّس ِّي ُد اب ُن ُع َم َر خَ َيا ُف ذل َك عل َى نفسه()! وجاء في ترجمة محمد بن المنكدر أنه كان ذا َت ليل ٍة قائماً ُيصلي إ ِذ استب َكى ،فكثر بكاؤه حتى فزع له أهله وسألوه ،فاستعجم عليهم وتمادى في البكاء ،فأرسلوا إلى أبي حاز ٍم فجاء إليه ،فقال :ما الذي أبكاك؟ قالَ :م َّر ْت بي آي ٌة ،قال :وما هي؟ قال :ﮋﯻﯼﯽﯾﯿ ﰀﰁﰂﮊ ()؛ فبكى أبو حازم معه ،فاشتد بكاؤهما. وجاء عنه أنه جزع عند الموت ،فقيل له :لم تجز ُع؟ قال :أخشى آي ًة من كتاب الله ﮋﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﮊ ،فأنا أخشى أن يبدو لي من الله ما لم أكن أحتسب()! قيل لسليمان بن َط ْر َخا َن ال َّت ْي ِم ِّي البصر ِّي :أن َت أن َت! و َم ْن ِم ْث ُل َك؟! قا َل :لا تقولوا هكذا ،لا أدري ما يبدو لي من ربي عز وجل ،سمع ُت الل َه يقو ُل :ﮋﯻﯼ ﯽﯾﯿﰀﰁﰂﮊ (). روى الخطيب البغدادي بسنده قال :سمعت بكرا العابد يقول :سمعت فضيل ابن عياض يقول في قول الله عز وجل :ﮋﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﮊ؛ سير أعلام النبلاء (.)234 - 233/3 الزمر.47 : سير أعلام النبلاء (.)355/5 سير أعلام النبلاء (.)200/6 66
هكذا عاشوا مع القرآن قالَ :أ َت ْوا بأعما ٍل ظنُّوها حسنا ٍت فإذا ه َي سيئا ٌت ،قا َل :فرأي ُت يحيى ب َن َم ِعينْ ٍ َب َكى(). ﮋﭪﭫﭬ ﭭﭮﭯﭰﭱﮊ َع ْن محُ َ َّم ِد ْب ِن ُج َب رْ ِي ْب ِن ُم ْط ِع ٍمَ ،ع ْن َأبِي ِهَ ،قا َلَ :س ِم ْع ُت َر ُسو َل الل ِه × َي ْق َر ُأ فيِ المَْ ْغ ِر ِب ﮋﮞﮊ َ ،ف َلماَّ َب َل َغ َه ِذ ِه الآ َي َة :ﮋﭪﭫﭬ ﭭﭮﭯﭰﭱ ﭲﭳﭴ ﭵﭶﭷﭸﭹﭺﮊ ()؛ َكا َد َق ْلبِي َأ ْن َي ِطي َر. َقا َل َأ ُبو ُس َليْماَ َن الخْ َ َّطابيِ ُّ :إِ َّنماَ َكا َن ا ْن ِز َعا ُج ُه ِعنْ َد َسماَ ِع َه ِذ ِه الآ َي ِة؛ لحِ ُ ْس ِن َت َل ِّقي ِه َم ْعنَى الآ َي ِةَ ،و َمع ِر َفتِ ِه بِماَ َت َض َّمنَ ْت ُه ِم ْن َب ِلي ِغ الحْ ُ َّج ِةَ ،فا ْس َت ْد َر َك َها بِ َل ِطي ِف َط ْب ِع ِه، َوا ْس َت َش َّف َم ْعنَا َها بِ َذ ِك ِّي َف ْه ِم ِه(). ﮋﮐﮑﮒﮓ ﮊ روى الإمام أحمد :عن قيس بن حازم قال :كان عبد الله بن رواحة واضعا رأسه في حجر امرأته فبكى فبكت امرأته ،فقال :مايبكي ِك؟ فقالت :رأي ُتك تبكي فبكي ُت ،قال :إني ذكرت قول الله :ﮋﮐﮑﮒ ﮓ ﮊ () ،فلا أدري أنجو منها أم لا()؟. تاريخ بغداد (.)262/13 الطور.36-35 : الأسماء والصفات للبيهقي (.)374/2 مريم.71 : تفسير القرآن العظيم /ابن كثير (.)252/5 67
هكذا عاشوا مع القرآن ﮋﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﮊ عن َمنْ ُصو ِر ْب ِن َعماَّ ٍر قال :حجج ُت حج ًة؛ فنزل ُت ِس َّك ًة ِم ْن ِس َك ِك الكوفة، فخرج ُت في ليل ٍة مظلم ٍة فإذا بصار ٍخ يصر ُخ في جو ِف اللي ِل وهو يقول :إلهي؛ وعزتِك وجلالِك ما أرد ُت بمعصيتي مخالفتك ،ولكن خطيئة عرضت لي أعانني عليها شقائي ،وغ َّرنيِ سترك المرخى عل َّي ،وقد عصيتك بجهدي وخالفتك بجهلي، ولك الحجة عل َّي ،فالآن ِمن عذابك َمن يستنقذني؟! وبحب ِل َم ْن أتص ُل إذا قطع َت حبلك عني؟! واشباباه! واشباباه! قال :فلما فرغ من قوله؛ تلو ُت آي ًة من كتا ِب الله :ﮋﯛﯜﯝﯞﯟ ﯠ ﯡﯢﯣ ﯤﯥﯦ ﯧ ﯨ ﮊ () ،فسمع ُت حرك ًة شديد ًة ثم لم أس َم ْع بعدها ِح ًّسا فمضي ُت، فلما كا َن من ال َغ ِد رجع ُت في مدرجتي فإذا ِجنَاز ٌة قد ُوضعت ،وإذا بعجو ٍز كبيرة، فسألتها عن أم ِر الم ِّي ِت -ولم تكن عرفتني -فقالت :هذا رجل -لا جزاه الله إلا جزاءه -م ّر بابني البارح َة وهو قائ ٌم يصلي؛ فتلا آية من كتاب الله ،فلما سمعها ابني تفطرت مرار ُته فوقع مي ًتا(). ﮋﮱﯓﯔﯕﯖﯗ ﮊ جاء في ترجمة الإمام أحمد بن حنبل أن ابنه صال ًحا قالَ :س ِم ْع ُت َأبيِ َي ُقو ُل: َل َق ْد َج َعل ُت ال َم ِّي َت() فيِ ِح ٍّل ِم ْن َرضبِه إِ َّيا َيُ ،ث َّم َقا َلَ :م َر ْر ُت بهِ َ ِذه الآ َي ِة :ﮋﮱ التحريم.6 : التوابين /لابن قدامة (ص .)289 يقصد الخليفة المعتصم ،إذ ضربه في محنة خلق القرآن الكريم. 68
هكذا عاشوا مع القرآن ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﮊ()؛ َفنَ َظر ُت فيِ َت ْف ِسير َهاَ ،فإ َذا ُه َو َما َأ ْبخرَ َ َنا َها ِش ُم ب ُن ال َقا ِس ِمَ ،أ ْبخرَ َ َنا ال ُم َبا َر ُك ب ُن َف َضا َل َة َقا َلَ :أ ْبخرَ َنيِ َم ْن َس ِم َع الحَ َس َن َي ُقو ُل :إِ َذا َكا َن َي ْو ُم ال ِق َيا َم ِة َجث ِت الأُ َم ُم ُك ُّل َها َبينْ َ َي َد ِي الل ِه َر ِّب ال َعالم ِِي َنُ ،ث َّم ُنو ِد َي َأ ْن لاَ يقو َم إِلاَّ َم ْن َأج ُره َعلىَ اللهَِ ،فل َا َيقو ُم إِلاَّ َم ْن َع َفا فيِ ال ُّد ْن َياَ .قا َل؛ أي ابن حنبلَ :ف َج َعل ُت ال َم ِّي َت فيِ ِح ٍّلُ ،ث َّم َقا َلَ :و َما َعلىَ َر ُج ٍل َأ ْن لاَ ُي َع ِّذ َب اللهُ بِ َسبِبِ ِه َأ َح ًدا؟! قا َم من َمَر ِض ِه لسماع آية! وروى ابن أبي الدنيا من حديث عبد الرحمن بن الحارث بن هشام قال :سمعت عبد الله بن حنظلة يو ًما وهو على فراشه و ُع ْد ُت ُه من ِعلته ،فتلا رج ٌل عنده هذه الآية :ﮋﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫ ﮊ ()؛ فبكى حتى ظننت أن نف َس ُه ستخر ُج ،وقال :صاروا بين أطباق النار ،ثم قام على رجليه ،فقال قائل :يا أبا عبد الرحمن! اقعد ،قال :منعني القعو َد ذك ُر جهنم؛ و َل َعليِّ أحدهم(). َت ِمْي ُم ب ُن أَ ْو ٍس ال َّداِر ُّي وعن مسرو ٍق؛ قال :قال لي رجل من أهل مكة :هذا َم َقا ُم أ ِخي ِك تمي ٍم الدار ِّي، لقد رأي ُته قا َم ليل ًة حتى أصب َح ،أو كا َد أ ْن ُي ْصبِ َح؛ يقرأ آي ًة من كتاب الله ،فيرك ُع ويسج ُد ويبكي :ﮋ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ الشورى.40 : الأعراف.41 : التخويف من النار والتعريف بحال دار البوار /لابن رجب الحنبلي (ص .)34 69
هكذا عاشوا مع القرآن ﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯ ﯰﯱﮊ ()(). محم ُد ب ُن َك ْع ٍب ال ُقَر ِظ ُّي روى أبو نعيم الأصبهانيِ ِّ قال :سمع ُت محم َد ب َن َك ْع ٍب ال ُق َرظِ َّي يقول :لأن أقرأ في ليل ٍة حتى أصب َح :ﮋﭩﭪﭫﭬﮊ () ،والقارعة -لا أزيد عليهما، وأ َت َر َّد ُد فيهما و َأ َت َف َّك ُر َ -أ َح ُّب إل َّي من أن أهدر القرآن هدرا(). الحسن البصري قال محمد بن جحادة :قلت لأ ِّم ول ِد الحس ِن البصري :ما رأي ِت منه؛ أي من الحس ِن البصر ِّي ،فقال ْت :رأي ُته فت َح المصح َف ،فرأي ُت عينيه تسيلا ِن وشفتاه لا تتحركان(). وهل تر َك القرآن فصاحة لأحد ؟! -قال الأصمعي ل َصبِ َّي ٍة :ما أفصحك! -فقالت :يا َع ِّم ،وهل تر َك القرآن لأحد فصاحة؛ وفيه آي ٌة فيها َخبرا ِن، وأمرا ِن ،ونهيا ِن ،وبِ َشا َر َتا ِن!؟. -فقال :وما هي؟ الجاثية.21 : المعجم الكبير (.)50/2 الزلزلة.1 : حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (.)214/3 شعب الإيمان /للبيهقي (.)411/2 70
هكذا عاشوا مع القرآن -قالت :قوله تعالى :ﮋﭞﭟ ﭠ ﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨ ﭩﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮﭯﭰ ﭱﭲ ﭳﭴﭵﮊ(). -قال الأصمعي :فرجع ُت بفائد ٍة ،وكأن تلك الآية ما مرت بمسامعي!. ما هذا العبث ؟ عن ُيونِ َس ال َب ْل ِخ ِّي قال :كان إبراهي ُم بن أده َم من الأشرا ِف ،وكان أبوه كثير المال والخدم والمراكب والجنائب والبزاة ،فبينا إبراهي ُم في الصيد على فرسه ُير ِّك ُضه إذا هو بصوت من فوقه :يا إبراهيم ما هذا العبث؟ ﮋﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓﯔﯕﯖﮊ () اتق الله ،عليك بالزاد ليوم الفاقة .فنزل عن دابته وأخذ في عمل الآخرة(). المخرج من كل غم قال ابن الجوزي :ضا َق بي أم ٌر أوج َب غماً لاز ًما دائماً ،وأخذ ُت أبالغ في الفكر في الخلاص من هذه الهموم بكل حيلة وبكل وجه ،فما رأيت طريق ًا للخلاص، فعرضت لي هذه الآية :ﮋﮚﮛ ﮜﮝﮞ ﮟﮊ () ،فعلم ُت أن التقوى سب ٌب للمخرج من كل غم ،فما كان إلا أن هممت بتحقيق التقوى فوجد ُت المخرج(). القصص.7 : المؤمنون.115 : سير أعلام النبلاء .388/7 الطلاق.2 : صيد الخاطر (.)303 71
هكذا عاشوا مع القرآن ﮋﭦﭧﮊ عن إبراهي َم بن الأَ ْش َع ِث قال :سمعت ُف َضيل ًا يقو ُل ذات ليل ٍة وهو يقرأ سور َة محمد ،وهو يبكي ويردد هذه الآية :ﮋﭠﭡﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦﭧﮊ () ،وجعل يقو ُل :ﮋﭦﭧﮊ ،ويرد ُد :وتبلو أخبا َر َنا ،إن َب َل ْو َت أخبارنا فضحتنا ،وهتكت أستارنا! إنك إن بلوت أخبارنا أهلكتنا وعذبتنا! ويبكي(). وما ين َف ُعنِي َعْر ُضها ؟! أخذ أحد الصالحين يبكي لما قرأ قوله تعالى :ﮋﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﮊ () ،فقيل له :لقد أبكت َك آية ما ِم ْث ُل َها ُي ْب ِك ْي! إنها جن ٌة عريض ٌة واسع ٌة ،فقال :يا ابن أخي؛ وما ينف ُعنِي عرضها إن لم يكن لي فيها موضع قدم(). ﮋﭩﭪﭫﮊ عن الحار ِث بن سعي ٍد قال :كنا عند َمالِ ِك ب ِن ِدينَا ٍر وعندنا قار ٌئ يقرأ :ﮋﭩ ﭪﭫﭬﮊ ()جعل مال ٌك ينتف ُض وأه ُل المجل ِس يبكو َن حتى انتهى إلى محمد.31 : التوابين لابن قدامة – ص224 آل :عمران.133 : «صفقات رابحة»؛ خالد أبو شادي ،ص 142 الزلزلة.1 : 72
هكذا عاشوا مع القرآن هذه الآية :ﮋﮇﮈﮉﮊﮋ ﮌﮍﮎﮏﮐ ﮑﮒﮓ ﮊ () فجعل مال ٌك – والل ِه -يبكي ويشه ُق حتى ُغشيِ َ عليه ،فحمل بين القوم مغشيا عليه(). اللهم بلَى ! كان َج ْع َف ُر ب ُن َح ْر ٍب يتقلد ِك َبا َر الأعما ِل للسلطان ،وكانت وظيفته تقارب وظيفة الوزارة ،فاجتاز يوما راك ًبا في موك ٍب له عظي ٍم فسم َع رجلا يقرأ :ﮋﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﮊ ()؛ فصاح :اللهم بلى، ُي َك ِّر ُر َها ،ثم َب َكى وتا َب و َر َّد المظالمَ التي كانت عليه ،وانقطع للعلم والعبادة حتى مات(). ﮋﭛ ﭜﮊ! كان الحس ُن ال َب ْر ِص ُّي رحمه الله يردد في ليلة قوله تعالى :ﮋﭗﭘﭙﭚ ﭛﭜ ﮊ () ،فقيل له في ذلك ،فقال :إن فيها ل ُمعتب ًرا ،ما نرفع َط ْر ًفا ولا نر ُّده إلا َو َق َع على نعمة ،وما لا نعلمه من نعم الله أكثر(). الزلزلة.8 : صفة الصفوة (.)71/3 الحديد.17 : صفة الصفوة (.)39/3 إبراهيم ،34 :والنحل.18 : رهبان الليل /سيد العفاني (.)73/2 73
هكذا عاشوا مع القرآن اتق الله !! خرج هارو ُن الرشي ُد يو ًما من مجلس الإمارة فاعترضه يهود ٌّي وقال له :اتق الله ،فنزل هارون من على دابته وسجد على الأرض ،فقال له أتباعه :إنه يهودي، قال هارون :اتق الله! ﮋﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗ ﮘﮙﮚﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮊ() (). فأين القرآن إ ًذا ؟ وها ه َو الإما ُم أحم ُد -عليه رحم ُة الله -في مجلسه وبين تلاميذه؛ ويأتي سفيه من السفهاء فيس ُبه ويش ُتمه و ُي ْق ِذ ُع ُه بال َّس ِّب والشتم ،فيقو ُل له طلا ُبه وتلامي ُذه :يا أبا عبد الله؛ ُر َّد على هذا السفيه ،قال :لا والله؛ فأي َن القرآ ُن إ ًذا!؟ ﮋﮱ ﯓ ﯔﯕﯖ ﯗ ﯘﯙﯚﯛﯜﯝﮊ ()(). كان بإمكانه أن يرد عليه وما َمنَ َع طلابه الانبراء له برد هو ما اعتادوا عليه من علمهم السابق بمنهج الشيخ في عدم مماراة هذا الصنف من الناس امتثالاً لهذه الآية العظيمة!. البقرة.206 : (( تدبر القرآن – سعيد عبد العظيم – ص.6 الفرقان.63 : هكذا علمتني الحياة – 2علي بن عبد الخالق القرني 74
الفصل الثاني ِق َص ٌص ُم َعا ِصَر ٌة َو َق َع لَأ ْص َحابِ َها َت َدُبٌّر في القرآن الكري ِم َو ِع َظ ٌة بِآَياِته
قصص معاصرة لقد تأثر سل ُفنا الصال ُح بآيات الله ،وكانوا حديثي عهد بنزولها ،وكان القرآن قد نزل لت ِّو ِه غ ًّضا طر ًّيا ،وكان رسول الله × يحيا بالقرآن بين أظ ُه ِر ِهم .ولكن القرآن الكريم الذي أخرج لنا تلك النماذج المشرقة من سلف الأمة العظام؛ لم يفقد قدرته على التأثير على قارئيه في زماننا ،ولم ُي ْع َد ْم ِم ْن أهله َمن يتلوه حق تلاوته؛ ويستخرج منه كنوزه ،ويستلهم منه توجيهه ،ويسير على خطاه وهد ِي ِه. وهذا سر ٌد لمواقف و ِقصص من الواقع الحديث؛ تحدث بها أصحابها في بيان حالهم مع القرآ ِن تدب ًرا وعملا ،وكيف كان أثر ذلك في تحولهم من الضلال إلى الهداية ،ومن اتباع الشهوات والأهواء إلى الاجتهاد في عبادة رب الأرض والسماء، وكيف زالت الأ ِكنَّ ُة التي كانت ُتغ ِّطي عقولهم وقلوبهم فاستشعروا أحوالا وقر ًبا لم يكونوا بالغيها من قب ُل؛ رغم مرورهم على تلك الآيات مرا ًرا وتكرا ًرا ،فتالله لقد أثمر ذلك في قلوبهم حلاو ًة وإيما ًنا لا يجدهما إلا من عاش مع القرآن كما عاشوا، وتدبره كما تدبروا! وسأسرد ِقص ًصا دون ذكر أسماء كاتبيها؛ فالعبرة بال ِقصص لا بأسماء أصحابها، وقد قسمتها إلى قسمين: 77
هكذا عاشوا مع القرآن الأولِ :قصص تحكي تجارب أهل القرآن في تدبر آياته. والثانيِ :قصص تحكي تأملات ومواقف مع آيات القرآن. 78
القسم الأول ِقصص تحكي تجارب أهل القرآن في تدبر آياته ﮋﯼﯽ ﯾ ()ﮊ هذه امرأة لم يرزقها الله ذريةَ ،م َّر ْت على ما استطاعت الوصول إليه من الأدوية الطبية والشعبية بلا فائدة ،وكان زوجها ذات يوم يتحدث مع إمام المسجد فقال له :لمِ َ لا تقر ُأ سورة نوح بحضو ِر قل ٍب ،وتستغف ُر ما استطعت من الاستغفار؟ قالت :فجاء زوجي وأخبرني بذلك ،ثم قال :ما رأ ُي ِك أن ننفذ هذه الوصية؟ فرحب ُت بما قا َل ُه ،وقرأنا سورة نوح بتدبر ،وفيها قوله تعالى :ﮋﯼ ﯽ ﯾﯿ ﰀ ﰁﰂﭑ ﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙ ﭚ ﭛﭜﭝ ﭞﮊ () ،وأكثرنا الاستغفار والدعاء بإلحاح ،وما هي إلا أشه ٌر حتى بدأ ُت أشعر بأعراض الحمل ،وذهب ُت إلى الطبيبة وكانت النتيجة أني حامل. نوح.10 : نوح.12-10 : 79
هكذا عاشوا مع القرآن ﮋﮫﮬﮭ ﮊ() أحد الدعاة في مصر يتحدث عن قصة اعتقاله فيقول :لما دخلنا سجن القلعة وكان تحت الأرض؛ ُأدخلنا إلى زنازي َن انفرادية ،وكانت أصوا ُت المع َّذبين وأ َّناتهُ ُم تتعالى حولنا ليلا ونها ًرا ،وكانت الزنزانة مليئ ًة بالماء قيد شب ٍر ونصف ،وكنا في زمهرير الشتاء ،فلا مجال للنوم من أصوات التعذيب ،ولا من الماء الذي يغمر أرجلنا ،فكانت محنة شديدة ،وما كان يخفف عنا إلا ذكر الله ،وبقي ٌة من إيما ٍن ُأشربناه في أيام الرخاء النسبي التي سبقت اعتقالنا. وفي ليلة من الليالي وقد اشتدت عل َّي المحنة ،وضاقت الزنزانة ضي ًقا على ضي ٍق؛ رأي ُت فيما يرى النائم -وهو حلم يقظة -أ ْن قد دخل عل َّى أحد الصالحين الذين أعرفهم ،فاستبشرت برؤيته خي ًرا ،فس َّل َم وسألني هل تحفظ سورة الأعراف ،قلت: نعم ،قال اقرأ :ﮋﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢ ﮣﮤﮥﮦﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﮊ () ،فلما قرأتهُ ا -كأنما أنزلت لتوها وكأني لم أقرأها من قب ُل -ثبت الله بها قلبي ،وس َّكن فؤادي ،وح َّل ْت عل َّي رحمات كأنما أنام في بيتي الأعراف.128 : الأعراف.129-127 : 80
هكذا عاشوا مع القرآن على فراشي ،فعجب ُت من أثرها ،وصر ُت بعدها أقرؤها على إخواني كلما رأيت من أحدهم ضع ًفا أو استسلا ًما ،والحمد لله الذي أحيانا بعد هذه المحنة وس َّل َمنا. مع الشيخ ابن جبرين موقف مؤثر يحدث به أحد طلبة الشيخ عبدالله بن جبرين فيقول: كنا تحديدا في عام 1420هـ؛ في درس بعد المغرب لفضيلة العلامة الجبرين على كتاب (شرح الزركشي) ،وصادف أن كانت السماء عصر ذلك اليوم تمُ طر مط ًرا شدي ًدا لم تعهده العاصم ُة الرياض ،واستم ّر المطر حتى موعد بدء الدرس، وقد أحسن إمام المسجد حين قرأ في الصلاة قوله تعالى :ﮋﯴﯵ ﯶ ﯷﯸ ﯹ ﯺﯻﯼ ﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃ ﰄﮊ (). وبعد الصلاة جلس الشيخ لدرسه ،وكعادته :ع ّلق قبل أن يبدأ على نزول المطر، وبينَّ أنه رحم ٌة من الله وفض ٌل ،واستشهد بحديث الطائ ِف( :أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر ،فمن قال ُمطرنا بفضل الله ورحمته فهو مؤمن بي كافر بالكوكب)() ،ثم تلا الشي ُخ الآي َة التي قرأها الإمام ،وظل يشرحها كلم ًة كلم ًة وأورد الكثير من القصص والشواهد حتى أ َّذ َن المؤذن للعشاء. فلما بلغ تفسير قوله تعالى :ﮋﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﮊ ()؛ وا َف َق شرَْ َح ُه لها إرعا َد السما ِء رعد ًة ُسمع لها دو ٌّي قو ٌّي داخل المسجد ،فأسهب في النور.43 : صحيح البخاري (ج - 1ص .)351 النور.43 : 81
هكذا عاشوا مع القرآن شرحها ،وفتح الله عليه بفتح عظيم حتى أتى بأقوال السلف وأشعار العرب، وعلته خشية ،وخنقته عبرة ،وهو ما لم يكن من عادته؛ إذ كان غالبا ما يتمالك نفسه وتأثر بعض طلبة الشيخ كثي ًرا ،وكان ذلك كله مع خرير ماء ُيسمع سقوطه من على نوافذ المسجد ،وعشنا يومها أجوا ًء ُر ْو َحانِ َّي ًة رائع ًة ع ِّرفتنا حقا قيمة الماء ،وإبداع صنع الله في السحاب ،بما تعجز عن إيصاله آلاف الأفلام الوثائقية الحديثة ،التي تصف نزول المطر بالصوت والصورة. آيا ٌت مخيف ٌة لمن تأ ّمل! في جو هادئ ولحظات سكون؛ كنت في زاوي ٍة أتلو كتاب ربي ،وأتأ َّمل ما فيه من ِعظات وعبر ،وما فيه من نداءات من الرحمن سبحانه لناُ ،كن ُت أرتل قول الله: ﮋﭮﭯﭰﭱ ﭲ ﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻ ﭼ ﭽﭾﮊ (). فسمع ُت فجأة صو ًتا عال ًيا مخي ًفا ،فارتجف ُت وارتعدت فرائصي :ما الذي يحصل يا ُترى؟ أهي طائرة سقطت؟ ربما انفجار غاز ،أو كهرباء! يا إلهي ما الذي يحصل؟ هل سأموت؟؟ لا لا أستطيع تخيل ذلك. ِكد ُت أفقد عقلي من شدة الخوف ،لكن فجأة سكت الصوت! أخذت بعدها أتأمل للحظات! ،الحمد لله لم يحدث شيء مما توقعت ،ولا زل ُت على قيد الحياة ،لم أعلم إلى الآن ما كان ذلك الصوت ،لكن ك ُّلما أدركته هو ذلك الخوف الذي انتابني الحاقة.15-13 : 82
هكذا عاشوا مع القرآن وكاد يقتلني ،لا إله إلا الله ،هذا صوت مخيف فقط وليس معه اهتزاز للأرض ،ومع هذا فقد ُج َّن جنوني خو ًفا منه ،فيا ويح قلبي؛ ما حالي يوم القيامة؟ ما حالي عندما أسمع النفخ في الصور؟ ما حالي إذا اهتزت الأرض ،وانشقت السماء؟ بل كيف بي إذا ُع ِرض ُت على ربي لا يخفى عليه شيء من أمري؟ عاودت قراءة تلك الآيات ،لا إله إلا الله ،آيا ٌت مخُ يف ٌة ح ًقا لمِن تأ ّملها ،ر ِّب ارحم يوم العرض علي َك ُذ َّل مقا ِمنَا، و َث ِّب ْت على الصراط أقدا َمنَا ،ر ِّب ارحم ضعفنا ،وتو َّل أمرنا ،واجبر كسرنا ،آمين. ﮋﭲﭳ ﭴﭵﭶﮊ تحدث الدكتور عامر رضوي الطبيب المشرف على متابعة الشيخ ابن عثيمين في مرضه؛ عن آخر ساعة في حياة فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين فقال: كان يقرأ القرآن الكريم ،وكان يغيب عن وعيه ثم ُيفيق ،ثم دخل في غيبوبة، وبعدها بساعة انتقل إلى جوار ربه الكريم ،وقد سمعته يتمتم لصعوبة حالته الصحية في لحظات إفاقته ،وعندما سأل ُت أبنا َءه عما يتمتم به الشيخ ذكروا لي بأنه كان يقرأ قوله تعالى :ﮋﭲﭳ ﭴﭵﭶﮊ()(). َت ْجُربَُة ُم َعِلّ َم ِة الأ ْط َفال كن ُت أعمل ُمعلمة لمرحلة الروضة والتمهيدي ،وبدأ ُت بعدها بخم ِس سنوا ٍت أعتني بمعاني القرآن الكريم ،وأتدب ُر قصار السور ،وأرب ُط الآيا ِت بواقعي وواقع تلميذاتي ،واستعمل ُت مفاتي َح التدب ِر العشرة الواردة في كتاب د.خالد بن وقفات في حياة الشيخ ابن عثيمين ،لإحسان العتيبي ص.32 الأنفال.11 : 83
هكذا عاشوا مع القرآن عبدالكريم اللاحم؛ فوجدت الفارق كبي ًرا في نفسي وصغيراتي... كنت أقرأ السورة في المنزل لنفسي وبترتيل وتمهل ،مع الرجوع إلى ما تيسر من كتب التفسير؛ فوجد ُت الأث َر ينعك ُس بلا تكلف عل ِّي وعلى صغاري ،وها هم قد تعايشوا مع الآيات وانفعلوا بمدلولاتها ،وقد لمس ُت التغيير في نفسي وشخصيتي بهدوء أعصابي وراحة بالي في بيتي ومع أولادي وبناتي داخل الحلقة وخارجها ،كما لمست السكينة والهدوء والصبر على الأطفال ،فلم يعد يعتدي بعضهم على بعض كما كانوا ساب ًقا. لقد كانت أعما ُرهم ما بين الرابعة والسادسة ،وكنت أظن أن إدراكهم لمفهوم التدبر وتأ ُّثرهم به أم ٌر صع ٌب وبعي ُد المنال ،ولكني فوجئت بأنهم يستوعبون ويتجاوبون بشكل كبير ج ًدا ،كما تحسن وضع القراءة داخل الحلقة ،وتحسن الانضباط ،وزاد ثبات الحفظ ،وكنت أظن أن القراءة بصوت عا ٍل -كما اعتدنا - تساعد على الحفظ ،فلاحظ ُت العك َس :أن القراءة بترتيل و َت َر ُّس ٍل تجعل الطالبات أكثر تفاعلا مع الحفظ ،فأين كن ُت من هذا الخير منذ زمن بعيد!؟. ولا أنسى أن أوصي َأ َخ َواتي المعلمات أولا بالإخلاص لله ،وأدعوهن إلى الصبر والاحتساب في العمل ،وأذ ِّكرهن أنه لابد من بذل الجهد في ربط الآيات بالواقع، ومراعاة أن الصغار لديه ُم القدرة على استيعاب أشياء لم يكن من الممكن استيعابها فيما سبق ،وكلما َص َد َق القص ُد و َب َذ َل الإنسا ُن كل ما في وسعه جاء الحصا ُد وفي ًرا بإذن الله. 84
هكذا عاشوا مع القرآن َت ْجُربَُة ُم َعِلّ َم ِة الَّت ْجوي ِد بدأت حكايتي مع كتاب الله العزيز باهتمامي الكبير بحفظ أكبر قدر من السور، وكان همي وهدفي أن أختم القرآن بأي طريقة ،فكن ُت أهت ُّم بالك ِّم لا بالكيف، ولم أكن أتعرف على معانيه لأكتشف المعاني والأسرار التي يتضمنها ،ولكن بع َد أ ْن م َّن الله عل َّي بأخذ بعض الدورات ،وقراءة بعض الكتب في فن التدبر؛ َت َغيرَّ َ مقصودي. ومما كان له الأثر الفعال في َت َغيرُّ ِ فهمي؛ كتاب د.خالد بن عبدالكريم اللاحم بعنوان (مفاتح تدبرالقرآن) ،فقد لمست خلال قراءتي له كثي ًرا من الفوائد التي انتفعت بها ،فمنها أن أم َر التدب ِر خلا ُف التفسير الظاهر للآيات ،وهناك معا ٍن عظيمة لا تظهر إلا لمَِ ْن م َّن الله عليه فأبحر في أعماق معاني القرآن. عرف ُت كذلك أن للتدبر مفاتيح ،وشرع ُت في تطبيقها ،ومن ذلك :تكرار الآية وترديدها بتمعن وحضور قلب ،وما قرأ ُت آي ًة بعد ذلك وكررتهُ ا عدة مرات وتدبرتهُ ا؛ إلا كان لها تأثير وتحريك لقلبي وعيني. إن الذي يقرأ القرآن بقل ٍب حاض ٍر يدر ُك جي ًدا قيم َة القرآ ِن وعظمته ،ويتحرك قلبه بلا شك ،وكل ما أريد قوله أنني بعد أن أدركت أهمية التدبر ،وأثره الفعال على القلب وعامة الجوارح؛ صرِْ ُت أقر ُأ الآيات على طالباتي بفه ٍم ،وأعيش مع ما في الآية من معا ٍن ،وأقف حتى ولو مع آية واحدة فأحس بمعانيها ،ويسهل توصيلها للطالبات ،حتى أصبحن يستخرجن الفوائد من الآية بأنفسهن بعد قراءتها عدة مرات. 85
هكذا عاشوا مع القرآن إذا كان المرء لا يفقه شيئا مما يقرأ ،ولا يتأثر به؛ فكيف يع ِّل ُم غيره ويؤثر فيه؟! إن فاقد الشيء لا يعطيه! َت َدَبَّر سور َة َعبَ َس فعر َف الطري َق وخ َّط المنهج! (طارق) شا ٌّب أمريكي من أص ٍل أفريقي ،هداه الله إلى الإسلام فصار داعية إلى الدين الحنيف ،وكن ُت قد سمع ُت من الأستاذ الدكتور جعفر شيخ إدريس (العالمِ ِ السوداني الشهير) أن طارق ًا ُيس ِل ُم على يديه أكثر من ثلاثمائة شخص أسبوع ًّيا! وقد شاء الله أن ألقى طار ًقا هذا في موسم ح ِّج عام 1421هـ ،إذ ق َّدر الله تعالى أن يكون طارق أحد ضيوف الأمير سلطان بن عبد العزيز آل سعود لأداء مناسك الحج ،وكنت مشر ًفا على أولئك الضيوف الأمريكيين في ذاك العام، وصح َبنَا في الح ِّج الدكتور جعفر شيخ إدريس لإلقاء درو ٍس ومحاضرا ٍت عليهم باللغة الإنجليزية. وكان ْت مفاجأ ًة للدكتور جعفر وليِ ؛ أ ْن كا َن طارق مع الضيوف ،فلما رآه الشيخ قال لي :هذا هو الداعي ُة الذي حدثتك عنه ،فأرجو أن تسمع منه مشافهة حتى يكون سندك في الرواية متصلا! ففرحت بهذا فر ًحا عظيماً ،واقترحت على طارق أن يشرح لنا ولكل زملائه الضيوف منهجه في الدعوة ،وكان ذلك مساء الثامن من شهر ذي الحجة عام 1421هـ ،فقال: حينما أسلم ُت شعر ُت بعظمة هذا الدين القويم ،وأثره على نفوس أهله، 86
هكذا عاشوا مع القرآن وخالطني حزن شديد على حرمان الأمريكيين من هذا النعيم المقيم ،فقررت أن أبذل قصارى جهدي لأنقل لهم بعض أنوار الإسلام َل َعليِّ بهذا أنقلهم من الظلمات إلى النور ،ولكنني أدركت أني فرد ،فماذا يجدي جهد فردي أمام طوفان الظلام؟ لكنني لما قرأت سورة عبس ،بهرني قول الله تعالى :ﮋﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤ ﭥﭦ ﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭ ﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵ ﭶﭷﭸﭹ ﭺﭻ ﭼ ﭽ ﮊ() ،فقلت في نفسي: الناس صنفان: * ِصنْ ٌف ُم ْس َت ْغ ٍن عن الدين ،فلا تنفعه الذكرى ،ولن َي َّز َّكى. * و ِصنْ ٌف ُم ْقبِ ٌل يريد أن َي َّز َّكى ،وهذا -بلا ش ٍّك َ -تنْ َف ُع ُه ال ِّذكرى. وهذا ال ِّصن ُف ال ُم ْقبِ ُل -الذي يريد أن َي َّز َّكى -أعدادهم كبيرة ج ًدا ،والجهد اللازم لتبليغهم رسالة الإسلام فوق طاقتي الشخصية ،بل فوق طاقات دعاة المسلمين جمي ًعا ،بل لكثرتهم لو اشتغل كل المسلمين فرادى وجماعات في إبلاغهم بالحق لكان ذلك فوق قدرتهم. فقررت في نفسي أن لا أبذل طاقتي الدعوية إلا مع الذين يرغبون في معرفة الإسلام ،فصرت إذا قابلت أح ًدا َح َّي ْي ُته وصافحته وسألته -وعيناي تتفرسان في وجهه لِ َس رْ ِب أث ِر سؤالي عليه -قائلا :هل ترغب في معرفة شيء عن الإسلام؟ فإن قال( :لا) قل ُت في نفسي :هذا مِمَّ ِن استغنى ،ولا يري ُد أن َي َّز َّكى ،فيا طار ُق لا ُتِ ْضع عبس.11-1 : 87
هكذا عاشوا مع القرآن جهدك معه ،وابحث عن غيره. وإذا قال :نعم أريد أن أعرف؛ وقفت معه ُأ َح ِّد ُث ُه عن أسس الدين الحنيف، وعيناي ما زالتا تتفرسان في وجهه لِ َس رْ ِب أث ِر كلامي عليه ،فإن رأيته غير منسجم مع كلامي سألته: هل تريد أن أزيدك معلومات؟ فإن أبدى تململا أو عدم ارتياح ،أو رغبة في الانصرافَ ،و َّد ْع ُت ُه راج ًيا منه أن يبحث عن الحقيقة أكثر فأكثر ،ثم افترقنا. وإذا كان جوابه إيجا ًبا؛ عرض ُت عليه أن نجل َس إ َّما في حديق ٍة أو مقه ًى أو مطعم؛ فأزيده تفصيل ًا ،ثم أعطيه عنوان المركز الإسلامي ،وأطل ُب منه أن نلتقي مسا ًء هناك ،وأكثرهم يأتي على حسب الموعد و ُي ْس ِلم. قل ُت :ولما استوثق ُت منه عن عدد الذين يسلمون على يده؛ أكد أنهم فعلا يزيدون على الثلاثمائة أسبوع ًّيا ،وأ َّكد أ َّن ذلك بفضل الله وبفضل كلام الله الكريم في سورة عبس!. حينما زار ملك الموت بيتي!! زار ملك الموت بيتي عندما أراد الله جل وعلا قبض روح فلذة كبدي ،رحمه الله رحم ًة واسع ًة ،وأفاض عليه من كرامته ورضوانه ،ورأيت تلك الزيارة في رؤيا قبل تحقق المصيبة بثلاثة أيام ،فكنت لا أعلم من سيأخذ؟ وهنا كان الابتلاء والامتحان!! وبعد ذلك قضى الله أمره في ولدي ،فعلمت عل َم يقي ٍن أن ما أصابه لم يكن ليخطئه ،وأن ما أخطأه لم يكن أب ًدا ليصيبه! اتجهت في هذه المحنة إلى كتاب الله ليسكن فؤادي المقطوع الفارغ من كل شيء 88
هكذا عاشوا مع القرآن إلا من ذكر الله ،فقد كان للمصيبة ألمٌ شدي ٌد كالسيف ُي َق ِّط ُع أوصالي قطع ًة قطع ًة، فوجدت -والحمد لله -العلا َج والراح َة وال َّسكين َة وال ُّطمأنين َة واليقي َن والصب َر والرحم َة والهداية وثمرا ٍت أخرى كثيرة؛ وجدتهُ ا في آيات الله وكتابه المبين. كان لساني لا َيفْترُ ُ من دعاء الله أن يربط على قلبي كما ربط على فؤاد أم موسى، واستحضر ُت في نفسي الآية التي تصف حال أم موسى وهي ترمي بثمرة فؤادها في البحر ،يقول تعالى :ﮋﮚ ﮛﮜﮝﮞﮟﮠ ﮡﮢﮣﮤ ﮥ ﮦﮧﮨﮩ ﮪﮫﮊ(). وقد جاءني ال َغ ْو ُث بحمد الله ،فأحسست بالثبات وال ِّر َبا ِط على قلبي، واستشعر ُت السكينة والهدو َء في قلبي وجوارحيَ ،ف َق َل َص دمعي ،وازداد رسوخ عقيدة الإيمان بالقضاء والقدر عندي ،ومازلت أردد قول رسولنا الكريم صلي الله عليه وسلم :إن العين تدمع ،والقلب يحزن ،ولا نقول إلا ما يرضي ربنا ،وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزنون(). مسل ٌم جدي ٌد ُيعظم شعائر الله حدث الأستاذ الدكتور جعفر شيخ إدريس بعد إحدى زياراته إلى كندا قائلا: رأي ُت في المركز الإسلام ّي بـ(مونتريال) شا ًبا قد أسلم حدي ًثا ،ويصلي جميع الصلوات جماع ًة في المركز الإسلام ّي ،وقد أخبرني إما ُم المسجد أن هذا الشاب منذ القصص.10 : صحيح البخاري .)439/1( - 89
هكذا عاشوا مع القرآن أن دخل في الإسلام وهو لا يترك فر ًضا من الفروض مع الجماعة بهذا المركز صي ًفا ولا شتا ًء ،حتى في شهور الثلوج والبرد الشديد ،وأنه يقطع في سبيل ذلك طري ًقا يستغرق منه كل مرة حوالي نصف ساعة. يقول الدكتور جعفر :فكلم ُت ذلك الشاب لأقنعه بأنه في ذلك يشق على نفسه. فقال لي :يا شي ُخ؛ أ َما قرأ َت قول الله تعالى :ﮋﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮﭯ ﭰ ﮊ () ،والمساجد من شعائر الله ،فأنا أريد أن أعظم شعائر الله تعالى. قال الشيخ :فوالله لقد انقطعت حجتي ،وسكت! َجلْ َس ُة القرآن العامرة في البيت! كانت البداية قبل سبع سنوات تقري ًبا ،حيث قرر رب الأسرة أن نجتمع لنقرأ شي ًئا من القرآن ونتدارسه ،وكانت الجلسات غير منتظمة ،كما أنها غير محددة بوقت معين ،وذلك لظروف عمله وفترة وجوده في البيت فتارة بعد الفجر ،وتارة بعد العصر ،وأخرى بعد المغرب أو العشاء ،وقد نجلس يوم ًيا أو يو ًما بعد يوم ،وقد تمضي أربعة أيام لا نجلس فيها لانشغاله ،لكن اضطراب الأيام والأوقات لم يؤثر على إص َرا ِر ُه أن يستمر. كانت الطريقة تتمثل في قراء ِة صفح ٍة من القرآ ِن ،وبدأنا من سورة الفاتحة ثم البقرة ،نقرأ ثلا َث مرا ٍت أو أرب ًعا تب ًعا لعدد الحضو ِر من الأولاد ،وقد تتقلص إلى الحج.32 : 90
هكذا عاشوا مع القرآن مرتين ،ثم نبدأ في استعراض الألفاظ الغريبة التي يصعب عليهم فهمها ،ثم يبدأ الوالد في شرح الآيات والوقوف على معانيها وتوضيح المراد منها ،وكثي ًرا ما كان يستخد ُم أسلوب الحوار والمناقشة بطرح الاستفهامات أو الأسئلة ،ثم ُي َع ِّق ُب على إجاباتهم إن كانت صحيحة ،أو ُيصحح إن كانت غير ذلك ،ثم نبدأ في استخراج الفوائد والعبر من الآيات ،وقد يتخلل ذلك قصة من القصص أو سبب نزول لآي ٍة ،وقد يكون لها علاقة باليوم الآخر فيستطرد في الحديث عن مشاهد القيامة وأحوال الآخرة والجنة والنار ،وقد يتحدث في مناسبة أخرى عن الحساب والجزاء وعرضالأعمالوتطايرالصحف وهكذا،ثميوظفهذهالمعانيلاستجاشةمشاعر الأولاد ،وتحريك ضمائرهم ،وضرب الأمثلة المتنوعة ،وأثر ذلك على السلوك. وفي كثير من الأحيان يركز على قضايا العبودية والإخلاص ،وصور الشرك ويربط ذلك بواقع الأولاد وأمثل ٍة من حياتهم وتصرفاتهم ،وقد يتحول الدرس في بعض الأحيان إلى خطبة وعظية من خلال الآيات ،ثم يترك المجال لغيره للتعليق، وقد يطرأ استفسار أو لبس فيزيل اللبس والإشكال عنه ،وإذا لم نجد إجابة وافية رجعنا فيما بع ُد إلى كتب أهل العلم ،وربما لبعض أهل العلم أنفسهم في بعض القضايا العلمية الخاصة. لقد لمست أث ًرا طي ًبا من هذه الجلسات ،وخي ًرا كثي ًرا تمثل فيما يأتي: -زاد تعظيم القرآن الكريم وهيبته في نفوس أبنائي. -ازداد وع ُيهم بأهمية القرآن في حياتنا وسلوكنا ،وأنه المرجع الأول لكل شيء نريد أن نقوله أو نعمله. 91
هكذا عاشوا مع القرآن َ -جلس ُة القرآ ِن ُتعلم الانضباط في الوقت والحركة ،وفي كيفية ال ِجلسة ذاتها، وتع ِّل ُم آدا َب قراءة القرآن ،وحم َل المصح ِف بطريقة صحيحة. -تصويب القراءة عمو ًما وتحسين مستواها عند الأولاد. -الوقوف عند النطق أو النواحي الإعرابية يزيد المستوى العلمي عند الأولاد من حيث لا يشعرون. -طرح القضايا الكبيرة العقدية والتشريعية والسلوكية من خلال الآيات؛ يجع ُل همِ َ َم الأولا ِد عالي ًة ،واهتماماتهِ ِ ْم جاد ًة ،و َيظهر هذا من حديثهم في الاجتماعات الأسرية حيث يلتقون بأقرانهم من البنين والبنات. -طرح القضايا الفكرية وربطها بالواقع ُي ْض ِفي مزي ًدا من النضج على الأولاد، والتعرض لبعض القضايا الاقتصادية أو الطبية يعطيهم نظرة واسعة ،وكل ذلك يولد عندهم ِح َّس التحرج من الحرام قليله وكثيره. -صارت القضايا التي يحملها الوالدان واضحة عندهم إلى حد كبير. -التأثير المباشر على سلوك الأولاد: oفي الحرص على إقامة الصلاة ،وأدائها على الوجه الأكمل. oفي الالتزام بقيام الليل وصيام التطوع. oفي التسامح فيما بينهم. oفي تعزيز بعض الأخلاقيات الحسنة ،كتجنب الألفاظ البذيئة أو الترفع عن السباب. oفي ضبط النفس في ذلك. 92
هكذا عاشوا مع القرآن oفي الكرم ،والتصدق والبذل للفقراء والمساكين ،حتى نشأ ما يمكن أن يسمى بصندوق التبرعات. لا شك أن الخير كل الخير في استمرار مثل هذه اللقاءات على مائدة القرآن ،وإن اعترضها بع َض الأحيا ِن شي ٌء من الملل والرتابة لأن النفوس تمَ َ ُّل وتنفر ،إلا أنه ُيعتاض عن ذلك بتجديد الأسلوب ،ومراعاة بعض التغيير في الوقت والمكان والطريقة ،فمن الأمور التي جددنا فيها أنه أصبح كل واحد منهم يشرح الآيات بحسب ما يفهمه، ويدور عليه ال َد ْو ُر مرة على الأقل ،وهذا وإن كان ثقيلا عليهم في البداية؛ إلا أنه أكسبهم الجرأة والمقدرة على التعبير عما يريدون ،والحمد لله رب العالمين. تدارس وتفسير هناك طريقة تعلمتها من معلمتي في التعامل مع القرآن الكريم ومدارسته؛ ُمفا ُدها :ألا نقرأ معاني الآيات من التفسير مباشر ًة عند تلاوتها ،بل نقف على الآية بالتأمل والتفكر حتى نستنتج المعنى أولا ،ثم نعود بعدها إلى التفسير لنرى هل كان فهمنا مواف ًقا له أم لا؟ وقد وجدت ثمرة هذه الطريقة في تدبري للقرآن الكريم ،ووجدت أي ًضا أن المعنى يثبت لد َّي بشكل أكبر بسبب تفكري فيه ،وكنت أراجع التفسير بعدها بشغف لأتأكد من فهمي للآيات ،مع ملاحظة ضرورة هذه المراجعة للتفاسير، وعدم الاعتماد على الاجتهاد الشخصي في الفهم لأن الشيطان يسعى جاهدا أن ُيل ِّبس المعنى على المؤمن. أي ًضا تدارس القرآن الكريم مع صويحباتي في حلقة نلتقي بها عند إحدانا، 93
هكذا عاشوا مع القرآن أو عن طريق الشبكة العنكبوتية ،نحدد آيات كل أسبوع ،فنراجع حفظها ونتدبر معناها ،وتحضرِّ كل واحدة منا فوائد من تلك الآيات من مراج َع مختلفة ثم نتدارسها م ًعا ،كذلك الإطلاع على منتديات أهل التفسير والدراسات القرآنية علمتني الكثير ،ولقد كانت تجربتي في حفظ القرآن الكريم -بفضل من الله -في مدة قصيرة نسبيا ،ومع ذلك لم أستطع أن أثبت حفظي إلا بعد قراءة تفسير الآيات ثم تكرارها ،وهكذا؛ ظهرت لي معا ٍن عديدة في القرآن لم أكن لأدركها لو لم أطالع تفسيره وأتدبر معناه ،كأسرار تشابه الآيات ،وربط السور ببعضها ،وغيرها من علوم القرآن التي لا يدركها من يقرأ القرآن فقط دون حفظ وتدبر. تجربة شخصية عندما أود الاستمتاع والانتفاع بكلام ربي؛ أجلس في ُمصلا َي بعد إحدى الصلوات المكتوبة ،وأختار صلا ًة ليس بعدها شغل لكي يكون ذهني فار ًغا من الشواغل ،ثم أقرأ الآيات بترتيل ،وإذا مررت بآية لا أعرف معناها أنظر إلى هامش مصحفي المفسر ،وإذا عرف ُت معناها وتأثرت بها كررتها حتى تدمع عيني و َي ِر َق قلبي ،ثم أعرضها على حياتي وأسأل نفسي :هل عملت بها يا نفس؟ وإذا أغلق ُت المصحف وجلست إلى زوجي أو أحد أبنائي قرأتها عليهم ،فيشاركونني التأمل فيها ،وهكذا حتى لا أكاد أنساها ،نفعنا الله بالقرآن العظيم آمين. رؤية شاملة للسورة تجربتي مع التدبر كانت من خلال تدريسي لحلقة القرآن الكريم في سكن الطلاب بجامعة الملك سعود ،فقد شرحت من سورة الفاتحة إلى الأنعام مع حزب 94
هكذا عاشوا مع القرآن المفصل ،ثم تخرجت فلم أكمل! كانت لي طريقة تعتمد على تكوين رؤية شاملة عن السورة وما المطلوب مني فيها ،وتحديد ذلك باستخدام الخرائط الذهنية ،ثم تجزيء السورة إلى مقاطع حسب المعنى ،مع مراجعة أمهات الكتب الموثوقة في التفسير. جمعهن التدُبّر! نحن مجموعة من الجارات جمعتنا الأخوة في الله ،وجمعنا السكن في نفس الحي، وقد حضرنا دور ًة في تدبر القرآن الكريم ألقتها إحدى الداعيات في دار التحفيظ التابعة للحي ،وتأثرنا جدا بهذه المحاضرة ،وأدركنا مدى إهمالنا لكتاب الله ،وأهمية تدبره ،ومدى أثره في ترسيخ الإيمان بالله والعبادة ،وعلى السلوك والتعامل مع الناس ،وتعاهدنا على أن نتدبر القرآن الكريم م ًعا. بدأنا نعقد َج ْل َس ًة أسبوعي ًة كل يوم سبت في دار التحفيظ ،من بعد صلاة العصر حتى أذان المغرب ،وكان ترتي ُبنا أن نتدبر ثلا َث صفحا ٍت أسبوع ًيا ،على أن تعود كل واحدة منا إلى كتب التفسير التي وزعناها فيما بيننا ،ثم نقف عند كل آية ونراجع ما قيل في كتب التفسير ونعلق ،ونتفكر في الآية من جميع جوانبها ،مراعين بذلك خطوات التدبر التي تعلمناها من المحاضرة ،وكانت تعتمد على السؤال والعصف الذهني وربط الآيات ببعضها ،والانتباه إلى تذييل الآية ،ومناسبته للآية السابقة واللاحقة ،وعدم الخوض في تفاصيل أغفلها القرآن الكريم لحكمة بالغة، وغيرها من الخطوات... مكانة وأ ُّي مكانة! لا يمر شي ٌء على قلب الإنسان فيغيرِّ ُ فيه ويب ِّد ُل مث َل كلام الله عز وجل ،وكن ُت 95
هكذا عاشوا مع القرآن كلما مرر ُت على الآيات التي يمتدح الله فيها أنبياءه وعباده الصالحين ،وكيف علا شأنهم عنده سبحانه ،كقوله تعالى في نبينا محمد × :ﮋﯫﯬﯭﯮ ﯯ ﯰ ﮊ()؛ ظهر لي إكرامه تعالى لنب ِّيه ×َ ،ف ِل ِع َظ ِم مكانته عنده سبحانه لن يعذب القوم وهو بينهم ،فأقف متأملة لهذه ال ِّرفعة. وأتأ َّمل كذلك قوله تعالى في إبراهيم :ﮋﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﮊ() ،وقوله عنه :ﮋﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﮊ ()؛ فأرى المولى جل وعلا يثني على توحيده لربه. وأتأ َّمل أيضا قوله تعالى لموسى :ﮋﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﮊ ()، بل إنه تعالى يقول عن إسماعيل :ﮋﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﮊ () ،فما أروع ما ينبعث في نفسي بعدها من شعو ٍر يردد بين أصداء قلبي :وهل يتمنى الإنسان شي ًئا أكبر من أن يكون مرضيا عند ربه؟ ويشتد وقع مثل هذا الثناء على قلبي إذا كان قد خ َّص امرأة مثلي ،فلطالما قرأ ُت قوله تعالى عن مريم :ﮋ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮊ() ،فعلا؛ ما أجمل وما أعظم هذا الاختيار! وممن هو؟ من مالك الأنفال.33 : النحل.120 : مريم.41 : طه.13 : مريم.55 : آل :عمران.42 : 96
هكذا عاشوا مع القرآن الملك عز وجل ،فهنيئا لها!. ينبعثفينفسيسؤال واحدعندماأقف متأملةكل هذه المقاماتمنالتشريف: ما هي مكانتي عند ربي؟ وهل هو راض عني؟ فأشحذ همتي في الاقتداء بهم ،والوصول إلى أحوالهم التي جعلت لهم هذه ال ِّر ْف َع َة بفضل الله ومنته ،وإن كنت أعلم أني لن أبلغ مبلغهم ،ولكن لعل الله ينظر إلى قلبي برحمته فيرضى عني ويرفع شأني ،و ُيلحقني بهم في الآخرة. ش َّوقهم تدبُر القرآن إلى علم النحو والبلاغة! ُ ك ِّل ْف ُت بتدريس مادة النحو لبعض طلاب كلية أصول الدين في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ،ووجدت في بداية التعليم نفو ًرا غري ًبا من علم النحو، بل لاحظت ريبة وش ًّكا في نفوس الطلاب تجاه ُمعلمهم ،فيسألون عن رأيي في القول بالمجاز ،وإعراب بعض الحروف الزائدة في القرآن ونحو ذلك ،وقد بل َغ الأم ُر غايته حينما دخل ُت إحدى القاعا ِت فوجد ُت طال ًبا قد كت َب على السبور ِة بي َت الشع ِر المشهو ِر الذي لا ُيعرف قائله: َو َل ْس ُت بِ َن ْح ِو ٍّي َي ُلو ُك لِ َسا َن ُه َو َل ِك ْن َس ِل ْي ِق ٌّي َي ُقو ُل َف ُي ْع ِر ُب فأدركت أنني -هكذا -أ ْن ُف ُخ في ِق ْر َب ٍة مشقوقة ،ففكرت تفكي ًرا عمي ًقا، وأيقن ُت أنه لا سبيل إلى إقناع هؤلاء الطلاب بأهمية علم النحو إلا بربطه بالقرآن الكريم ،فقلت لهم يو ًما :لد َّي سؤال ،من أجاب عليه فله جائزة :لماذا قال 97
هكذا عاشوا مع القرآن الله تعالى :ﮋﰛ ﰜ ﰝ ﰞ ﰟ ﰠ ﰡ ﰢ ﮊ() ﮋﰜ ﮊ وﮋﰠ ﮊ ؟ فلم يعرف أحد منهم الجواب ،فأعطيتهم ُمهلة إلى المحاضرة التالية ،ونقلت السؤال إلى القاعات الأخرى. وفي المحاضرة التي بعدها سألتهم عن قوله تعالى :ﮋﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮊ() ،لماذا َع َّدى الفع َل ﮋﮘ ﮊ بـ ﮋﮙ ﮊ ولم يقل :أو لم يروا الطير؟ ولماذا قال :ﮋﮜ ﮝﮊ؟. وهكذا؛ كنا في بداية كل محاضرة نجيب عن سؤال المحاضرة السابقة ،وفي نهايتها ُألقي عليهم سؤالا جدي ًدا! وقد رأيت ثمرة هذا التدبر عليهم وعل َّي ،أما الطلاب فقد أدركوا حاجتهم إلى علم النحو ،حتى إن بعضهم صار يأتي إلى بيتي ل َيدرس عل َّي علم النحو والصرف، وأما أثره عل َّي فقد اجتهد ُت في التنقي ِب عما أشار إليه العلماء والمفسرون من صور الإعجاز البياني ،فاجتمعت لد َّي حصيلة طيبة منها قدمتها في برنامج إذاعي في إذاعة القرآن الكريم ،ثم نشرتهُ ا في كتاب بعنوان :نظرات لغوية في القرآن الكريم/ صالح بن حسين العايد. غِّير نفسك أولا!! كن ُت أرى سنين ُع ُم ِري تذه ُب هد ًرا دون أ ِّي إدرا ٍك مني ،إذ ُكنت في عزلة الكهف.97 : الملك.19 : 98
هكذا عاشوا مع القرآن أقر ُب للانطوائية ،وكان بعض من حولي يحُ اولون إخراجي من الجو الذي ُكنت فيه ،واستم َّر الحال حتى أصبح عمري 19سنة ،وشي ًئا فشي ًئا بدأ ُت أشعر أنني فعلا بعيدة عن الواقع وعن الحياة ،فحاول ُت أن أغير نفسي فلم أستطع. اسو َّدت الدنيا بعدها في عين َّي ،وأحسس ُت أنني انتهي ُت َو ِض ْع ُت للأبد، وكره ُت نفسي واستسلم ُت في خنوع لواقعي ،بل إنني أقنع ُت نفسي أن الناس من حولي لن يعودوا إلى تق ُّبلي مرة أخرى ،فأنا في نظرهم المنعزلة والوحيدة ،وفي يوم قرأت قوله تعالى :ﮋﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﮊ()؛ فعرف ُت أن التغيير لاب َّد أن يبدأ من نفسي ،ففرح ُت ج ًّدا وقرر ُت أن ُأغيرِّ نظرتي للحياة ولنفسي أولا ،وبعدها ستتغيرَّ نظرة الناس لي بالتأكيد ،وبالفعل أصبح ُت أفض َل ولله الحمد ،صحي ٌح أنني لازل ُت في بداية الطريق ،لك َّن التغيرُّ َ كان ظاه ًرا ج ًدا عل َّي، والحمد لله. ثلاث آيات لأصحاب الفتاوى الشاذة كن ُت في ضيق وغ ٍّم وأنا أقرأ وأسمع بين آ ٍن وآخ َر فتاوى شاذة؛ تحُ ِ ُّل حرا ًما مما استقر على حرمته الواقع في بلاد المسلمين ،فتتلق ُفها وتبتدرها وسائل الإعلام ال ُمغ ِر َض ُة فتنشرها ،وتفرح بأصحابها ف ُتمجدهم وتنافح عنهم ،وتمسي صورهم وكلماتهم ِم ْل َء الشاشا ِت والصحف ،وكنت إذا حزبني أمر أو غمني سو ٌء ِم ْل ُت إلى واح ِة القرآن الكريم أستظِل بأفيائها وأتنسم عبيرها ،وذات يوم كنت أقرأ سورة الإسراء ،فتس ّم َر ْت عينا َي على آيا ٍت ثلا ٍث عجز ُت أن أجاوزهن :ﮋﯟﯠ الرعد.11 : 99
هكذا عاشوا مع القرآن ﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩ ﯪﯫﯬﯭ ﯮﯯﯰﯱﯲ ﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃﮊ() ،وصرِْ ُت أعيد قراءتهن وأتفكر في معانيهن ،وأقول في نفسي: هل قرأهن فلان الذي أفتى بجواز الربا؟ وهل قرأهن فلان الذي أفتى بجواز الاختلاط؟ سبحان الله! لقد اتخذ الإعلا ُم السي ُئ ك َّل واح ٍد من هؤلاء خليلا!! نسألالله الثباتعلى الحقحتى الممات؛فرسولالله× المؤيدبالوحي والعصم ِة كادوا يفتنونه عما أوحى الله إليه ليفتري على الله غيره ،وسيتخذونه حينئذ خليلا، ولولا أن ثبته الله لقد كاد يركن إليهم شي ًئا قليلا! لكن ذاك الإنسان الضعيف غير المؤ َّي َد لا بوح ٍي ولا ِعصم ٍة؛ افترى على الله -عند أول إغراء -ما ليس في شرعه؛ فاتخذوه خليلا فركن إليهم كثيرا وليس شيئا قليلا! لكن هل تدبر هذا الضعي ُف الذي أفتى بغير شرع الله العاقبة التي يخشى عليه منها؟ ليقرأ عقا َب خي ِر البش ِر أولهم وآخرهم رسول الله × لو ركن إليهم شي ًئا قليلا ﮋﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﮊ، َوا َح َّر قلباه :ﮋﯺ ﯻﯼﯽﮊ ،ثم لا يجد له على الله نصيرا ،كل الإسراء.75-73 : 100
Search
Read the Text Version
- 1
- 2
- 3
- 4
- 5
- 6
- 7
- 8
- 9
- 10
- 11
- 12
- 13
- 14
- 15
- 16
- 17
- 18
- 19
- 20
- 21
- 22
- 23
- 24
- 25
- 26
- 27
- 28
- 29
- 30
- 31
- 32
- 33
- 34
- 35
- 36
- 37
- 38
- 39
- 40
- 41
- 42
- 43
- 44
- 45
- 46
- 47
- 48
- 49
- 50
- 51
- 52
- 53
- 54
- 55
- 56
- 57
- 58
- 59
- 60
- 61
- 62
- 63
- 64
- 65
- 66
- 67
- 68
- 69
- 70
- 71
- 72
- 73
- 74
- 75
- 76
- 77
- 78
- 79
- 80
- 81
- 82
- 83
- 84
- 85
- 86
- 87
- 88
- 89
- 90
- 91
- 92
- 93
- 94
- 95
- 96
- 97
- 98
- 99
- 100
- 101
- 102
- 103
- 104
- 105
- 106
- 107
- 108
- 109
- 110
- 111
- 112
- 113
- 114
- 115
- 116
- 117
- 118
- 119
- 120
- 121
- 122
- 123
- 124
- 125
- 126
- 127
- 128
- 129
- 130
- 131
- 132
- 133
- 134
- 135
- 136
- 137
- 138
- 139
- 140
- 141
- 142
- 143
- 144
- 145
- 146
- 147
- 148
- 149
- 150
- 151
- 152
- 153
- 154
- 155
- 156
- 157
- 158
- 159
- 160
- 161
- 162
- 163
- 164
- 165
- 166
- 167
- 168