الحديث العشرون بعد الأربعمائة عن أَبي هريرة رضي الله عنه َقالََ :س ِم ْع ُت َر ُسول الله صلى الله عليه وسلم يقولَ (( :ج َعلَ الله ال َّر ْح َم َة ِما َئ َة ُج ْزءَ ،فأ ْم َس َك ِع ْن َدهُ تِ ْس َع ًة َوتِ ْس ِعي َن، َوأ ْن َزلَ في الأ ْر ِض ُج ْز ًءا َوا ِح ًداَ ،ف ِم ْن ذلِ َك ال ُجز ِء َي َت َرا َح ُم ال َخلئِ ُقَ ،ح َّتى َت ْر َف َع ال َّدا ّب ُة َحافِر َها َع ْن َولَ ِد َها َخ ْش َي َة أ ْن ُت ِصي َب ُه)) وفي رواية(( :إ ّن لِلِ ما َئ َة َرح َمة ،أ ْن َزلَ ِم ْن َها َر ْح َم ًة َوا ِح َد ًة َب ْي َن الجن َوالإنس َوالبهائِ ِم َوال َهوا ّم ،فبها َي َتعا َطفُو َن ،وبِ َها َي َت َرا َح ُمو َن ،وبِ َها َت ْع ِط ُف ال َو ْح ُش َعلَى َولَ ِد َهاَ ،وأ َّخ َر اللهُ ِت ْس ًعا َوتِ ْسعي َن َر ْح َم ًة ي ْر َح ُم بِ َها ِع َبا َدهُ َي ْو َم القِ َيا َمة)) ُم َّت َفق َعلَي ِه ورواه مسلم أي ًضا ِم ْن رواية َس ْل َما َن الفا ِرسي رضي الله عنه َقالََ :قالَ َر ُسول الله صلى الله عليه وسلم(( :إ َّن لِلِ َت َعالَى ِما َئة َر ْح َمة َف ِم ْن َها َر ْح َمة َي َت َراح ُم بِ َها ال َخ ْل ُق َب ْي َن ُه ْمَ ،و ِت ْسع َوتِس ُعو َن لِ َيو ِم القِ َيا َم ِة)) وفي رواية(( :إ َّن الله َخ َل َق َي ْو َم َخلَ َق ال َّس َماوا ِت َوالأَ ْر َض ِما َئ َة َر ْح َمة ُكل َر ْح َمة ِط َبا ُق َما َب ْي َن ال َّسما ِء إِ َلى الأ ْر ِضَ ،ف َج َعلَ ِم ْن َها في الأر ِض َر ْح َم ًة َفبِ َها َت ْعط ُف ال َوالِ َدةُ َع َلى َو َل ِد َهاَ ،وال َو ْح ُش َوال َّط ْي ُر َب ْع ُض َها َعلَى َب ْعض، َفإذا َكا َن َي ْو ُم القِ َيا َم ِة أكملَ َها بِه ِذ ِه ال َّرح َم ِة)) شرح الحديث رحم ُة اللهِ تعالى َو ِسع ْت كلَّ شيء ،و َرحم ُته في الآ ِخر ِة أَضعا ُف ما َجعلَه في الدنيا و َتكو ُن لِعبا ِده المؤ ِمني َن.
جعل الله الرحمة مائة جزء ،فأمسك عنده تسعة وتسعين ،وأنزل في الأرض جز ًءا واح ًدا ،فمن ذلك الجزء يتراحم الخلئق ،و َهذه ال َّرح َم ُة الَّتي َج َعلَها اللهُ في َخل ِقه و ِعبا ِده َمخلو َقة ،أَ َّما ال َّرح َم ُة ا َلّتي ِهي ِص َفة ِمن ِصفا ِت ال َّرب ُسبحا َنه القائم ِة بِذا ِته سبحا َنه ،وهي َتلي ُق ب َجللِه و َعظ َمتِه ليست ب َمخلو َقة فهنا :أمسك عنده تسعة وتسعين ،وأنزل في الأرض جز ًءا واح ًدا ،فمن ذلك الجزء يتراحم الخلئق ،انظر هؤلاء الخلئق من الآدميين ،وأنواع الحيوانات ،والطيور ،والهوام ،كل ذلك إنما يشترك برحمة واحدة قد ُوزعت عليهم ،وبينهم أيضا من التفاوت في هذه الرحمة كما بين السماء والأرض ،فهذه الرحمة يتفاوت فيها الناس ،وقسمها الله تعالى بين العباد فالنبي ﷺ يقول\" :فمن ذلك الجزء يتراحم الخلئق ،حتى ترفع الدابة حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه\" ،الدواب ذوات الحوافر مثل: الفرس ،والحمار ،والبغل ،فترفع حافرها ،ترفع رجلها عن صغيرها خشية أن تصيبه. ُكل َذلك ِمن َرحمة واحدة أَنز َلها اللهُ في الدنيا ،فإذا كا َن َيو ُم القيا َم ِة أَك َم َلها اللهُ سبحا َنه ِمئ َة َرحمة ب َه ِذه ال َّرحم ِة ،وفيه إشارة إلى أ َّن ال َّرح َم َة ا َّلتي في الدنيا َب ْي َن ال َخ ْل ِق َتكو ُن فيهم َيو َم ال ِقيام ِة َيترا َحمو َن بِها أي ًضا وفي الحديث :الحث على الإيمان ،واتساع الرجاء في َر َح َمات الله تعالى المدخرة.
المقدمة باب الرجاء الحديث الحادي والعشرون بعد الأربعمائة عن أبي هريرة رضي الله عنه عن ال َّنب ّي صلى الله عليه وسلم فيما يح ِكي عن رب ِه تبارك وتعالىَ ،قالَ ( :أَ ْذ َن َب َع ْبد َذ ْن ًباَ ،ف َقالَ :اللَّ ُه َّم ا ْغ ِف ْر لِي َذ ْنبِيَ ،ف َقالَ الله َت َبار َك َو َت َعالَى :أَذ َن َب عب ِدي َذن ًباَ ،ف َعلِ َم أَ َّن َل ُه َر ًّبا َي ْغفِ ُر ال َّذ ْن َبَ ،و َيأْ ُخ ُذ بال َّذ ْن ِبُ ،ث َّم َعا َد َفأَ ْذ َن َبَ ،ف َقالَ :أَ ْي َرب ا ْغفِ ْر لِي َذ ْنبيَ ،ف َقالَ تبارك وتعالى :أذ َن َب عب ِدي َذن ًباَ ،ف َعلِ َم أ َّن َل ُه َر ًّباَ ،ي ْغفِ ُر ال َّذ ْن َبَ ،و َيأْ ُخ ُذ بال َّذ ْن ِبُ ،ث َّم َعا َد َفأ ْذ َن َبَ ،ف َقالَ :أ ْي َرب ا ْغ ِف ْر لِي َذ ْنبيَ ،ف َقالَ تبارك وتعالى :أذ َن َب عب ِدي َذن ًباَ ،ف َعلِ َم أ َّن لَ ُه َر ًّباَ ،ي ْغفِ ُر ال َّذ ْن َبَ ،و َيأْ ُخ ُذ بال َّذ ْن ِب َق ْد َغ َف ْر ُت لِ َع ْب ِدي َف ْل َي ْف َعلْ َما َشاء )َ ُم َّت َفق َعلَي ِه شرح الحديث اللهُ سبحا َنه وتعالى َرحيم ب ِعبا ِده ،وهو أرح ُم ال َّراحمي َن ،و ِمن رحمتِه ب َع ْب ِده أن َيقبلَ توب َته ُك َلّما عا َد إليه تائ ًبا ،ولو تك َّرر منه ال َّذن ُب وفي هذا الحدي ِث يقولُ ال َّنبِي صلَّى الله عليه وس َّلم :إ َّن َعب ًدا ِمن هذه الأ َّمة أو ِمن َغي ِرهم أ ْذ َن َب ذن ًبا ،فقالَ :اللهم أغفر لي ذنبي َف َقالَ الله َت َبار َك َو َت َعالَى\" :أَذ َن َب عب ِدي َذن ًباَ ،ف َعلِ َم أَ َّن َل ُه َر ًّبا َي ْغفِ ُر ال َّذ ْن َب، َو َيأْ ُخ ُذ بال َّذ ْن ِب\"
وهكذا تك َّرر ذن ُب العب ِد ثل َث َم ّرات ،وفي كل م َّرة يعو ُد إلى الل ِه تعالى ويطل ُب منه المغفر َة « قد غفر ُت لِعبدي » ،أي :غفر ُت له؛ لأ َّنه َيعل ُم أ َّن له ر ًّبا يغف ُر ال َّذن َب وقا ِدر على أ ْن ُيعاقِ َب به « َفليفعل ما شا َء» :يعني يعملُ ما شا َء َما َدا َم كلَّما أ ْذن َب تا َب ِمن ذنبِه واستغف َر ،لا أ َّنه ُيذنِ ُب ال َّذن َب ُث َّم يعو ُد إليه. قال القرطبي :يدل هذا الحديث على عظيم فائدة الاستغفار ،و على عظيم فضل الله و سعة رحمته و حلمه و كرمه ؛ لكن هذا الاستغفار هو الذي ثبت معناه في القلب مقارناً للسان ؛ لينحل به عقد الإصرار ،و يحصل معه الندم فهو ترجمة للتوبة و معناه :الذي يتكرر منه الذنب و التوبة فكلما وقع في الذنب عاد إلى التوبة ،لا من قال أستغفر الله بلسانه و قلبه مصر على تلك المعصية ، فهذا الذي استغفاره يحتاج إلى الاستغفار وقال النووي في الحديث :إن الذنوب و لو تكررت مائة مرة ،أو ألف مرة أو أكثر ،و تاب في كل مرة قبلت توبته ،أو تاب عن الجميع توبة واحدة صحت توبته ،و قوله ( :اعمل ما شئت ) :معناه ما دمت تذنب فتتوب ،غفرت لك
الحديث الثاني والعشرون بعد الأربعمائة عن أبي هريرة رضي الله عنه َقالََ :قالَ َر ُسول الله صلى الله عليه وسلم: ( والَّ ِذي َن ْف ِسي ِب َي ِد ِه ،لَ ْو َل ْم ُت ْذ ِن ُبوا ،لَ َذ َه َب الله بِ ُك ْمَ ،ول َجا َء ِب َقوم ُي ْذ ِن ُبو َن، َف َي ْس َت ْغ ِف ُرو َن الله َت َعالَىَ ،ف َي ْغفِ ُر َل ُه ْم ) رواه مسلم شرح الحديث الله سبحانه وتعالى قضى في سابق علمه أنه لابد من وقوع الذنوب حتى تظهر آثار مغفرته ورحمته سبحانه واسمه التواب الغفور والعفو؛ لأنه جل وعل لو لم يكن هناك ذنوب لم يكن لمعنى العفو والغفور والتواب معنى ،فهو سبحانه وتعالى سبق بقضائه وعلمه أن الجن والإنس يذنبون فيتوب الله على من تاب ويغفر الله لمن شاء ويعفو عمن شاء سبحانه وتعالى. وليس معناها الترخيص في الذنوب لا ،الله نهى عنها وحرمها ،لكن سبق في علمه أنها توجد وأنه سبحانه يعفو عمن يشاء ويغفر لمن يشاء إذا تاب إليه ،فهذا فيه دلالة على أن هذا لابد منه فل يقنط المؤمن ولا ييئس ،ويعلم أن الله كتب ذلك عليه ،فليتب إلى الله ولا ييئس ولا يقنط وليبادر بالتوبة والله يتوب على التائبين.
وفي هذا الحدي ِث ُيق ِس ُم ال َّنبي صلَّى اللهُ عليه وس ّلَم با َّلذي َنف ُسه بِي ِده، َلو لم ُتذ ِنبوا ،أَيها ال ُمؤمنو َن لَذ َه َب اللهُ بِك ْم ،و َل َجا َء بِقوم ِمن ِج ْن ِسكم أَ ْو ِمن َغي ِركمُ ،يذ ِنبو َن ،ف َيس َتغفِرون الل َه ف َيغفِ ُر لَهم. لأ َّن ال ِعبا َد لَو لم ُيذنِبوا لَ ِخي َف َعلي ِهم ما ُه َو أَكب ُر ِمن َذلك ،أَلا َو ُه َو ال ُع ْج ُب .ولَ َجا َء بِ َقوم ُيذنِبو َن؛ و َذل َك لأ َّن اللهَ َع َّز وجلَّ ُي ِحب ِمن َعب ِده َمقا َم ال ُعبود َّي ِة الَّذي ُهو ُمن َتهى الذل َمع ُمن َتهى ال ُحب. و َلي َس في الحدي ِث ُمواساة لل ُمن َه ِمكي َن في الذنو ِب ،وإ َّنما فيه َبيا ُن َعف ِو اللهِ َتعالى و َتجاو ِزه ع ِن الُمذنِبي َن ال َّتائبي َن ،لِي ْر َغبوا في ال َّتوب ِة إِلى اللهِ َف َي ُتوبوا ،و ُي َبي ُن ال َّنبي صلَّى اللهُ عليه وس ّلَم أ َّن اللهَ ُسبحا َنه َكما ُيجازي ال ُمحسني َن بإ ْحسانِهم ،فإِ َّنه َيعفو و َيص َف ُح ع ِن الُمذنِبي َن. وفي الحديث َ :بيا ُن َرح َم ِة اللهِ ب ِعبا ِده و َمغ ِفرتِه ل ُذنوبِهم، و َتجاو ُزه سبحا َنه ع ِن ال ُمسي ِء.
الحديث الثالث والعشرون بعد الأربعمائة عن أَبي أيوب خالد بن زيد رضي الله عنه َقالََ :س ِم ْع ُت َر ُسول الله صلى الله عليه وسلم ،يقول ( :لَ ْولا أ َّن ُك ْم ُت ْذنِ ُبو َنَ ،ل َخلَ َق الله َخ ْل ًقا ُي ْذنِ ُبو َن، َف َي ْس َت ْغفِرو َنَ ،ف َي ْغ ِف ُر لَ ُه ْم ) رواه مسلم شرح الحديث َيتو ُب اللهُ على َمن تا َب و َيغف ُر ال َّذن َب ،واس ُع ال َّرحم ِة ُسبحا َنه وتعالى، وفي هذا الحدي ِث َيقولُ النبي عليه ال َّصلةُ وال َّسل ُم: \" لَولا أ َّنكم ُتذنِبون\" ،أي :لَ ِخ ْف ُت َعلي ُكم ما ُهو أَكب ُر ِمن ذل َك ،أَلا َو ُه َو ال ُع ْج ُب. \" َل َخ َل َق اللهُ خل ًقا ُيذنِبو َن ،فيستغفرون ،ف َيغفِ ُر لهم\" و َذل َك لأ َّن اللهَ ع َّز وجلَّ ُي ِحب ِمن َعب ِده َمقا َم ال ُعبود َّي ِة الَّذي ُهو ُمن َتهى الذل َمع ُمن َتهى ال ُحب. َولي َس في ال َحدي ِث ُمواساة لِل ُم ْن َهمكي َن في الذنو ِب ،وإ َّنما فيه َبيا ُن َعف ِو الل ِه َتعالى و َتجاو ِزه ع ِن ال ُمذنبي َن ال َّتائبي َن؛ ل َير َغبوا فِي ال َّتوب ِة إلى اللهِ ف َي ُتوبوا ،ول ُي َبي َن ال َّنبي ص ّلَى اللهُ عليه وسلَّم أ َّن اللهَ ُسبحا َنه َكما ُيجازي الُمحسني َن بِإحسانِهم فإ َّنه َيعفو و َيص َف ُح ع ِن ال ُمذنِبي َن ،قال ابن مالك: ليس هذا تحري ًضا للناس على الذنوب ،بل كان صدوره لتسلية الصحابة،
وإزالة شدة الخوف عن صدورهم ،لأن الخوف كان غال ًبا عليهم حتى ف ّر بعضهم إلى رؤوس الجبال للعبادة ،وبعضهم اعتزل النساء. فهو من أحاديث الرجاء ،وليس معنى ذلك :التشجيع ،تشجيع الناس من أجل أن يقدموا على معصية الله ،ويجترئوا عليها ،فإنه توجد نصوص أخرى زاجرة ،وهي مخوفة ،وفيها الوعيد الشديد ،ويوجد من الآيات ما فيه الكفاية في هذا المعنى. ولكن هذه الأحاديث حينما ُيخا َطب بها من يظن أنه يستطيع أن يصل إلى مرتبة الكمال التي لا يخطئ معها ،فإن هذا أمر متعذر ،نقول له :هذا لا يمكن ،لابد من وجود تقصير ،لابد من وجود إساءة ،لاب ّد من وجود ذنب ،لا يستطيع الإنسان أن يشكر نعمة واحدة من نعم الله عليه، والناس يخطئون ،وكل ابن آدم خطاء ،فالعصمة ليست لأحد فهذه النصوص تدل على أنه لاب ّد أن يقع ذلك؛ لتظهر معاني أسماء الله الحسنى ،لكن ليس معنى هذا أن يتعمد الإنسان الإساءة ،ويتعمد الخطأ، فهذا عدوان ،والواجب على الإنسان أن يلزم حدود الله -تبارك وتعالى، وإلا فما معنى التقوى وهي أن يجعل الإنسان بينه وبين عذاب الله وقاية. وفي الحدي ِث :تنبيه على رجاء مغفرة الله تعالى ،وتحقق أ ّن ما سبق في علمه تعالى كائن ،لأنه سبق في علمه أنه يغفر للعاصي ،فلو قدر عدم وجود عاص لخلق الله من يعصيه فيغفر له
الحديث الرابع والعشرون بعد الأربعمائة عن أَبي هريرة رضي الله عنه َقالَ: ُك َّنا قُ ُعو ًدا َم َع َر ُسول الله صلى الله عليه وسلمَ ،م َع َنا أَ ُبو َب ْكر َو ُع ْم ُر رضي الله عنهما ،في َن َفر َف َقا َم َر ُسول الله صلى الله عليه وسلم ِم ْن َب ْي ِن أ ْظ ُه ِر َناَ ،فأ ْب َطأَ َعلَ ْي َنا َف َخ ِشي َنا أ ْن ُيقت َط َع ُدو َن َناَ ،ف َف ِز ْع َنا َفقُ ْم َنا َف ُك ْن ُت أ َّولَ َم ْن َف ِز َع َف َخ َر ْج ُت أ ْب َت ِغي رسولَ الله صلى الله عليه وسلمَ ،ح َّتى أ َت ْي ُت َحائِ ًطا للأ ْن َصا ِر... َو َذ َك َر ال َح ِدي َث بِ ُطولِ ِه إِلَى قولهَ :ف َقالَ َر ُسول الله صلى الله عليه وسلم( : اذ َه ْب َف َمن لَقِي َت َو َرا َء َه َذا ال َحائِ ِط َي ْش َه ُد أ ْن لا إله إلا اللهُ ،م ْس َتي ِق ًنا ِب َها َقل ُب ُه َف َبش ْرهُ بِال َج َّن ِة ) رواه مسلم شرح الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: \"كنا قعو ًدا مع رسول الله ﷺ ،معنا :أبو بكر وعمر -رضي الله عنهما -في نفر\" والنفر :من الثلثة إلى التسعة \"فقام رسول الله ﷺ من بين أظهرنا ،فأبطأ علينا ،فخشينا أن ُيقتطع دوننا\" يقتطع أي :يؤخذ ،قال\" :ففزعنا ،فقمنا\" ،فزعنا هذه تأتي لثلثة معان :فزع للشيء بمعنى :هب له ،وتأتي بمعنى :الخوف ،وتأتي بمعنى :القيام للإغاثة والنجدة
\"ففزعنا فقمنا ،فكنت أول من فزع ،فخرجت أبتغي رسول الله ﷺ\" يعني :أطلبه ،وأبحث عنه \"حتى أتيت حائ ًطا للأنصار\" يعني :مزرعة للأنصار ،يقال له :حائط؛ لأنه يبنى عليه جدار ،لكن من غير سقف ،فيقال له :حائط \"وذكر الحديث بطوله ..إلى قوله\" يعني :أنه اختصره ،وهذا يدل على أنه يجوز اختصار الحديث ،والرواية ،ما لم يكن ذلك مخل \"فقال رسول الله ﷺ \" :اذهب فمن لقي َت وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله ،مستقي ًنا بها قلبه ،فبشره بالجنة \" هذا الحديث هو من أحاديث الرجاء ،وليس في ظاهره ما يدل على أنه لا يدخل النار ،فقوله :فبشره بالجنة يعني :ولو عذب ،ولو دخل النار ،فإن مآله إلى الجنة ،وهذا أمر مقطوع به ،وهو أن أهل الإيمان لا يخلدون في النار. وفي الحدي ِث :البشارة بدخول الجنة للموحدين ،إما ابتداء مع الفائزين ،أو بعد دخول النار لمن يغفر له من العاصين.
الحديث الخامس والعشرون بعد الأربعمائة عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما :أ َّن ال َّنب ّي صلى الله عليه وسلم َتل َقولَ الله عز وجل في إبراهيم -عليه السلمَ { :رب إِ َّنهُ َّن أَ ْضلَ ْل َن َكثِي ًرا ِم َن ال َّنا ِس َف َم ْن َتبِ َعنِي َفإِ َّن ُه ِمني } [إبراهيم :الآية ]36 و َقالَ ِعي َسى -عليه السلم { :إِ ْن ُت َعذ ْب ُه ْم َفإِ َّن ُه ْم ِع َبا ُد َك َوإِ ْن َت ْغفِ ْر َل ُه ْم َفإِ َّن َك أَ ْن َت ا ْل َع ِزي ُز ا ْل َح ِكي ُم } [المائدة]118 : َف َر َف َع َي َدي ِه َوقالَ ( :اللَّ ُه َّم أُ ّمتي أُ ّمتي ) و َب َكىَ ،ف َقالَ الله -عز وجلَ (:يا ِج ْبريلُ ،ا ْذ َه ْب إِ َلى ُم َح َّمدَ -و َرب َك أ ْعلَ ُمَ -ف َس ْل ُه َما ُي ْب ِكي ِه؟) َفأ َتاهُ جبريلُ فسألهَ ،فأ ْخ َب َرهُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلمِ ،ب َما َقالَ- َو ُه َو أ ْع َل ُمَ -ف َقالَ اللهُ َت َعالَىَ ( :يا ِجبريلُ ،ا ْذ َه ْب إِ َلى ُم َح ّمدَ ،فقُلْ :إ َّنا َس ُن ْر ِضي َك في أُ ّمتِ َك َولا َن ُسوء َك) رواه مسلم شرح الحديث كان النبي ص َّلى الله عليه وسلَّم َرؤو ًفا َرحي ًما ،كا َن كثي ًرا ما يدعو للأ َّمة أ َّلا ُتهلَك كما ه َلك ِت الأم ُم السابق ُة وهذا الحدي ُث ُيبين تضر َع النبي ص َلّى الله عليه وسلَّم إلى الل ِه ع َّز وجلَّ، واجتها َده في الدعا ِء لأ َّم ِته ،وفيه ُيخب ُر عب ُد الل ِه ب ُن عم ِرو ب ِن العاص ر ِضي الله عنهما :أ َّن النب َّي ص َّلى الله عليه وس ّلَم تل قولَ الله ع َّز وجلَّ في إبراهيم،
أي :إ َّن إبراهيم عليه ال َّسل ُم قد دعا ر َّبه َدعو ًة في حق أُ َّم ِته: { َرب إِ َّنهُ َّن أَ ْضلَ ْل َن َك ِثي ًرا ِم َن ال َّنا ِس َف َم ْن َتبِ َع ِني َفإِ َّن ُه ِمني َو َم ْن َع َصانِي َفإِ َّن َك َغفُور َر ِحيم} [إبراهيم]36 : أي :إ َّن الأصنا َم التي كان يعب ُدها النا ُس أض َّلت كثي ًرا منهم ع ِن الحق فأش َركوها في عباد ِة الل ِه ،ف َم ْن َتبِ َعني من النا ِس و َت َر َك الشر َك و ِعباد َة الأصنا ِم فهو ِمن أ ْتباعي وم َن المؤمني َن ،فيستحق المغفر َة وال َّرحم َة ،أما من عصى وظلَّ على عباد ِة الأصنا ِم فأم ُرهُ إلى اللهِ إن شا َء هداهُ وإن شا َء أ ْعماهُ ع ِن الهدى ،واللهُ هو الغفو ُر الرحي ُم يغف ُر لمن يشا ُء ويرح ُم من يشاء ثم ت َل النبي ص َّلى الله عليه وس َلّم قولَ عيسى عليه السل ُم ،أي :دعوة عيسى عليه السلم في حق أمته{ :إِ ْن ُت َعذ ْب ُه ْم َفإِ َّن ُه ْم ِع َبا ُد َك َوإِ ْن َت ْغ ِف ْر لَ ُه ْم َفإِ َّن َك أَ ْن َت ا ْل َع ِزي ُز ا ْل َح ِكي ُم} [المائدة]118 : أي :يا رب الأم ُر أم ُرك فيما ترى في النا ِس ،فإ ْن تعذ ْبهم فإنهم عبا ُدك ولا را َّد لعذاب َك ،وإ ْن تغف ْر لهم فأن َت القوي ذو الحكم ِة والتدبي ِر فيما تف َعلُ ولك َّن النب َّي صلَّى الله عليه وس َّلم بعد أ ْن تل ذلك أش َف َق على أ َّمتِ ِه بأكملِها \"فر َف َع يد ْي ِه وقال :الل ُه َّم أُ َّمتي أُ َّمتي ،وبكى\" أيَ :يطلُب رحم َة ربه و ِر ْف َقه بها ،وي ُدل ذلك على ش َّد ِة رحمتِ ِه بأ َّم ِته، وأنه يطلُ ُب لها الرحم َة العا َّم َة والمغفر َة والخي َر المتوالي واللهُ سبحا َنه مع ِعلم ِه بما ُتخفي الصدو َر وما ُت ِكنه الأفئدةُ أرسلَ ِجبريلَ عليه ال َّسل ُم ليسألَ النب َّي صلَّى الله عليه وس َّلم عن سب ِب بكائه وهو أعل ُم
به سبحانه وتعالى\" ،فأتاه جبريلُ عليه الصلةُ والسل ُم فسأَ َله ،فأخبره رسولُ الله ص َلّى الله عليه وس َلّم بما قالَ -وهو أعل ُم - فقالَ اللهُ :يا جبريلُ ،اذه ْب إلى محمد فقلْ :إنا س ُنرضي َك في أ َّمتِك ولا َنسو ُءك\" ،أي :س ُنرضي َك بإعطائ َك ما طلب َت ُه لأ َّم ِت َك من الل ِه ،ولا ُنصيب َك فيها بما يلح ُق ب َك ال ُحز ُن والأذى كما قالَ اللهَُ { :ولَ َس ْو َف ُي ْع ِطي َك َرب َك َف َت ْر َضى } [الضحى،]5 : وهذا ِمن عظي ِم ال ُبشريات لأ َّم ِة الإسل ِم وفي الحدي ِث :بيان لِ َما كان عليه النبي ص ّلَى الله عليه وس َّلم من الش َف َق ِة ،والدعا ِء لأ َّمت ِه وفيه :بيا ُن المكان ِة ال ُعليا للنبي صلَّى الله عليه وس َلّم عن َد ربه ،حي ُث إ َّنه تعالى وع َده أن ُيرضي ِه في أ َّمته ،ولا يسو ُءه.
الحديث السادس والعشرون بعد الأربعمائة عن معاذ بن جبل رضي الله عنه َقالَُ :ك ْن ُت ِر ْد َف ال َّنبي صلى الله عليه وسلم َع َلى ِح َمارَ ،ف َقالََ ( :يا ُم َعا ُذَ ،هلْ َت ْد ِري َما َحق الله َع َلى ِع َبا ِد ِه؟ َو َما َحق ال ِع َبا ِد َعلَى الله؟ ) قُ ْل ُت :اللهُ َو َر ُسولُ ُه أ ْع َل ُمَ .قالَ ( :فإ َّن َح َّق اللهِ َع َلى ال ِع َبا ِد أ ْن َي ْع ُب ُدوهَُ ،ولاَ ُي ْش ِر ُكوا ِب ِه َشي ًئاَ ،و َح َّق ال ِع َبا ِد َعلَى الل ِه أَ ْن لا ُي َعذ َب َم ْن لا ُي ْش ِر ُك بِ ِه َشي ًئا ) فقل ُتَ :يا َر ُسول الله ،أ َفل أُ َبش ُر ال َّنا َس؟ َقالَ ( :لا ُت َبش ْر ُه ْم َف َي َّت ِكلُوا ) ُم َّت َفق َعلَي ِه شرح الحديث َيح ِكي ُم َعا ُذ ب ُن َج َبل ر ِضي اللهُ عنه فيقول: «كنت ردف النبي صلَّى الله عليه وس َّلم على حمار » وال َّردف :هو الراك ُب خل َف الراك ِب بإذنِه فقال \" :يا ُم َعا ُذ هل تدري ماحق الله على عباده؟ وماحق العباد على الله \" ُث َّم َب َّي َن صلَّى الله عليه وس َّلم َح َّق الله على عبا ِده :وهو أن َيع ُبدوه ولا ُيش ِركوا به شي ًئا ،و َح َّق ال ِعبا ِد على الله إذا َف َعلوا ذلك :وهو أ َّلا ُيعذ َبهم (لاَ ُت َبش ْر ُه ْمَ .ف َي َّت ِكلُوا) :أي لا تبشرهم فيعتمدوا على ذلك إذا أخبرتهم
فهذا الحديث وماسبقه فيه بشارات عظيمة لهذه الأمة ،ولكنه إذا ساء فهم هذه الأحاديث حصل عند العبد خلل ،ولذا نهى النبي -صلى الله عليه وسلم -معا ًذا أن يبشر الناس لئل يفهموه خطأ فيتوكلوا على هذا ويتركوا العمل . قال القرطبي :حق العباد على الله ما وعدهم به من الثواب والجزاء. وقال ابن رجب :قال العلماء :يؤخذ من َم ْنع معاذ من تبشير الناس لئل ييتكلوا .أن أحاديث الرخص لا تشاع في عموم الناس ،لئل يقصر فهمهم عن المراد بها ،وقد سمعها معاذ فلم يزدد إلا اجتها ًدا في العمل. وقيل لوهب بن منبه :أليس مفتاح الجنة لا إله إلا الله؟ قال :بلى ،وليس من مفتاح إلا وله أسنان ،فإن جئت بمفتاح له أسنان فتح لك ،وإلا لم يفتح لك. وفي الحدي ِث :أ َّن َمن ما َت على التوحي ِد د َخلَ الج َّن َة.
الحديث السابع والعشرون بعد الأربعمائة عن البرا ِء بن عازب رضي الله عنهما ،عن النبي صلى الله عليه وسلم َقالَ ( :ال ُم ْسلِ ُم إِ َذا ُسئِلَ في ال َق ْب ِر َي ْش َه ُد أ ْن لا إ َل َه إلا الله َوأ ّن ُم َح ّم ًدا َر ُسول الله ،فذلك قوله َت َعا َلىُ { :ي َثب ُت اللهُ الَّ ِذي َن آ َم ُنوا بِا ْل َق ْو ِل ال َّثابِ ِت فِي ا ْل َح َيا ِة الد ْن َيا َو ِفي الآ ِخ َرة }) [إبراهيم]27 : ُم َّت َفق َعلَي ِه شرح الحديث ِمن رحم ِة الل ِه به ِذه الأُ َّمة الإسلم َّية أ َّنه ج َعلَ ال َّتوحي َد بطاق َة َنجا ِتهم في الدنيا والآخرة ،وعند السؤال في ال َق ْبر ،وكذلك في الآ ِخرة؛ فإ َّنها تكون أثقلَ في الميزا ِن من كل الأعما ِل. وقال ال َّنبي ص ّلَى الله عليه وس َّلم \":المسل ُم إذا ُس ِئل في القبرَ :يش َهد أ ْن لا إل َه إ َّلا اللهُ ،وأ َّن مح َّم ًدا رسولُ الله\" أي :إذا سأله ال َم َلكا ِن بعد َد ْفنه في القبر ،فإ َّنه َي ُرد بال َّشهادتين بال َّتوحيد لِل وللنبي مح َّمد ص َلّى الله عليه وس َّلم بال َّرسالة ،فيكون ذلك سب ًبا في نجاتِه. والسؤال في القبر ِمن ابتل ِء اللهِ للمسلمين في القُبور؛ كما قال اللهُ في القرآ ِنُ { :ي َثب ُت ال َّلهُ الَّ ِذي َن آ َم ُنوا بِا ْل َق ْو ِل ال َّثابِ ِت ِفي ا ْل َح َيا ِة الد ْن َيا َو ِفي ا ْلآ ِخ َر ِة } [إبراهيم]27 :
والنطق بال َّشهادتين من توفي ِق الله و َت ْثبيته للمؤمنين ،وهذا هو القولُ ال َّثاب ُت الذي لا َيتغ َّير في الدنيا والآخرة ،فق ْد َث َّبت الله به المؤمنين في الحيا ِة الدنيا كما ح َدث مع الموحدين في كل ال ِمح ِن ،و ُيثبتهم بها في الآخر ِة؛ فتكون سب ًبا ل َنجاتِهم وفو ِزهم بال َج َّن ِة وفي الحدي ِث َ :فضلُ شهاد ِة ال َّتوحيد ،وأ َّنها سب ُب نجا ِة المؤمنين في الدنيا والآخرة. وفيه :بيا ُن ابتل ِء اللهِ للمؤمنين في القُبور. وفيه :إثبا ُت سؤا ِل القب ِر.
الحديث الثامن والعشرون بعد الأربعمائة عن أنس رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم َقالَ ( :إ ّن ال َكافِ َر إِ َذا َع ِملَ َح َس َن ًة ،أُط ِع َم بِ َها ُط ْع َم ًة ِم َن الد ْن َياَ ،وأَ َّما ال ُم ْؤ ِم ُن َفإ َّن الله َي َّد ِخ ُر لَ ُه َح َس َناتِ ِه في الآ ِخ َر ِةَ ،و ُي ْعقِ ُب ُه ِر ْز ًقا في الد ْن َيا َعلَى َطا َع ِت ِه ) وفي رواية ( :إ َّن الله لا َي ْظلِ ُم ُم ْؤ ِم ًنا َحس َن ًة ُي ْع َطى بِ َها في الد ْن َياَ ،و ُي ْج َزى بِ َها في الآ ِخ َر ِةَ .وأَ َّما ال َكافِ ُر َف ُي ْط َع ُم بِ َح َس َنا ِت َما َع ِملَ لِلِ تعالى في الد ْن َيا، َح َّتى إِ َذا أ ْف َضى إِ َلى الآخ َر ِةَ ،ل ْم َي ُك ْن َل ُه َح َس َنة ُي ْج َزى بِ َها) رواه مسلم شرح الحديث ُيبي ُن النبي ص ّلَى اللهُ عليه وس َّلم في هذا الحديث َعظي َم َعد ِل اللهِ ُسبحا َنه وأ َّنه لا َيظلِ ُم ال َّنا َس شي ًئ وأن الكافر إذا عمل حسنة أُطعم بها ُطعمة من الدنيا ،هذا من تمام عدل الله -تبارك وتعالى ، ،فمن أحسن في هذه الحياة فإن الله تعالى يجازيه على إحسانه فهذا الكافر ُيع َطى ويطعم بحسناته ،كما قال النبي ﷺ\" :أُطعم بها ُطعمة من الدنيا\" ،فيعطيه أجره في الدنيا من مال وبنين ونحو ذلك، ويجد شي ًئا من النعيم في الدنيا ،والسعة ،كل ذلك ينعم به في الدنيا ،فإذا قدم عند الله تعالى لا يكون له نصيب.
\"وأما المؤمن فإن الله تعالى يدخر له حسناته في الآخرة ،و ُيعقبه رز ًقا\" ،يعني :يعطيه\" ،في الدنيا على طاعته\" ،لاحظوا :يدخر له الحسنات، ويعطيه في الدنيا المؤمن إذا عمل العمل الحسن( :فإن الله تعالى يدخر له حسناته في الآخرة) ،يجمعها لك في الآخرة حتى لا تضيع ،ويعطيك تفضلً منه في الدنيا ،فتكون قد كسبت في الدنيا والآخرة أعطاك رزقك في الدنيا ،ولم يعاملك بأنك عملت الحسنة فيرزقك فقط وما لك حاجة في الآخرة ،ولكن انظروا إلى كرم الله سبحانه تبارك وتعالى حيث أعطاك في الدنيا المال ،والبنين ،وأعطاك رزقاً حسناً، وادخر لك أجر هذه الحسنة أيضاً في الآخرة وفي الرواية الثانية .: \"إن اللهَ لا َيظلِ ُم ُمؤم ًنا َحسن ًة\" ،أي :لا َينقُ ُص َثوا َب َحسنة َع ِملَها ،فإ َّنه \" ُيعطى ِبها في الدنيا\" ،بأ ْن ُي َوس َع عليه ِرز َقه و ُي َرغ َد َع ْي َشه في الدنيا، َمع ما ُي َّد َخ ُر له في الآ ِخ َر ِة؛ َف ُهو أَح َو ُج ما َيكو ُن لِثوا ِب تِلك ال َحسن ِة \"وأ َّما الكا ِف ُر ف ُيط َع ُم ِبحسنا ِت ما َع ِملَ بِها لِلِ تعالى في الدنيا\" أيِ :بما َف َع َله ُمتقر ًبا بِه إلى الل ِه َتعالى ِم َّما لا تف َتقِ ُر ِص َّح ُته إلى الن َّي ِة ك ِصل ِة الأَرحا ِم وال َّصدق ِة والضيا َف ِة ،فإ َّنه لا ُيق َبلُ منه؛ لأ َّنه لا َيت َو َّف ُر لديه َش ْر ُط َقبو ِل ال َع َم ِل و ُهو الإيما ُن بالِلِ ،ولك َّن اللهَ لا َيظلِ ُمه َع َم َله ف ُيكافِ َئه عليه في الدنياَ ،ف ُي ْط ِع َمه به ح َّتى إذا أَ ْفضى إلى الآ ِخ َر ِة لم َي ُك ْن له َحسنة ُي ْج َزى بِها
وفي الحدي ِث :سعة فضل الله وجوده على أوليائه المؤمنين ،وأنه سبحانه لا يضيع عملَ عامل ،بل يأجره عليه إذا كان مؤم ًنا ،مع ما ي َّدخر له في الآخرة ،وإذا كان كاف ًرا جازاه به في الدنيا وفيه َ :فضلُ الإيما ِن ،وال َّتحذي ُر م َن الشر ِك.
الحديث التاسع والعشرون بعد الأربعمائة عن جابر رضي الله عنه َقالََ :قالَ َر ُسول الله صلى الله عليه وسلمَ (:م َثلُ ال َّصلَ َوا ِت ال َخ ْم ِس َك َم َث ِل َن ْهر َجار َغ ْمر َع َلى َبا ِب أ َح ِد ُك ْم َي ْغ َت ِسلُ ِم ْن ُه ُكلَّ َي ْوم َخ ْم َس َم َّرات ) رواه مسلم شرح الحديث شبه صلى الله عليه وسلم ال َّد َن َس المعنوي بالدنس الحسي ،فكما أن الاغتسال كل يوم خمس مرات يذهب الوسخ ،فكذلك الصلوات الخمس تذهب الذنوب. ويشهد لذلك قوله تعالىَ { :وأَ ِق ِم ال َّصلَ َة َط َر َفيِ ال َّن َها ِر َو ُزلَ ًفا م َن ال َلّ ْي ِل إِ َّن ا ْل َح َس َنا ِت ُي ْذ ِه ْب َن ال َّسي َئا ِت َذلِ َك ِذ ْك َرى لِل َّذا ِك ِري َن * َوا ْصبِ ْر َفإِ َّن اللهَ لا ُي ِضي ُع أَ ْج َر ا ْل ُم ْح ِس ِني َن } [هود]115 ،114 : وعلقة هذا الحديث بباب الرجاء ظاهرة ،وهو :أن هذه الصلوات الخمس تكون سب ًبا لحط الأوزار ،والخطايا ،والذنوب ،تغسلها غسلً، كما ُتغسل الأدران في ذلك النهر الذي ذكر النبي ﷺ صفته ،فكما تذهب معه الأدناس الحسية ،والأقذار ،فكذلك أيضاً تذهب الأدناس المعنوية ،والذنوب ،بهذه الصلوات الخمس.
وقوله ﷺ :كمثل نهر جار غ ْمر على باب أحدكم ،ذكر فيه ثلثة أوصاف: الأول :أنه جار ،فهو متجدد؛ فالماء الراكد يأ َسن ،ولربما كان محل للوباء ،أما الماء الذي يتحرك فهو يتجدد. والثاني :أنه غ ْمر ،والغمر :الكثير ،أي ينغمر فيه من دخل فيه ،يعني: ليس ماؤه بقليل ،ليس بضحل فالماء الغمر هو الكثير الذي يغمر من دخل فيه ،فمثل هذا يحصل به التنظيف ،والتطهير ،وهذا من بلغته وفصاحته ﷺ والصفة الثالثة :على باب أحدكم ،بحيث إنه ليس فيه كلفة ،وليس فيه تعب وهكذا هذه الصلوات الخمس ،أمر يسير يحصل به هذا التطهير فالنبي ﷺ قال\" :يغتسل منه كل يوم خمس مرات\" ،وفي بعض الروايات\" :هل يبقى من درنه شيء؟\" ،هل يبقى من القذر ،والوسخ شيء؟ فالجواب :لا ،الإنسان الذي يغتسل في كل يوم مرة يكون نظي ًفا ،فكيف بمن يتوضأ ،أو يغتسل في اليوم خمس مرات ،فهذه طهارة حسية، وطهارة معنوية ،طهارة حسية للبدن ،وطهارة معنوية للنفس من الذنوب ،والآصار ،والآثام.
الحديث الثلثون بعد الأربعمائة عن ابن عباس رضي الله عنهماَ ،قالََ :س ِم ْع ُت َر ُسول الله صلى الله عليه وسلم يقولَ ( :ما ِم ْن َر ُجل ُم ْسلِم َي ُمو ُتَ ،فيقُو ُم َعلَى َج َنا َزت ِه أَ ْر َبعو َن َر ُج ًل لا ُي ْش ِر ُكو َن بِالِ ِل َشي ًئا ،إلا َش َّف َع ُه ُم اللهُ ِفي ِه) رواه مسلم شرح الحديث \" ما ِمن َرجل ُمسلم َيمو ُت ف َيقو ُم َعلى َجناز ِته أَربعو َن َرج ًل\" أيَ :يقو ُم لل َّصل ِةَ \" ،على َجنازتِه أَربعو َن َرج ًل\" ،أي :ف ُيصلون علي ِه و َيدعو َن له و ُهم \"لا ُيش ِركون بالِلِ شي ًئا ،إ َّلا َش َّف َعهم اللهُ في ِه\"، أيَ :قبِلَ َشفاع َتهم في حق ذل َك الميت وفي الحدي ِث :أ َّن ال ُمصلين َعلى المي ِت ُشفعا ُء في ِه. وفي ِه :حث ال ُمسلمي َن َعلى ال َّصل ِة َعلى المي ِت و َتكثي ِر ال َعد ِد.
المقدمة باب الرجاء الحديث الحادي والثلثون بعد الأربعمائة عن ابن مسعود رضي الله عنه َقالَُ :ك َّنا َم َع َر ُسول الله صلى الله عليه وسلم في قُ َّبة َن ْح ًوا ِم ْن أر َب ِعي َن رج ًلَ ،ف َقالَ(( :أ َت ْر َضو َن أَ ْن َت ُكو ُنوا ُر ُب َع أ ْه ِل ال َج َّن ِة؟)) قُ ْل َناَ :ن َع ْم َقالَ(( :أ َت ْر َض ْو َن أ ْن َت ُكو ُنوا ُثلُ َث أه ِل ال َج َّن ِة؟)) قُ ْل َناَ :ن َع ْم َقالََ (( :وا ّلَ ِذي َن ْف ُس ُم َح ّمد ب َي ِد ِه ،إني لأَ ْر ُجو أ ْن َت ُكو ُنوا ِن ْص َف أَ ْه ِل ال َج َّن ِة، وذلك أ َّن الج َّن َة لا َي ْد ُخلُ َها إلا َن ْفس ُم ْسلِ َمة ،و َما أ ْن ُتم في أ ْه ِل الشر ِك إلا َكال َّش ْع َر ِة ال َب ْي َضا ِء في جل ِد ال َّثو ِر الأَ ْس َو ِد ،أَ ْو َكال َّش ْع َر ِة ال َّسو َدا ِء في جل ِد ال َّثو ِر الأ ْح َمر)) ُم َّت َفق َعلَي ِه شرح الحديث في هذا الحدي ِث َيح ِكي اب ُن َمسعود ر ِضي اللهُ عنه أ َّن النب َّي ص َلّى الله عليه وس َّلم َبي َنما كان في قُ َّبتِه التي ُض ِرب ْت له ب ِم ًنى ،وكا َن ال َّصحاب ُة معه نح ًوا ِمن أربعين َر ُج ًل ،فقال لهم ل ُيبش َرهم« :أَ َت ْر َض ْو َن أن تكونوا ُثلُ َث أه ِل الج َّن ِة؟» قلنا :نعم ،قال« :أتر َض ْون أن تكونوا َش ْط َر أه ِل الج َّن ِة؟» قلنا :نعم قال« :وا َلّ ِذي َن ْف ُس ُم َح َّمد بي ِده ،إني َلأَ ْر ُجو أ ْن تكونوا نِص َف أه ِل الج َّن ِة»
وقد تد َّرج معهم صلَّى الله عليه وسلَّم؛ لِ َي ْس َتثِي َر َف َر َحهمُ ،ث َّم ب َّين صلَّى الله عليه وس َّلم أ َّن الج َّن َة لا َيد ُخلها إ َّلا َن ْفس ُمسلِمة ،وهي مح َّرمة على ال ُك َّفار ث َّم ب َّين لهم صلَّى الله عليه وس َّلم أ َّن َسب َب كثرتِهم :أ َّن عد َد المسلِمين في َب ْيضا َء في َش ْع ِر ِج ْل ِد ال َّث ْو ِر َش ْع َرة الأحم ِر ،وهذا قليل ِج ًّدا، ال َّث ْو ِر لعد ِد ال ُمش ِركين ك ِنس َب ِة الدنيا بالنسبة ك َش ْع َرة سودا َء في ِج ْل ِد الأَ ْس َو ِد ،أو وفي رواية :ب َّين ص َّلى الله عليه وس َّلم أ َّن ِمن كل ألف تِ ْس َع ِمئة وتسع ًة و ِتسعين ِمن َيأْ ُجو َج و َمأْ ُجو َج وفي الحدي ِث :كرام ُة الل ِه تعالى لهذه الأ َّم ِة وتفضيلُه لها على سائ ِر الأُم ِم. وفيه :أ َّن َمن مات على ال ُكف ِر لا َيد ُخل الج َّن َة أص ًل.
الحديث الثاني والثلثون بعد الأربعمائة عن أَبي موسى الأشعري رضي الله عنه َقالََ :قالَ َر ُسول الله صلى الله عليه وسلم(( :إِ َذا َكا َن َي ْو ُم ال ِق َيا َم ِة َد َف َع اللهُ إِلَى ُكل ُم ْسلِم َي ُهود ًيا أَ ْو َن ْصرا ِن ًياَ ،ف َيقُولَُ :ه َذا فِ َكا ُك َك ِم َن ال َّنا ِر)) وفي رواية َع ْن ُه ،عن النبي صلى الله عليه وسلم َقالَ: (( َي ِجي ُء َي ْو َم القِ َيا َم ِة َناس ِم َن ال ُم ْسلِمي َن بِ ُذ ُنوب أَ ْم َثال ال ِج َبا ِل َي ْغفِ ُر َها الله َل ُه ْم)) رواه مسلم شرح الحديث َذل َك و َتما ِم الدنيا والآ ِخ َر ِة وتعالى َي ُمن على أَه ِل الإيما ِن في ُسبحا َنه اللهُ الج َّن َة. ِب َنجاتِهم م َن ال َّنا ِر و ُدخولِه ُم وفي هذا الحدي ِث َيقولُ ص َلّى اللهُ عليه وس َّلم \":إذا كان َيو ُم ال ِقيام ِةَ ،دف َع اللهُ ع َّز وجلَّ إِلى ُكل ُمسلم َيهود ًّيا أو نصران ًّيا ،ف َيقولُ َهذا ِفكا ُكك ِم َن ال َّنا ِر\" ومعنى ((فِ َكا ُك َك)) :أ َّن َك ُك ْن َت ُم َع َّر ًضا لِ ُد ُخو ِل ال َّنا ِرَ ،و َه َذا ِف َكا ُك َك؛ لأ َّن الله َت َعالَىَ ،ق َّد َر لل َّنا ِر َع َد ًدا َي ْم َل ُؤ َهاَ ،فإ َذا َد َخلَ َها ال ُك َّفا ُر بِ ُذ ُنوبِ ِه ْم َو ُك ْف ِر ِه ْم، َصا ُروا في َمع َنى الفِ َكاك لل ُم ْسلِ ِمي َن
كما َجا َء في حديث أَبي هريرة رضي الله عنه(( :لِ ُكل أَ َحد َم ْنزل في ال َج َّن ِةَ ،و َم ْن ِزل في ال َّنا ِرَ ،فال ُم ْؤ ِم ُن إِ َذا َد َخلَ ال َج َّن َة َخلَ َف ُه ال َكافِ ُر في ال َّنا ِر؛ لأ َّن ُه ُم ْس َت ِح ٌّق لِ َذلِ َك بِك ْف ِر ِه)) وذلِك أ َّن اللهَ تعالى ق ْد أَع َّد ل ُكل أحد ِم َن ال َّنا ِس َمنز ًلا في ال َج َّن ِة و َمنز ًلا في ال َّنا ِر؛ فالمؤ ِم ُن إذا َدخلَ الج َّن َة َخ َل َفه الكا ِف ُر في ال َّنا ِر ،فإ َّنه َدخ َلها ب َسب ِب ُكف ِره ،وكان المؤ ِم ُن ُعرض ًة أ ْن َيد ُخلَ ال َّنا َر َفل َّما َن َّجاه اللهُ ِمن ُدخولِها كا َن الكافِ ُر فِكا َكه؛ لأ َّن اللهَ َق َّدر لل َّنا ِر َعد ًدا َيمل ُؤها ،فإذا َدخلَها ال ُك َّفا ُر كانوا في َمعنى ال ِفكا ِك لل ُمؤمني َن (( َي ِجي ُء َي ْو َم القِ َيا َم ِة َناس ِم َن ال ُم ْسلِمي َن بِ ُذ ُنوب أَ ْم َثال ال ِج َبا ِل َي ْغفِ ُر َها الله َل ُه ْم)) أي أن الله تعالى يغفر تلك الذنوب للمسلمين ،بفضله ،ويضع على اليهود والنصارى مثلها بكفرهم وذنوبهم ،فيدخلهم النار بعملهم ،لا بذنوب المسلمين قال عمر بن عبد العزيز :هذا الحديث أرجى حديث للمسلمين.
الحديث الثالث والثلثون بعد الأربعمائة عن ابن عمر رضي الله عنهماَ ،قالََ :س ِم ْع ُت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ (( :ي ْد َنى ال ُم ْؤ ِم ُن َي ْو َم القِ َيا َمة ِم ْن َرب ِه َح َّتى َي َض َع َك َن َف ُه َعلَي ِه، َف ُي َقر ُرهُ ب ُذ ُنوبِ ِه ،فيقولُ :أتع ِر ُف َذ ْن َب َك َذا؟ أ َتعر ُف َذ ْن َب َك َذا؟ فيقولَ :رب أ ْع ِر ُفَ ،قالََ :فإني َق ْد َس َت ْر ُت َها َعلَ ْي َك في الد ْنياَ ،وأ َنا أ ْغفِ ُر َها لَ َك ال َيو َم، َف ُي ْع َطى َصحي َف َة َح َس َناتِ ِه)) ُم َّت َفق َعلَي ِه شرح الحديث (( َك َن َف ُه))َ :س ْت ُرهُ َو َر ْح َم ُت ُه رحم ُة الل ِه تعالَى َو ِسع ْت كلَّ َشيء ،و َرحم ُته في الآ ِخر ِة أَ ْضعا ُف ما َج َعلَه في الدنيا ،و َتكو ُن لِعبا ِده المؤ ِمنين ،ولها ُص َور ُمتعددة ،ومنها َس ْت ُره ُسبحا َنه ل ِعبا ِده المؤمني َن عن َد ال ِحسا ِب وفي هذا الحدي ِث َذ َك َر اب ُن ع َم َر َرض َي اللهُ عنهما أ َّنه سمع الرسول صلى الله عليه وسلم يقول \" :يدني المؤمن يوم القيامة من ربه\" أي أ َّن اللهَ تعا َلى ُي ْدني المؤمن ،أيُ :يقربه إليه يو َم القيام ِة؛ ل ُيكل َمه و َيع ِر َض عليه ُذنو َبه فيما ب ْينه وب ْينه \"حتى يضع كنفه عليه\" ف َي َض ُع عليه ك َن َفه ،وال َك َن ُف في اللغ ِة :ال َّس ْت ُر، أيَ :يس ُت ُر ع ْب َده عن ُرؤي ِة ال َخ ْلق له؛ لئ َّل َيفت ِض َح أما َمهم ف ُي ْخزى، و ُيكل ُمه ِس ًّرا ف َيقولُ له :أ َتع ِر ُف ذ ْن َب كذا؟ أ َتع ِر ُف ذ ْن َب كذا؟ ف ُيذك ُره بما ف َعلَه في الدنيا في لُطف و َخفاء
ح َّتى إذا َق َّرره بذنوبه واع َت َرف بها ،و َتي َّقن أ َّنه داخل ال َّنا َر لا َمحال َة إ َّلا أ ْن َي َتدا َر َكه ع ْف ُو اللهِ؛ يقولُ اللهُ ع َّز وجلَّ له \" :فإني قد َس َتر ُتها عليك في الدنيا وأنا أغفِ ُرها لك اليو َم\" ستره الله ولم يفضحه في الدنيا ،ويوم القيامة سأله بينه وبينه ولم يفضحه سبحانه تبارك وتعالى أمام الخلق ،وغفرها له ،وأعطي كتاب حسناته باليمين هذا الحديث من أرجى الأحاديث لمن لم يجاهر بذنوبه ،وهو من ضمن الأحاديث في باب الرجاء ،ولكن الرجاء لابد أن يكون له عمل يبنى عليه أما الرجاء من دون عمل يبنى عليه ،فإنه تمن لا يستفيد منه العبد
الحديث الرابع والثلثون بعد الأربعمائة عن ابن مسعود رضي الله عنه أ َّن َر ُج ًل أ َصا َب ِمن ا ْم َرأة قُ ْب َل ًةَ ،فأ َتى ال َّنب َّي صلى الله عليه وسلم َفأ ْخ َب َرهَُ ،فأ ْن َزلَ الله َت َعالَىَ { :وأَ ِق ِم ال َّصل َة َط َر َفيِ ال َّن َها ِر َو ُزلَ ًفا ِم َن اللَّ ْي ِل إِ َّن ا ْل َح َس َنا ِت ُي ْذ ِه ْب َن ال َّسي َئات} [هود]114 : َف َقالَ الرجل :أَل َي َه َذا َيا َر ُسول الله؟ َقالَ(( :لجمي ِع أُ َّم ِتي ُكل ِه ْم)) ُم َّت َفق َعلَيه شرح الحديث م َن ال َوسائِ ِل التي ُتسا ِع ُد الإنسا َن على ال َّتوب ِة :أ ْن َيح ِر َص على ُمضا َعف ِة الأعما ِل ال َّصالِح ِة و َتكثي ِرها؛ حتى َتغلِ َب على َحياتِه و َقلبِه ،و ِمن هذه ال َوسائِ ِل التي ُتكف ُر ال َّسيئا ِت ال َّصلةُ وفي هذا ال َحدي ِث ُيخبِ ُر َعب ُد الل ِه ب ُن َمسعود َرض َي اللهُ عنه أ َّن َر ُج ًل َق َّبلَ امرأ ًة لا َت ِحل له ،فأتى النب َّي صلَّى اللهُ عليه وسلَّ َم فأخ َب َره بما َج َرى، فأن َزلَ اللهُ هذه الآي َةَ { :وأَ ِق ِم ال َّص َل َة َط َر َفيِ ال َّن َها ِر} [هود]114 : أ ْي :أق ِم ال َّصل َة المفروض َة في أ َّو ِل ال َّنها ِر وآخ ِره وهي :صلةُ الفج ِر والظه ِر والعص ِرَ { ،و ُزلَ ًفا ِم َن ال َّل ْي ِل} ،أ ْي :وأ ِق ِم ال َّصل َة أي ًضا في ساعات ِمن اللي ِل ،وهي صلةُ المغر ِب والعشا ِء {إِ َّن ا ْل َح َس َنا ِت ُي ْذ ِه ْب َن ال َّسي َئا ِت} :إ َّن الأعمالَ ال َّصالح َة ِمن ال َّصل ِة و َغي ِرها ُتكف ُر َصغائ َر الذنو ِب
ف َسأَلَ ال َّر ُجلُ النب َّي صلَّى اللهُ عليه وسلَّ َم ،فقال :يا َرسولَ الل ِه ،هل ال ُحك ُم خا ٌّص بي َوحدي؟ فقالَ النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّ َم \":لِ َجمي ِع أُ َّمتي ُكلهم\" وفي هذا َتأكيد ِم َن النبي ص َلّى اللهُ عليه وسلَّ َم َبع َد َتأكيد؛ لِ َيش َملَ هذا ال َموجودي َن وال َمعدومي َنَ ،يعني :هذا لهم ،وأن َت منهم وهذا ال َّتكفي ُر للذنو ِب خا ٌّص بال َّصغائِ ِر ،أ َّما ال َكبائِ ُر فإ َّنها َتحتا ُج إلى َتوبة تا َّمة ،ب ُشرو ِطها قال ابن عباس رضي الله عنهما :الصلوات الخمس مكفرة الذنوب إذا اجتنبت الكبائر. وفي الحدي ِث َ :بيا ُن َمدى َرحم ِة اللهِ ب ِعبا ِده ،وأ َّنه َيق َبلُ التائِبي َن
الحديث الخامس والثلثون بعد الأربعمائة عن أنس رضي الله عنه َقالَ :جاء رجل إِ َلى ال َّنب ّي صلى الله عليه وسلم، َف َقالََ :يا َر ُسول الله أَ َص ْب ُت َح ًّداَ ،فأَقِ ْم ُه َع َل َّيَ ،و َح َض َر ِت ال َّصلةَُ ،ف َصلَّى َم َع َر ُسول الله صلى الله عليه وسلمَ ،فلَ َّما َق َضى ال َّصل َةَ ،قالََ :يا َر ُسول الله، إني أ َص ْب ُت َح ًّدا َفأ ِق ْم ف َّي ِك َتا َب اللهَ .قالََ (( :هلْ َح َض ْر َت َم َع َنا ال َّصل َة؟)) َقالََ :ن َع ْمَ .قالََ (( :ق ْد ُغفِ َر لَ َك)) ُم َّت َفق َعلَيه شرح الحديث يقولُ أنس ر ِضي اللهُ عنه :كن ُت عن َد ال َّن ِبي صلَّى الله عليه وس َّلم فأ َتى إليه َر ُجل ،وقالَ له :يا رسولَ الله إني أَ َصب ُت ح ًّدا فأ ِق ْمه ع َل َّي ومعناه :إني أَصب ُت َذن ًبا ُيوج ُب ال َح َّد والعقوب َة ،ولم َيذ ُك ْر ذن َبه ،فلم يسأ ْل ُه ص ّلَى الله عليه وسلَّم عن ذنبِه َمع َتكرا ِره للسؤا ِل بعد ال َّصل ِة وإ َّنما قالَ له« :ألي َس قد صلَّي َت معنا؟» فأخبره أ َّن َصل َته سبب في غفرا ِن ذنبِه ،خصو ًصا وق ِد انض َّم إليها ما أ َش َع َر بإنابتِه وند ِمه على هذا ال َّذن ِب وقيلَِ :ذك ُر الحد هنا عبارة َع ِن ال َّذن ِب لا على َحقيق ِة ما فيه ح ٌّد م َن الكبائ ِر ،فل َّما لم َي ُح َّده ال َّنبِي ص َلّى الله عليه وسلَّم دلَّ على أ َّنه كان م َّما لا ح َّد فيه؛ لأ َّن الصل َة إنما ُتكف ُر غي َر الكبائ ِر
فقوله(( :أ َص ْب ُت َح ًّدا)) َمع َناهَُ :م ْع ِص َي ًة ُتو ِج ُب ال َّت ْعزي َرَ ،ولَ ْي َس ال ُم َرا ُد الح ّد ال َّشرع َّي ال َحقِيق َّي َك َحد الز َنا َوالخمر َو َغي ِر ِه َما ،فإ َّن ه ِذ ِه ال ُحدو َد لا َت ْسقُ ُط بال َّصل ِةَ ،ولا َي ُجو ُز للإ َما ِم َت ْر ُك َها. وجزم النووي وجماعة :أن الذنب الذي فعله كان من الصغائر. وقيلَ :هو على وج ِهه وإ َّنما لم َي ُح َّده؛ لأ َّنه لم ُيفس ِر الح َّد فيما ل ِز َمه فس َك َت عنه ال َّن ِبي صلَّى الله عليه وس َّلم ولم يستفس ْره؛ لئل يج َب عليه الحد. قال الحافظ :وقد اختلف نظر العلماء في هذا الحكم ،فظاهر ترجمة البخاري حمله على من أقر بحد ولم يفسره ،فإنه لا يجب على الإمام أن يقيمه عليه إذا تاب والخطر كل الخطر يكمن في أولئك الذين يسرفون في المعاصي ، ويصرون على الذنوب ،ويقتحمون كل خطيئة ،ثم يقولون :سيغفر الله لنا بحسناتنا ! وما أدراهم أن الله تقبل منهم حسناتهم ! وما أدراهم أن الله لا يحبط تلك الحسنات بتلك السيئات! بل وما أدراهم أن الله عز وجل سيختم لهم بخاتمة حسنة إذا هم أصروا على ذنوبهم بدعوى أنها صغائر ! وقد قال أهل العلم :إن الإصرار على الصغائر يصيرها كبائر وجاء في \" فتاوى اللجنة الدائمة \": \" ليس معنى هذه المكفرات وما في معناها أن ُيق ِد َم الإنسان على المعاصي والشهوات ،ويص َّر عليها ،بحجة أنه يعمل هذه الحسنات
فتكفرها ،فهذا لا يقوله أحد ،ولا تؤدي إليه هذه النصوص ،وإنما المسلم مطالب بأصل الشرع بعمل الأوامر واجتناب النواهي ،وإذا قارف معصية فعليه المبادرة إلى التوبة النصوح بالإقلع عنها ، والتأسف على ما وقع منه ،وعقد العزم بعدم العودة إليها ،فهذه مع ما يحصل للمسلم من الخير مثل الوضوء والصلة وفعل الحسنات -تكاثر السيئات وتكفرها إذا اجتنب الكبائر ؛ لقول الله سبحانه ( :إِ ْن َت ْج َتنِ ُبوا َك َبائِ َر َما ُت ْن َه ْو َن َع ْن ُه ُن َكف ْر َع ْن ُك ْم َسي َئاتِ ُك ْم َو ُن ْد ِخ ْل ُك ْم ُم ْد َخ ًل َك ِري ًما ) \" فتاوى اللجنة الدائمة \" (المجموعة الأولى )361/24
الحديث السادس والثلثون بعد الأربعمائة عن أنس رضي الله عنه َقالََ :قالَ َر ُسول الله صلى الله عليه وسلم(( :إ َّن الله لَي ْر َضى َع ِن ال َع ْب ِد أ ْن َيأ ُكلَ الأَ ْك َل َةَ ،ف َي ْح َم ُدهُ َع َل ْي َها ،أَ ْو َي ْش َر َب ال َّش ْر َب َة، َف َي ْح َم ُدهُ َعلَ ْي َها)) رواه مسلم شرح الحديث رضا اللهُ ع َّز وجلَّ غا َي ُة ُكل ُمسلم ،و َس ْع ُي الإنسا ِن في طا َع ِة اللهِ واتبا ِع َرسولِه َيكو ُن َسب ًبا ل َن ْي ِل َمح َّب ِة اللهِ و ِرضاه وفي َهذا الحدي ِث ُي َبي ُن ال َّنبي ص ّلَى اللهُ عليه وسلَّم أح َد الأُمو ِر ا ّلَتي َيس َتطي ُع ال ُمسلِ ُم أ ْن َيح َظى فيها بِ ِرضا اللهِ ،وهي َقولُ ُه صلَّى اللهُ عليه وس َلّم\" :إ َّن اللهَ َل َي ْر َضى ع ِن ال َع ْب ِد أ ْن َيأ ُكلَ الأَ ْك َل َة\" ،و ِه َي الم َّرةُ الواح َدةُ ِم َن الأَ ْك ِل كال َغدا ِء وال َعشا ِء ،ف َيح َم َده عليها \" أو َي ْش َر ُب ال َّشر َب َة ف َيح َم َده عليها\" فالرضا منه َتعالى َي َت َس َّب ُب عن َح ْم ِده ال ُم َت َسب ِب ع ِن الأَ ْكلَ ِة وال َّش ْر َب ِة سبحا َنه ما أَ ْك َر َمه أَ ْع َطى ال َمأْكولَ وأَ ْق َد َر على أَ ْكلِه و َج َع َله سائ ًغا وسا َقه إلى َع ْب ِده ،وأَ ْو َج َده ِم َن ال َع َد ِم ُث َّم أَ ْق َد َره على َح ْم ِده ،وأَ ْل َه َمه َقولَ ُه و َعلَّ َمه الن ْط َق بهُ ،ث َّم كان َسب ًبا ل ِرضا ِئه ،و َهذا َدليل على أ َّن ِرضا اللهِ ع َّز وجلَّ قد ُينالُ بأَ ْدنى َسبب؛ فإ َّنه ُينالُ ِبهذا ال َّسب ِب ال َيسي ِر ولِِلِ ال َح ْم ُد؛ َيرضى اللهُ ع ِن الإنسا ِن إذا ا ْن َت َهى ِم َن الأَ ْك ِل ،قال :ال َح ْم ُد لِ ِل ،وإذا ا ْن َتهى ِم َن الش ْر ِب قال :ال َح ْم ُد لِِلِ
الحديث السابع والثلثون بعد الأربعمائة عن أَبي موسى رضي الله عنه عن ال َّنب ّي صلى الله عليه وسلم َقالَ(( :إ َّن الله َت َعا َلى َي ْب ُس ُط َي َدهُ باللَّي ِل ل َي ُتو َب ُم ِسي ُء ال َّن َها ِرَ ،و َي ْب ُس ُط َي َدهُ بال َّن َها ِر لِ َي ُتو َب ُم ِسي ُء اللَّي ِلَ ،ح َّتى َتطلُ َع ال َّش ْم ُس ِم ْن َم ْغ ِربِ َها)) رواه مسلم شرح الحديث رحم ُة اللهِ َو ِس َعت ُكلَّ شيء و ِمن َرحمتِه أ َّنه َفت َح با َب ال َّتوب ِة ل ِعبا ِده باللَّي ِل وال َّنها ِر. وهذا الحدي ُث ُيبي ُن َعظي َم َفض ِل اللهِ َتعالى َو َس َع ِة َرحمتِه وأ َّنه َيق َبلُ ال َّتوب َة ِمن ِعبا ِده وإ ْن َتأ َّخرت َبع َد ار ِتكا ِب ال َّذن ِب ،فال َّتوب ُة وإ ْن كان ْت َمأمو ًرا بِها على ال َفو ِر إ َّلا أَ َّنها إذا َتأ َّخرت َقبِلَها اللهُ ع َّز وجلَّ فإ ْن أَذ َن َب ال َعب ُد َذن ًبا بال َّنها ِر َوتا َب بال َّلي ِل َق ِبلَ اللهُ َتو َب َته ،وإ ْن أَذ َن َب َذن ًبا باللَّي ِل َوتا َب بال َّنها ِر َقبِلَ اللهُ َتو َب َته ،و َب َس َط َي َده ُسبحا َنه َي َتل َّقى بِهما َتوب َة ال َّتائ ِب َفر ًحا بِها و َقبو ًلا َلها ولا َيزالُ الأَم ُر َكذل َك بال ِعبا ِد ح َّتى َتطلُ َع ال َّشم ُس ِمن َمغ ِربِها ،فإذا َطل َع ْت تِل َك َبع َد ُتق َبلُ فل ُيغ َل ُق ال َّتوب ِة القِيام ِة فإ َّن با َب َيو ِم َقبيلَ َمغ ِربِها ِمن أحد ال َعلم ِة َتوب ُة
الحديث الثامن والثلثون بعد الأربعمائة عن أَبي نجيح عمرو بن َع َب َسة الس َل ِمي رضي الله عنه َقالَُ :ك ْن ُت وأ َنا في الجا ِهلِ َّي ِة أ ُظن أ َّن ال َّنا َس َع َلى َضلَلَةَ ،وأَ َّن ُه ْم لَ ْي ُسوا َعلَى َش ْيءَ ،و ُه ْم َي ْع ُب ُدو َن الأَ ْو َثا َنَ ،ف َس ِم ْع ُت بِ َر ُجل ِب َم َّك َة ُي ْخبِ ُر أ ْخ َبا ًراَ ،ف َق َع ْد ُت َع َلى َرا ِحلَ ِتي، َف َق ِد ْم ُت َعلَي ِه ،فإِ َذا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ُم ْس َت ْخ ِف ًيا ،ج َرآ ُء َع َلي ِه َقو ُم ُهَ ،ف َتلَ َّط َف ُت َح َّتى َد َخ ْل ُت َع َلي ِه بِ َم َّك َةَ ،فقُ ْل ُت َل ُهَ :ما أ ْن َت؟ َقالَ(( :أنا َنب ٌّي)) قُ ْل ُت :وما نب ٌّي؟ َقالَ(( :أ ْر َسلَنِي الله)) قُ ْل ُت :وبأي َش ْيء أ ْر َس َل َك؟ َقالَ(( :أَ ْر َسلَ ِني بِ ِص َل ِة الأ ْر َحا ِمَ ،و َك ْس ِر الأَ ْو َثا ِنَ ،وأ ْن ُي َو َّح َد اللهُ لا ُي ْش َر ُك ِب ِه َش ْيء)) قُ ْل ُت لهَ :ف َم ْن َم َع َك َعلَى َه َذا؟ َقالَُ (( :ح ٌّر َو َع ْبد)) ومعه َي ْو َمئذ أَ ُبو بكر وبلل رضي الله عنهما ،قُ ْل ُت :إ ّني ُم َّت ِب ُع َكَ ،قالَ(( :إ َّن َك لَ ْن َت ْس َتطي َع ذلِ َك َيو َم َك َه َذا ،ألا َت َرى َحالي وحالَ ال َّنا ِس؟ َو َل ِك ِن ا ْرج ْع إِلَى أ ْهلِ َك َفإِ َذا َس ِم ْع َت بي َق ْد َظه ْر ُت َفأتِنِي)) َقالََ :ف َذ َه ْب ُت إِلَى أ ْهلِي و َق ِد َم َر ُسول الله صلى الله عليه وسلم ال َم ِدي َن َة وكنت في أهلي فجعلت أتخبر الأخبار وأسأل الناس حين قدم المدينة َح َّتى َق ِد َم َن َفر ِم ْن أ ْهلِي ال َم ِدي َن َة، فقل ُتَ :ما َف َعلَ َه َذا ال َّر ُجلُ ا ّلَ ِذي َق ِد َم ال َم ِدي َن َة؟ فقالوا :ال َّناس إلَي ِه ِس َراع، َو َق ْد أرا َد َقو ُم ُه َق ْت َل ُه ،فلَ ْم َي ْس َت ِطي ُعوا ذلِ َك ،ف َق ِد ْم ُت المدي َن َةَ ،ف َد َخ ْل ُت َعلَي ِه فقل ُتَ :يا َر ُسول الله أَ َت ْع ِرفُني؟ َقالََ (( :ن َع ْم ،أ ْن َت الَّ ِذي لَ َق ْي َتنِي بم ّك َة)) َقالَ: فقل ُتَ :يا َر ُسول الله ،أ ْخبِر ِني َع َّما َعلَّ َم َك الله وأَ ْج َهلُ ُه ،أ ْخبِ ْرنِي َع ِن ال َّصلَ ِة؟ َقالََ (( :صل َصلَ َة الص ْب ِحُ ،ث َّم ا ْق ُص ْر َع ِن ال َّصلَ ِة َح َّتى َت ْر َتفِ َع ال َّش ْم ُس ِقي َد ُر ْمحَ ،فإ َّن َها َت ْطلُ ُع ِحي َن َتطلُ ُع َب ْي َن َق ْر َن ْي َشي َطانَ ،وحي َنئذ َيس ُج ُد لَ َها ال ُك َّفا ُرُ ،ث َّم َصل َفإ َّن ال َصلَ َة َم ْش ُهو َدة َم ْح ُضورة َح َّتى َي ْس َتقِلَّ الظل بالر ْم ِحُ ،ث َّم ا ْق ُص ْر َع ِن ال َّصل ِةَ ،فإ َّن ُه حينئذ ُت ْس َج ُر َج َه َّن ُم ،فإ َذا أ ْق َبلَ
ال َف ْي ُء َف َصلَ ،فإ َّن ال َّصل َة َم ْش ُهو َدة َمح ُضو َرة َح َّتى ُت َصلي العص َرُ ،ث َّم ا ْقص ْر َع ِن ال َّصل ِة َح َّتى َت ْغ ُر َب ال َّش ْم ُس ،فإ َّن َها َت ْغ ُر ُب بي َن َق ْر َن ْي َشيطان، َو ِحي َنئذ َي ْس ُج ُد لَ َها ال ُك ّفا ُر)). َقالَ :فقل ُتَ :يا َنب َّي الله ،فالوضو ُء حدثني َع ْن ُه؟ َف َقالََ (( :ما ِم ْن ُك ْم َر ُجل ُي َقر ُب َو ُضوءهَُ ،ف َي َت َم ْض َم ُض َوي ْس َت ْن ِش ُق َف َي ْن َتثِ ُر ،إلا َخ َّر ْت َخ َطا َيا َو ْج ِه ِه وفيه وخياشيمه ،ثم إذا غسل وجهه كما أمره الله إلا خرت خطايا وجهه ِم ْن أ ْط َرا ِف لِ ْح َي ِت ِه َم َع ال َما ِءُ ،ث َّم َي ْغ ِسلُ يدي ِه إِلَى ال ِمرف َق ْين ،إلا َخ َّر ْت َخ َطا َيا َي َد ْي ِه ِم ْن أ َنا ِملِ ِه َم َع الما ِءُ ،ث َّم َي ْم َس ُح َرأ َس ُه ،إلا خ ّر ْت خطايا رأ ِس ِه من أ ْط َرا ِف َش ْع ِر ِه َم َع الما ِءُ ،ث َّم يغسل قدميه إِ َلى الك ْع َب ْي ِن ،إلا َخ َّر ْت َخ َطا َيا ِرجلَ ْي ِه ِم ْن أ َناملِ ِه َم َع الما ِءَ ،فإ ْن ُه َو َقا َم َف َصلَّىَ ،ف َح ِم َد الله َت َعالَى، وأثنى َع َلي ِه و َم َّج َدهُ با َّلذي ُه َو لَ ُه أ ْهلَ ،و َف َّر َغ قلبه لِلِ َت َعالَى ،إلا ا ْن َصر َف ِم ْن َخ ِطي َئ ِت ِه كهيئته َيو َم َولَدت ُه أُم ُه)) فحدث َعم ُرو بن َعب َسة بهذا الحديث أَ َبا أُ َما َمة صا ِحب َر ُسول الله صلى الله عليه وسلمَ ،ف َقالَ َل ُه أَ ُبو أُ َما َمةَ :يا َع ْم ُرو ب ُن َعب َسة ،ا ْن ُظر َما تقولُ ! في مقام واحد ُي ْع َطى َه َذا ال َّر ُجلُ؟ َف َقالَ َع ْمروَ :يا أَ َبا أُ َما َمة ،لقد َكب َر ْت ِس ّنيَ ،و َر َّق َعظ ِميَ ،وا ْق َت َر َب أ َجلِيَ ،و َما ِبي َحا َجة أ ْن أ ْك ِذ َب َع َلى اللهِ َت َعا َلىَ ،ولا َعلَى َر ُسول الله صلى الله عليه وسلم ،لَ ْو لَ ْم أسمعه ِم ْن َر ُسول الله صلى الله عليه وسلم ،إلا َم َّر ًة أَ ْو َم َّر َتي ِن أَ ْو َثل ًثاَ -ح َّتى َع َّد َس ْب َع َم َّراتَ -ما َح َّد ْث ُت ِب ِه أب ًداَ ،ولكني سمع ُت ُه أك َثر من ذلِ َك رواه مسلم.
شرح الحديث ح َكى عم ُرو ب ُن َع َب َس َة ر ِضي اللهُ عنه أ َّنه كان وهو في الجاهل َّي ِة أي :ما قبل الإسل ِم ،ي ُظن أ َّن ال َّنا َس على ضللة ،وأ َّنهم ليسوا على شيء ين َف ُعهم عند الله تعالى وهم َيع ُبدون الأوثا َن ،وهي ال ُم َّت َخ ُذ ِمن حجر أو خشب ،فس ِمع برجل بم َّك َة يخب ُر أخبا ًرا عجيب َة ال َّشأن ،عظيم َة الموق ِع، فقعد ُت على راحلتي ،أي :ر ِك ْب ُت عليها مساف ًرا ،فق ِد ْم ُت عليه ،فإذا رسولُ الله ص َلّى اللهُ عليه وس ّلَم مستخف ًيا ،أيُ :مستت ًرا ِمن الك َّفا ِر الأشرا ِر \" ُج َراء\" ِمن ال ُجرأ ِة ،وهي الإقدا ُم وال َّتسل ُط عليه ِمن قومه ،فتل َّط ْف ُت، أي :تر َّف ْق ُت في الأم ِر ح َّتى دخل ُت عليه بم َّك َة فقل ُت له :ما أنت؟ فأجابه ص ّلَى اللهُ عليه وسلَّم \":أنا نب ٌّي\" ،فقل ُت :وما نب ٌّي؟ أي :ما حقيق ُة ال َّنبي ال ُمميزةُ له عن سواه؟ قال\" :أر َسلني اللهُ\" ، قل ُت :بأي شيء أر َسلك؟ فقال\" :أر َسلني بصل ِة الأرحا ِم وكس ِر الأوثا ِن، وأ ْن ُيو َّح َد اللهُ لا ُيش َر ُك به شيء\" قل ُت :ف َمن معك على هذا؟ قال\" :ح ٌّر وعبد\" ،ومعه يومئذ أبو بكر وبلل ر ِضي اللهُ عنهما فقل ُت :إني ُم َّتبِ ُعك ،أي :على إظها ِر الإسلم هنا وإقامتي معك ،قال\" :إ َّنك لن َتستطي َع ذلك يو َمك هذا\" ،أي :في هذا ال َّزم ِن الحاض ِر؛ وذلك لضع ِف شوك ِة الإسل ِم ،ف ُيخا ُف عليك ِمن أذى ك َّفا ِر قُ َريش \"،ولكن ار ِج ْع إلى أهلِك\" ،أي :ار ِج ْع إلى قو ِمك ،واست ِم َّر على إسل ِمك ح َّتى تعلَ َمني ظ َهر ُت ،فإذا س ِم ْع َت بي قد ظ َهر ُت فأْ ِتنى
فر َجع عم ُرو ب ُن َع َب َس َة إلى أهلِه ،وق ِدم صلَّى اللهُ عليه وسلَّم المدين َة، وكان عمرو في أهلِه مقي ًما فيهم ،فج َعل يتخ َّب ُر الأخبا َر ،أي :يسأَلُ عنها، ويسأَلُ ال َّنا َس حين ق ِدم المدين َة ،أي :وق َت قدو ِمه لها ،ح َّتى ق ِدم ن َفر ِمن أه ِل المدين ِة\" ،وال َّنف ُر\" ما بين ال َّثلث ِة والتسع ِة ِمن الرجا ِل ،فسأَلهم :ما ف َعل هذا ال َّرجلُ الَّذي ق ِدم المدين َة؟ فأجابوه :ال َّنا ُس إليه ِسراع ،أي: ُمس ِرعون ،وقد أراد قو ُمه ،أي :ك َّفا ُر قُ َريشَ ،ق ْتلَه بأنواع ِمن المك ِر والخديع ِة فلم َيستطيعوا ذلك ،بل ر َّد اللهُ كي َدهم في نح ِرهم ،وحفِظ نب َّيه ِمن ذلك فق ِدم عمرو المدين َة ،أي :ود َخل على ال َّنبي ص ّلَى اللهُ عليه وس ّلَم فقال: يا رسولَ اللهِ ،أتع ِرفُني؟ فأجابهَ \" :نعم\" ،فط َلب عمرو أن ُيخب َره ع َّما ع َّلمه اللهُ ويج َهلُه هو ..فأخ َبره صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ع ِن ال َّصل ِة فأ َم َره أ ْن ُيصلي الصبح ،ث َّم ُيقص َر أي :يقع َد وينته َي عن ال َّصل ِة ،أي ال َّنف ِل ال ُمط َل ِق ح َّتى َتطلُ َع ال َّشم ُس :ح َّتى ترتف َع؛ فإ َّنها أي :ال َّشم َس ،تطلُ ُع حين تطلُ ُع أي :وق َت طلو ِعها بين قر َن ْي شيطان ،وقرناه :ناحي َتا رأ ِسه ،و ُسمي شيطا ًنا؛ لتمر ِده و ُعتوه ،وكل مارد عات شيطان ،وحينئذ يس ُج ُد لها الك َّفا ُر ،أي :وحين تطلُ ُع بين قر َن ْيه ث َّم قال لهَ :صل ،أي :ما ِشئ َت ِمن ال َّنف ِل؛ فإ َّن ال َّصل َة مشهودة محضورة ،أي :يح ُض ُرها الملئك ُة؛ فهي أق َر ُب إلى ال َقبو ِل وحصو ِل ال َّرحم ِة ،ح َّتى يستقلَِّ :من القِلَّ ِة ،الظل بالرم ِح ،وهو المغرو ُس بالأر ِض، أي :ح َّتى يستقلَّ الرم ُح بالظل ،أي يبلُ َغ ظله أدنى غاي ِة ال َّنق ِص
ث َّم أق ِص ْر ،أي :ان َت ِه ،عن ال َّصل ِة ،أي ال َّنافل ِة ،ا َلّتي لا سب َب لها ،أو لها سبب متأخر ،فإ َّنه حينئذ \" ُتس َج ُر\" ،أيُ :ته َّي ُج بالوقو ِد ،جه َّن ُم فإذا أق َبل ال َفي ُء ،أي :إلى جه ِة المشر ِق ،والفي ُء مخ َت ٌّص بما بعد ال َّزوا ِل ،وأ َّما الظل فيق ُع على ما قبل ال َّزوا ِل وبعده ،فصل؛ فإ َّن ال َّصل َة مشهودة محضورة ،ح َّتى ُتصل َي العص َر ،ث َّم أق ِص ْر ،أي :ان َت ِه عن ال َّصل ِة ،أي :ال َّنافل ِة ،ح َّتى تغ ُر َب ال َّشم ُس؛ فإ َّنها تغ ُر ُب بين قر َن ْي شيطان ،وحينئذ يس ُج ُد لها الك َّفا ُر. ثم أخ َبره صلَّى اللهُ عليه وس َلّم عن ال ُوضو ِء فقال :ما منكم رجل ُيقر ُب َوضو َءه أيُ :يح ِض ُر ما يتو َّضأُ به ،فيتمض َم ُض ويستنش ُق \"فين َت ِث ُر\"، أي :يج ِذ ُب الما َء بخياشي ِمه ،ث َّم يد َف ُعه ل ُيزيلَ ما في أن ِفه ِمن الأذى ،إ َّلا خ َّر ْت ،أي :س َق َط ْت خطايا وج ِهه ،ث َّم إذا غ َسل وج َهه ،كما أ َمره الله ،أي: بقولِه ع َّز وجلَّ{ :إِ َذا قُ ْم ُت ْم إِ َلى ال َّص َل ِة َفا ْغ ِسلُوا ُو ُجو َه ُك ْم} [المائدة]6 : إ َّلا س َق َط ْت خطايا وج ِهه ِمن أطرا ِف لحي ِته مع الما ِء ،ع َّبر باللحي ِة للغال ِب ،وإ َّلا ف َمن لا لِحي َة له ،كالأمر ِد والمرأ ِة ،كذلك ث َّم يغ ِسلُ يديه إلى ال ِمر َفقي ِن ،إ َّلا سق َط ْت خطايا يديه ِمن أطرا ِف أناملِه مع الما ِء ،ث َّم يم َسح رأ َسه إ َّلا سق َط ْت خطايا رأ ِسه ِمن أطرا ِف َش َع ِره مع الما ِء ،ذ َكره للغالب أي ًضا ،ث َّم َيغ ِسل َقد َم ْيه إلى الكعبي ِن إ َّلا خ َّر ْت خطايا ِر ْجلَ ْيه ِمن أناملِه مع الما ِء ،فإ ْن هو ،أي :ال ُمتوض ُئ ،قام فصلَّى فح ِمد الل َه ،أي :أَثنى عليه بالصفا ِت الثبوت َّي ِة ،وأثنى عليه بال َّتنزي ِه ع َّما لا يلي ُق به ،وم َّج َده ،أي :و َصفه با ّلَذي هو له أهل ِمن أوصا ِف المج ِد ،وهو ال ِعز وال َّشر ُف ،وف َّرغ قل َبه لِ ِل تعالى ،أي :ف َّرغه ِمن د َن ِس
ال َّتعل ِق بغي ِر الله والركو ِن إلى سواه ،إ َّلا انص َرف خار ًجا ِمن َخطيئ ِته ،أي ُذنو ِبه ،فيصي ُر ُمتطه ًرا منها ،كهيئتِه ،أي :كطهار ِته ِمن كل خطيئة ،يو َم ول َد ْته أمه فح َّدث عم ُرو ب ُن َع َب َس َة بهذا الحدي ِث أبا أُمام َة صاح َب رسو ِل الله صلَّى اللهُ عليه وس ّلَم ،فقال له أبو أُمام َة :يا عم ُرو ب َن َع َب َس َة ،ان ُظ ْر ،أي :تف َّك ْر وتأ َّملْ ما تقولُ في مقام ،أي :مكان واحد ُيع َطى هذا ال َّثوا َب العظي َم ال َّرجلُ؟ فقال عمرو :يا أبا أُمام َة ،لقد كبِ َر ْت أي تق َّد َم ْت ِسني ،أي: ُع ُمري\" ،و َر َّق َع ْظمي\" ،أي :ن ُحف ون َحل ،واق َت َرب أ َجلي ،أي :ق ُرب، وما بي حاجة ،أي :داعية أن أك ِذ َب على اللهِ تعالى ولا على رسو ِل اللهِ، لو لم أس َم ْعه ِمن رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إ َّلا م َّر ًة أو م َّرتي ِن أو ثل ًثا ،ح َّتى ع َّد سب َع م َّرات ،أي :بأن قال :أو أرب ًعا ،إلى أن قال :أو سب َع م َّرات ،ما ح َّد ْث ُت به أب ًدا ،ولكني س ِمع ُته أكث َر ِمن ذلك وفي الحدي ِث :الحث على صلة الأرحام لأن الله تعالى قرنها بالتوحيد. وفيه :مشروعية الصلة في كل وقت ،إلا أوقات النهي. وفيه :فضل إسباغ الوضوء ،وأ ّن من صلَّى صلة لا يحدث فيها نفسه غفرت له ذنوبه
الحديث التاسع والثلثون بعد الأربعمائة عن أَبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن ال َّنب ّي صلى الله عليه وسلم َقالَ(( :إِ َذا أرا َد الله َت َعالَى َرحم َة أُ َّمةَ ،ق َب َض َنب َّي َها َق ْبلَهاَ ،فجعل ُه لَ َها َفر ًطا وسلَ ًفا َب ْي َن َيد ْي َها ،وإ َذا أرا َد َه َل َك َة أُ َّمةَ ،ع َّذ َب َها َو َنبِي َها َح ٌّيَ ،فأهل َكها َو ُه َو َين ُظ ُرَ ،فأق ّر َعي َن ُه بهل ِكها ِحي َن َك َّذ ُبوهُ َو َع َصوا أ ْم َرهُ)) رواه مسلم شرح الحديث يبي ُن ال َّنبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أ َّن الل َه ع َّز وجلَّ إِذا أَرا َد َرحم َة أُ َّمة ِمن ِعبا ِده \" َق َب َض\" ،أي :أَما َتَ \" ،نب َّيها َقب َلها ف َج َعلَه لها\" فإذا أراد الله تعالى رحمة أمة كان نبيها متقد ًما عليها ،وليس المقصود بذلك أنه يكون متقد ًما على جميع الأفراد ،وإنما المقصود :ألا تذهب الأمة بكاملها قبله ،وأما الأفراد فإنه قد يموت بعضهم \" َفر ًطا و َسلَ ًفا\" ،أي :ساب ًقا و ُمق َّد ًما و َشفي ًعا ،بين َيديها ،أي :قُ َّدا َمها حي َن ما َت راض ًيا عنها فجعله لها ف َر ًطا يعني :متقد ًما ،وأصل ال َف َرط يقال في الذي يتقدم إلى الحياض ،يعني :يتقدم الناس ،ويتقدم المسافرين إلى حياض الماء ،من أجل أن يصلح لهم الدلاء ،ويصلح لهم الحياض ،حتى إذا وصلوا إليها وجدوها مهيأة ،فإذا سبقهم نبيهم يكون ف َر ًطا وسل ًفا بين يديها ،ف َي ِر ُدون عليه ﷺ بعد ذلك الحوض
وإِذا أَرا َد اللهُ ع َّز وجلَّ \" َهلَ َك َة أُ َّمة\" ،أيَ :هل َكها و َدما َرهاَ \" ،ع َّذ َبها و َنبيها ح ٌّي\" ،أيَ :وهو ُمقيم َبين أَظ ُه ِرهم \"فأَهلَ َكها وهو َين ُظ ُر\" ،أي :إليها أَو إلى قُدر ِة خالقِها؛ َكما َوق َع ل ُنوح م َع قو ِمه و َغي ِره م َن الأَنبيا ِء \"فأَق َّر اللهُ َعي َن ْيه\" ،أي :أَس َّرهما بما َترياه ِم َّما َيشفي َغي َظه \"بِ َهلك ِتها\"، أي :بِسب ِب َهل ِكها \"حي َن ك َّذبوه و َع َص ْوا أَم َره\" ،أي :خالَفوا ما أَم َرهم ِبه إذا أراد الله هلكة أمة عذبها ونبيها حي ،فأهلكها وهو حي ينظر ،فأقر عي َنه بهلكها ،وهذا أبلغ ما يكون في قرة العين ،والتشفي من الكافرين الظالمين المكذبين؛ فالهلك قد يحصل لهم وعدوهم بعيد عنهم لا يراهم، فل يحصل له التشفي الكامل ،قد يكون هلكهم في مكان بعيد ،لكن إذا هلكوا وهو يشاهد هلكتهم فإن ذلك يكون فيه قرة العين وفي الحدي ِث َ :تبشي ُر اللهِ ُسبحا َنه و َتعالى للأُم ِم الَّتي َيمو ُت نبيها َقبلَها ب َشفاعتِه لأُ َّمت ِه و َوساط ِته لَهم عن َد َربهم ،وفيه :إشارة إلى رحم ِة الله تعالى بهذه الأ َّم ِة وتبشي ِرها و َفضلِها
باب فضل الرجاء الحديث الأربعون بعد الأربعمائة عن أَبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ،أَ َّن ُه َقالََ (( :قالَ الله -عز وجل :أَ َنا ِع ْن َد َظن َع ْب ِدي ِبيَ ،وأَنا معه َح ْي ُث َي ْذ ُكرنِيَ ،واللهِ ،لِلُ أ ْف َر ُح بِ َتو َب ِة َع ْب ِد ِه ِم ْن أ َح ِد ُك ْم َي ِج ُد َضالَّ َت ُه بال َفلَ ِةَ ،و َم ْن َت َق َّر َب إلَ َّي ِش ْب ًراَ ،ت َق َّر ْب ُت إِلَ ْي ِه ِذ َرا ًعاَ ،و َم ْن َت َق َّر َب إِلَ َّي ِذ َرا ًعاَ ،ت َق َّر ْب ُت إِ َل ْي ِه َبا ًعاَ ،وإِ َذا أ ْق َبلَ إِلَ َّي َي ْم ِشي أ ْق َب ْل ُت إِ َل ْي ِه أُ َه ْر ِولُ)) متفق عليه شرح الحديث يقول ال َّلهُ ُسبحا َن ُه َو َتعا َلى \":أنا عند َظن عبدي بي\" َيعني :أي في الرجاء ،وأمل العفو أي أ َّن ال َّلهَ ِعن َد َظن َعب ِده به ،إ ْن َظ َّن بِه َخ ْي ًرا َفلَه ،وإ ْن َظ َّن ِبه ِس َوى ذلك َفلَه ،و َل ِك ْن َم َتى ُيح ِس ُن ال َّظ َّن ِبال َِّلِ ع َّز وجلَّ؟ يح ِس ُن ال َّظ َّن بِال َِّلِ إذا َف َعلَ ما ُيو ِج ُب َف ْضلَ ال َّلهِ َو َرجا َءهَ ،ف َيع َملُ ال َّصالِحا ِت، و ُيح ِس ُن ال َّظ َّن بأ َّن ال َّلهَ َتعالَى َيق َبلُه ،أَ َّما أ ْن ُيح ِس َن ال َّظ َّن وهو لا َيع َملُ، فهذا ِمن با ِب ال َّت َمني على ال َّل ِه َ ،و َمن أَ ْت َب َع َنف َسه َهواها ،و َت َم َّنى على ال َّلهِ الأماني فهو عا ِجز \"وأنا َم َعه حيث ي َذ َك َرني\" ،فإ ْن َذك َرني بال َّتسبي ِح وال َّتهلي ِل أو غي ِرها في َن ْف ِسه ،أيُ :من َف ِر ًدا عن ال َّنا ِسَ ،ذ َك ْر ُته في َن ْفسي
((وأنا معه)) ،أي :بالرحمة ،والتوفيق ،والإِعانة ،والنصر \"واللهِ لِل أفرح بتوبة عبده من أحدكم يجد ضالته بالفلة\"... إنسان أذنب وأساء في حق الله تعالى وتعدى وظلم ،ثم يقول :يا رب ،أنا تبت إليك ،وينيب ويندم ،فالِل يفرح بتوبته أعظم من فرح ذلك الإنسان الذي في فلة من الأرض ،وضاعت عليه راحلته ،ثم استسلم للموت، ونام تحت شجرة ،فوجدها عند رأسه ،كيف يفرح؟ فقال :اللهم أنت عبدي ،وأنا ربك ،أخطأ من شدة الفرح ،هل هناك أحد من أهل الدنيا يفرح باعتذار المسيء له -اعتذار المخطئ -من الجناية في حقه ،مثل هذا الفرح؟ ،أب ًدا الله أعظم فر ًحا بتوبتنا -وهو الغن ّي ال ِغنى الكامل -من هذا الإنسان الذي في أشد الحالات اضطرا ًرا ،حينما ضاعت راحلته ،فوجدها بعد أن استسلم للموت ،من شدة الفرح ما يدري ما يقول ،يريد أن يقول :اللهم أنت ربي وأنا عبدك ،قال :اللهم أنت عبدي ،وأنا ربك .فهذا كله مما يبعث على الرجاء أن الإنسان يتوب وينيب. \"ومن تق ّرب إل ّي شب ًرا تقربت إليه ذرا ًعا \"...فالِل أعظم إقبالاً على العبد المقبل على ربه \" ومن تقرب إل ّي ذرا ًعا تقربت إليه با ًعا\" ،والباع أنه امتداد ما بين اليدين ،قال :وإذا أتاني مش ًيا أتيته هرولة.
رأيتم سرعة إقبال الله تعالى على العبد ،فإذا عرف العبد هذه الأمور، وتيقنها الت ّذ بالعبادة ،يفرح بالركعتين يصليهما ،يفرح بمناجاة الله تعالى ،يفرح بالصدقة في هذه ال ُج َم ِل ال َّثل ِث َبيا ُن َف ْض ِل ال َّلهِ ع َّز وجلَّ ،وأ َّنه ُيعطي أك َث َر م َّما فُ ِعلَ ِمن أجلِ ِه ،أيُ :ي ْعطي العا ِملَ أك َث َر ِم َّما َع ِملَ وفي الحديث :لطف الله بعباده ،وفرحه بتوبتهم ،وأن من تقرب إليه بطاعته ،تقرب إليه بإحسانه ،وفضله ،وجزائه المضاعف
المقدمة باب فضل الرجاء الحديث الحادي والأربعون بعد الأربعمائة عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما :أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلَ َم ْوتِه ب َثل َث ِة أ ّيام ،يقولُ: ((لا َي ُمو َت ّن أ َح ُد ُك ْم إلا َو ُه َو ُي ْح ِس ُن ال َّظ َّن بالِل -عز وجل)) رواه مسلم شرح الحديث يرشد النبي صلى الله عليه وسلم العبد ألا َيق َنط أب ًدا من رحمة رب العالمين؛ فرحمة الله واسعة ،وإذا كان خوف العبد من الله يمنعه من المعاصي؛ فالرجاء فيما عنده يدفع العبد إلى التوبة ،وإلى ُحسن الظن بالِل سبحانه وتعالى فالإنسان المؤمن إذا تاب إلى الله ،تاب الله عليه وفي هذا ال َحدي ِث ُيخب ُر ال َّصحابي ال َجليلُ جاب ُر ب ُن عب ِد اللهِ رض َي اللهُ عنهما أ َّن ال َّنب َّي ص َّلى اللهُ علي ِه وسلَّم أَخب َر قبلَ َوفا ِته بثل ِث أ َّيام، بقولِه( :لا َيمو َت َّن أح ُدكم ) ،يعني :في حال م َن الأَحوا ِل إ َّلا في َهذه الحال ِة وهي أ ْن ُيح ِس َن بالِلِ ال َّظ َّن أ َّن اللهَ ُسبحا َنه و َتعالى َيرح ُمه بب َتهدبأَره الَلاآلي َّتاو ِتحيوِدال،أَوحامداي ِثس ُيابلدلُواهرم َد ِةم َفنيال ََّكررح ِمماِةللهِيوَت َمعااللقِىياوم َِعةف؛ ِوه و َيرجو ذل َك وما َو َع َد
وذلك لئ َّل َيغلِ َب عليه الخو ُف حينئذ فيغل َب علي ِه اليأ ُس والقُنو ُط ف َيهلِ َك. (لايموتن) وهذا نهي ،والأصل أن النهي للتحريم ،ولذلك يقال :إن إحسان الظن بالِل تعالى عند الموت أمر واجب فإذا أحسن العبد الظن بربه عند الموت فإن ذلك ُير َجى معه أن يجد ما ر ّجاه ،وما ظنه بالِل -تبارك وتعالى. والمقصود بإحسان الظن بالِل تعالى عند الموت :أنه يحسن الظن بالِل أنه سيقبل على رب رحيم واسع المغفرة ،وأن الله سيعامله بعفوه ويتجاوز عنه فهذا مطلوب عند الموت ،ولكن إذا كان الإنسان في حال القوة والصحة والعافية ،فإن من أهل العلم من يقول :يغلب جانب الخوف؛ ليكون ذاك واز ًعا وراد ًعا له عن مقارفة ما لا يليق. وفي الحديث :الحث على حسن الظن بالِل تعالى ،والتحذير من القنوط خصو ًصا عند الخاتمة
الحديث الثاني والأربعون بعد الأربعمائة عن أنس رضي الله عنه َقالَ :سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولَ (( :قالَ الله َت َعالَىَ :يا ا ْب َن آ َد َم ،إ َّن َك ما َد َع ْو َت ِني َو َر َج ْو َتنِي َغ َف ْر ُت َل َك َعلَى َما َكا َن ِم ْن َك َولا أُ َبالِيَ .يا ا ْب َن آ َد َمَ ،ل ْو َبلَغت ُذ ُنو ُبك َع َنا َن السما ِءُ ،ث َّم ا ْس َت ْغ َف ْر َتنِي َغ َف ْر ُت َل َك َولا أُ َبالِيَ .يا ا ْب َن آ َد َم ،إِ َّن َك لَ ْو أ َت ْي َتنِي ِبقُ َرا ِب الأَ ْر ِض َخ َطاياُ ،ث َّم َل َق ْي َتنِي لا ُت ْش ِر ُك بِي َش ْي ًئا ،لأَ َت ْي ُت َك بقُ َرابِها َم ْغفِ َر ًة)) رواه الترمذي ،وقالَ ( :ح ِديث َح َسن) شرح الحديث اللهُ ع َّز وجلَّ هو أرح ُم ال َّرا ِحمين ،ي ْغ ِف ُر الذنو َب للعا ِصي والم ْذن ِب م ْن عبا ِده مهما بلَ َغت ،لك ْن بشر ِط أ ْن يكو َن هذا الع ْب ُد ُموح ًدا لربه لا ُي ْش ِر ُك به شي ًئا؛ فكل ذ ْنب ت ْح َت مشيئ ِة الل ِه تعالى في ْغفِ ُر لِم ْن يشا ُء ،إ َّلا الشر َك؛ فإ َّن الل َه تعالى لا َي ْغفِ ُره إذا ما َت الإنسا ُن عليه ولَ ِق َيه به وفي هذا الحدي ِث يقولُ رسولُ الل ِه ص َلّى اللهُ علَيه وس ّلَم\" :قال اللهُ تبار َك وتعالى\" في الحدي ِث القدسي \" :يا اب َن آد َم إ َّن َك ما دع ْو َتني ورج ْو َتني\" أي :ما د ْم َت ت ْدعو ِني و َت ْرجو َر ْحمتي ،ول ْم َت ْق َن ْط \"غ َف ْر ُت ل َك\" ،أي :م َحو ُت ذن َب َك أيها الع ْب ُد ال َّداعي ال َّراجي لربه \"على ما كا َن منك \" ِم َن الذنو ِب والمعا ِصي\" ،ولا أُبالي\" ،أي :ولا أه َتم بهذه الذنو ِب والمعا ِصي وإ ْن كا َنت م َن الكبائ ِر وفي ع َد ِم ُمبالا ِته معنى قولِهَ { :لا ُي ْسأَلُ َع َّما َي ْف َعلُ} [الأنبياء]23 :
Search
Read the Text Version
- 1
- 2
- 3
- 4
- 5
- 6
- 7
- 8
- 9
- 10
- 11
- 12
- 13
- 14
- 15
- 16
- 17
- 18
- 19
- 20
- 21
- 22
- 23
- 24
- 25
- 26
- 27
- 28
- 29
- 30
- 31
- 32
- 33
- 34
- 35
- 36
- 37
- 38
- 39
- 40
- 41
- 42
- 43
- 44
- 45
- 46
- 47
- 48
- 49
- 50
- 51
- 52
- 53
- 54
- 55
- 56
- 57
- 58
- 59
- 60
- 61
- 62
- 63
- 64
- 65
- 66
- 67
- 68
- 69
- 70
- 71
- 72
- 73
- 74
- 75
- 76
- 77
- 78
- 79
- 80
- 81
- 82
- 83
- 84
- 85
- 86
- 87
- 88
- 89
- 90
- 91
- 92
- 93
- 94
- 95
- 96
- 97
- 98
- 99
- 100
- 101
- 102
- 103
- 104
- 105
- 106
- 107
- 108
- 109
- 110
- 111
- 112
- 113
- 114
- 115
- 116
- 117
- 118
- 119
- 120
- 121
- 122
- 123
- 124
- 125
- 126
- 127
- 128
- 129
- 130
- 131
- 132
- 133
- 134
- 135
- 136
- 137
- 138
- 139
- 140
- 141
- 142
- 143
- 144
- 145
- 146
- 147
- 148
- 149
- 150
- 151
- 152
- 153
- 154
- 155
- 156
- 157
- 158
- 159
- 160
- 161
- 162
- 163
- 164
- 165
- 166
- 167
- 168
- 169
- 170
- 171
- 172
- 173
- 174
- 175
- 176
- 177
- 178
- 179
- 180
- 181
- 182
- 183
- 184
- 185
- 186
- 187
- 188
- 189
- 190
- 191
- 192
- 193
- 194
- 195
- 196
- 197
- 198
- 199
- 200
- 201
- 202
- 203
- 204
- 205
- 206
- 207
- 208
- 209
- 210
- 211
- 212
- 213
- 214
- 215
- 216
- 217
- 218
- 219
- 220
- 221
- 222
- 223
- 224
- 225
- 226
- 227
- 228
- 229
- 230
- 231
- 232