الحديث الأول عن ا ْب ِن ُع َم َر َر ِض َي اللهُ َع ْن ُه َما َقالََ :قالَ َر ُسولُ الل ِه صلى الله عليه وسلم :- \" ِم ْف َتا ُح ا ْل َغ ْي ِب َخ ْم ٌس لا َي ْع َل ُم َها إِلا ال هلهُ :لا َي ْعلَ ُم أَ َح ٌد َما َي ُكو ُن ِفي َغ ٍدَ ،ولا َي ْع َل ُم أَ َح ٌد َما َي ُكو ُن فِي الأَ ْر َحا ِمَ ،ولا َت ْعلَ ُم َن ْف ٌس َما َذا َت ْك ِس ُب َغ ًداَ ،و َما َت ْد ِري َن ْف ٌس ِبأَ ِّي أَ ْر ٍض َت ُمو ُتَ ،و َما َي ْد ِري أَ َح ٌد َم َتى َي ِجي ُء ا ْل َم َط ُر \" (البخاري)١٠٣٩ : شرح الحديث : يقول النبي -صلى الله عليه وسلم :- (( مفتاح الغيب خمس )) وإنما وصف هذه الخمسة وسماها مفتاح الغيب ،لأنها أهم الأمور الغيبية التي حجبها الله عن علم الإِنسان وإدراكه الحسي والعقلي ،ولأن بعض الكهنة والعرافين ي ّدعي العلم بها ،ولهذا ذكرها صلى الله عليه وسلم ،ونفى أن يعلم بها أحد ،فقال (( :لا يعلمها إ ّلا الله )) وهو مصداق قوله تعالى( :إِ هن ال هلهَ ِع ْن َد ُه ِع ْل ُم ال هسا َع ِة َو ُي َن ِّزلُ ا ْل َغ ْي َث َو َي ْعلَ ُم َما فِي ا ْلأَ ْر َحا ِم)...... قال قتادة :في الآية خمس من الغيب استأثر الله بهن ،فلم يطلِع ملكاً مقرباً ولا نبياً مرسلاً. (( لا يعلم أحد ما يكون في غد )) أي لا يعلم ما ينطوي عليه الغد من خير أو شر ،ولو كان نبياً إلاّ بواسطة الوحي المنزل عليه
(( ولا يعلم أحد ما يكون في الأرحام )) من ذكر أو أنثى ،أسود أو أبيض ،كاملاً أو ناقصاً أو نحوها ،فهو المنفرد بعلم ذلك قبل التخلق ،أما بعد تخلقه فإنه لم يعد غيباً ،وفي إمكان الكشف الطبي الوصول إلى معرفته ((ولا تعلم نفس ماذا تكسب غداً )) أي لا تدري نفس ما تأتي به من الأعمال غداً ،إن كان حسناً أو قبيحاً ،خيراً أو شراً. (( وما تدري نفس بأي أرض تموت )) قال ابن كثير :أي ليس يدري أحد من الناس أين مضجعه من الأرض. (( وما يدري أحد متى يجيء المطر )) أي لا يدري متى يجيء المطر قبل ظهور علاماته. ويستفاد منه: أن هذه الأمور الخمسة هي أمهات أمور الغيب التي استأثر الله بعلمها ،أما معرفة الإِنسان بنزول المطر بواسطة الأرصاد الجوية فإن ذلك بعد ظهور العلامات، وليس غيباً ،وكذلك معرفة الطبيب بالجنين ذكراً أو أنثى فإنه بعد التخلق وليس غيباً. المرجع منار القاري شرح صحيح البخاري
الحديث الثاني ع ْن َعا ِئ َش َة رضي الله عنها قالت َ ،قال رسول الله صلى الله عليه وسلم َ: «إِ هن ال هش ْم َس َوا ْل َق َم َر آ َي َتا ِن ِم ْن آ َيا ِت ال هل ِه لا َي ْخ ِس َفا ِن لِ َم ْو ِت أَ َح ٍد َولا لِ َح َيا ِت ِهَ ،فإِ َذا َرأَ ْي ُت ْم َذلِ َك َفا ْد ُعوا ال هلهَ َو َك ِّب ُروا َو َصلُّوا َو َت َص هد ُقوا» (البخاري )١٠٤٤ : شرح الحديث: كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفس اليوم الذي توفي فيه إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم من مارية القبطية رضي الله عنهما ،فربط الناس بين كسوف الشمس و موت إبراهيم ،وظنوا أن موت إبراهيم كان سبباً في كسوف الشمس في ذلك اليوم ،لأ ّنه ابن النبي صلى الله عليه وسلم لما كان العرب يزعمون في الجاهلية أنه إذا مات عظيم في الأرض حدث حادث عظيم في السماء. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( :-إِ هن ال هش ْم َس َوا ْل َق َم َر آ َي َتا ِن ِم ْن آ َيا ِت ال هلهِ لا َي ْخ ِس َفا ِن لِ َم ْو ِت أَ َح ٍد َولا ِل َح َيا ِت ِه )) ف َب هي َن لهم ال هنب ُّي ص هلى الله عليه وسلهم أ هن ال ُكسو َف لا يكون سب ُبه مو َت أح ٍد ِمن أه ِل الأرض. (( َفإِ َذا َرأَ ْي ُت ْم َذلِ َك َفا ْد ُعوا ال هلهَ َو َك ِّب ُروا َو َصلُّوا َو َت َص هد ُقوا )) أي فإذا رأيتم الكسوف فصلوا صلاة الكسوف والجأوا إلى ربكم بالتضرع والدعاء ،فأ َم َرهم بدعا ِء الله سبحا َنه وتعالى و تكبي ِره وال هصلا ِة وال هصدق ِة عند رؤية الكسوف. ويستفاد منه ما يأتي: .١مشروعية صلاة الكسوفوهي عند الجمهور ركعتان كل ركعة بركوعين لما في الحديث عن عائشة رضي الله عنها قالت \" :خسفت الشمس في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ،فصلى بالناس ،فقام فأطال القيام ،ثم ركع فأطال الركوع ،ثم قام فأطال القيام؛ وهو دون القيام الأول ،ثم ركع فأطال
الركوع ،وهو دون الركوع الأول ،ثم فعل في الركعة الثانية مثل ما فعل في الركعة الأولى \" أخرجه الستة. .2أن الحوادث الأرضية من ولادة كبير أو موت عظيم لا تكون أبداً سبباً في الحوادث السماوية من كسوف أو خسوف ،ولا تؤثر فيها. .٣المبادرة بالصلاة والذكر والتكبير والصدقة والاستغفار عند وقوع الكسوف والخسوف. ففي رواية أخرىَ « :ه ِذ ِه الآ َيا ُت الهتِي ُي ْر ِسلُ ال هلهُ لا َت ُكو ُن ِل َم ْو ِت أَ َح ٍد َولا لِ َح َيا ِت ِه، َولَ ِك ْن ي َخ ِّو ُف ال هلهُ ِب ِه ِع َبا َد ُهَ ،فإِ َذا َرأَ ْي ُت ْم َش ْي ًئا ِم ْن َذلِ َك َفا ْف َز ُعوا إِلَى ِذ ْك ِر ِه َو ُد َعا ِئ ِه َوا ْستِ ْغ َفا ِر ِه» .٤لا تنافي بين كون الكسوف والخسوف من آيات الله ُيخ ّوف الله بهما عباده ، وبين معرفة كيفية وقوع الكسوف والخسوف .وذلك أن الله تبارك وتعالى ُيجري الآيات في وقت دون وقت ،كما ُيمكن معرفة وقت حدوث الكوارث ، كالزلازل وغيرها ،والذي أجراها هو الله ع ّز وجلّ ،ولا تعارض بين كونها آيات كونية ،وبين كونها لِتخويف العباد .5مشروعية تصحيح المفاهيم ،وتوعية الناس ،وتعليم الجاهل ،ومشروعية الموعظة إذا َظهر مثل هذا في الناس . .6التحذير من الغلو في الصالحين ،وقد َذ َكر بعض المؤ ِّرخين أن ُحمرة الشفق حدثت بسبب مقتل الحسين بن علي رضي الله عنهما ! وهذا غير صحيح ، وهو ُغل ّو مرفوض .إطالة صلاة الكسوف حتى ينجلي الكسوف أو ُيقا ِرب على الانجلاء ،لقوله عليه الصلاة والسلام في رواية أخرى َ \" :ف َص ّلُوا َوا ْد ُعوا َح هتى ُي ْك َش َف َما بِ ُك ْم \"
الحديث الثالث ع ْن َعائِ َش َة رضي الله عنها قالت َ ،قال رسول الله صلى الله عليه وسلم َ: « َيا أُ هم َة ُم َح هم ٍد َوال هلهِ َما ِم ْن أَ َح ٍد أَ ْغ َي ُر ِم َن ال هلهِ أَ ْن َي ْزنِ َي َع ْب ُد ُه َأ ْو َت ْز ِن َي أَ َم ُت ُهَ ،يا أُ هم َة ُم َح هم ٍد َوال هل ِه لَ ْو َت ْعلَ ُمو َن َما أَ ْع َل ُم َل َض ِح ْك ُت ْم َقلِي ًلا َول َب َك ْي ُت ْم َك ِثي ًرا» (البخاري)١٠٤٤: شرح الحديث (( يا أُ هم َة مح هم ٍد )) فيه معنى الإشفاق ،يعني كما ُيخا ِط ُب الوال ُد ول َده ،ويؤخذ منه أن الواعظ ينبغي له حال وعظه أن يبالغ في التواضع لأنه أقرب إلى انتفاع من يسمعه. (( واللهِ ،ما ِمن أح ٍد أَ ْغ َي ُر ِمن الله أن َيزن َي عب ُده أو تزن َي أَ َم ُته )) اللهُ سبحا َنه وتعالى َيغا ُر أن ُتنت َه َك َمحا ِر ُمه؛ ولذا فظهو ُر هذه الفاحش ِة ُم ْؤ ِذ ٌن ب َخط ٍر عظيم؛ كثر ُة ال ِّزنا وانتشا ُر الفاحشة ُمؤ ِذ ٌن بتعجي ِل العقوبة و صدر صلى الله عليه وسلم كلامه باليمين لإرادة التأكيد للخبر. قال شيخ الإسلام ابن تيمية \" :وغ ْيرة الله أن يأتي العبد ما حرم عليه ،وغ ْيرته أن يزني عب ُده أو تزني أ َم ُته \" الغ ْيرة التي وصف الله بها نفسه :إ هما خاصة وهو أن يأتي المؤمن ما ح هرم عليه ، وإما عامة وهي غيرته من الفواحش ما ظهر منها وما بطن\" و قال ابن القيم رحمه الله \" : -الغيرة تتضمن البغض والكراهة ،فأخبر أنه لا أح َد أغير منه وغيرة الله تعالى من جنس صفاته التي يختص بها ،فهي ليست مماثلة لغيرة المخلوق ،بل هي صفة تليق بعظمته ،مثل الغضب ،والرضا ،
ونحو ذلك من خصائصه التي لا يشاركه الخلق فيها ،وقد تقرر أنه تعالى ليس كمثله شيء في ذاته ،فكذلك في صفاته ،وأفعاله \". و المعنى أن الله تعالى شديد الغيرة على عباده ،لا أحد أشد منه غيرة عليهم، وغيرة الله عز وجل على العباد معناها أنه لا يرضى أن يمسهم أحد بسوء ،ولا أن يلحق بهم أي ضرر أو عدوان أو يصيب أحداً منهم بأذى في دينه أو نفسه أو عرضه أو عقله. فح ّرم الزنا غيرة على أعراض الناس وأنسابهم ،وح ّرم السرقة والغصب والربا غيرة على أموال الناس أن ُيعتدى عليها ،وح ّرم شرب الخمر غيرة على عقول الناس ومحافظة على سلامتها ،وجميع ما حرمه الله من الفواحش إنما حرمه غيرة على حقوق عباده وحماية لها. (( يا أُ هم َة مح هم ٍد ،والل ِه لو َتعلمو َن ما أعلَ ُم َلض ِحك ُتم قلي ًلا ولَب َكي ُتم كثي ًرا )) والمرا ُد بال ِعل ِم هنا ما َيتع هل ُق بعظم ِة الله ،وانتقا ِمه م همن َيع ِصيه ،والأهوا ِل التي تق ُع عند ال هن ْز ِع ،والموت ،وفي القبر ،ويوم القيامة ،ومناسب ُة كثر ِة البكاء وق هل ِة ال هض ِح ِك في هذا المقا ِم واضح ٌة ،والمرا ُد به التخوي ُف. المرجع منار القاري شرح صحيح البخاري
الحديث الرابع عن أَ ِبي ُه َر ْي َر َة رضي الله عنه َقالََ :قالَ ال هنبِ ُّي صلى الله عليه وسلم : «لا َي ِحلُّ لا ْم َر َأ ٍة ُت ْؤ ِم ُن ِباَّ هللِ َوا ْل َي ْو ِم الآ ِخ ِر أَ ْن ُت َسافِ َر َم ِسي َر َة َي ْو ٍم َولَ ْي َل ٍة لَ ْي َس َم َع َها ُح ْر َم ٌة» (البخاري)١٠٨٨: شرح الحديث (( لا يحل لامرأة تؤمن باَّلل واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة ليس معها حرم ٌة )) يعنى لا يجوز للمرأة المؤمنة أن تسافر المسافة التي تس ّمى سفراً ،وهي يوم وليلة إلاّ ومعها محرم من زوج أو أب أو أخ أو غيره من محارمها لأن المقصود هو صيانتها. و يستفاد منه :كما ذهب إليه بعض أهل العلم أ ّن مسافة السفر الذي تقصر فيه الصلاة هو يوم وليلة ،لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى المرأة أن تسافر بغير محرم مسيرة يوم وليلة ،فدل ذلك على أن أقل السفر يوم وليلة ،وهو السفر الذي تقصر له الصلاة. و في الحديث أيضاً دليل على أنه لا يجوز للمسلمة السفر بغير محرم. المرجع منار القاري شرح صحيح البخاري
الحديث الخامس ع ِن ا ْب ِن ُع َم َر رضي الله عنهما َقالَ: (( َكا َن ال هنبِ ُّي صلى الله عليه وسلم َي ْق َرأُ َعلَ ْي َنا ال ُّسو َر َة فِي َها ال هس ْج َد ُة َف َي ْس ُج ُد َو َن ْس ُج ُد َح هتى َما َي ِج ُد أَ َح ُد َنا َم ْو ِض َع َج ْب َه ِت ِه)) (البخاري)١٠٧٩: شرح الحديث يقول ابن عمر رضي الله عنهما(( :كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ علينا السورة فيها السجدة)) أي يقرأ علينا السورة التي فيها آية السجدة في غير الصلاة -كما في رواية أخرى (( فيسجد ونسجد )) أي فإذا قرأ النبي صلى الله عليه وسلم الآية التي فيها السجدة يسجد هو لتلاوتها، ونسجد نحن لسماعها. (( حتى ما يجد أحدنا موضع جبهته )) أي نتزاحم على السجود ،حتى لا يجد الساجد مكاناً يضع فيه جبهته من شدة الزحام ،كما في حديث المسور بن مخرمة عن أبيه أنه قال\" :ما يستطيع بعضهم أن يسجد من الزحام \" وفي رواية(( :حتى سجد الرجل على ظهر الرجل)) ويستفاد منه: أن سجود التلاوة مشروع للقارىء والمستمع .و اختلفوا في حكمه:
فقال مالك وأحمد وغيرهم :هو سنة مؤكدة على القارىء والسامع. و قال أبو حنيفة :واجب على القارىء والسامع. و اتفق أهل العلم على مشروعية سجود التلاوة في عشر سور وهي الأعراف والرعد ،والنحل ،والإِسراء ،ومريم ،والأولى من الحج ،والفرقان، والنمل ،وآلم السجدة ،وف ّصلت. و أضاف إليها الشافعي الثانية من الحج ،فصارت إحدى عشرة سجدة. و أضاف مالك في الرواية المشهورة عنه إلى العشرة سجدة (سورة ص) فصارت ،إحدى عشرة سجدة. ومن مواضع السجود السجدة في سورة النجم وسورة الانشقاق وسورة العلق وهذا مذهب الجمهور الحنفية والشافعية والحنابلة فهي خمسة عشر سجدة المرجع منار القاري شرح صحيح البخاري
الحديث السادس عن ا ْب ِن َع هبا ٍس رضي الله عنهما َقالََ (( :كا َن َر ُسولُ ال هلهِ صلى الله عليه وسلم َي ْج َم ُع َب ْي َن َصلا ِة ال ُّظ ْه ِر َوا ْل َع ْص ِر إِ َذا َكا َن َع َلى َظ ْه ِر َس ْي ٍر َو َي ْج َم ُع َب ْي َن ا ْل َم ْغ ِر ِب َوا ْل ِع َشا ِء)) (بخاري)١١٠٧ : شرح الحديث يقول ابن عباس رضي الله عنهما \" :كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع بين صلاة الظهر والعصر إذا كان على ظهر سير \" أي يجمع بينهما في السفر إذا أدركه الظهر أثناء سيره (( ويجمع بين المغرب والعشاء )) في السفر جمع تأخير ويستفاد منه: مشروعية الجمع في السفر بين الظهر والعصر ،والمغرب والعشاء وهو مذهب الجمهور. قال ابن باز ( :المسافر له الجمع الظهر والعصر والمغرب والعشاء ،كان النبي يجمع في السفر عليه الصلاة والسلام ،وإذا كان مقيماً قصر ولم يجمع ،فإذا كان على ظهر سير جمع عليه الصلاة والسلام ،كان إذا ارتحل قبل أن تغيب الشمس أخر المغرب مع العشاء وصلى جمع تأخير، وإذا ارتحل بعد غروب الشمس قدم العشاء مع المغرب وجمع جمع تقديم .وإذا ارتحل قبل الزوال أخر الظهر مع العصر جمع تأخير ،وإذا ارتحل بعد الزوال قدم العصر مع الظهر وجمع جمع تقديم )
الحديث السابع ع ْن ِع ْم َرا َن ْب ِن ُح َص ْي ٍن رضي الله عنه َقالََ :كا َن ْت ِبي َب َوا ِسي ُر َف َسأَ ْل ُت ال هن ِب هي صلى الله عليه وسلم َع ِن ال هصلا ِة َف َقالَ: « َصلِّ َقا ِئ ًما َفإِ ْن َل ْم َت ْس َت ِط ْع َف َقا ِع ًدا َفإِ ْن َل ْم َت ْس َت ِط ْع َف َعلَى َج ْن ٍب» (بخاري)١١١٧ : شرح الحديث يقول عمران بن حصين رضي الله عنه: (( كانت بي بواسير )) أي كان يشتد عل هي ألمها فيضعفني ،ويشق علي القيام فسألت الرسول صلى الله عليه وسلم عن الصلاة. (( فقال :صل قائماً )) إن استطعت ذلك ،ولو معتمداً على شيء ،لأن القيام ركن لا يسقط إلاّ عند العجز عنه. (( فإن لم تستطع )) أي فإن عجزت عن القيام أو خشيت زيادة المرض. (( فقاعداً)) أي فصلِّ قاعداً. (( فإن لم تستطع فعلى جنب )) أي فصل مضطجعاً على جنبك الأيمن ،كما جاء في رواية الدارقطني. و يستفاد منه: أن المرء يص ّلي قائماً إن وجد المقدرة على القيام ولو مستنداً إلى شيء ،فإن لم يقدر على ذلك بأن وجد مشقة شديدة ،أو خاف حدوث مرض ،أو مضاعفته ،أو دوار ًا ،أو إغماء ،أو خشى عد ّواً ،أو غرقاً ،ص ّلى قاعداً.
و أفضل هيئات القعود عند أبي حنيفة الافتراش وعند الجمهور التربع .فإن شق عليه القعود ص ّلى مضطجعاً على جنبه الأيمن ،فإن لم يستطع فعلى الأيسر ،فإن لم يستطع على جنبه صلى مستلقياً على ظهره ،ورجلاه إلى القبلة. والترتيب بين الجنبين وال هظهر مستحب عند الجمهور واجب عند الشافعية. وقالت الحنفية :إن تعذر القعود صلهى مستلقياً أو على جنبه ،والاستلقاء أفضل. فإن عجز عن هذه الهيئات ك ِّلها ،فقال الجمهور :يجري الذكر والقرآن على لسانه، فإن لم يستطع فعلى قلبه ويومىء للركوع والسجود. من صلى فرضا قاعداً وكان يشق عليه القيام أجزأه وكان هو ومن صلى قائما سواء ،ومن صلى النفل قاعداً مع القدرة على القيام أجزأه وكان أجره على النصف من أجر القائم. لرواية ِع ْم َرا ُن ْب ِن ُح َص ْي ٍن رضي الله عنه َقالَ رسول الله صلى الله : «إِ ْن َص هلى َقا ِئ ًما َف ُه َو َأ ْف َضلَُ ،و َم ْن َص هلى َقا ِع ًدا َفلَ ُه ِن ْص ُف أَ ْج ِر ال َقائِ ِمَ ،و َم ْن َص هلى َنائِ ًما َف َل ُه نِ ْص ُف َأ ْج ِر ال َقا ِع ِد» فالقيا ُم أعلى في ال َأ ْجر وال َم ُثو َبة ،و َم ْن صلى قاع ًدا فله ِن ْصف أَ ْجر القائم ،و َم ْن صلى نائ ًما -أ ْي ُم ْض َط ِج ًعا ،يعني َو َض َع َج ْنبه على الأرض -فله نصف أَ ْجر القاعد. و هذه المعاني محمول ٌة على القاد ِر على الصلا ِة واق ًفا ،ولك هنه صلهى جال ًسا أو على َجن ِبه ،فإ هنه َين ُقص من أ ْج ِره ،أ هما العاج ُز عن الوقو ِف؛ فإ هن له الجلو ُس أو الاضطجا ُع وأ ْج ُره كاملٌ. الدين يسر ،وأحب العمل إلى الله عز وجل أدومه وإن قل ،فالثبات على النوافل وإن قلت خير من تركها حينا وفعلها حينا.
الحديث الثامن ع ْب ِد ال هل ِه ْب ِن َع ْم ِرو ْب ِن ا ْل َعا ِص رضي الله عنهما :أَ هن َر ُسولَ ال هلهِ صلى الله عليه وسلم َقالَ َل ُه« :أَ َح ُّب ال هصلا ِة إِ َلى ال هلهِ َصلا ُة َدا ُو َد عليه السلامَ ،و َأ َح ُّب ال ِّص َيا ِم إِ َلى ال هلهِ ِص َيا ُم َدا ُو َد؛ َو َكا َن َي َنا ُم نِ ْص َف ال هل ْي ِل َو َي ُقو ُم ُثلُ َث ُه َو َي َنا ُم ُس ُد َس ُهَ ،و َي ُصو ُم َي ْو ًما َو ُي ْف ِط ُر َي ْو ًما» (بخاري )١١٣١ : شرح الحديث يخ ِب ُر ال هنب ُّي صلهى الله عليه وسلهم في هذا الحدي ِث بأفض ِل هيئا ِت قيا ِم اللهيل وصو ِم ال هنافل ِة ،وهما قيا ُم داو َد وصو ُمه عليه ال هسلام. فأ هما قيا ُمه فكان ينا ُم نص َف ال هلي ِل الأ هول ،ث هم يقو ُم ُثل َث ال هلي ِل ،ث هم ينا ُم ُسد َسه الأخي َر، وأ هما صيا ُمه فكان يصو ُم يو ًما و ُيف ِط ُر يو ًما. فأفضل صلاة الليل صلاة نبي الله داود عليه السلام ؛ حيث كان -أولا -ينام نصف الليل ،ف َمن أراد أن يطبق ذلك اليوم فليحسب من بعد صلاة العشاء إلى الفجر ، فينام نصف ذلك الوقت. قال الشيخ عبد المحسن العباد : \"ينام نصف الليل يعني :بعد صلاة العشاء ،فيحسب من بعد صلاة العشاء إلى طلوع الفجر ،فنصفه يكون نوماً ،ثم بعد ذلك يكون ثلثه\" ثم كان عليه السلام يقوم بعد ذلك للصلاة ،فيصلي ثلث الليل ،ثم ينام سدسه إلى الفجر. و الحكمة في ذلك :لئلا تصيب النفس السآمة فتكون سببا في ترك العبادة ، وليقوم لصلاة الفجر وما يتلوها من أذكار الصباح نشيطا غير كسلان ،وليبدأ
عمله اليومي كذلك ،فيستطيع أن يقوم بتأدية ما عليه من الحقوق تجاه أهله وولده والناس وتجاه عمله الذي يزاوله ،فلا يذهب إلى العمل والنوم يغالبه ، ولأنه أقرب إلى عدم الرياء ،لأن من نام السدس الأخير أصبح نشيطا فهو أقر ُب إلى أن ُيخف َي ع َملَه الماضي على َمن يراه قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : \" فإن قال قائل :لماذا لا تجعلون الأفضلَ ُثلُث اللي ِل الآخ ِر؛ لأ هن ذلك وقت ال ُّنزول الإلهي؟ فالجواب :أ هن الذي يقوم ُثلُث الليل بعد نصفه سوف يدرك ال ُّنزول الإلهي؛ لأنه سيدرك النصف الأول ِمن الثلث الأخير ،فيح ُصل المقصو ُد ،والنب ُّي عليه ال هصلاة وال هسلام هو الذي قال ( :أفضلُ ال هصلاة صلاة داود ) \" المرجع منار القاري شرح صحيح البخاري
الحديث التاسع ع ْن أَ ِبي ُه َر ْي َر َة رضي الله عنه :أَ هن َر ُسولَ ال هله صلى الله عليه وسلم َقالَ: « َي ْعقِ ُد ال هش ْي َطا ُن َع َلى َقافِ َي ِة َر ْأ ِس أَ َح ِد ُك ْم إِ َذا ُه َو َنا َم َثلا َث ُع َق ٍدَ ،ي ْض ِر ُب ُكله ُع ْق َد ٍة: َع َل ْي َك لَ ْيلٌ َط ِويلٌ َفا ْر ُق ْدَ ،فإِ ِن ا ْس َت ْي َق َظ َف َذ َك َر ال هلهَ ا ْن َح هل ْت ُع ْق َد ٌةَ ،فإِ ْن َت َو هضأَ ا ْن َح هل ْت ُع ْق َد ٌة، َفإِ ْن َص هلى ا ْن َحله ْت ُع ْق َد ٌة َفأَ ْص َب َح َن ِشي ًطا َط ِّي َب ال هن ْف ِسَ ،وإِ هلا أَ ْص َب َح َخ ِبي َث ال هن ْف ِس َك ْسلا َن» (بخاري )١١٤2: شرح الحديث (( يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد )) أي يربط الشيطان على مؤخرة رأس النائم ثلاث عقد ،يتلو عليها بعض الكلمات، ويضرب عليها بيده ،مخاطباً نفس النائم بقوله: ((عليك ليل طويل )) أي قد بقي قدر طويل من الليل فنم ما شئت ،فإنك إذا استيقظت وجدت الوقت الكافي لأداء صلاة الليل أو صلاة الصبح في وقتها. (( فارقد )) فإن الوقت لا زال مبكراً .وإنما يربط على مؤخرة الرأس خاصة لأ هنها مركز القوى الواهمة ،فإذا ربط عليها أمكنه السيطرة على روح الانسان ،وإلقاء النوم عليه. (( فإذا استيقظ وذكر الله انحلت عقدة )) بسبب ذكر الله تعالى. (( فإذا توضأ انحلت عقدة )) ببركة الوضوء. (( فإن صلّى انحلت عقده)) أي :فإذا صلى صلاة الليل أو صلاة الصبح انفكت العقدة الثالثة . (( فأصبح نشيطاً طيب النفس )) أي :نشيط البدن ،مرتاح النفس
((وإلا أصبح خبيث النفس كسلان )) أي قلق النفس فاتر الحركة يستفاد من الحديث: أولاً :التحذير مما يفعله الشيطان من إرخاء النوم على المسلم ،وحرمانه من صلاة الليل أو صلاة الصبح ،بسبب هذه العقد ،وأنه متى استيقظ وذكر الله انحلت العقدة الأولى ،ثم تنحل الثانية بالوضوء ،والثالثة بالصلاة .ومن أراد وقاية نفسه من ذلك ،فعليه بقراءة آية الكرسي قبل نومه. ثانياً :أن صلاة الصبح في وقتها سبب للنشاط الجسمي والراحة النفسية ،وكذلك صلاة الليل. المرجع منار القاري شرح صحيح البخاري
الحديث العاشر ع ْن َع ْب ِد ال هل ِه بن مسعود رضي الله عنه َقالَُ :ذ ِك َر ِع ْن َد ال هن ِب ِّي صلى الله عليه وسلم َر ُجلٌ َف ِقيلََ :ما َزالَ َنائِ ًما َح هتى أَ ْص َب َحَ ،ما َقا َم إِ َلى ال هصلا ِة َف َقالََ « :بالَ ال هش ْي َطا ُن ِفي أُ ُذ ِن ِه» (بخاري)١١٤٤ : شرح الحديث يقول ابن مسعود رضي الله عنه: (( ذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم رجل فقيل :ما زال نائماً حتى أصبح )) أي استمر نائماً ولم يصلّ الصبح حتى طلعت عليه الشمس. (( فقال :بال الشيطان في أذنه )) حقيقة َف َس هد أذنيه عن سماع أذان الفجر ،وأرخى عليه النوم ،حتى فاتته صلاة الصبح. دل الحديث على أن النوم عن صلاة الصبح غالباً ما يكون من الشيطان ،حيث يبول حقيقة في أذن العبد ،فيرخي عليه النوم ،وهذا غاية الإِذلال وا ِلإهانة له ،أن يتخذه الشيطان له كنيفاً. المرجع منار القاري شرح صحيح البخاري
الحديث الحادي عشر ع ْن أَ ِبي ُه َر ْي َر َة رضي الله عنه :أَ هن َر ُسولَ ال هلهِ صلى الله عليه وسلم َقالَ: « َي ْن ِزلُ َر ُّب َنا َت َبا َر َك َو َت َعالَى ُكله َل ْي َل ٍة إِ َلى ال هس َما ِء ال ُّد ْن َيا ِحي َن َي ْب َقى ُثلُ ُث الله ْي ِل الآ ِخ ُر، َيقُولَُ :م ْن َي ْد ُعونِي َفأَ ْس َت ِجي َب َل ُهَ ،م ْن َي ْسأَلُنِي َفأُ ْع ِط َي ُهَ ،م ْن َي ْس َت ْغفِ ُر ِني َفأَ ْغ ِف َر َل ُه» (بخاري)١١٤5 : شرح الحديث \" ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر \" نزولاً يليق بعظمته وجلاله ،نؤمن به ولا نكيفه ،ولا نأ ّوله قال البيهقي :أ ْس َل ُم الأقوال الإيمان بلا كيف والسكوت عن المراد ،وهو مذهب السلف \" \" يقول من يدعوني فأستجيب له ،من يسألني فأعطيه\" والفرق بينهما أن السؤال يختص بطلب المحبوب ،والدعاء يعم طلب المحبوب ودفع المكروه. \" من يستغفرني فأغفر له \" أي من يسألني العفو عن ذنوبه فأعفو عنه دل الحديث على استحباب الدعاء عند القيام لصلاة الليل والاستغفار والسؤال، لأنه وقت إجابة الدعوات وقضاء الحاجات. المرجع منار القاري شرح صحيح البخاري
الحديث الثاني عشر ع ْن َعا ِئ َش َة َر ِض َي اللهُ َع ْن َهاْ َقا َل ْت: \" لَ ْم َي ُكن ال هن ِب ُّي صلى الله عليه وسلم َعلَى َشي ٍء ِم َن ال هنوافِل أ َش هد ِم ْن ُه َت َعا ُهداً على َر ْك َع َت ْي ا ْل َف ْج ِر \" (البخاري)١١6٣ : شرح الحديث \" لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم على شيء من النوافل أشد منه تعاهداً على ركعتي الفجر \" أي لم يكن صلى الله عليه وسلم يحافظ على شيء من السنن الراتبة أشد محافظة منه على ركعتي الفجر. كا َن ال هنب ُّي ص هلى اللهُ علَي ِه وسلهم حري ًصا على ال هنوا ِف ِل ُموا ِظ ًبا علَيها ،وكا َن ِمن ُجمل ِة ِتل َك ال هنواف ِل نوافلُ ه َو أَش ُّد ِحر ًصا ع َل ْيها ِمن ال ُّسن ِن الأُ ْخرى ،ك َر ْكع َتيِ ال َفج ِر. وفي َهذا الحدي ِث أ هن النب هي ص هلى اللهُ ع َلي ِه وسلهم لم يك ْن أش هد حر ًصا \"وتعا ُه ًدا\"، أيِ :حفا ًظا و ُمتابع ًةِ ،من ِحرص ِه و َتعا ُه ِد ِه على ال هركعتي ِن اللهتي ِن قبلَ َصلا ِة ال َفجر ِ. فكا َن ص هلى اللهُ علَي ِه وسلهم لا ي َد ُعهما َق ُّط؛ وهذا ُيب ِّين أهم هي َة ال هركع َتي ِن ال هل َتي ِن َقبلَ ال َفج ِر عن َد النب ِّي صلهى الله عليه وسلهم ،و ُيشي ُر إلى الح ِّث على المواظب ِة َعليهما و َتعا ُه ِدهما. مايستفاد من الحديث دله هذا الحديث على مداومته -صلى الله عليه وسلم على ركعتي الفجر ،ومواظبته عليها ،ولهذا قالت الشافع ّية :ركعتا الفجر سنة مؤكدة ،.وقالت الحنفية :هما آكد السنن واختلفوا في قضائها فقال الجمهور :تقضى إلى الزوال.
الحديث الثالث عشر عن َعا ِئ َش َة َر ِض َي اللهُ َع ْن َها َقالَ ْت: \" َكا َن ال هنبِ ّي صلى الله عليه وسلم ُي َخ ِّفف ال هر ْك َع َت ْي ِن الله َت ْي ِن َق ْبلَ صلا ِة ال ُّصب ِح َح هتى إِ ِّني لأقول َهلْ َقرأ ِبأُ ِّم ا ْل ِك َتا ِب \" (البخاري)١١65 : شرح الحديث \" كان النبي صلى الله عليه وسلم يخفف الركعتي اللتين قبل الصبح \" أي أنه صلى الله عليه وسلم كان يخفف ركعتي الفجر ،ويسرع فيها. \" حتى إني لأقول :هل قرأ بأم الكتاب \" أي حتى أنني من شدة تخفيفه لها أشك فأقول في نفسي هل قرأ فيها بالفاتحة ،أو لم يقرأ شيئاً. و في هذا الحدي ِث بيا ٌن لصف ِة القِراء ِة في ركع َت ْي س هن ِة الفج ِر ،وأ هنهما خفيفتا ِن؛ فعائش ُة رضي الله عنها ِمن ش هد ِة تخفيف ال هنب ِّي صلهى الله عليه وس هلم لهما كانت تسأَلُ :هل قرأ فيها الفاتح َة أو لا؟ وليس معناه أ هنها ش هك ْت في قراء ِته ص هلى الله عليه وسلهم الفاتح َة ،وإ هنما المقصو ُد أ هنه كان ُيطيلُ في ال هنوافل ،فل هما خ هفف في قراء ِة ركع َتيِ الفج ِر صار كأ هنه لم يق َر ْأ بال ِّنسبة إلى غيرها ِمن ال هصلوا ِت؛ وذلك لإسرا ِعه بقراءتها. يستفاد من الحديث أولاً :أنه يستحب تخفيف القراءة في ركعتي الفجر. وقد ث َبت عن ال هنب ِّي ص هلى الله عليه وس هلم أ هنه ق َرأ في هاتي ِن ال هركعتين بسور َت ْيُ { :قلْ َيا أَ ُّي َها ا ْل َكافِ ُرو َن} ،و{ ُقلْ ُه َو اللهُ أَ َح ٌد}.
وقال الشافعي :يقرأ في الأولى ( ُقولُوا آَ َم هنا ِباَّ هل ِل) التي في البقرة ،وفي الثانية (قُلْ آَ َم هنا ِباَّ هللِ) التي في آل عمران ،لما في حديث ابن عباس رضي الله عنهما أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ بذلك أخرجه مسلم. ثانياً :الإسرار في ركعتي الفجر. المرجع منار القاري شرح صحيح البخاري
الحديث الرابع عشر ع ْن ُع َبا َد َة ْب ِن ال هصا ِم ِت رضي الله عنه َع ِن ال هن ِب ِّي -صلى الله عليه وسلم َقالَ: « َم ْن َت َعا هر ِم َن ال هل ْي ِل َف َقالََ :لا إِ َل َه إِ هلا ال هلهُ َو ْح َدهُ لا َش ِري َك َل ُه لَ ُه ا ْل ُم ْل ُك َو َل ُه ا ْل َح ْم ُد َو ُه َو َع َلى ُكلِّ َش ْي ٍء َق ِدي ٌر ،ا ْل َح ْم ُد َِّ هللِ َو ُس ْب َحا َن ال هل ِه َولا إِ َل َه إِ هلا ال هلهُ َوال هلهُ أَ ْك َب ُر َولا َح ْولَ َولا ُق هو َة إِ هلا ِباَّهل ِلُ ،ث هم َقالَ :ال هل ُه هم ا ْغفِ ْر لِي أَ ْو َد َعا ا ْس ُت ِجي َب لَ ُهَ ،فإِ ْن َت َو هضأَ َو َصلهى ُق ِب َل ْت َصلا ُت ُه» (بخاري)١١5٤ : شرح الحديث \" من تعا ّر من الليل \" أي :من استيقظ من نومه ليلاً. \" فقال :لا إله ،إلاّ الله وحده ،لا شريك له ،له الملك \" أي :فذكر الله تعالى بقوله \":لا إله إلاّ الله وحده ،لا شريك له ،له الملك \" أي :المنفرد وحده بالألوه ّية والملك الدائم دون سواه ،لأن كل ملك لغيره إلى زوال. \" وله الحمد \" أي المنفرد بالثناء الكامل ،والشكر الحقيقي ،لتفرده بالكمال المطلق والإِنعام الحقيقي ،إذ هو مصدر كل النعم كما قال عز وجلَ ( :و َما ِب ُك ْم ِم ْن نِ ْع َم ٍة َف ِم َن ال هلهِ) \" وهو على شيء قدير ،الحمد َّلل ،وسبحان الله\" أي إن الثناء المطلق والتنزيه الكامل َّلل عز وجل ،لأنه الموصوف بكل صفات الجلال والجمال، المنزه عن مشابهة المخلوقات ( َل ْي َس َك ِم ْثلِ ِه َش ْي ٌء َو ُه َو ال هس ِمي ُع ا ْل َب ِصي ُر) \" ولا إله إلاّ الله ،والله أكبر ،ولا حولَ ولا قوة إلاّ باَّلل \" أي لا تح ّول عن المعصية ،ولا قدرة على الطاعة إل ّا بعصمته وتوفيقه.
\" ثم قال \" :اللهم اغفر لي أو دعا استجيب له \" ونال طلبه ومراده. مايستفاد من الحديث أولاً :فائدة هذا الذكر المبارك ،وان له نفعه لمن قاله بيقين وإيمان بعد استيقاظه من نوم الليل ودعا ،فإنه يستجاب له. ثانياً :أن صلاة الليل بعد هذا الذكر مقبولة. المرجع منار القاري شرح صحيح البخاري
الحديث الخامس عشر ع ْن أَبِي ُه َر ْي َر َة رضي الله عنه َقالَ :أَ ْو َصا ِني َخلِيلِي صلى الله عليه وسلم بِ َثلا ٍث ،لا أَ َد ُع ُه هن َح هتى َأ ُمو َتَ :ص ْو ِم َثلا َث ِة أَ هيا ٍم ِم ْن ُكلِّ َش ْه ٍر َو َصلا ِة ال ُّض َحى َو َن ْو ٍم َع َلى ِو ْت ٍر (بخاري)١١٧٨ : شرح الحديث يقول أبو هريرة رضي الله عنه: \" أوصاني خليلي بثلاث لا أدعهن حتى أموت \" الخليل هو الصديق الخالص الذي تخللت محبته القلب فصارت في خلاله ،أي في باطنه والمعنى أمرني حبيبي رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلاثة أشياء هي من أفضل الأعمال فلا أتركها مدى الحياة ،ولا أزال أحافظ عليها حتى أموت. الأول \" :صوم ثلاثة أيام من كل شهر \" ففي صيامهن تحصيل أجر صوم شهر كامل ،باعتبار أن الحسنة بعشر أمثالها. واخ ُت ِلف في تعيين هذه الأيام على أقوال: ف هسره جماعة من الصحابة رضي الله عنهم بالأيام البيض (.)١5 ،١٤ ،١٣ ثلاث أيام من أول الشهر من أيام الاثنين والخميس. \" وصلاة الضحى \" أي :والثاني ركعتا الضحى. \" ونوم على وتر \" أي والثالث أن لا أنام حتى أصلّي صلاة الوتر فأقدم الوتر على النوم ،وأصليه أ ّول الليل.
يستفاد من الحديث أولاً :استحباب صلاة الضحى ،وأقلها ركعتان ،وأوسطها أربع ،وأكثرها ثمان. ثانياً :صوم الأيام البيض من كل شهر ،وهي من الأيام التي يستحب صيامها. ثالثاً :استحباب تقديم صلاة الوتر في أول الليل وأدائها قبل النوم. قال العيني :وهو محمول على من لم يستيقظ آخر الليل ،فإن أمن فالتأخير أفضل، للحديث الصحيح \" فانتهى وتره إلى السحر \". المراجع منار القاري شرح صحيح البخاري شرح أحاديث عمدة الأحكام
الحديث السادس عشر ع ْن َجابِ ِر ْب ِن َع ْب ِد ال هل ِه رضي الله عنهما َقالََ :كا َن َر ُسولُ ال هل ِه صلى الله عليه وسلم ُي َع ِّل ُم َنا الا ْس ِت َخا َر َة ِفي الأُ ُمو ِر ُك ِّل َها َك َما ُي َع ِلّ ُم َنا ال ُّسو َر َة ِم َن ا ْل ُق ْرآ ِنَ ،ي ُقولُ: «إِ َذا َه هم َأ َح ُد ُك ْم بِالأَ ْم ِر َف ْل َي ْر َك ْع َر ْك َع َت ْي ِن ِم ْن َغ ْي ِر ا ْل َف ِري َض ِة ُث هم لِ َي ُق ِل :ال هل ُه هم إِ ِّني أَ ْس َت ِخي ُر َك بِ ِع ْل ِم َك َوأَ ْس َت ْق ِد ُر َك ِب ُق ْد َر ِت َك َو َأ ْسأَلُ َك ِم ْن َف ْضلِ َك ا ْل َع ِظي ِمَ ،فإِ هن َك َت ْق ِد ُر َولا أَ ْق ِد ُر َو َت ْع َل ُم َولا أَ ْعلَ ُم َوأَ ْن َت َع هلا ُم ا ْل ُغ ُيو ِب ،ال هل ُه هم إِ ْن ُك ْن َت َت ْعلَ ُم أَ هن َه َذا ال َأ ْم َر َخ ْي ٌر لِي ِفي ِدينِي َو َم َعا ِشي َو َعا ِق َب ِة أَ ْم ِري ،أَ ْو َقالََ :عا ِج ِل أَ ْم ِري َوآ ِجلِ ِهَ ،فا ْق ُد ْر ُه لِي َو َي ِّس ْرهُ لِي ُث هم َبا ِر ْك لِي فِي ِهَ ،وإِ ْن ُك ْن َت َت ْع َل ُم أَ هن َه َذا الأَ ْم َر َش ٌّر لِي ِفي ِدينِي َو َم َعا ِشي َو َعا ِق َب ِة أَ ْم ِريَ ،أ ْو َقالَِ :في َعا ِج ِل َأ ْم ِري َوآ ِج ِل ِهَ ،فا ْص ِر ْف ُه َع ِّني َوا ْص ِر ْفنِي َع ْن ُهَ ،وا ْق ُد ْر ِل َي ا ْل َخ ْي َر َح ْي ُث َكا َن ُث هم أَ ْر ِضنِي ِب ِه»َ .قالََ « :و ُي َس ِّمي َحا َج َت ُه». (البخاري)١١66 : شرح الحديث ينبغي على المؤم ِن أ هلا يق ِص َد شي ًئا ِمن دقي ِق الأمور وجليلِها ح هتى يستخي َر الل َه فيه، ويسأَ َله أن يح ِم َله فيه على الخي ِر ،ويص ِر َف عنه ال هش هر؛ إذ َعا ًنا بالافتقا ِر إليه في كلِّ أم ٍر ،والتزا ًما ل ِذ هل ِة العبودي ِة له ،وا ِّتباع س هن ِة نب ِّيه صلهى الله عليه وس هلم في الاستخارة. والاستخار ُة طل ُب الخير في الشيء؛ ولذلك كان ال هنب ُّي ص هلى الله عليه وس هلم يع ِّل ُمهم هذا ال ُّدعا َء كما يع ِّل ُمهم ال ُّسور َة ِمن القرآن؛ ل ِش هد ِة حاجتِهم إلى الاستخارة في الحالات ك ِّلها ك ِش هد ِة حاج ِتهم إلى القِراء ِة في كلِّ ال هصلوات. (في الأمور كلها) أي :أمور الدنيا؛ لأن أمور الآخرة لا يحتاج فيها إلى الاستخارة؛ لأن الرجل إذا أراد أن يصلي ،أو يصوم ،أو يتصدق ،لا حاجة له
إلى الاستخارة ،ولكن يحتاج إلى الاستخارة في أمور الدنيا ،مثل :السفر، والنكاح ،وشراء المركب ،وبيعه ،وبناء الدار ،والانتقال إلى وطن آخر،... ونحو ذلك. (كما يعلمنا السورة من القرآن) يدل على شدة اعتنائه صلى الله عليه وسلم بتعليم الاستخارة. (إذا هم بالأمر) أي :إذا عزم على القيام بعمل م هما لا يع َل ُم وج َه ال هصواب فيه. (فليركع ركعتين) أي :ليصلي ركعتين ،وقد ُيذكر الركوع و ُيراد به الصلاة، كما ُيذكر السجود و ُيراد به الصلاة ،من قبيل ذكر الجزء وإرادة الكل. (من غير الفريضة) أي :من غير الصلوات الخمس المكتوبة؛ والمراد النوافل؛ بأن تكون تلك الركعتان من النافلة قال النووي(( :الظاهر أنها تحصل بركعتين من السنن الرواتب ،وتحية المسجد ،...وغيرها من النوافل)). (أستخيرك) أي :أطلب منك الخيرة ،أن تختار لي أصلح الأمرين؛ لأنك عالم به وأنا جاهل. (وأستقدرك) أي :أطلب أن ُت ْق ِد َرني على أصلح الأمرين ،إذ أطلب منك القدرة على ما نويته ،فإنك قادر على إقداري عليه ،أو أن تقد َر لي الخير وتيسره لي بسبب قدرتك عليه. (ويسمي حاجته)أي :يسمي أمره الذي قصده؛ مثلاً يقول(( :اللهم إن كنت تعلم أن هذا السفر خير لي ،...أو هذا النكاح ،...أو هذا البيع ،...ونحو ذلك. (في ديني )...أي :إن كان فيه خير يرجع لديني ،ولمعاشي ،وعاقبة أمري، وإنما ذكر عاقبة الأمر؛ لأنه ُر هب شيء يقصد فعله الإنسان يكون فيه خير في ذلك الحال ،ولكن لا يكون خيراً في آخر الأمر ،بل ينقلب إلى عكسه.
(معاشي) أي :العيش والحياة. (فاق ُد ْرهُ) أي :اق ِض لي به وهيئه. (فاصرفه عني) أي :لا تق ِض لي به ،ولا ترزقني إياه. (واصرفني عنه) أي :لا تيسر لي أن أفعله ،وأقلعه من خاطري. (حيث كان) أي :الخير؛ والمعنى :اق ِض لي بالخير حيث كان الخير. (ثم أرضني به) أي :اجعلني راضياً بخيرك المقدور ،أو بالِش ّر المصروف. المرجع الكلم الطيب
الحديث السابع عشر ع ْن َعائِ َش َة رضي الله عنها: \" أَ هن ال هنبِ هي صلى الله عليه وسلم َكا َن لا َي َد ُع أَ ْر َب ًعا َق ْبلَ ال ُّظ ْه ِر َو َر ْك َع َت ْي ِن َق ْبلَ ا ْل َغ َدا ِة \" (البخاري)١١٨2 : شرح الحديث في هذا الحدي ِث تخ ِب ُر السيدة عائش ُة رضي الله عنها بس هن ِة ال ُّظه ِر والفج ِر ا هلتي كان ال هنب ُّي ص هلى الله عليه وس هلم يوا ِظ ُب عليها. فذ َك َر ْت أ هنه كان لا ي َد ُع أرب ًعا قبل ال ُّظهر ،وركعتي ِن َقبل ال َغداة ،أي :ال ُّصبح. وقد اختلف ِت الأحادي ُث في ال هتن ُّفل قبل ال ُّظهر؛ ففي حدي ِث ابن ُعمر رضي الله عنهما :أ هن ال هنب هي ص هلى الله عليه وس هلم ركع ركعتي ِن قبل ال ُّظهر. وفي هذا الحدي ِث أ هنه ر َكع أرب ًعا ،وحاصلُ الأمر أ هن كله واح ٍد منهما أخ َبر بما رأى ،وكلٌّ منهما صحي ٌح. فال ُّس َنن ال هروات ُب على ما أخبر به اب ُن عم َر رضي الله عنهما عش ُر ركعات ،وهي: ركعتا ِن قبل ال ُّصبح ،وركعتا ِن قبل ال ُّظهر ،وركعتا ِن بعدها ،وركعتا ِن بعد المغرب، وركعتا ِن بعد ال ِعشاء وهي على ما أخ َب َر ْت به عائش ُة رضي الله عنها في أكث َر ِمن رواية :اثنتا َع ْشر َة ركع ًة ،بزياد ِة ركعتي ِن قبل ال ُّظهر.
قال الشيخ ابن باز \" :والرواتب اثنتا عشرة ركعة ،وذهب بعض أهل العلم إلى أنها عشر ،ولكن ثبت عنه صلى الله عليه وسلم ما يدل على أنها اثنتا عشرة ركعة ،وعلى أن الراتبة قبل الظهر أربع، قالت عائشة رضي الله عنها ( :-كان النبي -صلى الله عليه وسلم -لا يدع أربعاً قبل الظهر) ،أما ابن عمر رضي الله عنهما -فثبت عنه أنها عشر، وأن الراتبة قبل الظهر ركعتان ،ولكن عائشة وأم حبيبة رضي الله عنهما حفظتا أربعاً. والقاعدة أن من حفظ حجة على من لم يحفظ ،وبذلك استقرت الرواتب اثنتي عشرة ركعة :أربعا قبل الظهر ،وثنتين بعدها ،وثنتين بعد المغرب ،وثنتين بعد العشاء ،وثنتين قبل صلاة الصبح\" المراجع الدرر السنية الإسلام سؤال وجواب
الحديث الثامن عشر ع ْن أَ ِبي ُه َر ْي َر َة رضي الله عنه أَ هن ال هن ِب هي صلى الله عليه وسلم َقالَ: « َصلاةٌ ِفي َم ْس ِج ِدي َه َذا َخ ْي ٌر ِم ْن َأ ْل ِف َصلا ٍة ِفي َما ِس َواهُ إِ هلا ا ْل َم ْس ِج َد ا ْل َح َرام َ» ( بخاري)١١٩٠ : شرح الحديث يحدثنا أبو هريرة رضي الله عنه: أ ّن النبي صلى الله عليه وسلم قال \":صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه \" أي :أن الصلاة في المسجد النبوي ،وفي أي بقعة منه على مر العصور، مهما كبر واتسع أفضل وأكثر ثواباً من الصلاة في غيره ألف مرة. \" إلاّ المسجد الحرام \" أي :لا يستثنى من هذه الأفضلية سوى المسجد الحرام. يستفاد من الحديث أولاً :فضل الصلاة في المسجد النبوي على الصلاة في غيره ألف مرة، ومضاعفة ثوابها وأجرها ألف ضعف. واختلفوا في المسجد الحرام :هل الصلاة فيه أفضل ،أو الصلاة في المسجد النبوي أفضل ،والجمهور يرون أن الصلاة في المسجد الحرام أفضل ،لأن الصلاة فيه أفضل من مائة ألف صلاة في غيره. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم \" :صلاة في مسجدى هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد ،إلا المسجد الحرام ،وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة صلاة في هذا \"
فتكون الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة. ▪️ وأما المسجد الأقصى ،فقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة فيه ،فقال: \" صلاة في مسجدي هذا أفضل من أربع صلوات \" أي في المسجد الأقصى ثانياً :أن فضل الصلاة في مسجده صلى الله عليه وسلم لا يختص بالبقعة التي كانت في زمنه ،بل يدخل في ذلك كل بقعة أخرى تضاف إليه على مر العصور والأزمان. لأن الإشارة في قوله صلى الله عليه وسلم \" :صلاة في مسجدى هذا \" إشارة معنوية لا حسية ،فيدخل فيه كل توسعة وزيادة تضاف إليه ،كما يدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم :- \" لو بلغ مسجدي إلى صنعاء فهو مسجدي \" المراجع منار القاري شرح صحيح البخاري
الحديث التاسع عشر ع ْن أَبِي ُه َر ْي َر َة رضي الله عنه َع ِن ال هن ِب ِّي صلى الله عليه وسلم َقالَ: «لا ُت َش ُّد ال ِّر َحالُ إِ هلا إِلَى َثلا َث ِة َم َسا ِج َد :ا ْل َم ْس ِج ِد ا ْل َح َرا ِم َو َم ْس ِج ِد ال هر ُسو ِل صلى الله عليه وسلم َو َم ْس ِج ِد الأَ ْق َصى» (بخاري)١١٨٩ : شرح الحديث \" لا تشد الرحال إلاّ إلى ثلاثة مساجد \" أي لا يسن السفر إلاّ إلى هذه المساجد الثلاثة كما جاء مصرحاً بذلك في رواية مسلم ،حيث قال صلى الله عليه وسلم \":إنما يسن السفر إلى ثلاثة مساجد ،الكعبة ،ومسجدي ،ومسجد إيليا \" وهي المساجد المذكورة في قوله صلى الله عليه وسلم \" :المسجد الحرام، ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم ،ومسجد الأقصى \" يستفاد من الحديث أولاً :دل الحديث على فضل الصلاة في الحرمين وزيادة ثوابها فيهما .فرضاً كانت أو نفلاً كما عليه الجمهور ،لأ ّن استثناءهما في قوله صلى الله عليه وسلم \" :لا تشد الرحال إلاّ إلى ثلاثة مساجد \" ،يدل على أفضليتهما، ومضاعفة أجر الصلاة فيهما. قال الحافظ :في هذا الحديث فضيلة هذه المساجد ومزيتها على غيرها ،لأنها مساجد الأنبياء .ولأن المسجد الحرام قبلة الناس ،والمسجد النبوي أول مسجد أسس على التقوى ،والأقصى قبلة الأمم السابقة. ثانياً :أنه لا يستحب ولا يسن السفر لقصد الصلاة .والتعبد إلاّ إلى هذه المساجد الثلاثة ،كما جاء منصوصاً عليه في رواية مسلم.
الحديث العشرون ع ْن أَبِي ُه َر ْي َر َة رضي الله عنه َع ِن ال هن ِب ِّي صلى الله عليه وسلم َقالَ: « َما َب ْي َن َب ْيتِي َو ِم ْن َب ِري َر ْو َض ٌة ِم ْن ِر َيا ِض ا ْل َج هن ِةَ ،و ِم ْن َب ِري َع َلى َح ْو ِضي» (بخاري)١١٩6 : شرح الحديث \" ما بين بيتي ومنبري \" أى :إن البقعة الواقعة بين بيت عائشة رضي الله عنها ومنبره الشريف صلى الله عليه وسلم \" روضة من رياض الجنة \" حقيقة بمعنى أنها قطعة منها كالحجر الأسود والنيل والفرات فتنقل إليها يوم القيامة، كما أفاده الزرقاني. \" ومنبري على حوضي \" أي ويقع منبره الشريف على موضع حوضه المورود الذي يكرمه الله به يوم القيامة ،ويكرم به أمته صلى الله عليه وسلم يستفاد من الحديث دل الحديث على فضل الروضة المشرفة على سواها من بقاع الأرض حيث أخبرنا صلى الله عليه وسلم أنها من بقاع الجنة حقيقة لا مجازاً. قال ابن أبي جمرة :فيكون الموضع المذكور روضة من رياض الجنة الآن ،ويعود روضة في الجنة كما كان ،وللعامل فيها روضة في الجنة. وفيه استحباب الصلاة في الروضة لدلالة الحديث على أن للعامل فيها روضة من رياض الجنة ،ولهذا قال الخطابي :من لزم طاعة الله في هذه البقعة آلت الطاعة به إلى روضة من رياض الجنة.
الحديث الحادي والعشرون عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال : \" كان النب ُّي صلهى اللهُ علي ِه وس هل َم يأتي مسج َد قبا ٍء كله سب ٍت ،ماش ًيا وراك ًبا \" وكان عب ُد اللهِ رض َي الله عنه يفعلُه (البخاري )١١٩٣ : شرح الحديث ُع ِرف عب ُد اللهِ ب ُن ُع َم َر ر ِضي اللهُ عنهما ب ُمتابعتِه لِل هنبِ ِّي ص هلى اللهُ عليه وس هل َم و َتح ِّريه ل َه ْدي ِه في أ َد ِّق أفعا ِله ،وهذا الحدي ُث يم ِّثلُ إحدى هذه ال ُّصور ا هلتي تدلُّ على ِش هد ِة ُمتاب َعة اب ِن ُع َم َر ر ِضي اللهُ عنهما لِل هنبِ ِّي ص هلى اللهُ عليه وسله َم؛ َفإ هن عب َد الل ِه ب َن ُع َم َر ر ِضي اللهُ عنهما كان َيزو ُر َم ْسج َد ُقبا ٍء كله َس ْب ٍت؛ وذلك ِلأَ هنه قد أَ ْخ َب َر عنه ص هلى اللهُ عليه وس هل َم أ هنه كان َيزو ُره كله َس ْب ٍت ماش ًيا وراك ًبا ،أيَ :يمشي أحيا ًنا، وي َر ْك َب أحيا ًنا. \" كان النبي صلى الله عليه وسلم يأتي مسجد قباء كل سبت \" أي كان صلى الله عليه وسلم يداوم ويواظب على زيارة مسجد قباء والذهاب إليه أسبوعياً كل يوم سبت في وقت الضحى \" ماشياً وراكباً \" أي :كان يحرص على هذه الزيارة في جميع الأحوال ،فإن تيسر له الركوب ذهب إليه راكباً ،وإ ّلا فإنه يذهب إليه ماشياً وفي رواية \" فيصلّي فيه ركعتين \"
ويستفاد منه ما يأتي: أولاً :قال العيني :فيه دلالة على فضل قباء وفضل المسجد الذي فيها ،وفضل الصلاة فيه ثانياً :استحباب زيارة مسجد قباء والصلاة فيه ركعتين يوم السبت عند الضحى اقتدا ًء به صلى الله عليه وسلم قال النووي :يستحب استحبابا متأكدا أن تأتي مسجد قباء وهو في يوم السبت آكد ناويا التقرب بزيارته والصلاة فيه لحديث ابن عمر رضي الله عنه المراجع منار القاري شرح صحيح البخاري
الحديث الثاني والعشرون عن أبي ُهرير َة رضي اللهُ عنه قال ُ \" :ن ِه َي أن ُيصلِّ َي الرجلُ ُمخ َت ِص ًرا \" (البخاري )١22٠ : شرح الحديث: يقول أبو هريرة رضي الله عنه \" :نهي أن يصلي الرجل مختصر ًا \" َنهى ال هنب ُّي ص هلى اللهُ ع َلي ِه وس هلم أ ْن ُيص ِّلي ال هرجلُ وه َو \" ُمخت ِص ٌر\" أي َوه َو َواض ٌع ي َد ُه أو َيديِه على خا ِصرتِ ِه ،والخا ِصرةُ ه َي َوس ُط الإنسا ِن ِم هما يلي ال ُّظهر قال ابن سيرين ،في حديث سعيد بن زياد ،قال \" :صليت إلى جنب ابن عمر رضي الله عنهما فوضعت يدي على خاصرتي ،فلما ص ّلى قال :هذا الصلب في الصلاة، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم -ينهى عنه \" مايستفاد من الحديث : دل الحديث على النهي عن الاختصار في الصلاة. وقد اختلفوا في حكمه فحمل الجمهور النهي في هذا الحديث على الكراهة ،وهو مذهب ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم ومالك والشافعي والحكمة في النهي عنه كونه من فعل اليهود ،فنهينا عن التشبه بهم كما قالت عائشة رضي الله عنها \" :إ ّن اليهود تفعله في الصلاة \"
الحديث الثالث والعشرون َع ْن أَبِي َذ ٍّر رضي الله عنه َقالََ :قالَ َر ُسولُ ال هل ِه صلى الله عليه وسلم : «أَ َتا ِني آ ٍت ِم ْن َر ِّبي َفأَ ْخ َب َر ِني ،أَ ْو َقالََ :ب هش َرنِي ،أَ هن ُه َم ْن َما َت ِم ْن أُ هم ِتي لا ُي ْش ِر ُك بِاَّ هل ِل َش ْي ًئا َد َخلَ ا ْل َج هن َة» قُ ْل ُتَ :وإِ ْن َز َنى َوإِ ْن َس َر َق؟ َقالََ « :وإِ ْن َز َنى َوإِ ْن َس َر َق» (بخاري)١2٣٧ : شرح الحديث: يقول النبي صلى الله عليه وسلم \" أتاني آت من ربي \" أي جاءني ملك من عند ربي \" فأخبرني أو قال بشرني \" وهو الأنسب لأن معناه جاءني الملك بالوحي الصريح ،فأخبرني خبراً ساراً ،ابتهجت له ،وتهلل له وجهي ،وفرح به قلبي فرحاً عظيماً ،ظهرت آثاره َعل هي حيث بلغني عن الله تعالى \" أن من مات من أمتي لا يشرك باَّلل شيئاً \" ومعناه أن من مات على التوحيد الخالص ،ولم يجعل َّلل شريكاً في عبادته ولا في ذاته وصفاته وأفعاله \"دخل الجنة \" أي كان مصيره إلى الجنة ،فلا يخ ّلد في النار ولو ارتكب الكبائر مايستفاد من الحديث دل هذا الحديث على ما يأتي: أولاً :البشارة لهذه الأمة بأن من مات على توحيد الله والتصديق بما جاء به رسول الله فإن مصيره إلى الجنة ،ولا يخلد في النار ،ولا يسلب عنه اسم الإِيمان مهما اقترف من الكبائر
ثانياً :أن الموت على التوحيد والإِيمان شرط في دخول الجنة .فالمشرك لا يدخل الجنة أبداً ،وإنما هو مخلد في النار ،وذلك مصداق قوله تعالىَ ( :و َر هب ُك ْم إِ هن ُه ُ َم ْن ُي ْش ِر ْك بِاَّ هللِ َف َق ْد َح هر َم ال هلهُ َع َل ْي ِه ا ْل َج هن َة َو َمأْ َوا ُه ال هنا ُر َو َما لِل هظا ِل ِمي َن ِم ْن أَ ْن َصا ٍر). فائدة هامة :ذكر بعض أهل العلم أن هناك ستة أشياء من حافظ عليهما كان لها أثرها العظيم في حسن الخاتمة وهي : البسملة في بداية الأعمال ،والحمد َّلل في نهايتها ،والحوقلة عند المكروه ،وهي قول :لا حول ولا قوة إلاّ باَّلل ،والاسترجاع عند المصيبة ،وإذا عزم على أمر قال: إن شاء الله ،وإذا أذنب استغفر الله المراجع منار القاري شرح صحيح البخاري
الحديث الرابع والعشرون َع ِن ا ْل َب َرا ِء ْب ِن َعا ِز ٍب رضي الله عنه َقالَ :أَ َم َر َنا ال هنبِ ُّي صلى الله عليه وسلم ِب َس ْب ٍع َو َن َها َنا َع ْن َس ْب ٍع :أَ َم َر َنا بِا ِّت َبا ِع ا ْل َج َنا ِئ ِزَ ،و ِع َيا َد ِة ا ْل َم ِري ِضَ ،وإِ َجا َب ِة ال هدا ِعيَ ،و َن ْص ِر ا ْل َم ْظلُو ِمَ ،وإِ ْب َرا ِر ا ْل َق َس ِمَ ،و َر ِّد ال هسلا ِمَ ،و َت ْش ِمي ِت ا ْل َعا ِط ِسَ ،و َن َها َنا َع ْن آنِ َي ِة ا ْلفِ هض ِة، َو َخا َت ِم ال هذ َه ِبَ ،وا ْل َح ِري ِرَ ،وال ِّدي َبا ِجَ ،وا ْل َق ِّس ِّيَ ،والإِ ْس َت ْب َر ِق» (بخاري)١2٣٩ : شرح الحديث: يؤكد لنا النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة ما جاء به الإِسلام من الشرائع والأحكام التي تضمن تصرف الناس بعضهم مع بعض على وجه سليم يضمن لكل إنسان حياة سعيدة كريمة ،ويحفظ له حقوقه ،ويصون كرامته في حياته ،وبعد مماته وأصدق مثل على ذلك قول الراوي \" أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بسبع \" فإن هذه الأعمال السبعة التي أمر بها صلى الله عليه وسلم كلها تهدف إلى رعاية حقوق الإنسان ،في حياته وتكريمه بعد وفاته حيث قال الراوي \" :أمرنا باتباع الجنائز \" أي بتشييع موتى المسلمين وحملهم على أعناق الرجال إلى مثواهم ،بعد القيام بحقوقهم الأخرى من غسل وتكفين ،وصلاة عليهم تكريماً؛ وتوديعاً؛ ودعا ًء؛ وشفاعة لهم ،فإ ّن المشيعين في الحقيقة شفعاء عند الله تعالى. \" وعيادة المريض \" وهنا انتقل الحديث إلى بيان الحقوق الاجتماعية التي تجب على كل مسلم ويسن له أداؤها لغيره من المسلمين ،أو من الناس مطلقاً حيث أمر النبي صلى الله عليه وسلم بعيادة المريض أي زيارته أثناء مرضه ،لتسليته
والتخفيف عنه ،وإشعاره بمنزلته ،وأهميته ،وهي من أقوى العوامل المؤدية إلى تحسين حالته النفسية والجسمية ،ورفع معنويته ،وزيادة مقاومته .ولا تختص عيادة المريض بالمسلم ،بل تكون لكل من له صلة قرابة أو علاقة جوار ولو كان ذمياً \"وإجابة الداعي\" أي وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بإجابة الدعوة وهي ما يتخذ من الطعام عند المناسبات السعيدة من حدوث نعمة أو زوال نقمة ابتهاجاً وفرحاً وشكراً َّلل تعالى \" ونصر المظلوم \" أي إغاثته ،ودفع الظلم عنه ولو كان ذمياً \" وإبرار القسم \" وهو فعل الشيء الذي أقسم عليه تحقيقاً لرغبته لئلا يحنث في يمينه \" ورد السلام\" على من بدأ بالسلام تجاوباً معه وإشعاراً له بالمحبة وصادق الألفة والمودة \" وتشميت العاطس \" أي الدعاء له بالخير إذا حمد الله ،فيقال له :يرحمك الله ثم انتقل الراوي إلى الحديث عن بعض المح ّرمات التي نهى عنها النبي صلى الله عليه وسلم فقال: \" ونهانا عن آنية الفضة وخاتم الذهب ،والحرير والديباج \" وهو ما غلظ من الحرير \" والق ِّس ّي \" (بفتح القاف وكسر السين المشددة) وهو الثياب المخلوطة بالحرير وفي رواية أخرى للبخاري ومسلم هناك توضيح للأمر السابع المنهي عنه
وعن أَبي ُعمارة ا ْلبرا ِء ب ِن عاز ٍب رضي ال هله عنهما َقالَ\" :أَمرنا رسولُ ال هله ﷺ ِبس ْب ٍع ،ونهانا عن سب ٍع :أَمر َنا ِب ِعيادة ا ْلم ِري ِضَ ،وا ِّت َبا ِع ا ْلجناز ِة ،و َت ْش ِمي ِت ا ْلعا ِطس، َوإِ ْبرا ِر ا ْل ُم ْق ِس ِم ،و َن ْص ِر ال َم ْظلُو ِمَ ،وإِجا َب ِة ال هدا ِعي ،وإِ ْفشا ِء ال هسلا ِمَ .و َنها َنا َع ْن خوا ِتي َم –أَ ْوَ :تخ ُّت ٍم بال هذه ِبَ -وع ْن ُش ْر ٍب بالف هض ِة ،و َع ِن ال َميا ِث ِر ال ُح ْم ِرَ ،و َع ِن ا ْل َق ِّس ِّيَ ،و َع ْن لُ ْب ِس ال َح ِري ِر َوالإِ ْس َت ْب َر ِق َوال ِّدي َبا ِج\" ((وعن المياثر الحمر)) المياثر الحمر :جمع ميثرة ،وهي شيء يتخذ من حرير ويحشى في داخله القطن مث ًلا أو غير القطن ،ويجعل على السرج على الفرس، يكون ألين وأنعم وأرق ،وحتى لو كانت ليست بحمراء فإنه لا يجوز للرجل أن يجلس على الحرير ،ولا أن يلبس الحرير ،فالمياثر الحمر كانت من زي العجم، ونحن منهيون عن التشبه بالأعاجم. مايستفاد من الحديث دل هذا الحديث على ما يأتي: أولاً :مشروعية المحافظة على هذه الأعمال السبعة التي أمرنا بها النبي صلى الله عليه وسلم لأنها تكفل لكل فرد رعاية حقوقه حياً كان أو ميتاً .وتختلف هذه الأعمال في أحكامها الشرعية من حيث الوجوب والسن ّية فأما تشييع الجنائز فهو فرض كفاية اتفاقاً ،إذا قام به البعض سقط عن الباقين وكذلك نصر المظلوم لمن كان قادراً عليه ولم يخ َش ضرر ًا يصيبه منه ،وكذلك رد السلام عند مالك والشافعي ،وأما تشميت العاطس ،وإبرار القسم ،وعيادة المريض ،فإ ّنها سنن مستحبة.
وذهب بعض الفقهاء إلى أن عيادة المريض فرض كفاية ،حكمها في ذلك حكم إطعام الجائع وفك الأسير ،وقد ر ّغب النبي صلى الله عليه وسلم فيها كثيراً فقال صلى الله عليه وسلم \" :-إذا عاد المسلم أخاه لم يزل في ُخ ْر َف ِة الجنة\" أي في روضة من رياضها وفي الحديث القدسي \" :يقول الله تعالى :يا ابن آدم مرضت فلم تعدني ،قال :يا رب! وكيف أعودك وأنت رب العالمين ،قال :أما علمت أن عبدي فلاناً مرض فلم تعده ،أما علمت أنك لو ُع هدته لوجدتني عنده \" أما إجابة الدعوة فإنها فرض عين كما صرح به الحنابلة ،ونص عليه مالك، وفرق الشافعية بين وليمة العرس وغيرها ،فأوجبوها في الأولى واستحبوها في الثانية .فإجابة الدعوة واجبة إلاّ إذا كان طعامها مشبوهاً أو حراماً أو فيها محرم، أو من ُيتأ هذى به ،فلا تجوز إجابتها ثانياً :استدل أبو حنيفة بقوله \" :أمرنا با ِّتباع الجنائز \" على أن المشى خلف الجنازة أفضل حيث فسر الاتباع بالاتباع الحسي ،وهو المشي خلف الشيء وقالت الشافعية :المشي أمام الجنازة أفضل لما روي بإسناد صحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال \" :رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم -وأبا بكر وعمر يمشون أمام الجنازة \" أخرجه أبو داود .ولأن المشيعين شفعاء للميت ،ومن حق الشفيع أن يتقدم على مشفوعه .وأجابوا بأن المراد بالاتباع الاتباع المعنوي وهو تشييع الجنائز إلى مثواها ثالثاً :تحريم آنية الفضة وخاتم الذهب والحرير بأنواعه لأن النبي -صلى الله عليه وسلم -نهى عنها ،والنهى هنا للتحريم عند الجمهور.
الحديث الخامس والعشرون عن أنس رضي الله عنه َقالََ :قالَ ال هن ِب ُّي صلى الله عليه وسلم : « َما ِم َن ال هنا ِس ِم ْن ُم ْسلِ ٍم ُي َت َو هفى َل ُه َثلا ٌث َل ْم َي ْبلُ ُغوا ا ْل ِح ْنث إِ هلا أَ ْد َخ َل ُه ال هلهُ ا ْل َج هن َة بِ َف ْض ِل َر ْح َم ِت ِه إِ هيا ُهم ْ» (بخاري)١2٤٨ : شرح الحديث: يقول النبي صلى الله عليه وسلم \" :-ما من الناس من مسلم يتوفى له ثلاث لم يبلغوا الحنث \" أي لا يموت لأي واحد من المسلمين ثلاثة أولاد صغار ذكوراً أو إناثاً قبل بلوغهم \" إلا أدخله الله الجنة بفضل رحمته إياهم \" أي بسبب شدة حزنه على فراقهم الناشىء عن قوة محبته لهم ورقة قلبه ،وعطفه عليهم فيثيبه الله على هذه الآلام النفسية التي يقاسيها بسبب شدة وجده وصبره واحتسابه لهم عند الله بالجنة ونعيمها. مايستفاد من الحديث دل هذا الحديث على ما يأتي: أولاً :بيان أجر المصيبة في الأولاد ولو ماتوا صغاراً ،فإنه لا جزاء لذلك إلاّ الجنة ثانياً :أن محبة الأبوين لولدهما ورقة قلبهما عليه ،وإن كان غريزة طبيعية في النفس ،إلاّ أن المرء يثاب عليها ،ولذلك عوض عن فقد الأولاد بالجنة كما قال صلى الله عليه وسلم \" :إ ّلا أدخله الله الجنة بفضل رحمته إياهم \"
الحديث السادس والعشرون َع ِن ا ْب ِن َع هبا ٍس رضي الله عنهما َقالََ :ب ْي َن َما َر ُجلٌ َوا ِق ٌف بِ َع َر َف َة إِ ْذ َو َق َع َع ْن َرا ِح َل ِت ِه َف َو َق َص ْت ُه ،أَ ْو َقالََ :فأَ ْو َق َص ْت ُهَ ،قالَ ال هنبِ ُّي صلى الله عليه وسلم « :ا ْغ ِسلُو ُه بِ َما ٍء َو ِس ْد ٍر َو َك ِّف ُنو ُه فِي ث ْو َب ْي ِن َولا ُت َح ِّن ُطو ُه َولا ُت َخ ِّم ُروا َر ْأ َس ُهَ ،فإِ هن ُه ُي ْب َعث َي ْو َم ا ْلقِ َيا َم ِة ُملَ ِّب ًيا » (بخاري)١265 : ▪( فوقصته ) من الوقص وهو كسر العنق . ▪( سدر ) ورق شجر ،يدق ويستعمل في الغسل والتنظيف . ▪( ولا تحنطوه ) لا تضعوا له ال َحنوط ،وهو طيب يخلط للميت خاصة ،وهو يدل على أن جميع أنواع الطيب لا تحل للمحرم شرح الحديث َو َق َع َر ُجلٌ عن را ِحلَ ِته وكا َن َيقِ ُف ِب ِجوا ِر ال هنب ِّي َص هلى الله عليه وس هلم بِ َع َرف َة \" َف َو َق َص ْته\" ،أيَ :ك َس َر ْت ُع ُن َقه ،أو \" َفأَ ْق َص َع ْته\" أيَ :قت َل ْته َمكا َنه َفما َت َفأَ ْمر ال هنب ُّي َصلهى الله عليه وسلهم أ ْن َيغ ِسلوه ِبما ٍء و ِس ْد ٍر ،و ُي َك ِّفنوه في َثو َب ْي ِن ولا ُي َح ِّنطوه؛ لِما في ال َحنو ِط ِمن ال ِّطي ِب ولا ُي َخ ِّمروا َر ْأ َسه ،أي :لا ُي َغ ُّطوه؛ ِلأَ هنه ُمح ِرمَ ،فإ هنه ُي ْب َع ُث َيو َم القيام ِة ُيلَ ِّبي ،أو ُم َل ِّب ًيا ،أيَ :على صور ِة الحا ِّج ال ُملَ ِّبي. قوله َ \" :فإِ هن ُه ُي ْب َع ُث َي ْو َم ا ْلقِ َيا َم ِة ُملَ ِّبيا \" فيه :أ هن َمن مات على َع َمل صا ِلح ُب ِعث على ما مات عليه ،و ُر ِجي له ا ْل َخ ْير
قال ابن بطال :و ِفيه َدليل أ هن َمن َش َرع في َع َم ٍل ِمن َع َم ِل ال هطاعات و َص هحت ِفيه نِـ هي ُته َّلل ،و َحال َب ْي َنه و َب ْين َت َما ِمه ا ْل َم ْوت ؛ فإن ال هر َجاء َقوي أ هن الله قد َك َت َبه في الآ ِخ َرة ِمن أ ْهل َذلك ال َع َمل و َت َق هبله ِمنه ومصداقه قوله تبارك وتعالى َ ( :و َم ْن َي ْخ ُر ْج ِم ْن َب ْيتِ ِه ُم َها ِج ًرا إِ َلى ال هلهِ َو َر ُسو ِل ِه ُث هم ُي ْد ِر ْك ُه ا ْل َم ْو ُت َف َق ْد َو َق َع أَ ْج ُرهُ َع َلى ال هلهِ َو َكا َن ال هلهُ َغ ُفو ًرا َر ِحي ًما) . يستفاد من الحديث -١وجوب غسل الم ّيت ،وتكفينه ،لأمر رسول الله َص هلى اللهُ عليه وسلهم به ،وهو إجماع في ح ّق المسلم. -2أن المشروع في ح ّق الم ّيت أن يغسل بماء وسدر أو ما يقوم مقامه ،لا يقتصر فيه على الماء وحده. -٣جواز التكفين في ثوبين ،والأفضل ثلاثة ،ففي ال ّصحيحين َع ْن َعا ِئ َش َة َقا َلت ْ: ُك ِّف َن ال هن ِب ُّي َصلهى اللهُ عليه وسلهم ِفي َث َلا َث ِة أَ ْث َوا ٍب ُس ُحولِ هي ٍة بِي ِض. قال المح ّب الطبري \":إ ّنما لم يزده ثوبا ثالثا تكرم ًة له ،كما في ال ّشهيد حين قال: (( َز ِّملُو ُه ْم بِ ِد َما ِئ ِه ْم )) \"اهـ. -٤أ هن ال ُمح ِر َم َيبقى في َح ِّق ِه ُحك ُم الإ ْحرا ِمَ ،فلا ُي َح هن ُط ،ولا ُي َغ هطى َر ْأ ُسه ،ولا ُي َك هف ُن في َثلاث ِة أ ْثوا ٍب َك َغي ِره ولكن في َثو َب ْي ِن فيستحب تكفين ا ْل ُم ْح ِرم إذا مات حال إحرامه في َثو َبين ،ويدل الحديث على أنه يستر بدنه كله بالكفن إلا الرأس والوجه َ -5ت ْكفي َن ال ُم ْح ِر ِم في ثيا ِب إ ْحرا ِمه و استِ ْعمال ال ِّس ْد ِر في ُغ ْس ِل ال َم ِّي ِت. -6أ ّن الكفن مق ّدم على ال هدين وغيره ،لأمره َص هلى اللهُ عليه وس هلم بتكفينه في ثوبيه ،ولم يستفصل هل عليه دين يستغرق جميع ما لديه أو لا ؟
-٧أ ّن المحرم ممنوع من الطيب ،لأ ّنه ص ّلى الله عليه وسلّم عندما قالَ ( :ولاَ َت َم ُّسو ُه بِ ِطي ٍب ) علّل ذلك بكونه مح ِرماً يبعث مل ّبيا. وفي ال ّصحيحين من حديث ابن عمر َر ِضي اللهُ عنه ( :لاَ َت ْلبِ ُسوا ِم َن ال ِّث َيا ِب َش ْي ًئا َم هس ُه َو ْر ٌس أَ ْو َز ْع َف َرا ُن )[ .الورس :نبات ط ّيب ال ّرائحة ُيصبغ به] -٨أ ّن المحرم ممنوع من تغطية رأسه ،وهذا أمر م ّتفق عليه. -٩منع المحرم من تغطية وجهه وال ّشاهد من هذا الحديث وهذه الأحكام المستنبطة: أ ّن المح ِرم بح ّج أو عمرة ،با ٍق على ح ّجه أو عمرته ح ّتى يبعثه الله من قبره ،فما أعظم أجره ! وما أرفع درجته ! المرجع عبد الرحمن بن عبد الله السحيم
الحديث السابع والعشرون َع ْن أُ ِّم َع ِط هي َة رضي الله عنها َقا َل ْت: \" ُن ِهي َنا َع ِن ا ِّت َبا ِع ا ْل َج َنا ِئ ِزَ ،و َل ْم ُي ْع َز ْم َعلَ ْي َنا \" (بخاري)١2٧٨ : شرح الحديث: نهى النبي صلى الله عليه وسلم النساء ومنعهن عن تشييع الجنائز والخروج معها إلاّ أنه لم يشدد عليهن في ذلك. قول الصحابي أو الصحابية ُ \" :نهينا \" أو \" أُ ِم ْرنا \" له ُح ْكم ا ْل َح ِديث ا ْل َم ْر ُفوع ؛ لأن الآ ِمر والناهي لهم هو رسول الله صلى الله عليه وسلم قال النووي :قول الصحابي :أمرنا بكذا ،ونهينا عن كذا ،أو أمر الناس بكذا ، ونحوه فكله مرفوع سواء قال الصحابي ذلك في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم ،أم بعد وفاته َنـ ْهي ال ِّن َساء عن ا ِّت َباع الجنائز َن ْهـ ًيا غير جازم ؛ لقولها ( َو َل ْم ُي ْع َز ْم َعلَ ْي َنا ) \" ُنهينا عن ا ِّتباع الجنائز ،ولم يعزم علينا \" أي لم ُيجزم علينا ،ولم ُيش ّدد علينا .وظاهر كلامها أنهن ُنهين عن ذلك َنهي َت ْن ِزيه وكراهة وقال النووي :وقولها \" :ولم ُيعزم علينا \" معناه ُ :نهينا نهيا شديدا غير ُمح ّتم ،ومعناه :كراهة َت َنزيه ليس بِ َحرام وقال ابن حجر َ :ق ْولها َ \" :و َل ْم َي ْع ِزم َعلَ ْي َنا \" ،أَ ْي َ :و َل ْم ُي َؤ ِّكد َعلَ ْي َنا فِي ا ْل َم ْنع َك َما أَ هك َد َع َل ْي َنا فِي َغ ْيره ِم ْن ا ْل َم ْن ِه هيات َ ،ف َكأَ هن َها َقا َل ْت َ :ك ِر َه لَ َنا ِا ِّت َباع ا ْل َج َنا ِئز ِم ْن َغ ْير َت ْح ِريم
فدل الحديث على كراهية تشييع النساء للجنائز تنزيهاً لا تحريماً ،وهو مذهب الجمهور حيث حملوا النهي على الكراهة لقول أم عطية \" :ولم يعزم علينا \" وأما حديث \" لعن الله زائرات القبور \" فهو حديث ضعيف ،وص ّح بلفظ \"ز ّوارات القبور \" ،وهذا يختلف عن اللفظ السابق ؛ لأن لفظ \" ز ّوارات \" فيه ُمبالغة وكثرة قال القرطبي :هذا اللعن إنما هو لل ُمكثرات ِمن الزيارة ؛ لِ َما تقتضيه الصفة ِمن المبالغة و عن عائشة رضي الله عنها فقد أقبلت ذات يوم من المقابر فقال لها ابن أبي مليكة :يا أم المؤمنين من أين أقبلت ؟ قالت :من قبر أخي عبد الرحمن بن أبي بكر ،قال :فقلت لها :أليس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن زيارة القبور ؟ قالت \":نعم ،كان قد نهى ثم أمر بزيارتها \" رواه الحاكم ،وصححه الألباني وعليه فإن زيارة النساء للقبور جائزة شريطة ما يلي: ▪عدم الإكثار من الزيارة حتى لا تكون (زوارة). ▪عدم النواحة والصياح واللطم،فإنها من عظيم الذنوب. ▪عدم التزين والتبرج والتعطر،وهذا محرم عليها سواء خرجت للقبور أو لأي مكان آخر،وتزداد حرمة هذا الفعل عند زيارة القبر المرجع /شرح أحاديث عمدة الأحكام (عبد الرحمن السحيم)
Search
Read the Text Version
- 1
- 2
- 3
- 4
- 5
- 6
- 7
- 8
- 9
- 10
- 11
- 12
- 13
- 14
- 15
- 16
- 17
- 18
- 19
- 20
- 21
- 22
- 23
- 24
- 25
- 26
- 27
- 28
- 29
- 30
- 31
- 32
- 33
- 34
- 35
- 36
- 37
- 38
- 39
- 40
- 41
- 42
- 43
- 44
- 45
- 46
- 47
- 48
- 49
- 50
- 51
- 52
- 53
- 54
- 55
- 56
- 57
- 58
- 59
- 60
- 61
- 62
- 63
- 64
- 65
- 66
- 67
- 68
- 69
- 70
- 71
- 72
- 73
- 74
- 75
- 76
- 77
- 78
- 79
- 80
- 81
- 82
- 83
- 84
- 85
- 86
- 87
- 88
- 89
- 90
- 91
- 92
- 93
- 94
- 95
- 96
- 97
- 98
- 99
- 100
- 101
- 102
- 103
- 104
- 105
- 106
- 107
- 108
- 109
- 110
- 111
- 112
- 113
- 114
- 115
- 116
- 117
- 118
- 119
- 120
- 121
- 122
- 123
- 124
- 125
- 126
- 127
- 128
- 129
- 130
- 131
- 132
- 133
- 134
- 135
- 136
- 137
- 138
- 139
- 140
- 141
- 142
- 143
- 144
- 145
- 146
- 147
- 148
- 149
- 150
- 151
- 152
- 153
- 154
- 155
- 156
- 157
- 158
- 159
- 160
- 161
- 162
- 163
- 164
- 165
- 166
- 167
- 168
- 169
- 170
- 171
- 172
- 173
- 174
- 175
- 176