Important Announcement
PubHTML5 Scheduled Server Maintenance on (GMT) Sunday, June 26th, 2:00 am - 8:00 am.
PubHTML5 site will be inoperative during the times indicated!

Home Explore شرح الأربعين النووية

شرح الأربعين النووية

Published by مكتبة(ورتل) الإلكترونيه, 2021-05-17 10:11:27

Description: شرح الأربعين النووية

Search

Read the Text Version

‫‪101‬‬ ‫الفائدة الثالثة ‪ :‬ينبغي أن يذكر مقدمة مناسبة قبل التعليم تشوق‬ ‫المستمع لما يقال ‪ ،‬كما فعل صلى الله عليه وسلم في رواية هذا‬ ‫الحديث حيث قال \" أعلمك كلمات \" ‪ ،‬لأن ابن عباس رضي الله‬ ‫عنهما إذا سمع ذلك شحذ همته ليحفظهن ويعمل بهن ‪.‬‬ ‫فمن تعلم هذه الكلمات انتفع بإذن الله‬ ‫الفائدة الرابعة ‪ :‬استغلال الوقت بما يفيد ففي حال ركوب ابن‬ ‫عباس رضي الله عنهما خلف النبي صلى الله عليه وسلم حرص‬ ‫صلى الله عليه وسلم أن يقطع الوقت بما يفيد من تعليم أو تذكير ‪.‬‬ ‫الفائدة الخامسة ‪ :‬فيه الاهتمام بأمر العقيدة ‪ ،‬فهذه الكلمات‬ ‫جميعها من أمور العقيدة‪.‬‬ ‫فيربي الحديث الاعتماد على الله سبحانه والتعلق به ورجاءه دون‬ ‫غيره‬ ‫الفائدة السادسة ‪ :‬يقرر الحديث الأعمال القلبية من التوكل‬ ‫والاستعانة والتعلق والخوف والرجاء لأنها حياة الإنسان وأصل‬ ‫العقيدة‬ ‫الفائدة السابعة ‪ :‬الجزاء من جنس العمل ‪ ،‬فمن حفظ الله حفظه الله‬ ‫‪ ،‬ومن استعان بالله أعانه سبحانه‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪102‬‬ ‫الفائدة الثامنة ‪ :‬من يحفظ أوامر الله يحصل على ثمرتين‬ ‫عظيمتين‪:‬‬ ‫‪ ‬الثمرة الأولى ‪ :‬يحفظه الله من كل مكروه لقوله في جواب‬ ‫الشرط \" يحفظك \"‬ ‫‪ ‬الثمرة الثانية ‪ :‬يعينه الله في أموره المستقبلية ويجلب له‬ ‫الخير لقوله \" احفظ الله تجده تجاهك \"‬ ‫الفائدة التاسعة ‪ :‬فيه تفسير لمعية الله الخاصة لعبادة المؤمنين‬ ‫كما هو مذهب أهل السنة والجماعة ‪ ،‬وهذه المعية الخاصة في‬ ‫قوله \" تجاهك \"‪ \" ،‬أمامك \"‪ \" ،‬يحفظك \"‪ \" ،‬يعرفك في‬ ‫الشدة \"‬ ‫الفائدة العاشرة ‪ :‬صلاح الدنيا والآخرة للشخص على قدر حفظه‬ ‫لحدود الله ‪ ،‬ولذلك قال في الحديث \" احفظ الله يحفظك \" وأطلق‬ ‫ولم يقيد الحفظ في المال أو الولد أو الصحة أو الدين ‪ ،‬وهذا‬ ‫الإطلاق حتى يشمل جميع ذلك ‪.‬‬ ‫الفائدة الحادية عشرة‪ :‬إثبات اسم الله \" الشكور \" حيث أن من‬ ‫معانيه أنه يشكر العبد على أعماله فيعينه عليها أولا ثم يتقبلها‬ ‫منه ثانيا ثم يجزيه عليها في الدنيا والآخرة فمن جزائه في الدنيا‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪103‬‬ ‫أنه يحفظ العبد وييسر له كل عسير وهذا من شكره سبحانه‬ ‫وتعالى لعبده‬ ‫الفائدة الثانية عشرة ‪ :‬التوجه والسؤال والحاجة لا تنزل إ ّلا بالله‬ ‫وحده ‪ ،‬فهو الذي يعطي ويمنع \" إذا سألت فاسأل الله \"‬ ‫الفائدة الثالثة عشرة‪ :‬قوله \" إذا سألت فاسأل الله ‪ ،‬وإذا استعنت‬ ‫فاستعن بالله \" مرادف لقوله تعالى ‪ { :‬إِيَّا َك نَ ْعبد وإِيَّا َك نَ ْستَ ِعين }‬ ‫(‪ :5‬سورة الفاتحة) ‪ ،‬فإن السؤال عبادة لله‬ ‫الفائدة الرابعة عشرة ‪ :‬جاء النص على السؤال دون غيره \" إذا‬ ‫سألت فاسأل الله \" لأن السؤال يجمع مقامات عالية منها ‪ :‬ـ‬ ‫الذل والافتقار والتوجه والمسكنة والخروج من الحول والقوة‬ ‫وإنزال الفاقة بالمسؤول وإحسان الظن به ‪ ،‬واتهام النفس‬ ‫بالقصور‪ ،‬ومعرفة قدرها وأنها لا تملك ضرا ولا نفعا‬ ‫الفائدة الخامسة عشرة ‪ :‬يدل الحديث على أن الشخص ضعيف لا‬ ‫يملك لنفسه حول ولا قوة ‪ ،‬حتى إعانته نفسه على ما يريد لا يقدر‬ ‫عليه إلاّ بإعانة المولى سبحانه‪.‬‬ ‫الفائدة السادسة عشرة ‪ :‬من أهداف الحديث تقرير مسألتين‬ ‫عظيمتين ‪ :‬ـ‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪104‬‬ ‫‪ ‬الأولى‪ :‬فقر الإنسان لربه ‪ ،‬وأنه لا غنى له عنه طرفة عين‬ ‫ولا أقل من ذلك وقطع الرجاء بالمخلوقين ‪.‬‬ ‫‪ ‬الثانية ‪ :‬غنى الله عن جميع المخلوقين وكماله بذاته سبحانه‬ ‫الفائدة السابعة عشرة ‪ :‬الكلمات التي تعلمها ابن عباس رضي الله‬ ‫عنهما تربي القوة والشجاعة في النفس ‪ ،‬فمن ن ّزل مسألته بالله‬ ‫دون غيره واستعان به وحده ‪ ،‬وعلم أن ما أصابه لا يخطؤه وما‬ ‫أخطأه لا يصيبه أصبح قويا في حجته ودعوته وسائر حياته‪.‬‬ ‫الفائدة الثامنة عشرة ‪ :‬المؤمن الصادق يعبد الله في كل أحيانه ‪،‬‬ ‫الرخاء والشدة ولذلك أوصى النبي صلى الله عليه وسلم ابن‬ ‫عباس رضي الله عنهما فقال \" تع ّرف على الله في الرخاء يعرفك‬ ‫في الشدة \" ‪ ،‬وليس كحال المشركين الذي قال الله عنهم {فَإِ َذا‬ ‫َر ِكبوا فِي ا ْلف ْل ِك َد َعوا ال َّلهَ م ْخلِ ِصي َن لَه ال ِّدي َن فَلَ َّما نَ َّجاه ْم إِلَى ا ْلبَ ِّر‬ ‫إِ َذا ه ْم ي ْش ِركو َن} (‪ )65‬سورة العنكبوت‪.‬‬ ‫الفائدة التاسعة عشرة ‪ :‬الاستعانة من أعمال القلوب التي يجب‬ ‫صرفها لله وحده‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪105‬‬ ‫الفائدة العشرون ‪ :‬يؤصل الحديث الإيمان بالقضاء والقدر ‪ ،‬وهذا‬ ‫الركن السادس من أركان الإيمان ‪.‬‬ ‫الفائدة الحادية والعشرون ‪ :‬قوله \" إ ّلا بشئ كتبه الله لك \"‪ ،‬وقوله‬ ‫\" إ ّلا بشئ كتبه الله عليك \" لا يعارض العمل ولا يدل على ترك‬ ‫العمل ‪ ،‬بدليل أول الحديث \" إذا سألت فاسأل الله ‪ ،‬وإذا استعنت‬ ‫فاستعن بالله \" فسؤال الله والاستعانة به هي من عمل الشخص‬ ‫يجازيه الله بها ‪.‬‬ ‫الفائدة الثانية والعشرون ‪ :‬الحديث يشمل أعمال الجوارح وأعمال‬ ‫القلوب ‪ ،‬فالسؤال والدعاء من أعمال الجوارح ‪ ،‬والاستعانة من‬ ‫أعمال القلوب ‪ ،‬وكلا الأمرين من أركان الإيمان‬ ‫الفائدة الثالثة والعشرون ‪ :‬يقرر الحديث الرضا بأقدار الله ‪ ،‬وهي‬ ‫منزلة أعلى من منزلة الصبر ‪.‬‬ ‫الفائدة الرابعة والعشرون ‪ :‬يقرر الحديث اليقين بالله سبحانه‬ ‫وأفعاله ‪.‬‬ ‫الفائدة الخامسة والعشرون ‪ :‬تقرير لمذهب أهل السنة والجماعة‬ ‫أن مشيئة الله هي النافذة ‪ ،‬وترجع مشيئة العبد إليها‬ ‫فالعبد له اختيار وله إرادة ولكن اختياره وإرادته تابعتان لمشيئة‬ ‫الله وإرادته ‪ ،‬فهو المصرف لعباده‪ ،‬والمدبر لشئونهم فلا‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪106‬‬ ‫يستطيعون أن يشاءوا شيئا أو يريدوا شيئا إلا بعد مشيئة الله له‪،‬‬ ‫فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن‬ ‫الفائدة السادسة والعشرون ‪ :‬يربي عظمة الله سبحانه في قلوب‬ ‫المؤمنين ‪ ،‬فمن تأمل قدرته الباهرة ‪ ،‬ومشيئته النافذة وأن ما‬ ‫شاء كان وما لم يشاء لم يكن عرف ذلك ‪.‬‬ ‫الفائدة السابعة والعشرون ‪ :‬النصر مع الصبر ‪ ،‬وهذا في جميع‬ ‫الأمور فمن صبر وصابر على مجاهدة نفسه وجهاد العدو وعبادة‬ ‫ربه انتصر بإذن الله ‪.‬‬ ‫الفائدة الثامنة والعشرون ‪ :‬الاستعجال والجزع لا يأتي بالنصر ‪،‬‬ ‫وهذا من مفهوم الحديث لأنه علق النصر بالصبر‬ ‫الفائدة التاسعة والعشرون ‪ :‬إذا اشتد الأمر وزاد الكرب ‪ ،‬وانغلقت‬ ‫جميع الأبواب ‪ ،‬كان هذا بإذن الله دليل على الفرج لقوله \" وأن‬ ‫الفرج مع الكرب \"‬ ‫الفائدة الثلاثون ‪ :‬الحديث يربي في النفوس عدم اليأس من روح‬ ‫الله ‪ ،‬وفرجه ‪ ،‬وحسن الظن به حتى لو اشتد الأمر لأن الفرج لا‬ ‫يأتي إ ّلا بعد الكرب ‪.‬‬ ‫الفائدة الحادية والثلاثون ‪ :‬قوله \" واعلم أن الفرج مع الكرب \"‬ ‫عام في جميع شؤون الحياة ‪ ،‬ففيه بشارة لمن أصابه هم وغم‬ ‫وتراكمت عليه الأحزان أن فرج الله قريب‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪107‬‬ ‫الفائدة الثانية والثلاثون‪ :‬قال ابن رجب رحمه الله‪:‬‬ ‫\" ومن لطائف أسرار اقتران الفرج بالكرب واليسر بالعسر أن‬ ‫الكرب إذا اشتد وعظم وتناهى وحصل للعبد اليأس من كشفه من‬ ‫جهة المخلوقين وتعلق قلبه بالله وحده وهذا هو حقيقة التوكل \"‬ ‫الفائدة الثالثة والثلاثون‪ :‬يدل ظاهر الحديث على أن حال الدنيا‬ ‫يدور بين عسر يتبعه يسر‪ ،‬وكرب يتبعه فرج حيث خلق الله الدنيا‬ ‫على نكد وعدم صفو ‪ ،‬فمن عرف حالها لم يطمئن لها‬ ‫وفوائد هذا الحديث العظيم كثيرة جدا ولذلك قال بعض العلماء ‪:‬‬ ‫\"تدبرت هذا الحديث فأدهشني وكدت أطيش فوا أسفا من الجهل‬ ‫بهذا الحديث وقلة التفهم لمعناه\"‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪108‬‬ ‫الحديث العشرون‬ ‫َع ْن أب ِي َم ْس ُعود ُع ْقبَةَ ْب ِن َع ْمرو ا ْْلَ ْن َصا ِري ا ْلبَ ْد ِري رضي الل عنه‬ ‫قَا َل‪ :‬قَا َل َر ُسو ُل الَّلِ صلى الل عليه وسلم ‪:‬‬ ‫\"إ َّن ِم َّما أَ ْد َر َك النَّاس ِم ْن َك َلا ِم النب َّو ِة ا ْلأولَى‪ :‬إ َذا لَ ْم تَ ْستَ ِح فَا ْصنَ ْع‬ ‫َما ِش ْئت\"‬ ‫َر َواهُ ا ْلبُ َخا ِري‬ ‫الشرح‬ ‫\"إِ َّن\" أداة توكيد خبرها مقدم وهو قوله‪ِ \" :‬مما أَد َر َك الناس\"‬ ‫واسم إن جملة ‪\" :‬إذا لَم تَ ْستَحِ فَا ْصنَع َما ِشئت \"‬ ‫والتقدير‪ :‬إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى هذا القول‬ ‫وقوله‪\" :‬إِ َّن ِمما أَد َر َك الناس\" أي توارثوه قرنا بعد قرن‬ ‫\"من كلام النبوة الأولى\" ‪ :‬أي السابقة التي قبل نبينا محمد صلى‬ ‫الله عليه وسلم‪ .‬والمراد أنه مما اتفقت عليه الشرائع ‪ ،‬لأنه جاء‬ ‫في أولاها ‪ ،‬ثم تتابعت بقيتها عليه‬ ‫\"إذا لم تستح\" ‪ :‬من الحياء ‪ ،‬وهو خلق يحث على فعل الجميل ‪،‬‬ ‫وترك القبيح ‪ ،‬ويمنع من التفريط في الحق ‪ ،‬أما ما ينشأ عنه‬ ‫الإخلال بالحق فليس هو حياء شرعيا ‪ ،‬بل هو خور وضعف‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪109‬‬ ‫فالحياء الذي يمنع من الخير يسمى خجلا وليس الحياء المراد في‬ ‫الشرع‬ ‫وقوله \"إذا لَم تَ ْستَحِ فَا ْصنَع َما ِشئت\" ذكر العلماء فيه معنيين ‪:‬‬ ‫‪ ‬المعنى الأول‪ :‬خبر و تهديد ووعيد‬ ‫يعني‪ :‬أن من لم يستح صنع ماشاء‪ ،‬فإذا تركت الحياء ولم يكن‬ ‫عندك حياء يردعك عن القبائح؛ فافعل ما شئت منها‪ ،‬فإن المانع‬ ‫من فعل القبائح هو الحياء‪ ،‬وأعلم أنك ستجازى بها وستحاسب‬ ‫عليها وستعاقب‬ ‫‪ ‬المعنى الثاني ‪ :‬أنه للإباحة‪ ،‬إذا كان الفعل لا يستَ َحيى منه‬ ‫فاصنعه ولا تبا ِل‪ ،‬أي لا تترك شيئا إذا كان لا يستَحيى منه‬ ‫فالأول عائد على الفاعل‪ ،‬والثاني عائد على الفعل‬ ‫وكلا المعنيين صحيح‬ ‫الفوائد التربوية‬ ‫الفائدة الأولى ‪ :‬مما يدل على أهمية الحديث قوله \" إن مما أدرك‬ ‫الناس من كلام النبوة الأولى \" حيث يستفاد فائدتان‪:‬‬ ‫الأولى ‪ :‬أنه من كلام الأنبياء المتقدمين‪.‬‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪110‬‬ ‫الثاني ‪ :‬تواتره عن الناس وانتقاله من جيل إلى جيل إلى أن وصل‬ ‫لهذه الأمة‪ ،‬والناس لا يتناقلون عبر هذه الأجيال الطويلة إ ّلا شيئا‬ ‫مهما‪.‬‬ ‫الفائدة الثانية‪ :‬يرشد الحديث لضبط سلوك الإنسان وتصرفاته‪.‬‬ ‫الفائدة الثالثة ‪ :‬يربي في النفس المسلمة خلق الحياء ‪ ،‬فيكون‬ ‫الحياء رادعا له عن كثير من التصرفات القبيحة ‪.‬‬ ‫الفائدة الرابعة ‪ :‬الحث على الحياء والتحذير من ذهابه موروث‬ ‫حتى عند الأمم الماضية‪.‬‬ ‫الفائدة الخامسة ‪ :‬من لم يكن عنده حياء يتحلى به جاهر بالقبائح‬ ‫والفضائح ‪.‬‬ ‫الفائدة السادسة ‪ :‬لا يسمى حياء إذا تعارض مع أمر من أمور‬ ‫الشريعة ‪ ،‬لأن الذي حث على الحياء هو الذي أمر بذلك الأمر فلا‬ ‫يتعارضان‬ ‫فلا يمنع الحياء أحدا من التفقه في الدين وطلب العلم بل هو‬ ‫مأمور به شرعا‪ ،‬روى البخاري في صحيحه عن مجاهد رضي الله‬ ‫عنه قال‪\" :‬لا يتعلم العلم مستح ولا مستكبر\"‬ ‫وقالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها‪\" :‬نِع َم النساء نساء‬ ‫الأنصار لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين\"‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪111‬‬ ‫الحديث الحادي والعشرون‬ ‫َعن أبي عمرو َوقِي َل‪ :‬أَبي َع ْمرةَ ُسفيا َن ب ِن َع ْب ِد اللِ َر ِضي اللُ َع ْنهُ‬ ‫قا َل ‪ :‬قلْت‪ :‬يَا َرسو َل اللهِ‪ ،‬ق ْل لِي فِي الإسلا ِم قَ ْولا لا أَ ْسأَل َع ْنه أحدا‬ ‫َغ ْي َر َك‬ ‫قال‪\" :‬ق ْل‪ :‬آ َم ْنت بِاللهِ ث َّم ا ْستَقِ ْم\"‬ ‫رواه مسلِم‬ ‫شرح الحديث‬ ‫قوله‪\" :‬قل لي في الإسلام\" ‪ :‬أي في الشريعة ‪.‬‬ ‫قولا لا أسأل عنه أحدا غيرك ‪ :‬يعني قولا يكون حدا فاصلا جامعا‬ ‫لمعاني الدين‪ ،‬اكت ِف به واعمل به‬ ‫فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم كلمتين ‪:‬‬ ‫‪\" ‬قل آ َمنْت بِاللهِ\" محل الإيمان القلب‬ ‫‪\" ‬ث َّم استَقِم\" على طاعته وهذا في عمل الجوارح‪.‬‬ ‫فهذا حديث جامع‪ ،‬من أجمع الأحاديث‬ ‫فقوله‪\" :‬قل آ َم ْنت\" يشمل قول اللسان وقول القلب‬ ‫قال أهل العلم‪ :‬قول القلب‪ :‬هو إقراره واعترافه‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪112‬‬ ‫\"آ َم ْنت بِاللهِ\" أي أقررت به على حسب ما يجب عل ّي من الإيمان‬ ‫بوحدانيته في الربوبية والألوهية والأسماء والصفات‪.‬‬ ‫ثم بعد الإيمان \"اِستَقِم\" أي سر على صراط مستقيم‪ ،‬فلا تخرج‬ ‫عن الشريعة لا يمينا ولا شمالا‬ ‫فهذا الحديث جمع الدين كله لأنه جمع بين‪:‬‬ ‫‪ -1‬تعريف الإيمان عند أهل السنة والجماعة وهو ‪ :‬ـ‬ ‫قول اللسان ‪ :‬لقوله \" قل آمنت بالله‪\".‬‬ ‫اعتقاد الجنان (القلب) ‪ :‬لقوله \" آمنت بالله‪\".‬‬ ‫عمل الجوارح ‪ :‬لقوله \" استقم \"‬ ‫‪ -2‬و شرطي العبادة وقبول العمل‬ ‫الإخلاص ( قل آمنت بالله) الإخلاص لله في العبادة‬ ‫المتابعة ( ثم استقم) والاستقامة تتضمن التمشي على شريعته عز‬ ‫وجل والمتابعة لرسوله صلى الله عليه وسلم‬ ‫الفوائد التربوية‬ ‫الفائدة الأولى ‪ :‬أهمية الحديث تتجلى من خلال صيغة السؤال \" لا‬ ‫أسأل عنه أحدا غيرك \" فهذا يدل على أن الجواب سيكون جامعا‬ ‫مانعا ‪.‬‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪113‬‬ ‫الفائدة الثانية‪ :‬يدل على الحرص على طلب العلم وهذا ظاهر من‬ ‫صيغة السؤال ‪ ،‬فهي تدل على حب وشغف لمعرفة الجواب‪.‬‬ ‫الفائدة الثالثة ‪ :‬ينبغي لطالب العلم أن يحرص على السؤال‬ ‫المختصر الهام الذي يجمع فوائد عدة ‪ ،‬وهذا ما فعله سفيان بن‬ ‫عبدالله رضي الله عنه في سؤاله حيث كان مختصرا هاما ‪ ،‬إجابته‬ ‫تجمع فوائد عديدة ‪.‬‬ ‫الفائدة الرابعة ‪:‬السؤال مفتاح العلم ‪ ،‬فعلى طالب العلم أ ّلا يستحي‬ ‫من سؤاله‪.‬‬ ‫الفائدة الخامسة‪ :‬طالب العلم يجب أن يكون ذكيا في اختيار سؤاله‬ ‫‪ ،‬خاصة إن كانت فرصة الجواب لا تتهيأ في كل الأحيان ‪ ،‬ولذلك‬ ‫فإن سؤال سفيان رضي الله عنه من هذا النوع الذكي الذي يختلف‬ ‫عن أسئلة الناس‪.‬‬ ‫الفائدة السادسة ‪ :‬قوله \" آمنت بالله ثم استقم \" مرادف لقوله‬ ‫تعالى{إِ َّن الَّ ِذي َن قَالوا َربنَا ال َّله ث َّم ا ْستَقَاموا} (‪ )13‬سورة الأحقاف‪.‬‬ ‫الفائدة السابعة ‪ :‬جمع الحديث تعريف الإيمان عند أهل السنة‬ ‫والجماعة وهو ‪ :‬ـ‬ ‫‪ -‬قول اللسان ‪ :‬لقوله \" قل آمنت بالله‪\".‬‬ ‫‪ -‬اعتقاد الجنان ‪ :‬لقوله \" آمنت بالله\"‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪114‬‬ ‫‪ -‬عمل الجوارح‪ :‬لقوله \" استقم \"‬ ‫الفائدة الثامنة ‪ :‬الإيمان قول يصدقه عمل ‪ ،‬فلم يكتف النبي صلى‬ ‫الله عليه وسلم بقوله \" قل آمنت بالله \" حتى أردف بها وصيته‬ ‫لسفيان رضي الله عنه بقوله \" ثم استقم \" فيصدق قوله بالإيمان‬ ‫بفعل وعمل ظاهر‪.‬‬ ‫الفائدة التاسعة ‪ :‬قوله \" استقم \" تحمل في مضمونها المجاهدة ‪،‬‬ ‫فلا تأتي الاستقامة على دين الله إ ّلا بعد مكابدة وصبر ومصابرة ‪.‬‬ ‫الفائدة العاشرة ‪ :‬يجب على الإنسان أن يستقيم على دين الله من‬ ‫غير اعوجاج ولا انحراف ‪ ،‬ويشمل ذلك فعل الطاعات وترك‬ ‫المنهيات ‪.‬‬ ‫الفائدة الحادية عشرة ‪ :‬الحديث من معجزاته صلى الله عليه وسلم‬ ‫‪ ،‬لأنه من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم‪.‬‬ ‫الفائدة الثانية عشرة ‪:‬الاستقامة قرنت في القرآن مع الاستغفار‬ ‫في قوله ‪{ :‬فَا ْستَقِيموا إِلَ ْي ِه َوا ْستَ ْغفِروه} (‪ )6‬سورة فصلت‪.‬‬ ‫وهذا دليل على أن الاستقامة الحقيقية الكاملة لا يستطيعها كل‬ ‫أحد \" فلا بد من تقصير فيجبر ذلك الاستغفار المقتضي للتوبة‬ ‫والرجوع إلى الاستقامة‪\" .‬‬ ‫الفائدة الثالثة عشرة‪ :‬لا يقر الحديث مجرد الإقرار بالإيمان‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪115‬‬ ‫والانتساب إلى منهج أهل السنة ما لم يكن معه استقامة تصدقه‬ ‫وتحفظه وترشده ‪ ،‬استقامة في القلب والجوارح ‪ ،‬فإن لم تكن‬ ‫استقامة فمجرد الانتساب لا يكفي ‪ ،‬كما أوضحه صلى الله عليه‬ ‫وسلم لسفيان رضي الله عنه‪.‬‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪116‬‬ ‫الحديث الثاني والعشرون‬ ‫عن أبي عب ِد اللِ جاب ِر ب ِن عب ِد اللِ اْلنصاري َر ِضي اللُ َع ْنهُما‪،‬‬ ‫أَ َّن رج ًلا َسأَ َل َر ُسو َل اللِ َصلَّى اللُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم‪ ،‬فَقَا َل‪:‬‬ ‫( أَ َرأَ ْي َت إذا َصلَّ ْيت ا ْل َم ْكتوبا ِت‪َ ،‬وص ْمت َر َم َضا َن‪َ ،‬وأَ ْحلَ ْلت ا ْل َحلا َل‪،‬‬ ‫َو َح َّر ْمت ا ْل َحرا َم‪َ ،‬ولَ ْم أَ ِز ْد َعلَى ذلِ َك شيئا‪ ،‬أَأَ ْدخل ا ْل َجنَّةَ )‬ ‫قا َل‪ { :‬نَ َع ْم }‬ ‫رواه مسلِم‬ ‫شرح الحديث‬ ‫يقول جابر رضي الله عنه‪ :‬أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه‬ ‫وسلم ‪ ،‬وجاء في صحيح مسلم في بعض الروايات بيان السائل‪،‬‬ ‫وأنه النعمان بن قوقل رضي الله عنه‬ ‫وقوله \"أَ َرأَي َت\" بمعنى أخبرني‬ ‫إِذا \" َصليت ال َمكتوبَات\" وهن خمس صلوات في اليوم والليلة كما‬ ‫قال ع ّز وجل‪ { :‬إِ َّن ال َّص َلاةَ َكانَ ْت َعلَى ا ْلم ْؤ ِمنِي َن ِكتَابا َّم ْوقوتا }‬ ‫(النساء‪ :‬الآية‪)103‬‬ ‫\" َوصمت َر َم َضان\" أي الشهر المعروف شهر رمضان‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪117‬‬ ‫والصيام في اللغة‪ :‬الإمساك عن أي شيء‬ ‫وفي الشرع‪ :‬هو الإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر إلى‬ ‫غروب الشمس تعبدا لله ع ّز وجل‪.‬‬ ‫وقولنا‪ :‬تعبدا لله لأنه من أمسك عن المفطرات حمية لنفسه‪ ،‬أو‬ ‫تطببا‪ ،‬فإن ذلك ليس بصيام شرعي‪ ،‬ولهذا لابد من تقييد التعاريف‬ ‫الشرعية بالتعبد‬ ‫\" َوأَحلَلت ال َحلا َل\" أي فعلت الحلال معتقدا حله‪ ،‬هذا معنى قوله‪:‬‬ ‫\"أَحلَلت\" لأن أحل الشيء لها معنيان‪:‬‬ ‫‪ ‬المعنى الأول‪ :‬الاعتقاد أنه حلال‪.‬‬ ‫‪ ‬المعنى الثاني‪ :‬العمل به‬ ‫\" َو َح َّرمت ال َح َرا َم\" أي اجتنبت الحرام معتقدا تحريمه‬ ‫ولكن النووي رحمه الله بعد أن ساق الحديث لم يقيد الحرام بكونه‬ ‫معتقدا تحريمه‪.‬‬ ‫لأن اجتناب الحرام خير وإن لم يعتقد أنه حرام‪ ،‬لكن إذا اعتقد أنه‬ ‫حرام صار تركه للحرام عبادة‪ ،‬لأنه تركه لاعتقاده أنه حرام‬ ‫مثال ذلك ‪:‬‬ ‫رجل اجتنب شرب الخمر‪ ،‬لكن لا على أنه حرام إلا أن نفسه لا‬ ‫تطيب به‪،‬فهذا لا إثم عليه‪ ،‬لكنه إذا تركه معتقدا تحريمه وأنه‬ ‫تركه لله صار مثابا على هذا‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪118‬‬ ‫\"أَأَدخل ال َجنة\" يعني أأدخل الجنة‪ ،‬والجنة هي دار النعيم التي‬ ‫أعدها الله ع ّز وجل للمتقين‪ ،‬فيها مالا عين رأت‪ ،‬ولا أذن سمعت‪،‬‬ ‫ولا خطر على قلب بشر‬ ‫قال‪\" :‬نَ َعم\"‪ ،‬ونعم حرف جواب لإثبات المسؤول عنه‪ ،‬والمعنى‪:‬‬ ‫نعم تدخل الجنة‬ ‫الفوائد التربوية‬ ‫الفائدة الأولى‪ :‬تفاوت الناس في الإيمان ‪ ،‬فمنهم من يحرص على‬ ‫المقامات العليا‪ ،‬ومنهم من يكون أقل ‪ ،‬فأحيانا يسأل السائل‬ ‫رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أفضل الأعمال ؟ وأحيانا بما‬ ‫دون ذلك‬ ‫وهذا يؤكد مذهب أهل السنة والجماعة في أن الإيمان يزيد‬ ‫وينقص وأهله يتفاضلون فيه‬ ‫الفائدة الثانية‪ :‬طالب العلم ينبغي أن ينتبه للأسئلة التي تعرض‬ ‫على الشيخ ويحضر لها ذهنه وقلبه ولو كانت من غيره ‪ ،‬فلابد‬ ‫أن يجد فيها فائدة‬ ‫الفائدة الثالثة ‪ :‬يجوز الاقتصار على الفرائض من المكتوبات‬ ‫ورمضان والزكاة وغيرها ‪ ،‬لكن المقام العالي أن يجمع الشخص‬ ‫النوافل‪.‬‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪119‬‬ ‫الفائدة الرابعة‪ :‬فيه فضيلة الفرائض لدرجة أن من اقتصر عليها‬ ‫وداوم تدخله الجنة بفضل الله ورحمته‬ ‫الفائدة الخامسة ‪ :‬على العالم أن يراعي حال الناس ‪ ،‬فلا يلزم‬ ‫الناس بحالة واحدة ويهمل الفوارق بينهم بل عليه أن يوجه‬ ‫ويرشد على حسب حال السائل ‪ ،‬ولذلك السائل في هذا الحديث لم‬ ‫يوبخه النبي صلى الله عليه وسلم ويلزمه النوافل بل رضي منه‬ ‫الفرائض لأنها تناسب حاله‬ ‫الفائدة السادسة ‪ :‬من الفقه ألا يقنط العالم الناس من رحمة ربه‬ ‫سبحانه وتعالى‪.‬‬ ‫الفائدة السابعة ‪ :‬تيسير الشريعة الإسلامية على أهلها فلم تشدد‬ ‫عليهم ولم تطالبهم بالانقطاع والرهبانية بل رضيت منهم الحرص‬ ‫على الفرائض وفعل الحلال وترك الحرام‪.‬‬ ‫الفائدة الثامنة ‪ :‬الحديث دليل لمذهب أهل السنة والجماعة على أن‬ ‫الأعمال من الإيمان‪.‬‬ ‫الفائدة التاسعة‪ :‬قول السائل \" ولم أزد على ذلك شيء \" معناه لم‬ ‫أفعل النوافل بل أكتفي من الصلاة بالمكتوبة ومن الصيام برمضان‬ ‫وهكذا ‪ ،‬وليس المراد أني لا أعمل بشيء من الشريعة غير‬ ‫الصلاة والصيام بدليل قوله \" وأحللت الحلال وحرمت الحرام ‪\" .‬‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪120‬‬ ‫الفائدة العاشرة ‪ :‬التحليل والتحريم لله سبحانه فقط لأنه سبحانه له‬ ‫الحكم وهو أحكم الحاكمين‬ ‫الفائدة الحادية عشرة‪ :‬دل الحديث على أن تحليل الحلال باعتقاد‬ ‫حله سواء فعله أو لم يفعله ‪ ،‬وتحريم الحرام باعتقاد حرمته‬ ‫واجتنابه وتركه‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪121‬‬ ‫الحديث الثالث والعشرون‬ ‫عن أبي مالك الحار ِث ب ِن عاصم اْل ْش َع ِري َر ِضي اللُ َع ْنهُ‪ ،‬قا َل ‪:‬‬ ‫قا َل رسو ُل اللِ صلَّى اللُ َعلَ ْي ِه و َسلَّ َم‪:‬‬ ‫\" الطـهور َش ْطر ال ِإي َما ِن‪َ ،‬وا ْل َح ْمد للهِ تَ ْملأ ا ْل ِمي َزا َن‪َ ،‬وس ْب َحا َن اللهِ‬ ‫َوا ْل َح ْمد للهِ تَ ْم ََل ِن ‪-‬أَ ْو تَ ْملأ‪َ -‬ما بَ ْي َن ال َّس َموا ِت َوالأَ ْر ِض‪َ ،‬وال َّصلاَة‬ ‫نور‪َ ،‬وال َّص َدقَة ب ْر َهان‪َ ،‬وال َّصبْر ِضيَاء‪َ ،‬وا ْلق ْرآن ح َّجة لَ َك أَ ْو َعلَ ْي َك‪،‬‬ ‫كل النَّا ِس يَ ْغدو؛ فَبايِع نَ ْف َسه فَم ْعتِق َها‪ ،‬أ ْو موبِق َها\"‬ ‫رواه مسلِم‪.‬‬ ‫شرح الحديث‬ ‫عن أبي مالك الحارث بن عاصم الأشعري قال‪ :‬قال رسول الله ‪:‬‬ ‫{الطهور شطر الإيمان } بضم الطاء يعني الطهارة‬ ‫شطر الإيمان أي نصفه وذلك أن الإيمان تخلي وتحلي‬ ‫أما التخلي فهو التخلي عن الإشراك‬ ‫لأن الشرك بالله نجاسة كما قال الله تعالى‪{ :‬إِنَّ َما ا ْلم ْش ِركو َن نَ َجس‬ ‫فَ َلا يَ ْق َربوا ا ْل َم ْس ِج َد ا ْل َح َرا َم بَ ْع َد َعا ِم ِه ْم َه َذا} [التوبة‪]28:‬‬ ‫فلهذا كان الطهور شطر الإيمان‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪122‬‬ ‫وقيل‪ :‬إن معناه أن الطهور للصلاة شطر الإيمان‪ ،‬لأن الصلاة‬ ‫إيمان ولا تتم إلا بطهور‪ .‬لكن المعنى الأول أحسن وأعم‪.‬‬ ‫وقيل إن معناه ‪ :‬أن خصال الإيمان على قسمين‪:‬‬ ‫أحدهما‪ :‬يطهر القلب ويزكيه‬ ‫والآخر‪ :‬يطهر الظاهر‬ ‫فهما تصفان بهذا الاعتبار ‪ ،‬بأن الطهور شطر الإيمان‬ ‫وقال‪ { :‬والحمد لله تملأ الميزان } الحمد لله تعني‪ :‬وصف الله‬ ‫تعالى بالمحامد والكمالات الذاتية والفعلية‬ ‫{ تملأ الميزان } أي ميزان الأعمال لعظم أجرها ‪ ،‬وسبب ذلك أن‬ ‫التحميد إثبات المحامد كلها لله‪ ،‬فهي عظيمة عند الله عزوجل‬ ‫ولهذا قال النبي صلى الله عليه و سلم ‪ { :‬كلمتان حبيبتان إلى‬ ‫الرحمن‪ ،‬خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان‪ ،‬سبحان الله‬ ‫وبحمده سبحان الله العظيم }‬ ‫وقال‪ { :‬سبحان الله والحمد لله } يعني الجمع بينهما { تمَلن} أو‬ ‫قال‪ { :‬تملأ ما بين السموات والأرض } شك من الراوي ‪.‬‬ ‫أي لو قدر ثوابهما جسما لملأ ما بين السماء والأرض ‪،‬‬ ‫وذلك لعظمهما ولاشتمالهما على تنزيه الله تعالى عن كل نقص‪،‬‬ ‫وعلى إثبات الكمال لله عز وجل‪ ،‬ففي التسبيح تنزيه الله عن كل‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪123‬‬ ‫نقص‪ ،‬وفي الحمد وصف الله تعالى بكل كمال‪ ،‬فلهذا كانتا تمَلن‬ ‫ما بين السماء والأرض‪.‬‬ ‫ثم قال‪ { :‬والصلاة نور } يعني‪ :‬أن الصلاة نور في القلب وإذا‬ ‫استنار القلب استنار الوجه‪ ،‬وهي كذلك نور يوم القيامة قال‬ ‫تعالى‪{ :‬يَ ْو َم تَ َرى ا ْلم ْؤ ِمنِي َن َوا ْلم ْؤ ِمنَا ِت يَ ْس َعى نوره ْم بَ ْي َن أَ ْي ِدي ِه ْم‬ ‫َوبِأَ ْي َمانِ ِه ْم} [الحديد‪]12:‬‬ ‫وهي أيضا نور بالنسبة للاهتداء والعلم وغير ذلك من كل ما فيه‬ ‫النور‬ ‫وقال‪ { :‬والصدقة برهان } أي دليل على صدق صاحبها‪ ،‬وأنه‬ ‫يحب التقرب إلى الله وذلك لأن المال محبوب إلى النفوس ولا‬ ‫يصرف المحبوب إلا في محبوب أشد منه حبا وكل إنسان يبذل‬ ‫المحبوب من أجل الثواب المرتجى وهو برهان على صحة إيمانه‬ ‫وقوة يقينه‬ ‫قال‪ { :‬والصبر ضياء } الصبر أقسامه ثلاثة ‪:‬‬ ‫‪ -‬صبر على طاعة الله‬ ‫‪ -‬وصبر عن معصية الله‬ ‫‪ -‬وصبر على أقدار الله‬ ‫وقال‪ { :‬ضياء } نورا مع حرارة كما قال تعالى‪{ :‬ه َو الَّ ِذي َج َع َل‬ ‫ال َّش ْم َس ِضيَاء َوا ْلقَ َم َر نورا} [يونس‪]5:‬‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪124‬‬ ‫والشمس فيها النور والحرارة‪ ،‬والصبر كذلك لأنه شاق على‬ ‫النفس فهو يعاني كما يعاني الإنسان من الحرارة ومن الحار‬ ‫وقال أيضا‪ { :‬والقرآن حجة لك أو عليك } والقرآن حجة لك‪ ،‬أي‬ ‫عند الله عز وجل أو حجة عليك‪.‬‬ ‫فإن عملت به كان حجة لك‪ ،‬وإن أعرضت عنه كان حجة عليك‪،‬‬ ‫ثم بين النبي أن كل الناس يغدون‪ ،‬أي يذهبون الصباح إلى‬ ‫أعمالهم‬ ‫{ فبايع نفسه فمعتقها أو موبقها }‬ ‫كل الناس يغدون ويكدحون ويتعبون أنفسهم‪ ،‬فمنهم من يعتق‬ ‫نفسه من العذاب‪ ،‬ومنهم من يوبقها أي يهلكها ببيعها للشيطان‬ ‫والهوى باتباعهما‪ ،‬كلا بحسب عمله‬ ‫وفيه بيان لحال الإنسان وسعيه وكدحه في الدنيا‪ ،‬فكل إنسان‬ ‫يسعى لنفسه ‪ ،‬فمنهم من يبيعها لله بطاعته‪ ،‬فيعتقها من العذاب‪،‬‬ ‫ومنهم من يبيعها للشيطان والهوى باتباعهما فيوبقها؛ أي‪:‬‬ ‫يهلكها‪.‬‬ ‫الفوائد التربوية‬ ‫الفائدة الأولى ‪ :‬فيه فضيلة الوضوء وأهميته لأنه المراد بقوله‬ ‫\" الطهور \" لروايات الحديث الآخرى‪.‬‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪125‬‬ ‫الفائدة الثانية ‪ :‬دليل لمذهب أهل السنة أن الأعمال من الإيمان‬ ‫حيث اعتبر الوضوء شطر الإيمان‬ ‫الفائدة الثالثة‪ :‬التطهر بمعناه العام من الإيمان ‪ ،‬فيدخل فيه‬ ‫الوضوء والغسل والطهارة من الذنوب سواء بهذا الحديث أو‬ ‫غيره من الأحاديث ‪.‬‬ ‫الفائدة الرابعة ‪ :‬لا يحافظ على الوضوء إ ّلا مؤمن مراقب لربه ‪،‬‬ ‫محتسب لصلاته‪ ،‬حريص على العناية بها‬ ‫ولهذا كان الطهور شطر الإيمان ‪ ،‬أما من تهاون به فاته فضل‬ ‫الإسباغ ‪ ،‬وكان دليلا على قدر الصلاة في قلبه‬ ‫الفائدة الخامسة ‪ :‬فيه فضل التحميد لله وأنه يملأ ميزان العبد يوم‬ ‫القيامة‬ ‫الفائدة السادسة‪ :‬لرفع همة المؤمن ينبغي أن يعلق قلبه بالآخرة‬ ‫وثقل الميزان والجنة لأنها أمور معتبرة لدينه ولذلك نص النبي‬ ‫صلى الله عليه وسلم على أن التحميد يملأ ميزان العبد‪.‬‬ ‫الفائدة السابعة ‪ :‬التحميد أفضل من التسبيح‬ ‫لأن التحميد إثبات المحامد كلها لله سبحانه‪ ،‬بخلاف التسبيح فهو‬ ‫تنزيه الله عن النقائص والعيوب ولهذا يأتي التحميد مفردا بينما‬ ‫التسبيح الغالب أن يأتي مقرونا بغيره كالتحميد فتقول ‪ :‬سبحان‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪126‬‬ ‫والله وبحمده \" ولا يعني هذا نقص التسبيح لكن يعني كمال‬ ‫التحميد‬ ‫الفائدة الثامنة ‪ :‬الحمد فيه اعتراف بفضل الله سبحانه ومدح له ‪،‬‬ ‫ويتضمن نقص النفس لأنها لا تملك شيئا تحمد فيه وتمدح لأجله‪.‬‬ ‫الفائدة التاسعة ‪ :‬فيه فضل التسبيح وأنه يملأ ما بين السماء‬ ‫والأرض‬ ‫الفائدة العاشرة‪ :‬فيه فضيلة الصلاة وأنها نور لصاحبها في الدنيا‬ ‫والآخرة ‪.‬‬ ‫الفائدة الحادية عشرة ‪ :‬قوله \" الصلاة نور \" دليل على أنه على‬ ‫قدر صلاته وإتمامها وخشوعها تكون قوة ذلك النور‬ ‫نسأل الله أن يتم نورنا ‪ ،‬فمن تم نور صلاته نهته صلاته عن‬ ‫الفحشاء والمنكر وكانت حجابه عن النار ‪ ،‬ونور الله بصيرته ‪،‬‬ ‫ومن نقص نور صلاته نقص منه بقدر ذلك ‪.‬‬ ‫الفائدة الثانية عشرة ‪ :‬فيه فضيلة الصدقة وأنها علامة من‬ ‫علامات الإيمان ‪.‬‬ ‫الفائدة الثالثة عشرة ‪ :‬النفس تحب المال بطبعها فمن خالف هوى‬ ‫نفسه وأنفق وتصدق كان ذلك برهان على إيمانه ولذلك قال \"‬ ‫والصدقة برهان \"‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪127‬‬ ‫الفائدة الرابعة عشرة‪ :‬فيه فضيلة الصبر وأنه ضياء للمسلم ‪.‬‬ ‫الفائدة الخامسة عشرة ‪ :‬قوله \" والصبر ضياء \" يدل على أن‬ ‫الصبر لابد فيه من الحرارة وإكراه النفس لأن الضياء نور فيه‬ ‫حرارة بخلاف النور فهو مجرد الإشراق‪.‬‬ ‫الفائدة السادسة عشرة ‪ :‬الصبر بأنواعه الثلاثة فيه حبس للنفس‬ ‫ومشقة سواء ‪ :‬ـ‬ ‫ـ الصبر على طاعة الله‬ ‫ـ الصبر عن معصية الله‬ ‫ـ الصبر على أقدار الله‬ ‫الفائدة السابعة عشرة ‪ :‬الصبر على ما فيه من المشقة والشدة إ ّلا‬ ‫أن عاقبته نور وفرج وهذا مدلول قوله \" ضياء \" ففيه بشارة‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪128‬‬ ‫الحديث الرابع والعشرون‬ ‫عن أبي َذر ال ِغفَاري َر ِضي اللُ َع ْنهُ‪،‬‬ ‫َع ِن النبي َصلَّى الَّلُ عليه وسلَّ َم‪ ،‬فِيما َر َوى َع ِن اللِ تَبَا َر َك َوتَ َعالَى‬ ‫أنَّهُ قا َل‪:‬‬ ‫\"يا ِعبَا ِدي إنِّي َح َّر ْمت الظ ْل َم علَى نَ ْف ِسي‪َ ،‬و َج َع ْلته ب ْينَك ْم م َح َّرما‪،‬‬ ‫فلا تَظَالَموا‪،‬‬ ‫يا ِعبَا ِدي كلك ْم َضال إ َّلا َمن َه َد ْيته‪ ،‬فَا ْستَ ْهدونِي أَ ْه ِدك ْم‪،‬‬ ‫يا ِعبَا ِدي كلك ْم َجائِع‪ ،‬إ َّلا َمن أَ ْط َع ْمته‪ ،‬فَا ْستَ ْط ِعمونِي أ ْط ِع ْمك ْم‪،‬‬ ‫يا ِعبَا ِدي كلك ْم َعار‪ ،‬إ َّلا َمن َك َس ْوته‪ ،‬فَا ْستَ ْكسونِي أَ ْكسك ْم‪،‬‬ ‫يا ِعبَا ِدي إنَّك ْم ت ْخ ِطئو َن باللَّ ْي ِل َوالنَّ َها ِر‪َ ،‬وأَنَا أَ ْغفِر الذنو َب َج ِميعا‪،‬‬ ‫فَا ْستَ ْغفِرونِي أَ ْغفِ ْر لَك ْم‪،‬‬ ‫يا ِعبَا ِدي إنَّك ْم لَ ْن تَ ْبلغوا َض ِّري فَتَضرونِي َولَ ْن تَبْلغوا نَ ْف ِعي‪،‬‬ ‫فَتَ ْنفَعونِي‪،‬‬ ‫يا ِعبَا ِدي لو أ َّن أَ َّولَك ْم َوآ ِخ َرك ْم وإ ْن َسك ْم َو ِجنَّك ْم َكانوا علَى أَ ْتقَى قَ ْل ِب‬ ‫َرجل َوا ِحد ِمنك ْم‪ ،‬ما َزا َد ذل َك في م ْل ِكي شيئا‪،‬‬ ‫يا ِعبَا ِدي لو أ َّن أَ َّولَك ْم َوآ ِخ َرك ْم وإ ْن َسك ْم َو ِجنَّك ْم َكانوا علَى أَ ْف َج ِر قَ ْل ِب‬ ‫َرجل َوا ِحد‪ ،‬ما نَقَ َص ذل َك ِمن م ْل ِكي شيئا‪،‬‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪129‬‬ ‫يا ِعبَا ِدي لو أ َّن أَ َّولَك ْم َوآ ِخ َرك ْم وإ ْن َسك ْم َو ِجنَّك ْم قَاموا في َص ِعيد‬ ‫َوا ِحد فَ َسأَلونِي فأ ْعطَ ْيت ك َّل إنْ َسان َم ْسأَلَتَه‪ ،‬ما نَقَ َص ذل َك م َّما‬ ‫ِعن ِدي إ َّلا كما يَنْقص ال ِم ْخيَط إ َذا أ ْد ِخ َل البَ ْح َر‪،‬‬ ‫يا ِعبَا ِدي إنَّما هي أَ ْع َمالك ْم أ ْح ِصي َها لَك ْم‪ ،‬ث َّم أ َوفِّيك ْم إيَّا َها‪ ،‬ف َمن‬ ‫َو َج َد َخ ْيرا‪ ،‬فَ ْليَ ْح َم ِد ال َّلهَ َو َمن َو َج َد غي َر ذل َك‪ ،‬فلا يَلو َم َّن إ َّلا نَ ْف َسه\"‬ ‫رواه مسلم‬ ‫الشرح‬ ‫هذا الحديث يسمى عند المحدثين قدسيا‬ ‫والحديث القدسي‪ :‬كل ما رواه النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه‬ ‫ع ّز وجل‪ .‬لأنه منسوب إلى النبي صلى الله عليه وسلم تبليغا‪،‬‬ ‫وليس من القرآن بالإجماع‬ ‫نداء من الله ع ّز وجل أبلغنا به أصدق المخبرين وهو محمد صلى‬ ‫الله عليه وسلم‪.‬‬ ‫وقوله‪\" :‬يَا ِعبَا ِدي\" يشمل كل من كان عابدا بالعبودية العامة‬ ‫والعبودية الخاصة‬ ‫\"إِنِّي َح َّرمت الظل َم َعلَى نَف ِسي\" أي منعته مع قدرتي عليه‪ ،‬وإنما‬ ‫قلنا‪ :‬مع قدرتي عليه لأنه لو كان ممتنعا على الله لم يكن ذلك مدحا‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪130‬‬ ‫ولاثناء‪ ،‬إذ لايثنى على الفاعل إلا إذا كان يمكنه أن يفعل أو لا‬ ‫يفعل‪.‬‬ ‫فلو سألنا سائل مثلا وقال‪ :‬هل يقدر الله أن يظلم الخلق؟‬ ‫فالجواب‪ :‬نعم‪ ،‬لكن نعلم أن ذلك مستحيل بخبره‪ ،‬حيث قال‪َ ( :‬ولا‬ ‫يَ ْظلِم َرب َك أَ َحدا) [الكهف‪]49:‬‬ ‫\" َو َج َعلته بَينَك ْم م َح َّرما\" أي صيّرته بينكم محرما‪.‬‬ ‫\"فَلا تَ َظالَموا\" هذا عطف معنوي على قوله‪َ \" :‬ج َعلته بَينَك ْم م َح َّرما‬ ‫أي فبناء على كونه محرما لا تظالموا‪ ،‬أي لا يظلم بعضكم بعضا‬ ‫\"يَا ِعبَادي كلكم َضال\" أي تائه عن الطريق المستقيم‬ ‫\"إِلاَّ َم ْن َه َد ْيته\" أي علمته ووفقته‪ ،‬و علمته هذه هداية الإرشاد و‬ ‫وفقته هداية التوفيق‬ ‫\"فَاستَهدونِي أَه ِدك ْم\" أي اطلبوا مني الهداية لا من غيري أهدكم‪،‬‬ ‫وهذا جواب الأمر‪،‬وهذا كقوله‪( :‬ا ْدعونِي أَ ْستَ ِج ْب لَك ْم )‬ ‫[غافر‪]60:‬‬ ‫\"يَا ِعبَا ِدي كلك ْم َجائِع إِلاَّ َم ْن أَ ْط َع ْمته\" أي كلكم جائع إلا من أطعمه‬ ‫الله‪ ،‬وهذا يشمل ما إذا فقد الطعام‪ ،‬أو وجد ولكن لم يتمكن الإنسان‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪131‬‬ ‫من الوصول إليه‪ ،‬فالله هو الذي أنبت الزرع‪ ،‬وهو الذي أحيا‬ ‫الثمار‪ ،‬واقرأ من سورة الواقعة من قول الله تعالى ‪:‬‬ ‫(أَفَ َرأَ ْيت ْم َما تَ ْحرثو َن * أَأَ ْنت ْم تَ ْز َرعونَه أَ ْم نَ ْحن ال َّزا ِرعو َن* لَ ْو نَ َشاء‬ ‫لَ َج َع ْلنَاه حطَاما فَظَ ْلت ْم تَفَ َّكهو َن) تجد كيف تح ّدى الله الخلق في هذه‬ ‫الآيات‪ ،‬فكلّنا جائع إلا من أطعمه الله‬ ‫كذلك أيضا يمكن أن يوجد الطعام لكن قد لا يتمكن الإنسان منه‪:‬إما‬ ‫لكونه محبوسا‪ ،‬أو مصابا بمرض‪ ،‬أو بعيدا عن المحل الخصب‬ ‫والرخاء‪.‬‬ ‫\"فَا ْستَ ْط ِعمونِي\" أي اطلبوا مني الإطعام‪ ،‬وإذا طلبتم ذلك ستجدونه‬ ‫\"أ ْط ِع ْمك ْم\" أطعم‪ :‬فعل مضارع مجزوم على أنه جواب الأمر‬ ‫\"يَا ِعبَا ِدي كلكم َعار\" فكلنا عار‪ ،‬لأننا خرجنا من بطون أمهاتنا‬ ‫عراة‬ ‫\"إِلاّ َم ْن َك َسوته فَاستَ ْكسونِي أَ ْكسك ْم\" سواء كان من فعل الإنسان‬ ‫كالكبير يشتري الثوب‪ ،‬أو من فعل غيره كالصغير يشترى له‬ ‫الثوب‪ ،‬وربما يقال‪ :‬إنه يشمل لباس الدين‪ ،‬فيشمل الكسوتين‪:‬‬ ‫كسوة الجسد الحسيّة‪ ،‬وكسوة الروح المعنوية‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪132‬‬ ‫\"يَا ِعبَادي إِنَّك ْم ت ْخ ِطئو َن\"أي تجانبون الصواب‪ ،‬لأن الأعمال إما‬ ‫خطأ وإما صواب‪ ،‬فالخطأ مجانبة الصواب وذلك إما بترك‬ ‫الواجب‪ ،‬وإما بفعل المح ّرم‬ ‫وقوله‪ :‬بِالَّل ْي ِل الباء هنا بمعنى‪( :‬في)‪ ،‬كما هي في قول الله تعالى‪:‬‬ ‫( َوإِنَّك ْم لَتَمرو َن َعلَيْ ِه ْم م ْصبِ ِحي َن* َوبِاللَّ ْيل) [الصافات‪-137:‬‬ ‫‪ ]138‬أي وفي الليل‬ ‫\" َوأَنَا أَغفِر الذنو َب َج ِميعا\"أي أسترها وأتجاوز عنها مهما كثرت‪،‬‬ ‫ومهما عظمت‪ ،‬ولكن تحتاج إلى الاستغفار‬ ‫\"فَاستَغفِرونِي أَ ْغفِر لَكم\" أي اطلبوا مغفرتي‪ ،‬إما بطلب المغفرة‬ ‫كأن يقول‪ :‬اللهم اغفر لي‪ ،‬أو‪ :‬أستغفر الله وأتوب إليه‪ .‬وإما بفعل‬ ‫ما تكون به المغفرة‪ ،‬فمن قال‪ :‬سبحان الله وبحمده مائة مرة‬ ‫غفرت خطاياه ولوكانت مثل زبد البحر‬ ‫\"يَا ِعبَادي إِنَّك ْم لَ ْن تَ ْبلغوا َض ِّر ْي فَتَضرونِي‪َ ،‬ولَ ْن تَ ْبلغوا نَف ِعي‬ ‫فَتَ ْنفَعونِي\"‬ ‫أي لن تستطيعوا أن تضروني ولا أن تنفعوني‪ ،‬لأن الضار والنافع‬ ‫هو الله ع ّز وجل والعباد لايستطيعون هذا‪ ،‬وذلك لكمال غناه عن‬ ‫عباده ع ّز وجل‬ ‫\"يَا ِعبَا ِدي لَو أَ َّن أَ َّولَك ْم َوآ ِخ َرك ْم َوإِ ْن َسك ْم َو ِجنَّك ْم َكانوا َعلَى أَتقَى قَل ِب‬ ‫َرجل َواحد ِمنك ْم َما َزا َد َذلِ َك فِي م ْل ِكي َش ْيئا\"‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪133‬‬ ‫يعني لو أن كل العباد من الإنس والجن الأولين والآخرين كانوا‬ ‫على أتقى قلب رجل ما زاد ذلك في ملك الله شيئا‪ ،‬وذلك لأن ملكه‬ ‫ع ّز وجل عام واسع لكل شيء‪ ،‬للتق ّي والفاجر‬ ‫ووجه قوله‪َ \" :‬ما َزا َد َذلِ َك فِي مل ِكي شيئا \" أنهم إذا كانوا على‬ ‫أتقى قلب رجل واحد كانوا من أولياء الله‪ ،‬وأولياء الله ع ّز وجل‬ ‫جنوده‪ ،‬وجنوده يتسع بهم ملكه‪ ،‬كما لوكان للملك من ملوك الدنيا‬ ‫جنود كثيرون فإن ملكه يتسع بجنوده‪.‬‬ ‫ثم قال‪\" :‬يَا ِعبَا ِدي لَو أَ َّن أَ َّولَك ْم َوآ ِخ َرك ْم َوإِ ْن َسك ْم َو ِجنَّك ْم َكانوا َعلَى‬ ‫أَف َج ِر قَل ِب َرجل َواحد َما نَقَ َص َذلِ َك ِمن م ْل ِكي َش ْيئا \"‬ ‫ووجه ذلك‪ :‬أن الفاجر عدو لله ع ّز وجل فلا ينصر الله‪ ،‬ومع هذا لا‬ ‫ينقص من ملكه شيئا لأن الله تعالى غني عنه‪.‬‬ ‫\"يَا ِعبَا ِدي لَو أَ َّن أَ َّولَك ْم َوآ ِخ َرك ْم َوإِنْ َسك ْم َو ِجنَّك ْم قَاموا في َص ِعيد‬ ‫َوا ِحد فَ َسأَلونِي فَأَعطَيت ك َّل إ ْن َسان َمسأَلَتَه \"‬ ‫أي إذا قاموا في أرض واحدة منبسطة‪ ،‬وذلك لأنه كلما كثر الجمع‬ ‫كان ذلك أقرب إلى الإجابة‬ ‫\" َما نَقَ َص َذلِ َك ِم َّما ِع ْن ِدي إِلاَّ َك َما يَ ْنقص ال ِم ْخيَط إ َذا أ ْد ِخ َل البَح َر\"‬ ‫وهذا من باب المبالغة في عدم النقص‪ ،‬لأن كل واحد يعلم أنك لو‬ ‫أدخلت المخيط وهو الإبرة الكبيرة في البحر ثم أخرجتها فإنها لا‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪134‬‬ ‫تنقص البحر شيئا ولا تغيره‪ ،‬وهذا كقوله تعالى‪( :‬لا تفَتَّح لَه ْم‬ ‫أَ ْب َواب ال َّس َما ِء َولا يَ ْدخلو َن ا ْل َجنَّةَ َحتَّى يَلِ َج ا ْل َج َمل فِي َس ِّم ا ْل ِخيَا ِط)‬ ‫(الأعراف‪ :‬الآية ‪)40‬‬ ‫إذ من المعلوم أن الجمل لا يمكن أن يدخل في سم الخياط‪ ،‬فيكون‬ ‫هذا مبالغة في عدم دخولهم الجنة‪.‬‬ ‫كذلك هنا من المعلوم أن المخيط لو أدخل في البحر لم ينقص‬ ‫شيئا‪ ،‬فكذلك لو أن أول الخلق وآخرهم وإنسهم وجنهم سألوا الله‬ ‫ع ّز وجل وأعطى كل إنسان مسألته مهما بلغت فإن ذلك لا ينقص‬ ‫ما عنده إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر‪ .‬ومن المعلوم أن‬ ‫المخيط إذا أدخل البحر لا ينقص البحر شيئا‪.‬‬ ‫وفي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ‪:‬‬ ‫\"يَد اللهِ َملأى س َّحا َء\" أي كثيرة العطاء \"الَّلي َل والنَّ َها َر\" أي في الليل‬ ‫والنهار \"أَ َرأَ ْيت ْم َما أَ ْنفَ َق منْذ َخلَ َق ال َّس َما َوا ِت َوالأَرض فَإِنَّه لَ ْم‬ ‫يَ ِغ ْض\" أي لم ينقص \" َما فِي يَ ِم ْينِه \"‬ ‫(يَا ِعبَا ِدي إِنَّ َما ِه َي أَ ْع َمالك ْم) هذه جملة فيها حصر طريقه‪:‬‬ ‫)إنما) أي ما هي إلا أعمالكم أ ْح ِصيْ َها لَك ْم أي أضبطها تماما بالع ّد‬ ‫لازيادة ولانقصان‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪135‬‬ ‫\"ث َّم أ َوفِّيك ْم إِيَّا َها\" أي في الدنيا والآخرة‪ ،‬وقد يكون في الدنيا فقط‪،‬‬ ‫وقد يكون في الآخرة فقط‬ ‫قد يكون في الدنيا فقط‪:‬فإن الكافر يجازى على عمله الحسن لكن‬ ‫في الدنيا لا في الآخرة‬ ‫والمؤمن قد يؤخر له الثواب في الآخرة‪ ،‬وقد يجازى به في الدنيا‬ ‫وفي الآخرة‪ ،‬قال الله تعالى‪َ ( :‬م ْن َكا َن ي ِريد َح ْر َث ا ْلآ ِخ َر ِة نَ ِز ْد لَه‬ ‫فِي َح ْرثِ ِه َو َم ْن َكا َن ي ِريد َح ْر َث الد ْنيَا ن ْؤتِ ِه ِم ْن َها َو َما لَه فِي ا ْلآ ِخ َر ِة‬ ‫ِم ْن نَ ِصيب) (الشورى‪)20:‬‬ ‫وقال ع ّز وجل‪َ ( :‬م ْن َكا َن ي ِريد ا ْل َعا ِجلَةَ َع َّج ْلنَا لَه فِي َها َما نَ َشاء‬ ‫لِ َم ْن ن ِريد) (الإسراء‪ :‬الآية‪)18‬‬ ‫إذا فالتوفية تكون في الدنيا دون الآخرة للكافر‪ ،‬أما المؤمن فتكون‬ ‫في الدنيا والآخرة جميعا‪ ،‬أو في الآخرة فقط‬ ‫\"فَ َم ْن َو َج َد َخ ْيرا فَليَ ْح َم ِد اللهَ\" ‪:‬أي من وجد خيرا من أعماله‬ ‫فليحمد الله على الأمرين‪ :‬على توفيقه للعمل الصالح‪ ،‬وعلى ثواب‬ ‫الله له‬ ‫\" َو َم ْن َو َج َد َغ ْي َر َذلِ َك\" أي وجد شرا أو عقوبة \"فَلا يَلو َم َّن إِلاَّ‬ ‫نَف َسه\" لأنه لم يظلم‪ ،‬واللوم ‪:‬أن يشعر الإنسان بقلبه بأن هذا فعل‬ ‫غير لائق وغير مناسب‪ ،‬وربما ينطق بذلك بلسانه‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪136‬‬ ‫فوائد الحديث‬ ‫‪ -١‬أن من السنة ما هو من كلام الله‪ ،‬وهو ما يرويه النبي صلى‬ ‫الله عليه و سلم عن ربه‪ ،‬وهو ما يعرف بالحديث القدسي‬ ‫‪ -2‬أن جميع الثقلين عباد لله مؤمنهم وكافرهم‪ ،‬وهذه هي‬ ‫العبودية العامة‬ ‫‪ -3‬أن الله يوجب على نفسه ويحرم على نفسه‬ ‫‪ -4‬تنزيه الله عن الظلم‪ ،‬ومن صوره أن لا يعذب أحدا بذنب‬ ‫غيره‪.‬‬ ‫‪ - 5‬أن الظلم مقدور له ‪.‬‬ ‫‪ - 6‬إطلاق النفس على الله‪ ،‬والمراد بالنفس الذات‪.‬‬ ‫‪ - 7‬تحريم الظلم بين العباد في الدماء والأموال والأعراض‪ ،‬وأنه‬ ‫يجب على العباد ترك ظلم بعضهم بعضا لقوله‪ \" :‬فلا تظالموا‪\".‬‬ ‫‪ - 8‬تحريم الظلم ابتداء ومجازاة‪ .‬وأن شرائع الله مبنية على‬ ‫العدل ‪.‬‬ ‫‪ - ٩‬أن الأصل في المكلفين ‪ :‬الضلال‪ ،‬وهو الجهل بالحق وترك‬ ‫العمل به‪ ،‬ويشهد لذلك قوله تعالى ‪َ { :‬و َح َملَ َها ال ِإنْ َسان إِنَّه َكا َن‬ ‫َظلوما َجهولا} [الأحزاب ‪]72 :‬‬ ‫‪ 10‬ـ أن ما يحصل للعباد من علم أو اهتداء‪ ،‬فبهداية الله وتعليمه‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪137‬‬ ‫‪ - 11‬الإرشاد إلى طلب الهدى من الله لقوله ‪\" :‬فاستهدوني \" ‪،‬‬ ‫والهداية من الله نوعان ‪: -‬‬ ‫هداية البيان والإرشاد ‪ :‬وهي عامة لسائر المكلفين‪ ،‬وهي مقدورة‬ ‫للخلق كما قال تعالى‪َ { :‬وإِنَّ َك لَتَ ْه ِدي إِلَى ِص َراط م ْستَقِيم}‬ ‫[الشورى ‪]52 :‬‬ ‫وهداية التوفيق لقبول الحق والعمل به ‪ :‬وهي هداية خاصة ولا‬ ‫يقدر عليها إلا الله عز وجل‪ ،‬قال تعالى‪{ :‬إِنَّ َك َلا تَ ْه ِدى َم ْن أَ ْحبَ ْب َت‬ ‫َو َٰلَ ِك َّن ٱل َّلهَ يَ ْه ِدى َمن يَ َشآء َوه َو أَ ْعلَم بِٱ ْلم ْهتَ ِدي َن} [القصص ‪]56‬‬ ‫والهداية في هذا الحديث يحتمل أن تكون هي الهداية الخاصة‬ ‫ويحتمل أن تكون شاملة للنوعين‪ ،‬وهو أظهر‪ ،‬لقوله تعالى‪:‬‬ ‫{ا ْه ِدنَا ال ِّص َراطَ ا ْلم ْستَقِي َم } [الفاتحة ‪]6 :‬‬ ‫‪ - 12‬أن الدعاء سبب لهداية الله‪ ،‬وأن الهدى من الله وحده‪ ،‬وأن‬ ‫من يه ِده الله فلا مض َّل له ومن يضلل فلا هاد َي له ‪.‬‬ ‫‪ - 13‬تعريف العباد بفقرهم وحاجتهم إلى الله من جميع الوجوه‪،‬‬ ‫وبيان فقر العباد إلى الله في طعامهم وشرابهم‪ .‬والإرشاد إلى طلب‬ ‫ذلك من الله‬ ‫‪ 14‬ـ أن الدعاء سبب لنيل ما عند الله‪ ،‬ومشروعية الدعاء في‬ ‫مطالب الدنيا والآخرة‪ ،‬وهو لا ينافي الأخذ بالأسباب الأخرى‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪138‬‬ ‫‪ 15‬ـ أن كل طعام وكساء يحصل للعبد فهو من عند الله ‪ ،‬ولو‬ ‫حصل على يد بعض العباد‬ ‫‪ - 16‬أن الهدى من الضلال أهم من الغذاء والكساء فبالهدى حياة‬ ‫الروح وسعادتها‪ ،‬وبالغذاء والكساء حياة البدن وجماله‬ ‫‪ 17‬ـ كثرة تعرض العباد للذنوب‪ .‬وأن من صفات الله مغفرة‬ ‫الذنوب‪ .‬و أنه سبحانه وتعالى يغفر جميع الذنوب لمن تاب‬ ‫‪ 18‬ـ الأمر بالاستغفار وأنه سبب المغفرة‪ ،‬فإن كان الاستغفار‬ ‫متضمنا للتوبة كان الوعد بالمغفرة وعدا محققا‪ ،‬وإن لم يكن‬ ‫متضمنا للتوبة فالوعد بالمغفرة مقيد بالمشيئة وذلك فيما دون‬ ‫الشرك كما قال تعالى {إِ َّن ال َّلهَ لاَ يَ ْغفِر أَن ي ْش َر َك بِ ِه َويَ ْغفِر َما دو َن‬ ‫َذلِ َك لِ َمن يَ َشاء} [النساء ‪ ]48 :‬فإن الله يغفر لمن يشاء ويتوب‬ ‫على من تاب‪.‬‬ ‫‪ 19‬ـ أن الله تعالى لا تنفعه طاعة المطيعين ولا تضره معصية‬ ‫العاصي‪ ،‬وأن تقوى العباد كلهم لا يزيد في ملكه شيئا‪ ،‬وأن فجور‬ ‫العباد كلهم لا ينقص من ملكه شيئا‬ ‫‪ 20‬ـ أن الله تعالى لا يلحقه ضرر في ذاته وأسمائه وصفاته ولا‬ ‫في ملكه‪ ،‬بل الضرر ممتنع في حقه بخلاف الأذى فإنه جائز عليه‬ ‫سبحانه وواقع من بعض العباد بما يقولون أو يفعلون مما يكرهه‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪139‬‬ ‫سبحانه‪ ،‬كما قال تعالى‪ { :‬إِ َّن الَّ ِذي َن ي ْؤذو َن ال َّلهَ َو َرسولَه لَ َعنَهم‬ ‫ال َّله } [الأحزاب ‪]57 :‬‬ ‫وقال تعالى في الحديث القدسي ‪\":‬يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا‬ ‫الدهر\"‪ .‬وقال صلى الله عليه وسلم ‪\" :‬ليس أحد أصبر على أذى‬ ‫سمعه من الله تعالى \"‬ ‫‪ - 21‬كمال غناه سبحانه عن عباده‪ ،‬فلم يخلقهم ليتقوى بهم من‬ ‫ضعف‪ ،‬أو يتكثر بهم من قلة‪ ،‬أو يتعزز بهم من ذلة‪ ،‬بل خلقهم‬ ‫لعبادته‪ ،‬كما قال تعالى { َو َما َخلَقْت ا ْل ِج َّن َوا ْل ِإن َس إِ َّلا لِيَ ْعبدو ِن‬ ‫{‪َ }56‬ما أ ِريد ِم ْنهم ِّمن ِّر ْزق َو َما أ ِريد أَن ي ْط ِعمو ِن {‪ }57‬إِ َّن ال َّلهَ‬ ‫ه َو ال َّر َّزاق ذو ا ْلق َّو ِة ا ْل َمتِين } [الذاريات ‪]58 – 56 :‬‬ ‫‪ - 22‬أن متعلَّق التقوى والفجور القلب ‪.‬‬ ‫‪ - 23‬أن أمره تعالى ونهيه تعود مصلحته إلى العباد‪ ،‬فمنفعة‬ ‫طاعاتهم ومضرة معاصيهم لهم وعليهم‪.‬‬ ‫‪ -24‬أن ما عنده سبحانه لا ينفد بكثرة العطاء‪ ،‬بل لا ينقص ما‬ ‫عنده مهما بلغ عطاؤه للسائلين ‪.‬‬ ‫‪ - 25‬الترغيب في سؤال الله جميع الحوائج مع حسن الظن وقوة‬ ‫الرجاء ‪.‬‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪140‬‬ ‫‪ - 26‬أن الاجتماع على الدعاء من أسباب الإجابة كما في صلاة‬ ‫الاستسقاء والجمعة والعيدين‪.‬‬ ‫‪ - 27‬أن جزاء الإحسان الإحسان‪ ،‬وجزاء السوء بمثله‬ ‫كما قال تعالى { َولِ َّلهِ َما فِي ال َّس َم َوا ِت َو َما فِي الأَ ْر ِض لِيَ ْج ِز َي‬ ‫الَّ ِذي َن أَ َساءوا بِ َما َع ِملوا َويَ ْج ِز َي الَّ ِذي َن أَ ْح َسنوا بِا ْلح ْسنَى }‬ ‫[النجم ‪]31 :‬‬ ‫‪ - 28‬أن من أحسن فبتوفيق الله‪ ،‬وجزاؤه فضل من الله فله الحمد‪.‬‬ ‫وأن من أساء فلا حجة له على الله‪ ،‬و ما صار إليه من الشر‬ ‫فبسبب نفسه‪ ،‬قال تعالى‪َ { :‬ما أ َصابَ َك ِم ْن َح َسنَة فَ ِم َن ال َّلهِ َو َما‬ ‫أَ َصابَ َك ِم ْن َسيِّئَة فَ ِم ْن نَ ْف ِس َك َوأَ ْر َس ْلنَا َك لِلنَّا ِس َرسولا َو َكفَى بِال َّلهِ‬ ‫َش ِهيدا } [النساء ‪]79 :‬‬ ‫‪ - 29‬أن من بلاغة الكلام التصريح بالمحبوب الممدوح والإبهام‬ ‫في المكروه‪ ،‬لقوله‪ ( :‬فمن وجد خيرا ) و (ومن وجد غير‬ ‫ذلك) ونظيره ما تقدم في حديث النية ( فهجرته إلى الله‬ ‫ورسوله ) وفي الآخر ‪ ( :‬فهجرته إلى ما هاجر إليه )‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪141‬‬ ‫الحديث الخامس والعشرون‬ ‫عن أبي َذر َر ِضي اللُ َع ْنهُ‪،‬‬ ‫أ َّن نَا ًسا ِمن أَ ْص َحا ِب النبي َصلَّى الَّلُ عليه وسلَّ َم قالوا للنبي َصلَّى‬ ‫الَّلُ عليه وسلَّ َم‪:‬‬ ‫\" يا َرسو َل اللهِ‪َ ،‬ذ َه َب أَ ْهل الدثو ِر بالأجو ِر‪ ،‬ي َصلو َن كما ن َصلِّي‪،‬‬ ‫َويَصومو َن كما نَصوم‪َ ،‬ويَتَ َص َّدقو َن بفضو ِل أَ ْم َوالِ ِه ْم‪ ،‬قا َل‪ \":‬أَ َولي َس‬ ‫ق ْد َج َع َل ال َّله لَك ْم ما تَ َّص َّدقو َن ؟ إ َّن بك ِّل تَ ْسبِي َحة َص َدقَة‪َ ،‬وك ِّل تَ ْكبِي َرة‬ ‫َص َدقَة‪َ ،‬وك ِّل تَ ْح ِمي َدة َص َدقَة‪َ ،‬وك ِّل تَ ْهلِيلَة َص َدقَة‪َ ،‬وأَ ْمر بال َمعرو ِف‬ ‫َص َدقَة‪َ ،‬ونَ ْهي عن م ْن َكر َص َدقَة‪ ،‬وفي ب ْضعِ أَ َح ِدك ْم َص َدقَة\"‪ ،‬قالوا‪ :‬يا‬ ‫َرسو َل اللهِ‪ ،‬أَيَأتي أَ َحدنَا َش ْه َوتَه َويَكون له فِي َها أَ ْجر؟ قا َل‪\" :‬أَ َرأَ ْيت ْم‬ ‫لو َو َض َع َها في َح َرام أَكا َن عليه فِي َها ِو ْزر؟ فَ َكذل َك إ َذا َو َض َع َها في‬ ‫ال َح َلا ِل كا َن له أَ ْجر\"‪.‬‬ ‫رواه ُمسلِم‬ ‫المفردات‬ ‫ناسا‪ :‬هم فقراء المهاجرين ‪ ،‬كما في الرواية الأخرى‬ ‫من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم‪ :‬جمع صاحب بمعنى‬ ‫الصحابي ‪:‬وهو من اجتمع بمحمد صلى الله عليه وسلم بعد النبوة‬ ‫وقبل وفاته مؤمنا به ومات على ذلك ‪ ،‬وإن لم يره كابن أم مكتوم‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪142‬‬ ‫الدثور‪ :‬بضم الدال ‪ ،‬جمع دثر بفتح فسكون ‪ ،‬وهو المال الكثير‬ ‫بفضول أموالهم‪ :‬بأموالهم الفاضلة عن كفايتهم ‪.‬‬ ‫بضع‪ :‬بضم فسكون ‪ ،‬يطلق على الجماع وعلى الفرج نفسه ‪،‬‬ ‫وكلاهما تصلح إرادته هنا‬ ‫وزر‪ :‬إثم‬ ‫شرح الحديث‬ ‫أن أناسا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا للنبي صلى‬ ‫الله عليه { يا رسول الله }‬ ‫وهؤلاء فقراء‪ ،‬قالوا‪ { :‬يا رسول الله ذهب أهل الدثور بالأجور}‬ ‫يعني أهل الأموال ذهبوا بالأجور‪ ،‬يعني اختصوا بها‬ ‫{ يصلون كما نصلي‪ ،‬ويصومون كما نصوم‪ ،‬ويتصدقون بفضول‬ ‫أموالهم } فهم شاركوا الفقراء في الصلاة والصوم وفضولهم في‬ ‫الصدقة‬ ‫قال النبي صلى الله عليه وسلم ‪ { :‬أوليس قد جعل الله لكم ما‬ ‫تصدقون} لما اشتكى الفقراء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫أنه ذهب أهل الدثور بالأجور يصلون كما يصلون ويصومون كما‬ ‫يصومون ويتصدقون بفضول أموالهم يعني والفقراء لا يتصدقون‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪143‬‬ ‫بيّن لهم النبي الصدقة التي يطيقونها فقال‪ { :‬أوليس قد جعل الله‬ ‫لكم ما تصدقون ‪ ،‬إن بكل تسبيحة صدقة }يعني أن يقول الإنسان‬ ‫سبحان الله صدقة‬ ‫{ وكل تكبيرة صدقة } يعني إذا قال‪ ( :‬الله أكبر ) فهذه صدقة‬ ‫{ وكل تحميدة صدقة } يعني إذا قال‪ ( :‬الحمد لله ) فهذه صدقة‬ ‫{ وكل تهليلة صدقة }يعني إذا قال‪ ( :‬لا إله إلا الله ) فهذه صدقة‪.‬‬ ‫{ وأمر بالمعروف } يعني إذا أمر شخصا أن يفعل طاعة فهذه‬ ‫صدقة‬ ‫{ ونهي عن منكر } يعني إذا نهى شخصا عن منكر فإن ذلك صدقة‬ ‫{ وفي بضع أحدكم صدقة } يعني إذا أتى الرجل زوجته فإن ذلك‬ ‫صدقة‪ ،‬وكان له فيها أجر‬ ‫قالوا ‪ :‬يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟‬ ‫ذكروا ذلك لتقرير قوله { وفي بضع أحدكم صدقة } وليس للشك‬ ‫في هذا‪ ،‬لأنهم يعلمون أن ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم فهو‬ ‫حق لكن أرادوا أن يقرروا ذلك‬ ‫ونظير ذلك قول زكريا عليه السلام‪{ :‬قَا َل َر ِّب أَنَّى يَكون لِي غ َلام‬ ‫َوقَ ْد بَلَ َغنِ َي ا ْل ِكبَر َوا ْم َرأَتِي َعاقِر} [آل عمران‪ ]40:‬أراد أن يقرر‬ ‫ذلك ويثبته مع أنه مصدق به‪.‬‬ ‫قال‪ { :‬أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر؟ }‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪144‬‬ ‫والجواب‪ :‬نعم يكون عليه وزر‬ ‫قال‪ { :‬فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر } وهذا القياس‬ ‫يسمونه قياس العكس‪ ،‬يعني كما أن عليه وزرا في الحرام يكون‬ ‫له أجرا في الحلال فقال{فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر }‬ ‫من فوائد الحديث‬ ‫‪ - 1‬نعمة المال عون على الأعمال الصالحة‪ ،‬ويشهد لهذا الحديث‬ ‫\" نعم المال الصالح للعبد الصالح ‪\".‬‬ ‫‪ - 2‬اكتساب الأجور ببذل المال في سبل الخيرات ‪.‬‬ ‫‪ - 3‬حرص الصحابة على ما يقربهم إلى الله ‪.‬‬ ‫‪ - 4‬فضل فقراء الصحابة لمنافسة إخوانهم الأغنياء ‪.‬‬ ‫‪ - 5‬فضل أغنياء الصحابة لمشاركة الفقراء في العبادات البدنية‬ ‫فرضها ونفلها مع التصدق بفضول أموالهم ‪.‬‬ ‫‪ - 6‬المنافسة في الخير والبر ‪.‬‬ ‫‪ - 7‬أن مجرد نية الخير والرغبة فيه لا تبلغ منزلة الفعل والبذل ‪.‬‬ ‫‪ - 8‬استحباب التصدق بفضول الأموال وهي مازاد عن الحاجة‪،‬‬ ‫ويدل له قوله تعالى‪َ { :‬ويَ ْسأَلونَ َك َما َذا ينفِقو َن ق ِل ا ْل َعفْ َو َك َذلِ َك يبيِّن‬ ‫ال ّله لَكم الآيَا ِت لَ َعلَّك ْم تَتَفَ َّكرو َن } البقرة ‪219‬‬ ‫‪ - 9‬أن الصدقة لها معنى خاص وهي الصدقة بالمال ومعنى عام‬ ‫وهي فعل عموم الطاعات القولية والفعلية‪ ،‬وسميت الطاعة صدقة‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪145‬‬ ‫لأنها تدل على صدق إيمان العبد وهي صدقة منه على نفسه‪ ،‬وما‬ ‫كان نفعها متعديا فهي أيضا صدقة على غيره‪.‬‬ ‫‪ - 10‬فضل ذكر الله والترغيب في الإكثار منه ‪.‬‬ ‫‪ - 11‬بيان ألفاظ الذكر وهي سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله‬ ‫والله أكبر‪.‬‬ ‫وذكر الله بهذه الكلمات منه ما هو واجب كالتسبيح في الركوع‬ ‫والسجود وتكبيرة الإحرام وتكبيرات الانتقال‪ ،‬ومنه ما هو تطوع‬ ‫كالتسبيح والتحميد والتكبير أدبار الصلوات‪.‬‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪146‬‬ ‫الحديث السادس والعشرون‬ ‫عن أَبي هُريرة َر ِضي اللُ َع ْنهُ قا َل ‪:‬‬ ‫قا َل رسو ُل اللِ َصلَّى اللُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم‪:‬‬ ‫\" كل سلا َمى ِم َن النَّا ِس عليه َص َدقَة‪ ،‬ك َّل يَوم تَ ْطلع فيه ال َّش ْمس‪،‬‬ ‫تَ ْع ِدل ب ْي َن الا ْثنَ ْي ِن َص َدقَة‪ ،‬وت ِعين ال َّرج َل في دابَّتِ ِه فَتَ ْح ِمله عليها‪ ،‬أ ْو‬ ‫تَ ْرفَع له عليها َمتا َعه َص َدقَة‪ ،‬وا ْل َكلِ َمة الطَّيِّبَة َص َدقَة‪ ،‬وكل خ ْط َوة‬ ‫تَ ْم ِشيها إلى ال َّصلا ِة َص َدقَة‪ ،‬وت ِميط الأ َذى َع ِن الطَّ ِري ِق َص َدقَة \"‬ ‫رواه البخاري ومسلِم‬ ‫واللفظ لمسلم و عند البخاري اْلفعال بالياء لا بالتاء (يعدل‪،‬‬ ‫ويعين‪)....‬‬ ‫شرح الحديث‬ ‫سلامى بضم السين ‪ ،‬وهي المفاصل‪ .‬وقد ثبت في صحيح مسلم‬ ‫أنها ثلاثمائة وستون مفصلا‪ ،‬والطب الحديث يوافق هذا سبحان‬ ‫الله‬ ‫وقيل‪ :‬هي العظام‪ ،‬والمعنى واحد لايختلف‪ ،‬لأن كل عظم مفصول‬ ‫عن الآخر بفاصل فإنه يختلف عنه في الشكل‪ ،‬وفي القوة‪ ،‬وفي‬ ‫كل الأمور وهذا من تمام قدرة الله ع ّز وجل فليس الذراع كالعضد‪،‬‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪147‬‬ ‫وليست الأصابع كالكف‪ ،‬فكل ما فصل عن غيره من العظام فله‬ ‫ميزة خاصة‪ ،‬ولذلك كان على كل سلامى صدقة‬ ‫وقوله‪\" :‬كل سلا َمى ِم َن النَّا ِس َعلَ ْي ِه َص َدقَة\"‬ ‫أي كل مفصل عليه صدقة‪ ،‬في مقابلة ما أنعم الله به عليه في تلك‬ ‫السلاميات ‪ ،‬إذ لو شاء لسلبها القدرة وهو في ذلك عادل‪ .‬فإبقاؤها‬ ‫يوجب دوام الشكر بالتصدق ‪ ،‬إذ لو فقد له عظم واحد ‪ ،‬أو يبس ‪،‬‬ ‫أو لم ينبسط أو ينقبض لاختلت حياته ‪ ،‬وعظم بلاؤه ‪،‬والصدقة‬ ‫تدفع البلاء‬ ‫وقوله‪\" :‬ك َّل يَوم تَ ْطلع فِ ْي ِه ال َّشمس \"‬ ‫\"تطلع فيه الشمس\" ‪ :‬أتى بهذا القيد لئلا يتوهم أن المراد باليوم‬ ‫هنا المدة الطويلة ‪ ،‬كما يقال‪ :‬يوم صفين‪ .‬وهو أيام كثيرة‪ .‬أو‬ ‫مطلق الوقت كما في آية‪(( :‬أَ َلا يَ ْو َم يَأْتِي ِه ْم لَيْ َس َم ْصروفا َع ْنه ْم))‬ ‫يعني كل يوم يصبح على كل عضو من أعضائنا صدقة‪ ،‬أي‬ ‫ثلاثمائة وستون صدقة في اليوم‬ ‫فيكون في الأسبوع ألفين وخمسمائة وعشرين‪ .‬لكن من نعمة الله‬ ‫أن هذه الصدقة عامة في كل القربات‪ ،‬فكل القربات صدقات‪ ،‬وهذا‬ ‫شيء ليس بصعب على الإنسان‪ ،‬مادام كل قربة صدقة فما أيسر‬ ‫أن يؤدي الإنسان ما يجب عليه‬ ‫ثم قال‪\" :‬ت ْع ِدل بَي َن الاثنَ ْي ِن َص َدقَة\"‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪148‬‬ ‫تعدل أي تفصل بينهما إما بصلح وإما بحكم‪ ،‬والأولى العدل‬ ‫بالصلح إذا أمكن ما لم يتبين للرجل أن الحكم لأحدهما‪ ،‬فإن تبين‬ ‫أن الحكم لأحدهما حرم الصلح‪ ،‬وهذا قد يفعله بعض القضاة‪،‬‬ ‫يحاول أن يصلح مع علمه أن الحق مع المدعي أو المدعى عليه‪،‬‬ ‫وهذا محرم لأنه بالإصلاح لابد أن يتنازل كل واحد عما ادعاه‬ ‫فيحال بينه وبين حقه‪.‬‬ ‫إذا العدل بين الاثنين بالصلح أو بالحكم‪ ،‬لكن إن علم أن الحق‬ ‫لأحدهما فلا يصلح‪ ،‬بل يحكم بالحق ‪ ،‬وهو صدقة عليهما‬ ‫لوقايتهما مما يتسبب فيه الخصام من قبيح الأقوال والأفعال‬ ‫\" َوت ِع ْين ال َّرج َل فِي َدابَّتِ ِه\" أي بعيره مثلا \"فت ْح ِمله َعلَ ْي َها\" إذا كان‬ ‫لايستطيع أن يركب تحمله أنت وتضعه على الرحل هذا صدقة‬ ‫\"أَو ترفع لَه َعلَ ْي َها َمتَا َعه\" متاعه ما يتمتع به في السفر من طعام‬ ‫وشراب وغيرهما‪ ،‬تحمله على البعير وتربطه‪ ،‬هذا صدقة ‪.‬‬ ‫\" َوال َكلِ َمة الطَّيِّبَة َص َدقَة\" أي كلمة طيبة سواء في حق الله كالتسبيح‬ ‫والتكبير والتهليل‪ ،‬أو في حق الناس كحسن الخلق صدقة‬ ‫\" َوكل خط َوة تمشيها إِلَى ال َّصلا ِة َص َدقَة \"سواء بعدت المسافة أم‬ ‫قصرت‪ ،‬وإذا كان قد تطهر في بيته وخرج إلى الصلاة لايخرجه إلا‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪149‬‬ ‫الصلاة لم يخط خطوة إلا رفع الله له بها درجة‪ ،‬وحطّ عنه بها‬ ‫خطيئة‪ ،‬فيكتسب شيئين‪:‬‬ ‫رفع الدرجة‪ ،‬وحطّ الخطيئة‬ ‫وقد استحب بعض العلماء أن يقارب الإنسان خطواته إذا ذهب إلى‬ ‫المسجد‪ ،‬ولكن هذا استحباب في غير موضعه‪ ،‬ولادليل عليه‬ ‫لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما أخبر أن كل خطوة يخطوها إلى‬ ‫الصلاة صدقة لم يقل‪ :‬فليدن أحدكم خطواته‪ ،‬ولو كان هذا أمرا‬ ‫مقصودا مشروعا لبيّنه النبي صلى الله عليه وسلم‬ ‫فلا يباعد الخطا قصدا ولايدنيها قصدا‪ ،‬بل يمشي على عادته‬ ‫\" َوت ِميط الأ َذى َع ِن الطَّ ِر ْي ِق َص َدقَة\"‪ :‬أي تزيل الأذى وهو ما يؤذي‬ ‫المارة من حجر أو زجاج أو قاذورات فأي شيء يؤذي المارين إذا‬ ‫أميط عن طريقهم فإنه صدقة‪.‬‬ ‫الفوائد التربوية‬ ‫الفائدة الأولى ‪ :‬وجوب شكر نعم الله التي في الإنسان ذاته لقول‬ ‫\"كل سلامى من الناس عليه صدقة \"أي كل عظم من عظام‬ ‫الإنسان يحتاج إلى شكر لله بصدقة لأنه ركبه وأتمه وأنعم به‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪150‬‬ ‫الفائدة الثانية ‪:‬التفكر في النفس من سمات المؤمنين كما قال‬ ‫تعالى ‪َ ( :‬وفِي أَنف ِسك ْم أَفَ َلا ت ْب ِصرو َن ) (‪[ )21‬الذاريات]‬ ‫الفائدة الثالثة ‪:‬أفضل الصدقات ماكان متعديا نفعه مثل ‪ :‬أن تعدل‬ ‫بين اثنين وأن تحمل متاع أخيك أو تعينه على حمله وإماطة الأذى‬ ‫عن الطريق‬ ‫الفائدة الرابعة‪:‬على المسلم ألا يحتقر أي عمل يحتسبه عند الله‬ ‫سبحانه‪ ،‬فمجرد رفع متاع إنسان على دابته وإعانته على ذلك‬ ‫وإماطة الأذى عن الطريق يعتبر صدقة وهما عملان قد يحتقرهما‬ ‫الشخص قبل سماع الحديث ‪.‬‬ ‫الفائدة الخامسة ‪:‬حديث أبي ذر رضي الله عنه السابق أغلب‬ ‫الأعمال التي ذكرت فيه تتناول علاقة الإنسان مع ربه سبحانه‬ ‫وتعالى من ذكر وتهليل وتحميد وأمر بمعروف ونهي عن منكر‪،‬‬ ‫أما هذا الحديث فأغلب الأعمال في علاقة الإنسان مع إخوانه‬ ‫المسلمين ومع مجتمعه‪ ،‬فهما حديثان يكمل أحدهما الآخر ‪.‬‬ ‫الفائدة السادسة‪:‬يربي في النفس التواضع حيث يحمل المسلم‬ ‫متاع أخيه ويحمله على دابته ويميط الأذى‪ ،‬فهذا كله يطرد الكبر‬ ‫من القلب‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬


Like this book? You can publish your book online for free in a few minutes!
Create your own flipbook