101 الفائدة الثالثة :ينبغي أن يذكر مقدمة مناسبة قبل التعليم تشوق المستمع لما يقال ،كما فعل صلى الله عليه وسلم في رواية هذا الحديث حيث قال \" أعلمك كلمات \" ،لأن ابن عباس رضي الله عنهما إذا سمع ذلك شحذ همته ليحفظهن ويعمل بهن . فمن تعلم هذه الكلمات انتفع بإذن الله الفائدة الرابعة :استغلال الوقت بما يفيد ففي حال ركوب ابن عباس رضي الله عنهما خلف النبي صلى الله عليه وسلم حرص صلى الله عليه وسلم أن يقطع الوقت بما يفيد من تعليم أو تذكير . الفائدة الخامسة :فيه الاهتمام بأمر العقيدة ،فهذه الكلمات جميعها من أمور العقيدة. فيربي الحديث الاعتماد على الله سبحانه والتعلق به ورجاءه دون غيره الفائدة السادسة :يقرر الحديث الأعمال القلبية من التوكل والاستعانة والتعلق والخوف والرجاء لأنها حياة الإنسان وأصل العقيدة الفائدة السابعة :الجزاء من جنس العمل ،فمن حفظ الله حفظه الله ،ومن استعان بالله أعانه سبحانه شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
102 الفائدة الثامنة :من يحفظ أوامر الله يحصل على ثمرتين عظيمتين: الثمرة الأولى :يحفظه الله من كل مكروه لقوله في جواب الشرط \" يحفظك \" الثمرة الثانية :يعينه الله في أموره المستقبلية ويجلب له الخير لقوله \" احفظ الله تجده تجاهك \" الفائدة التاسعة :فيه تفسير لمعية الله الخاصة لعبادة المؤمنين كما هو مذهب أهل السنة والجماعة ،وهذه المعية الخاصة في قوله \" تجاهك \" \" ،أمامك \" \" ،يحفظك \" \" ،يعرفك في الشدة \" الفائدة العاشرة :صلاح الدنيا والآخرة للشخص على قدر حفظه لحدود الله ،ولذلك قال في الحديث \" احفظ الله يحفظك \" وأطلق ولم يقيد الحفظ في المال أو الولد أو الصحة أو الدين ،وهذا الإطلاق حتى يشمل جميع ذلك . الفائدة الحادية عشرة :إثبات اسم الله \" الشكور \" حيث أن من معانيه أنه يشكر العبد على أعماله فيعينه عليها أولا ثم يتقبلها منه ثانيا ثم يجزيه عليها في الدنيا والآخرة فمن جزائه في الدنيا شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
103 أنه يحفظ العبد وييسر له كل عسير وهذا من شكره سبحانه وتعالى لعبده الفائدة الثانية عشرة :التوجه والسؤال والحاجة لا تنزل إ ّلا بالله وحده ،فهو الذي يعطي ويمنع \" إذا سألت فاسأل الله \" الفائدة الثالثة عشرة :قوله \" إذا سألت فاسأل الله ،وإذا استعنت فاستعن بالله \" مرادف لقوله تعالى { :إِيَّا َك نَ ْعبد وإِيَّا َك نَ ْستَ ِعين } ( :5سورة الفاتحة) ،فإن السؤال عبادة لله الفائدة الرابعة عشرة :جاء النص على السؤال دون غيره \" إذا سألت فاسأل الله \" لأن السؤال يجمع مقامات عالية منها :ـ الذل والافتقار والتوجه والمسكنة والخروج من الحول والقوة وإنزال الفاقة بالمسؤول وإحسان الظن به ،واتهام النفس بالقصور ،ومعرفة قدرها وأنها لا تملك ضرا ولا نفعا الفائدة الخامسة عشرة :يدل الحديث على أن الشخص ضعيف لا يملك لنفسه حول ولا قوة ،حتى إعانته نفسه على ما يريد لا يقدر عليه إلاّ بإعانة المولى سبحانه. الفائدة السادسة عشرة :من أهداف الحديث تقرير مسألتين عظيمتين :ـ شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
104 الأولى :فقر الإنسان لربه ،وأنه لا غنى له عنه طرفة عين ولا أقل من ذلك وقطع الرجاء بالمخلوقين . الثانية :غنى الله عن جميع المخلوقين وكماله بذاته سبحانه الفائدة السابعة عشرة :الكلمات التي تعلمها ابن عباس رضي الله عنهما تربي القوة والشجاعة في النفس ،فمن ن ّزل مسألته بالله دون غيره واستعان به وحده ،وعلم أن ما أصابه لا يخطؤه وما أخطأه لا يصيبه أصبح قويا في حجته ودعوته وسائر حياته. الفائدة الثامنة عشرة :المؤمن الصادق يعبد الله في كل أحيانه ، الرخاء والشدة ولذلك أوصى النبي صلى الله عليه وسلم ابن عباس رضي الله عنهما فقال \" تع ّرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة \" ،وليس كحال المشركين الذي قال الله عنهم {فَإِ َذا َر ِكبوا فِي ا ْلف ْل ِك َد َعوا ال َّلهَ م ْخلِ ِصي َن لَه ال ِّدي َن فَلَ َّما نَ َّجاه ْم إِلَى ا ْلبَ ِّر إِ َذا ه ْم ي ْش ِركو َن} ( )65سورة العنكبوت. الفائدة التاسعة عشرة :الاستعانة من أعمال القلوب التي يجب صرفها لله وحده شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
105 الفائدة العشرون :يؤصل الحديث الإيمان بالقضاء والقدر ،وهذا الركن السادس من أركان الإيمان . الفائدة الحادية والعشرون :قوله \" إ ّلا بشئ كتبه الله لك \" ،وقوله \" إ ّلا بشئ كتبه الله عليك \" لا يعارض العمل ولا يدل على ترك العمل ،بدليل أول الحديث \" إذا سألت فاسأل الله ،وإذا استعنت فاستعن بالله \" فسؤال الله والاستعانة به هي من عمل الشخص يجازيه الله بها . الفائدة الثانية والعشرون :الحديث يشمل أعمال الجوارح وأعمال القلوب ،فالسؤال والدعاء من أعمال الجوارح ،والاستعانة من أعمال القلوب ،وكلا الأمرين من أركان الإيمان الفائدة الثالثة والعشرون :يقرر الحديث الرضا بأقدار الله ،وهي منزلة أعلى من منزلة الصبر . الفائدة الرابعة والعشرون :يقرر الحديث اليقين بالله سبحانه وأفعاله . الفائدة الخامسة والعشرون :تقرير لمذهب أهل السنة والجماعة أن مشيئة الله هي النافذة ،وترجع مشيئة العبد إليها فالعبد له اختيار وله إرادة ولكن اختياره وإرادته تابعتان لمشيئة الله وإرادته ،فهو المصرف لعباده ،والمدبر لشئونهم فلا شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
106 يستطيعون أن يشاءوا شيئا أو يريدوا شيئا إلا بعد مشيئة الله له، فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن الفائدة السادسة والعشرون :يربي عظمة الله سبحانه في قلوب المؤمنين ،فمن تأمل قدرته الباهرة ،ومشيئته النافذة وأن ما شاء كان وما لم يشاء لم يكن عرف ذلك . الفائدة السابعة والعشرون :النصر مع الصبر ،وهذا في جميع الأمور فمن صبر وصابر على مجاهدة نفسه وجهاد العدو وعبادة ربه انتصر بإذن الله . الفائدة الثامنة والعشرون :الاستعجال والجزع لا يأتي بالنصر ، وهذا من مفهوم الحديث لأنه علق النصر بالصبر الفائدة التاسعة والعشرون :إذا اشتد الأمر وزاد الكرب ،وانغلقت جميع الأبواب ،كان هذا بإذن الله دليل على الفرج لقوله \" وأن الفرج مع الكرب \" الفائدة الثلاثون :الحديث يربي في النفوس عدم اليأس من روح الله ،وفرجه ،وحسن الظن به حتى لو اشتد الأمر لأن الفرج لا يأتي إ ّلا بعد الكرب . الفائدة الحادية والثلاثون :قوله \" واعلم أن الفرج مع الكرب \" عام في جميع شؤون الحياة ،ففيه بشارة لمن أصابه هم وغم وتراكمت عليه الأحزان أن فرج الله قريب شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
107 الفائدة الثانية والثلاثون :قال ابن رجب رحمه الله: \" ومن لطائف أسرار اقتران الفرج بالكرب واليسر بالعسر أن الكرب إذا اشتد وعظم وتناهى وحصل للعبد اليأس من كشفه من جهة المخلوقين وتعلق قلبه بالله وحده وهذا هو حقيقة التوكل \" الفائدة الثالثة والثلاثون :يدل ظاهر الحديث على أن حال الدنيا يدور بين عسر يتبعه يسر ،وكرب يتبعه فرج حيث خلق الله الدنيا على نكد وعدم صفو ،فمن عرف حالها لم يطمئن لها وفوائد هذا الحديث العظيم كثيرة جدا ولذلك قال بعض العلماء : \"تدبرت هذا الحديث فأدهشني وكدت أطيش فوا أسفا من الجهل بهذا الحديث وقلة التفهم لمعناه\" شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
108 الحديث العشرون َع ْن أب ِي َم ْس ُعود ُع ْقبَةَ ْب ِن َع ْمرو ا ْْلَ ْن َصا ِري ا ْلبَ ْد ِري رضي الل عنه قَا َل :قَا َل َر ُسو ُل الَّلِ صلى الل عليه وسلم : \"إ َّن ِم َّما أَ ْد َر َك النَّاس ِم ْن َك َلا ِم النب َّو ِة ا ْلأولَى :إ َذا لَ ْم تَ ْستَ ِح فَا ْصنَ ْع َما ِش ْئت\" َر َواهُ ا ْلبُ َخا ِري الشرح \"إِ َّن\" أداة توكيد خبرها مقدم وهو قولهِ \" :مما أَد َر َك الناس\" واسم إن جملة \" :إذا لَم تَ ْستَحِ فَا ْصنَع َما ِشئت \" والتقدير :إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى هذا القول وقوله\" :إِ َّن ِمما أَد َر َك الناس\" أي توارثوه قرنا بعد قرن \"من كلام النبوة الأولى\" :أي السابقة التي قبل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم .والمراد أنه مما اتفقت عليه الشرائع ،لأنه جاء في أولاها ،ثم تتابعت بقيتها عليه \"إذا لم تستح\" :من الحياء ،وهو خلق يحث على فعل الجميل ، وترك القبيح ،ويمنع من التفريط في الحق ،أما ما ينشأ عنه الإخلال بالحق فليس هو حياء شرعيا ،بل هو خور وضعف شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
109 فالحياء الذي يمنع من الخير يسمى خجلا وليس الحياء المراد في الشرع وقوله \"إذا لَم تَ ْستَحِ فَا ْصنَع َما ِشئت\" ذكر العلماء فيه معنيين : المعنى الأول :خبر و تهديد ووعيد يعني :أن من لم يستح صنع ماشاء ،فإذا تركت الحياء ولم يكن عندك حياء يردعك عن القبائح؛ فافعل ما شئت منها ،فإن المانع من فعل القبائح هو الحياء ،وأعلم أنك ستجازى بها وستحاسب عليها وستعاقب المعنى الثاني :أنه للإباحة ،إذا كان الفعل لا يستَ َحيى منه فاصنعه ولا تبا ِل ،أي لا تترك شيئا إذا كان لا يستَحيى منه فالأول عائد على الفاعل ،والثاني عائد على الفعل وكلا المعنيين صحيح الفوائد التربوية الفائدة الأولى :مما يدل على أهمية الحديث قوله \" إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى \" حيث يستفاد فائدتان: الأولى :أنه من كلام الأنبياء المتقدمين. شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
110 الثاني :تواتره عن الناس وانتقاله من جيل إلى جيل إلى أن وصل لهذه الأمة ،والناس لا يتناقلون عبر هذه الأجيال الطويلة إ ّلا شيئا مهما. الفائدة الثانية :يرشد الحديث لضبط سلوك الإنسان وتصرفاته. الفائدة الثالثة :يربي في النفس المسلمة خلق الحياء ،فيكون الحياء رادعا له عن كثير من التصرفات القبيحة . الفائدة الرابعة :الحث على الحياء والتحذير من ذهابه موروث حتى عند الأمم الماضية. الفائدة الخامسة :من لم يكن عنده حياء يتحلى به جاهر بالقبائح والفضائح . الفائدة السادسة :لا يسمى حياء إذا تعارض مع أمر من أمور الشريعة ،لأن الذي حث على الحياء هو الذي أمر بذلك الأمر فلا يتعارضان فلا يمنع الحياء أحدا من التفقه في الدين وطلب العلم بل هو مأمور به شرعا ،روى البخاري في صحيحه عن مجاهد رضي الله عنه قال\" :لا يتعلم العلم مستح ولا مستكبر\" وقالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها\" :نِع َم النساء نساء الأنصار لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين\" شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
111 الحديث الحادي والعشرون َعن أبي عمرو َوقِي َل :أَبي َع ْمرةَ ُسفيا َن ب ِن َع ْب ِد اللِ َر ِضي اللُ َع ْنهُ قا َل :قلْت :يَا َرسو َل اللهِ ،ق ْل لِي فِي الإسلا ِم قَ ْولا لا أَ ْسأَل َع ْنه أحدا َغ ْي َر َك قال\" :ق ْل :آ َم ْنت بِاللهِ ث َّم ا ْستَقِ ْم\" رواه مسلِم شرح الحديث قوله\" :قل لي في الإسلام\" :أي في الشريعة . قولا لا أسأل عنه أحدا غيرك :يعني قولا يكون حدا فاصلا جامعا لمعاني الدين ،اكت ِف به واعمل به فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم كلمتين : \" قل آ َمنْت بِاللهِ\" محل الإيمان القلب \" ث َّم استَقِم\" على طاعته وهذا في عمل الجوارح. فهذا حديث جامع ،من أجمع الأحاديث فقوله\" :قل آ َم ْنت\" يشمل قول اللسان وقول القلب قال أهل العلم :قول القلب :هو إقراره واعترافه شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
112 \"آ َم ْنت بِاللهِ\" أي أقررت به على حسب ما يجب عل ّي من الإيمان بوحدانيته في الربوبية والألوهية والأسماء والصفات. ثم بعد الإيمان \"اِستَقِم\" أي سر على صراط مستقيم ،فلا تخرج عن الشريعة لا يمينا ولا شمالا فهذا الحديث جمع الدين كله لأنه جمع بين: -1تعريف الإيمان عند أهل السنة والجماعة وهو :ـ قول اللسان :لقوله \" قل آمنت بالله\". اعتقاد الجنان (القلب) :لقوله \" آمنت بالله\". عمل الجوارح :لقوله \" استقم \" -2و شرطي العبادة وقبول العمل الإخلاص ( قل آمنت بالله) الإخلاص لله في العبادة المتابعة ( ثم استقم) والاستقامة تتضمن التمشي على شريعته عز وجل والمتابعة لرسوله صلى الله عليه وسلم الفوائد التربوية الفائدة الأولى :أهمية الحديث تتجلى من خلال صيغة السؤال \" لا أسأل عنه أحدا غيرك \" فهذا يدل على أن الجواب سيكون جامعا مانعا . شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
113 الفائدة الثانية :يدل على الحرص على طلب العلم وهذا ظاهر من صيغة السؤال ،فهي تدل على حب وشغف لمعرفة الجواب. الفائدة الثالثة :ينبغي لطالب العلم أن يحرص على السؤال المختصر الهام الذي يجمع فوائد عدة ،وهذا ما فعله سفيان بن عبدالله رضي الله عنه في سؤاله حيث كان مختصرا هاما ،إجابته تجمع فوائد عديدة . الفائدة الرابعة :السؤال مفتاح العلم ،فعلى طالب العلم أ ّلا يستحي من سؤاله. الفائدة الخامسة :طالب العلم يجب أن يكون ذكيا في اختيار سؤاله ،خاصة إن كانت فرصة الجواب لا تتهيأ في كل الأحيان ،ولذلك فإن سؤال سفيان رضي الله عنه من هذا النوع الذكي الذي يختلف عن أسئلة الناس. الفائدة السادسة :قوله \" آمنت بالله ثم استقم \" مرادف لقوله تعالى{إِ َّن الَّ ِذي َن قَالوا َربنَا ال َّله ث َّم ا ْستَقَاموا} ( )13سورة الأحقاف. الفائدة السابعة :جمع الحديث تعريف الإيمان عند أهل السنة والجماعة وهو :ـ -قول اللسان :لقوله \" قل آمنت بالله\". -اعتقاد الجنان :لقوله \" آمنت بالله\" شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
114 -عمل الجوارح :لقوله \" استقم \" الفائدة الثامنة :الإيمان قول يصدقه عمل ،فلم يكتف النبي صلى الله عليه وسلم بقوله \" قل آمنت بالله \" حتى أردف بها وصيته لسفيان رضي الله عنه بقوله \" ثم استقم \" فيصدق قوله بالإيمان بفعل وعمل ظاهر. الفائدة التاسعة :قوله \" استقم \" تحمل في مضمونها المجاهدة ، فلا تأتي الاستقامة على دين الله إ ّلا بعد مكابدة وصبر ومصابرة . الفائدة العاشرة :يجب على الإنسان أن يستقيم على دين الله من غير اعوجاج ولا انحراف ،ويشمل ذلك فعل الطاعات وترك المنهيات . الفائدة الحادية عشرة :الحديث من معجزاته صلى الله عليه وسلم ،لأنه من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم. الفائدة الثانية عشرة :الاستقامة قرنت في القرآن مع الاستغفار في قوله { :فَا ْستَقِيموا إِلَ ْي ِه َوا ْستَ ْغفِروه} ( )6سورة فصلت. وهذا دليل على أن الاستقامة الحقيقية الكاملة لا يستطيعها كل أحد \" فلا بد من تقصير فيجبر ذلك الاستغفار المقتضي للتوبة والرجوع إلى الاستقامة\" . الفائدة الثالثة عشرة :لا يقر الحديث مجرد الإقرار بالإيمان شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
115 والانتساب إلى منهج أهل السنة ما لم يكن معه استقامة تصدقه وتحفظه وترشده ،استقامة في القلب والجوارح ،فإن لم تكن استقامة فمجرد الانتساب لا يكفي ،كما أوضحه صلى الله عليه وسلم لسفيان رضي الله عنه. شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
116 الحديث الثاني والعشرون عن أبي عب ِد اللِ جاب ِر ب ِن عب ِد اللِ اْلنصاري َر ِضي اللُ َع ْنهُما، أَ َّن رج ًلا َسأَ َل َر ُسو َل اللِ َصلَّى اللُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم ،فَقَا َل: ( أَ َرأَ ْي َت إذا َصلَّ ْيت ا ْل َم ْكتوبا ِتَ ،وص ْمت َر َم َضا َنَ ،وأَ ْحلَ ْلت ا ْل َحلا َل، َو َح َّر ْمت ا ْل َحرا َمَ ،ولَ ْم أَ ِز ْد َعلَى ذلِ َك شيئا ،أَأَ ْدخل ا ْل َجنَّةَ ) قا َل { :نَ َع ْم } رواه مسلِم شرح الحديث يقول جابر رضي الله عنه :أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم ،وجاء في صحيح مسلم في بعض الروايات بيان السائل، وأنه النعمان بن قوقل رضي الله عنه وقوله \"أَ َرأَي َت\" بمعنى أخبرني إِذا \" َصليت ال َمكتوبَات\" وهن خمس صلوات في اليوم والليلة كما قال ع ّز وجل { :إِ َّن ال َّص َلاةَ َكانَ ْت َعلَى ا ْلم ْؤ ِمنِي َن ِكتَابا َّم ْوقوتا } (النساء :الآية)103 \" َوصمت َر َم َضان\" أي الشهر المعروف شهر رمضان شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
117 والصيام في اللغة :الإمساك عن أي شيء وفي الشرع :هو الإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس تعبدا لله ع ّز وجل. وقولنا :تعبدا لله لأنه من أمسك عن المفطرات حمية لنفسه ،أو تطببا ،فإن ذلك ليس بصيام شرعي ،ولهذا لابد من تقييد التعاريف الشرعية بالتعبد \" َوأَحلَلت ال َحلا َل\" أي فعلت الحلال معتقدا حله ،هذا معنى قوله: \"أَحلَلت\" لأن أحل الشيء لها معنيان: المعنى الأول :الاعتقاد أنه حلال. المعنى الثاني :العمل به \" َو َح َّرمت ال َح َرا َم\" أي اجتنبت الحرام معتقدا تحريمه ولكن النووي رحمه الله بعد أن ساق الحديث لم يقيد الحرام بكونه معتقدا تحريمه. لأن اجتناب الحرام خير وإن لم يعتقد أنه حرام ،لكن إذا اعتقد أنه حرام صار تركه للحرام عبادة ،لأنه تركه لاعتقاده أنه حرام مثال ذلك : رجل اجتنب شرب الخمر ،لكن لا على أنه حرام إلا أن نفسه لا تطيب به،فهذا لا إثم عليه ،لكنه إذا تركه معتقدا تحريمه وأنه تركه لله صار مثابا على هذا شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
118 \"أَأَدخل ال َجنة\" يعني أأدخل الجنة ،والجنة هي دار النعيم التي أعدها الله ع ّز وجل للمتقين ،فيها مالا عين رأت ،ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر قال\" :نَ َعم\" ،ونعم حرف جواب لإثبات المسؤول عنه ،والمعنى: نعم تدخل الجنة الفوائد التربوية الفائدة الأولى :تفاوت الناس في الإيمان ،فمنهم من يحرص على المقامات العليا ،ومنهم من يكون أقل ،فأحيانا يسأل السائل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أفضل الأعمال ؟ وأحيانا بما دون ذلك وهذا يؤكد مذهب أهل السنة والجماعة في أن الإيمان يزيد وينقص وأهله يتفاضلون فيه الفائدة الثانية :طالب العلم ينبغي أن ينتبه للأسئلة التي تعرض على الشيخ ويحضر لها ذهنه وقلبه ولو كانت من غيره ،فلابد أن يجد فيها فائدة الفائدة الثالثة :يجوز الاقتصار على الفرائض من المكتوبات ورمضان والزكاة وغيرها ،لكن المقام العالي أن يجمع الشخص النوافل. شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
119 الفائدة الرابعة :فيه فضيلة الفرائض لدرجة أن من اقتصر عليها وداوم تدخله الجنة بفضل الله ورحمته الفائدة الخامسة :على العالم أن يراعي حال الناس ،فلا يلزم الناس بحالة واحدة ويهمل الفوارق بينهم بل عليه أن يوجه ويرشد على حسب حال السائل ،ولذلك السائل في هذا الحديث لم يوبخه النبي صلى الله عليه وسلم ويلزمه النوافل بل رضي منه الفرائض لأنها تناسب حاله الفائدة السادسة :من الفقه ألا يقنط العالم الناس من رحمة ربه سبحانه وتعالى. الفائدة السابعة :تيسير الشريعة الإسلامية على أهلها فلم تشدد عليهم ولم تطالبهم بالانقطاع والرهبانية بل رضيت منهم الحرص على الفرائض وفعل الحلال وترك الحرام. الفائدة الثامنة :الحديث دليل لمذهب أهل السنة والجماعة على أن الأعمال من الإيمان. الفائدة التاسعة :قول السائل \" ولم أزد على ذلك شيء \" معناه لم أفعل النوافل بل أكتفي من الصلاة بالمكتوبة ومن الصيام برمضان وهكذا ،وليس المراد أني لا أعمل بشيء من الشريعة غير الصلاة والصيام بدليل قوله \" وأحللت الحلال وحرمت الحرام \" . شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
120 الفائدة العاشرة :التحليل والتحريم لله سبحانه فقط لأنه سبحانه له الحكم وهو أحكم الحاكمين الفائدة الحادية عشرة :دل الحديث على أن تحليل الحلال باعتقاد حله سواء فعله أو لم يفعله ،وتحريم الحرام باعتقاد حرمته واجتنابه وتركه شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
121 الحديث الثالث والعشرون عن أبي مالك الحار ِث ب ِن عاصم اْل ْش َع ِري َر ِضي اللُ َع ْنهُ ،قا َل : قا َل رسو ُل اللِ صلَّى اللُ َعلَ ْي ِه و َسلَّ َم: \" الطـهور َش ْطر ال ِإي َما ِنَ ،وا ْل َح ْمد للهِ تَ ْملأ ا ْل ِمي َزا َنَ ،وس ْب َحا َن اللهِ َوا ْل َح ْمد للهِ تَ ْم ََل ِن -أَ ْو تَ ْملأَ -ما بَ ْي َن ال َّس َموا ِت َوالأَ ْر ِضَ ،وال َّصلاَة نورَ ،وال َّص َدقَة ب ْر َهانَ ،وال َّصبْر ِضيَاءَ ،وا ْلق ْرآن ح َّجة لَ َك أَ ْو َعلَ ْي َك، كل النَّا ِس يَ ْغدو؛ فَبايِع نَ ْف َسه فَم ْعتِق َها ،أ ْو موبِق َها\" رواه مسلِم. شرح الحديث عن أبي مالك الحارث بن عاصم الأشعري قال :قال رسول الله : {الطهور شطر الإيمان } بضم الطاء يعني الطهارة شطر الإيمان أي نصفه وذلك أن الإيمان تخلي وتحلي أما التخلي فهو التخلي عن الإشراك لأن الشرك بالله نجاسة كما قال الله تعالى{ :إِنَّ َما ا ْلم ْش ِركو َن نَ َجس فَ َلا يَ ْق َربوا ا ْل َم ْس ِج َد ا ْل َح َرا َم بَ ْع َد َعا ِم ِه ْم َه َذا} [التوبة]28: فلهذا كان الطهور شطر الإيمان شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
122 وقيل :إن معناه أن الطهور للصلاة شطر الإيمان ،لأن الصلاة إيمان ولا تتم إلا بطهور .لكن المعنى الأول أحسن وأعم. وقيل إن معناه :أن خصال الإيمان على قسمين: أحدهما :يطهر القلب ويزكيه والآخر :يطهر الظاهر فهما تصفان بهذا الاعتبار ،بأن الطهور شطر الإيمان وقال { :والحمد لله تملأ الميزان } الحمد لله تعني :وصف الله تعالى بالمحامد والكمالات الذاتية والفعلية { تملأ الميزان } أي ميزان الأعمال لعظم أجرها ،وسبب ذلك أن التحميد إثبات المحامد كلها لله ،فهي عظيمة عند الله عزوجل ولهذا قال النبي صلى الله عليه و سلم { :كلمتان حبيبتان إلى الرحمن ،خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان ،سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم } وقال { :سبحان الله والحمد لله } يعني الجمع بينهما { تمَلن} أو قال { :تملأ ما بين السموات والأرض } شك من الراوي . أي لو قدر ثوابهما جسما لملأ ما بين السماء والأرض ، وذلك لعظمهما ولاشتمالهما على تنزيه الله تعالى عن كل نقص، وعلى إثبات الكمال لله عز وجل ،ففي التسبيح تنزيه الله عن كل شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
123 نقص ،وفي الحمد وصف الله تعالى بكل كمال ،فلهذا كانتا تمَلن ما بين السماء والأرض. ثم قال { :والصلاة نور } يعني :أن الصلاة نور في القلب وإذا استنار القلب استنار الوجه ،وهي كذلك نور يوم القيامة قال تعالى{ :يَ ْو َم تَ َرى ا ْلم ْؤ ِمنِي َن َوا ْلم ْؤ ِمنَا ِت يَ ْس َعى نوره ْم بَ ْي َن أَ ْي ِدي ِه ْم َوبِأَ ْي َمانِ ِه ْم} [الحديد]12: وهي أيضا نور بالنسبة للاهتداء والعلم وغير ذلك من كل ما فيه النور وقال { :والصدقة برهان } أي دليل على صدق صاحبها ،وأنه يحب التقرب إلى الله وذلك لأن المال محبوب إلى النفوس ولا يصرف المحبوب إلا في محبوب أشد منه حبا وكل إنسان يبذل المحبوب من أجل الثواب المرتجى وهو برهان على صحة إيمانه وقوة يقينه قال { :والصبر ضياء } الصبر أقسامه ثلاثة : -صبر على طاعة الله -وصبر عن معصية الله -وصبر على أقدار الله وقال { :ضياء } نورا مع حرارة كما قال تعالى{ :ه َو الَّ ِذي َج َع َل ال َّش ْم َس ِضيَاء َوا ْلقَ َم َر نورا} [يونس]5: شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
124 والشمس فيها النور والحرارة ،والصبر كذلك لأنه شاق على النفس فهو يعاني كما يعاني الإنسان من الحرارة ومن الحار وقال أيضا { :والقرآن حجة لك أو عليك } والقرآن حجة لك ،أي عند الله عز وجل أو حجة عليك. فإن عملت به كان حجة لك ،وإن أعرضت عنه كان حجة عليك، ثم بين النبي أن كل الناس يغدون ،أي يذهبون الصباح إلى أعمالهم { فبايع نفسه فمعتقها أو موبقها } كل الناس يغدون ويكدحون ويتعبون أنفسهم ،فمنهم من يعتق نفسه من العذاب ،ومنهم من يوبقها أي يهلكها ببيعها للشيطان والهوى باتباعهما ،كلا بحسب عمله وفيه بيان لحال الإنسان وسعيه وكدحه في الدنيا ،فكل إنسان يسعى لنفسه ،فمنهم من يبيعها لله بطاعته ،فيعتقها من العذاب، ومنهم من يبيعها للشيطان والهوى باتباعهما فيوبقها؛ أي: يهلكها. الفوائد التربوية الفائدة الأولى :فيه فضيلة الوضوء وأهميته لأنه المراد بقوله \" الطهور \" لروايات الحديث الآخرى. شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
125 الفائدة الثانية :دليل لمذهب أهل السنة أن الأعمال من الإيمان حيث اعتبر الوضوء شطر الإيمان الفائدة الثالثة :التطهر بمعناه العام من الإيمان ،فيدخل فيه الوضوء والغسل والطهارة من الذنوب سواء بهذا الحديث أو غيره من الأحاديث . الفائدة الرابعة :لا يحافظ على الوضوء إ ّلا مؤمن مراقب لربه ، محتسب لصلاته ،حريص على العناية بها ولهذا كان الطهور شطر الإيمان ،أما من تهاون به فاته فضل الإسباغ ،وكان دليلا على قدر الصلاة في قلبه الفائدة الخامسة :فيه فضل التحميد لله وأنه يملأ ميزان العبد يوم القيامة الفائدة السادسة :لرفع همة المؤمن ينبغي أن يعلق قلبه بالآخرة وثقل الميزان والجنة لأنها أمور معتبرة لدينه ولذلك نص النبي صلى الله عليه وسلم على أن التحميد يملأ ميزان العبد. الفائدة السابعة :التحميد أفضل من التسبيح لأن التحميد إثبات المحامد كلها لله سبحانه ،بخلاف التسبيح فهو تنزيه الله عن النقائص والعيوب ولهذا يأتي التحميد مفردا بينما التسبيح الغالب أن يأتي مقرونا بغيره كالتحميد فتقول :سبحان شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
126 والله وبحمده \" ولا يعني هذا نقص التسبيح لكن يعني كمال التحميد الفائدة الثامنة :الحمد فيه اعتراف بفضل الله سبحانه ومدح له ، ويتضمن نقص النفس لأنها لا تملك شيئا تحمد فيه وتمدح لأجله. الفائدة التاسعة :فيه فضل التسبيح وأنه يملأ ما بين السماء والأرض الفائدة العاشرة :فيه فضيلة الصلاة وأنها نور لصاحبها في الدنيا والآخرة . الفائدة الحادية عشرة :قوله \" الصلاة نور \" دليل على أنه على قدر صلاته وإتمامها وخشوعها تكون قوة ذلك النور نسأل الله أن يتم نورنا ،فمن تم نور صلاته نهته صلاته عن الفحشاء والمنكر وكانت حجابه عن النار ،ونور الله بصيرته ، ومن نقص نور صلاته نقص منه بقدر ذلك . الفائدة الثانية عشرة :فيه فضيلة الصدقة وأنها علامة من علامات الإيمان . الفائدة الثالثة عشرة :النفس تحب المال بطبعها فمن خالف هوى نفسه وأنفق وتصدق كان ذلك برهان على إيمانه ولذلك قال \" والصدقة برهان \" شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
127 الفائدة الرابعة عشرة :فيه فضيلة الصبر وأنه ضياء للمسلم . الفائدة الخامسة عشرة :قوله \" والصبر ضياء \" يدل على أن الصبر لابد فيه من الحرارة وإكراه النفس لأن الضياء نور فيه حرارة بخلاف النور فهو مجرد الإشراق. الفائدة السادسة عشرة :الصبر بأنواعه الثلاثة فيه حبس للنفس ومشقة سواء :ـ ـ الصبر على طاعة الله ـ الصبر عن معصية الله ـ الصبر على أقدار الله الفائدة السابعة عشرة :الصبر على ما فيه من المشقة والشدة إ ّلا أن عاقبته نور وفرج وهذا مدلول قوله \" ضياء \" ففيه بشارة شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
128 الحديث الرابع والعشرون عن أبي َذر ال ِغفَاري َر ِضي اللُ َع ْنهُ، َع ِن النبي َصلَّى الَّلُ عليه وسلَّ َم ،فِيما َر َوى َع ِن اللِ تَبَا َر َك َوتَ َعالَى أنَّهُ قا َل: \"يا ِعبَا ِدي إنِّي َح َّر ْمت الظ ْل َم علَى نَ ْف ِسيَ ،و َج َع ْلته ب ْينَك ْم م َح َّرما، فلا تَظَالَموا، يا ِعبَا ِدي كلك ْم َضال إ َّلا َمن َه َد ْيته ،فَا ْستَ ْهدونِي أَ ْه ِدك ْم، يا ِعبَا ِدي كلك ْم َجائِع ،إ َّلا َمن أَ ْط َع ْمته ،فَا ْستَ ْط ِعمونِي أ ْط ِع ْمك ْم، يا ِعبَا ِدي كلك ْم َعار ،إ َّلا َمن َك َس ْوته ،فَا ْستَ ْكسونِي أَ ْكسك ْم، يا ِعبَا ِدي إنَّك ْم ت ْخ ِطئو َن باللَّ ْي ِل َوالنَّ َها ِرَ ،وأَنَا أَ ْغفِر الذنو َب َج ِميعا، فَا ْستَ ْغفِرونِي أَ ْغفِ ْر لَك ْم، يا ِعبَا ِدي إنَّك ْم لَ ْن تَ ْبلغوا َض ِّري فَتَضرونِي َولَ ْن تَبْلغوا نَ ْف ِعي، فَتَ ْنفَعونِي، يا ِعبَا ِدي لو أ َّن أَ َّولَك ْم َوآ ِخ َرك ْم وإ ْن َسك ْم َو ِجنَّك ْم َكانوا علَى أَ ْتقَى قَ ْل ِب َرجل َوا ِحد ِمنك ْم ،ما َزا َد ذل َك في م ْل ِكي شيئا، يا ِعبَا ِدي لو أ َّن أَ َّولَك ْم َوآ ِخ َرك ْم وإ ْن َسك ْم َو ِجنَّك ْم َكانوا علَى أَ ْف َج ِر قَ ْل ِب َرجل َوا ِحد ،ما نَقَ َص ذل َك ِمن م ْل ِكي شيئا، شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
129 يا ِعبَا ِدي لو أ َّن أَ َّولَك ْم َوآ ِخ َرك ْم وإ ْن َسك ْم َو ِجنَّك ْم قَاموا في َص ِعيد َوا ِحد فَ َسأَلونِي فأ ْعطَ ْيت ك َّل إنْ َسان َم ْسأَلَتَه ،ما نَقَ َص ذل َك م َّما ِعن ِدي إ َّلا كما يَنْقص ال ِم ْخيَط إ َذا أ ْد ِخ َل البَ ْح َر، يا ِعبَا ِدي إنَّما هي أَ ْع َمالك ْم أ ْح ِصي َها لَك ْم ،ث َّم أ َوفِّيك ْم إيَّا َها ،ف َمن َو َج َد َخ ْيرا ،فَ ْليَ ْح َم ِد ال َّلهَ َو َمن َو َج َد غي َر ذل َك ،فلا يَلو َم َّن إ َّلا نَ ْف َسه\" رواه مسلم الشرح هذا الحديث يسمى عند المحدثين قدسيا والحديث القدسي :كل ما رواه النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه ع ّز وجل .لأنه منسوب إلى النبي صلى الله عليه وسلم تبليغا، وليس من القرآن بالإجماع نداء من الله ع ّز وجل أبلغنا به أصدق المخبرين وهو محمد صلى الله عليه وسلم. وقوله\" :يَا ِعبَا ِدي\" يشمل كل من كان عابدا بالعبودية العامة والعبودية الخاصة \"إِنِّي َح َّرمت الظل َم َعلَى نَف ِسي\" أي منعته مع قدرتي عليه ،وإنما قلنا :مع قدرتي عليه لأنه لو كان ممتنعا على الله لم يكن ذلك مدحا شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
130 ولاثناء ،إذ لايثنى على الفاعل إلا إذا كان يمكنه أن يفعل أو لا يفعل. فلو سألنا سائل مثلا وقال :هل يقدر الله أن يظلم الخلق؟ فالجواب :نعم ،لكن نعلم أن ذلك مستحيل بخبره ،حيث قالَ ( :ولا يَ ْظلِم َرب َك أَ َحدا) [الكهف]49: \" َو َج َعلته بَينَك ْم م َح َّرما\" أي صيّرته بينكم محرما. \"فَلا تَ َظالَموا\" هذا عطف معنوي على قولهَ \" :ج َعلته بَينَك ْم م َح َّرما أي فبناء على كونه محرما لا تظالموا ،أي لا يظلم بعضكم بعضا \"يَا ِعبَادي كلكم َضال\" أي تائه عن الطريق المستقيم \"إِلاَّ َم ْن َه َد ْيته\" أي علمته ووفقته ،و علمته هذه هداية الإرشاد و وفقته هداية التوفيق \"فَاستَهدونِي أَه ِدك ْم\" أي اطلبوا مني الهداية لا من غيري أهدكم، وهذا جواب الأمر،وهذا كقوله( :ا ْدعونِي أَ ْستَ ِج ْب لَك ْم ) [غافر]60: \"يَا ِعبَا ِدي كلك ْم َجائِع إِلاَّ َم ْن أَ ْط َع ْمته\" أي كلكم جائع إلا من أطعمه الله ،وهذا يشمل ما إذا فقد الطعام ،أو وجد ولكن لم يتمكن الإنسان شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
131 من الوصول إليه ،فالله هو الذي أنبت الزرع ،وهو الذي أحيا الثمار ،واقرأ من سورة الواقعة من قول الله تعالى : (أَفَ َرأَ ْيت ْم َما تَ ْحرثو َن * أَأَ ْنت ْم تَ ْز َرعونَه أَ ْم نَ ْحن ال َّزا ِرعو َن* لَ ْو نَ َشاء لَ َج َع ْلنَاه حطَاما فَظَ ْلت ْم تَفَ َّكهو َن) تجد كيف تح ّدى الله الخلق في هذه الآيات ،فكلّنا جائع إلا من أطعمه الله كذلك أيضا يمكن أن يوجد الطعام لكن قد لا يتمكن الإنسان منه:إما لكونه محبوسا ،أو مصابا بمرض ،أو بعيدا عن المحل الخصب والرخاء. \"فَا ْستَ ْط ِعمونِي\" أي اطلبوا مني الإطعام ،وإذا طلبتم ذلك ستجدونه \"أ ْط ِع ْمك ْم\" أطعم :فعل مضارع مجزوم على أنه جواب الأمر \"يَا ِعبَا ِدي كلكم َعار\" فكلنا عار ،لأننا خرجنا من بطون أمهاتنا عراة \"إِلاّ َم ْن َك َسوته فَاستَ ْكسونِي أَ ْكسك ْم\" سواء كان من فعل الإنسان كالكبير يشتري الثوب ،أو من فعل غيره كالصغير يشترى له الثوب ،وربما يقال :إنه يشمل لباس الدين ،فيشمل الكسوتين: كسوة الجسد الحسيّة ،وكسوة الروح المعنوية شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
132 \"يَا ِعبَادي إِنَّك ْم ت ْخ ِطئو َن\"أي تجانبون الصواب ،لأن الأعمال إما خطأ وإما صواب ،فالخطأ مجانبة الصواب وذلك إما بترك الواجب ،وإما بفعل المح ّرم وقوله :بِالَّل ْي ِل الباء هنا بمعنى( :في) ،كما هي في قول الله تعالى: ( َوإِنَّك ْم لَتَمرو َن َعلَيْ ِه ْم م ْصبِ ِحي َن* َوبِاللَّ ْيل) [الصافات-137: ]138أي وفي الليل \" َوأَنَا أَغفِر الذنو َب َج ِميعا\"أي أسترها وأتجاوز عنها مهما كثرت، ومهما عظمت ،ولكن تحتاج إلى الاستغفار \"فَاستَغفِرونِي أَ ْغفِر لَكم\" أي اطلبوا مغفرتي ،إما بطلب المغفرة كأن يقول :اللهم اغفر لي ،أو :أستغفر الله وأتوب إليه .وإما بفعل ما تكون به المغفرة ،فمن قال :سبحان الله وبحمده مائة مرة غفرت خطاياه ولوكانت مثل زبد البحر \"يَا ِعبَادي إِنَّك ْم لَ ْن تَ ْبلغوا َض ِّر ْي فَتَضرونِيَ ،ولَ ْن تَ ْبلغوا نَف ِعي فَتَ ْنفَعونِي\" أي لن تستطيعوا أن تضروني ولا أن تنفعوني ،لأن الضار والنافع هو الله ع ّز وجل والعباد لايستطيعون هذا ،وذلك لكمال غناه عن عباده ع ّز وجل \"يَا ِعبَا ِدي لَو أَ َّن أَ َّولَك ْم َوآ ِخ َرك ْم َوإِ ْن َسك ْم َو ِجنَّك ْم َكانوا َعلَى أَتقَى قَل ِب َرجل َواحد ِمنك ْم َما َزا َد َذلِ َك فِي م ْل ِكي َش ْيئا\" شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
133 يعني لو أن كل العباد من الإنس والجن الأولين والآخرين كانوا على أتقى قلب رجل ما زاد ذلك في ملك الله شيئا ،وذلك لأن ملكه ع ّز وجل عام واسع لكل شيء ،للتق ّي والفاجر ووجه قولهَ \" :ما َزا َد َذلِ َك فِي مل ِكي شيئا \" أنهم إذا كانوا على أتقى قلب رجل واحد كانوا من أولياء الله ،وأولياء الله ع ّز وجل جنوده ،وجنوده يتسع بهم ملكه ،كما لوكان للملك من ملوك الدنيا جنود كثيرون فإن ملكه يتسع بجنوده. ثم قال\" :يَا ِعبَا ِدي لَو أَ َّن أَ َّولَك ْم َوآ ِخ َرك ْم َوإِ ْن َسك ْم َو ِجنَّك ْم َكانوا َعلَى أَف َج ِر قَل ِب َرجل َواحد َما نَقَ َص َذلِ َك ِمن م ْل ِكي َش ْيئا \" ووجه ذلك :أن الفاجر عدو لله ع ّز وجل فلا ينصر الله ،ومع هذا لا ينقص من ملكه شيئا لأن الله تعالى غني عنه. \"يَا ِعبَا ِدي لَو أَ َّن أَ َّولَك ْم َوآ ِخ َرك ْم َوإِنْ َسك ْم َو ِجنَّك ْم قَاموا في َص ِعيد َوا ِحد فَ َسأَلونِي فَأَعطَيت ك َّل إ ْن َسان َمسأَلَتَه \" أي إذا قاموا في أرض واحدة منبسطة ،وذلك لأنه كلما كثر الجمع كان ذلك أقرب إلى الإجابة \" َما نَقَ َص َذلِ َك ِم َّما ِع ْن ِدي إِلاَّ َك َما يَ ْنقص ال ِم ْخيَط إ َذا أ ْد ِخ َل البَح َر\" وهذا من باب المبالغة في عدم النقص ،لأن كل واحد يعلم أنك لو أدخلت المخيط وهو الإبرة الكبيرة في البحر ثم أخرجتها فإنها لا شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
134 تنقص البحر شيئا ولا تغيره ،وهذا كقوله تعالى( :لا تفَتَّح لَه ْم أَ ْب َواب ال َّس َما ِء َولا يَ ْدخلو َن ا ْل َجنَّةَ َحتَّى يَلِ َج ا ْل َج َمل فِي َس ِّم ا ْل ِخيَا ِط) (الأعراف :الآية )40 إذ من المعلوم أن الجمل لا يمكن أن يدخل في سم الخياط ،فيكون هذا مبالغة في عدم دخولهم الجنة. كذلك هنا من المعلوم أن المخيط لو أدخل في البحر لم ينقص شيئا ،فكذلك لو أن أول الخلق وآخرهم وإنسهم وجنهم سألوا الله ع ّز وجل وأعطى كل إنسان مسألته مهما بلغت فإن ذلك لا ينقص ما عنده إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر .ومن المعلوم أن المخيط إذا أدخل البحر لا ينقص البحر شيئا. وفي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : \"يَد اللهِ َملأى س َّحا َء\" أي كثيرة العطاء \"الَّلي َل والنَّ َها َر\" أي في الليل والنهار \"أَ َرأَ ْيت ْم َما أَ ْنفَ َق منْذ َخلَ َق ال َّس َما َوا ِت َوالأَرض فَإِنَّه لَ ْم يَ ِغ ْض\" أي لم ينقص \" َما فِي يَ ِم ْينِه \" (يَا ِعبَا ِدي إِنَّ َما ِه َي أَ ْع َمالك ْم) هذه جملة فيها حصر طريقه: )إنما) أي ما هي إلا أعمالكم أ ْح ِصيْ َها لَك ْم أي أضبطها تماما بالع ّد لازيادة ولانقصان شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
135 \"ث َّم أ َوفِّيك ْم إِيَّا َها\" أي في الدنيا والآخرة ،وقد يكون في الدنيا فقط، وقد يكون في الآخرة فقط قد يكون في الدنيا فقط:فإن الكافر يجازى على عمله الحسن لكن في الدنيا لا في الآخرة والمؤمن قد يؤخر له الثواب في الآخرة ،وقد يجازى به في الدنيا وفي الآخرة ،قال الله تعالىَ ( :م ْن َكا َن ي ِريد َح ْر َث ا ْلآ ِخ َر ِة نَ ِز ْد لَه فِي َح ْرثِ ِه َو َم ْن َكا َن ي ِريد َح ْر َث الد ْنيَا ن ْؤتِ ِه ِم ْن َها َو َما لَه فِي ا ْلآ ِخ َر ِة ِم ْن نَ ِصيب) (الشورى)20: وقال ع ّز وجلَ ( :م ْن َكا َن ي ِريد ا ْل َعا ِجلَةَ َع َّج ْلنَا لَه فِي َها َما نَ َشاء لِ َم ْن ن ِريد) (الإسراء :الآية)18 إذا فالتوفية تكون في الدنيا دون الآخرة للكافر ،أما المؤمن فتكون في الدنيا والآخرة جميعا ،أو في الآخرة فقط \"فَ َم ْن َو َج َد َخ ْيرا فَليَ ْح َم ِد اللهَ\" :أي من وجد خيرا من أعماله فليحمد الله على الأمرين :على توفيقه للعمل الصالح ،وعلى ثواب الله له \" َو َم ْن َو َج َد َغ ْي َر َذلِ َك\" أي وجد شرا أو عقوبة \"فَلا يَلو َم َّن إِلاَّ نَف َسه\" لأنه لم يظلم ،واللوم :أن يشعر الإنسان بقلبه بأن هذا فعل غير لائق وغير مناسب ،وربما ينطق بذلك بلسانه شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
136 فوائد الحديث -١أن من السنة ما هو من كلام الله ،وهو ما يرويه النبي صلى الله عليه و سلم عن ربه ،وهو ما يعرف بالحديث القدسي -2أن جميع الثقلين عباد لله مؤمنهم وكافرهم ،وهذه هي العبودية العامة -3أن الله يوجب على نفسه ويحرم على نفسه -4تنزيه الله عن الظلم ،ومن صوره أن لا يعذب أحدا بذنب غيره. - 5أن الظلم مقدور له . - 6إطلاق النفس على الله ،والمراد بالنفس الذات. - 7تحريم الظلم بين العباد في الدماء والأموال والأعراض ،وأنه يجب على العباد ترك ظلم بعضهم بعضا لقوله \" :فلا تظالموا\". - 8تحريم الظلم ابتداء ومجازاة .وأن شرائع الله مبنية على العدل . - ٩أن الأصل في المكلفين :الضلال ،وهو الجهل بالحق وترك العمل به ،ويشهد لذلك قوله تعالى َ { :و َح َملَ َها ال ِإنْ َسان إِنَّه َكا َن َظلوما َجهولا} [الأحزاب ]72 : 10ـ أن ما يحصل للعباد من علم أو اهتداء ،فبهداية الله وتعليمه شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
137 - 11الإرشاد إلى طلب الهدى من الله لقوله \" :فاستهدوني \" ، والهداية من الله نوعان : - هداية البيان والإرشاد :وهي عامة لسائر المكلفين ،وهي مقدورة للخلق كما قال تعالىَ { :وإِنَّ َك لَتَ ْه ِدي إِلَى ِص َراط م ْستَقِيم} [الشورى ]52 : وهداية التوفيق لقبول الحق والعمل به :وهي هداية خاصة ولا يقدر عليها إلا الله عز وجل ،قال تعالى{ :إِنَّ َك َلا تَ ْه ِدى َم ْن أَ ْحبَ ْب َت َو َٰلَ ِك َّن ٱل َّلهَ يَ ْه ِدى َمن يَ َشآء َوه َو أَ ْعلَم بِٱ ْلم ْهتَ ِدي َن} [القصص ]56 والهداية في هذا الحديث يحتمل أن تكون هي الهداية الخاصة ويحتمل أن تكون شاملة للنوعين ،وهو أظهر ،لقوله تعالى: {ا ْه ِدنَا ال ِّص َراطَ ا ْلم ْستَقِي َم } [الفاتحة ]6 : - 12أن الدعاء سبب لهداية الله ،وأن الهدى من الله وحده ،وأن من يه ِده الله فلا مض َّل له ومن يضلل فلا هاد َي له . - 13تعريف العباد بفقرهم وحاجتهم إلى الله من جميع الوجوه، وبيان فقر العباد إلى الله في طعامهم وشرابهم .والإرشاد إلى طلب ذلك من الله 14ـ أن الدعاء سبب لنيل ما عند الله ،ومشروعية الدعاء في مطالب الدنيا والآخرة ،وهو لا ينافي الأخذ بالأسباب الأخرى شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
138 15ـ أن كل طعام وكساء يحصل للعبد فهو من عند الله ،ولو حصل على يد بعض العباد - 16أن الهدى من الضلال أهم من الغذاء والكساء فبالهدى حياة الروح وسعادتها ،وبالغذاء والكساء حياة البدن وجماله 17ـ كثرة تعرض العباد للذنوب .وأن من صفات الله مغفرة الذنوب .و أنه سبحانه وتعالى يغفر جميع الذنوب لمن تاب 18ـ الأمر بالاستغفار وأنه سبب المغفرة ،فإن كان الاستغفار متضمنا للتوبة كان الوعد بالمغفرة وعدا محققا ،وإن لم يكن متضمنا للتوبة فالوعد بالمغفرة مقيد بالمشيئة وذلك فيما دون الشرك كما قال تعالى {إِ َّن ال َّلهَ لاَ يَ ْغفِر أَن ي ْش َر َك بِ ِه َويَ ْغفِر َما دو َن َذلِ َك لِ َمن يَ َشاء} [النساء ]48 :فإن الله يغفر لمن يشاء ويتوب على من تاب. 19ـ أن الله تعالى لا تنفعه طاعة المطيعين ولا تضره معصية العاصي ،وأن تقوى العباد كلهم لا يزيد في ملكه شيئا ،وأن فجور العباد كلهم لا ينقص من ملكه شيئا 20ـ أن الله تعالى لا يلحقه ضرر في ذاته وأسمائه وصفاته ولا في ملكه ،بل الضرر ممتنع في حقه بخلاف الأذى فإنه جائز عليه سبحانه وواقع من بعض العباد بما يقولون أو يفعلون مما يكرهه شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
139 سبحانه ،كما قال تعالى { :إِ َّن الَّ ِذي َن ي ْؤذو َن ال َّلهَ َو َرسولَه لَ َعنَهم ال َّله } [الأحزاب ]57 : وقال تعالى في الحديث القدسي \":يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر\" .وقال صلى الله عليه وسلم \" :ليس أحد أصبر على أذى سمعه من الله تعالى \" - 21كمال غناه سبحانه عن عباده ،فلم يخلقهم ليتقوى بهم من ضعف ،أو يتكثر بهم من قلة ،أو يتعزز بهم من ذلة ،بل خلقهم لعبادته ،كما قال تعالى { َو َما َخلَقْت ا ْل ِج َّن َوا ْل ِإن َس إِ َّلا لِيَ ْعبدو ِن {َ }56ما أ ِريد ِم ْنهم ِّمن ِّر ْزق َو َما أ ِريد أَن ي ْط ِعمو ِن { }57إِ َّن ال َّلهَ ه َو ال َّر َّزاق ذو ا ْلق َّو ِة ا ْل َمتِين } [الذاريات ]58 – 56 : - 22أن متعلَّق التقوى والفجور القلب . - 23أن أمره تعالى ونهيه تعود مصلحته إلى العباد ،فمنفعة طاعاتهم ومضرة معاصيهم لهم وعليهم. -24أن ما عنده سبحانه لا ينفد بكثرة العطاء ،بل لا ينقص ما عنده مهما بلغ عطاؤه للسائلين . - 25الترغيب في سؤال الله جميع الحوائج مع حسن الظن وقوة الرجاء . شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
140 - 26أن الاجتماع على الدعاء من أسباب الإجابة كما في صلاة الاستسقاء والجمعة والعيدين. - 27أن جزاء الإحسان الإحسان ،وجزاء السوء بمثله كما قال تعالى { َولِ َّلهِ َما فِي ال َّس َم َوا ِت َو َما فِي الأَ ْر ِض لِيَ ْج ِز َي الَّ ِذي َن أَ َساءوا بِ َما َع ِملوا َويَ ْج ِز َي الَّ ِذي َن أَ ْح َسنوا بِا ْلح ْسنَى } [النجم ]31 : - 28أن من أحسن فبتوفيق الله ،وجزاؤه فضل من الله فله الحمد. وأن من أساء فلا حجة له على الله ،و ما صار إليه من الشر فبسبب نفسه ،قال تعالىَ { :ما أ َصابَ َك ِم ْن َح َسنَة فَ ِم َن ال َّلهِ َو َما أَ َصابَ َك ِم ْن َسيِّئَة فَ ِم ْن نَ ْف ِس َك َوأَ ْر َس ْلنَا َك لِلنَّا ِس َرسولا َو َكفَى بِال َّلهِ َش ِهيدا } [النساء ]79 : - 29أن من بلاغة الكلام التصريح بالمحبوب الممدوح والإبهام في المكروه ،لقوله ( :فمن وجد خيرا ) و (ومن وجد غير ذلك) ونظيره ما تقدم في حديث النية ( فهجرته إلى الله ورسوله ) وفي الآخر ( :فهجرته إلى ما هاجر إليه ) شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
141 الحديث الخامس والعشرون عن أبي َذر َر ِضي اللُ َع ْنهُ، أ َّن نَا ًسا ِمن أَ ْص َحا ِب النبي َصلَّى الَّلُ عليه وسلَّ َم قالوا للنبي َصلَّى الَّلُ عليه وسلَّ َم: \" يا َرسو َل اللهَِ ،ذ َه َب أَ ْهل الدثو ِر بالأجو ِر ،ي َصلو َن كما ن َصلِّي، َويَصومو َن كما نَصومَ ،ويَتَ َص َّدقو َن بفضو ِل أَ ْم َوالِ ِه ْم ،قا َل \":أَ َولي َس ق ْد َج َع َل ال َّله لَك ْم ما تَ َّص َّدقو َن ؟ إ َّن بك ِّل تَ ْسبِي َحة َص َدقَةَ ،وك ِّل تَ ْكبِي َرة َص َدقَةَ ،وك ِّل تَ ْح ِمي َدة َص َدقَةَ ،وك ِّل تَ ْهلِيلَة َص َدقَةَ ،وأَ ْمر بال َمعرو ِف َص َدقَةَ ،ونَ ْهي عن م ْن َكر َص َدقَة ،وفي ب ْضعِ أَ َح ِدك ْم َص َدقَة\" ،قالوا :يا َرسو َل اللهِ ،أَيَأتي أَ َحدنَا َش ْه َوتَه َويَكون له فِي َها أَ ْجر؟ قا َل\" :أَ َرأَ ْيت ْم لو َو َض َع َها في َح َرام أَكا َن عليه فِي َها ِو ْزر؟ فَ َكذل َك إ َذا َو َض َع َها في ال َح َلا ِل كا َن له أَ ْجر\". رواه ُمسلِم المفردات ناسا :هم فقراء المهاجرين ،كما في الرواية الأخرى من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم :جمع صاحب بمعنى الصحابي :وهو من اجتمع بمحمد صلى الله عليه وسلم بعد النبوة وقبل وفاته مؤمنا به ومات على ذلك ،وإن لم يره كابن أم مكتوم شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
142 الدثور :بضم الدال ،جمع دثر بفتح فسكون ،وهو المال الكثير بفضول أموالهم :بأموالهم الفاضلة عن كفايتهم . بضع :بضم فسكون ،يطلق على الجماع وعلى الفرج نفسه ، وكلاهما تصلح إرادته هنا وزر :إثم شرح الحديث أن أناسا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا للنبي صلى الله عليه { يا رسول الله } وهؤلاء فقراء ،قالوا { :يا رسول الله ذهب أهل الدثور بالأجور} يعني أهل الأموال ذهبوا بالأجور ،يعني اختصوا بها { يصلون كما نصلي ،ويصومون كما نصوم ،ويتصدقون بفضول أموالهم } فهم شاركوا الفقراء في الصلاة والصوم وفضولهم في الصدقة قال النبي صلى الله عليه وسلم { :أوليس قد جعل الله لكم ما تصدقون} لما اشتكى الفقراء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ذهب أهل الدثور بالأجور يصلون كما يصلون ويصومون كما يصومون ويتصدقون بفضول أموالهم يعني والفقراء لا يتصدقون شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
143 بيّن لهم النبي الصدقة التي يطيقونها فقال { :أوليس قد جعل الله لكم ما تصدقون ،إن بكل تسبيحة صدقة }يعني أن يقول الإنسان سبحان الله صدقة { وكل تكبيرة صدقة } يعني إذا قال ( :الله أكبر ) فهذه صدقة { وكل تحميدة صدقة } يعني إذا قال ( :الحمد لله ) فهذه صدقة { وكل تهليلة صدقة }يعني إذا قال ( :لا إله إلا الله ) فهذه صدقة. { وأمر بالمعروف } يعني إذا أمر شخصا أن يفعل طاعة فهذه صدقة { ونهي عن منكر } يعني إذا نهى شخصا عن منكر فإن ذلك صدقة { وفي بضع أحدكم صدقة } يعني إذا أتى الرجل زوجته فإن ذلك صدقة ،وكان له فيها أجر قالوا :يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ ذكروا ذلك لتقرير قوله { وفي بضع أحدكم صدقة } وليس للشك في هذا ،لأنهم يعلمون أن ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم فهو حق لكن أرادوا أن يقرروا ذلك ونظير ذلك قول زكريا عليه السلام{ :قَا َل َر ِّب أَنَّى يَكون لِي غ َلام َوقَ ْد بَلَ َغنِ َي ا ْل ِكبَر َوا ْم َرأَتِي َعاقِر} [آل عمران ]40:أراد أن يقرر ذلك ويثبته مع أنه مصدق به. قال { :أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر؟ } شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
144 والجواب :نعم يكون عليه وزر قال { :فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر } وهذا القياس يسمونه قياس العكس ،يعني كما أن عليه وزرا في الحرام يكون له أجرا في الحلال فقال{فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر } من فوائد الحديث - 1نعمة المال عون على الأعمال الصالحة ،ويشهد لهذا الحديث \" نعم المال الصالح للعبد الصالح \". - 2اكتساب الأجور ببذل المال في سبل الخيرات . - 3حرص الصحابة على ما يقربهم إلى الله . - 4فضل فقراء الصحابة لمنافسة إخوانهم الأغنياء . - 5فضل أغنياء الصحابة لمشاركة الفقراء في العبادات البدنية فرضها ونفلها مع التصدق بفضول أموالهم . - 6المنافسة في الخير والبر . - 7أن مجرد نية الخير والرغبة فيه لا تبلغ منزلة الفعل والبذل . - 8استحباب التصدق بفضول الأموال وهي مازاد عن الحاجة، ويدل له قوله تعالىَ { :ويَ ْسأَلونَ َك َما َذا ينفِقو َن ق ِل ا ْل َعفْ َو َك َذلِ َك يبيِّن ال ّله لَكم الآيَا ِت لَ َعلَّك ْم تَتَفَ َّكرو َن } البقرة 219 - 9أن الصدقة لها معنى خاص وهي الصدقة بالمال ومعنى عام وهي فعل عموم الطاعات القولية والفعلية ،وسميت الطاعة صدقة شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
145 لأنها تدل على صدق إيمان العبد وهي صدقة منه على نفسه ،وما كان نفعها متعديا فهي أيضا صدقة على غيره. - 10فضل ذكر الله والترغيب في الإكثار منه . - 11بيان ألفاظ الذكر وهي سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر. وذكر الله بهذه الكلمات منه ما هو واجب كالتسبيح في الركوع والسجود وتكبيرة الإحرام وتكبيرات الانتقال ،ومنه ما هو تطوع كالتسبيح والتحميد والتكبير أدبار الصلوات. شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
146 الحديث السادس والعشرون عن أَبي هُريرة َر ِضي اللُ َع ْنهُ قا َل : قا َل رسو ُل اللِ َصلَّى اللُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم: \" كل سلا َمى ِم َن النَّا ِس عليه َص َدقَة ،ك َّل يَوم تَ ْطلع فيه ال َّش ْمس، تَ ْع ِدل ب ْي َن الا ْثنَ ْي ِن َص َدقَة ،وت ِعين ال َّرج َل في دابَّتِ ِه فَتَ ْح ِمله عليها ،أ ْو تَ ْرفَع له عليها َمتا َعه َص َدقَة ،وا ْل َكلِ َمة الطَّيِّبَة َص َدقَة ،وكل خ ْط َوة تَ ْم ِشيها إلى ال َّصلا ِة َص َدقَة ،وت ِميط الأ َذى َع ِن الطَّ ِري ِق َص َدقَة \" رواه البخاري ومسلِم واللفظ لمسلم و عند البخاري اْلفعال بالياء لا بالتاء (يعدل، ويعين).... شرح الحديث سلامى بضم السين ،وهي المفاصل .وقد ثبت في صحيح مسلم أنها ثلاثمائة وستون مفصلا ،والطب الحديث يوافق هذا سبحان الله وقيل :هي العظام ،والمعنى واحد لايختلف ،لأن كل عظم مفصول عن الآخر بفاصل فإنه يختلف عنه في الشكل ،وفي القوة ،وفي كل الأمور وهذا من تمام قدرة الله ع ّز وجل فليس الذراع كالعضد، شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
147 وليست الأصابع كالكف ،فكل ما فصل عن غيره من العظام فله ميزة خاصة ،ولذلك كان على كل سلامى صدقة وقوله\" :كل سلا َمى ِم َن النَّا ِس َعلَ ْي ِه َص َدقَة\" أي كل مفصل عليه صدقة ،في مقابلة ما أنعم الله به عليه في تلك السلاميات ،إذ لو شاء لسلبها القدرة وهو في ذلك عادل .فإبقاؤها يوجب دوام الشكر بالتصدق ،إذ لو فقد له عظم واحد ،أو يبس ، أو لم ينبسط أو ينقبض لاختلت حياته ،وعظم بلاؤه ،والصدقة تدفع البلاء وقوله\" :ك َّل يَوم تَ ْطلع فِ ْي ِه ال َّشمس \" \"تطلع فيه الشمس\" :أتى بهذا القيد لئلا يتوهم أن المراد باليوم هنا المدة الطويلة ،كما يقال :يوم صفين .وهو أيام كثيرة .أو مطلق الوقت كما في آية(( :أَ َلا يَ ْو َم يَأْتِي ِه ْم لَيْ َس َم ْصروفا َع ْنه ْم)) يعني كل يوم يصبح على كل عضو من أعضائنا صدقة ،أي ثلاثمائة وستون صدقة في اليوم فيكون في الأسبوع ألفين وخمسمائة وعشرين .لكن من نعمة الله أن هذه الصدقة عامة في كل القربات ،فكل القربات صدقات ،وهذا شيء ليس بصعب على الإنسان ،مادام كل قربة صدقة فما أيسر أن يؤدي الإنسان ما يجب عليه ثم قال\" :ت ْع ِدل بَي َن الاثنَ ْي ِن َص َدقَة\" شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
148 تعدل أي تفصل بينهما إما بصلح وإما بحكم ،والأولى العدل بالصلح إذا أمكن ما لم يتبين للرجل أن الحكم لأحدهما ،فإن تبين أن الحكم لأحدهما حرم الصلح ،وهذا قد يفعله بعض القضاة، يحاول أن يصلح مع علمه أن الحق مع المدعي أو المدعى عليه، وهذا محرم لأنه بالإصلاح لابد أن يتنازل كل واحد عما ادعاه فيحال بينه وبين حقه. إذا العدل بين الاثنين بالصلح أو بالحكم ،لكن إن علم أن الحق لأحدهما فلا يصلح ،بل يحكم بالحق ،وهو صدقة عليهما لوقايتهما مما يتسبب فيه الخصام من قبيح الأقوال والأفعال \" َوت ِع ْين ال َّرج َل فِي َدابَّتِ ِه\" أي بعيره مثلا \"فت ْح ِمله َعلَ ْي َها\" إذا كان لايستطيع أن يركب تحمله أنت وتضعه على الرحل هذا صدقة \"أَو ترفع لَه َعلَ ْي َها َمتَا َعه\" متاعه ما يتمتع به في السفر من طعام وشراب وغيرهما ،تحمله على البعير وتربطه ،هذا صدقة . \" َوال َكلِ َمة الطَّيِّبَة َص َدقَة\" أي كلمة طيبة سواء في حق الله كالتسبيح والتكبير والتهليل ،أو في حق الناس كحسن الخلق صدقة \" َوكل خط َوة تمشيها إِلَى ال َّصلا ِة َص َدقَة \"سواء بعدت المسافة أم قصرت ،وإذا كان قد تطهر في بيته وخرج إلى الصلاة لايخرجه إلا شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
149 الصلاة لم يخط خطوة إلا رفع الله له بها درجة ،وحطّ عنه بها خطيئة ،فيكتسب شيئين: رفع الدرجة ،وحطّ الخطيئة وقد استحب بعض العلماء أن يقارب الإنسان خطواته إذا ذهب إلى المسجد ،ولكن هذا استحباب في غير موضعه ،ولادليل عليه لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما أخبر أن كل خطوة يخطوها إلى الصلاة صدقة لم يقل :فليدن أحدكم خطواته ،ولو كان هذا أمرا مقصودا مشروعا لبيّنه النبي صلى الله عليه وسلم فلا يباعد الخطا قصدا ولايدنيها قصدا ،بل يمشي على عادته \" َوت ِميط الأ َذى َع ِن الطَّ ِر ْي ِق َص َدقَة\" :أي تزيل الأذى وهو ما يؤذي المارة من حجر أو زجاج أو قاذورات فأي شيء يؤذي المارين إذا أميط عن طريقهم فإنه صدقة. الفوائد التربوية الفائدة الأولى :وجوب شكر نعم الله التي في الإنسان ذاته لقول \"كل سلامى من الناس عليه صدقة \"أي كل عظم من عظام الإنسان يحتاج إلى شكر لله بصدقة لأنه ركبه وأتمه وأنعم به شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
150 الفائدة الثانية :التفكر في النفس من سمات المؤمنين كما قال تعالى َ ( :وفِي أَنف ِسك ْم أَفَ َلا ت ْب ِصرو َن ) ([ )21الذاريات] الفائدة الثالثة :أفضل الصدقات ماكان متعديا نفعه مثل :أن تعدل بين اثنين وأن تحمل متاع أخيك أو تعينه على حمله وإماطة الأذى عن الطريق الفائدة الرابعة:على المسلم ألا يحتقر أي عمل يحتسبه عند الله سبحانه ،فمجرد رفع متاع إنسان على دابته وإعانته على ذلك وإماطة الأذى عن الطريق يعتبر صدقة وهما عملان قد يحتقرهما الشخص قبل سماع الحديث . الفائدة الخامسة :حديث أبي ذر رضي الله عنه السابق أغلب الأعمال التي ذكرت فيه تتناول علاقة الإنسان مع ربه سبحانه وتعالى من ذكر وتهليل وتحميد وأمر بمعروف ونهي عن منكر، أما هذا الحديث فأغلب الأعمال في علاقة الإنسان مع إخوانه المسلمين ومع مجتمعه ،فهما حديثان يكمل أحدهما الآخر . الفائدة السادسة:يربي في النفس التواضع حيث يحمل المسلم متاع أخيه ويحمله على دابته ويميط الأذى ،فهذا كله يطرد الكبر من القلب شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
Search
Read the Text Version
- 1
- 2
- 3
- 4
- 5
- 6
- 7
- 8
- 9
- 10
- 11
- 12
- 13
- 14
- 15
- 16
- 17
- 18
- 19
- 20
- 21
- 22
- 23
- 24
- 25
- 26
- 27
- 28
- 29
- 30
- 31
- 32
- 33
- 34
- 35
- 36
- 37
- 38
- 39
- 40
- 41
- 42
- 43
- 44
- 45
- 46
- 47
- 48
- 49
- 50
- 51
- 52
- 53
- 54
- 55
- 56
- 57
- 58
- 59
- 60
- 61
- 62
- 63
- 64
- 65
- 66
- 67
- 68
- 69
- 70
- 71
- 72
- 73
- 74
- 75
- 76
- 77
- 78
- 79
- 80
- 81
- 82
- 83
- 84
- 85
- 86
- 87
- 88
- 89
- 90
- 91
- 92
- 93
- 94
- 95
- 96
- 97
- 98
- 99
- 100
- 101
- 102
- 103
- 104
- 105
- 106
- 107
- 108
- 109
- 110
- 111
- 112
- 113
- 114
- 115
- 116
- 117
- 118
- 119
- 120
- 121
- 122
- 123
- 124
- 125
- 126
- 127
- 128
- 129
- 130
- 131
- 132
- 133
- 134
- 135
- 136
- 137
- 138
- 139
- 140
- 141
- 142
- 143
- 144
- 145
- 146
- 147
- 148
- 149
- 150
- 151
- 152
- 153
- 154
- 155
- 156
- 157
- 158
- 159
- 160
- 161
- 162
- 163
- 164
- 165
- 166
- 167
- 168
- 169
- 170
- 171
- 172
- 173
- 174
- 175
- 176
- 177
- 178
- 179
- 180
- 181
- 182
- 183
- 184
- 185
- 186
- 187
- 188
- 189
- 190
- 191
- 192
- 193
- 194
- 195
- 196
- 197
- 198
- 199
- 200
- 201
- 202
- 203
- 204
- 205
- 206
- 207
- 208
- 209
- 210
- 211
- 212
- 213
- 214
- 215
- 216
- 217
- 218
- 219
- 220
- 221
- 222
- 223
- 224
- 225
- 226
- 227
- 228
- 229
- 230
- 231
- 232
- 233
- 234
- 235
- 236
- 237
- 238