151 الفائدة السابعة :يربي جانب الأخوة بين المسلمين في تعاونهم وتعاضدهم وتآخيهم لقوله \"وتعين الرجل في دابته فتحمله عليها أو ترفع له عليها متاعه\". الفائدة الثامنة :شكر النعم يكون بتسخيرها في طاعة الله كما قال الله آمرا آل داوود ( ا ْع َملوا آ َل َداوو َد ش ْكرا ) [سبأ]13 الفائدة التاسعة :فيه فضل الإصلاح بين الناس وأنه صدقة للمسلم. الفائدة العاشرة :المسلم طيب لا يخرج من لسانه إلا الكلمة الطيبة من سلام وذكر ودعوة وقرآن وغير ذلك وكل هذا من الصدقة . الفائدة الحادية عشرة :فيه فضل المشي إلى الصلاة ،خاصة إن كان المسجد بعيدا فكل خطوة صدقة. الفائدة الثانية عشرة:الحديث يحث المسلم على الاستمرار في الأعمال الصالحة في كل الأيام لا يقف عند حد ،ولا يمل منها، وذلك لقوله \" كل يوم تطلع فيه الشمس ،تعدل ،.....وذكر أنواع الأعمال الصالحة\". الفائدة الثالثة عشرة :يدل الحديث على أن المسلم نافع مبارك في جميع أحواله ،فإن كان لوحده ذكر الله فكان له بذلك صدقة ،وإن شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
152 التقى مع غيره من المسلمين أعانهم وأحسن صحبتهم ،وإن كان في طريق أماط الأذى فكان له بالجميع صدقة. الفائدة الرابعة عشرة :ينبغي للإنسان أن يستغل أمور حياته الاعتيادية ليكسب من ورائها صدقات. فمن ضروريات الحياة أن يخالط الإنسان غيره ،ويذهب لطلب رزقه ،ويسافر ،فعليه أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويبذل السلام ويميط الأذى ويعين المسلمين ويعطي الكلمة الطيبة فكل ذلك يكتبه الله له الفائدة الخامسة عشرة :الإسلام يعود المسلم على المسؤولية عن كل ما يكون حوله فهو مسؤول عن أخيه المسلم وحاجاته ومسؤول عن الطريق فيميط ما فيه من أذى ،ومسؤول عن المتخاصمين فيسعى للإصلاح بينهم فالإسلام لا يربي الناس على الأنانية وحب الذات فقط. الفائدة السادسة عشرة:المجتمع الإسلامي لا يرضى بوجود المخاصمات والتناحر بين أفراده بل يصلح بينهم فإن عجز شخص عن الإصلاح شارك غيره وهكذا حتى يلتئم الصف ويتوحد الشمل، ولذلك جعل الإصلاح بين الاثنين صدقة حتى يشارك الناس كلهم في هذه الصدقة. شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
153 الفائدة السابعة عشرة :الكلمة الطيبة بمفهومها العام هي التي ليس فيها أذى لغيره من المسلمين ،فله بها صدقة . الفائدة الثامنة عشرة :الحديث يجعل المسلم مشارك متفاعل في قضايا مجتمعه من إصلاح أو نظافة أو تقديم خدمة فليس متوانيا أو كسولا اتكاليا على غيره انعزاليا عما حوله. شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
154 الحديث السابع والعشرون عن النَّ َّوا ِس ب ِن َس ْمعا َن َر ِضي اللُ َعنْهُ، َع ِن النَّبِي َصلَّى اللُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم قا َل: {ا ْلبِر ح ْسن ا ْلخل ِق َ ,وال ِإ ْثم َما َحا َك فِي نَ ْف ِس َك َو َك ِر ْه َت أ ْن يَطَّلِ َع عل ْي ِه النَّاس} رواه مسلم وعن وابِ َصةَ ب ِن َم ْعبَد َر ِضي اللُ َع ْنهُ قا َل: أتي ُت رسو َل اللِ َصلَّى اللُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم ،فَقا َل: \" ِج ْئ َت تَ ْسأَل َع ِن ا ْلبِ ِّر َوال ِإ ْث ِم ؟ \" ،قُ ْل ُت :نَ َع ْم. قا َل { :ا ْستَ ْف ِت قَ ْلبَ َك؛ ا ْلبِر َما ا ْط َمأنَّ ْت إِلَ ْي ِه النَّ ْفس َوا ْط َمأ َّن إِلَ ْي ِه ا ْلقَلْبَ ،وال ِإ ْثم َما َحا َك فِي النَّ ْف ِس َوتَ َر َّد َد فِي ال َّص ْد ِر َوإِ ْن أَ ْفتَا َك النَّاس َوأَ ْفتَ ْو َك } َحديث َح َسن َر َوينَاهُ في ُم ْسنَ َدي الإ َما َم ْي ِن أَ ْح َم َد ْب ِن َح ْنبَل وال َّدا ِر ِمي بإ ْسنَاد َح َسن تخريج الحديث بالنسبة لرواية وابصة بن معبد \"جئت تسأل عن البر\"... اختلف فيه وحسنه الألبانى في صحيح الترغيب وقال حسن لغيره أي له طريق اخر يقويه ولذلك قال حسن شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
155 الشرح (البر) البر كلمة تدل على كثرة الخير ،وهو عبارة عما اقتضاه الشرع وجوبا أو ندبا (حسن الخلق) :أي حسن الخلق مع الله ،وحسن الخلق مع عباد الله ،فأما حسن الخلق مع الله فأن تتلقى أحكامه الشرعية بالرضا والتسليم وأن لا يكون في نفسك حرجا منها ولا تضيق بها ذرعا، فإذا أمرك الله بالصلاة والزكاة والصيام وغيرها فإنك تقابل هذا بصدر منشرح وأيضا حسن الخلق مع الله في أحكامه القدرية ،فالإنسان ليس دائما مسرورا حيث يأتيه ما يحزنه في ماله أو في أهله أو في نفسه أو في مجتمعه والذي قدر ذلك هو الله عز وجل فيكون حسن الخلق مع الله بالرضا بأحكام الله وقدره ،فتقوم بما أمرت به وتنزجر عما نهيت عنه . أما حسن الخلق مع الناس فقد سبق أنه: بذل الندى وكف الأذى والصبر على الأذى ،وطلاقة الوجه وهذا هو البر والمراد به البر المطلق ،وهناك بر خاص كبر الوالدين مثلا وهو :الإحسان إليهما بالمال والبدن والجاه وسائر الإحسان شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
156 وهل يدخل بر الوالدين في قوله ( حسن الخلق) ؟ فالجواب :نعم يدخل لأن بر الوالدين لا شك أنه خلق حسن محمود ،يحمد فاعله عليه (والإثم) الذنب وهو ضد البر لأن الله تعالى قال َ ( :وتَ َعا َونوا َعلَى ا ْلبِ ِّر َوالتَّقْ َوى َولا تَ َعا َونوا َعلَى ا ْل ِأ ْث ِم َوا ْلع ْد َوا ِن) (المائدة :الآية)2 فما هو الإثم ؟ ( الإثم ما حاك في نفسك ) أي تردد وصرت منه في قلق ((وكرهت أن يطلع عليه الناس)) أى وجوه الناس الذين يستحى منهم ،لأنه محل ذم وعيب ،فتجدك مترددا فيه وتكره أن يطلع الناس عليك وهذه الجملة إنما هي لمن كان قلبه صافيا سليما ،فهذا هو الذي يحوك في نفسه ماكان إثما ويكره ان يطلع عليه الناس أما المتمردون الخارجون عن طاعة الله الذين قست قلوبهم فهؤلاء لا يبالون ،بل ربما يتبجحون بفعل المنكر والإثم فالكلام هنا ليس عاما لكل أحد بل هو خاص لمن كان قلبه سليما طاهرا نقيا ،فإنه إذا هم بإثم وإن لم يعلم أنه إثم من قبل الشرع تجده مترددا يكره أن يطلع الناس عليه وهذا ضابط وليس بقاعدة ،أي علامة على الإثم في قلب المؤمن شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
157 \"اطمأنت إليه النفس\" :سكنت إليه النفس الطيبة . \"أفتاك الناس\" :علماؤهم ،كما في الرواية ( ،وإن أفتاك المفتون) \"وأفتوك\" :بخلافه ،لأنهم إنما يقولون على ظواهر الأمور دون بواطنها الفوائد التربوية الفائدة الأولى :فيه فضل حسن الخلق وأنه البر . الفائدة الثانية :الأخلاق تختلف في الحسن ،وكلما كان الخلق حسنا كلما كان أعظم في البر . الفائدة الثالثة :البر عليه نور يعرفه كل أحد ،والإثم يسبب شكا وقلقا الفائدة الرابعة :الشريعة في مجملها واضحة بينة من حيث البر والإثم بحيث لا يلتبس الحق بالباطل . الفائدة الخامسة :الله فطر عباده على معرفة الحق والسكون إليه وقبوله ،والنفرة من ضده وذلك في الجملة ،ولهذا قال في الحديث \"البر ما اطمأنت إليه النفس\" . الفائدة السادسة :دل على أن النفس تطمئن للخير والبر ،ولذلك يصلح لها ولحياتها . شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
158 الفائدة السابعة :من علامات البر ارتياح النفس له واطمئنانها به وسكونها إليه في داخلها ،وهذا مجرد علامة لا أن ذلك دليل، وإنما في جملة الأمر إذا كان من البر فيسبب راحة للضمير . الفائدة الثامنة :من علامات الإثم أنه يسبب حرجا للنفس وضيقا لها الفائدة التاسعة :البر لا يستحى من فعله في خلوات الإنسان وفي المجتمعات العامة بخلاف الإثم فإن فعله في الخلوة يسبب الحرج والضيق وفعله في العلانية يستحى منه ،ولهذا قال عن الإثم \"ما حاك في نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس \". الفائدة العاشرة :الحديث أصل في باب الورع . الفائدة الحادية عشرة :البر يشمل القيام بحقوق الله ،والقيام بحقوق الخلق ،ويدل على ذلك اختلاف الروايتين في تفسير البر فقال في الرواية الأولى \"البر حسن الخلق\" وهذا القيام بحقوق الخلق وفي الرواية الثانية \" البر ما اطمأنت إليه النفس\" وهذا القيام بحقوق الله ،لأنه فيما بين الإنسان وبين ربه الفائدة الثانية عشرة :يدل على أن الإنسان لا يفعل مثلما يفعل سائر الناس سواء كان الفعل حلالا أو حراما ،بل يتأنى و يستفتي شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
159 أهل العلم ،فإن لم يجد ،نظر في ذلك الفعل أي العلامات تنطبق عليه ،علامات البر أم الإثم؟ الفائدة الثالثة عشرة :يدل على أن الإنسان في فتواه قد يجانب الصواب ،ومع ذلك لم يحكم بتأثيمه أو انتقاصه ما دام بذل وسعه واجتهد ،ولهذا قال \" وإن أفتاك الناس وأفتوك\" . الفائدة الرابعة عشرة :الطاعات تجلب السعادة للمؤمن لأنها من البر الذي تطمئن إليه النفس . الفائدة الخامسة عشرة :المعاصي والذنوب تجلب الشقاء للإنسان لأنها من الإثم الذي يتردد في الصدر ويسبب الحرج والضيق . الفائدة السادسة عشرة :دل على أن الإكثار من أعمال البر والخير يزيد النفس طمأنينة و سكونا وانشراحا. شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
160 الحديث الثامن والعشرون َع ْن أَبي نَ ِجيح ال ِع ْربا ِض ب ِن َساريةَ َر ِضي اللُ َع ْنهُ قا َل: َو َعظَنا َر ُسو ُل اللِ َصلَّى اللُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم َم ْو ِعظَةً َو ِجلَ ْت ِم ْنها القُلو ُب، َو َذ َرفَ ْت ِم ْنها ال ُعيُو ُن ,فَقُ ْلنا :يا رسو َل اللِ َ ،كأنَّها َم ْو ِع َظةُ ُمودع فَأَ ْو ِصنا قا َل { :أو ِصيك ْم بِتَ ْق َوى اللهِ َع َّز َو َج َّلَ ،وال َّس ْم ِع َوالطَّا َع ِةَ ،وإِ ْن تَأَ َّم َر َعلَ ْيك ْم َع ْبد ،فَإِنَّه َم ْن يَ ِع ْش ِم ْنك ْم فَ َسيَ َرى ا ْختِلاَفا َكثِيرا ,فَ َعلَ ْيك ْم بِسنَّتِي َوسنَّ ِة ا ْلخلَفَا ِء ال َّرا ِش ِدي َن ا ْل َم ْه ِديِّي َن َ ,عضوا َعلَ ْي َها بِالنَّ َوا ِج ِذ، َوإِيَّاك ْم َوم ْح َدثَا ِت الأمو ِر؛ فَإِ َّن ك َّل بِ ْد َعة َضلاَلَة } رواهُ أبو دا ُو َد والتر ِم ِذي وقا َل :حديث َح َسن صحيح الشرح قولهَ \" :و َعظَنا\" أي نصحنا وذكرنا والوعظ :التذكير بما يلين القلب سواء كانت الموعظة ترغيبا أو ترهيبا ،وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعظ أصحابه أحيانا وقولهَ \" :وجلَت ِمن َها ا ْلقلوب\" ،أي خافت منها القلوب كما قال الله تعالى ( :الَّ ِذي َن إِ َذا ذ ِك َر ال َّله َو ِجلَ ْت قلوبه ْم ) (الأنفال :الآية )2 شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
161 \" َو َذ َرفَت ِمن َها العيون أي ذرفت الدموع ،وهو كناية عن البكاء \" فَقلنَا يَا َرسول اللهَ :كأنَّها\" أي هذه الموعظة \" َمو ِعظَةَ م َو ِّدع \" فهموا ذلك من مبالغته صلى الله عليه وسلم في تخويفهم وتحذيرهم ،فظنوا أن ذلك لقرب مفارقته لهم ولتأثيرها في إلقائها ،وفي موضوعها ،وفي هيئة الواعظ لأن كل هذا مؤثر ،فتأثير المواعظ له أسباب منها :الموضوع ،وحال الواعظ ،وانفعاله فأوصنا :وصية جامعة كافية \"قَا َل أوصيكم بِتَق َوى الله ع ّز وجل\" هذه الوصية مأخوذة من قول الله تعالىَ ( :ولَقَ ْد َو َّص ْينَا الَّ ِذي َن أوتوا ا ْل ِكتَا َب ِم ْن قَ ْبلِك ْم َوإِيَّاك ْم أَ ِن اتَّقوا ال َّلهَ) (النساء :الآية )131 فتقوى الله رأس كل شيء ومعنى التقوى :طاعة الله بامتثال أمره واجتناب نهيه على علم وبصيرة ولهذا قال بعضهم في تفسيرها :أن تعبد الله على نور من الله، ترجو ثواب الله ،وأن تترك ما حرم الله ،على نور من الله ،تخشى عقاب الله. شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
162 \" َوال َّسمع والطَّا َعة\" أي لولاة الأمر بدليل قوله َوإِن تَأ َّمر َعليكم عبد والسمع والطاعة بأن تسمع إذا تكلم ،وأن تطيع إذا أمر وانظر كيف أن النبي صلى الله عليه وسلم خصها بالذكر بعد ذكر التقوى مع أن السمع والطاعة من تقوى الله لأهميتها \" َوإن تَأ َّمر َعلَيكم\" أي صار أميرا \"عبد\" أي مملوكا . \"فإِنَّه َمن يَ ِعش ِمنكم\" أي تطول به الحياة \"فَ َسيَ َرى اختِلاَفا كثيرا \" في العقيدة ،وفي العمل ،وفي المنهج ،وهذا الذي حصل، فالصحابة رضي الله عنهم الذين عاشوا طويلا وجدوا من الاختلاف والفتن والشرور ما لم يكن لهم في الحسبان .ثم أرشدهم صلى الله عليه وسلم إلى ما يلزمونه عند هذا الاختلاف،فقال: \" فَ َعلَيكم بِ َّسنتي\" أي الزموا سنتي والمراد بالسنة هنا :الطريقة التي هو عليها ،فلا تبتدعوا في دين الله ع ّز وجل ما ليس منه ،ولا تخرجوا عن شريعته . َ \" وسنَّ ِة الخلَفَا ِء ال َرا ِشدين\" الخلفاء الذين يخلفون رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمته، وعلى رأسهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه .فإن أبا بكر الصديق رضي الله عنه هو الخليفة الأول لهذه الأمة شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
163 ثم الخليفة من بعده عمر بن الخطاب رضي الله عنه لأنه أولى الناس بالخلافة بعد أبي بكر الصديق رضي الله عنه فإنهما صاحبا رسول الله صلى الله عليه وسلم ،فرأى أبو بكر رضي الله عنه أن أحق الناس بالخلافة عمر رضي الله عنه .ثم صارت الخلافة لعثمان رضي الله عنه بمشورة معروفة رتبها عمر رضي الله عنه ،ثم صارت بعد ذلك لعلي رضي الله عنه هؤلاء هم الخلفاء الراشدون لا إشكال فيهم . وقوله\" :المهديين\" صفة مؤكدة لما سبق ،لأنه يلزم من كونهم راشدين أن يكونوا مهديين ،إذ لا يمكن رشد إلا بهداية وعليه فالصفة هنا صفة توكيد ،يعني أنهم رشدوا لأنهم مهديون \" َعضوا َعلَي َها\" أي على سنتي وسنة الخلفاء \"عضوا\" :بفتح العين \"بالنَّ َوا ِج ِذ\" وهي أقصى الأضراس وهذا كناية عن شدة التمسك بها ،أي أن الإنسان يتمسك بهذه السنة حتى يعض عليها بأقصى أضراسه . \" َوإيَّاكم\" لما حث على التمسك بالسنة حذر من البدعة \" َوإيَّاكم َومح َدثَا ِت الأمور\" أي اجتنبوها ،والمراد بالأمور هنا الشؤون ،والمراد بالشؤون شؤون الدين ،لا المحدثات في أمور الدنيا شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
164 لأن المحدثات في أمور الدنيا منها ما هو نافع فهو خير ،ومنها ما هو ضار فهو شر ،لكن المحدثات في أمور الدين كلها شر \"فَإِ َّن كل بِد َعة َضلالَة\" أي كل بدعة في دين الله ع ّز وجل فهي ضلالة الفوائد التربوية هذا الحديث أصل في الاعتصام بسنة الرسول وسنة الخلفاء الراشدين ،وفيه من الفوائد: - 1أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعظ أصحابه بالترغيب والترهيب . - 2استحباب الوعظ والتذكير . - 3فضل الصحابة -رضي الله عنهم -لتأثرهم بالموعظة. - 4أن وجل القلب ودمع العين علامة التأثر بالموعظة رغبة ورهبة . - 5طلب الصحابة الوصية من النبي صلى الله عليه وسلم - 6استحباب طلب الوصية من العالم وأنها ليست من السؤال المذموم ،وكذلك السؤال عن العلم . - 7الوصية بتقوى الله وهي وصية الله للأولين والآخرين. - 8الوصية بالسمع والطاعة لولي الأمر ما لم يأمر بمعصية وإن لم يكن ذا حسب ولا نسب . شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
165 - 9إخبار النبي صلى الله عليه وسلم ع ّما سيكون من الاختلاف، وقد وقع كما أخبر ،ففيه :علم من أعلام النبوة. - 10الواجب عند الاختلاف الاعتصام بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم فإن لم تكن فبسنة الخلفاء الراشدين ويشهد لهذا من القرآن قوله تعالى {:فَإِن تَنَا َز ْعت ْم فِي َش ْيء فَردوه إِلَى ال ّلهِ َوال َّرسو ِل} [النساء ]59 : - 11فضل الخلفاء الراشدين المهديين للأمر بالأخذ بسنتهم ووصفهم بالرشد والهدى ،والمراد بهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي -رضي الله عنهم . -وقد صار هذا الوصف علما عليهم . - 12تأكيد الأمر بالتمسك بسنته صلى الله عليه وسلم وسنة الخلفاء الراشدين ،لقوله \" تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ\" . - 13التحذير من المحدثات في الدين في عقائده - 14أن كل بدعة ضلالة . - 15الرد على من يقسم البدعة إلى حسنة وسيئة . شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
166 الحديث التاسع والعشرون عن معا ِذ ب ِن َجبَل َر ِضي اللُ َع ْنهُ ،قا َل: قُ ْل ُت ( :يا َر ُسو َل اللِ ،أَ ْخبِ ْرنِي بِ َع َمل يُ ْد ِخلُني ال َجنَّةَ ويُبا ِع ُدني ِم َن النَّا ِر ) قا َل { :لَقَ ْد َسأَ ْل َت َع ْن َع ِظيمَ ،وإِنَّه لَيَ ِسير َعلَى َم ْن يَ َّس َره الله َعلَ ْي ِه؛ تَ ْعبد اللهَ لاَ ت ْش ِرك بِ ِه َش ْيئاَ ،وتقِيم ال َّصلاَةَ َ ,وت ْؤتِي ال َّز َكاةََ ،وتَصوم َر َم َضا َنَ ،وتَحج ا ْلبَ ْي َت }. ث َّم قَا َل{ :أَلاَ أَدل َك َعلَى أَ ْب َوا ِب ا ْل َخ ْي ِر؟ ال َّص ْوم جنَّةَ ،وال َّص َدقَة ت ْطفِئ ا ْل َخ ِطيئَةَ َك َما ي ْطفِئ ا ْل َماء النَّا َرَ ،و َصلاَة ال َّرج ِل ِم ْن َج ْو ِف اللَّ ْي ِل } . ث َّم تَلاَ ( :تَتَ َجافَ َٰى جنوبه ْم َع ِن ا ْل َم َضا ِج ِع يَ ْدعو َن َربَّه ْم َخ ْوفا َوطَ َمعا َو ِم َّما َر َز ْقنَاه ْم ينفِقو َن • فَ َلا تَ ْعلَم نَ ْفس َّما أ ْخفِ َي لَهم ِّمن ق َّر ِة أَ ْعين َج َزاء بِ َما َكانوا يَ ْع َملو َن ) ،ث َّم قا َل { :أَلاَ أ ْخبِر َك بِ َرأ ِس الأَ ْم ِر َو َعمو ِد ِه َو ِذ ْر َو ِة َسنَا ِم ِه؟ } ق ْلت :بَلى يَا رسو َل اللهِ. قا َلَ { :ر ْأس الأَ ْم ِر ال ِإ ْسلاَمَ ،و َعموده ال َّصلاَةَ ،و ِذ ْر َوة َسنَا ِم ِه ا ْل ِج َهاد} ،ث َّم قا َل { :أَلاَ أ ْخبِر َك بِ ِملاَ ِك َذلِ َك كلِّ ِه؟ } قلت :بلى يا رسو َل اللهِ .فَأَ َخ َذ بِلِ َسانِ ِه وقا َل { :ك َّف َعلَ ْي َك َه َذا } . شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
167 ق ْلت :يا نَبِ َّي اللهِ ،وإِنَّا لَم َؤا َخذو َن بِ َما نَتَ َكلَّم به؟ فقا َل { :ثَ ِكلَ ْت َك أم َك يا معاذ َ ،و َه ْل يَكب النَّا َس فِي النَّا ِر َعلَى وجو ِه ِه ْم أو قا َلَ :علَى َمنَا ِخ ِر ِهم إِلاَّ َح َصائِد أَ ْل ِسنَتِ ِه ْم } . رواه الترمذي ,وقا َل :حديث حسن َصحيح تخريج الحديث اختلف فيه العلماء بين الصحة والتضعيف وقال عنه الألباني صحيح الشرح ِه َمم الصحابة رضي الله عنهم عالية ،فلم يقل :أخبرني بعمل أكسب فيه العشرة عشرين أو ثلاثين أو ما أشبه بذلك ،بل قال: \"أَخبِرنِي بِ َع َمل يد ِخلني ال َجنَّةَ َويبَاعدني من النا َر \"...أي يكون سببا لدخول الجنة والبعد عن النار فقال النبي صلى الله عليه وسلم: \"لَقَد َسأَل َت َع ْن َعظيم\" :عن عمل عظيم ،لأن دخول الجنة والنجاة من النار أمر عظيم جدا ،لأجله أنزل الله الكتب ،وأرسل الرسل ،فهذا هو الفوز والفلاح قال الله ع ّز وجل ( :فَ َم ْن ز ْح ِز َح َع ِن النَّا ِر َوأ ْد ِخ َل ا ْل َجنَّةَ فَقَ ْد فَا َز ) (آل عمران :الآية)185 شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
168 ولهذا وصفه النبي صلى الله عليه وسلم بأنه عظيم \" َوإِنه ليَسير َعلى ِم ْن يَس َره الله َعلَيه\" :من يسره الله عليه بتوفيقه إلى القيام بالطاعات على ما ينبغي ،وصدق النبي صلى الله عليه وسلم فإن الدين الإسلامي مبني على اليسر قال الله تعالى ( :ي ِريد ال َّله بِكم ا ْلي ْس َر َولا ي ِريد بِكم ا ْلع ْس َر ) (البقرة :الآية)185 وقال صلى الله عليه وسلم\" :إِ َّن هذا الدين يسرَ ،ولَن ي َشاد الدي َن أَ َحد إِلاَّ َغلَبَه\" فهو يسير لكن لمن يسره الله تعالى عليه ،ثم شرح ذلك فقال: \" تَعب َد اللهَ\" توحده ،وتتذلل له بالعبادة حبا وتعظيما ،لا تعبد الله وأنت تعتقد أن لك الفضل على الله ،فتكون كمن قال الله فيهم( :يَمنو َن َعلَيْ َك أَ ْن أَ ْسلَموا ق ْل لا تَمنوا َعلَ َّي إِ ْسلا َمك ْم) (الحجرات :الآية)17 هذا وهم لم يمنوا على الله تعالى ،بل على الرسول صلى الله عليه وسلم فقط ،اعبد الله تعالى تذللا له ومحبة وتعظيما ،فبالمحبة تفعل الطاعات ،وبالتعظيم تترك المعاصي \"لا تش ِرك بِ ِه شيئا\" فلا تشرك به شيئا لا ملكا مقربا،ولا نبيا مرسلا شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
169 قالَ \" :وتقيم ال َصلاةََ ،وتؤتي الز َكاةََ ،وتَصوم َر َم َضا َنَ ،وتَحج البَي َت\" هذه أركان الإسلام الخمسة ثم قال : \"أَلاَ أَدل َك َعلَى أَب َوا ِب ال َخي ِر\" أبواب الخير من النوافل ،لأنه قد دله على واجبات الإسلام من قبل قال\" :ال َّصوم جنة\" أي وقاية لصاحبه من المعاصي في الدنيا، ومن النار في الآخرة \" َوال َّص َدقَة تطفِىء ال َخطيئَة َك َما يطفِىء ال َماء النَّا َر\" الصدقة مطلقا سواء الزكاة الواجبة أو التطوع ،و سواء كانت قليلة أو كثيرة. \"تطفِىء ال َخطيئَة\" أي خطيئة بني آدم ،وهي المعاصيَ \" .ك َما يطفِىء ال َماء النَّا َر\" ،فشبه النبي صلى الله عليه وسلم الأمر المعنوي بالأمر الحسي. \" َو َصلاة ال ّرجل من َجو ِف اللَّي ِل\" هذه معطوفة على قوله \"الصدقة\" أي وصلاة الرجل في جوف الليل أيضا تطفىء الخطيئة ،وجوف الليل وسطه ثم تلا :أي قرأ(تَتَ َجافَى جنوبه ْم َع ِن ا ْل َم َضا ِج ِع) هذا في وصف المؤمنين ،أي أنهم لا ينامون (يَ ْدعو َن َربَّه ْم َخ ْوفا َو َط َمعا) إن شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
170 ذكروا ذنوبهم خافوا ،وإن ذكروا فضل الله طمعوا ،فهم بين الخوف و الرجاءَ ( ،و ِم َّما َر َز ْقنَاه ْم ي ْنفِقو َن) ( من ) هنا :إما أن تكون للتبعيض والمعنى ينفقون بعضها، أو تكون للبيان ،والمعنى ينفقون مما رزقهم الله ع ّز وجل قليلا كان أو كثيرا (فَلا تَ ْعلَم نَ ْفس َما أ ْخفِ َي لَه ْم ِم ْن ق َّر ِة أَ ْعين َج َزاء بِ َما َكانوا يَ ْع َملو َن) (السجدة ، )17:استشهد النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الآية على فضيلة قيام الليل ثم قال\" :أَلاَ أخبِر َك بِ َرأَ ِس الأَم ِرَ ،و َعمو ِده ،و ِذر َو ِة ِسنَا ِم ِه\" ثلاثة أشياء\" :قلت :بَلَى يَا َرسو َل الله ،قَا َلَ \":رأَس الأَم ِر ال ِإسلام \" أمر الإنسان الذي من أجله خلِ َق ،رأسه الإسلام ،أي أن يسلم لله تعالى ظاهرا وباطنا بقلبه وجوارحه . \" َو َعمو ِد ِه الصلاة\" أي عمود الإسلام الصلوات ،والمراد بها الصلوات الخمس ،وعمود الخيمة ما تقوم عليه ،وإذا أزيل سقطت . \" َو ِذر َو ِة ِسنَا ِم ِه ال ِج َهاد \" ذكر الجهاد أنه ذروة السنام، لأن الذروة أعلى شيء ،وبالجهاد يعلو الإسلام ،فجعله ذروة سنام الأمر أي الطرف الأعلى منه شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
171 قال الله تعالىَ ( :ولا تَ ِهنوا َولا تَ ْح َزنوا َوأَ ْنتم ا ْلأَ ْعلَ ْو َن إِ ْن كنْت ْم م ْؤ ِمنِي َن) (آل عمران)139: وقوله\" :الجهاد\" يعني في سبيل الله ع ّز وجل والجهاد في سبيل الله بينه النبي صلى الله عليه وسلم أتم بيان، فقد سئل عن الرجل يقاتل حمية ،ويقاتل شجاعة ،ويقاتل ليرى مكانه ،أي ذلك في سبيل الله؟ فقالَ \" :من قَاتَ َل لِتَكو َن َكلِ َمة اللهِ هي العليَا فَه َو في َسبي ِل اللهِ\" فهو لم يجب عن الثلاثة التي سئل عنها بل ذكر عبارة عامة، فقالَ \" :من قَاتَ َل لِتَكو َن َكلِ َمة اللهِ هي العليَا فَه َو في َسبي ِل اللهِ \" ثم قال: \"أَلاَ أخبِر َك بِ ِملاَ ِك َذل َك كله\" ملاك الشيء ما يملك به ،والمعنى ما تملك به كل هذا \"قلت :بَلَى يَا َرسول الله ،قَا َل :فَأَخذ بِلِسانِ ِه َوقَا َل :ك َّف َعلي َك َهذا\" أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بلسان نفسه وقال\":ك َّف َعلي َك َهذا\" أي لاتطلقه في القيل والقال، \"قلت :يَا نَب َّي الله َوإِنَّا لَمؤا ِخذو َن بِما نَتَ َكلّم بِه \"الجملة خبرية لكنها استفهامية ،والمعنى :أإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ يعني أن معاذا رضي الله عنه تعجب كيف يؤاخذ الإنسان بما يتكلم به .فقال النبي صلى الله عليه وسلم حثا على أن يفهم: شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
172 \"ثَ ِكلَت َك أم َك يَا م َعاذ\" أي فقدتك ،وهذه الكلمة يقولها العرب للإغراء والحث ،ولا يقصدون بها المعنى الظاهر ،وهو أن تفقده أمه ،لكن المقصود بها الحث والإغراء \" َو َهل يَكب النَّا َس في النا ِر َعلى وجو ِههم ،أَو قَا َلَ :علَى منَا ِخر ِهم\" هذا شك من الراوي \"إِلا َحصائد أَل ِسنَتِهم\" أي ما يحصدون بألسنتهم من الأقوال . لما قال هذا الكلام اقتنع معاذ رضي الله عنه وعرف أن ملاك الأمر كف اللسان ،لأن اللسان قد يقول الشرك ،وقد يقول الكفر ،وقد يقول الفحشاء ،فهو ليس له حد. فوائد الحديث الحديث أصل في جوامع أسباب السعادة، وفيه ... - 1إثبات الجنة والنار . - 2أن للنجاة من النار ودخول الجنة أسبابا . - 3أن هذه الأسباب إنما تعرف بخبر الرسل . - 4عظم شأن هذه الأسباب وأنها شاقة إلا على من يسرها الله عليه ،ففيه شاهد لقوله صلى الله عليه وسلم \" :حفت الجنة بالمكاره \". شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
173 - 5أن أسباب السعادة في الآخرة أهم المهمات . - 6أن من الحزم والعقل الاهتمام بمعرفة هذه الأسباب . - 7فضيلة معاذ رضي الله عنه . - 8أن العمل بأسباب السعادة إنما يكون بتيسير الله . - 9أن أصول أسباب النجاة هي مباني الإسلام الخمسة . - 10أن أصل الدين عبادة الله وحده لا شريك له . - 11أن أعظم واجب بعد التوحيد الصلوات الخمس ثم الزكاة وبعدهما الصوم والحج . - 12أن العبادات منها فرائض ومنها نوافل . - 13رحمة الله بعباده أن فتح لهم أبواب الخير ليتزودوا من أسباب الأجر ومغفرة الذنوب . - 14فضل الصوم والصدقة والصلاة في جوف الليل وأنها تكفر الذنوب - 15أن الصوم وقاية للعبد من العذاب والشرور شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
174 الحديث الثلاثون َعن أَبي ثَ ْعلبةَ ا ْل ُخ َشنِي ُجرثُو ِم ب ِن ناشر َر ِضي اللُ َع ْنهُ َعن رسو ِل اللِ َصلَّى اللُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم قا َل: { إ َّن اللهَ فَ َر َض فَ َرائِ َض فَلاَ ت َضيِّعو َهاَ ،و َح َّد حدودا فَلاَ تَ ْعتَدو َها، َو َح َّر َم أَ ْشيَا َء فَلاَ تَ ْنتَ ِهكو َهاَ ،و َس َك َت َع ْن أَ ْشيَا َء َر ْح َمة لَك ْم َغ ْي َر نِ ْسيَان فَلاَ تَ ْب َحثوا َع ْنها } حديث حسن رواه ال َّدا َرقُ ْطنِي وغي ُره تخريج الحديث ضعف هذا الحديث جماعة من أهل العلم: الذهبي قال \" :موقوف و منقطع ،لم يلق مكحول أبا ثعلبة\" ... ابن حجر العسقلاني \" :رجاله ثقات إلا أنه منقطع\"... الألباني :ضعفه في ضعيف الجامع فهو حديث ضعيف الشرح \"فَ َر َض\" أي أوجب وألزم \"فَ َرائِ َض\" وهي ما فرض الله على عباده ،وألزمهم القيام به. شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
175 مثل الصلوات الخمس ،والزكاة ،والصيام،والحج،وبر الوالدين، وصلة الأرحام ،وغيره \"فَلا ت َضيِّعو َها\" أي بالترك أو التهاون فيها حتى يخرج وقتها ،بل قوموا بها كما فرض عليكم ،.فلا تهملوها فتضيع ،بل حافظوا عليها. \" َو َح َّد حدودا \" قيل :إن المراد بالحدود الواجبات والمحرمات .فالواجبات حدود لا تتعدى ،والمحرمات حدود لا تقرب . وقال بعضهم :المراد بالحدود العقوبات الشرعية كعقوبة الزنا، وعقوبة السرقة وما أشبه ذلك . ولكن الصواب الأول أن المراد بالحدود في الحديث محارم الله ع ّز وجل الواجبات والمحرمات ،لكن الواجب نقول :لا تتعده أي لا تتجاوزه ،والمحرم نقول :لا تقربه هكذا في القرآن الكريم لما ذكر الله تعالى تحريم الأكل والشرب على الصائم قال( :تِ ْل َك حدود ال َّلهِ فَلاتَق َربو َها ) [البقرة]187: ولما ذكر العدة وما يجب فيها( تِلْ َك حدود ال َّلهِ فَلا تَ ْعتَدو َها ) (البقرة :الآية)229 شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
176 \"فَلا تَعتَدوها\" فلا تجاوزوا ما حد لكم بمخالفة المأمور وارتكاب المحظور \" َو َح َّر َم أَشيَاء فَلا تَنتَ ِهكو َها\" أي فلا تفعلوها ولا تقربوها مثل :الزنا ،وشرب الخمر ،والقذف ،وأشياء كثيرة لا تحصى. \" َو َس َك َت َع ْن أشيا َء َرح َمة لَك ْم َغي َر نسيَان فَلا تَب َحثوا َعن َها \" سكت عن أشياء أي لم يحرمها ولم يفرضها قال :سكت بمعنى لم يقل فيها شيئا ،ولا أوجبها ولا حرمها وقولهَ \" :غ ْي َر نسيَان \" أي أنه ع ّز وجل لم يتركها ناسيا ( َو َما َكا َن َرب َك نَ ِسيّا ) (مريم :الآية ،)64ولكن رحمة بالخلق حتى لا يضيق عليهم. \"فَلا تَب َحثوا َعن َها\" أي لا تسألوا عنها و لا تنَقِّبوا عنها ،بل دعوها. الفوائد التربوية الفائدة الأولى :دل الحديث على كمال الشريعة الإسلامية من جميع النواحي ولذلك تناسب جميع الأجيال على مر السنين، ومختلف العصور . الفائدة الثانية :يدل على سهولة الشريعة الإسلامية ،وأنها خالية من أمور تعجيزية بل هي باختصار فرائض تؤدى ومحرمات تترك شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
177 الفائدة الثالثة :دل الحديث على أن الإيجاب والتحريم كله من عند الله ،فإذا استشعر المسلم ذلك صعب عليه القول على الله بلا علم، وتبين له خطر الفتوى الفائدة الرابعة :فيه بيان رحمة الله سبحانه بعبادة لقوله \" وسكت عن أشياء رحمة بكم\" الفائدة االخامسة :تنزيه الله سبحانه عن النسيان وكل صفة نقص وذم في حقه سبحانه . الفائدة السادسة :النهي عن تتبع الدقائق وأن يكلف الإنسان نفسه ما لم يكلفه الله سبحانه ،فيجوز للإنسان أن يشتري سلعة من البائع من غير أن يسأله من أين أتى بها؟ أو يستحلفه أنها له!! ،ويجوز للإنسان أن يأكل المباحات وجميع الطيبات من غير تعمق وغلو في أصلها ومنشئِها وما لم ينزل الله به سلطان. الفائدة السابعة :المباحات في شريعة الإسلام أكثر بكثير من المنهيات ولذلك لم تذكر في الحديث لكبر حجمها ،بل كل ما لم يكن منهيا عنه فهو مباح فوائد إضافية هذا الحديث أصل في ثبوت الشرع ،وجميع نصوص الأوامر والنواهي تفصيل له ،وفيه من الفوائد : شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
178 -1وجوب الإيمان بالشرع . -2أن الشرع أمر ونهي وإباحة -3أن حق التشريع لله وحده ،والرسول مبلغ عنه { إِ ِن ا ْلح ْكم إِ َّلا لِ َّلهِ } -4أن الله يفرض على عباده ما شاء ويحرم ما شاء . -5وجوب المحافظة على الفرائض ،وتحريم إضاعتها . -6وجوب اجتناب المحرمات وتحريم مواقعتها . -7وجوب الوقوف عند حدود الله فيما فرض أو حرم أو أباح، بعدم الزيادة على ما أوجب أو حرم ،وعدم مجاوزة ما أباح إلى ما ح َّرم . -8أن ما لم ينص عليه في الشرع فهو عفو ،أي معفو عنه فلا يجب ولا يحرم . -9أن الأصل في الأشياء الإباحة . -10إثبات صفة الرحمة لله عز وجل . -11أن تركه تعالى للإيجاب والتحريم فيما شاء رحمة بعباده . -12تنزيه الله عن النسيان ،كما قال تعالى { َو َما َكا َن َرب َك نَ ِسيّا} . -13إثبات كمال العلم لله عز وجل . -14النهي عن السؤال ع ّما لم يأت الشرع فيه بشيء إيجابا ولا تحريما ،وذلك في وقت نزول الوحي ،ويدل لهذا المعنى قوله شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
179 تعالى{ :يَا أَي َها الَّ ِذي َن آ َمنو ْا لاَ تَ ْسأَلو ْا َع ْن أَ ْشيَاء إِن ت ْب َد لَك ْم تَس ْؤك ْم َوإِن تَ ْسأَلواْ َعنْ َها ِحي َن ينَ َّزل ا ْلق ْرآن ت ْب َد لَك ْم َعفَا ال ّله َعنْ َها َوال ّله َغفور َحلِيم} [المائدة ]101 : وقال صلى الله عليه وسلم ( :إن أعظم المسلمين في المسلمين جرما من سأل عن شيء لم يحرم ثم حرم من أجل مسألته ) شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
180 الحديث الحادي والثلاثون َع ْن أَبِي ال َعبَّا ِس َس ْه ِل ب ِن َس ْعد ال َّسا ِع ِدي َر ِض َي ا ٰلّلُ َع ْنهُ قا َل: َجا َء َر ُجل إِلى النَّبي َصلَّى ا ٰلّلُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم ،فَقا َل: يَا َر ُسو َل ا ٰلّلُِ ،دلَّنِي َعلَ ٰى َع َمل إِ َذا َع ِم ْلتُهُ أَ َحبَّنِي ا ٰلّلُ َوأَ َحبَّنِي النَّا ُس. قَا َل { :ا ْز َه ْد فِي الد ْنيَا ي ِحب َك الَٰ ّلهَ ،وا ْز َه ْد فِي َما ِع ْن َد النَّا ِس ي ِحب َك النَّاس } حديث َح َسن رواهُ اب ُن ماجة وغي ُرهُ بأساني َد َحسنة (يحبك الل) يحبك الباء المشددة بالفتح والضم وكلاهما صحيح قوله (أحبني الل وأحبني الناس) بفتح ياء المتكلم و بالسكون تخريج الحديث اختلف العلماء في تصحيحه وتضعيغه ولقد صححه الألباني بمجموع طرقه الشرح قوله \" َجا َء َرجل\" لم يعين اسمه وقوله :دلني َعلَى َع َمل إِ َذا َعملته أَ َحبَّني اللهَ ،وأَحبَّني النَّاس أي أرشدني إلى عمل إذا عملته أحبني الله وأحبني الناس شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
181 هذا الرجل طلب حاجتين عظيمتين: أولاهما محبة الله ع ّز وجل والثانية محبة الناس. فدله النبي صلى الله عليه وسلم على عمل معين محدد، فقال\" :از َهد في الدنيَا\" والزهد في الدنيا الرغبة عنها ،والاقتصار على قدر الضرورة منها ،وأن لا يتناول الإنسان منها إلا ما ينفعه في الآخرة ،وهو أعلى من الورع لأن الورع :ترك ما يضر من أمور الدنيا ، والزهد :ترك مالا ينفع في الآخرة ،وترك ما لا ينفع أعلى من ترك ما يضر ،لأنه يدخل في الزهد الطبقة الوسطى التي ليس فيها ضرر ولا نفع ،فالزهد يتجنب مالا نفع فيه ،وأما ال َو َرع فيفعل ما أبيح له ،لكن يترك ما يضره والدنيا :هي هذه الدار التي نحن فيها، وسميت بذلك لوجهين: الوجه الأول :دنيا في الزمن. الوجه الثاني :دنيا في المرتبة شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
182 فهي دنيا في الزمن لأنها قبل الآخرة ،ودنيا في المرتبة لأنها دون الآخرة بكثير جدا ،قال النبي صلى الله عليه وسلم\" :لَ َمو ِضع سو ِط أَ َح ِدكم في ال َجنَّ ِة َخير ِم َن الدنيَا َو َما في َها\" وقال النبي صلى الله عليه وسلم \"رك َعتَا الفَج ِر َخير ِم َن الدنيَا َو َما في َها\" وقوله\" :ي ِحب َك الله\" لإعراضك عما أمر بالإعراض عنه . \"واز َهد في َما ِعن َد النَاس ي ِحب َك النَّاس\" أي لا تتطلع لما في أيديهم ،ارغب عما في أيدي الناس يحبك الناس ،وهذا يتضمن ترك سؤال الناس أي أن لا تسأل الناس شيئا ،لأنك إذا سألت أثقلت عليهم ،و لأن قلوبهم مجبولة على حب الدنيا ،ومن نازع إنسانا في محبوبه كرهه ،ومن لم يعارضه فيه أحبه. الفوائد التربوية الفائدة الأولى :يجب على المؤمن أن يسعى لأن يكون محبوبا عند الله وعند الناس. الفائدة الثانية :البحث عن محبة الناس لا يناقض محبة الله ولا يعارضها فإن المسلم طيب محبوب عند الله ومحبوب عند الناس وفي المجتمع . شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
183 الفائدة الثالثة :دل على أن الزهد في الدنيا يجلب محبة الله. الفائدة الرابعة :دل على أن الزهد في ما عند الناس يجلب محبة الناس الفائدة الخامسة :الزهد من أعمال القلب كما قاله الامام أحمد رحمه الله. الفائدة السادسة :من أراد معرفة الزهد الحقيقي في الدنيا فلينظر إلى زهده صلى الله عليه وسلم فإنه يجد أن حقيقة الزهد ألا يتعلق قلبه بالدنيا فيحبها ولا يعارض هذا طلب الرزق فيها والادخار من المال والطعام كما كانت حياته صلى الله عليه وسلم. الفائدة السابعة :الزهد فيما عند الناس يقتضي عدم تعلق القلب بما في أيدي الناس وقطع النفس من النظر لهم والتطلع لما عندهم ومداهنتهم في دين الله رجاء ما في أيديهم ولا يمنع هذا المبايعة والمتاجرة معهم والكسب وغير ذلك الفائدة الثامنة :دل على أن من تعلق بالدنيا وقدمها لم يحبه الله، لأنه سيقدم الدنيا على أمر الله. الفائدة التاسعة :دل على أن الناس يكرهون من طلب منهم وسألهم ما في أيديهم ،وهذا مستقر في فطر الناس وقلوبهم شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
184 الفائدة العاشرة :من زهد في الدنيا تعلق بما عند الله لأن القلب لا بد له من متعلق يتعلق به ويثق به ويطمئن إليه ولهذا من زهد في الدنيا أحبه الله. الفائدة الحادية عشرة :الحديث بيَّن حقيقة الناس وأنهم يحبون ما في أيديهم ويبغضون من سألهم إياه ،ويسعون لمصالحهم ولو على حساب دين غيرهم ،ولا يؤدون الحقوق الواجبة منهم ،هذه حالهم فمن عرفها كيف يتعلق بهم ويرجوهم ويقدم طاعتهم على طاعة الله؟!! شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
185 الحديث الثاني والثلاثون َع ْن أَبِي سعيد سع ِد ب ِن مال ِك بن ِسنان ال ُخ ْدري َر ِضي اللُ َع ْنهُ ، أ َّن رسو َل اللِ َصلَّى اللُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم قا َل: { لاَ َض َر َر َولاَ ِض َرا َر } حديث ح َسن رواهُ اب ُن ماجه وال َّدا َرقُ ْطنِي وغي ُرهُما ُم ْسنَ ًدا ،ورواهُ مالك في ا ْل ُم َوطَّأِ َع ْن َع ْم ِرو ب ِن يَ ْحيَىَ ,ع ْن أبي ِه َ ,ع ِن النبي صلّى اللُ علَ ْي ِه وسلَّم ُم ْر َس ًلا ،فأَ ْسقَ َط أبا سعيدَ ،ولَهُ طُ ُرق يُقَوي بع ُضها بع ًضا. تخريج الحديث اختلف العلماء فيه بين التصحيح والتضعيف ولقد صححه الألبانى وقال صحيح لغيره الشرح \" لاَ َض َر َر \"الضرر معروف ،والضرر يكون في البدن ويكون في المال ،ويكون في الأولاد ،ويكون في المواشي وغيرها . \" ولا ضرار\" أي ولا مضارة والفرق بين الضرر والضرار : أن الضرر يحصل بدون قصد ،والمضارة بقصد ،ولهذا جاءت بصيغة المفاعلة شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
186 مثال ذلك: رجل له جار وعنده شجرة يسقيها كل يوم ،وإذا بالماء يدخل على جاره ويفسد عليه ،لكنه لم يعلم ،فهذا نسميه ضررا . مثال آخر : رجل بينه وبين جاره سوء تفاهم ،فقال :لأفعلن به ما يضره، فركب موتورا له صوت كصوت الدركتر عند جدار جاره وقصده الإضرار بجاره ،فهذا نقول مضار . والمضار لا يرفع ضرره إذا تبين له بل هو قاصده ،وأما الضرر فإنه إذا تبين لمن وقع منه الضرر رفعه . وهذا الحديث أصل عظيم في أبواب كثيرة ،ولا سيما في المعاملات :كالبيع والشراء والرهن والارتهان ،وكذلك في الأنكحة يضار الرجل زوجته أو هي تضار زوجها ،وكذلك في الوصايا يوصي الرجل وصية يضر بها الورثة . فالقاعدة ...متى ثبت الضرر وجب رفعه ،ومتى ثبت الإضرار وجب رفعه مع عقوبة قاصد الإضرار من ذلك مثلا : كانوا في الجاهلية يطلق الرجل المرأة فإذا شارفت انقضاء العدة راجعها ،ثم طلقها ثانية فإذا شارفت انقضاء العدة راجعها ،ثم شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
187 طلقها ثالثة ورابعة ،لقصد الإضرار،فرفع الله تعالى ذلك إلى حد ثلاث طلقات فقط . مثال آخر:رجل أوصى بعد موته بنصف ماله لرجل آخر الفوائد التربوية الفائدة الأولى :دليل على رفع الحرج في الشريعة الإسلامية. وعلى يسر الإسلام وسهولة أحكامه .وأن أحكام الإسلام الشرعية وتكاليفه لا ضرر فيها . الفائدة الثانية :يحرم الإضرار بالغير بجميع الصور والأشكال، ولذلك أطلق الضرر في الحديث ولم يقيد بقيد . الفائدة الثالثة :من مقاصد الإسلام منع الضرر قبل وقوعه ورفعه بعد وقوعه . الفائدة الرابعة :يربي في النفس عدم حب الذات ولو على حساب غيره من الناس. الفائدة الخامسة :يدل المسلم على مراعاة غيره من الناس واحترامهم في جميع أمور الحياة وشؤونها . الفائدة السادسة :يزرع الألفة بين المسلمين والمحبة والأخوة لأنه ينفي الضرر بجميعه. شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
188 الفائدة السابعة :يعتبر الحديث قاعدة عامة فكل أمر كان فيه ضرر فيحرم شرعا. شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
189 الحديث الثالث والثلاثون ع ْن اب ِن عبَّاس َر ِضي اللُ َع ْنهُما ، أ َّن رسو َل اللِ َصلَّى اللُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم قا َل: { لَ ْو ي ْع َطى النَّاس بِ َد ْعواه ْم ،لاَ َّد َعى ِر َجال أَ ْم َوا َل قَ ْوم َو ِد َما َءه ْم، لَ ِك ِن ا ْلبَيِّنَة َعلَى ا ْلم َّد ِعي َوا ْليَ ِمين َعلَى َم ْن أَ ْن َك َر } . حديث َح َسن رواه البيهقي وغي ُره هكذا ،وبع ُضه في الصحيحي ِن الشرح قال الشيخ السعدي رحمه الله\" :هذا الحديث عظيم القدر ،وهو أصل من أصول القضايا والأحكام ،فإن القضاء بين الناس إنما يكون عند التنازع ،هذا يدعي على هذا حقّا من الحقوق فينكره، وهذا يدعي براءته من الحق الذي كان ثابتا عليه فبيَّن صلى الله عليه وسلم أصلا بفض نزاعهم ،ويتضح به المحق من المبطل ،فمن ادعى دينا ،أو حقّا من الحقوق وتوابعها على غيره ،وأنكره ذلك الغير ،فالأصل مع المنكر .فهذا المدعي إن أتى ببينة تثبت ذلك الحق ،ثبت له ،وحك َم له به ،وإن لم يأت ببينة، فليس له على الآخر إلا اليمين\" \" لو يعطى الناس\" :ما ادعوا أنه حقهم وطالبوا به. شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
190 \"بدعواهم\" :أي بمجرد قولهم وطلبهم دون ما يثبت ذلك. \"لا َّدعى رجال\" :أي لاستباح بعض الناس دماء غيرهم وأموالهم وطلبوها دون حق. \" ولكن البَيِّنَة \" :هي الشهود ،أو إقرار الم َّد َعى عليه وتصديقِ ِه للم َّد ِعي والبينة :هي اسم لكل ما يبين الحق ويظهره ،فيدخل فيها الشهود والإقرار والقرائن الدالة ،وتكون في إثبات الدعوى \" َعلَى الم َدعي \" \"على ا ْلم َّد ِعي\" :وهو من يدعي الحق على غيره ويطالبه به \"ا ْليَمين\" :أي دفع الدعوى ،وهي ال َحلِف على نفي ما اد ِعي به عليه. \"على من أَ ْن َك َر\" :أي من أنكر دعوى المدعي وهو المدعى عليه فهنا مدع و مدعى عليه المدعي :عليه البينة ،والمدعى عليه :عليه اليمين ليدفع الدعوى . وهذا الحديث أصل عظيم في القضاء ،وهو قاعدة عظيمة في القضاء ينتفع بها القاضي وينتفع بها المصلح بين اثنين وما إلى ذلك شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
191 الفوائد التربوية -1حرص الشريعة على حفظ أموال الناس ودمائهم ،وصيانة الحقوق من ظلم الظالمين . -2من ادعى بشيء على إنسان فلا ب َّد له من البينة ،فالدعوى لا تقبل إلا ببينة . -3على المدعى عليه -إذا أنك َر -اليمين. -4الأصل براءة الذمة حتى يدان المتهم. -5غلبة الظلم والكذب على كثير من الناس . -6الحكم بالبينة ،فالقاضي لا يحكم بعلمه . -7براءة الم َّدعى عليه بيمينه إذا لم تكن للمدعي بينة -8أن البينة عامة في كل ما يبين الحق من شهود وقرائن. -9أن نكول الم َّدعى عليه عن اليمين (أي امتناع الم َّدعى عليه عن اليمين) دليل للمدعي فيحكم له بيمينه كما يحكم له بالشاهد واليمين. -10أن الدعوى تكون في الدماء والأموال وغيرهما من الحقوق شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
192 الحديث الرابع والثلاثون َع ْن أَبي سعيد ال ُخ ْدري َر ِضي اللُ َعنْهُ قا َل: َس ِمع ُت رسو َل اللِ َصلَّى اللُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم يقو ُل: { َم ْن َرأَى ِم ْنك ْم م ْن َكرا فَ ْلي َغيِّ ْره بِيَ ِد ِه ,فَإِ ْن لَ ْم يَ ْستَ ِط ْع فَبِلِ َسانِ ِه ،فَإِ ْن لَ ْم يَ ْستَ ِط ْع فَبِقَ ْلبِ ِه َ ,و َذلِ َك أَ ْض َعف ا ْلإي َما ِن }. َر َواهُ ُم ْسلِم الشرح قولهَ \" :م ْن َرأَى\" هل المراد من علم وإن لم ي َر بعينه فيشمل :من رأى بعينه ومن سمع بأذنه ومن بلغه خبر بيقين وما أشبه ذلك ،أو نقول :الرؤيا هنا رؤية العين ،أيهما أشمل؟ الجواب :الأول ،أي من علم فيحمل عليه الحديث ،وإن كان ظاهر الحديث أنه رؤية العين لكن مادام اللفظ يحتمل معنى أعم فليحمل عليه منكم :معشر المسلمين المكلفين ،فالخطاب عام لجميع المسلمين وقوله\" :م ْن َكرا \"المنكر :هو ما نهى عنه الله ورسوله صلى الله شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
193 عليه وسلم ،لأنه ينكر على فاعله أن يفعله .فهو ما حرمه الشرع فعلا أو قولا ،ولو صغيرا . \"فَ ْلي َغيِّ ْره\" فليزله \"بيده\" :أي يغير هذا المنكر بيده ،إن كان مما يزال بها ،ككسر آلة لهو ،وآنية خمر . \"فَإِ ْن لَ ْم يَ ْستَ ِط ْع\" أي إن لم يستطع أن ينكره بيده ،لكون فاعله أقوى منه ،ويلحقه الضرر بالتغيير باليد . \"فَبِلِ َسانِ ِه\" :أي فلينكره بلسانه فالواجب تغييره (بلسانه) ويكون ذلك :بالقول :كالتذكير ،أو بالتوبيخ والزجر ،ولكن لابد من استعمال الحكمة والنصيحة بالكلمة الطيبة وقوله \"بِلِ َسانِ ِه\" هل نقيس الكتابة على القول؟ الجواب :نعم ،فيغير المنكر باللسان ،ويغير بالكتابة ،بأن يكتب في الصحف أو يؤلف كتبا يبين المنكر \"فَإ ْن لَ ْم يَستَ ِط ْع فَبِقَ ْلبِ ِه\" :أي فإن لم يستطع ذلك بلسانه لوجود مانع ،كخوف فتنة ،أو خوف على نفس ،أو نحو ذلك . شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
194 \"فبقلبه\" :ينكره وجوبا بأن يكرهه ولا يرضى به ،ويعزم أنه لو قدر على تغييره بفعل أو قول ،لف َعل فأفاد وجوب تغيير المنكر بكل طريق ممكن ،فلا يكفي الوعظ لمن يمكنه إزالته بيده ،ولا بالقلب لمن يمكنه باللسان. \" َو َذلِ َك\" أي الإنكار بالقلب \"أَ ْض َعف ال ِإ ْي َما ِن\" :أي أضعف مراتب الإيمان في تغيير المنكر. فالمقصود أن الإنكار بالقلب أضعف الإيمان باعتبار هذه المراتب، لأن الإيمان قول وعمل ،فأعلى شيء فيما يتعلق بالمنكر التغيير باليد ،فإن لم يستطع فباللسان ،فإن لم يستطع فبالقلب ،وهذا أضعف عمل يدخل في مسمى الإيمان تجاه المنكر والتغيير باليد إيمان ،والتغيير باللسان إيمان ،والتغيير بالقلب إيمان ،ومعنى ذلك أنه لم يبق عمل من الإيمان بعد ذلك ،وليس المعنى أن الذي لا ينكر بقلبه يكون كافرا ،ليس هذا المراد. الفوائد التربوية الحديث أصل في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر -1وجوب تغيير المنكر ،وذلك بإزالته أو تخفيفه وبإقامة العقوبة الشرعية على فاعله . شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
195 -2أن تغيير المنكر فرض كفاية على من علم به وقدر على تغييره بيده أو لسانه ،وأما التغيير بالقلب ففرض عين. -3وجوب تغيير المنكر على هذه الدرجات والمراتب. -4تيسير الشرع وتسهيله؛ حيث رتَّب هذه الواجبات على الاستطاعة؛ لقوله(( :فإن لم يستطع)). -5يدل الحديث على أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من خصال الإيمان؛ لذلك أخرج مسلم هذا الحديث في كتاب الإيمان، باب كون النهي عن المنكر من الإيمان. -6أن الإيمان يتفاوت؛ فبعضه ضعيف ،وبعضه قوي ،وهذا مذهب أهل السنة والجماعة ،وله أدلة من القرآن والسنة على أنه يتفاوت -7حدد مراتب تغيير المنكر: وأن أعلى مراتب تغيير المنكر تغييره باليد المرتبة الثانية التغيير باللسان ،وذلك ببيان حكم المنكر والزجر عنه ولوم فاعله ودعوته للتوبة المرتبة الثالثة التغيير بالقلب ،وذلك ببغض المنكر والرغبة الصادقة في زواله والعزم على تغييره بالقول والفعل لو أمكن ذلك . شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
196 -8أن أساس ترتيب هذه المراتب هو الاستطاعة ،فلا يصار إلى المرتبة الدنيا مع القدرة على ما فوقها . -9أن من غيَّر بما يستطيع فقد قضى ما عليه -10أن العمل من الإيمان ؛ عمل القلب أو الجوارح . -11أن الواجب يختلف باختلاف القدرة -12أن هذه المراتب في مقدار الواجب لا في مرتبة المكلَّف ،فقد يكون من يغير بقلبه مع العجز أكم َل ِم ّمن يغير بيده أو لسانه لما يقوم بقلبه من صدق الإرادة ،وبهذا يظهر معنى (أضعف الإيمان)، وأن المراد أقل ما يجب ،ومثله قوله صلى الله عليه و سلم في الحديث الآخر (ليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل) -13أن من لم يغير بقلبه فلاحظ له من هذا الإيمان ،وهو تغيير المنكر وجهاد أهله -14أن المطلوب تغيير المنكر لا مجرد الإنكار ،فإن أدى إلى منكر أكبر منه فإنه يصير الإنكار حينئذ منكرا ،ويكون التغيير – والحالة هذه– غير مستطاع شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
197 الحديث الخامس والثلاثون َع ْن أَبي هُريرةَ َر ِضي اللُ َع ْنهُ قا َل: قا َل رسو ُل اللِ َصلَّى اللُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم: (لا تَحا َسدوا ،ولا تَنا َجشوا ،ولا تَبا َغضوا ،ولا تَدابَروا ،ولا يَبِ ْع بَ ْعضك ْم علَى بَ ْيعِ بَ ْعض ،وكونوا ِعبا َد اللهِ إ ْخوانا الم ْسلِم أخو الم ْسلِ ِم ،لا يَ ْظلِمه ولا يَ ْخذله ،ولا يَ ْحقِره التَّقْ َوى هاهنا وي ِشير إلى َص ْد ِر ِه ثَلا َث َم َّرات ب َح ْس ِب ا ْم ِرئ ِم َن ال َّش ِّر أ ْن يَ ْحقِ َر أخاه الم ْسلِ َم، كل الم ْسلِ ِم علَى الم ْسلِ ِم َحرامَ ،دمه ،وماله ،و ِع ْرضه) رواه مسلم الشرح قوله\" :لا تَ َحا َسدوا \" أي لا يحسد بعضكم بعضا .وما هو الحسد؟ قال بعض أهل العلم :الحسد تمني زوال نعمة الله ع ّز وجل على الغير ،سواء كانت النعمة مالا أو جاها أو علما أو غير ذلك. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- الحسد :كراهة ما أنعم الله به على الغير وإن لم يتمن الزوال فمجرد أن تكره أن الله أنعم على هذا الرجل بنعمة فأنت حاسد. شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
198 \" َولا تَنَا َجشوا\" أي لا ينجش بعضكم على بعض ،وهذا في المعاملات ،ففي البيع المناجشة :أن يزيد في السلعة وهو لا يريد شراءها ،لكن يريد الإضرار بالمشتري أو نفع البائع ،أو الأمرين معا. مثال ذلك :عرضت سلعة في السوق فسعرها رجل بمائة ريال ،هذا الرجل تعدى عليه رجل آخر وقال :بمائة وعشرة قصده الإضرار به وزيادة الثمن عليه ،فهذا نجش ورجل آخر رأى رجلا يسعر سلعة وليس بينه وبينه شيء ،لكن السلعة لصديق له ،فأراد أن يزيد من أجل نفع صديقه البائع ،فهذا حرام ولا يجوز قالَ \" :ولا تَبَا َغضوا\" أي لا يبغض بعضكم بعضا ، والمعنى :لا تسعوا بأسباب البغضاء .وإذا وقع في قلوبكم بغض لإخوانكم فاحرصوا على إزالته من القلوب. \" َولا تَ َدابَروا\" إما في الظهور بأن يولي بعضكم ظهر بعض ،فلا يعط أحد منكم أخاه دبره (ظهره) حين يلقاه مقاطعة له . أولا تدابروا في الرأي ،بأن يتجه بعضكم ناحية والبعض الآخر ناحية أخرى شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
199 \" َولاَ يَبِع بَعضكم َعلَى بَي ِع بَعض \"مثال ذلك :رأيت رجلا باع على آخر سلعة بعشرة ،فأتيت إلى المشتري وقلت :أنا أعطيك مثلها بتسعة ،أو أعطيك خيرا منها بعشرة ،فهذا بيع على بيع أخيه، وهو حرام. \" َوكونوا ِعبَا َد اللهِ إخوانا\" أي تعاملوا معاملة الأخوة في المودة ، والرفق والشفقة والملاطفة ،والتعاون في الخير ،ونحو ذلك مع صفاء القلوب ،ومعلوم أن الإخوان يحب كل واحد منهم لأخيه ما يحب لنفسه . وقولهِ \" :عبَا َد اللهِ\" جملة اعتراضية ،المقصود منها الحث على هذه الإخوة ثم قال\" :المسلِم أَخو المسلِ ِم\" أي مثل أخيه في الولاء والمحبة والنصح وغير ذلك .لأنه يجمعهما دين واحد ،قال تعالى (( :إنما المؤمنون أخوة )) . \"لاَ يَظلِمه\" أي لا ينقصه حقه بالعدوان عليه ،أو جحد ما له ، سواء كان ذلك في الأمور المالية ،أو في الدماء ،أو في الأعراض ،في أي شيء . شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
200 \" َولاَ يَخذله\" أي لا يهضمه حقه في موضوع كان يحب أن ينتصر له ،فلا يترك نصرته المشروعة ،لأن من حقوق أخوة الإسلام : التناصر . \" َولاَ يَ ْحقِره\" أي لا يستصغر شأنه ويضع من قدره ،ويرى أنه أكبر منه ،وأن هذا لا يساوي شيئا ثم قال\" :التَّقوى َهاهنا\" يعني تقوى الله ع ّز وجل في القلب وليست في اللسان ولا في الجوارح ،وإنما اللسان والجوارح تابعان للقلب. \" َويشير إِلَى َصد ِر ِه ثَلا َث ِم َرات\" يعني قال :التقوى هاهنا ،التقوى هاهنا ،التقوى هاهنا ،تأكيدا لكون القلب هو المدبر للأعضاء . ثم قال\" :بِ َحس ِب ام ِرئ ِم َن ال َّش ِّر\" أي يكفيه من الشر . \"أن يحقر أخاه المسلم\" أي يكفي الإنسان من الإثم أن يحقر أخاه المسلم ،لأن حقران أخيك المسلم ليس بالأمر الهين. \"كل المسلِم َعلَى المسلِم َح َرام\" ثم فسر هذه الكلية بقولهَ \" :دمه َو َماله َو ِعرضه \"يعني أنه لا يجوز انتهاك دم الإنسان ولا ماله ولا عرضه ،كله حرام. الفوائد التربوية الحديث أصل في الأخوة الإيمانية وحقوقها ،وفيه من الفوائد : شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
Search
Read the Text Version
- 1
- 2
- 3
- 4
- 5
- 6
- 7
- 8
- 9
- 10
- 11
- 12
- 13
- 14
- 15
- 16
- 17
- 18
- 19
- 20
- 21
- 22
- 23
- 24
- 25
- 26
- 27
- 28
- 29
- 30
- 31
- 32
- 33
- 34
- 35
- 36
- 37
- 38
- 39
- 40
- 41
- 42
- 43
- 44
- 45
- 46
- 47
- 48
- 49
- 50
- 51
- 52
- 53
- 54
- 55
- 56
- 57
- 58
- 59
- 60
- 61
- 62
- 63
- 64
- 65
- 66
- 67
- 68
- 69
- 70
- 71
- 72
- 73
- 74
- 75
- 76
- 77
- 78
- 79
- 80
- 81
- 82
- 83
- 84
- 85
- 86
- 87
- 88
- 89
- 90
- 91
- 92
- 93
- 94
- 95
- 96
- 97
- 98
- 99
- 100
- 101
- 102
- 103
- 104
- 105
- 106
- 107
- 108
- 109
- 110
- 111
- 112
- 113
- 114
- 115
- 116
- 117
- 118
- 119
- 120
- 121
- 122
- 123
- 124
- 125
- 126
- 127
- 128
- 129
- 130
- 131
- 132
- 133
- 134
- 135
- 136
- 137
- 138
- 139
- 140
- 141
- 142
- 143
- 144
- 145
- 146
- 147
- 148
- 149
- 150
- 151
- 152
- 153
- 154
- 155
- 156
- 157
- 158
- 159
- 160
- 161
- 162
- 163
- 164
- 165
- 166
- 167
- 168
- 169
- 170
- 171
- 172
- 173
- 174
- 175
- 176
- 177
- 178
- 179
- 180
- 181
- 182
- 183
- 184
- 185
- 186
- 187
- 188
- 189
- 190
- 191
- 192
- 193
- 194
- 195
- 196
- 197
- 198
- 199
- 200
- 201
- 202
- 203
- 204
- 205
- 206
- 207
- 208
- 209
- 210
- 211
- 212
- 213
- 214
- 215
- 216
- 217
- 218
- 219
- 220
- 221
- 222
- 223
- 224
- 225
- 226
- 227
- 228
- 229
- 230
- 231
- 232
- 233
- 234
- 235
- 236
- 237
- 238