Important Announcement
PubHTML5 Scheduled Server Maintenance on (GMT) Sunday, June 26th, 2:00 am - 8:00 am.
PubHTML5 site will be inoperative during the times indicated!

Home Explore شرح الأربعين النووية

شرح الأربعين النووية

Published by مكتبة(ورتل) الإلكترونيه, 2021-05-17 10:11:27

Description: شرح الأربعين النووية

Search

Read the Text Version

‫‪151‬‬ ‫الفائدة السابعة ‪:‬يربي جانب الأخوة بين المسلمين في تعاونهم‬ ‫وتعاضدهم وتآخيهم لقوله \"وتعين الرجل في دابته فتحمله عليها‬ ‫أو ترفع له عليها متاعه‪\".‬‬ ‫الفائدة الثامنة ‪ :‬شكر النعم يكون بتسخيرها في طاعة الله كما قال‬ ‫الله آمرا آل داوود ( ا ْع َملوا آ َل َداوو َد ش ْكرا ) [سبأ‪]13‬‬ ‫الفائدة التاسعة ‪:‬فيه فضل الإصلاح بين الناس وأنه صدقة للمسلم‪.‬‬ ‫الفائدة العاشرة ‪:‬المسلم طيب لا يخرج من لسانه إلا الكلمة الطيبة‬ ‫من سلام وذكر ودعوة وقرآن وغير ذلك وكل هذا من الصدقة ‪.‬‬ ‫الفائدة الحادية عشرة ‪:‬فيه فضل المشي إلى الصلاة‪ ،‬خاصة إن‬ ‫كان المسجد بعيدا فكل خطوة صدقة‪.‬‬ ‫الفائدة الثانية عشرة‪:‬الحديث يحث المسلم على الاستمرار في‬ ‫الأعمال الصالحة في كل الأيام لا يقف عند حد‪ ،‬ولا يمل منها‪،‬‬ ‫وذلك لقوله \" كل يوم تطلع فيه الشمس‪ ،‬تعدل ‪ ،.....‬وذكر أنواع‬ ‫الأعمال الصالحة‪\".‬‬ ‫الفائدة الثالثة عشرة ‪:‬يدل الحديث على أن المسلم نافع مبارك في‬ ‫جميع أحواله‪ ،‬فإن كان لوحده ذكر الله فكان له بذلك صدقة ‪ ،‬وإن‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪152‬‬ ‫التقى مع غيره من المسلمين أعانهم وأحسن صحبتهم‪ ،‬وإن كان‬ ‫في طريق أماط الأذى فكان له بالجميع صدقة‪.‬‬ ‫الفائدة الرابعة عشرة ‪:‬ينبغي للإنسان أن يستغل أمور حياته‬ ‫الاعتيادية ليكسب من ورائها صدقات‪.‬‬ ‫فمن ضروريات الحياة أن يخالط الإنسان غيره‪ ،‬ويذهب لطلب‬ ‫رزقه‪ ،‬ويسافر‪ ،‬فعليه أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويبذل‬ ‫السلام ويميط الأذى ويعين المسلمين ويعطي الكلمة الطيبة فكل‬ ‫ذلك يكتبه الله له‬ ‫الفائدة الخامسة عشرة ‪:‬الإسلام يعود المسلم على المسؤولية عن‬ ‫كل ما يكون حوله فهو مسؤول عن أخيه المسلم وحاجاته‬ ‫ومسؤول عن الطريق فيميط ما فيه من أذى‪ ،‬ومسؤول عن‬ ‫المتخاصمين فيسعى للإصلاح بينهم فالإسلام لا يربي الناس على‬ ‫الأنانية وحب الذات فقط‪.‬‬ ‫الفائدة السادسة عشرة‪:‬المجتمع الإسلامي لا يرضى بوجود‬ ‫المخاصمات والتناحر بين أفراده بل يصلح بينهم فإن عجز شخص‬ ‫عن الإصلاح شارك غيره وهكذا حتى يلتئم الصف ويتوحد الشمل‪،‬‬ ‫ولذلك جعل الإصلاح بين الاثنين صدقة حتى يشارك الناس كلهم‬ ‫في هذه الصدقة‪.‬‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪153‬‬ ‫الفائدة السابعة عشرة ‪:‬الكلمة الطيبة بمفهومها العام هي التي‬ ‫ليس فيها أذى لغيره من المسلمين‪ ،‬فله بها صدقة ‪.‬‬ ‫الفائدة الثامنة عشرة ‪:‬الحديث يجعل المسلم مشارك متفاعل في‬ ‫قضايا مجتمعه من إصلاح أو نظافة أو تقديم خدمة فليس متوانيا‬ ‫أو كسولا اتكاليا على غيره انعزاليا عما حوله‪.‬‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪154‬‬ ‫الحديث السابع والعشرون‬ ‫عن النَّ َّوا ِس ب ِن َس ْمعا َن َر ِضي اللُ َعنْهُ‪،‬‬ ‫َع ِن النَّبِي َصلَّى اللُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم قا َل‪:‬‬ ‫{ا ْلبِر ح ْسن ا ْلخل ِق ‪َ ,‬وال ِإ ْثم َما َحا َك فِي نَ ْف ِس َك َو َك ِر ْه َت أ ْن يَطَّلِ َع‬ ‫عل ْي ِه النَّاس}‬ ‫رواه مسلم‬ ‫وعن وابِ َصةَ ب ِن َم ْعبَد َر ِضي اللُ َع ْنهُ قا َل‪:‬‬ ‫أتي ُت رسو َل اللِ َصلَّى اللُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم ‪ ،‬فَقا َل‪:‬‬ ‫\" ِج ْئ َت تَ ْسأَل َع ِن ا ْلبِ ِّر َوال ِإ ْث ِم ؟ \" ‪ ،‬قُ ْل ُت‪ :‬نَ َع ْم‪.‬‬ ‫قا َل‪ { :‬ا ْستَ ْف ِت قَ ْلبَ َك؛ ا ْلبِر َما ا ْط َمأنَّ ْت إِلَ ْي ِه النَّ ْفس َوا ْط َمأ َّن إِلَ ْي ِه‬ ‫ا ْلقَلْب‪َ ،‬وال ِإ ْثم َما َحا َك فِي النَّ ْف ِس َوتَ َر َّد َد فِي ال َّص ْد ِر َوإِ ْن أَ ْفتَا َك‬ ‫النَّاس َوأَ ْفتَ ْو َك }‬ ‫َحديث َح َسن َر َوينَاهُ في ُم ْسنَ َدي الإ َما َم ْي ِن أَ ْح َم َد ْب ِن َح ْنبَل وال َّدا ِر ِمي بإ ْسنَاد َح َسن‬ ‫تخريج الحديث‬ ‫بالنسبة لرواية وابصة بن معبد‬ ‫\"جئت تسأل عن البر‪\"...‬‬ ‫اختلف فيه وحسنه الألبانى في صحيح الترغيب وقال حسن لغيره‬ ‫أي له طريق اخر يقويه ولذلك قال حسن‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪155‬‬ ‫الشرح‬ ‫(البر) البر كلمة تدل على كثرة الخير‪ ،‬وهو عبارة عما اقتضاه‬ ‫الشرع وجوبا أو ندبا‬ ‫(حسن الخلق)‪ :‬أي حسن الخلق مع الله ‪ ،‬وحسن الخلق مع عباد‬ ‫الله‪ ،‬فأما حسن الخلق مع الله فأن تتلقى أحكامه الشرعية بالرضا‬ ‫والتسليم وأن لا يكون في نفسك حرجا منها ولا تضيق بها ذرعا‪،‬‬ ‫فإذا أمرك الله بالصلاة والزكاة والصيام وغيرها فإنك تقابل هذا‬ ‫بصدر منشرح‬ ‫وأيضا حسن الخلق مع الله في أحكامه القدرية ‪ ،‬فالإنسان ليس‬ ‫دائما مسرورا حيث يأتيه ما يحزنه في ماله أو في أهله أو في‬ ‫نفسه أو في مجتمعه والذي قدر ذلك هو الله عز وجل فيكون‬ ‫حسن الخلق مع الله بالرضا بأحكام الله وقدره‪ ،‬فتقوم بما أمرت به‬ ‫وتنزجر عما نهيت عنه ‪.‬‬ ‫أما حسن الخلق مع الناس فقد سبق أنه‪:‬‬ ‫بذل الندى وكف الأذى والصبر على الأذى ‪ ،‬وطلاقة الوجه‬ ‫وهذا هو البر والمراد به البر المطلق‪ ،‬وهناك بر خاص كبر‬ ‫الوالدين مثلا وهو‪ :‬الإحسان إليهما بالمال والبدن والجاه وسائر‬ ‫الإحسان‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪156‬‬ ‫وهل يدخل بر الوالدين في قوله ( حسن الخلق) ؟‬ ‫فالجواب ‪ :‬نعم يدخل لأن بر الوالدين لا شك أنه خلق حسن‬ ‫محمود‪ ،‬يحمد فاعله عليه‬ ‫(والإثم) الذنب وهو ضد البر لأن الله تعالى قال ‪َ ( :‬وتَ َعا َونوا َعلَى‬ ‫ا ْلبِ ِّر َوالتَّقْ َوى َولا تَ َعا َونوا َعلَى ا ْل ِأ ْث ِم َوا ْلع ْد َوا ِن) (المائدة‪ :‬الآية‪)2‬‬ ‫فما هو الإثم ؟‬ ‫( الإثم ما حاك في نفسك ) أي تردد وصرت منه في قلق‬ ‫((وكرهت أن يطلع عليه الناس)) أى وجوه الناس الذين يستحى‬ ‫منهم‪ ،‬لأنه محل ذم وعيب ‪ ،‬فتجدك مترددا فيه وتكره أن يطلع‬ ‫الناس عليك‬ ‫وهذه الجملة إنما هي لمن كان قلبه صافيا سليما‪ ،‬فهذا هو الذي‬ ‫يحوك في نفسه ماكان إثما ويكره ان يطلع عليه الناس‬ ‫أما المتمردون الخارجون عن طاعة الله الذين قست قلوبهم‬ ‫فهؤلاء لا يبالون ‪ ،‬بل ربما يتبجحون بفعل المنكر والإثم‬ ‫فالكلام هنا ليس عاما لكل أحد بل هو خاص لمن كان قلبه سليما‬ ‫طاهرا نقيا‪ ،‬فإنه إذا هم بإثم وإن لم يعلم أنه إثم من قبل الشرع‬ ‫تجده مترددا يكره أن يطلع الناس عليه‬ ‫وهذا ضابط وليس بقاعدة ‪ ،‬أي علامة على الإثم في قلب المؤمن‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪157‬‬ ‫\"اطمأنت إليه النفس\" ‪ :‬سكنت إليه النفس الطيبة ‪.‬‬ ‫\"أفتاك الناس\" ‪ :‬علماؤهم ‪ ،‬كما في الرواية ‪( ،‬وإن أفتاك المفتون)‬ ‫\"وأفتوك\" ‪ :‬بخلافه ‪ ،‬لأنهم إنما يقولون على ظواهر الأمور دون‬ ‫بواطنها‬ ‫الفوائد التربوية‬ ‫الفائدة الأولى‪ :‬فيه فضل حسن الخلق وأنه البر ‪.‬‬ ‫الفائدة الثانية‪ :‬الأخلاق تختلف في الحسن‪ ،‬وكلما كان الخلق حسنا‬ ‫كلما كان أعظم في البر ‪.‬‬ ‫الفائدة الثالثة‪ :‬البر عليه نور يعرفه كل أحد‪ ،‬والإثم يسبب شكا‬ ‫وقلقا‬ ‫الفائدة الرابعة‪ :‬الشريعة في مجملها واضحة بينة من حيث البر‬ ‫والإثم بحيث لا يلتبس الحق بالباطل ‪.‬‬ ‫الفائدة الخامسة‪ :‬الله فطر عباده على معرفة الحق والسكون إليه‬ ‫وقبوله‪ ،‬والنفرة من ضده وذلك في الجملة‪ ،‬ولهذا قال في الحديث‬ ‫\"البر ما اطمأنت إليه النفس\" ‪.‬‬ ‫الفائدة السادسة‪ :‬دل على أن النفس تطمئن للخير والبر‪ ،‬ولذلك‬ ‫يصلح لها ولحياتها ‪.‬‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪158‬‬ ‫الفائدة السابعة‪ :‬من علامات البر ارتياح النفس له واطمئنانها به‬ ‫وسكونها إليه في داخلها‪ ،‬وهذا مجرد علامة لا أن ذلك دليل‪،‬‬ ‫وإنما في جملة الأمر إذا كان من البر فيسبب راحة للضمير ‪.‬‬ ‫الفائدة الثامنة‪ :‬من علامات الإثم أنه يسبب حرجا للنفس وضيقا‬ ‫لها‬ ‫الفائدة التاسعة‪ :‬البر لا يستحى من فعله في خلوات الإنسان وفي‬ ‫المجتمعات العامة بخلاف الإثم فإن فعله في الخلوة يسبب الحرج‬ ‫والضيق وفعله في العلانية يستحى منه‪ ،‬ولهذا قال عن الإثم \"ما‬ ‫حاك في نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس \"‪.‬‬ ‫الفائدة العاشرة‪ :‬الحديث أصل في باب الورع ‪.‬‬ ‫الفائدة الحادية عشرة‪ :‬البر يشمل القيام بحقوق الله‪ ،‬والقيام‬ ‫بحقوق الخلق‪ ،‬ويدل على ذلك اختلاف الروايتين في تفسير البر‬ ‫فقال في الرواية الأولى \"البر حسن الخلق\" وهذا القيام بحقوق‬ ‫الخلق‬ ‫وفي الرواية الثانية \" البر ما اطمأنت إليه النفس\" وهذا القيام‬ ‫بحقوق الله‪ ،‬لأنه فيما بين الإنسان وبين ربه‬ ‫الفائدة الثانية عشرة‪ :‬يدل على أن الإنسان لا يفعل مثلما يفعل‬ ‫سائر الناس سواء كان الفعل حلالا أو حراما‪ ،‬بل يتأنى و يستفتي‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪159‬‬ ‫أهل العلم‪ ،‬فإن لم يجد‪ ،‬نظر في ذلك الفعل أي العلامات تنطبق‬ ‫عليه‪ ،‬علامات البر أم الإثم؟‬ ‫الفائدة الثالثة عشرة‪ :‬يدل على أن الإنسان في فتواه قد يجانب‬ ‫الصواب‪ ،‬ومع ذلك لم يحكم بتأثيمه أو انتقاصه ما دام بذل وسعه‬ ‫واجتهد‪ ،‬ولهذا قال \" وإن أفتاك الناس وأفتوك\" ‪.‬‬ ‫الفائدة الرابعة عشرة‪ :‬الطاعات تجلب السعادة للمؤمن لأنها من‬ ‫البر الذي تطمئن إليه النفس ‪.‬‬ ‫الفائدة الخامسة عشرة‪ :‬المعاصي والذنوب تجلب الشقاء للإنسان‬ ‫لأنها من الإثم الذي يتردد في الصدر ويسبب الحرج والضيق ‪.‬‬ ‫الفائدة السادسة عشرة‪ :‬دل على أن الإكثار من أعمال البر والخير‬ ‫يزيد النفس طمأنينة و سكونا وانشراحا‪.‬‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪160‬‬ ‫الحديث الثامن والعشرون‬ ‫َع ْن أَبي نَ ِجيح ال ِع ْربا ِض ب ِن َساريةَ َر ِضي اللُ َع ْنهُ قا َل‪:‬‬ ‫َو َعظَنا َر ُسو ُل اللِ َصلَّى اللُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم َم ْو ِعظَةً َو ِجلَ ْت ِم ْنها القُلو ُب‪،‬‬ ‫َو َذ َرفَ ْت ِم ْنها ال ُعيُو ُن ‪ ,‬فَقُ ْلنا‪ :‬يا رسو َل اللِ ‪َ ،‬كأنَّها َم ْو ِع َظةُ ُمودع‬ ‫فَأَ ْو ِصنا‬ ‫قا َل‪ { :‬أو ِصيك ْم بِتَ ْق َوى اللهِ َع َّز َو َج َّل‪َ ،‬وال َّس ْم ِع َوالطَّا َع ِة‪َ ،‬وإِ ْن تَأَ َّم َر‬ ‫َعلَ ْيك ْم َع ْبد‪ ،‬فَإِنَّه َم ْن يَ ِع ْش ِم ْنك ْم فَ َسيَ َرى ا ْختِلاَفا َكثِيرا‪ ,‬فَ َعلَ ْيك ْم‬ ‫بِسنَّتِي َوسنَّ ِة ا ْلخلَفَا ِء ال َّرا ِش ِدي َن ا ْل َم ْه ِديِّي َن ‪َ ,‬عضوا َعلَ ْي َها بِالنَّ َوا ِج ِذ‪،‬‬ ‫َوإِيَّاك ْم َوم ْح َدثَا ِت الأمو ِر؛ فَإِ َّن ك َّل بِ ْد َعة َضلاَلَة }‬ ‫رواهُ أبو دا ُو َد والتر ِم ِذي‬ ‫وقا َل‪ :‬حديث َح َسن صحيح‬ ‫الشرح‬ ‫قوله‪َ \" :‬و َعظَنا\" أي نصحنا وذكرنا‬ ‫والوعظ‪ :‬التذكير بما يلين القلب سواء كانت الموعظة ترغيبا أو‬ ‫ترهيبا‪ ،‬وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعظ أصحابه أحيانا‬ ‫وقوله‪َ \" :‬وجلَت ِمن َها ا ْلقلوب\"‪ ،‬أي خافت منها القلوب كما قال الله‬ ‫تعالى‪ ( :‬الَّ ِذي َن إِ َذا ذ ِك َر ال َّله َو ِجلَ ْت قلوبه ْم ) (الأنفال‪ :‬الآية ‪)2‬‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪161‬‬ ‫\" َو َذ َرفَت ِمن َها العيون أي ذرفت الدموع‪ ،‬وهو كناية عن البكاء‬ ‫\" فَقلنَا يَا َرسول الله‪َ :‬كأنَّها\" أي هذه الموعظة \" َمو ِعظَةَ م َو ِّدع \"‬ ‫فهموا ذلك من مبالغته صلى الله عليه وسلم في تخويفهم‬ ‫وتحذيرهم ‪ ،‬فظنوا أن ذلك لقرب مفارقته لهم‬ ‫ولتأثيرها في إلقائها‪ ،‬وفي موضوعها‪ ،‬وفي هيئة الواعظ لأن كل‬ ‫هذا مؤثر‪ ،‬فتأثير المواعظ له أسباب منها ‪ :‬الموضوع‪ ،‬وحال‬ ‫الواعظ‪ ،‬وانفعاله‬ ‫فأوصنا‪ :‬وصية جامعة كافية‬ ‫\"قَا َل أوصيكم بِتَق َوى الله ع ّز وجل\"‬ ‫هذه الوصية مأخوذة من قول الله تعالى‪َ ( :‬ولَقَ ْد َو َّص ْينَا الَّ ِذي َن أوتوا‬ ‫ا ْل ِكتَا َب ِم ْن قَ ْبلِك ْم َوإِيَّاك ْم أَ ِن اتَّقوا ال َّلهَ) (النساء‪ :‬الآية ‪)131‬‬ ‫فتقوى الله رأس كل شيء‬ ‫ومعنى التقوى‪ :‬طاعة الله بامتثال أمره واجتناب نهيه على علم‬ ‫وبصيرة‬ ‫ولهذا قال بعضهم في تفسيرها‪ :‬أن تعبد الله على نور من الله‪،‬‬ ‫ترجو ثواب الله‪ ،‬وأن تترك ما حرم الله‪ ،‬على نور من الله‪ ،‬تخشى‬ ‫عقاب الله‪.‬‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪162‬‬ ‫\" َوال َّسمع والطَّا َعة\" أي لولاة الأمر بدليل قوله َوإِن تَأ َّمر َعليكم‬ ‫عبد والسمع والطاعة بأن تسمع إذا تكلم‪ ،‬وأن تطيع إذا أمر‬ ‫وانظر كيف أن النبي صلى الله عليه وسلم خصها بالذكر بعد ذكر‬ ‫التقوى مع أن السمع والطاعة من تقوى الله لأهميتها‬ ‫\" َوإن تَأ َّمر َعلَيكم\" أي صار أميرا \"عبد\" أي مملوكا ‪.‬‬ ‫\"فإِنَّه َمن يَ ِعش ِمنكم\" أي تطول به الحياة \"فَ َسيَ َرى اختِلاَفا كثيرا \"‬ ‫في العقيدة‪ ،‬وفي العمل ‪ ،‬وفي المنهج‪ ،‬وهذا الذي حصل‪،‬‬ ‫فالصحابة رضي الله عنهم الذين عاشوا طويلا وجدوا من‬ ‫الاختلاف والفتن والشرور ما لم يكن لهم في الحسبان‪ .‬ثم أرشدهم‬ ‫صلى الله عليه وسلم إلى ما يلزمونه عند هذا الاختلاف‪،‬فقال‪:‬‬ ‫‪\" ‬فَ َعلَيكم بِ َّسنتي\" أي الزموا سنتي‬ ‫والمراد بالسنة هنا‪ :‬الطريقة التي هو عليها ‪ ،‬فلا تبتدعوا في‬ ‫دين الله ع ّز وجل ما ليس منه ‪،‬ولا تخرجوا عن شريعته ‪.‬‬ ‫‪َ \" ‬وسنَّ ِة الخلَفَا ِء ال َرا ِشدين\"‬ ‫الخلفاء الذين يخلفون رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمته‪،‬‬ ‫وعلى رأسهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه‪ .‬فإن أبا بكر الصديق‬ ‫رضي الله عنه هو الخليفة الأول لهذه الأمة‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪163‬‬ ‫ثم الخليفة من بعده عمر بن الخطاب رضي الله عنه لأنه أولى‬ ‫الناس بالخلافة بعد أبي بكر الصديق رضي الله عنه فإنهما صاحبا‬ ‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪،‬فرأى أبو بكر رضي الله عنه أن‬ ‫أحق الناس بالخلافة عمر رضي الله عنه‪ .‬ثم صارت الخلافة‬ ‫لعثمان رضي الله عنه بمشورة معروفة رتبها عمر رضي الله‬ ‫عنه‪ ،‬ثم صارت بعد ذلك لعلي رضي الله عنه هؤلاء هم الخلفاء‬ ‫الراشدون لا إشكال فيهم ‪.‬‬ ‫وقوله‪\" :‬المهديين\" صفة مؤكدة لما سبق‪ ،‬لأنه يلزم من كونهم‬ ‫راشدين أن يكونوا مهديين‪ ،‬إذ لا يمكن رشد إلا بهداية‬ ‫وعليه فالصفة هنا صفة توكيد ‪،‬يعني أنهم رشدوا لأنهم مهديون‬ ‫\" َعضوا َعلَي َها\" أي على سنتي وسنة الخلفاء‬ ‫\"عضوا\" ‪ :‬بفتح العين‬ ‫\"بالنَّ َوا ِج ِذ\" وهي أقصى الأضراس‬ ‫وهذا كناية عن شدة التمسك بها‪ ،‬أي أن الإنسان يتمسك بهذه‬ ‫السنة حتى يعض عليها بأقصى أضراسه ‪.‬‬ ‫\" َوإيَّاكم\" لما حث على التمسك بالسنة حذر من البدعة‬ ‫\" َوإيَّاكم َومح َدثَا ِت الأمور\" أي اجتنبوها‪ ،‬والمراد بالأمور هنا‬ ‫الشؤون‪ ،‬والمراد بالشؤون شؤون الدين‪ ،‬لا المحدثات في أمور‬ ‫الدنيا‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪164‬‬ ‫لأن المحدثات في أمور الدنيا منها ما هو نافع فهو خير‪ ،‬ومنها ما‬ ‫هو ضار فهو شر‪ ،‬لكن المحدثات في أمور الدين كلها شر‬ ‫\"فَإِ َّن كل بِد َعة َضلالَة\" أي كل بدعة في دين الله ع ّز وجل فهي‬ ‫ضلالة‬ ‫الفوائد التربوية‬ ‫هذا الحديث أصل في الاعتصام بسنة الرسول وسنة الخلفاء‬ ‫الراشدين‪ ،‬وفيه من الفوائد‪:‬‬ ‫‪ - 1‬أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعظ أصحابه بالترغيب‬ ‫والترهيب ‪.‬‬ ‫‪ - 2‬استحباب الوعظ والتذكير ‪.‬‬ ‫‪ - 3‬فضل الصحابة ‪ -‬رضي الله عنهم ‪ -‬لتأثرهم بالموعظة‪.‬‬ ‫‪ - 4‬أن وجل القلب ودمع العين علامة التأثر بالموعظة رغبة‬ ‫ورهبة ‪.‬‬ ‫‪ - 5‬طلب الصحابة الوصية من النبي صلى الله عليه وسلم‬ ‫‪ - 6‬استحباب طلب الوصية من العالم وأنها ليست من السؤال‬ ‫المذموم‪ ،‬وكذلك السؤال عن العلم ‪.‬‬ ‫‪ - 7‬الوصية بتقوى الله وهي وصية الله للأولين والآخرين‪.‬‬ ‫‪ - 8‬الوصية بالسمع والطاعة لولي الأمر ما لم يأمر بمعصية وإن‬ ‫لم يكن ذا حسب ولا نسب ‪.‬‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪165‬‬ ‫‪ - 9‬إخبار النبي صلى الله عليه وسلم ع ّما سيكون من الاختلاف‪،‬‬ ‫وقد وقع كما أخبر‪ ،‬ففيه ‪ :‬علم من أعلام النبوة‪.‬‬ ‫‪ - 10‬الواجب عند الاختلاف الاعتصام بسنة الرسول صلى‬ ‫الله عليه وسلم فإن لم تكن فبسنة الخلفاء الراشدين ويشهد لهذا‬ ‫من القرآن قوله تعالى ‪ {:‬فَإِن تَنَا َز ْعت ْم فِي َش ْيء فَردوه إِلَى ال ّلهِ‬ ‫َوال َّرسو ِل} [النساء ‪]59 :‬‬ ‫‪ - 11‬فضل الخلفاء الراشدين المهديين للأمر بالأخذ بسنتهم‬ ‫ووصفهم بالرشد والهدى‪ ،‬والمراد بهم أبو بكر وعمر وعثمان‬ ‫وعلي ‪-‬رضي الله عنهم‪ . -‬وقد صار هذا الوصف علما عليهم ‪.‬‬ ‫‪ - 12‬تأكيد الأمر بالتمسك بسنته صلى الله عليه وسلم وسنة‬ ‫الخلفاء الراشدين‪ ،‬لقوله \" تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ\" ‪.‬‬ ‫‪ - 13‬التحذير من المحدثات في الدين في عقائده‬ ‫‪ - 14‬أن كل بدعة ضلالة ‪.‬‬ ‫‪ - 15‬الرد على من يقسم البدعة إلى حسنة وسيئة ‪.‬‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪166‬‬ ‫الحديث التاسع والعشرون‬ ‫عن معا ِذ ب ِن َجبَل َر ِضي اللُ َع ْنهُ‪ ،‬قا َل‪:‬‬ ‫قُ ْل ُت‪ ( :‬يا َر ُسو َل اللِ‪ ،‬أَ ْخبِ ْرنِي بِ َع َمل يُ ْد ِخلُني ال َجنَّةَ ويُبا ِع ُدني ِم َن‬ ‫النَّا ِر )‬ ‫قا َل‪ { :‬لَقَ ْد َسأَ ْل َت َع ْن َع ِظيم‪َ ،‬وإِنَّه لَيَ ِسير َعلَى َم ْن يَ َّس َره الله َعلَ ْي ِه؛‬ ‫تَ ْعبد اللهَ لاَ ت ْش ِرك بِ ِه َش ْيئا‪َ ،‬وتقِيم ال َّصلاَةَ ‪َ ,‬وت ْؤتِي ال َّز َكاةَ‪َ ،‬وتَصوم‬ ‫َر َم َضا َن‪َ ،‬وتَحج ا ْلبَ ْي َت }‪.‬‬ ‫ث َّم قَا َل‪{ :‬أَلاَ أَدل َك َعلَى أَ ْب َوا ِب ا ْل َخ ْي ِر؟ ال َّص ْوم جنَّة‪َ ،‬وال َّص َدقَة ت ْطفِئ‬ ‫ا ْل َخ ِطيئَةَ َك َما ي ْطفِئ ا ْل َماء النَّا َر‪َ ،‬و َصلاَة ال َّرج ِل ِم ْن َج ْو ِف اللَّ ْي ِل } ‪.‬‬ ‫ث َّم تَلاَ‪ ( :‬تَتَ َجافَ َٰى جنوبه ْم َع ِن ا ْل َم َضا ِج ِع يَ ْدعو َن َربَّه ْم َخ ْوفا َوطَ َمعا‬ ‫َو ِم َّما َر َز ْقنَاه ْم ينفِقو َن • فَ َلا تَ ْعلَم نَ ْفس َّما أ ْخفِ َي لَهم ِّمن ق َّر ِة أَ ْعين‬ ‫َج َزاء بِ َما َكانوا يَ ْع َملو َن )‪ ،‬ث َّم قا َل‪ { :‬أَلاَ أ ْخبِر َك بِ َرأ ِس الأَ ْم ِر‬ ‫َو َعمو ِد ِه َو ِذ ْر َو ِة َسنَا ِم ِه؟ }‬ ‫ق ْلت‪ :‬بَلى يَا رسو َل اللهِ‪.‬‬ ‫قا َل‪َ { :‬ر ْأس الأَ ْم ِر ال ِإ ْسلاَم‪َ ،‬و َعموده ال َّصلاَة‪َ ،‬و ِذ ْر َوة َسنَا ِم ِه‬ ‫ا ْل ِج َهاد}‪ ،‬ث َّم قا َل‪ { :‬أَلاَ أ ْخبِر َك بِ ِملاَ ِك َذلِ َك كلِّ ِه؟ }‬ ‫قلت‪ :‬بلى يا رسو َل اللهِ‪ .‬فَأَ َخ َذ بِلِ َسانِ ِه وقا َل‪ { :‬ك َّف َعلَ ْي َك َه َذا } ‪.‬‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪167‬‬ ‫ق ْلت‪ :‬يا نَبِ َّي اللهِ‪ ،‬وإِنَّا لَم َؤا َخذو َن بِ َما نَتَ َكلَّم به؟‬ ‫فقا َل‪ { :‬ثَ ِكلَ ْت َك أم َك يا معاذ ‪َ ،‬و َه ْل يَكب النَّا َس فِي النَّا ِر َعلَى‬ ‫وجو ِه ِه ْم أو قا َل‪َ :‬علَى َمنَا ِخ ِر ِهم إِلاَّ َح َصائِد أَ ْل ِسنَتِ ِه ْم } ‪.‬‬ ‫رواه الترمذي ‪ ,‬وقا َل‪ :‬حديث حسن َصحيح‬ ‫تخريج الحديث‬ ‫اختلف فيه العلماء بين الصحة والتضعيف وقال عنه الألباني‬ ‫صحيح‬ ‫الشرح‬ ‫ِه َمم الصحابة رضي الله عنهم عالية‪ ،‬فلم يقل ‪:‬أخبرني بعمل‬ ‫أكسب فيه العشرة عشرين أو ثلاثين أو ما أشبه بذلك ‪ ،‬بل قال‪:‬‬ ‫\"أَخبِرنِي بِ َع َمل يد ِخلني ال َجنَّةَ َويبَاعدني من النا َر ‪ \"...‬أي يكون‬ ‫سببا لدخول الجنة والبعد عن النار‬ ‫فقال النبي صلى الله عليه وسلم‪:‬‬ ‫\"لَقَد َسأَل َت َع ْن َعظيم\" ‪ :‬عن عمل عظيم ‪ ،‬لأن دخول الجنة‬ ‫والنجاة من النار أمر عظيم جدا‪ ،‬لأجله أنزل الله الكتب ‪ ،‬وأرسل‬ ‫الرسل‪ ،‬فهذا هو الفوز والفلاح قال الله ع ّز وجل‪ ( :‬فَ َم ْن ز ْح ِز َح‬ ‫َع ِن النَّا ِر َوأ ْد ِخ َل ا ْل َجنَّةَ فَقَ ْد فَا َز ) (آل عمران‪ :‬الآية‪)185‬‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪168‬‬ ‫ولهذا وصفه النبي صلى الله عليه وسلم بأنه عظيم‬ ‫\" َوإِنه ليَسير َعلى ِم ْن يَس َره الله َعلَيه\" ‪ :‬من يسره الله عليه‬ ‫بتوفيقه إلى القيام بالطاعات على ما ينبغي‪ ،‬وصدق النبي صلى‬ ‫الله عليه وسلم فإن الدين الإسلامي مبني على اليسر‬ ‫قال الله تعالى‪ ( :‬ي ِريد ال َّله بِكم ا ْلي ْس َر َولا ي ِريد بِكم ا ْلع ْس َر )‬ ‫(البقرة‪ :‬الآية‪)185‬‬ ‫وقال صلى الله عليه وسلم‪\" :‬إِ َّن هذا الدين يسر‪َ ،‬ولَن ي َشاد الدي َن‬ ‫أَ َحد إِلاَّ َغلَبَه\" فهو يسير لكن لمن يسره الله تعالى عليه‪ ،‬ثم شرح‬ ‫ذلك فقال‪:‬‬ ‫\" تَعب َد اللهَ\" توحده‪ ،‬وتتذلل له بالعبادة حبا وتعظيما‪ ،‬لا تعبد الله‬ ‫وأنت تعتقد أن لك الفضل على الله‪ ،‬فتكون كمن قال الله‬ ‫فيهم‪( :‬يَمنو َن َعلَيْ َك أَ ْن أَ ْسلَموا ق ْل لا تَمنوا َعلَ َّي إِ ْسلا َمك ْم)‬ ‫(الحجرات‪ :‬الآية‪)17‬‬ ‫هذا وهم لم يمنوا على الله تعالى‪ ،‬بل على الرسول صلى الله عليه‬ ‫وسلم فقط‪ ،‬اعبد الله تعالى تذللا له ومحبة وتعظيما‪ ،‬فبالمحبة‬ ‫تفعل الطاعات‪ ،‬وبالتعظيم تترك المعاصي‬ ‫\"لا تش ِرك بِ ِه شيئا\" فلا تشرك به شيئا لا ملكا مقربا‪،‬ولا نبيا‬ ‫مرسلا‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪169‬‬ ‫قال‪َ \" :‬وتقيم ال َصلاةَ‪َ ،‬وتؤتي الز َكاةَ‪َ ،‬وتَصوم َر َم َضا َن‪َ ،‬وتَحج البَي َت\"‬ ‫هذه أركان الإسلام الخمسة‬ ‫ثم قال ‪:‬‬ ‫\"أَلاَ أَدل َك َعلَى أَب َوا ِب ال َخي ِر\" أبواب الخير من النوافل‪ ،‬لأنه قد دله‬ ‫على واجبات الإسلام من قبل‬ ‫قال‪\" :‬ال َّصوم جنة\" أي وقاية لصاحبه من المعاصي في الدنيا‪،‬‬ ‫ومن النار في الآخرة‬ ‫\" َوال َّص َدقَة تطفِىء ال َخطيئَة َك َما يطفِىء ال َماء النَّا َر\" الصدقة مطلقا‬ ‫سواء الزكاة الواجبة أو التطوع‪ ،‬و سواء كانت قليلة أو كثيرة‪.‬‬ ‫\"تطفِىء ال َخطيئَة\" أي خطيئة بني آدم‪ ،‬وهي المعاصي‪َ \" .‬ك َما‬ ‫يطفِىء ال َماء النَّا َر\"‪ ،‬فشبه النبي صلى الله عليه وسلم الأمر‬ ‫المعنوي بالأمر الحسي‪.‬‬ ‫\" َو َصلاة ال ّرجل من َجو ِف اللَّي ِل\" هذه معطوفة على قوله \"الصدقة\"‬ ‫أي وصلاة الرجل في جوف الليل أيضا تطفىء الخطيئة‪ ،‬وجوف‬ ‫الليل وسطه‬ ‫ثم تلا ‪ :‬أي قرأ(تَتَ َجافَى جنوبه ْم َع ِن ا ْل َم َضا ِج ِع) هذا في وصف‬ ‫المؤمنين‪ ،‬أي أنهم لا ينامون (يَ ْدعو َن َربَّه ْم َخ ْوفا َو َط َمعا) إن‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪170‬‬ ‫ذكروا ذنوبهم خافوا‪ ،‬وإن ذكروا فضل الله طمعوا‪ ،‬فهم بين‬ ‫الخوف و الرجاء‪َ ( ،‬و ِم َّما َر َز ْقنَاه ْم ي ْنفِقو َن)‬ ‫( من ) هنا ‪ :‬إما أن تكون للتبعيض والمعنى ينفقون بعضها‪،‬‬ ‫أو تكون للبيان‪ ،‬والمعنى ينفقون مما رزقهم الله ع ّز وجل قليلا‬ ‫كان أو كثيرا‬ ‫(فَلا تَ ْعلَم نَ ْفس َما أ ْخفِ َي لَه ْم ِم ْن ق َّر ِة أَ ْعين َج َزاء بِ َما َكانوا‬ ‫يَ ْع َملو َن) (السجدة‪ ، )17:‬استشهد النبي صلى الله عليه وسلم بهذه‬ ‫الآية على فضيلة قيام الليل‬ ‫ثم قال‪\" :‬أَلاَ أخبِر َك بِ َرأَ ِس الأَم ِر‪َ ،‬و َعمو ِده ‪،‬و ِذر َو ِة ِسنَا ِم ِه\"‬ ‫ثلاثة أشياء‪\" :‬قلت‪ :‬بَلَى يَا َرسو َل الله‪ ،‬قَا َل‪َ \":‬رأَس الأَم ِر ال ِإسلام \"‬ ‫أمر الإنسان الذي من أجله خلِ َق‪ ،‬رأسه الإسلام ‪ ،‬أي أن يسلم لله‬ ‫تعالى ظاهرا وباطنا بقلبه وجوارحه ‪.‬‬ ‫\" َو َعمو ِد ِه الصلاة\" أي عمود الإسلام الصلوات ‪،‬والمراد بها‬ ‫الصلوات الخمس‪ ،‬وعمود الخيمة ما تقوم عليه‪ ،‬وإذا أزيل‬ ‫سقطت ‪.‬‬ ‫\" َو ِذر َو ِة ِسنَا ِم ِه ال ِج َهاد \" ذكر الجهاد أنه ذروة السنام‪،‬‬ ‫لأن الذروة أعلى شيء ‪ ،‬وبالجهاد يعلو الإسلام ‪ ،‬فجعله ذروة‬ ‫سنام الأمر أي الطرف الأعلى منه‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪171‬‬ ‫قال الله تعالى‪َ ( :‬ولا تَ ِهنوا َولا تَ ْح َزنوا َوأَ ْنتم ا ْلأَ ْعلَ ْو َن إِ ْن كنْت ْم‬ ‫م ْؤ ِمنِي َن) (آل عمران‪)139:‬‬ ‫وقوله‪\" :‬الجهاد\" يعني في سبيل الله ع ّز وجل والجهاد في سبيل‬ ‫الله بينه النبي صلى الله عليه وسلم أتم بيان‪،‬‬ ‫فقد سئل عن الرجل يقاتل حمية‪ ،‬ويقاتل شجاعة‪ ،‬ويقاتل ليرى‬ ‫مكانه‪ ،‬أي ذلك في سبيل الله؟ فقال‪َ \" :‬من قَاتَ َل لِتَكو َن َكلِ َمة اللهِ هي‬ ‫العليَا فَه َو في َسبي ِل اللهِ\"‬ ‫فهو لم يجب عن الثلاثة التي سئل عنها بل ذكر عبارة عامة‪،‬‬ ‫فقال‪َ \" :‬من قَاتَ َل لِتَكو َن َكلِ َمة اللهِ هي العليَا فَه َو في َسبي ِل اللهِ \"‬ ‫ثم قال‪:‬‬ ‫\"أَلاَ أخبِر َك بِ ِملاَ ِك َذل َك كله\" ملاك الشيء ما يملك به‪ ،‬والمعنى ما‬ ‫تملك به كل هذا‬ ‫\"قلت‪ :‬بَلَى يَا َرسول الله‪ ،‬قَا َل‪ :‬فَأَخذ بِلِسانِ ِه َوقَا َل‪ :‬ك َّف َعلي َك َهذا\"‬ ‫أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بلسان نفسه وقال‪\":‬ك َّف َعلي َك َهذا\"‬ ‫أي لاتطلقه في القيل والقال‪،‬‬ ‫\"قلت‪ :‬يَا نَب َّي الله َوإِنَّا لَمؤا ِخذو َن بِما نَتَ َكلّم بِه \"الجملة خبرية لكنها‬ ‫استفهامية‪ ،‬والمعنى‪ :‬أإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟‬ ‫يعني أن معاذا رضي الله عنه تعجب كيف يؤاخذ الإنسان بما يتكلم‬ ‫به‪ .‬فقال النبي صلى الله عليه وسلم حثا على أن يفهم‪:‬‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪172‬‬ ‫\"ثَ ِكلَت َك أم َك يَا م َعاذ\" أي فقدتك‪ ،‬وهذه الكلمة يقولها العرب‬ ‫للإغراء والحث‪ ،‬ولا يقصدون بها المعنى الظاهر‪ ،‬وهو أن تفقده‬ ‫أمه‪ ،‬لكن المقصود بها الحث والإغراء‬ ‫\" َو َهل يَكب النَّا َس في النا ِر َعلى وجو ِههم‪ ،‬أَو قَا َل‪َ :‬علَى‬ ‫منَا ِخر ِهم\" هذا شك من الراوي‬ ‫\"إِلا َحصائد أَل ِسنَتِهم\" أي ما يحصدون بألسنتهم من الأقوال ‪.‬‬ ‫لما قال هذا الكلام اقتنع معاذ رضي الله عنه وعرف أن ملاك الأمر‬ ‫كف اللسان‪ ،‬لأن اللسان قد يقول الشرك‪ ،‬وقد يقول الكفر‪ ،‬وقد‬ ‫يقول الفحشاء‪ ،‬فهو ليس له حد‪.‬‬ ‫فوائد الحديث‬ ‫الحديث أصل في جوامع أسباب السعادة‪،‬‬ ‫وفيه ‪...‬‬ ‫‪ - 1‬إثبات الجنة والنار ‪.‬‬ ‫‪ - 2‬أن للنجاة من النار ودخول الجنة أسبابا ‪.‬‬ ‫‪ - 3‬أن هذه الأسباب إنما تعرف بخبر الرسل ‪.‬‬ ‫‪ - 4‬عظم شأن هذه الأسباب وأنها شاقة إلا على من يسرها الله‬ ‫عليه‪ ،‬ففيه شاهد لقوله صلى الله عليه وسلم ‪\" :‬حفت الجنة‬ ‫بالمكاره ‪\".‬‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪173‬‬ ‫‪ - 5‬أن أسباب السعادة في الآخرة أهم المهمات ‪.‬‬ ‫‪ - 6‬أن من الحزم والعقل الاهتمام بمعرفة هذه الأسباب ‪.‬‬ ‫‪ - 7‬فضيلة معاذ رضي الله عنه ‪.‬‬ ‫‪ - 8‬أن العمل بأسباب السعادة إنما يكون بتيسير الله ‪.‬‬ ‫‪ - 9‬أن أصول أسباب النجاة هي مباني الإسلام الخمسة ‪.‬‬ ‫‪ - 10‬أن أصل الدين عبادة الله وحده لا شريك له ‪.‬‬ ‫‪ - 11‬أن أعظم واجب بعد التوحيد الصلوات الخمس ثم الزكاة‬ ‫وبعدهما الصوم والحج ‪.‬‬ ‫‪ - 12‬أن العبادات منها فرائض ومنها نوافل ‪.‬‬ ‫‪ - 13‬رحمة الله بعباده أن فتح لهم أبواب الخير ليتزودوا من‬ ‫أسباب الأجر ومغفرة الذنوب ‪.‬‬ ‫‪ - 14‬فضل الصوم والصدقة والصلاة في جوف الليل وأنها تكفر‬ ‫الذنوب‬ ‫‪ - 15‬أن الصوم وقاية للعبد من العذاب والشرور‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪174‬‬ ‫الحديث الثلاثون‬ ‫َعن أَبي ثَ ْعلبةَ ا ْل ُخ َشنِي ُجرثُو ِم ب ِن ناشر َر ِضي اللُ َع ْنهُ‬ ‫َعن رسو ِل اللِ َصلَّى اللُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم قا َل‪:‬‬ ‫{ إ َّن اللهَ فَ َر َض فَ َرائِ َض فَلاَ ت َضيِّعو َها‪َ ،‬و َح َّد حدودا فَلاَ تَ ْعتَدو َها‪،‬‬ ‫َو َح َّر َم أَ ْشيَا َء فَلاَ تَ ْنتَ ِهكو َها‪َ ،‬و َس َك َت َع ْن أَ ْشيَا َء َر ْح َمة لَك ْم َغ ْي َر‬ ‫نِ ْسيَان فَلاَ تَ ْب َحثوا َع ْنها }‬ ‫حديث حسن رواه ال َّدا َرقُ ْطنِي وغي ُره‬ ‫تخريج الحديث‬ ‫ضعف هذا الحديث جماعة من أهل العلم‪:‬‬ ‫الذهبي قال ‪ \" :‬موقوف و منقطع‪ ،‬لم يلق مكحول أبا ثعلبة‪\" ...‬‬ ‫ابن حجر العسقلاني ‪ \" :‬رجاله ثقات إلا أنه منقطع‪\"...‬‬ ‫الألباني ‪ :‬ضعفه في ضعيف الجامع‬ ‫فهو حديث ضعيف‬ ‫الشرح‬ ‫\"فَ َر َض\" أي أوجب وألزم‬ ‫\"فَ َرائِ َض\" وهي ما فرض الله على عباده ‪ ،‬وألزمهم القيام به‪.‬‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪175‬‬ ‫مثل الصلوات الخمس‪ ،‬والزكاة‪ ،‬والصيام‪،‬والحج‪،‬وبر الوالدين‪،‬‬ ‫وصلة الأرحام‪ ،‬وغيره‬ ‫\"فَلا ت َضيِّعو َها\" أي بالترك أو التهاون فيها حتى يخرج وقتها ‪ ،‬بل‬ ‫قوموا بها كما فرض عليكم‪ ،.‬فلا تهملوها فتضيع ‪ ،‬بل حافظوا‬ ‫عليها‪.‬‬ ‫\" َو َح َّد حدودا \"‬ ‫قيل‪ :‬إن المراد بالحدود الواجبات والمحرمات‪ .‬فالواجبات حدود لا‬ ‫تتعدى‪ ،‬والمحرمات حدود لا تقرب ‪.‬‬ ‫وقال بعضهم ‪:‬المراد بالحدود العقوبات الشرعية كعقوبة الزنا‪،‬‬ ‫وعقوبة السرقة وما أشبه ذلك ‪.‬‬ ‫ولكن الصواب الأول أن المراد بالحدود في الحديث محارم الله ع ّز‬ ‫وجل الواجبات والمحرمات‪ ،‬لكن الواجب نقول‪ :‬لا تتعده أي لا‬ ‫تتجاوزه‪ ،‬والمحرم نقول‪ :‬لا تقربه‬ ‫هكذا في القرآن الكريم لما ذكر الله تعالى تحريم الأكل والشرب‬ ‫على الصائم قال‪( :‬تِ ْل َك حدود ال َّلهِ فَلاتَق َربو َها ) [البقرة‪]187:‬‬ ‫ولما ذكر العدة وما يجب فيها( تِلْ َك حدود ال َّلهِ فَلا تَ ْعتَدو َها )‬ ‫(البقرة‪ :‬الآية‪)229‬‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪176‬‬ ‫\"فَلا تَعتَدوها\" فلا تجاوزوا ما حد لكم بمخالفة المأمور وارتكاب‬ ‫المحظور‬ ‫\" َو َح َّر َم أَشيَاء فَلا تَنتَ ِهكو َها\" أي فلا تفعلوها ولا تقربوها‬ ‫مثل ‪:‬الزنا‪ ،‬وشرب الخمر‪ ،‬والقذف‪ ،‬وأشياء كثيرة لا تحصى‪.‬‬ ‫\" َو َس َك َت َع ْن أشيا َء َرح َمة لَك ْم َغي َر نسيَان فَلا تَب َحثوا َعن َها \"‬ ‫سكت عن أشياء أي لم يحرمها ولم يفرضها‬ ‫قال‪ :‬سكت بمعنى لم يقل فيها شيئا ‪ ،‬ولا أوجبها ولا حرمها‬ ‫وقوله‪َ \" :‬غ ْي َر نسيَان \" أي أنه ع ّز وجل لم يتركها ناسيا ( َو َما َكا َن‬ ‫َرب َك نَ ِسيّا ) (مريم‪ :‬الآية‪ ،)64‬ولكن رحمة بالخلق حتى لا يضيق‬ ‫عليهم‪.‬‬ ‫\"فَلا تَب َحثوا َعن َها\" أي لا تسألوا عنها و لا تنَقِّبوا عنها‪ ،‬بل دعوها‪.‬‬ ‫الفوائد التربوية‬ ‫الفائدة الأولى‪ :‬دل الحديث على كمال الشريعة الإسلامية من‬ ‫جميع النواحي ولذلك تناسب جميع الأجيال على مر السنين‪،‬‬ ‫ومختلف العصور ‪.‬‬ ‫الفائدة الثانية‪ :‬يدل على سهولة الشريعة الإسلامية‪ ،‬وأنها خالية‬ ‫من أمور تعجيزية بل هي باختصار فرائض تؤدى ومحرمات تترك‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪177‬‬ ‫الفائدة الثالثة ‪:‬دل الحديث على أن الإيجاب والتحريم كله من عند‬ ‫الله‪ ،‬فإذا استشعر المسلم ذلك صعب عليه القول على الله بلا علم‪،‬‬ ‫وتبين له خطر الفتوى‬ ‫الفائدة الرابعة ‪ :‬فيه بيان رحمة الله سبحانه بعبادة لقوله \"‬ ‫وسكت عن أشياء رحمة بكم\"‬ ‫الفائدة االخامسة ‪ :‬تنزيه الله سبحانه عن النسيان وكل صفة‬ ‫نقص وذم في حقه سبحانه ‪.‬‬ ‫الفائدة السادسة ‪ :‬النهي عن تتبع الدقائق وأن يكلف الإنسان‬ ‫نفسه ما لم يكلفه الله سبحانه‪ ،‬فيجوز للإنسان أن يشتري سلعة‬ ‫من البائع من غير أن يسأله من أين أتى بها؟ أو يستحلفه أنها‬ ‫له!!‪ ،‬ويجوز للإنسان أن يأكل المباحات وجميع الطيبات من غير‬ ‫تعمق وغلو في أصلها ومنشئِها وما لم ينزل الله به سلطان‪.‬‬ ‫الفائدة السابعة ‪ :‬المباحات في شريعة الإسلام أكثر بكثير من‬ ‫المنهيات ولذلك لم تذكر في الحديث لكبر حجمها‪ ،‬بل كل ما لم يكن‬ ‫منهيا عنه فهو مباح‬ ‫فوائد إضافية‬ ‫هذا الحديث أصل في ثبوت الشرع‪ ،‬وجميع نصوص الأوامر‬ ‫والنواهي تفصيل له‪ ،‬وفيه من الفوائد ‪:‬‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪178‬‬ ‫‪ -1‬وجوب الإيمان بالشرع ‪.‬‬ ‫‪ -2‬أن الشرع أمر ونهي وإباحة‬ ‫‪ -3‬أن حق التشريع لله وحده‪ ،‬والرسول مبلغ عنه { إِ ِن ا ْلح ْكم إِ َّلا‬ ‫لِ َّلهِ }‬ ‫‪ -4‬أن الله يفرض على عباده ما شاء ويحرم ما شاء ‪.‬‬ ‫‪ -5‬وجوب المحافظة على الفرائض‪ ،‬وتحريم إضاعتها ‪.‬‬ ‫‪ -6‬وجوب اجتناب المحرمات وتحريم مواقعتها ‪.‬‬ ‫‪ -7‬وجوب الوقوف عند حدود الله فيما فرض أو حرم أو أباح‪،‬‬ ‫بعدم الزيادة على ما أوجب أو حرم‪ ،‬وعدم مجاوزة ما أباح إلى ما‬ ‫ح َّرم ‪.‬‬ ‫‪ -8‬أن ما لم ينص عليه في الشرع فهو عفو‪ ،‬أي معفو عنه فلا‬ ‫يجب ولا يحرم ‪.‬‬ ‫‪ -9‬أن الأصل في الأشياء الإباحة ‪.‬‬ ‫‪ -10‬إثبات صفة الرحمة لله عز وجل ‪.‬‬ ‫‪ -11‬أن تركه تعالى للإيجاب والتحريم فيما شاء رحمة بعباده ‪.‬‬ ‫‪ -12‬تنزيه الله عن النسيان‪ ،‬كما قال تعالى { َو َما َكا َن َرب َك نَ ِسيّا} ‪.‬‬ ‫‪ -13‬إثبات كمال العلم لله عز وجل ‪.‬‬ ‫‪ -14‬النهي عن السؤال ع ّما لم يأت الشرع فيه بشيء إيجابا ولا‬ ‫تحريما‪ ،‬وذلك في وقت نزول الوحي‪ ،‬ويدل لهذا المعنى قوله‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪179‬‬ ‫تعالى‪{ :‬يَا أَي َها الَّ ِذي َن آ َمنو ْا لاَ تَ ْسأَلو ْا َع ْن أَ ْشيَاء إِن ت ْب َد لَك ْم تَس ْؤك ْم‬ ‫َوإِن تَ ْسأَلواْ َعنْ َها ِحي َن ينَ َّزل ا ْلق ْرآن ت ْب َد لَك ْم َعفَا ال ّله َعنْ َها َوال ّله‬ ‫َغفور َحلِيم} [المائدة ‪]101 :‬‬ ‫وقال صلى الله عليه وسلم‪ ( :‬إن أعظم المسلمين في المسلمين‬ ‫جرما من سأل عن شيء لم يحرم ثم حرم من أجل مسألته )‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪180‬‬ ‫الحديث الحادي والثلاثون‬ ‫َع ْن أَبِي ال َعبَّا ِس َس ْه ِل ب ِن َس ْعد ال َّسا ِع ِدي َر ِض َي ا ٰلّلُ َع ْنهُ قا َل‪:‬‬ ‫َجا َء َر ُجل إِلى النَّبي َصلَّى ا ٰلّلُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم‪ ،‬فَقا َل‪:‬‬ ‫يَا َر ُسو َل ا ٰلّلِ‪ُ ،‬دلَّنِي َعلَ ٰى َع َمل إِ َذا َع ِم ْلتُهُ أَ َحبَّنِي ا ٰلّلُ َوأَ َحبَّنِي النَّا ُس‪.‬‬ ‫قَا َل‪ { :‬ا ْز َه ْد فِي الد ْنيَا ي ِحب َك الَٰ ّله‪َ ،‬وا ْز َه ْد فِي َما ِع ْن َد النَّا ِس ي ِحب َك‬ ‫النَّاس }‬ ‫حديث َح َسن رواهُ اب ُن ماجة وغي ُرهُ بأساني َد َحسنة‬ ‫(يحبك الل) يحبك الباء المشددة بالفتح والضم وكلاهما صحيح‬ ‫قوله (أحبني الل وأحبني الناس) بفتح ياء المتكلم و بالسكون‬ ‫تخريج الحديث‬ ‫اختلف العلماء في تصحيحه وتضعيغه‬ ‫ولقد صححه الألباني بمجموع طرقه‬ ‫الشرح‬ ‫قوله \" َجا َء َرجل\" لم يعين اسمه‬ ‫وقوله‪ :‬دلني َعلَى َع َمل إِ َذا َعملته أَ َحبَّني الله‪َ ،‬وأَحبَّني النَّاس‬ ‫أي أرشدني إلى عمل إذا عملته أحبني الله وأحبني الناس‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪181‬‬ ‫هذا الرجل طلب حاجتين عظيمتين‪:‬‬ ‫‪ ‬أولاهما محبة الله ع ّز وجل‬ ‫‪ ‬والثانية محبة الناس‪.‬‬ ‫فدله النبي صلى الله عليه وسلم على عمل معين محدد‪،‬‬ ‫فقال‪\" :‬از َهد في الدنيَا\"‬ ‫والزهد في الدنيا الرغبة عنها‪ ،‬والاقتصار على قدر الضرورة‬ ‫منها‪ ،‬وأن لا يتناول الإنسان منها إلا ما ينفعه في الآخرة‪ ،‬وهو‬ ‫أعلى من الورع‬ ‫لأن الورع‪ :‬ترك ما يضر من أمور الدنيا ‪،‬‬ ‫والزهد‪ :‬ترك مالا ينفع في الآخرة‪ ،‬وترك ما لا ينفع أعلى من ترك‬ ‫ما يضر‪ ،‬لأنه يدخل في الزهد الطبقة الوسطى التي ليس فيها‬ ‫ضرر ولا نفع‪ ،‬فالزهد يتجنب مالا نفع فيه‪ ،‬وأما ال َو َرع فيفعل ما‬ ‫أبيح له‪ ،‬لكن يترك ما يضره‬ ‫والدنيا‪ :‬هي هذه الدار التي نحن فيها‪،‬‬ ‫وسميت بذلك لوجهين‪:‬‬ ‫الوجه الأول ‪:‬دنيا في الزمن‪.‬‬ ‫الوجه الثاني‪ :‬دنيا في المرتبة‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪182‬‬ ‫فهي دنيا في الزمن لأنها قبل الآخرة‪ ،‬ودنيا في المرتبة لأنها دون‬ ‫الآخرة بكثير جدا‪ ،‬قال النبي صلى الله عليه وسلم‪\" :‬لَ َمو ِضع سو ِط‬ ‫أَ َح ِدكم في ال َجنَّ ِة َخير ِم َن الدنيَا َو َما في َها\"‬ ‫وقال النبي صلى الله عليه وسلم \"رك َعتَا الفَج ِر َخير ِم َن الدنيَا َو َما‬ ‫في َها\"‬ ‫وقوله‪\" :‬ي ِحب َك الله\" لإعراضك عما أمر بالإعراض عنه ‪.‬‬ ‫\"واز َهد في َما ِعن َد النَاس ي ِحب َك النَّاس\"‬ ‫أي لا تتطلع لما في أيديهم‪ ،‬ارغب عما في أيدي الناس يحبك‬ ‫الناس‪ ،‬وهذا يتضمن ترك سؤال الناس أي أن لا تسأل الناس‬ ‫شيئا‪ ،‬لأنك إذا سألت أثقلت عليهم ‪ ،‬و لأن قلوبهم مجبولة على‬ ‫حب الدنيا‪ ،‬ومن نازع إنسانا في محبوبه كرهه ‪ ،‬ومن لم يعارضه‬ ‫فيه أحبه‪.‬‬ ‫الفوائد التربوية‬ ‫الفائدة الأولى‪ :‬يجب على المؤمن أن يسعى لأن يكون محبوبا عند‬ ‫الله وعند الناس‪.‬‬ ‫الفائدة الثانية‪ :‬البحث عن محبة الناس لا يناقض محبة الله ولا‬ ‫يعارضها فإن المسلم طيب محبوب عند الله ومحبوب عند الناس‬ ‫وفي المجتمع ‪.‬‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪183‬‬ ‫الفائدة الثالثة‪ :‬دل على أن الزهد في الدنيا يجلب محبة الله‪.‬‬ ‫الفائدة الرابعة‪ :‬دل على أن الزهد في ما عند الناس يجلب محبة‬ ‫الناس‬ ‫الفائدة الخامسة‪ :‬الزهد من أعمال القلب كما قاله الامام أحمد‬ ‫رحمه الله‪.‬‬ ‫الفائدة السادسة‪ :‬من أراد معرفة الزهد الحقيقي في الدنيا فلينظر‬ ‫إلى زهده صلى الله عليه وسلم فإنه يجد أن حقيقة الزهد ألا يتعلق‬ ‫قلبه بالدنيا فيحبها ولا يعارض هذا طلب الرزق فيها والادخار من‬ ‫المال والطعام كما كانت حياته صلى الله عليه وسلم‪.‬‬ ‫الفائدة السابعة‪ :‬الزهد فيما عند الناس يقتضي عدم تعلق القلب‬ ‫بما في أيدي الناس وقطع النفس من النظر لهم والتطلع لما‬ ‫عندهم ومداهنتهم في دين الله رجاء ما في أيديهم ولا يمنع هذا‬ ‫المبايعة والمتاجرة معهم والكسب وغير ذلك‬ ‫الفائدة الثامنة‪ :‬دل على أن من تعلق بالدنيا وقدمها لم يحبه الله‪،‬‬ ‫لأنه سيقدم الدنيا على أمر الله‪.‬‬ ‫الفائدة التاسعة‪ :‬دل على أن الناس يكرهون من طلب منهم‬ ‫وسألهم ما في أيديهم‪ ،‬وهذا مستقر في فطر الناس وقلوبهم‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪184‬‬ ‫الفائدة العاشرة ‪ :‬من زهد في الدنيا تعلق بما عند الله لأن القلب لا‬ ‫بد له من متعلق يتعلق به ويثق به ويطمئن إليه ولهذا من زهد في‬ ‫الدنيا أحبه الله‪.‬‬ ‫الفائدة الحادية عشرة ‪ :‬الحديث بيَّن حقيقة الناس وأنهم يحبون ما‬ ‫في أيديهم ويبغضون من سألهم إياه‪ ،‬ويسعون لمصالحهم ولو‬ ‫على حساب دين غيرهم‪ ،‬ولا يؤدون الحقوق الواجبة منهم‪ ،‬هذه‬ ‫حالهم فمن عرفها كيف يتعلق بهم ويرجوهم ويقدم طاعتهم على‬ ‫طاعة الله؟!!‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪185‬‬ ‫الحديث الثاني والثلاثون‬ ‫َع ْن أَبِي سعيد سع ِد ب ِن مال ِك بن ِسنان ال ُخ ْدري َر ِضي اللُ َع ْنهُ ‪،‬‬ ‫أ َّن رسو َل اللِ َصلَّى اللُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم قا َل‪:‬‬ ‫{ لاَ َض َر َر َولاَ ِض َرا َر }‬ ‫حديث ح َسن رواهُ اب ُن ماجه وال َّدا َرقُ ْطنِي وغي ُرهُما ُم ْسنَ ًدا‪ ،‬ورواهُ مالك في‬ ‫ا ْل ُم َوطَّأِ َع ْن َع ْم ِرو ب ِن يَ ْحيَى‪َ ,‬ع ْن أبي ِه ‪َ ,‬ع ِن النبي صلّى اللُ علَ ْي ِه وسلَّم‬ ‫ُم ْر َس ًلا‪ ،‬فأَ ْسقَ َط أبا سعيد‪َ ،‬ولَهُ طُ ُرق يُقَوي بع ُضها بع ًضا‪.‬‬ ‫تخريج الحديث‬ ‫اختلف العلماء فيه بين التصحيح والتضعيف‬ ‫ولقد صححه الألبانى وقال صحيح لغيره‬ ‫الشرح‬ ‫\" لاَ َض َر َر \"الضرر معروف‪ ،‬والضرر يكون في البدن ويكون في‬ ‫المال‪ ،‬ويكون في الأولاد‪ ،‬ويكون في المواشي وغيرها ‪.‬‬ ‫\" ولا ضرار\" أي ولا مضارة‬ ‫والفرق بين الضرر والضرار ‪:‬‬ ‫أن الضرر يحصل بدون قصد‪ ،‬والمضارة بقصد‪ ،‬ولهذا جاءت‬ ‫بصيغة المفاعلة‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪186‬‬ ‫مثال ذلك‪:‬‬ ‫رجل له جار وعنده شجرة يسقيها كل يوم‪ ،‬وإذا بالماء يدخل على‬ ‫جاره ويفسد عليه‪ ،‬لكنه لم يعلم‪ ،‬فهذا نسميه ضررا ‪.‬‬ ‫مثال آخر ‪:‬‬ ‫رجل بينه وبين جاره سوء تفاهم‪ ،‬فقال ‪ :‬لأفعلن به ما يضره‪،‬‬ ‫فركب موتورا له صوت كصوت الدركتر عند جدار جاره وقصده‬ ‫الإضرار بجاره‪ ،‬فهذا نقول مضار ‪.‬‬ ‫والمضار لا يرفع ضرره إذا تبين له بل هو قاصده‪ ،‬وأما الضرر‬ ‫فإنه إذا تبين لمن وقع منه الضرر رفعه ‪.‬‬ ‫وهذا الحديث أصل عظيم في أبواب كثيرة‪ ،‬ولا سيما في المعاملات‬ ‫‪:‬كالبيع والشراء والرهن والارتهان‪ ،‬وكذلك في الأنكحة يضار‬ ‫الرجل زوجته أو هي تضار زوجها‪ ،‬وكذلك في الوصايا يوصي‬ ‫الرجل وصية يضر بها الورثة ‪.‬‬ ‫فالقاعدة ‪ ...‬متى ثبت الضرر وجب رفعه‪ ،‬ومتى ثبت الإضرار‬ ‫وجب رفعه مع عقوبة قاصد الإضرار‬ ‫من ذلك مثلا ‪:‬‬ ‫كانوا في الجاهلية يطلق الرجل المرأة فإذا شارفت انقضاء العدة‬ ‫راجعها‪ ،‬ثم طلقها ثانية فإذا شارفت انقضاء العدة راجعها‪ ،‬ثم‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪187‬‬ ‫طلقها ثالثة ورابعة‪ ،‬لقصد الإضرار‪،‬فرفع الله تعالى ذلك إلى حد‬ ‫ثلاث طلقات فقط ‪.‬‬ ‫مثال آخر‪:‬رجل أوصى بعد موته بنصف ماله لرجل آخر‬ ‫الفوائد التربوية‬ ‫الفائدة الأولى ‪ :‬دليل على رفع الحرج في الشريعة الإسلامية‪.‬‬ ‫وعلى يسر الإسلام وسهولة أحكامه‪ .‬وأن أحكام الإسلام الشرعية‬ ‫وتكاليفه لا ضرر فيها ‪.‬‬ ‫الفائدة الثانية ‪ :‬يحرم الإضرار بالغير بجميع الصور والأشكال‪،‬‬ ‫ولذلك أطلق الضرر في الحديث ولم يقيد بقيد ‪.‬‬ ‫الفائدة الثالثة ‪ :‬من مقاصد الإسلام منع الضرر قبل وقوعه ورفعه‬ ‫بعد وقوعه ‪.‬‬ ‫الفائدة الرابعة ‪ :‬يربي في النفس عدم حب الذات ولو على حساب‬ ‫غيره من الناس‪.‬‬ ‫الفائدة الخامسة ‪ :‬يدل المسلم على مراعاة غيره من الناس‬ ‫واحترامهم في جميع أمور الحياة وشؤونها ‪.‬‬ ‫الفائدة السادسة ‪ :‬يزرع الألفة بين المسلمين والمحبة والأخوة‬ ‫لأنه ينفي الضرر بجميعه‪.‬‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪188‬‬ ‫الفائدة السابعة ‪ :‬يعتبر الحديث قاعدة عامة فكل أمر كان فيه ضرر‬ ‫فيحرم شرعا‪.‬‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪189‬‬ ‫الحديث الثالث والثلاثون‬ ‫ع ْن اب ِن عبَّاس َر ِضي اللُ َع ْنهُما ‪،‬‬ ‫أ َّن رسو َل اللِ َصلَّى اللُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم قا َل‪:‬‬ ‫{ لَ ْو ي ْع َطى النَّاس بِ َد ْعواه ْم‪ ،‬لاَ َّد َعى ِر َجال أَ ْم َوا َل قَ ْوم َو ِد َما َءه ْم‪،‬‬ ‫لَ ِك ِن ا ْلبَيِّنَة َعلَى ا ْلم َّد ِعي َوا ْليَ ِمين َعلَى َم ْن أَ ْن َك َر } ‪.‬‬ ‫حديث َح َسن رواه البيهقي وغي ُره هكذا‪ ،‬وبع ُضه في الصحيحي ِن‬ ‫الشرح‬ ‫قال الشيخ السعدي رحمه الله‪\" :‬هذا الحديث عظيم القدر‪ ،‬وهو‬ ‫أصل من أصول القضايا والأحكام‪ ،‬فإن القضاء بين الناس إنما‬ ‫يكون عند التنازع‪ ،‬هذا يدعي على هذا حقّا من الحقوق فينكره‪،‬‬ ‫وهذا يدعي براءته من الحق الذي كان ثابتا عليه‬ ‫فبيَّن صلى الله عليه وسلم أصلا بفض نزاعهم‪ ،‬ويتضح به المحق‬ ‫من المبطل‪ ،‬فمن ادعى دينا‪ ،‬أو حقّا من الحقوق وتوابعها على‬ ‫غيره‪ ،‬وأنكره ذلك الغير‪ ،‬فالأصل مع المنكر‪ .‬فهذا المدعي إن أتى‬ ‫ببينة تثبت ذلك الحق‪ ،‬ثبت له‪ ،‬وحك َم له به‪ ،‬وإن لم يأت ببينة‪،‬‬ ‫فليس له على الآخر إلا اليمين\"‬ ‫\" لو يعطى الناس\"‪ :‬ما ادعوا أنه حقهم وطالبوا به‪.‬‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪190‬‬ ‫\"بدعواهم\"‪ :‬أي بمجرد قولهم وطلبهم دون ما يثبت ذلك‪.‬‬ ‫\"لا َّدعى رجال\"‪ :‬أي لاستباح بعض الناس دماء غيرهم وأموالهم‬ ‫وطلبوها دون حق‪.‬‬ ‫\" ولكن البَيِّنَة \"‪ :‬هي الشهود‪ ،‬أو إقرار الم َّد َعى عليه وتصديقِ ِه‬ ‫للم َّد ِعي‬ ‫والبينة‪ :‬هي اسم لكل ما يبين الحق ويظهره‪ ،‬فيدخل فيها الشهود‬ ‫والإقرار والقرائن الدالة‪ ،‬وتكون في إثبات الدعوى \" َعلَى‬ ‫الم َدعي \"‬ ‫\"على ا ْلم َّد ِعي\" ‪ :‬وهو من يدعي الحق على غيره ويطالبه به‬ ‫\"ا ْليَمين\" ‪ :‬أي دفع الدعوى‪ ،‬وهي ال َحلِف على نفي ما اد ِعي به‬ ‫عليه‪.‬‬ ‫\"على من أَ ْن َك َر\" ‪ :‬أي من أنكر دعوى المدعي وهو المدعى عليه‬ ‫‪ ‬فهنا مدع و مدعى عليه‬ ‫المدعي ‪ :‬عليه البينة‪ ،‬والمدعى عليه‪ :‬عليه اليمين ليدفع‬ ‫الدعوى ‪.‬‬ ‫وهذا الحديث أصل عظيم في القضاء‪ ،‬وهو قاعدة عظيمة في‬ ‫القضاء ينتفع بها القاضي وينتفع بها المصلح بين اثنين وما إلى‬ ‫ذلك‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪191‬‬ ‫الفوائد التربوية‬ ‫‪ -1‬حرص الشريعة على حفظ أموال الناس ودمائهم‪ ،‬وصيانة‬ ‫الحقوق من ظلم الظالمين ‪.‬‬ ‫‪ -2‬من ادعى بشيء على إنسان فلا ب َّد له من البينة‪ ،‬فالدعوى لا‬ ‫تقبل إلا ببينة ‪.‬‬ ‫‪ -3‬على المدعى عليه ‪-‬إذا أنك َر‪ -‬اليمين‪.‬‬ ‫‪ -4‬الأصل براءة الذمة حتى يدان المتهم‪.‬‬ ‫‪ -5‬غلبة الظلم والكذب على كثير من الناس ‪.‬‬ ‫‪ -6‬الحكم بالبينة‪ ،‬فالقاضي لا يحكم بعلمه ‪.‬‬ ‫‪ -7‬براءة الم َّدعى عليه بيمينه إذا لم تكن للمدعي بينة‬ ‫‪ -8‬أن البينة عامة في كل ما يبين الحق من شهود وقرائن‪.‬‬ ‫‪ -9‬أن نكول الم َّدعى عليه عن اليمين (أي امتناع الم َّدعى عليه‬ ‫عن اليمين) دليل للمدعي فيحكم له بيمينه كما يحكم له بالشاهد‬ ‫واليمين‪.‬‬ ‫‪ -10‬أن الدعوى تكون في الدماء والأموال وغيرهما من الحقوق‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪192‬‬ ‫الحديث الرابع والثلاثون‬ ‫َع ْن أَبي سعيد ال ُخ ْدري َر ِضي اللُ َعنْهُ قا َل‪:‬‬ ‫َس ِمع ُت رسو َل اللِ َصلَّى اللُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم يقو ُل‪:‬‬ ‫{ َم ْن َرأَى ِم ْنك ْم م ْن َكرا فَ ْلي َغيِّ ْره بِيَ ِد ِه ‪ ,‬فَإِ ْن لَ ْم يَ ْستَ ِط ْع فَبِلِ َسانِ ِه‪ ،‬فَإِ ْن‬ ‫لَ ْم يَ ْستَ ِط ْع فَبِقَ ْلبِ ِه ‪َ ,‬و َذلِ َك أَ ْض َعف ا ْلإي َما ِن }‪.‬‬ ‫َر َواهُ ُم ْسلِم‬ ‫الشرح‬ ‫قوله‪َ \" :‬م ْن َرأَى\"‬ ‫هل المراد من علم وإن لم ي َر بعينه فيشمل‪ :‬من رأى بعينه ومن‬ ‫سمع بأذنه ومن بلغه خبر بيقين وما أشبه ذلك‪ ،‬أو نقول‪ :‬الرؤيا‬ ‫هنا رؤية العين‪ ،‬أيهما أشمل؟‬ ‫الجواب‪ :‬الأول ‪ ،‬أي من علم فيحمل عليه الحديث‪ ،‬وإن كان ظاهر‬ ‫الحديث أنه رؤية العين لكن مادام اللفظ يحتمل معنى أعم فليحمل‬ ‫عليه‬ ‫منكم‪ :‬معشر المسلمين المكلفين‪ ،‬فالخطاب عام لجميع المسلمين‬ ‫وقوله‪\" :‬م ْن َكرا \"المنكر‪ :‬هو ما نهى عنه الله ورسوله صلى الله‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪193‬‬ ‫عليه وسلم ‪ ،‬لأنه ينكر على فاعله أن يفعله ‪ .‬فهو ما حرمه‬ ‫الشرع فعلا أو قولا ‪ ،‬ولو صغيرا ‪.‬‬ ‫\"فَ ْلي َغيِّ ْره\" فليزله‬ ‫\"بيده\"‪ :‬أي يغير هذا المنكر بيده‪ ،‬إن كان مما يزال بها ‪ ،‬ككسر آلة‬ ‫لهو ‪ ،‬وآنية خمر ‪.‬‬ ‫\"فَإِ ْن لَ ْم يَ ْستَ ِط ْع\" أي إن لم يستطع أن ينكره بيده‪ ،‬لكون فاعله‬ ‫أقوى منه ‪ ،‬ويلحقه الضرر بالتغيير باليد ‪.‬‬ ‫\"فَبِلِ َسانِ ِه\" ‪ :‬أي فلينكره بلسانه‬ ‫فالواجب تغييره (بلسانه) ويكون ذلك ‪ :‬بالقول‪ :‬كالتذكير ‪ ،‬أو‬ ‫بالتوبيخ والزجر‪ ،‬ولكن لابد من استعمال الحكمة والنصيحة‬ ‫بالكلمة الطيبة‬ ‫وقوله \"بِلِ َسانِ ِه\" هل نقيس الكتابة على القول؟‬ ‫الجواب‪ :‬نعم‪ ،‬فيغير المنكر باللسان‪ ،‬ويغير بالكتابة‪ ،‬بأن يكتب في‬ ‫الصحف أو يؤلف كتبا يبين المنكر‬ ‫\"فَإ ْن لَ ْم يَستَ ِط ْع فَبِقَ ْلبِ ِه\" ‪ :‬أي فإن لم يستطع ذلك بلسانه لوجود‬ ‫مانع ‪ ،‬كخوف فتنة ‪ ،‬أو خوف على نفس ‪ ،‬أو نحو ذلك ‪.‬‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪194‬‬ ‫\"فبقلبه\" ‪ :‬ينكره وجوبا بأن يكرهه ولا يرضى به ‪ ،‬ويعزم أنه لو‬ ‫قدر على تغييره بفعل أو قول‪ ،‬لف َعل‬ ‫فأفاد وجوب تغيير المنكر بكل طريق ممكن‪ ،‬فلا يكفي الوعظ لمن‬ ‫يمكنه إزالته بيده‪ ،‬ولا بالقلب لمن يمكنه باللسان‪.‬‬ ‫\" َو َذلِ َك\" أي الإنكار بالقلب‬ ‫\"أَ ْض َعف ال ِإ ْي َما ِن\"‪ :‬أي أضعف مراتب الإيمان في تغيير المنكر‪.‬‬ ‫فالمقصود أن الإنكار بالقلب أضعف الإيمان باعتبار هذه المراتب‪،‬‬ ‫لأن الإيمان قول وعمل‪ ،‬فأعلى شيء فيما يتعلق بالمنكر التغيير‬ ‫باليد‪ ،‬فإن لم يستطع فباللسان‪ ،‬فإن لم يستطع فبالقلب‪ ،‬وهذا‬ ‫أضعف عمل يدخل في مسمى الإيمان تجاه المنكر‬ ‫والتغيير باليد إيمان‪ ،‬والتغيير باللسان إيمان‪ ،‬والتغيير بالقلب‬ ‫إيمان‪ ،‬ومعنى ذلك أنه لم يبق عمل من الإيمان بعد ذلك‪ ،‬وليس‬ ‫المعنى أن الذي لا ينكر بقلبه يكون كافرا‪ ،‬ليس هذا المراد‪.‬‬ ‫الفوائد التربوية‬ ‫الحديث أصل في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر‬ ‫‪ -1‬وجوب تغيير المنكر‪ ،‬وذلك بإزالته أو تخفيفه وبإقامة العقوبة‬ ‫الشرعية على فاعله ‪.‬‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪195‬‬ ‫‪ -2‬أن تغيير المنكر فرض كفاية على من علم به وقدر على‬ ‫تغييره بيده أو لسانه‪ ،‬وأما التغيير بالقلب ففرض عين‪.‬‬ ‫‪ -3‬وجوب تغيير المنكر على هذه الدرجات والمراتب‪.‬‬ ‫‪ -4‬تيسير الشرع وتسهيله؛ حيث رتَّب هذه الواجبات على‬ ‫الاستطاعة؛ لقوله‪(( :‬فإن لم يستطع))‪.‬‬ ‫‪ -5‬يدل الحديث على أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من‬ ‫خصال الإيمان؛ لذلك أخرج مسلم هذا الحديث في كتاب الإيمان‪،‬‬ ‫باب كون النهي عن المنكر من الإيمان‪.‬‬ ‫‪ -6‬أن الإيمان يتفاوت؛ فبعضه ضعيف‪ ،‬وبعضه قوي‪ ،‬وهذا‬ ‫مذهب أهل السنة والجماعة‪ ،‬وله أدلة من القرآن والسنة على أنه‬ ‫يتفاوت‬ ‫‪ -7‬حدد مراتب تغيير المنكر‪:‬‬ ‫وأن أعلى مراتب تغيير المنكر تغييره باليد‬ ‫المرتبة الثانية التغيير باللسان‪ ،‬وذلك ببيان حكم المنكر والزجر‬ ‫عنه ولوم فاعله ودعوته للتوبة‬ ‫المرتبة الثالثة التغيير بالقلب‪ ،‬وذلك ببغض المنكر والرغبة‬ ‫الصادقة في زواله والعزم على تغييره بالقول والفعل لو أمكن‬ ‫ذلك ‪.‬‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪196‬‬ ‫‪ -8‬أن أساس ترتيب هذه المراتب هو الاستطاعة‪ ،‬فلا يصار إلى‬ ‫المرتبة الدنيا مع القدرة على ما فوقها ‪.‬‬ ‫‪ -9‬أن من غيَّر بما يستطيع فقد قضى ما عليه‬ ‫‪ -10‬أن العمل من الإيمان ؛ عمل القلب أو الجوارح ‪.‬‬ ‫‪ -11‬أن الواجب يختلف باختلاف القدرة‬ ‫‪ -12‬أن هذه المراتب في مقدار الواجب لا في مرتبة المكلَّف‪ ،‬فقد‬ ‫يكون من يغير بقلبه مع العجز أكم َل ِم ّمن يغير بيده أو لسانه لما‬ ‫يقوم بقلبه من صدق الإرادة‪ ،‬وبهذا يظهر معنى (أضعف الإيمان)‪،‬‬ ‫وأن المراد أقل ما يجب‪ ،‬ومثله قوله صلى الله عليه و سلم في‬ ‫الحديث الآخر (ليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل)‬ ‫‪ -13‬أن من لم يغير بقلبه فلاحظ له من هذا الإيمان‪ ،‬وهو تغيير‬ ‫المنكر وجهاد أهله‬ ‫‪ -14‬أن المطلوب تغيير المنكر لا مجرد الإنكار‪ ،‬فإن أدى إلى‬ ‫منكر أكبر منه فإنه يصير الإنكار حينئذ منكرا‪ ،‬ويكون التغيير –‬ ‫والحالة هذه– غير مستطاع‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪197‬‬ ‫الحديث الخامس والثلاثون‬ ‫َع ْن أَبي هُريرةَ َر ِضي اللُ َع ْنهُ قا َل‪:‬‬ ‫قا َل رسو ُل اللِ َصلَّى اللُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم‪:‬‬ ‫(لا تَحا َسدوا‪ ،‬ولا تَنا َجشوا‪ ،‬ولا تَبا َغضوا‪ ،‬ولا تَدابَروا‪ ،‬ولا يَبِ ْع‬ ‫بَ ْعضك ْم علَى بَ ْيعِ بَ ْعض‪ ،‬وكونوا ِعبا َد اللهِ إ ْخوانا الم ْسلِم أخو‬ ‫الم ْسلِ ِم‪ ،‬لا يَ ْظلِمه ولا يَ ْخذله‪ ،‬ولا يَ ْحقِره التَّقْ َوى هاهنا وي ِشير إلى‬ ‫َص ْد ِر ِه ثَلا َث َم َّرات ب َح ْس ِب ا ْم ِرئ ِم َن ال َّش ِّر أ ْن يَ ْحقِ َر أخاه الم ْسلِ َم‪،‬‬ ‫كل الم ْسلِ ِم علَى الم ْسلِ ِم َحرام‪َ ،‬دمه‪ ،‬وماله‪ ،‬و ِع ْرضه)‬ ‫رواه مسلم‬ ‫الشرح‬ ‫قوله‪\" :‬لا تَ َحا َسدوا \"‬ ‫أي لا يحسد بعضكم بعضا‪ .‬وما هو الحسد؟‬ ‫قال بعض أهل العلم‪ :‬الحسد تمني زوال نعمة الله ع ّز وجل على‬ ‫الغير ‪،‬سواء كانت النعمة مالا أو جاها أو علما أو غير ذلك‪.‬‬ ‫وقال شيخ الإسلام ابن تيمية‪ -‬رحمه الله‪-‬‬ ‫الحسد‪ :‬كراهة ما أنعم الله به على الغير وإن لم يتمن الزوال‬ ‫فمجرد أن تكره أن الله أنعم على هذا الرجل بنعمة فأنت حاسد‪.‬‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪198‬‬ ‫\" َولا تَنَا َجشوا\" أي لا ينجش بعضكم على بعض‪ ،‬وهذا في‬ ‫المعاملات‪ ،‬ففي البيع المناجشة‪ :‬أن يزيد في السلعة وهو لا يريد‬ ‫شراءها‪ ،‬لكن يريد الإضرار بالمشتري أو نفع البائع‪ ،‬أو الأمرين‬ ‫معا‪.‬‬ ‫مثال ذلك‪ :‬عرضت سلعة في السوق فسعرها رجل بمائة ريال‪ ،‬هذا‬ ‫الرجل تعدى عليه رجل آخر وقال‪ :‬بمائة وعشرة قصده الإضرار‬ ‫به وزيادة الثمن عليه‪ ،‬فهذا نجش‬ ‫ورجل آخر رأى رجلا يسعر سلعة وليس بينه وبينه شيء‪ ،‬لكن‬ ‫السلعة لصديق له‪ ،‬فأراد أن يزيد من أجل نفع صديقه البائع‪ ،‬فهذا‬ ‫حرام ولا يجوز‬ ‫قال‪َ \" :‬ولا تَبَا َغضوا\" أي لا يبغض بعضكم بعضا ‪،‬‬ ‫والمعنى‪ :‬لا تسعوا بأسباب البغضاء‪ .‬وإذا وقع في قلوبكم بغض‬ ‫لإخوانكم فاحرصوا على إزالته من القلوب‪.‬‬ ‫\" َولا تَ َدابَروا\" إما في الظهور بأن يولي بعضكم ظهر بعض‪ ،‬فلا‬ ‫يعط أحد منكم أخاه دبره (ظهره) حين يلقاه مقاطعة له ‪.‬‬ ‫أولا تدابروا في الرأي‪ ،‬بأن يتجه بعضكم ناحية والبعض الآخر‬ ‫ناحية أخرى‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪199‬‬ ‫\" َولاَ يَبِع بَعضكم َعلَى بَي ِع بَعض \"مثال ذلك‪ :‬رأيت رجلا باع على‬ ‫آخر سلعة بعشرة‪ ،‬فأتيت إلى المشتري وقلت‪ :‬أنا أعطيك مثلها‬ ‫بتسعة‪ ،‬أو أعطيك خيرا منها بعشرة‪ ،‬فهذا بيع على بيع أخيه‪،‬‬ ‫وهو حرام‪.‬‬ ‫\" َوكونوا ِعبَا َد اللهِ إخوانا\" أي تعاملوا معاملة الأخوة في المودة ‪،‬‬ ‫والرفق والشفقة والملاطفة ‪ ،‬والتعاون في الخير ‪ ،‬ونحو ذلك مع‬ ‫صفاء القلوب‪ ،‬ومعلوم أن الإخوان يحب كل واحد منهم لأخيه ما‬ ‫يحب لنفسه ‪.‬‬ ‫وقوله‪ِ \" :‬عبَا َد اللهِ\" جملة اعتراضية‪ ،‬المقصود منها الحث على‬ ‫هذه الإخوة‬ ‫ثم قال‪\" :‬المسلِم أَخو المسلِ ِم\" أي مثل أخيه في الولاء والمحبة‬ ‫والنصح وغير ذلك‪ .‬لأنه يجمعهما دين واحد ‪ ،‬قال تعالى‪ (( :‬إنما‬ ‫المؤمنون أخوة )) ‪.‬‬ ‫\"لاَ يَظلِمه\" أي لا ينقصه حقه بالعدوان عليه‪ ،‬أو جحد ما له ‪،‬‬ ‫سواء كان ذلك في الأمور المالية ‪،‬أو في الدماء‪ ،‬أو في‬ ‫الأعراض‪ ،‬في أي شيء ‪.‬‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪200‬‬ ‫\" َولاَ يَخذله\" أي لا يهضمه حقه في موضوع كان يحب أن ينتصر‬ ‫له‪ ،‬فلا يترك نصرته المشروعة ‪ ،‬لأن من حقوق أخوة الإسلام ‪:‬‬ ‫التناصر ‪.‬‬ ‫\" َولاَ يَ ْحقِره\" أي لا يستصغر شأنه ويضع من قدره ‪ ،‬ويرى أنه‬ ‫أكبر منه‪ ،‬وأن هذا لا يساوي شيئا‬ ‫ثم قال‪\" :‬التَّقوى َهاهنا\" يعني تقوى الله ع ّز وجل في القلب وليست‬ ‫في اللسان ولا في الجوارح‪ ،‬وإنما اللسان والجوارح تابعان‬ ‫للقلب‪.‬‬ ‫\" َويشير إِلَى َصد ِر ِه ثَلا َث ِم َرات\" يعني قال‪ :‬التقوى هاهنا‪ ،‬التقوى‬ ‫هاهنا‪ ،‬التقوى هاهنا‪ ،‬تأكيدا لكون القلب هو المدبر للأعضاء ‪.‬‬ ‫ثم قال‪\" :‬بِ َحس ِب ام ِرئ ِم َن ال َّش ِّر\" أي يكفيه من الشر ‪.‬‬ ‫\"أن يحقر أخاه المسلم\" أي يكفي الإنسان من الإثم أن يحقر أخاه‬ ‫المسلم‪ ،‬لأن حقران أخيك المسلم ليس بالأمر الهين‪.‬‬ ‫\"كل المسلِم َعلَى المسلِم َح َرام\" ثم فسر هذه الكلية بقوله‪َ \" :‬دمه‬ ‫َو َماله َو ِعرضه \"يعني أنه لا يجوز انتهاك دم الإنسان ولا ماله ولا‬ ‫عرضه‪ ،‬كله حرام‪.‬‬ ‫الفوائد التربوية‬ ‫الحديث أصل في الأخوة الإيمانية وحقوقها‪ ،‬وفيه من الفوائد ‪:‬‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬


Like this book? You can publish your book online for free in a few minutes!
Create your own flipbook