51 غ ِذ َي :أي شبع بضم الغين وتخفيف الذال المكسورة فأنى يستجاب لذلك :من أين يستجاب لمن هذه صفته .والمراد أنه ليس أهلا للإجابة ،ولكنه ليس صريحا في استحالتها بالكلية. شرح الحديث وفي لفظ مسلم ((يا أيها الناس ،إن الله تعالى طيب)) ... قوله صلى الله عليه وسلم: (( إن الله تعالى طيب )) ومعنى طيب :مقدس منزه عن النقائص والعيوب (( لا يقبل إلا طيبا )): \"لا يقبل\" :من الأعمال والأموال \"إلا طيبا\" :وهو من الأعمال ما كان خاليا من الرياء والعجب ،و غيرهما من المفسدات ،ومن الأموال الحلال الخالص فلا يتقرب إليه بصدقة حرام ،ويكره التصدق بالرديء من الطعام ،وكذلك يكره التصدق بما فيه شبهة قال الله تعالى { :ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون } [البقرة.]267: وكما أنه تعالى لا يقبل من المال إلا الطيب كذلك لا يقبل من العمل إلا الطيب الخالص من شائبة الرياء والعجب والسمعة ونحوها. شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
52 \"وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين \"من الأكل من الطيبات والعمل الصالح . فقال تعالى { :يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا } [المؤمنون.]51: وقال تعالى {:يا أيها الذين أمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم } [البقرة . ]172:والمراد بالطيبات الحلال . فأمر الله تعالى للرسل وأمره للمؤمنين واحد أن يأكلوا من الطيبات وأما الخبائث فإنها حرام عليهم وفي الحديث دليل على أن الشخص يثاب على ما يأكله إذا قصد به التقوي على الطاعة أو إحياء نفسه ،و ذلك من الواجبات ،بخلاف ما إذا أكل لمجرد الشهوة والتنعم . قوله (( :مطعمه حرام ومشربه حرام وغذي بالحرام )) أي شبع بالحرام قوله (( :فأنى يستجاب لذلك )) :أي استبعادا لقبوله إجابة الدعاء ،فأكل الحرام والتوسع في الحرام من موانع اجابة الدعاء فذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الرجل الذي يأكل الحرام تبعد إجابة دعائه وإن وجدت منه أسباب الإجابة يطيل السفر شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
53 أشعت أغبر يمد يديه إلى السماء { يا رب يا رب ،ومطعمه حرام ومشربه حرام و ملبسه حرام وغذي بالحرام فأنّى يستجاب لذلك} هذا الرجل اتصف بأربع صفات: الأولى :بأنه يطيل السفر ،والسفر مظنة إجابة دعاء الداعين (أي سبب لإجابة دعاء الداعي) الثانية :أنه أشعث أغبر والله تعالى عند المنكسرة قلوبهم من أجله وهو ينظر إلى عباده يوم عرفة ويقول {:أتوني شعثا غبرا } وهذا من أسباب الإجابة أيضا. الثالثة :أنه يمد يديه إلى السماء ومد اليدين إلى السماء من أسباب الإجابة ،فإن الله سبحانه وتعالى يستحي من عبده إذا رفع إليه يديه أن يردهما صفرا الرابعة :دعاءه إياه { يا رب يا رب } وهذا يتوسل إلى الله بربوبيته وهو من أسباب الإجابة ولكنه لا تجاب دعوته. لأن مطعمه حرام ،وملبسه حرام وغذي بالحرام فاستبعد النبي صلى الله عليه وسلم أن تجاب دعوته وقال{ :فأنّى يستجاب لذلك} ((فأنى يستجاب لذلك)) استبعاد ((أنى يستجاب لذلك)) الأسباب متوافرة ,فهذا دعا وبذل السبب في إجابة الدعوة ،لكن المانع من شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
54 قبولها موجود ((أنى يستجاب لذلك)) استبعاد لإجابة الدعوة إذا كان هذا وضعه ،لوجود هذه الموانع ((فأنى)) وهو مجرد استبعاد لا استحالة ،لا ييأس المسلم من دعاء الله -جل وعلا-؛ لأنه قد يدعو الله -جل وعلا -أن ينفي عنه وأن يبعده عن هذه الموانع ،وقد أجاب الله -جل وعلا -دعوة شر الخلق وهو إبليس ،أجاب الله دعوته ،فليس هنا استحالة لإجابة الدعاء ،وإنما هو استبعاد. النبي عليه الصلاة والسلام يقول(( :فأنّى يستجاب لذلك)) ليحرص المسلم على التخلص من هذه الموانع .فالمطعم له شأن عظيم في إجابة الدعوة ،فعلى المسلم أن يسعى لانتفاء هذه الموانع الفوائد من الحديث -1الأمر بإخلاص العمل لله عز وجل. -2الحث على الإنفاق من الحلال والنهي عن الإنفاق من غيره . -3أن الأصل استواء الأنبياء مع أممهم في الأحكام الشرعية ،إلا ما قام الدليل على أنه مختص بهم . -4أن التوسع في الحرام يمنع قبول العمل وإجابة الدعاء ،.فمن أعظم موانع إجابة الدعاء أن يكون المرء اكلا من حرام شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
55 -5أن من أسباب إجابة الدعاء أربعة أشياء: الأول :إطالة السفر لما فيه من الانكسار الذي هو من أعظم أسباب الإجابة . الثاني :رثاثة الهيئة ،قال النبي صلى الله عليه وسلم ( :رب أشعث أغبر ذي طمرين مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره ) الثالث :مد اليدين إلى السما ء فإن الله حيي كريم ،يستحي إذا رفع الرجل إليه يديه أن يردهما صفر خائبتين. الرابع :الإلحاح على الله بتكرير ذكر ربوبيته ،وهو من أعظم ما يطلب به إجابة الدعاء. -6وصف الله تعالى بالطيب ذاتا وصفاتا و أفعالا .و تنزيه الله تعالى عن كل نقص. -7ومنها أن من الأعمال ما يقبله الله ومنها ما لا يقبله. -٨ومنها أن الله تعالى أمر عباده الرسل والمرسل إليهم أن يأكلوا من الطيبات وأن يشكروا الله سبحانه وتعالى. -9ومنها أن الشكر هو العمل الصالح لقوله تعالى(:يَا أَي َها الرسل كلوا ِم َن الطَّيِّبَا ِت َوا ْع َملوا صالحا) [المؤمنون]51: وقال للمؤمنين( :كلوا ِم ْن طَيِّبَا ِت َما َر َز ْقنَاك ْم َوا ْشكروا للهِ) [البقرة]172: شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
56 فدل هذا على أن الشكر هو العمل الصالح .فكلما عمل الإنسان عملا صالحا فهو شاكر لله -10ومنها أن من شرط إجابة الدعاء اجتناب أكل الحرام لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الذي مطعمه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام {:أنّى يستجاب لذلك }. شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
57 الحديث الحادي عشر َع ْن أَبِي ُم َح َّمد ا ْل َح َس ِن ْب ِن َعلِي ْب ِن أَ ِبي طَالِب ِس ْب ِط رسو ِل اللِ َصلَّى اللُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم و َر ْيحانَتِ ِه َر ِضي اللُ َع ْنهُما قا َل: َحفِ ْظ ُت ِم ْن رسو ِل اللِ َصلَّى اللُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم: { َد ْع َما يَ ِريب َك إِلَى َما لاَ يَ ِريب َك} رواهُ الترمذي والنَّسائِي ،وقا َل الترمذي :حديث ح َسن صحيح ( َد ْع َما يَ ِريب َك) بفتح الياء وضمها ،والفتح أفصح وأشهر شرح الحديث الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما سبط النبي صلى الله عليه وسلم ،ابن ابنته فاطمة رضي الله عنها والسبط :هو ابن البنت وابن الابن يسمى :حفيدا وقد وصفه النبي صلى الله عليه وسلم بأنه سيد فقال( :إِ َّن ا ْبنِي ه َذا َسيِّدَ ،و َسي ْصلِح الله ب ِه بَ ْي َن فِئَتَ ْي ِن ِم َن الم ْسلِ ِم ْي َن) وكان الأمر كذلك ،فإنه بعد أن استشهد علي بن أبي طالب رضي الله عنه وبويع بالخلافة للحسن رضي الله عنه تنازل عنها شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
58 لمعاوية رضي الله عنه ،فأصلح الله بهذا التنازل بين أصحاب معاوية وأصحاب علي رضي الله عنهما ،وحصل بذلك خير كثير وأما قولهَ :و َري َحانَته الريحانة هي الزهرة الطيبة الرائحة ،وقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم الحسن والحسين بأنهما ريحانتاه ،فشبهه لسروره وفرحه به وإقبال نفسه عليه بريحان طيب الرائحة ،تهش إليه النفس وترتاح له وقولهَ ( :د ْع ) أي اترك ( َما ي ِر ْيب َك ) أي ما يلحقك به شك وقلق ولا تطمئن إليه ( إِلَى َما لاَ يَ ِر ْيب َك ) أي إلى شيء لا يلحقك به شك ولا قلق. وهذا الحديث من جوامع الكلم ،وهو أصل من أصول الفقه ،أن الشيء الذي تشك فيه اتركه إلى شيء لاشك فيه ،وما أجوده وأنفعه للعبد إذا سار عليه ،فالعبد يرد عليه شكوك في أشياء كثيرة ،فنقول :دع الشك إلى ما لاش ّك فيه حتى تستريح وتسلم، فكل شيء يلحقك به ش ّك وقلق وريب اتركه إلى أمر لا يلحقك به ريب ،وهذا مالم يصل إلى حد الوسواس ،فإن وصل إلى حد الوسواس فلا تلتفت له. شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
59 وهذا يكون في العبادات ،ويكون في المعاملات ،ويكون في النكاح ،ويكون في كل أبواب العلم. ومثال ذلك في العبادات: رجل انتقض وضوؤه ،ثم صلى ،وش ّك هل تو ّضأ بعد نقض الوضوء أم لم يتو ّضأ؟ فوقع في الش ّك ،فإن تو ّضأ فالصلاة صحيحة ،وإن لم يتو ّضأ فالصلاة باطلة ،وبقي في قلق. فنقول :دع ما يريبك إلى ما لايريبك ،فالريب هنا صحة الصلاة، وعدم الريب أن تتو ّضأ وتصلي. وعكس المثال السابق : رجل تو ّضأ ثم صلى وشك هل انتقض وضوؤه أم لا؟ فنقول :دع ما يريبك إلى ما لايريبك ،عندك شيء متيقّن وهو الوضوء ،ثم شككت هل طرأ على هذا الوضوء حدث أم لا؟ فالذي يترك هو الشك :هل حصل حدث أو لا؟ وأرح نفسك ،واترك الشك. فالأصل بقاء ما كان على ما كان ،وهذا الأصل مبني على ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الرجل يخيل إليه أنه أحدث فقال« :لا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا » ،فإذا كان الإنسان قد توضأ فشك هل أحدث أم لا فإنه يبقى على وضوئه وطهارته؛ لأن الأصل بقاء الطهارة وعدم الحدث ،ومن هذا الأصل شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
60 إذا أحدث الإنسان ثم شك هل رفع حدثه أم لم يرفعه ،فإن الأصل بقاء الحدث وعدم رفعه ،فعليه أن يتوضأ إن كان الحدث أصغر وأن يغتسل إن كان الحدث أكبر الفوائد من الحديث -1أن على المسلم بناء أموره على اليقين ،وأن يكون في دينه على بصيرة . -2النهي عن الوقوع في الشبهات ،والحديث أصل عظيم في الورع . -3أن الدين الإسلامي لا يريد من أبنائه أن يكونوا في ش ّك ولا قلق ،لقولهَ { :د ْع َما يَ ِريب َك إِلَى َما لاَ يَ ِريب َك } -4أنك إذا أردت الطمأنينة والاستراحة فاترك المشكوك فيه واطرحه جانبا ،لاسيّما بعد الفراغ من العبادة حتى لايلحقك الشك ومثاله :رجل طاف بالبيت وانتهى وذهب إلى مقام إبراهيم ليصلي، فشك هل طاف سبعا أو ستّا فماذا يصنع؟ الجواب :لايصنع شيئا ،لأن الشك طرأ بعد الفراغ من العبادة ،إلا إذا تيقن أنه طاف ستّا فيكمل إذا لم يطل الفصل . مثال آخر :رجل انتهى من الصلاة وسلم ،ثم شك هل صلى ثلاثا أم أربعا ،فماذا يصنع؟ شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
61 الجواب :لايلتفت إلى هذا الشك ،فالأصل صحة الصلاة مالم يتيقن أنه صلى ثلاثا فيأتي بالرابعة إذا لم يطل الفصل ويسلم ويسجد للسهو ويسلم. -5أ ّن النبي صلى الله عليه وسلم أعطي جوامع الكلم ،واختصر له الكلام اختصارا ،لأن هاتين الجملتين: \"دع ما يريبك إلى ما لا يريبك\" لو بنى عليهما الإنسان مجلدا ضخما لم يستوعب ما يدلان عليه من المعاني -٦تربية الأبناء على الآداب الشرعية. -7رحمة الله بنا حيث إنه يريد بنا الطمأنينة والسكينة وعدم الريب والشك. شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
62 الحديث الثاني عشر عن أبي هريرةَ َر ِضي اللُ َع ْنهُ قا َل: قا َل رسو ُل اللِ َصلَّى اللُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم: { ِم ْن ح ْس ِن إِ ْسلاَ ِم ا ْل َم ْر ِء تَ ْركه َما لاَ يَ ْعنِي ِه } حديث َح َسن رواه الترمذي وغي ُره هكذا تخريج الحديث هذا الحديث فيه اختلاف بين العلماء فمنهم من ضعفه ومنهم من صححه ،ولقد صححه الألبانى الشرح هذا الحديث أصل في الأدب والتوجيه السليم وهو أن الإنسان يترك ما لا يعنيه أي ما لا يهمه وما لا علاقة له به فإن هذا من حسن إسلامه ويكون أيضا راحة له ،وأريح لنفسه. وهذا الحديث عده علماء الإسلام من الأحاديث القليلة الجامعة التي بني عليها الدين ،قال الإمام أبو عمر بن الصلاح -رحمه الله تعالى\" :-جملة آداب الخير وأَ ِز َّمته تتفرع من أربعة أحاديث\" :أي آداب الخير كلها تتفرع من أربعة أحاديث: شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
63 قول النبي صلي الله عليه وسلم\" :من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت\" وقوله عليه الصلاة و السلام\" :-من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه\" وقوله للذي اختصر له في الوصية\" :لا تغضب \" وقوله\" :لا يؤمن أحدكم ،حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه\". \"حسن إسلام المرء\" جاء بالتعبير بالإسلام هنا ليدخل فيه جميع الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة التي تدخل في تعريف الإسلام \"تركه\" يعني :الكف عنه ،والابتعاد عنه بجميع وسائل الترك وأما كلمة( :يعني) فإنها تتعلق بالعناية ،والعناية شدة الاهتمام بالشيء فالمعنى \" :من حسن إسلام المرء\" أي من كماله وتمامه تركه ما لا يعنيه أي :ما لا يهمه في دنياه وآخرته وترك ما لا يعني ،يشمل :المحرمات ،أو المشتبهات أوالمكروهات وفضول المباحات التي لا يحتاج إليها لا يتدخل فيما لا يعنيه ،لا يتدخل في شؤون غيره ،لا يسأل عما لا حاجة له به ،لا ينظر إلى ما لا يحتاج للنظر إليه ،لا يستمع إلى ما شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
64 لا يحتاج استماعه ،ما لا ينفعه في دينه أو دنياه ،وليس بحاجة لهذه الأمور ،لأنها لا تعنيه ،فمن تمام إسلامه وحسن إسلامه وكماله ألا ينظر إلى هذه الأمور. كثير من الناس مغرم بتتبع هذه الأمور التي لا تعنيه ،بل فيها إضاعة لوقته وجهده واهتمامه ،ولها آثار على قلبه. لأن هذه الأمور منافذ للقلب إذا تكلم فيما لا يعنيه ،ونظر إلى ما لا يعنيه ،واستمع إلى ما لا يعنيه ،هذه المنافذ إلى القلب التي تورثه تشتتا وعدم اجتماع ،فيصاب بالغفلة ،إذا أكثر النظر في الأمور التي لا تعنيه ،وهو ماش في طريقه هذه العمارة ما شاء الله كم دور؟ ولمن؟ ولماذا فعلوا كذا؟ ولماذا كان اللون كذا؟ هذا لا يعنيك ،اشتغل بما يعنيك، لو أنت قلت :سبحان الله وبحمده ،سبحان الله العظيم بدلا من هذا الفضول لكان أكمل لإسلامك ،وأحفظ لقلبك. ومثله الاستماع ،بعض الناس يحب سماع كل شيء ،وإذا فاته شيء ماذا قال فلان؟ ماذا حصل؟ ماذا؟ بعضهم فضول النظر ،وهذه الأمور هي التي تصيب القلب بالتشتت والغفلة عما يراد من الإنسان ،فمنافذ القلب السمع والبصر ،واللسان ،فضول القول ،فضول النظر ،فضول الاستماع، فضول النوم ،فضول الأكل ،كل هذه الفضول الإنسان ليس بحاجة إليها ،إنما يقتصر على ما يحتاج إليه ،ويقتصر على ما يعنيه. شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
65 قد يقول قائل أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تدخل في شؤون الغير؟! ويدخل في هذا الحديث ((من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)) نقول :لا ،هو مأمور به شرعا فهو يعنيه ،مأمور بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الفوائد من الحديث -1إن درجة وكمال الإسلام يتفاوت من شخص لآخر لقوله: { من حسن إسلام المرء }. -2ومن فوائد هذا الحديث :أنه ينبغي للإنسان أن يدع ما لا يعنيه في أمور دنياه و آخرته ،لأن ذلك أحفظ لوقته وأسلم لدينه ،فلو تدخل في أمور الناس التي لا تعنيه لتعب ،ولكنه إذا أعرض عنها ولم يشتغل إلا بما يعنيه صار ذلك طمأنينة وراحة له. -3أن لا يضيع الإنسان ما يعنيه أي ما يهمه من أمور دينه ودنياه بل يعتني به ويشتغل به ويقصد إلى ما هو أقرب إلى تحصيل المقصود. شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
66 الحديث الثالث عشر عن أبي حمزةَ أن ِس ب ِن مالك َر ِضي اللُ َع ْنهُ خاد ِم رسو ِل اللِ َصلَّى اللُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم عن النَّبي َصلَّى اللُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم قا َل: { لاَ ي ْؤ ِمن أَ َحدك ْم َحتَّى ي ِح َّب ل ِأ ِخي ِه َما ي ِحب لِنَ ْف ِس ِه } رواه البخاري ومسلم المفردات لا يؤمن :نفي لكمال الإيمان وليس أصله ويفسر هذا النفي رواية أحمد بلفظ ( لا يبلغ عبد حقيقة الإيمان حتى يحب للناس ما يحب لنفسه من الخير ) صححه الألباني وكثيرا ما يأتي هذا النفي ،لانتفاء بعض واجبات الإيمان وإن بقي أصله لأخيه :في الإسلام . ما يحب لنفسه :من الخير كما في رواية أحمد المتقدمة .والخير كلمة جامعة تعم الطاعات و المباحات الدينية والدنيوية شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
67 شرح الحديث قوله صلى الله عليه وسلم (( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه )) :الأولى أن يحمل ذلك على عموم الأخوة ،حتى يشمل الكافر والمسلم ،فيحب للكافر ما يحب لنفسه من دخوله في الإسلام ،كما يحب لأخيه المسلم دوامه على الإسلام ،ولهذا كان الدعاء بالهداية للكافر مستحبا ،والحديث محمول على نفي الإيمان الكامل عمن لم يحب لأخيه ما يحب لنفسه والمراد بالمحبة إرادة الخير والمنفعة ،ثم المراد :المحبة الدينية لا المحبة البشرية ،فإن الطباع البشرية قد تكره حصول الخير وتمييز غيرها عليها ،والإنسان يجب عليه أن يخالف الطباع البشرية ويدعو لأخيه ويتمنى له ما يحب لنفسه ،والشخص متى لم يحب لأخيه ما يحب لنفسه كان حسودا والحسد كما قال الغزالي :ينقسم إلى ثلاثة أقسام : الأول :أن يتمنى زوال نعمة الغير وحصولها لنفسه . الثاني :أن يتمنى زوال نعمة الغير وإن لم تحصل له كما إذا كان عنده مثلها أو لم يكن يحبها ،وهذا أشر من الأول الثالث :أن لا يتمنى زوال النعمة عن الغير ولكن يكره ارتفاعه عليه في الحظ والمنزلة ويرضى بالمساواة ولا يرضى بالزيادة، شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
68 وهذا أيضا محرم لأنه لم يرض بقسمة الله تعالى {:أَه ْم يَ ْق ِسمو َن َر ْح َم َت َربِّ َك نَ ْحن قَ َس ْمنَا بَ ْينَهم َّم ِعي َشتَه ْم فِي ا ْل َحيَا ِة الد ْنيَا َو َرفَ ْعنَا بَ ْع َضه ْم فَ ْو َق بَ ْعض َد َر َجات لِّيَتَّ ِخ َذ بَ ْعضهم بَ ْعضا س ْخ ِريّا َو َر ْح َمت َربِّ َك َخ ْير ِّم َّما يَ ْج َمعو َن } [الزخرف]32: فمن لم يرض بالقسمة فقد عارض الله تعالى في قسمته وحكمته. وعلى الإنسان أن يعالج نفسه ويحملها على الرضى بالقضاء ويخالفها بالدعاء لعدوه بما يخالف النفس. الفوائد التربوية الفائدة الأولى :يخص الحديث علاقة المسلم مع إخوانه ويحددها الفائدة الثانية :يزرع الأخوة الحقة بين المسلمين سواء في لفظه لقوله \" أخيه \" أو في معناه . الفائدة الثالثة :محبة الخير للغير من علامات كمال الإيمان ،فمن أحب الخير والنفع عامة لجميع المسلمين فقد كمل إيمانه لظاهر الحديث الفائدة الرابعة :تمني الضر لغيره من المسلمين علامة نقص في إيمانه ،فليسرع وليستدرك نفسه قبل أن يتفاقم الأمر وينتشر ويجلب أمراض الحسد والغل والحقد شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
69 الفائدة الخامسة :من علاج الحسد إذا انتشر في المجتمع أن يحب الواحد لغيره من الخير ما يحب لنفسه . الفائدة السادسة :الحديث يؤيد حديث تميم الداري مرفوعا \" الدين النصيحة \" فمن النصيحة لعامة المسلمين تمني الخير لهم . الفائدة السابعة :فيه بيان ميزة وخصوصية للمجتمع الإسلامي دون غيره ،وهي محبة الخير للغير كما يحبه لنفسه تماما . الفائدة الثامنة :يدل على أن تمني الخير للنفس من طبيعة النفس ولا حرج في ذلك إن كان ذلك الخير يقرب إلى الله سبحانه وتعالى ،ولهذا قال \" ما يحب لنفسه \". الفائدة التاسعة :محبة الخير للغير أمر يجب أن يستمر عليه الإنسان طيلة حياته وهذا المفهوم من صيغة الفعل المضارع \"يحب ،ويؤمن \" لأن المضارع يفيد الحال والاستمرار في المستقبل الفائدة العاشرة :الحديث يشمل جميع المؤمنين ،فيجب أن تحب لهم الخير حتى أولئك الذين بينك وبينهم عداوات شخصية ومخاصمات دنيوية ولهذا جاء لفظ الحديث عاما دون استثناء الفائدة الحادية عشرة :الحديث يدخل في صوره محبة الهداية والاستقامة على أمر الله لمن لم يهتد من أهل المعاصي ،فيتمنى لهم الهداية والخير وعمل الصالحات . شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
70 الفائدة الثانية عشرة :دليل لمذهب أهل السنة والجماعة أن الإيمان يزيد وينقص فمن أحب للمسلمين الخير كمل إيمانه ومن فاته هذه نقص إيمانه على قدر تلك الخصلة ،كما هو مفهوم الحديث شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
71 الحديث الرابع عشر َع ِن ا ْب ِن َم ْس ُعود رضي الل عنه قَا َل: قَا َل َر ُسو ُل اللِ صلى الل عليه وسلم: \"لا يَ ِحل َدم ا ْم ِرئ م ْسلِم ،يَ ْش َهد أ ْن لا إلَهَ إ َّلا ال َّله وأَنِّي َرسول اللهِ، إ َّلا بإ ْح َدى ثَلاث :الثَّيِّب ال َّزانِي ،والنَّفْس بالنَّ ْف ِس ،والتَّا ِرك لِ ِدينِ ِه المفا ِرق لِ ْل َجما َع ِة\". رواه البخاري ومسلم المفردات لا يحل دم امرئ :لا تجوز إراقة دمه ،والمراد النهي عن قتله إلا بإحدى ثلاث :ثلاث خصال يجب على الإمام القتل بها لما فيه من المصلحة العامة ،وهي حفظ النفوس والأنساب والدين . شرح الحديث هذا الحديث بين فيه الرسول عليه الصلاة والسلام أن دماء المسلمين محترمة وأنها محرمة لا يحل انتهاكها إلا بإحدى ثلاث: الأول {:الثيّب الزاني } وهو الذي تزوج ثم زنى بعد أن م ّن الله شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
72 عليه بالزواج ،فهذا يحل دمه ،لأن حده أن يرجم بالحجارة حتى يموت. الثاني { :النفس بالنفس } وهذا في القصاص ،من قتل عمدا بغير حق فإنه يقتل بشرط المكافأة في الدين والحرية .فلا يقتل المسلم بالكافر ،ولا الحر بالعبد .. لقوله تعالى\" :يَا أَي َها الَّ ِذي َن آ َمنوا كتِ َب َعلَ ْيكم ا ْلقِ َصاص فِي ا ْلقَ ْتلَى\" [البقرة]178: الثالث { :التارك لدينه المفارق للجماعة } والمراد به المرتد عن دينه الخارج على الجماعة ،فإنه يباح قتله حتى يرجع ويتوب إلى الله عزوجل ،وهناك أشياء لم تذكر في هذا الحديث مما يحل فيها دم المسلم لكن الرسول عليه الصلاة والسلام كلامه يجمع بعضه من بعض ويكمل بعضه من بعض الفوائد التربوية -1الفائدة الأولى :الأصل عصمة دم المسلم . -2الفائدة الثانية :دم المسلم لا يباح بالشبهات بل لابد من يقين كامل في الزنا وهو ثيب أو قتل نفسا عمدا من غير شبهة أو ترك دين الإسلام . شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
73 -3الفائدة الثالثة :الحديث لم يدل على أن فعل هذه الأشياء بمجردها يبيح الدم لأي أحد أراد إقامة الحد عليه ،بل الحديث يقرر قاعدة في الدماء ،أما تطبيقها فلولي أمر المسلمين أو من يقوم مقامه ،بدليل سيرة الصحابة رضي الله عنهم والسلف الصالح فلم يثبت أن أحدهم قتل زانيا ثيبا أو قاتلا لنفس بل كان ذلك يرجع لولي الأمر ،وحتى لا تعم الفوضى في المجتمع الإسلامي . -4الفائدة الرابعة :الثلاثة المذكورة في الحديث تبيح الدم وهي :ـ الزنا بعد إحصان قتل النفس بغير حق الردة عن دين الله -5الفائدة الخامسة :فيه بيان عظم هذه الذنوب على وجه الخصوص لأنها استثنيت من القاعدة وأبيح لأجلها الدم . -6الفائدة السادسة :الدين يأمر بالجماعة وينهى عن الفرقة ولذلك قال \" :التارك لدينه المفارق للجماعة \" فمن ترك دينه فقد فارق الجماعة لأن الدين هو الجماعة . -7الفائدة السابعة :حفظ النفس أحد الضروريات الخمس التي جاء الشرع بحفظها وهي حفظ الدين والنفس والعقل والعرض والمال شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
74 -8الفائدة الثامنة :الحديث ذكرت فيه ثلاث من الضروريات الخمس :ـ أ ـ حفظ الأعراض \" الثيب الزاني \" حيث شرعت هذه العقوبه حفظا للأعراض . ب ـ حفظ النفس \" النفس بالنفس \" حيث شرعت هذه العقوبة حفظا للأنفس . ج ـ حفظ الدين \" التارك لدينه المفارق للجماعة \" حيث شرعت هذه العقوبة حفظا للدين. شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
75 الحديث الخامس عشر عن أبي هُريرةَ َر ِضي اللُ َع ْنهُ أ َّن رسو َل اللِ َصلَّى اللُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم قا َل: { َم ْن َكا َن ي ْؤ ِمن بِاللهِ َوالْيَ ْو ِم الآ ِخ ِر فَلْيَق ْل َخ ْيرا أَ ْو لِيَ ْصم ْتَ ،و َم ْن َكا َن ي ْؤ ِمن بِاللهِ َوا ْليَ ْو ِم الآ ِخ ِر فَ ْلي ْك ِر ْم َجا َرهَ ،و َم ْن َكا َن ي ْؤ ِمن بِاللهِ َوا ْليَ ْو ِم الآ ِخ ِر فَ ْلي ْك ِر ْم َض ْيفَه} رواه البخاري ومسلم المفردات يؤمن :الإيمان الكامل المنجي من عذاب الله الموصل إلى رضاه بالله :أنه الذي خلقه واليوم الآخر :أنه سيجازى فيه بعمله فليقل :هذه اللام لام الأمر خيرا :كالإبلاغ عن الله وعن رسوله ،وتعليم الخير والأمر بالمعروف عن علم وحلم ،والنهي عن المنكر عن علم ورفق ، والإصلاح بين الناس ،والقول الحسن لهم ،وكلمة حق عند من يخاف شره ويرجى خيره ،في ثبات وحسن قصد ليصمت :بضم الميم وكسرها ،ليسكت شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
76 فليكرم جاره :بالإحسان إليه وكف الأذى عنه ،وتحمل ما يصدر منه ،والبشر في وجهه ،وغير ذلك من وجوه الإكرام فليكرم ضيفه :بالبشر في وجهه ،وطيب الحديث معه ،وإحضار المتيسر هذا الحديث فيه مجموعة من الآداب الإسلامية الواجبة : الأول :إكرام الجار فإن الجار له حق ،قال العلماء : إذا كان الجار مسلما قريبا فله ثلاث حقوق :الجوار والإسلام والقرابة وإن كان مسلما غير قريب فله حقان :الجوار والإسلام وإذا كان كافرا غير قريب له حق واحد وهو حق الجوار الثاني :إكرام الضيف ،والضيف هو الذي نزل بك وأنت في بلدك وهو مار مسافر ،فهو غريب محتاج الثالث :حفظ اللسان ،لأن القول باللسان من أخطر ما يكون على الإنسان فلهذا كان مما يجب عليه أن يعتني بما يقول ،فيقول خيرا أو يسكت الفوائد التربوية الفائدة الأولى :دليل لمذهب أهل السنة والجماعة في أن الأعمال من الإيمان ولذلك ربط بين الأعمال مع الإيمان بالله واليوم الآخر شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
77 الفائدة الثانية :فيه توجيه للمؤمن وإرشاد للكلام من عدمه ،فمن الإيمان أن يتكلم إن كان الكلام خيرا ومن الإيمان أن يسكت إن كان السكوت خيرا . الفائدة الثالثة :الشريعة تحرص على كل ما فيه فائدة حتى الكلام أو السكوت ،فالمؤمن لا يتكلم إلا بخير أو يصمت عن لغو وباطل الفائدة الرابعة :دليل على وجوب حفظ اللسان ليس عن الحرام فقط بل عن كل ما لا فائدة من ورائه الفائدة الخامسة :الحديث يشمل حقوق الله وحقوق الناس :ـ ـ فالكلام بالخير والصمت عن غيره من حقوق الله . ـ وإكرام الضيف والجار من حقوق الناس . فالإسلام يربي أهله على إعطاء الحقوق وعلى تنوعها . الفائدة السادسة :يدل على أن قول الخير أو الصمت عن الشر وإكرام الجار والضيف من الإيمان . الفائدة السابعة :الإسلام يحارب البخل ولذلك كررت كلمة \"فليكرم\" مرتين في الحديث لأن البخل يجمع صفات عديدة كحب الدنيا وسوء الظن بالله والشح . الفائدة الثامنة :هذا الحديث فيه دعوة لحسن الأخلاق فإكرام الجار والضيف يكون بذلك . شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
78 الفائدة التاسعة :الإكرام يشمل صورا عديدة منها :ـ السلام ـ الإحسان ـ البذل ـ التقدير ـ الاحترام ـ حفظ غيبته ـ ستر عورته ـ النصح ـ عدم أذيته ـ الزيارة ـ العفو ـ المشي في حاجته ـ إدخال السرور عليه ـ القيام بواجبه ،فكلها دخلت في كلمة \"إكرام \" الفائدة العاشرة :الإسلام يقوي الروابط بين أهله وأتباعه ،فرابطة أخوة الإسلام ثم القرابة والنسب ثم الجار ثم الضيافة . وهذا ليصبح المجتمع الإسلامي ،مجتمعا قويا من الداخل يصعب اختراق صفوفه وشق عصاهم ،فتندحر فتنة الشيطان بالتفريق بينهم وفتنة الأعداء في الوصول لهم . الفائدة الحادية عشرة :الإسلام يربط همة أتباعه بالجائزة العظمى وهي تحقق الإيمان ،فلم تكن الجائزة لمن قال خيرا أو أكرم جاره وضيفه ،جائزة دنيوية لأن همة المؤمن أعلى من ذلك بل الجائزة هي \"الإيمان بالله واليوم الآخر \" الفائدة الثانية عشرة :في تعليق الناس بالإيمان بالله واليوم الآخر تأصيل لمنزلة مراقبة الله في قلوبهم شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
79 الفائدة الثالثة عشرة :قول الخير أفضل من الصمت عن الشر لأن قول الخير يتعدى بنفسه فينفع الغير ،بخلاف الصمت لا يتعدى ، ولهذا والله أعلم بدأ فيه فقال \" :فليقل خيرا أو ليصمت \" شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
80 الحديث السادس عشر عن أبي هُريرةَ َر ِضي اللُ َع ْنهُ أ َّن َر ُج ًلا قا َل للنَّبي َصلَّى اللُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم :أَ ْو ِصني. قا َل{ :لاَ تَ ْغ َض ْب} فَ َر َّد َد ِمرا ًرا ،قا َل{ :لاَ تَ ْغ َض ْب} رواه البخاري المفردات أوصني :وصية وجيزة جامعة لخصال الخير . لا تغضب :لا تتعرض لما يجلب الغضب ،ولا تفعل ما يأمرك به . فردد :كرر ذلك الرجل قوله (( أوصني )) يلتمس أنفع من ذلك ، أو أبلغ أو أعم . مرارا :في رواية عثمان بن أبي شيبة بيان عددها ،فإنها بلفظ (( لا تغضب ثلاث مرات )) قال :النبي صلى الله عليه وسلم له في المرة الثانية والثالثة لا تغضب :ويدل تكرارها على عظيم نفعها وعمومه شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
81 الشرح لم يبيَّن هذا الرجل ،وهذا يأتي كثيرا في الأحاديث لايبيّن فيها اسم السائل ،وذلك لأن معرفة اسم الرجل أو وصفه لايحتاج إليه، فلذلك تجد في الأحاديث :أن رجلا قال كذا ،فلاحاجة للتعب في معرفة اسمه مادام الحكم لايتغير بفلان مع فلان قَا َل :يَا َرسو َل اللهِ أَو ِصنِي الوصية :هي العهد إلى الشخص بأمر هام ،كما يوصي الرجل مثلا على ثلثه أوعلى ولده الصغير أو ما أشبه ذلك. قَا َل \" :لاَتَ ْغ َض ْب\" الغضب :بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أنه جمرة يلقيها الشيطان في قلب ابن آدم فيغلي القلب ،ولذلك يحم ّر وجهه وتنتفخ أوداجه وربما يقف شعره فهل مراد الرسول صلى الله عليه وسلم \" لاتغضب\" أي لايقع منك الغضب ،أو المعنى :لاتنفذ الغضب ؟ تحتمل المعنيين: المعنى الأول:اضبط نفسك عند وجود السبب حتى لاتغضب. شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
82 والمعنى الثاني :لا تنفذ مقتضى الغضب ،فلو غضب الإنسان وأراد أن يطلّق امرأته ،فنقول له :اصبر وتأ َّن فَ َر َّد َد ال َّرجل ِم َرارا - ،أَ ْي قَا َل :أَ ْو ِصنِي -قَا َل :لاَ تَ ْغ َض ْب الفوائد التربوية الفائدة الأولى :على الإنسان أن يطلب الوصية ممن يكون أهلا لها ،ولذلك طلب الرجل الوصية من النبي صلى الله عليه وسلم . الفائدة الثانية :صيغة السؤال تدل على أهمية الحديث لأن الرجل بادر فطلب الوصية ،ثم إن لفظ الوصية بحد ذاته يتضمن نصيحة جامعة نافعة وفي لفظ الترمذي \" يا رسول الله علمني شيئا ولا تكثر علي \" الفائدة الثالثة :ينبغي في حال النصيحة اختيار الكلمات المختصرة التي تناسب الحال ،لأن ذلك أنفع ،كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع الرجل . الفائدة الرابعة :صيغة ترديد السؤال وترديد الجواب تدل على خطورة الغضب . الفائدة الخامسة :لفظ الحديث أطلق ولم يقيد \" لا تغضب \" ولم يذكر الأشياء التي لا يغضب فيها ،والذي يظهر أن هذا الإطلاق شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
83 مقصود وذلك حتى يشمل جميع أمور الحياة فلا يغضب من زوجته ولا أولاده ولاتعامله ولا جيرانه ولاتجارته ولا غير ذلك . الفائدة السادسة :في الحديث دعوة لحسن الأخلاق ،وذلك أنه لا تفسد الأخلاق بمثلما تفسد بالغضب ،قيل لابن المبارك :اجمع لنا حسن الخلق في كلمة قال \" :لا تغضب \" الفائدة السابعة :الشريعة تدعو لأن يتحكم الشخص بعاطفته فيجعلها تحت سلطان الشرع وحتى في حال الغضب الذي قد لا يملك الإنسان نفسه . الفائدة الثامنة :يدل الحديث على أن الغضب لا يحل المشاكل ولا ييسر الأمور بل يزيد تعقيدها ،ولو كان الغضب حلا لأوصى به صلى الله عليه وسلم . الفائدة التاسعة :قوله \" لا تغضب \" تحتمل معنيين :ـ الأول :جاهد نفسك لئلا يقع الغضب أصلا . الثاني :أمسك نفسك إذا وقع الغضب فلا تقع في فعل تندم عليه . وظاهر الحديث يتوجه للمعنى الأول لأنه خطوة للثاني فإن لم يقع الغضب أصلا فهذا أفضل شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
84 الفائدة العاشرة :يدل الحديث على أن الغضب يمكن التخلص منه ولو كان من صفات الشخص الذاتية ،فلو لم يمكن التخلص منه لم ينه النبي صلى الله عليه وسلم عنه شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
85 الحديث السابع عشر عن أبي يَ ْعلَى َش َّدا ِد ب ِن أَ ْوس رضي اللُ َع ْنهُ ، عن رسو ِل اللِ َصلَّى اللُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم قا َل: {إِ َّن اللهَ َكتَ َب ال ِإ ْح َسا َن على ك ِّل َش ْيء ،فَإِ َذا قَتَ ْلت ْم فَأَ ْح ِسنوا ا ْلقِ ْتلَةَ، َوإِ َذا َذبَ ْحت ْم فَأَ ْح ِسنوا ال ِّذبحةَ ،و ْلي ِح َّد أَ َحدك ْم َشفْ َرتَه َو ْلي ِر ْح َذبِي َحتَه} رواه مسلِم المفردات كتب :أوجب على كل شيء (( :على )) هنا بمعنى (( إلى )) أو (( في )) فإذا قتلتم :قودا أو حدا ..قودا أي قصاصا ،حدا أي في حد من حدود الله فأحسنوا القتلة :بأن تختاروا أسهل الطرق وأخفها وأسرعها زهوقا ،القتلة بكسر القاف وإذا ذبحتم :ما يحل ذبحه من البهائم . فأحسنوا الذبحة :وفي رواية لمسلم \" :فأحسنوا ال َّذ ْب َح \" وذلك بأن ترفقوا بالبهيمة وبإحداد الآلة ،وتوجيهها للقبلة والتسمية ،ونية التقرب بذبحها إلى اللهِ شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
86 وليحد :بضم الياء ،من حد السكين شفرته :الشفرة هي السكين العريض وليرح :بضم الياء ،وفي رواية لمسلم \":فليرح\" ذبيحته :مذبوحته شرح الحديث قوله صلى الله عليه وسلم(( :إن الله كتب الإحسان على كل شيء)) فهذه دالة على العموم فيدخل في ذلك الإحسان في التعامل مع النفس ،والتعامل مع من تحت يده ممن استرعاه الله عليه ،ويدخل فيه أيضا التعامل مع الناس ،والتعامل مع البهائم والدواب (( فإذا قتلتم فأحسنوا القِتلة ،وإذا ذبحتم فأحسنوا ال ِّذبحة )) القِتلة وال ِّذبحة بالكسر هي الهيئة ،يعني :هيئة القتل ،صورة القتل ،صفة القتل ،فذكر النبي صلى الله عليه وسلم صورتين من الإحسان في أمر قد لا يتصور فيه الإحسان القتل أو الذبح ومن جملة الإحسان عند قتل المسلم في القصاص: أن يتفقد آلة القصاص ولا يقتل بآلة غير حادة شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
87 وأما بالنسبة لذبح البهمية فمن الإحسان أن يحد الشفرة عند الذبح ،و يريح البهيمة ،و لا يقطع منها شيء حتى تموت ،و لا يحد السكين قبالتها وأن يعرض عليها الماء قبل الذبح ،ولا يذبح اللبون ،ولا ذات الولد ،حتى يستغني عن اللبن ،ولا يذبح واحدة ق ّدام أخرى الفوائد التربوية الفائدة الأولى :دليل على رحمة الله سبحانه ولأجل ذلك كتب الإحسان على كل شيء وهذا يورث محبته سبحانه . الفائدة الثانية :فيه سماحة الشريعة ويسرها حيث بنيت على الإحسان والإتقان . الفائدة الثالثة :قوله \" كتب \" تدل على وجوب الإحسان . الفائدة الرابعة :الإحسان فيه معنى الإتقان ،فالإحسان في الذبيحة إتقانها بحيث لا تطول فتتعذب .وكذلك الإحسان في كل شيء إتقانه بحسبه الفائدة الخامسة :يجب الإحسان إلى الذبيحة بحد شفرته وسرعة إنجازها شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
88 الفائدة السادسة :من أساليب التعليم :ذكر قاعدة ثم ضرب مثال لها أو مثالين .فالقاعدة في الحديث \" إن الله كتب الإحسان على كل شيء \" والمثالان هما \" إذا قتلتم فأحسنوا القتلة ،وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة\" . شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
89 الحديث الثامن عشر عن أبي ذر ُجن ُد ِب ب ِن ُجنَا َدةَ وأبي عب ِد ال َّرحم ِن ُمعا ِذ ب ِن جبل ر ِضي اللُ َع ْنهُما، عن رسو ِل اللِ َصلَّى اللُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم قا َل: { اتَّ ِق اللهَ َح ْيثما ك ْن َتَ ،وأَ ْتبِ ِع ال َّسيِّئَةَ ا ْل َح َسنَةَ تَ ْمح َهاَ ،و َخالِ ِق النَّا َس بِخلق َح َسن } رواه الترمذ ّي ،وقا َل حديث َح َسن. وفي بع ِض الن َس ِخ حسن صحيح. شرح الحديث \"اتَّ ِق اللهَ\" أي اتخذ وقاية من عذاب الله عز وجل ،وذلك بفعل أوامره واجتناب نواهيه \" َح ْيث َما ك ْن َت\" حيث :ظرف مكان ،أي في أي مكان كنت سواء في العلانية أو في السر ،وسواء في البيت أو في السوق ،وسواء حيث يراك الناس ،وحيث لا يرونك ،فإنه مطلع عليك \" َوأَ ْتبِ ِع ال َّسيِّئَةَ ال َح َسنَةَ تَ ْمح َها\" (أتبع) فعل أمر أي ألحق (السيئة) :وهي ترك بعض الواجبات ،أو ارتكاب بعض المحظورات (الحسنة) :إما التوبة من السيئة أو الإتيان بحسنة أخرى شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
90 \"تَ ْمح َها\" جواب الأمر ،أي تمح عقابها من صحف الملائكة وأثرها السيء في القلب .فبين النتيجة أنها تمحها والمعنى :إذا فعلت سيئة فأتبعها بحسنة ،فهذه الحسنة تمحو السيئة واختلف العلماء رحمهم الله هل المراد بالحسنة التي تتبع السيئة هي التوبة ،فكأنه قال :إذا أسأت فتب ،أو المراد العموم؟ الصواب :الثاني ،أن الحسنة تمحو السيئة وإن لم تكن توبة ،دليل هذا قوله تعالى َ (:وأَقِ ِم ال َّص َلاةَ طَ َرفَ ِي النَّ َها ِر َوزلَفا ِّم َن اللَّ ْي ِل إِ َّن ا ْل َح َسنَا ِت ي ْذ ِه ْب َن ال َّسيِّئَا ِت َٰ َذلِ َك ِذ ْك َر َٰى لِل َّذا ِك ِري َن ) (هود :الآية )114 ولما سأل النبي صلى الله عليه وسلم رجل وقال :إنه أصاب من امرأة ما يصيب الرجل من امرأته إلا الزنا ،وكان قد صلى معهم الفجر ،فقال :أصليت معنا صلاة الفجر؟ قال :نعم ،فتلا عليه الآية: ( إِ َّن ا ْل َح َسنَا ِت ي ْذ ِه ْب َن ال َّسيِّئَات ) [هود ،]114:وهذا يدل على أن الحسنة تمحو السيئة وإن لم تكن هي التوبة \" َو َخالِ ِق النَّا َس بِخلق َح َسن\" أي عامل الناس بخلق حسن والخلق حسن :هو أن تفعل معهم ما تحب أن يفعلوه معك ،فبذلك تجتمع القلوب ،وتتفق الكلمة ،وتنتظم الأحوال والمعنى :عامل الناس بالأخلاق الحسنة بالقول وبالفعل شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
91 فما هو الخلق الحسن؟ قال بعضهم :الخلق الحسن :كف الأذى ،وبذل الندى ،والصبر على الأذى -أي على أذى الغير -والوجه الطلق كف الأذى منك للناس بذل الندى أي العطاء الصبر على الأذى لأن الإنسان لايخلو من أذية من الناس الوجه الطلق :طلاقة الوجه وضابط ذلك ما ذكره الله ع ّز وجل في قوله( :خ ِذ ا ْل َعفْ َو ) [الأعراف ،]199:أي خذ ما عفا وسهل من الناس ،ولاترد من الناس أن يأتوك على ما تحب لأن هذا أمر مستحيل ،لكن خذ ما تيسرَ ( ،و ْأم ْر بِا ْلع ْر ِف َوأَ ْع ِر ْض َع ِن ا ْل َجا ِهلِي َن) [الأعراف]199: وهل الخلق الحسن ِجبْلِي (فطري) أو يحصل بالكسب؟ الجواب :بعضه جبلي فطر الله الإنسان وخلقه عليه فيكون هبة من الله ،وبعضه يحصل بالكسب قال النبي صلى الله عليه وسلم لأش ّج عبد قيس\" :إِ َّن فِ ْي َك لَخلقَ ْي ِن ي ِحبه َما الله :ال ِح ْلم َوالأَنَاة\" قال :يارسول الله أخلقين تخلّقت بهما أم جبلني الله عليهما؟ قال\" :بَ ْل َجبَلَ َك الله َعلَ ْي ِه َما\" قال :الحمد لله الذي جبلني على ما يحب شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
92 فالخلق الحسن يكون طبيعيا بمعنى أن الإنسان يم ّن الله عليه من الأصل بخلق حسن .ويكون بالكسب بمعنى أن الإنسان يم ّرن نفسه على الخلق الحسن حتى يكون ذا خلق حسن .ولا أدل على ذلك من قول النبي صلى الله عليه وسلم \" :إنما العلم بالتعلم ،وإنما الحلم بالتحلم\" ،فالحلم من الأخلاق ،فيحصل بالتحلم ،وهذا يحتاج إلى طلب ،وترويض للنفس على هذه الخصلة ،فيكون ذلك عادة له . والخلق الحسن يك ِسب الإنسان الراحة والطمأنينة وعدم القلق لأنه مطمئن من نفسه في معاملة غيره. الفوائد التربوية الفائدة الأولى :يجمع الحديث ثلاثة حقوق :ـ 1ـ الحق الأول :حق الله في قوله \" اتق الله \" 2ـ الحق الثاني :حق النفس في قوله \" واتبع السيئة الحسنة تمحها \" 3ـ الحق الثالث :حق الناس في قوله \" وخالق الناس بخلق حسن الفائدة الثانية :تقوى الله ليس لها زمن تتقيد به وتقف عنده بل عند الإنسان المؤمن تجب في كل اللحظات الفائدة الثالثة :قوله \" اتق الله حيثما كنت \" تأصيل لمراقبة الله سبحانه في السر والعلن. شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
93 الفائدة الرابعة :الشريعة تحرص على أن يوجد عند الشخص رادع وزاجر من نفسه تحول بينه وبين المحرمات وهي \" تقوى الله \" الفائدة الخامسة :ظاهر الحديث أن تقوى الإنسان لا تعصمه من وجود زلات سرعان ما يتبصر فيها المتقي ويرجع إلى حال أفضل من حال قبل الذنب وهذا الظاهر يؤخذ من قوله \" وأتبع السيئة الحسنة تمحها \" بعد قوله \" اتق الله حيثما كنت\" الفائدة السادسة :بيان رحمة الله سبحانه بعباده ،وذلك بفتح أبواب لمحو السيئات ومنها الاستغفار ومنها فعل الحسنات كما في الحديث . الفائدة السابعة :فيه حث على مجاهدة النفس فمن فعل سيئة فليتبعها بحسنة فإن عاد للذنب فعل الحسنة وهكذا . الفائدة الثامنة :على الإنسان أن لا يستسلم للذنوب فمن أذنب فلايعني سقوطه وإبعاده أو أنه يرضى بما هو عليه بل يحاول التخلص ويفعل الخير ويتوب ويرجع إلى ربه وفي ذلك رفع للمعنوية وشحذ للهمة الفائدة التاسعة :فضل فعل الحسنات والصالحات أنه يرفع الدرجات ويكفر السيئات الفائدة العاشرة :يربي الحديث في المسلم الخوف والرجاء ، فتقوى الله تربي في المسلم الخوف ،وفتح باب التوبة وتكفير شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
94 السيئات يربي في المسلم الرجاء وهما منزلتان عظيمتان من منازل أعمال القلوب . الفائدة الحادية عشرة :يسعى الإسلام لتربية أهله على زوال العداوات بينهم وهو المقصود من قوله \"وخالق الناس بخلق حسن\" الفائدة الثانية عشرة :تقوى الله تشمل القيام بحقوق الله وحقوق الناس ولذلك قال في الحديث \" وخالق الناس بخلق حسن \" قال ابن رجب رحمه الله \" :وإنما أفرده بالذكر للحاجة إلى بيانه فإن كثيرا من الناس يظن أن التقوى هي القيام بحقوق الله دون حقوق عباده فنص له الأمر بحسن العشرة للناس \" الفائدة الثالثة عشرة :يربي في النفس المبادرة في الفعل وأ ّلا يكون الشخص تبعا لغيره ،ولذلك أمره أن يبادر في فعل الحسنة وأن يبادر في معاملة الناس بخلق حسن الفائدة الرابعة عشرة :الأخلاق الحسنة في الشريعة تبذل مطلقا سواء أحسن الناس إليك أو أساءوا ولذلك لم يقيدها النبي صلى الله عليه وسلم بأنها لا تبذل إ ّلا لمن أحسن إليك بل جعلها عامة فقال \" :وخالق الناس \" أي جميعا من أحسن ومن أساء شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
95 الحديث التاسع عشر َعن أَبِي العبَّا ِس ع ْب ِد الل ب ِن َعبّاس َر ِضي اللُ َع ْنهُما قا َل: ُك ْن ُت َخ ْل َف النَّبِي َصلَّى اللُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم يو ًما ،فَقَا َل: { يَا غلاَم ،إِنِّي أ َعلِّم َك َكلِ َمات؛ ا ْحفَ ِظ اللهَ يَ ْحفَ ْظ َك ،ا ْحفَ ِظ اللهَ تَ ِج ْده ت َجا َه َك ،إِ َذا َسأَلْ َت فَا ْسأَ ِل اللهََ ،وإِ َذا ا ْستَ َع ْن َت فَا ْستَ ِع ْن بِاللهَِ ،وا ْعلَ ْم أَ َّن الأ َّمةَ لَ ِو ا ْجتَ َم َع ْت َعلَى أَ ْن يَ ْنفَعو َك بِ َش ْيء لَ ْم يَ ْنفَعو َك إِلاَّ بِ َش ْيء قَ ْد َكتَبَه الله لَ َكَ ،وإِ ِن ا ْجتَ َمعوا َعلَى أَ ْن يَضرو َك بِ َش ْيء لَ ْم يَضرو َك إِلاَّ بِ َش ْيء قَ ْد َكتَبَه الله َعلَ ْي َك ،رفِ َع ِت الأَقْلاَم َو َجفَّ ِت الصحف } رواه الترمذي ،وقا َل :حديث َح َسن صحيح. وفي رواي ِة غي ِر الترمذي : \" ا ْحفَ ِظ ال َّلهَ تَ ِج ْده أَما َمك ،تَ َع َّر ْف إِلَى ال َّلهِ في ال َّرخا ِء يَ ْع ِر ْف َك في ال ِّش َّد ِة ،وا ْعلَ ْم أَ َّن ما أَ ْخ َطأَ َك لَ ْم يَك ْن لِي ِصيبَ َك ،وما أَصابَ َك لَ ْم يَك ْن لي ْخ ِطئَ َك ،وا ْعلَ ْم أ َّن النَّ ْص َر َم َع ال َّصبْ ِر ،وأَ َّن الفَ َر َج َم َع ال َك ْر ِب ، وأَ َّن م َع الع ْس ِر ي ْسرا \" الشرح قوله \"كنت خلف النبي\" يحتمل أنه راكب معه على دابته ويحتمل أنه يمشي خلفه ،وأيا كان فالمهم أنه أوصاه بهذه الوصايا العظيمة شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
96 \"يَا غلام\" لأن ابن عباس رضي الله عنهما كان صغيرا ،فإن النبي صلى الله عليه وسلم توفي وابن عباس قد قارب الاحتلام يعني عمره من الخامسة عشر إلى السادسة عشر أو أقل قال\" :إني أعلمك كلمات\" ينفعك الله بها ،وقال ذلك من أجل أن ينتبه لها \"احفظ اللهَ يحفظك\" هذه كلمة عظيمة ،واحفظ الله تعني احفظ حدوده وشريعته بفعل أوامره واجتناب نواهيه وملازمة تقواه \"يحفظك\" في نفسك وأهلك ومالك ،ودينك ودنياك ،وأهم هذه الأشياء هو أن يحفظك في دينك ويسلمك من الزيغ والضلال لأن الإنسان كلما اهتدى زاده الله ع ّز وجل هدى ( َوالَّ ِذي َن ا ْهتَ َد ْوا َزا َده ْم هدى َوآتَاه ْم تَقْ َواه ْم) (محمد)17: وعلِ َم من هذا أن من لم يحفظ الله فإنه لا يستحق أن يحفظه الله ع ّز وجل وفي هذا الترغيب على حفظ حدود الله ع ّز وجل الكلمة الثانية: قال \"احفظ اللهَ تجده تجاهك\" أي احفظ الله تجده أمامك يدلك على كل خير ويقربك ويهديك إليه ويصرف عنك كل شر الكلمة الثالثة: \" إ َذا سأل َت فَا ْسأَ ِل الله\" إذا سألت حاجة فلا تسأل إلا الله ع ّز وجل ولاتسأل المخلوق شيئا وإذا قدر أنك سألت المخلوق ما يقدر عليه شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
97 فاعلم أنه سبب من الأسباب وأن المسبب هو الله ع ّز وجل لو شاء لمنعه من إعطائك سؤالك فاعتمد على الله تعالى الكلمة الرابعة: \" َوإِ َذا استعنت فاستعن بِاللهِ \" أي إذا طلبت العون على أمر من الأمور ،فلا تطلب العون إلا من الله ع ّز وجل ،لأنه هو الذي بيده ملكوت السموات والأرض ،وهو يعينك إذا شاء وإذا أخلصت الاستعانة بالله وتوكلت عليه أعانك ،وإذا استعنت بمخلوق فيما يقدر عليه فاعتقد أنه سبب ،وأن الله هو الذي سخره لك وفي هاتين الجملتين دليل على أنه من نقص التوحيد أن الإنسان يسأل غير الله ،ولهذا تكره المسألة لغير الله ع ّز وجل في قليل أو كثير ،والله سبحانه وتعالى إذا أراد عونك يسر لك العون سواء كان بأسباب معلومة أو غير معلومة ،فقد يعينك الله بسبب غير معلوم لك ,فيدفع عنك من الشر ما لا طاقة لأحد به ،وقد يعينك الله على يد أحد من الخلق يسخره لك ويذلِّله لك حتى يعينك ،ولكن مع ذلك لا يجوز لك إذا أعانك الله على يد أحد أن تنسى المسبب وهو الله ع ّز وجل. الكلمة الخامسة: شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
98 \" َواعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إِلا بشيء قد كتبه الله لك\" الأمة كلها من أولها إلى آخرها لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لن ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ,وعلى هذا فإن نفع الخلق الذي يأتي للإنسان فهو من الله في الحقيقة لأنه هو الذي كتبه له وهذا حث لنا على أن نعتمد على الله ع ّز وجل ونعلم أن الخلق جميعا لا يجلبون لنا خيرا إلا بإذن الله ع ّز وجل. الكلمة السادسة: \" وإِن اِجتمعوا على أَن يضرو َك بِشيء لم يَضروك إلا بشيء قد كتبَه الله عليك\" وعلى هذا فإن نالك ضرر من أحد فاعلم أن الله قد كتبه عليك فار َض بقضاء الله وبقدره ،ولا حرج أن تحاول أن تدفع الضر عنك ،لأن الله تعالى يقول ( َو َج َزاء َسيِّئَة َسيِّئَة ِم ْثل َها ) (الشورى :الآية )40 الكلمة السابعة : \"رفعت الأَقلامَ ،وجفت الصحف \" كناية عن تقدم كتابة المقادير كلها ،والفراغ منها من أمد بعيد وفي رواية غير الترمذي: شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
99 \"اِحفظ الله تجده أَمامك\"وهذا بمعنى \"احفظ الله تجده تجاهك\" \"ت َعرف إلى اللهِ في الرخاء يع ِرفك في الشدة\" يعني قم بحق الله ع ّز وجل في حال الرخاء وفي حال الصحة وفي حال الغنى يَع ِرف َك في ال ّشد ِة إذا زالت عنك الصحة وزال عنك الغنى واشتدت حاجتك عرفك بما سبق لك أو بما سبق فعل الخير الذي تعرفت به إلى الله ع ّز وجل. \" َواعلم أَن ما أَخطأَك لَم يَكن ليصيبَكَ ،و َما أَصابك لَم يَكن ليخطئك\" أي ما وقع عليك فلن يمكن دفعه ،وما لم يحصل لك فلا يمكن جلبه ،ويحتمل أن المعنى ،يعني أن ما قدر الله ع ّز وجل أن يصيبك فإنه لا يخطئك ،بل لابد أن يقع لأن الله قدره .وأن ما كتب الله ع ّز وجل أن يخطئك رفعه عنك فلن يصيبك أبدا ،فالأمر كله بيد الله، وهذا يؤدي إلى أن يعتمد الإنسان على ربه اعتمادا كاملا ثم قال َ \":واعلم أن النصر َمع الصبر\" اي نصر الله للعبد على جميع أعداء دينه ودنياه يكون مع الصبر ،فهذه الجملة فيها الحث على الصبر ،لأنه إذا كان النصر مع الصبر فإن الإنسان يصبر من أجل أن ينال النصر والصبر هنا يشمل: -الصبر على طاعة الله شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
100 -وعن معصيته -وعلى أقداره المؤلمة وقولهَ \" :واعلم أَن الفرج َمع الكرب\" الفرج انكشاف الشدة والكرب ،فكلما اكتربت الأمور فإن الفرج قريب ،لأن الله ع ّز وجل يقول في كتابه (:أَ َّم ْن ي ِجيب ا ْلم ْضطَ َّر إِ َذا َد َعاه َويَ ْك ِشف السوء) (النمل :الآية)62 فكل عسر بعده يسر بل إن العسر محفوف بيسرين ،يسر سابق ويسر لاحق قال الله تعالى( :فَإِ َّن َم َع ا ْلع ْس ِر ي ْسرا* إِ َّن َم َع ا ْلع ْس ِر ي ْسرا) [الشرح]6-5: قال ابن عباس رضي الله عنه \"لَن يَغل َب عسر يس َرين\" الفوائد التربوية الفائدة الأولى :فيه حث على التواضع واللين لإردافه صلى الله عليه وسلم ابن عباس رضي الله عنهما خلفه ومحادثته في الطريق وتوصيته الفائدة الثانية :الاهتمام بتربية الصغار واختيار الجمل القصيرة في حال تعليمهم ليكون أسهل في الحفظ ،وبذل العلم للكبير والصغير شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
Search
Read the Text Version
- 1
- 2
- 3
- 4
- 5
- 6
- 7
- 8
- 9
- 10
- 11
- 12
- 13
- 14
- 15
- 16
- 17
- 18
- 19
- 20
- 21
- 22
- 23
- 24
- 25
- 26
- 27
- 28
- 29
- 30
- 31
- 32
- 33
- 34
- 35
- 36
- 37
- 38
- 39
- 40
- 41
- 42
- 43
- 44
- 45
- 46
- 47
- 48
- 49
- 50
- 51
- 52
- 53
- 54
- 55
- 56
- 57
- 58
- 59
- 60
- 61
- 62
- 63
- 64
- 65
- 66
- 67
- 68
- 69
- 70
- 71
- 72
- 73
- 74
- 75
- 76
- 77
- 78
- 79
- 80
- 81
- 82
- 83
- 84
- 85
- 86
- 87
- 88
- 89
- 90
- 91
- 92
- 93
- 94
- 95
- 96
- 97
- 98
- 99
- 100
- 101
- 102
- 103
- 104
- 105
- 106
- 107
- 108
- 109
- 110
- 111
- 112
- 113
- 114
- 115
- 116
- 117
- 118
- 119
- 120
- 121
- 122
- 123
- 124
- 125
- 126
- 127
- 128
- 129
- 130
- 131
- 132
- 133
- 134
- 135
- 136
- 137
- 138
- 139
- 140
- 141
- 142
- 143
- 144
- 145
- 146
- 147
- 148
- 149
- 150
- 151
- 152
- 153
- 154
- 155
- 156
- 157
- 158
- 159
- 160
- 161
- 162
- 163
- 164
- 165
- 166
- 167
- 168
- 169
- 170
- 171
- 172
- 173
- 174
- 175
- 176
- 177
- 178
- 179
- 180
- 181
- 182
- 183
- 184
- 185
- 186
- 187
- 188
- 189
- 190
- 191
- 192
- 193
- 194
- 195
- 196
- 197
- 198
- 199
- 200
- 201
- 202
- 203
- 204
- 205
- 206
- 207
- 208
- 209
- 210
- 211
- 212
- 213
- 214
- 215
- 216
- 217
- 218
- 219
- 220
- 221
- 222
- 223
- 224
- 225
- 226
- 227
- 228
- 229
- 230
- 231
- 232
- 233
- 234
- 235
- 236
- 237
- 238