Important Announcement
PubHTML5 Scheduled Server Maintenance on (GMT) Sunday, June 26th, 2:00 am - 8:00 am.
PubHTML5 site will be inoperative during the times indicated!

Home Explore شرح الأربعين النووية

شرح الأربعين النووية

Published by مكتبة(ورتل) الإلكترونيه, 2021-05-17 10:11:27

Description: شرح الأربعين النووية

Search

Read the Text Version

‫‪51‬‬ ‫غ ِذ َي‪ :‬أي شبع بضم الغين وتخفيف الذال المكسورة‬ ‫فأنى يستجاب لذلك‪ :‬من أين يستجاب لمن هذه صفته‪ .‬والمراد أنه‬ ‫ليس أهلا للإجابة ‪ ،‬ولكنه ليس صريحا في استحالتها بالكلية‪.‬‬ ‫شرح الحديث‬ ‫وفي لفظ مسلم ((يا أيها الناس‪ ،‬إن الله تعالى طيب‪)) ...‬‬ ‫قوله صلى الله عليه وسلم‪:‬‬ ‫(( إن الله تعالى طيب ))‬ ‫ومعنى طيب ‪ :‬مقدس منزه عن النقائص والعيوب‬ ‫(( لا يقبل إلا طيبا ))‪:‬‬ ‫\"لا يقبل\" ‪ :‬من الأعمال والأموال‬ ‫\"إلا طيبا\" ‪ :‬وهو من الأعمال ما كان خاليا من الرياء والعجب ‪ ،‬و‬ ‫غيرهما من المفسدات ‪ ،‬ومن الأموال الحلال الخالص‬ ‫فلا يتقرب إليه بصدقة حرام ‪ ،‬ويكره التصدق بالرديء من الطعام‬ ‫‪ ،‬وكذلك يكره التصدق بما فيه شبهة قال الله تعالى‪ { :‬ولا تيمموا‬ ‫الخبيث منه تنفقون } [البقرة‪.]267:‬‬ ‫وكما أنه تعالى لا يقبل من المال إلا الطيب كذلك لا يقبل من العمل‬ ‫إلا الطيب الخالص من شائبة الرياء والعجب والسمعة ونحوها‪.‬‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪52‬‬ ‫\"وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين \"من الأكل من‬ ‫الطيبات والعمل الصالح ‪.‬‬ ‫فقال تعالى‪ { :‬يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا }‬ ‫[المؤمنون‪.]51:‬‬ ‫وقال تعالى ‪ {:‬يا أيها الذين أمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم }‬ ‫[البقرة ‪ . ]172:‬والمراد بالطيبات الحلال ‪.‬‬ ‫فأمر الله تعالى للرسل وأمره للمؤمنين واحد أن يأكلوا من الطيبات‬ ‫وأما الخبائث فإنها حرام عليهم‬ ‫وفي الحديث دليل على أن الشخص يثاب على ما يأكله إذا قصد به‬ ‫التقوي على الطاعة أو إحياء نفسه ‪،‬و ذلك من الواجبات ‪ ،‬بخلاف‬ ‫ما إذا أكل لمجرد الشهوة والتنعم ‪.‬‬ ‫قوله ‪ (( :‬مطعمه حرام ومشربه حرام وغذي بالحرام )) أي شبع‬ ‫بالحرام‬ ‫قوله ‪ (( :‬فأنى يستجاب لذلك ))‪ :‬أي استبعادا لقبوله إجابة‬ ‫الدعاء‪ ،‬فأكل الحرام والتوسع في الحرام من موانع اجابة الدعاء‬ ‫فذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الرجل الذي يأكل الحرام‬ ‫تبعد إجابة دعائه وإن وجدت منه أسباب الإجابة يطيل السفر‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪53‬‬ ‫أشعت أغبر يمد يديه إلى السماء { يا رب يا رب‪ ،‬ومطعمه حرام‬ ‫ومشربه حرام و ملبسه حرام وغذي بالحرام فأنّى يستجاب لذلك}‬ ‫هذا الرجل اتصف بأربع صفات‪:‬‬ ‫الأولى‪ :‬بأنه يطيل السفر‪ ،‬والسفر مظنة إجابة دعاء الداعين (أي‬ ‫سبب لإجابة دعاء الداعي)‬ ‫الثانية‪ :‬أنه أشعث أغبر والله تعالى عند المنكسرة قلوبهم من أجله‬ ‫وهو ينظر إلى عباده يوم عرفة ويقول ‪ {:‬أتوني شعثا غبرا } وهذا‬ ‫من أسباب الإجابة أيضا‪.‬‬ ‫الثالثة‪ :‬أنه يمد يديه إلى السماء ومد اليدين إلى السماء من‬ ‫أسباب الإجابة‪ ،‬فإن الله سبحانه وتعالى يستحي من عبده إذا رفع‬ ‫إليه يديه أن يردهما صفرا‬ ‫الرابعة ‪:‬دعاءه إياه { يا رب يا رب }‬ ‫وهذا يتوسل إلى الله بربوبيته وهو من أسباب الإجابة ولكنه لا‬ ‫تجاب دعوته‪.‬‬ ‫لأن مطعمه حرام‪ ،‬وملبسه حرام وغذي بالحرام فاستبعد النبي‬ ‫صلى الله عليه وسلم أن تجاب دعوته وقال‪{ :‬فأنّى يستجاب لذلك}‬ ‫((فأنى يستجاب لذلك)) استبعاد ((أنى يستجاب لذلك)) الأسباب‬ ‫متوافرة‪ ,‬فهذا دعا وبذل السبب في إجابة الدعوة‪ ،‬لكن المانع من‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪54‬‬ ‫قبولها موجود ((أنى يستجاب لذلك)) استبعاد لإجابة الدعوة إذا‬ ‫كان هذا وضعه‪ ،‬لوجود هذه الموانع‬ ‫((فأنى)) وهو مجرد استبعاد لا استحالة‪ ،‬لا ييأس المسلم من‬ ‫دعاء الله ‪-‬جل وعلا‪-‬؛ لأنه قد يدعو الله ‪-‬جل وعلا‪ -‬أن ينفي عنه‬ ‫وأن يبعده عن هذه الموانع‪ ،‬وقد أجاب الله ‪-‬جل وعلا‪ -‬دعوة شر‬ ‫الخلق وهو إبليس‪ ،‬أجاب الله دعوته‪ ،‬فليس هنا استحالة لإجابة‬ ‫الدعاء‪ ،‬وإنما هو استبعاد‪.‬‬ ‫النبي عليه الصلاة والسلام يقول‪(( :‬فأنّى يستجاب لذلك))‬ ‫ليحرص المسلم على التخلص من هذه الموانع‪ .‬فالمطعم له شأن‬ ‫عظيم في إجابة الدعوة‪ ،‬فعلى المسلم أن يسعى لانتفاء هذه‬ ‫الموانع‬ ‫الفوائد من الحديث‬ ‫‪ -1‬الأمر بإخلاص العمل لله عز وجل‪.‬‬ ‫‪ -2‬الحث على الإنفاق من الحلال والنهي عن الإنفاق من غيره ‪.‬‬ ‫‪ -3‬أن الأصل استواء الأنبياء مع أممهم في الأحكام الشرعية ‪ ،‬إلا‬ ‫ما قام الدليل على أنه مختص بهم ‪.‬‬ ‫‪ -4‬أن التوسع في الحرام يمنع قبول العمل وإجابة الدعاء‪ ،.‬فمن‬ ‫أعظم موانع إجابة الدعاء أن يكون المرء اكلا من حرام‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪55‬‬ ‫‪ -5‬أن من أسباب إجابة الدعاء أربعة أشياء‪:‬‬ ‫الأول‪ :‬إطالة السفر لما فيه من الانكسار الذي هو من أعظم أسباب‬ ‫الإجابة ‪.‬‬ ‫الثاني‪ :‬رثاثة الهيئة ‪ ،‬قال النبي صلى الله عليه وسلم‪ ( :‬رب أشعث‬ ‫أغبر ذي طمرين مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره )‬ ‫الثالث‪ :‬مد اليدين إلى السما ء فإن الله حيي كريم ‪ ،‬يستحي إذا رفع‬ ‫الرجل إليه يديه أن يردهما صفر خائبتين‪.‬‬ ‫الرابع‪ :‬الإلحاح على الله بتكرير ذكر ربوبيته ‪ ،‬وهو من أعظم ما‬ ‫يطلب به إجابة الدعاء‪.‬‬ ‫‪ -6‬وصف الله تعالى بالطيب ذاتا وصفاتا و أفعالا ‪.‬و تنزيه الله‬ ‫تعالى عن كل نقص‪.‬‬ ‫‪ -7‬ومنها أن من الأعمال ما يقبله الله ومنها ما لا يقبله‪.‬‬ ‫‪ -٨‬ومنها أن الله تعالى أمر عباده الرسل والمرسل إليهم أن يأكلوا‬ ‫من الطيبات وأن يشكروا الله سبحانه وتعالى‪.‬‬ ‫‪ -9‬ومنها أن الشكر هو العمل الصالح لقوله تعالى‪(:‬يَا أَي َها الرسل‬ ‫كلوا ِم َن الطَّيِّبَا ِت َوا ْع َملوا صالحا) [المؤمنون‪]51:‬‬ ‫وقال للمؤمنين‪( :‬كلوا ِم ْن طَيِّبَا ِت َما َر َز ْقنَاك ْم َوا ْشكروا للهِ)‬ ‫[البقرة‪]172:‬‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪56‬‬ ‫فدل هذا على أن الشكر هو العمل الصالح‪ .‬فكلما عمل الإنسان‬ ‫عملا صالحا فهو شاكر لله‬ ‫‪ -10‬ومنها أن من شرط إجابة الدعاء اجتناب أكل الحرام لقول‬ ‫النبي صلى الله عليه وسلم في الذي مطعمه حرام وملبسه حرام‬ ‫وغذي بالحرام ‪ {:‬أنّى يستجاب لذلك }‪.‬‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪57‬‬ ‫الحديث الحادي عشر‬ ‫َع ْن أَبِي ُم َح َّمد ا ْل َح َس ِن ْب ِن َعلِي ْب ِن أَ ِبي طَالِب ِس ْب ِط رسو ِل اللِ َصلَّى‬ ‫اللُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم و َر ْيحانَتِ ِه َر ِضي اللُ َع ْنهُما قا َل‪:‬‬ ‫َحفِ ْظ ُت ِم ْن رسو ِل اللِ َصلَّى اللُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم‪:‬‬ ‫{ َد ْع َما يَ ِريب َك إِلَى َما لاَ يَ ِريب َك}‬ ‫رواهُ الترمذي والنَّسائِي‪ ،‬وقا َل الترمذي‪ :‬حديث ح َسن صحيح‬ ‫( َد ْع َما يَ ِريب َك) بفتح الياء وضمها‪ ،‬والفتح أفصح وأشهر‬ ‫شرح الحديث‬ ‫الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما سبط النبي صلى‬ ‫الله عليه وسلم ‪ ،‬ابن ابنته فاطمة رضي الله عنها‬ ‫والسبط‪ :‬هو ابن البنت‬ ‫وابن الابن يسمى‪ :‬حفيدا‬ ‫وقد وصفه النبي صلى الله عليه وسلم بأنه سيد فقال‪( :‬إِ َّن ا ْبنِي‬ ‫ه َذا َسيِّد‪َ ،‬و َسي ْصلِح الله ب ِه بَ ْي َن فِئَتَ ْي ِن ِم َن الم ْسلِ ِم ْي َن)‬ ‫وكان الأمر كذلك‪ ،‬فإنه بعد أن استشهد علي بن أبي طالب رضي‬ ‫الله عنه وبويع بالخلافة للحسن رضي الله عنه تنازل عنها‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪58‬‬ ‫لمعاوية رضي الله عنه‪ ،‬فأصلح الله بهذا التنازل بين أصحاب‬ ‫معاوية وأصحاب علي رضي الله عنهما‪ ،‬وحصل بذلك خير كثير‬ ‫وأما قوله‪َ :‬و َري َحانَته الريحانة هي الزهرة الطيبة الرائحة‪ ،‬وقد‬ ‫وصف النبي صلى الله عليه وسلم الحسن والحسين بأنهما‬ ‫ريحانتاه‪ ،‬فشبهه لسروره وفرحه به وإقبال نفسه عليه بريحان‬ ‫طيب الرائحة ‪ ،‬تهش إليه النفس وترتاح له‬ ‫وقوله‪َ ( :‬د ْع ) أي اترك ( َما ي ِر ْيب َك ) أي ما يلحقك به شك وقلق‬ ‫ولا تطمئن إليه‬ ‫( إِلَى َما لاَ يَ ِر ْيب َك ) أي إلى شيء لا يلحقك به شك ولا قلق‪.‬‬ ‫وهذا الحديث من جوامع الكلم‪ ،‬وهو أصل من أصول الفقه‪ ،‬أن‬ ‫الشيء الذي تشك فيه اتركه إلى شيء لاشك فيه‪ ،‬وما أجوده‬ ‫وأنفعه للعبد إذا سار عليه‪ ،‬فالعبد يرد عليه شكوك في أشياء‬ ‫كثيرة‪ ،‬فنقول‪ :‬دع الشك إلى ما لاش ّك فيه حتى تستريح وتسلم‪،‬‬ ‫فكل شيء يلحقك به ش ّك وقلق وريب اتركه إلى أمر لا يلحقك به‬ ‫ريب‪ ،‬وهذا مالم يصل إلى حد الوسواس‪ ،‬فإن وصل إلى حد‬ ‫الوسواس فلا تلتفت له‪.‬‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪59‬‬ ‫وهذا يكون في العبادات‪ ،‬ويكون في المعاملات‪ ،‬ويكون في‬ ‫النكاح‪ ،‬ويكون في كل أبواب العلم‪.‬‬ ‫ومثال ذلك في العبادات‪:‬‬ ‫رجل انتقض وضوؤه‪ ،‬ثم صلى‪ ،‬وش ّك هل تو ّضأ بعد نقض‬ ‫الوضوء أم لم يتو ّضأ؟ فوقع في الش ّك ‪ ،‬فإن تو ّضأ فالصلاة‬ ‫صحيحة‪ ،‬وإن لم يتو ّضأ فالصلاة باطلة‪ ،‬وبقي في قلق‪.‬‬ ‫فنقول‪ :‬دع ما يريبك إلى ما لايريبك‪ ،‬فالريب هنا صحة الصلاة‪،‬‬ ‫وعدم الريب أن تتو ّضأ وتصلي‪.‬‬ ‫وعكس المثال السابق ‪:‬‬ ‫رجل تو ّضأ ثم صلى وشك هل انتقض وضوؤه أم لا؟‬ ‫فنقول‪ :‬دع ما يريبك إلى ما لايريبك‪ ،‬عندك شيء متيقّن وهو‬ ‫الوضوء‪ ،‬ثم شككت هل طرأ على هذا الوضوء حدث أم لا؟ فالذي‬ ‫يترك هو الشك‪ :‬هل حصل حدث أو لا؟ وأرح نفسك‪ ،‬واترك الشك‪.‬‬ ‫فالأصل بقاء ما كان على ما كان‪ ،‬وهذا الأصل مبني على ما ثبت‬ ‫عن النبي صلى الله عليه وسلم في الرجل يخيل إليه أنه أحدث‬ ‫فقال‪« :‬لا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا »‪ ،‬فإذا كان‬ ‫الإنسان قد توضأ فشك هل أحدث أم لا فإنه يبقى على وضوئه‬ ‫وطهارته؛ لأن الأصل بقاء الطهارة وعدم الحدث‪ ،‬ومن هذا الأصل‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪60‬‬ ‫إذا أحدث الإنسان ثم شك هل رفع حدثه أم لم يرفعه‪ ،‬فإن الأصل‬ ‫بقاء الحدث وعدم رفعه‪ ،‬فعليه أن يتوضأ إن كان الحدث أصغر‬ ‫وأن يغتسل إن كان الحدث أكبر‬ ‫الفوائد من الحديث‬ ‫‪ -1‬أن على المسلم بناء أموره على اليقين‪ ،‬وأن يكون في دينه‬ ‫على بصيرة ‪.‬‬ ‫‪ -2‬النهي عن الوقوع في الشبهات ‪ ،‬والحديث أصل عظيم في‬ ‫الورع ‪.‬‬ ‫‪ -3‬أن الدين الإسلامي لا يريد من أبنائه أن يكونوا في ش ّك ولا‬ ‫قلق‪ ،‬لقوله‪َ { :‬د ْع َما يَ ِريب َك إِلَى َما لاَ يَ ِريب َك }‬ ‫‪ -4‬أنك إذا أردت الطمأنينة والاستراحة فاترك المشكوك فيه‬ ‫واطرحه جانبا‪ ،‬لاسيّما بعد الفراغ من العبادة حتى لايلحقك الشك‬ ‫ومثاله‪ :‬رجل طاف بالبيت وانتهى وذهب إلى مقام إبراهيم ليصلي‪،‬‬ ‫فشك هل طاف سبعا أو ستّا فماذا يصنع؟‬ ‫الجواب‪ :‬لايصنع شيئا‪ ،‬لأن الشك طرأ بعد الفراغ من العبادة‪ ،‬إلا‬ ‫إذا تيقن أنه طاف ستّا فيكمل إذا لم يطل الفصل ‪.‬‬ ‫مثال آخر‪ :‬رجل انتهى من الصلاة وسلم‪ ،‬ثم شك هل صلى ثلاثا أم‬ ‫أربعا‪ ،‬فماذا يصنع؟‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪61‬‬ ‫الجواب‪ :‬لايلتفت إلى هذا الشك‪ ،‬فالأصل صحة الصلاة مالم يتيقن‬ ‫أنه صلى ثلاثا فيأتي بالرابعة إذا لم يطل الفصل ويسلم ويسجد‬ ‫للسهو ويسلم‪.‬‬ ‫‪ -5‬أ ّن النبي صلى الله عليه وسلم أعطي جوامع الكلم‪ ،‬واختصر له‬ ‫الكلام اختصارا‪ ،‬لأن هاتين الجملتين‪:‬‬ ‫\"دع ما يريبك إلى ما لا يريبك\" لو بنى عليهما الإنسان مجلدا‬ ‫ضخما لم يستوعب ما يدلان عليه من المعاني‬ ‫‪ -٦‬تربية الأبناء على الآداب الشرعية‪.‬‬ ‫‪ -7‬رحمة الله بنا حيث إنه يريد بنا الطمأنينة والسكينة وعدم‬ ‫الريب والشك‪.‬‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪62‬‬ ‫الحديث الثاني عشر‬ ‫عن أبي هريرةَ َر ِضي اللُ َع ْنهُ قا َل‪:‬‬ ‫قا َل رسو ُل اللِ َصلَّى اللُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم‪:‬‬ ‫{ ِم ْن ح ْس ِن إِ ْسلاَ ِم ا ْل َم ْر ِء تَ ْركه َما لاَ يَ ْعنِي ِه }‬ ‫حديث َح َسن رواه الترمذي وغي ُره هكذا‬ ‫تخريج الحديث‬ ‫هذا الحديث فيه اختلاف بين العلماء فمنهم من ضعفه ومنهم من‬ ‫صححه‪ ،‬ولقد صححه الألبانى‬ ‫الشرح‬ ‫هذا الحديث أصل في الأدب والتوجيه السليم وهو أن الإنسان‬ ‫يترك ما لا يعنيه أي ما لا يهمه وما لا علاقة له به فإن هذا من‬ ‫حسن إسلامه ويكون أيضا راحة له‪ ،‬وأريح لنفسه‪.‬‬ ‫وهذا الحديث عده علماء الإسلام من الأحاديث القليلة الجامعة‬ ‫التي بني عليها الدين‪ ،‬قال الإمام أبو عمر بن الصلاح ‪-‬رحمه الله‬ ‫تعالى‪\" :-‬جملة آداب الخير وأَ ِز َّمته تتفرع من أربعة أحاديث‪\" :‬أي‬ ‫آداب الخير كلها تتفرع من أربعة أحاديث‪:‬‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪63‬‬ ‫‪ ‬قول النبي صلي الله عليه وسلم‪\" :‬من كان يؤمن بالله واليوم‬ ‫الآخر فليقل خيرا أو ليصمت\"‬ ‫‪ ‬وقوله عليه الصلاة و السلام‪\" :-‬من حسن إسلام المرء تركه‬ ‫ما لا يعنيه\"‬ ‫‪ ‬وقوله للذي اختصر له في الوصية‪\" :‬لا تغضب \"‬ ‫‪ ‬وقوله‪\" :‬لا يؤمن أحدكم‪ ،‬حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه\"‪.‬‬ ‫\"حسن إسلام المرء\" جاء بالتعبير بالإسلام هنا ليدخل فيه جميع‬ ‫الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة التي تدخل في تعريف الإسلام‬ ‫\"تركه\" يعني‪ :‬الكف عنه‪ ،‬والابتعاد عنه بجميع وسائل الترك‬ ‫وأما كلمة‪( :‬يعني) فإنها تتعلق بالعناية‪ ،‬والعناية شدة الاهتمام‬ ‫بالشيء‬ ‫فالمعنى ‪\" :‬من حسن إسلام المرء\" أي من كماله وتمامه تركه ما‬ ‫لا يعنيه أي‪ :‬ما لا يهمه في دنياه وآخرته‬ ‫وترك ما لا يعني‪ ،‬يشمل‪ :‬المحرمات‪ ،‬أو المشتبهات أوالمكروهات‬ ‫وفضول المباحات التي لا يحتاج إليها‬ ‫لا يتدخل فيما لا يعنيه‪ ،‬لا يتدخل في شؤون غيره‪ ،‬لا يسأل عما لا‬ ‫حاجة له به‪ ،‬لا ينظر إلى ما لا يحتاج للنظر إليه‪ ،‬لا يستمع إلى ما‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪64‬‬ ‫لا يحتاج استماعه‪ ،‬ما لا ينفعه في دينه أو دنياه‪ ،‬وليس بحاجة‬ ‫لهذه الأمور‪ ،‬لأنها لا تعنيه‪ ،‬فمن تمام إسلامه وحسن إسلامه‬ ‫وكماله ألا ينظر إلى هذه الأمور‪.‬‬ ‫كثير من الناس مغرم بتتبع هذه الأمور التي لا تعنيه‪ ،‬بل فيها‬ ‫إضاعة لوقته وجهده واهتمامه‪ ،‬ولها آثار على قلبه‪.‬‬ ‫لأن هذه الأمور منافذ للقلب إذا تكلم فيما لا يعنيه‪ ،‬ونظر إلى ما لا‬ ‫يعنيه‪ ،‬واستمع إلى ما لا يعنيه‪ ،‬هذه المنافذ إلى القلب التي تورثه‬ ‫تشتتا وعدم اجتماع‪ ،‬فيصاب بالغفلة‪ ،‬إذا أكثر النظر في الأمور‬ ‫التي لا تعنيه‪ ،‬وهو ماش في طريقه هذه العمارة ما شاء الله كم‬ ‫دور؟ ولمن؟ ولماذا فعلوا كذا؟ ولماذا كان اللون كذا؟ هذا لا‬ ‫يعنيك‪ ،‬اشتغل بما يعنيك‪،‬‬ ‫لو أنت قلت‪ :‬سبحان الله وبحمده‪ ،‬سبحان الله العظيم بدلا من هذا‬ ‫الفضول لكان أكمل لإسلامك‪ ،‬وأحفظ لقلبك‪.‬‬ ‫ومثله الاستماع‪ ،‬بعض الناس يحب سماع كل شيء‪ ،‬وإذا فاته‬ ‫شيء ماذا قال فلان؟ ماذا حصل؟ ماذا؟‬ ‫بعضهم فضول النظر‪ ،‬وهذه الأمور هي التي تصيب القلب‬ ‫بالتشتت والغفلة عما يراد من الإنسان‪ ،‬فمنافذ القلب السمع‬ ‫والبصر‪ ،‬واللسان‪ ،‬فضول القول‪ ،‬فضول النظر‪ ،‬فضول الاستماع‪،‬‬ ‫فضول النوم‪ ،‬فضول الأكل‪ ،‬كل هذه الفضول الإنسان ليس بحاجة‬ ‫إليها‪ ،‬إنما يقتصر على ما يحتاج إليه‪ ،‬ويقتصر على ما يعنيه‪.‬‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪65‬‬ ‫قد يقول قائل أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تدخل في‬ ‫شؤون الغير؟!‬ ‫ويدخل في هذا الحديث ((من حسن إسلام المرء تركه ما لا‬ ‫يعنيه))‬ ‫نقول‪ :‬لا‪ ،‬هو مأمور به شرعا فهو يعنيه‪ ،‬مأمور بالأمر‬ ‫بالمعروف والنهي عن المنكر‬ ‫الفوائد من الحديث‬ ‫‪ -1‬إن درجة وكمال الإسلام يتفاوت من شخص لآخر لقوله‪:‬‬ ‫{ من حسن إسلام المرء }‪.‬‬ ‫‪ -2‬ومن فوائد هذا الحديث‪ :‬أنه ينبغي للإنسان أن يدع ما لا يعنيه‬ ‫في أمور دنياه و آخرته‪ ،‬لأن ذلك أحفظ لوقته وأسلم لدينه‪ ،‬فلو‬ ‫تدخل في أمور الناس التي لا تعنيه لتعب‪ ،‬ولكنه إذا أعرض عنها‬ ‫ولم يشتغل إلا بما يعنيه صار ذلك طمأنينة وراحة له‪.‬‬ ‫‪ -3‬أن لا يضيع الإنسان ما يعنيه أي ما يهمه من أمور دينه‬ ‫ودنياه بل يعتني به ويشتغل به ويقصد إلى ما هو أقرب إلى‬ ‫تحصيل المقصود‪.‬‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪66‬‬ ‫الحديث الثالث عشر‬ ‫عن أبي حمزةَ أن ِس ب ِن مالك َر ِضي اللُ َع ْنهُ خاد ِم رسو ِل اللِ َصلَّى‬ ‫اللُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم‬ ‫عن النَّبي َصلَّى اللُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم قا َل‪:‬‬ ‫{ لاَ ي ْؤ ِمن أَ َحدك ْم َحتَّى ي ِح َّب ل ِأ ِخي ِه َما ي ِحب لِنَ ْف ِس ِه }‬ ‫رواه البخاري ومسلم‬ ‫المفردات‬ ‫لا يؤمن‪ :‬نفي لكمال الإيمان وليس أصله‬ ‫ويفسر هذا النفي رواية أحمد بلفظ ( لا يبلغ عبد حقيقة الإيمان‬ ‫حتى يحب للناس ما يحب لنفسه من الخير ) صححه الألباني‬ ‫وكثيرا ما يأتي هذا النفي‪ ،‬لانتفاء بعض واجبات الإيمان وإن بقي‬ ‫أصله‬ ‫لأخيه‪ :‬في الإسلام ‪.‬‬ ‫ما يحب لنفسه‪ :‬من الخير كما في رواية أحمد المتقدمة‪ .‬والخير‬ ‫كلمة جامعة تعم الطاعات و المباحات الدينية والدنيوية‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪67‬‬ ‫شرح الحديث‬ ‫قوله صلى الله عليه وسلم (( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما‬ ‫يحب لنفسه )) ‪:‬الأولى أن يحمل ذلك على عموم الأخوة ‪ ،‬حتى‬ ‫يشمل الكافر والمسلم‪ ،‬فيحب للكافر ما يحب لنفسه من دخوله في‬ ‫الإسلام ‪ ،‬كما يحب لأخيه المسلم دوامه على الإسلام‪ ،‬ولهذا كان‬ ‫الدعاء بالهداية للكافر مستحبا‪ ،‬والحديث محمول على نفي‬ ‫الإيمان الكامل عمن لم يحب لأخيه ما يحب لنفسه‬ ‫والمراد بالمحبة إرادة الخير والمنفعة‪ ،‬ثم المراد‪ :‬المحبة الدينية‬ ‫لا المحبة البشرية ‪ ،‬فإن الطباع البشرية قد تكره حصول الخير‬ ‫وتمييز غيرها عليها ‪ ،‬والإنسان يجب عليه أن يخالف الطباع‬ ‫البشرية ويدعو لأخيه ويتمنى له ما يحب لنفسه ‪،‬والشخص متى‬ ‫لم يحب لأخيه ما يحب لنفسه كان حسودا‬ ‫والحسد كما قال الغزالي‪ :‬ينقسم إلى ثلاثة أقسام ‪:‬‬ ‫الأول ‪ :‬أن يتمنى زوال نعمة الغير وحصولها لنفسه ‪.‬‬ ‫الثاني ‪ :‬أن يتمنى زوال نعمة الغير وإن لم تحصل له كما إذا كان‬ ‫عنده مثلها أو لم يكن يحبها ‪ ،‬وهذا أشر من الأول‬ ‫الثالث‪ :‬أن لا يتمنى زوال النعمة عن الغير ولكن يكره ارتفاعه‬ ‫عليه في الحظ والمنزلة ويرضى بالمساواة ولا يرضى بالزيادة‪،‬‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪68‬‬ ‫وهذا أيضا محرم لأنه لم يرض بقسمة الله تعالى ‪ {:‬أَه ْم يَ ْق ِسمو َن‬ ‫َر ْح َم َت َربِّ َك نَ ْحن قَ َس ْمنَا بَ ْينَهم َّم ِعي َشتَه ْم فِي ا ْل َحيَا ِة الد ْنيَا َو َرفَ ْعنَا‬ ‫بَ ْع َضه ْم فَ ْو َق بَ ْعض َد َر َجات لِّيَتَّ ِخ َذ بَ ْعضهم بَ ْعضا س ْخ ِريّا َو َر ْح َمت‬ ‫َربِّ َك َخ ْير ِّم َّما يَ ْج َمعو َن } [الزخرف‪]32:‬‬ ‫فمن لم يرض بالقسمة فقد عارض الله تعالى في قسمته وحكمته‪.‬‬ ‫وعلى الإنسان أن يعالج نفسه ويحملها على الرضى بالقضاء‬ ‫ويخالفها بالدعاء لعدوه بما يخالف النفس‪.‬‬ ‫الفوائد التربوية‬ ‫الفائدة الأولى ‪ :‬يخص الحديث علاقة المسلم مع إخوانه ويحددها‬ ‫الفائدة الثانية ‪ :‬يزرع الأخوة الحقة بين المسلمين سواء في لفظه‬ ‫لقوله \" أخيه \" أو في معناه ‪.‬‬ ‫الفائدة الثالثة ‪ :‬محبة الخير للغير من علامات كمال الإيمان ‪ ،‬فمن‬ ‫أحب الخير والنفع عامة لجميع المسلمين فقد كمل إيمانه لظاهر‬ ‫الحديث‬ ‫الفائدة الرابعة‪ :‬تمني الضر لغيره من المسلمين علامة نقص في‬ ‫إيمانه ‪ ،‬فليسرع وليستدرك نفسه قبل أن يتفاقم الأمر وينتشر‬ ‫ويجلب أمراض الحسد والغل والحقد‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪69‬‬ ‫الفائدة الخامسة‪ :‬من علاج الحسد إذا انتشر في المجتمع أن يحب‬ ‫الواحد لغيره من الخير ما يحب لنفسه ‪.‬‬ ‫الفائدة السادسة ‪ :‬الحديث يؤيد حديث تميم الداري مرفوعا \" الدين‬ ‫النصيحة \" فمن النصيحة لعامة المسلمين تمني الخير لهم ‪.‬‬ ‫الفائدة السابعة‪ :‬فيه بيان ميزة وخصوصية للمجتمع الإسلامي‬ ‫دون غيره ‪ ،‬وهي محبة الخير للغير كما يحبه لنفسه تماما ‪.‬‬ ‫الفائدة الثامنة ‪ :‬يدل على أن تمني الخير للنفس من طبيعة النفس‬ ‫ولا حرج في ذلك إن كان ذلك الخير يقرب إلى الله سبحانه وتعالى‬ ‫‪ ،‬ولهذا قال \" ما يحب لنفسه ‪\".‬‬ ‫الفائدة التاسعة ‪ :‬محبة الخير للغير أمر يجب أن يستمر عليه‬ ‫الإنسان طيلة حياته وهذا المفهوم من صيغة الفعل المضارع‬ ‫\"يحب ‪ ،‬ويؤمن \" لأن المضارع يفيد الحال والاستمرار في‬ ‫المستقبل‬ ‫الفائدة العاشرة ‪ :‬الحديث يشمل جميع المؤمنين ‪ ،‬فيجب أن تحب‬ ‫لهم الخير حتى أولئك الذين بينك وبينهم عداوات شخصية‬ ‫ومخاصمات دنيوية ولهذا جاء لفظ الحديث عاما دون استثناء‬ ‫الفائدة الحادية عشرة‪ :‬الحديث يدخل في صوره محبة الهداية‬ ‫والاستقامة على أمر الله لمن لم يهتد من أهل المعاصي ‪ ،‬فيتمنى‬ ‫لهم الهداية والخير وعمل الصالحات ‪.‬‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪70‬‬ ‫الفائدة الثانية عشرة ‪ :‬دليل لمذهب أهل السنة والجماعة أن‬ ‫الإيمان يزيد وينقص فمن أحب للمسلمين الخير كمل إيمانه ومن‬ ‫فاته هذه نقص إيمانه على قدر تلك الخصلة ‪ ،‬كما هو مفهوم‬ ‫الحديث‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪71‬‬ ‫الحديث الرابع عشر‬ ‫َع ِن ا ْب ِن َم ْس ُعود رضي الل عنه قَا َل‪:‬‬ ‫قَا َل َر ُسو ُل اللِ صلى الل عليه وسلم‪:‬‬ ‫\"لا يَ ِحل َدم ا ْم ِرئ م ْسلِم‪ ،‬يَ ْش َهد أ ْن لا إلَهَ إ َّلا ال َّله وأَنِّي َرسول اللهِ‪،‬‬ ‫إ َّلا بإ ْح َدى ثَلاث‪ :‬الثَّيِّب ال َّزانِي‪ ،‬والنَّفْس بالنَّ ْف ِس‪ ،‬والتَّا ِرك لِ ِدينِ ِه‬ ‫المفا ِرق لِ ْل َجما َع ِة\"‪.‬‬ ‫رواه البخاري ومسلم‬ ‫المفردات‬ ‫لا يحل دم امرئ‪ :‬لا تجوز إراقة دمه‪ ،‬والمراد النهي عن قتله‬ ‫إلا بإحدى ثلاث‪ :‬ثلاث خصال يجب على الإمام القتل بها لما فيه‬ ‫من المصلحة العامة‪ ،‬وهي حفظ النفوس والأنساب والدين ‪.‬‬ ‫شرح الحديث‬ ‫هذا الحديث بين فيه الرسول عليه الصلاة والسلام أن دماء‬ ‫المسلمين محترمة وأنها محرمة لا يحل انتهاكها إلا بإحدى ثلاث‪:‬‬ ‫الأول‪ {:‬الثيّب الزاني } وهو الذي تزوج ثم زنى بعد أن م ّن الله‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪72‬‬ ‫عليه بالزواج‪ ،‬فهذا يحل دمه‪ ،‬لأن حده أن يرجم بالحجارة حتى‬ ‫يموت‪.‬‬ ‫الثاني‪ { :‬النفس بالنفس } وهذا في القصاص‪ ،‬من قتل عمدا بغير‬ ‫حق فإنه يقتل بشرط المكافأة في الدين والحرية‪ .‬فلا يقتل المسلم‬ ‫بالكافر ‪ ،‬ولا الحر بالعبد ‪..‬‬ ‫لقوله تعالى‪\" :‬يَا أَي َها الَّ ِذي َن آ َمنوا كتِ َب َعلَ ْيكم ا ْلقِ َصاص فِي ا ْلقَ ْتلَى\"‬ ‫[البقرة‪]178:‬‬ ‫الثالث‪ { :‬التارك لدينه المفارق للجماعة } والمراد به المرتد عن‬ ‫دينه الخارج على الجماعة ‪ ،‬فإنه يباح قتله حتى يرجع ويتوب إلى‬ ‫الله عزوجل‪ ،‬وهناك أشياء لم تذكر في هذا الحديث مما يحل فيها‬ ‫دم المسلم لكن الرسول عليه الصلاة والسلام كلامه يجمع بعضه‬ ‫من بعض ويكمل بعضه من بعض‬ ‫الفوائد التربوية‬ ‫‪ -1‬الفائدة الأولى ‪ :‬الأصل عصمة دم المسلم ‪.‬‬ ‫‪ -2‬الفائدة الثانية‪ :‬دم المسلم لا يباح بالشبهات بل لابد من يقين‬ ‫كامل في الزنا وهو ثيب أو قتل نفسا عمدا من غير شبهة أو ترك‬ ‫دين الإسلام ‪.‬‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪73‬‬ ‫‪ -3‬الفائدة الثالثة ‪ :‬الحديث لم يدل على أن فعل هذه الأشياء‬ ‫بمجردها يبيح الدم لأي أحد أراد إقامة الحد عليه ‪ ،‬بل الحديث‬ ‫يقرر قاعدة في الدماء ‪،‬أما تطبيقها فلولي أمر المسلمين أو من‬ ‫يقوم مقامه ‪ ،‬بدليل سيرة الصحابة رضي الله عنهم والسلف‬ ‫الصالح فلم يثبت أن أحدهم قتل زانيا ثيبا أو قاتلا لنفس بل كان‬ ‫ذلك يرجع لولي الأمر ‪ ،‬وحتى لا تعم الفوضى في المجتمع‬ ‫الإسلامي ‪.‬‬ ‫‪ -4‬الفائدة الرابعة‪ :‬الثلاثة المذكورة في الحديث تبيح الدم وهي ‪:‬ـ‬ ‫‪ ‬الزنا بعد إحصان‬ ‫‪ ‬قتل النفس بغير حق‬ ‫‪ ‬الردة عن دين الله‬ ‫‪ -5‬الفائدة الخامسة ‪ :‬فيه بيان عظم هذه الذنوب على وجه‬ ‫الخصوص لأنها استثنيت من القاعدة وأبيح لأجلها الدم ‪.‬‬ ‫‪ -6‬الفائدة السادسة‪ :‬الدين يأمر بالجماعة وينهى عن الفرقة‬ ‫ولذلك قال ‪ \" :‬التارك لدينه المفارق للجماعة \" فمن ترك دينه فقد‬ ‫فارق الجماعة لأن الدين هو الجماعة ‪.‬‬ ‫‪ -7‬الفائدة السابعة ‪ :‬حفظ النفس أحد الضروريات الخمس التي‬ ‫جاء الشرع بحفظها وهي حفظ الدين والنفس والعقل والعرض‬ ‫والمال‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪74‬‬ ‫‪ -8‬الفائدة الثامنة ‪ :‬الحديث ذكرت فيه ثلاث من الضروريات‬ ‫الخمس ‪ :‬ـ‬ ‫أ ـ حفظ الأعراض \" الثيب الزاني \" حيث شرعت هذه العقوبه‬ ‫حفظا للأعراض ‪.‬‬ ‫ب ـ حفظ النفس \" النفس بالنفس \" حيث شرعت هذه العقوبة‬ ‫حفظا للأنفس ‪.‬‬ ‫ج ـ حفظ الدين \" التارك لدينه المفارق للجماعة \" حيث شرعت‬ ‫هذه العقوبة حفظا للدين‪.‬‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪75‬‬ ‫الحديث الخامس عشر‬ ‫عن أبي هُريرةَ َر ِضي اللُ َع ْنهُ‬ ‫أ َّن رسو َل اللِ َصلَّى اللُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم قا َل‪:‬‬ ‫{ َم ْن َكا َن ي ْؤ ِمن بِاللهِ َوالْيَ ْو ِم الآ ِخ ِر فَلْيَق ْل َخ ْيرا أَ ْو لِيَ ْصم ْت‪َ ،‬و َم ْن‬ ‫َكا َن ي ْؤ ِمن بِاللهِ َوا ْليَ ْو ِم الآ ِخ ِر فَ ْلي ْك ِر ْم َجا َره‪َ ،‬و َم ْن َكا َن ي ْؤ ِمن بِاللهِ‬ ‫َوا ْليَ ْو ِم الآ ِخ ِر فَ ْلي ْك ِر ْم َض ْيفَه}‬ ‫رواه البخاري ومسلم‬ ‫المفردات‬ ‫يؤمن‪ :‬الإيمان الكامل المنجي من عذاب الله الموصل إلى رضاه‬ ‫بالله‪ :‬أنه الذي خلقه‬ ‫واليوم الآخر‪ :‬أنه سيجازى فيه بعمله‬ ‫فليقل‪ :‬هذه اللام لام الأمر‬ ‫خيرا‪ :‬كالإبلاغ عن الله وعن رسوله ‪ ،‬وتعليم الخير والأمر‬ ‫بالمعروف عن علم وحلم ‪ ،‬والنهي عن المنكر عن علم ورفق ‪،‬‬ ‫والإصلاح بين الناس ‪ ،‬والقول الحسن لهم‪ ،‬وكلمة حق عند من‬ ‫يخاف شره ويرجى خيره ‪ ،‬في ثبات وحسن قصد‬ ‫ليصمت‪ :‬بضم الميم وكسرها ‪ ،‬ليسكت‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪76‬‬ ‫فليكرم جاره‪ :‬بالإحسان إليه وكف الأذى عنه ‪ ،‬وتحمل ما يصدر‬ ‫منه ‪ ،‬والبشر في وجهه ‪ ،‬وغير ذلك من وجوه الإكرام‬ ‫فليكرم ضيفه‪ :‬بالبشر في وجهه ‪ ،‬وطيب الحديث معه ‪ ،‬وإحضار‬ ‫المتيسر‬ ‫هذا الحديث فيه مجموعة من الآداب الإسلامية الواجبة ‪:‬‬ ‫الأول‪ :‬إكرام الجار فإن الجار له حق‪ ،‬قال العلماء ‪:‬‬ ‫‪ ‬إذا كان الجار مسلما قريبا فله ثلاث حقوق ‪:‬الجوار والإسلام‬ ‫والقرابة‬ ‫‪ ‬وإن كان مسلما غير قريب فله حقان ‪ :‬الجوار والإسلام‬ ‫‪ ‬وإذا كان كافرا غير قريب له حق واحد وهو حق الجوار‬ ‫الثاني‪ :‬إكرام الضيف‪ ،‬والضيف هو الذي نزل بك وأنت في بلدك‬ ‫وهو مار مسافر‪ ،‬فهو غريب محتاج‬ ‫الثالث ‪ :‬حفظ اللسان‪ ،‬لأن القول باللسان من أخطر ما يكون على‬ ‫الإنسان فلهذا كان مما يجب عليه أن يعتني بما يقول‪ ،‬فيقول خيرا‬ ‫أو يسكت‬ ‫الفوائد التربوية‬ ‫الفائدة الأولى‪ :‬دليل لمذهب أهل السنة والجماعة في أن الأعمال‬ ‫من الإيمان ولذلك ربط بين الأعمال مع الإيمان بالله واليوم الآخر‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪77‬‬ ‫الفائدة الثانية‪ :‬فيه توجيه للمؤمن وإرشاد للكلام من عدمه ‪ ،‬فمن‬ ‫الإيمان أن يتكلم إن كان الكلام خيرا ومن الإيمان أن يسكت إن‬ ‫كان السكوت خيرا ‪.‬‬ ‫الفائدة الثالثة ‪ :‬الشريعة تحرص على كل ما فيه فائدة حتى الكلام‬ ‫أو السكوت‪ ،‬فالمؤمن لا يتكلم إلا بخير أو يصمت عن لغو وباطل‬ ‫الفائدة الرابعة ‪ :‬دليل على وجوب حفظ اللسان ليس عن الحرام‬ ‫فقط بل عن كل ما لا فائدة من ورائه‬ ‫الفائدة الخامسة‪ :‬الحديث يشمل حقوق الله وحقوق الناس ‪ :‬ـ‬ ‫ـ فالكلام بالخير والصمت عن غيره من حقوق الله ‪.‬‬ ‫ـ وإكرام الضيف والجار من حقوق الناس ‪.‬‬ ‫فالإسلام يربي أهله على إعطاء الحقوق وعلى تنوعها ‪.‬‬ ‫الفائدة السادسة‪ :‬يدل على أن قول الخير أو الصمت عن الشر‬ ‫وإكرام الجار والضيف من الإيمان ‪.‬‬ ‫الفائدة السابعة ‪ :‬الإسلام يحارب البخل ولذلك كررت كلمة‬ ‫\"فليكرم\" مرتين في الحديث لأن البخل يجمع صفات عديدة كحب‬ ‫الدنيا وسوء الظن بالله والشح ‪.‬‬ ‫الفائدة الثامنة ‪ :‬هذا الحديث فيه دعوة لحسن الأخلاق فإكرام‬ ‫الجار والضيف يكون بذلك ‪.‬‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪78‬‬ ‫الفائدة التاسعة‪ :‬الإكرام يشمل صورا عديدة منها ‪ :‬ـ‬ ‫السلام ـ الإحسان ـ البذل ـ التقدير ـ الاحترام ـ حفظ غيبته ـ ستر‬ ‫عورته ـ النصح ـ عدم أذيته ـ الزيارة ـ العفو ـ المشي في حاجته ـ‬ ‫إدخال السرور عليه ـ القيام بواجبه ‪ ،‬فكلها دخلت في كلمة‬ ‫\"إكرام \"‬ ‫الفائدة العاشرة‪ :‬الإسلام يقوي الروابط بين أهله وأتباعه ‪ ،‬فرابطة‬ ‫أخوة الإسلام ثم القرابة والنسب ثم الجار ثم الضيافة ‪.‬‬ ‫وهذا ليصبح المجتمع الإسلامي ‪ ،‬مجتمعا قويا من الداخل يصعب‬ ‫اختراق صفوفه وشق عصاهم ‪ ،‬فتندحر فتنة الشيطان بالتفريق‬ ‫بينهم وفتنة الأعداء في الوصول لهم ‪.‬‬ ‫الفائدة الحادية عشرة ‪ :‬الإسلام يربط همة أتباعه بالجائزة العظمى‬ ‫وهي تحقق الإيمان ‪ ،‬فلم تكن الجائزة لمن قال خيرا أو أكرم جاره‬ ‫وضيفه ‪ ،‬جائزة دنيوية لأن همة المؤمن أعلى من ذلك بل الجائزة‬ ‫هي \"الإيمان بالله واليوم الآخر \"‬ ‫الفائدة الثانية عشرة ‪ :‬في تعليق الناس بالإيمان بالله واليوم‬ ‫الآخر تأصيل لمنزلة مراقبة الله في قلوبهم‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪79‬‬ ‫الفائدة الثالثة عشرة‪ :‬قول الخير أفضل من الصمت عن الشر لأن‬ ‫قول الخير يتعدى بنفسه فينفع الغير ‪ ،‬بخلاف الصمت لا يتعدى ‪،‬‬ ‫ولهذا والله أعلم بدأ فيه فقال ‪ \" :‬فليقل خيرا أو ليصمت \"‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪80‬‬ ‫الحديث السادس عشر‬ ‫عن أبي هُريرةَ َر ِضي اللُ َع ْنهُ‬ ‫أ َّن َر ُج ًلا قا َل للنَّبي َصلَّى اللُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم‪ :‬أَ ْو ِصني‪.‬‬ ‫قا َل‪{ :‬لاَ تَ ْغ َض ْب}‬ ‫فَ َر َّد َد ِمرا ًرا‪ ،‬قا َل‪{ :‬لاَ تَ ْغ َض ْب}‬ ‫رواه البخاري‬ ‫المفردات‬ ‫أوصني‪ :‬وصية وجيزة جامعة لخصال الخير ‪.‬‬ ‫لا تغضب‪ :‬لا تتعرض لما يجلب الغضب ‪ ،‬ولا تفعل ما يأمرك به ‪.‬‬ ‫فردد‪ :‬كرر ذلك الرجل قوله (( أوصني )) يلتمس أنفع من ذلك ‪،‬‬ ‫أو أبلغ أو أعم ‪.‬‬ ‫مرارا‪ :‬في رواية عثمان بن أبي شيبة بيان عددها ‪ ،‬فإنها بلفظ‬ ‫(( لا تغضب ثلاث مرات )) قال‪ :‬النبي صلى الله عليه وسلم له في‬ ‫المرة الثانية والثالثة‬ ‫لا تغضب‪ :‬ويدل تكرارها على عظيم نفعها وعمومه‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪81‬‬ ‫الشرح‬ ‫لم يبيَّن هذا الرجل‪ ،‬وهذا يأتي كثيرا في الأحاديث لايبيّن فيها اسم‬ ‫السائل‪ ،‬وذلك لأن معرفة اسم الرجل أو وصفه لايحتاج إليه‪،‬‬ ‫فلذلك تجد في الأحاديث‪ :‬أن رجلا قال كذا‪ ،‬فلاحاجة للتعب في‬ ‫معرفة اسمه مادام الحكم لايتغير بفلان مع فلان‬ ‫قَا َل‪ :‬يَا َرسو َل اللهِ أَو ِصنِي‬ ‫الوصية‪ :‬هي العهد إلى الشخص بأمر هام‪ ،‬كما يوصي الرجل‬ ‫مثلا على ثلثه أوعلى ولده الصغير أو ما أشبه ذلك‪.‬‬ ‫قَا َل‪ \" :‬لاَتَ ْغ َض ْب\"‬ ‫الغضب‪ :‬بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أنه جمرة يلقيها الشيطان‬ ‫في قلب ابن آدم فيغلي القلب‪ ،‬ولذلك يحم ّر وجهه وتنتفخ أوداجه‬ ‫وربما يقف شعره‬ ‫فهل مراد الرسول صلى الله عليه وسلم \" لاتغضب\" أي لايقع منك‬ ‫الغضب‪ ،‬أو المعنى‪ :‬لاتنفذ الغضب ؟‬ ‫‪ ‬تحتمل المعنيين‪:‬‬ ‫المعنى الأول‪:‬اضبط نفسك عند وجود السبب حتى لاتغضب‪.‬‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪82‬‬ ‫والمعنى الثاني‪ :‬لا تنفذ مقتضى الغضب‪ ،‬فلو غضب الإنسان وأراد‬ ‫أن يطلّق امرأته‪ ،‬فنقول له‪ :‬اصبر وتأ َّن‬ ‫فَ َر َّد َد ال َّرجل ِم َرارا‪ - ،‬أَ ْي قَا َل‪ :‬أَ ْو ِصنِي ‪ -‬قَا َل‪ :‬لاَ تَ ْغ َض ْب‬ ‫الفوائد التربوية‬ ‫الفائدة الأولى‪ :‬على الإنسان أن يطلب الوصية ممن يكون أهلا‬ ‫لها ‪ ،‬ولذلك طلب الرجل الوصية من النبي صلى الله عليه وسلم ‪.‬‬ ‫الفائدة الثانية‪ :‬صيغة السؤال تدل على أهمية الحديث لأن الرجل‬ ‫بادر فطلب الوصية ‪ ،‬ثم إن لفظ الوصية بحد ذاته يتضمن نصيحة‬ ‫جامعة نافعة وفي لفظ الترمذي \" يا رسول الله علمني شيئا ولا‬ ‫تكثر علي \"‬ ‫الفائدة الثالثة ‪ :‬ينبغي في حال النصيحة اختيار الكلمات المختصرة‬ ‫التي تناسب الحال ‪ ،‬لأن ذلك أنفع‪ ،‬كما فعل النبي صلى الله عليه‬ ‫وسلم مع الرجل ‪.‬‬ ‫الفائدة الرابعة ‪ :‬صيغة ترديد السؤال وترديد الجواب تدل على‬ ‫خطورة الغضب ‪.‬‬ ‫الفائدة الخامسة ‪ :‬لفظ الحديث أطلق ولم يقيد \" لا تغضب \" ولم‬ ‫يذكر الأشياء التي لا يغضب فيها ‪ ،‬والذي يظهر أن هذا الإطلاق‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪83‬‬ ‫مقصود وذلك حتى يشمل جميع أمور الحياة فلا يغضب من زوجته‬ ‫ولا أولاده ولاتعامله ولا جيرانه ولاتجارته ولا غير ذلك ‪.‬‬ ‫الفائدة السادسة ‪ :‬في الحديث دعوة لحسن الأخلاق ‪ ،‬وذلك أنه لا‬ ‫تفسد الأخلاق بمثلما تفسد بالغضب ‪ ،‬قيل لابن المبارك ‪ :‬اجمع لنا‬ ‫حسن الخلق في كلمة قال ‪ \" :‬لا تغضب \"‬ ‫الفائدة السابعة‪ :‬الشريعة تدعو لأن يتحكم الشخص بعاطفته‬ ‫فيجعلها تحت سلطان الشرع وحتى في حال الغضب الذي قد لا‬ ‫يملك الإنسان نفسه ‪.‬‬ ‫الفائدة الثامنة‪ :‬يدل الحديث على أن الغضب لا يحل المشاكل ولا‬ ‫ييسر الأمور بل يزيد تعقيدها ‪ ،‬ولو كان الغضب حلا لأوصى به‬ ‫صلى الله عليه وسلم ‪.‬‬ ‫الفائدة التاسعة ‪ :‬قوله \" لا تغضب \" تحتمل معنيين ‪ :‬ـ‬ ‫الأول ‪ :‬جاهد نفسك لئلا يقع الغضب أصلا ‪.‬‬ ‫الثاني ‪ :‬أمسك نفسك إذا وقع الغضب فلا تقع في فعل تندم عليه ‪.‬‬ ‫وظاهر الحديث يتوجه للمعنى الأول لأنه خطوة للثاني فإن لم يقع‬ ‫الغضب أصلا فهذا أفضل‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪84‬‬ ‫الفائدة العاشرة ‪ :‬يدل الحديث على أن الغضب يمكن التخلص منه‬ ‫ولو كان من صفات الشخص الذاتية ‪ ،‬فلو لم يمكن التخلص منه‬ ‫لم ينه النبي صلى الله عليه وسلم عنه‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪85‬‬ ‫الحديث السابع عشر‬ ‫عن أبي يَ ْعلَى َش َّدا ِد ب ِن أَ ْوس رضي اللُ َع ْنهُ ‪،‬‬ ‫عن رسو ِل اللِ َصلَّى اللُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم قا َل‪:‬‬ ‫{إِ َّن اللهَ َكتَ َب ال ِإ ْح َسا َن على ك ِّل َش ْيء‪ ،‬فَإِ َذا قَتَ ْلت ْم فَأَ ْح ِسنوا ا ْلقِ ْتلَةَ‪،‬‬ ‫َوإِ َذا َذبَ ْحت ْم فَأَ ْح ِسنوا ال ِّذبحة‪َ ،‬و ْلي ِح َّد أَ َحدك ْم َشفْ َرتَه َو ْلي ِر ْح َذبِي َحتَه}‬ ‫رواه مسلِم‬ ‫المفردات‬ ‫كتب‪ :‬أوجب‬ ‫على كل شيء‪ (( :‬على )) هنا بمعنى (( إلى )) أو (( في ))‬ ‫فإذا قتلتم‪ :‬قودا أو حدا ‪ ..‬قودا أي قصاصا‪ ،‬حدا أي في حد من‬ ‫حدود الله‬ ‫فأحسنوا القتلة ‪:‬بأن تختاروا أسهل الطرق وأخفها وأسرعها‬ ‫زهوقا ‪ ،‬القتلة بكسر القاف‬ ‫وإذا ذبحتم‪ :‬ما يحل ذبحه من البهائم ‪.‬‬ ‫فأحسنوا الذبحة‪ :‬وفي رواية لمسلم ‪\" :‬فأحسنوا ال َّذ ْب َح \"‬ ‫وذلك بأن ترفقوا بالبهيمة وبإحداد الآلة ‪ ،‬وتوجيهها للقبلة‬ ‫والتسمية‪ ،‬ونية التقرب بذبحها إلى اللهِ‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪86‬‬ ‫وليحد ‪ :‬بضم الياء ‪ ،‬من حد السكين‬ ‫شفرته ‪ :‬الشفرة هي السكين العريض‬ ‫وليرح‪ :‬بضم الياء‪ ،‬وفي رواية لمسلم ‪\":‬فليرح\"‬ ‫ذبيحته‪ :‬مذبوحته‬ ‫شرح الحديث‬ ‫قوله صلى الله عليه وسلم‪(( :‬إن الله كتب الإحسان على كل‬ ‫شيء))‬ ‫فهذه دالة على العموم فيدخل في ذلك الإحسان في التعامل مع‬ ‫النفس‪ ،‬والتعامل مع من تحت يده ممن استرعاه الله عليه‪ ،‬ويدخل‬ ‫فيه أيضا التعامل مع الناس‪ ،‬والتعامل مع البهائم والدواب‬ ‫(( فإذا قتلتم فأحسنوا القِتلة‪ ،‬وإذا ذبحتم فأحسنوا ال ِّذبحة ))‬ ‫القِتلة وال ِّذبحة بالكسر هي الهيئة‪ ،‬يعني‪ :‬هيئة القتل‪ ،‬صورة‬ ‫القتل‪ ،‬صفة القتل‪ ،‬فذكر النبي صلى الله عليه وسلم صورتين من‬ ‫الإحسان في أمر قد لا يتصور فيه الإحسان القتل أو الذبح‬ ‫ومن جملة الإحسان عند قتل المسلم في القصاص‪:‬‬ ‫أن يتفقد آلة القصاص ولا يقتل بآلة غير حادة‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪87‬‬ ‫وأما بالنسبة لذبح البهمية فمن الإحسان أن يحد الشفرة عند‬ ‫الذبح‪ ،‬و يريح البهيمة ‪ ،‬و لا يقطع منها شيء حتى تموت‪ ،‬و لا‬ ‫يحد السكين قبالتها‬ ‫وأن يعرض عليها الماء قبل الذبح ‪ ،‬ولا يذبح اللبون ‪ ،‬ولا ذات‬ ‫الولد ‪ ،‬حتى يستغني عن اللبن‪ ،‬ولا يذبح واحدة ق ّدام أخرى‬ ‫الفوائد التربوية‬ ‫الفائدة الأولى‪ :‬دليل على رحمة الله سبحانه ولأجل ذلك كتب‬ ‫الإحسان على كل شيء وهذا يورث محبته سبحانه ‪.‬‬ ‫الفائدة الثانية ‪ :‬فيه سماحة الشريعة ويسرها حيث بنيت على‬ ‫الإحسان والإتقان ‪.‬‬ ‫الفائدة الثالثة ‪ :‬قوله \" كتب \" تدل على وجوب الإحسان ‪.‬‬ ‫الفائدة الرابعة ‪ :‬الإحسان فيه معنى الإتقان ‪ ،‬فالإحسان في‬ ‫الذبيحة إتقانها بحيث لا تطول فتتعذب ‪ .‬وكذلك الإحسان في كل‬ ‫شيء إتقانه بحسبه‬ ‫الفائدة الخامسة ‪ :‬يجب الإحسان إلى الذبيحة بحد شفرته وسرعة‬ ‫إنجازها‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪88‬‬ ‫الفائدة السادسة ‪ :‬من أساليب التعليم ‪ :‬ذكر قاعدة ثم ضرب مثال‬ ‫لها أو مثالين ‪ .‬فالقاعدة في الحديث \" إن الله كتب الإحسان على‬ ‫كل شيء \"‬ ‫والمثالان هما \" إذا قتلتم فأحسنوا القتلة ‪ ،‬وإذا ذبحتم فأحسنوا‬ ‫الذبحة‪\" .‬‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪89‬‬ ‫الحديث الثامن عشر‬ ‫عن أبي ذر ُجن ُد ِب ب ِن ُجنَا َدةَ وأبي عب ِد ال َّرحم ِن ُمعا ِذ ب ِن جبل ر ِضي‬ ‫اللُ َع ْنهُما‪،‬‬ ‫عن رسو ِل اللِ َصلَّى اللُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم قا َل‪:‬‬ ‫{ اتَّ ِق اللهَ َح ْيثما ك ْن َت‪َ ،‬وأَ ْتبِ ِع ال َّسيِّئَةَ ا ْل َح َسنَةَ تَ ْمح َها‪َ ،‬و َخالِ ِق النَّا َس‬ ‫بِخلق َح َسن }‬ ‫رواه الترمذ ّي‪ ،‬وقا َل حديث َح َسن‪.‬‬ ‫وفي بع ِض الن َس ِخ حسن صحيح‪.‬‬ ‫شرح الحديث‬ ‫\"اتَّ ِق اللهَ\" أي اتخذ وقاية من عذاب الله عز وجل‪ ،‬وذلك بفعل‬ ‫أوامره واجتناب نواهيه‬ ‫\" َح ْيث َما ك ْن َت\" حيث‪ :‬ظرف مكان‪ ،‬أي في أي مكان كنت سواء في‬ ‫العلانية أو في السر‪ ،‬وسواء في البيت أو في السوق‪ ،‬وسواء‬ ‫حيث يراك الناس ‪ ،‬وحيث لا يرونك ‪ ،‬فإنه مطلع عليك‬ ‫\" َوأَ ْتبِ ِع ال َّسيِّئَةَ ال َح َسنَةَ تَ ْمح َها\" (أتبع) فعل أمر أي ألحق‬ ‫(السيئة) ‪ :‬وهي ترك بعض الواجبات ‪ ،‬أو ارتكاب بعض‬ ‫المحظورات‬ ‫(الحسنة) ‪ :‬إما التوبة من السيئة أو الإتيان بحسنة أخرى‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪90‬‬ ‫\"تَ ْمح َها\" جواب الأمر‪ ،‬أي تمح عقابها من صحف الملائكة وأثرها‬ ‫السيء في القلب‪ .‬فبين النتيجة أنها تمحها‬ ‫والمعنى‪ :‬إذا فعلت سيئة فأتبعها بحسنة‪ ،‬فهذه الحسنة تمحو‬ ‫السيئة‬ ‫واختلف العلماء رحمهم الله هل المراد بالحسنة التي تتبع السيئة‬ ‫هي التوبة‪ ،‬فكأنه قال‪ :‬إذا أسأت فتب‪ ،‬أو المراد العموم؟‬ ‫الصواب‪ :‬الثاني‪ ،‬أن الحسنة تمحو السيئة وإن لم تكن توبة‪ ،‬دليل‬ ‫هذا قوله تعالى ‪َ (:‬وأَقِ ِم ال َّص َلاةَ طَ َرفَ ِي النَّ َها ِر َوزلَفا ِّم َن اللَّ ْي ِل إِ َّن‬ ‫ا ْل َح َسنَا ِت ي ْذ ِه ْب َن ال َّسيِّئَا ِت َٰ َذلِ َك ِذ ْك َر َٰى لِل َّذا ِك ِري َن ) (هود‪ :‬الآية ‪)114‬‬ ‫ولما سأل النبي صلى الله عليه وسلم رجل وقال‪ :‬إنه أصاب من‬ ‫امرأة ما يصيب الرجل من امرأته إلا الزنا‪ ،‬وكان قد صلى معهم‬ ‫الفجر‪ ،‬فقال‪ :‬أصليت معنا صلاة الفجر؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬فتلا عليه الآية‪:‬‬ ‫( إِ َّن ا ْل َح َسنَا ِت ي ْذ ِه ْب َن ال َّسيِّئَات ) [هود‪ ،]114:‬وهذا يدل على أن‬ ‫الحسنة تمحو السيئة وإن لم تكن هي التوبة‬ ‫\" َو َخالِ ِق النَّا َس بِخلق َح َسن\" أي عامل الناس بخلق حسن‬ ‫والخلق حسن ‪ :‬هو أن تفعل معهم ما تحب أن يفعلوه معك ‪ ،‬فبذلك‬ ‫تجتمع القلوب ‪ ،‬وتتفق الكلمة ‪ ،‬وتنتظم الأحوال‬ ‫والمعنى‪ :‬عامل الناس بالأخلاق الحسنة بالقول وبالفعل‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪91‬‬ ‫فما هو الخلق الحسن؟‬ ‫قال بعضهم‪ :‬الخلق الحسن ‪:‬كف الأذى‪ ،‬وبذل الندى‪ ،‬والصبر على‬ ‫الأذى ‪ -‬أي على أذى الغير ‪ -‬والوجه الطلق‬ ‫‪ ‬كف الأذى منك للناس‬ ‫‪ ‬بذل الندى أي العطاء‬ ‫‪ ‬الصبر على الأذى لأن الإنسان لايخلو من أذية من الناس‬ ‫‪ ‬الوجه الطلق‪ :‬طلاقة الوجه‬ ‫وضابط ذلك ما ذكره الله ع ّز وجل في قوله‪( :‬خ ِذ ا ْل َعفْ َو )‬ ‫[الأعراف‪ ،]199:‬أي خذ ما عفا وسهل من الناس‪ ،‬ولاترد من‬ ‫الناس أن يأتوك على ما تحب لأن هذا أمر مستحيل‪ ،‬لكن خذ ما‬ ‫تيسر‪َ ( ،‬و ْأم ْر بِا ْلع ْر ِف َوأَ ْع ِر ْض َع ِن ا ْل َجا ِهلِي َن) [الأعراف‪]199:‬‬ ‫وهل الخلق الحسن ِجبْلِي (فطري) أو يحصل بالكسب؟‬ ‫الجواب ‪ :‬بعضه جبلي فطر الله الإنسان وخلقه عليه فيكون هبة‬ ‫من الله‪ ،‬وبعضه يحصل بالكسب‬ ‫قال النبي صلى الله عليه وسلم لأش ّج عبد قيس‪\" :‬إِ َّن فِ ْي َك لَخلقَ ْي ِن‬ ‫ي ِحبه َما الله‪ :‬ال ِح ْلم َوالأَنَاة\" قال‪ :‬يارسول الله أخلقين تخلّقت بهما أم‬ ‫جبلني الله عليهما؟ قال‪\" :‬بَ ْل َجبَلَ َك الله َعلَ ْي ِه َما\" قال‪ :‬الحمد لله الذي‬ ‫جبلني على ما يحب‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪92‬‬ ‫فالخلق الحسن يكون طبيعيا بمعنى أن الإنسان يم ّن الله عليه من‬ ‫الأصل بخلق حسن‪ .‬ويكون بالكسب بمعنى أن الإنسان يم ّرن نفسه‬ ‫على الخلق الحسن حتى يكون ذا خلق حسن‪ .‬ولا أدل على ذلك من‬ ‫قول النبي صلى الله عليه وسلم ‪\" :‬إنما العلم بالتعلم‪ ،‬وإنما الحلم‬ ‫بالتحلم\" ‪ ،‬فالحلم من الأخلاق‪ ،‬فيحصل بالتحلم‪ ،‬وهذا يحتاج إلى‬ ‫طلب‪ ،‬وترويض للنفس على هذه الخصلة‪ ،‬فيكون ذلك عادة له ‪.‬‬ ‫والخلق الحسن يك ِسب الإنسان الراحة والطمأنينة وعدم القلق لأنه‬ ‫مطمئن من نفسه في معاملة غيره‪.‬‬ ‫الفوائد التربوية‬ ‫الفائدة الأولى ‪ :‬يجمع الحديث ثلاثة حقوق ‪ :‬ـ‬ ‫‪1‬ـ الحق الأول ‪ :‬حق الله في قوله \" اتق الله \"‬ ‫‪2‬ـ الحق الثاني ‪ :‬حق النفس في قوله \" واتبع السيئة الحسنة‬ ‫تمحها \"‬ ‫‪3‬ـ الحق الثالث ‪ :‬حق الناس في قوله \" وخالق الناس بخلق حسن‬ ‫الفائدة الثانية‪ :‬تقوى الله ليس لها زمن تتقيد به وتقف عنده بل‬ ‫عند الإنسان المؤمن تجب في كل اللحظات‬ ‫الفائدة الثالثة ‪ :‬قوله \" اتق الله حيثما كنت \" تأصيل لمراقبة الله‬ ‫سبحانه في السر والعلن‪.‬‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪93‬‬ ‫الفائدة الرابعة‪ :‬الشريعة تحرص على أن يوجد عند الشخص رادع‬ ‫وزاجر من نفسه تحول بينه وبين المحرمات وهي \" تقوى الله \"‬ ‫الفائدة الخامسة‪ :‬ظاهر الحديث أن تقوى الإنسان لا تعصمه من‬ ‫وجود زلات سرعان ما يتبصر فيها المتقي ويرجع إلى حال أفضل‬ ‫من حال قبل الذنب وهذا الظاهر يؤخذ من قوله \" وأتبع السيئة‬ ‫الحسنة تمحها \" بعد قوله \" اتق الله حيثما كنت\"‬ ‫الفائدة السادسة‪ :‬بيان رحمة الله سبحانه بعباده ‪ ،‬وذلك بفتح‬ ‫أبواب لمحو السيئات ومنها الاستغفار ومنها فعل الحسنات كما في‬ ‫الحديث ‪.‬‬ ‫الفائدة السابعة ‪ :‬فيه حث على مجاهدة النفس فمن فعل سيئة‬ ‫فليتبعها بحسنة فإن عاد للذنب فعل الحسنة وهكذا ‪.‬‬ ‫الفائدة الثامنة ‪ :‬على الإنسان أن لا يستسلم للذنوب فمن أذنب‬ ‫فلايعني سقوطه وإبعاده أو أنه يرضى بما هو عليه بل يحاول‬ ‫التخلص ويفعل الخير ويتوب ويرجع إلى ربه وفي ذلك رفع‬ ‫للمعنوية وشحذ للهمة‬ ‫الفائدة التاسعة‪ :‬فضل فعل الحسنات والصالحات أنه يرفع‬ ‫الدرجات ويكفر السيئات‬ ‫الفائدة العاشرة ‪ :‬يربي الحديث في المسلم الخوف والرجاء ‪،‬‬ ‫فتقوى الله تربي في المسلم الخوف ‪ ،‬وفتح باب التوبة وتكفير‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪94‬‬ ‫السيئات يربي في المسلم الرجاء وهما منزلتان عظيمتان من‬ ‫منازل أعمال القلوب ‪.‬‬ ‫الفائدة الحادية عشرة ‪ :‬يسعى الإسلام لتربية أهله على زوال‬ ‫العداوات بينهم وهو المقصود من قوله \"وخالق الناس بخلق‬ ‫حسن\"‬ ‫الفائدة الثانية عشرة ‪ :‬تقوى الله تشمل القيام بحقوق الله وحقوق‬ ‫الناس ولذلك قال في الحديث \" وخالق الناس بخلق حسن \"‬ ‫قال ابن رجب رحمه الله ‪ \" :‬وإنما أفرده بالذكر للحاجة إلى بيانه‬ ‫فإن كثيرا من الناس يظن أن التقوى هي القيام بحقوق الله دون‬ ‫حقوق عباده فنص له الأمر بحسن العشرة للناس \"‬ ‫الفائدة الثالثة عشرة‪ :‬يربي في النفس المبادرة في الفعل وأ ّلا‬ ‫يكون الشخص تبعا لغيره‪ ،‬ولذلك أمره أن يبادر في فعل الحسنة‬ ‫وأن يبادر في معاملة الناس بخلق حسن‬ ‫الفائدة الرابعة عشرة‪ :‬الأخلاق الحسنة في الشريعة تبذل مطلقا‬ ‫سواء أحسن الناس إليك أو أساءوا ولذلك لم يقيدها النبي صلى‬ ‫الله عليه وسلم بأنها لا تبذل إ ّلا لمن أحسن إليك بل جعلها عامة‬ ‫فقال‪ \" :‬وخالق الناس \" أي جميعا من أحسن ومن أساء‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪95‬‬ ‫الحديث التاسع عشر‬ ‫َعن أَبِي العبَّا ِس ع ْب ِد الل ب ِن َعبّاس َر ِضي اللُ َع ْنهُما قا َل‪:‬‬ ‫ُك ْن ُت َخ ْل َف النَّبِي َصلَّى اللُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم يو ًما‪ ،‬فَقَا َل‪:‬‬ ‫{ يَا غلاَم‪ ،‬إِنِّي أ َعلِّم َك َكلِ َمات؛ ا ْحفَ ِظ اللهَ يَ ْحفَ ْظ َك‪ ،‬ا ْحفَ ِظ اللهَ تَ ِج ْده‬ ‫ت َجا َه َك‪ ،‬إِ َذا َسأَلْ َت فَا ْسأَ ِل اللهَ‪َ ،‬وإِ َذا ا ْستَ َع ْن َت فَا ْستَ ِع ْن بِاللهِ‪َ ،‬وا ْعلَ ْم أَ َّن‬ ‫الأ َّمةَ لَ ِو ا ْجتَ َم َع ْت َعلَى أَ ْن يَ ْنفَعو َك بِ َش ْيء لَ ْم يَ ْنفَعو َك إِلاَّ بِ َش ْيء قَ ْد‬ ‫َكتَبَه الله لَ َك‪َ ،‬وإِ ِن ا ْجتَ َمعوا َعلَى أَ ْن يَضرو َك بِ َش ْيء لَ ْم يَضرو َك إِلاَّ‬ ‫بِ َش ْيء قَ ْد َكتَبَه الله َعلَ ْي َك‪ ،‬رفِ َع ِت الأَقْلاَم َو َجفَّ ِت الصحف }‬ ‫رواه الترمذي‪ ،‬وقا َل‪ :‬حديث َح َسن صحيح‪.‬‬ ‫وفي رواي ِة غي ِر الترمذي ‪:‬‬ ‫\" ا ْحفَ ِظ ال َّلهَ تَ ِج ْده أَما َمك ‪ ،‬تَ َع َّر ْف إِلَى ال َّلهِ في ال َّرخا ِء يَ ْع ِر ْف َك في‬ ‫ال ِّش َّد ِة ‪ ،‬وا ْعلَ ْم أَ َّن ما أَ ْخ َطأَ َك لَ ْم يَك ْن لِي ِصيبَ َك ‪ ،‬وما أَصابَ َك لَ ْم يَك ْن‬ ‫لي ْخ ِطئَ َك ‪ ،‬وا ْعلَ ْم أ َّن النَّ ْص َر َم َع ال َّصبْ ِر ‪ ،‬وأَ َّن الفَ َر َج َم َع ال َك ْر ِب ‪،‬‬ ‫وأَ َّن م َع الع ْس ِر ي ْسرا \"‬ ‫الشرح‬ ‫قوله \"كنت خلف النبي\" يحتمل أنه راكب معه على دابته ويحتمل‬ ‫أنه يمشي خلفه‪ ،‬وأيا كان فالمهم أنه أوصاه بهذه الوصايا‬ ‫العظيمة‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪96‬‬ ‫\"يَا غلام\" لأن ابن عباس رضي الله عنهما كان صغيرا‪ ،‬فإن النبي‬ ‫صلى الله عليه وسلم توفي وابن عباس قد قارب الاحتلام يعني‬ ‫عمره من الخامسة عشر إلى السادسة عشر أو أقل‬ ‫قال‪\" :‬إني أعلمك كلمات\" ينفعك الله بها ‪ ،‬وقال ذلك من أجل أن‬ ‫ينتبه لها‬ ‫\"احفظ اللهَ يحفظك\" هذه كلمة عظيمة‪ ،‬واحفظ الله تعني احفظ‬ ‫حدوده وشريعته بفعل أوامره واجتناب نواهيه وملازمة تقواه‬ ‫\"يحفظك\" في نفسك وأهلك ومالك‪ ،‬ودينك ودنياك‪ ،‬وأهم هذه‬ ‫الأشياء هو أن يحفظك في دينك ويسلمك من الزيغ والضلال لأن‬ ‫الإنسان كلما اهتدى زاده الله ع ّز وجل هدى ( َوالَّ ِذي َن ا ْهتَ َد ْوا َزا َده ْم‬ ‫هدى َوآتَاه ْم تَقْ َواه ْم) (محمد‪)17:‬‬ ‫وعلِ َم من هذا أن من لم يحفظ الله فإنه لا يستحق أن يحفظه الله‬ ‫ع ّز وجل وفي هذا الترغيب على حفظ حدود الله ع ّز وجل‬ ‫الكلمة الثانية‪:‬‬ ‫قال \"احفظ اللهَ تجده تجاهك\" أي احفظ الله تجده أمامك يدلك على‬ ‫كل خير ويقربك ويهديك إليه ويصرف عنك كل شر‬ ‫الكلمة الثالثة‪:‬‬ ‫\" إ َذا سأل َت فَا ْسأَ ِل الله\" إذا سألت حاجة فلا تسأل إلا الله ع ّز وجل‬ ‫ولاتسأل المخلوق شيئا وإذا قدر أنك سألت المخلوق ما يقدر عليه‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪97‬‬ ‫فاعلم أنه سبب من الأسباب وأن المسبب هو الله ع ّز وجل لو شاء‬ ‫لمنعه من إعطائك سؤالك فاعتمد على الله تعالى‬ ‫الكلمة الرابعة‪:‬‬ ‫\" َوإِ َذا استعنت فاستعن بِاللهِ \" أي إذا طلبت العون على أمر من‬ ‫الأمور‪ ،‬فلا تطلب العون إلا من الله ع ّز وجل‪ ،‬لأنه هو الذي بيده‬ ‫ملكوت السموات والأرض‪ ،‬وهو يعينك إذا شاء وإذا أخلصت‬ ‫الاستعانة بالله وتوكلت عليه أعانك‪ ،‬وإذا استعنت بمخلوق فيما‬ ‫يقدر عليه فاعتقد أنه سبب‪ ،‬وأن الله هو الذي سخره لك‬ ‫وفي هاتين الجملتين دليل على أنه من نقص التوحيد أن الإنسان‬ ‫يسأل غير الله‪ ،‬ولهذا تكره المسألة لغير الله ع ّز وجل في قليل أو‬ ‫كثير‪ ،‬والله سبحانه وتعالى إذا أراد عونك يسر لك العون سواء‬ ‫كان بأسباب معلومة أو غير معلومة‪ ،‬فقد يعينك الله بسبب غير‬ ‫معلوم لك‪ ,‬فيدفع عنك من الشر ما لا طاقة لأحد به‪ ،‬وقد يعينك الله‬ ‫على يد أحد من الخلق يسخره لك ويذلِّله لك حتى يعينك‪ ،‬ولكن مع‬ ‫ذلك لا يجوز لك إذا أعانك الله على يد أحد أن تنسى المسبب وهو‬ ‫الله ع ّز وجل‪.‬‬ ‫الكلمة الخامسة‪:‬‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪98‬‬ ‫\" َواعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إِلا‬ ‫بشيء قد كتبه الله لك\"‬ ‫الأمة كلها من أولها إلى آخرها لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء‬ ‫لن ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك‪ ,‬وعلى هذا فإن نفع الخلق‬ ‫الذي يأتي للإنسان فهو من الله في الحقيقة لأنه هو الذي كتبه له‬ ‫وهذا حث لنا على أن نعتمد على الله ع ّز وجل ونعلم أن الخلق‬ ‫جميعا لا يجلبون لنا خيرا إلا بإذن الله ع ّز وجل‪.‬‬ ‫الكلمة السادسة‪:‬‬ ‫\" وإِن اِجتمعوا على أَن يضرو َك بِشيء لم يَضروك إلا بشيء قد‬ ‫كتبَه الله عليك\" وعلى هذا فإن نالك ضرر من أحد فاعلم أن الله قد‬ ‫كتبه عليك فار َض بقضاء الله وبقدره‪ ،‬ولا حرج أن تحاول أن تدفع‬ ‫الضر عنك‪ ،‬لأن الله تعالى يقول ( َو َج َزاء َسيِّئَة َسيِّئَة ِم ْثل َها )‬ ‫(الشورى‪ :‬الآية ‪)40‬‬ ‫الكلمة السابعة ‪:‬‬ ‫\"رفعت الأَقلام‪َ ،‬وجفت الصحف \" كناية عن تقدم كتابة المقادير‬ ‫كلها ‪ ،‬والفراغ منها من أمد بعيد‬ ‫‪ ‬وفي رواية غير الترمذي‪:‬‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪99‬‬ ‫\"اِحفظ الله تجده أَمامك\"وهذا بمعنى \"احفظ الله تجده تجاهك\"‬ ‫\"ت َعرف إلى اللهِ في الرخاء يع ِرفك في الشدة\" يعني قم بحق الله ع ّز‬ ‫وجل في حال الرخاء وفي حال الصحة وفي حال الغنى يَع ِرف َك في‬ ‫ال ّشد ِة إذا زالت عنك الصحة وزال عنك الغنى واشتدت حاجتك‬ ‫عرفك بما سبق لك أو بما سبق فعل الخير الذي تعرفت به إلى الله‬ ‫ع ّز وجل‪.‬‬ ‫\" َواعلم أَن ما أَخطأَك لَم يَكن ليصيبَك‪َ ،‬و َما أَصابك لَم يَكن ليخطئك\"‬ ‫أي ما وقع عليك فلن يمكن دفعه‪ ،‬وما لم يحصل لك فلا يمكن‬ ‫جلبه‪ ،‬ويحتمل أن المعنى‪ ،‬يعني أن ما قدر الله ع ّز وجل أن يصيبك‬ ‫فإنه لا يخطئك‪ ،‬بل لابد أن يقع لأن الله قدره‪ .‬وأن ما كتب الله ع ّز‬ ‫وجل أن يخطئك رفعه عنك فلن يصيبك أبدا‪ ،‬فالأمر كله بيد الله‪،‬‬ ‫وهذا يؤدي إلى أن يعتمد الإنسان على ربه اعتمادا كاملا‬ ‫ثم قال ‪َ \":‬واعلم أن النصر َمع الصبر\" اي نصر الله للعبد على‬ ‫جميع أعداء دينه ودنياه يكون مع الصبر‪ ،‬فهذه الجملة فيها الحث‬ ‫على الصبر‪ ،‬لأنه إذا كان النصر مع الصبر فإن الإنسان يصبر من‬ ‫أجل أن ينال النصر‬ ‫والصبر هنا يشمل‪:‬‬ ‫‪ -‬الصبر على طاعة الله‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪100‬‬ ‫‪ -‬وعن معصيته‬ ‫‪ -‬وعلى أقداره المؤلمة‬ ‫وقوله‪َ \" :‬واعلم أَن الفرج َمع الكرب\" الفرج انكشاف الشدة‬ ‫والكرب‪ ،‬فكلما اكتربت الأمور فإن الفرج قريب‪ ،‬لأن الله ع ّز وجل‬ ‫يقول في كتابه ‪(:‬أَ َّم ْن ي ِجيب ا ْلم ْضطَ َّر إِ َذا َد َعاه َويَ ْك ِشف السوء)‬ ‫(النمل‪ :‬الآية‪)62‬‬ ‫فكل عسر بعده يسر بل إن العسر محفوف بيسرين‪ ،‬يسر سابق‬ ‫ويسر لاحق قال الله تعالى‪( :‬فَإِ َّن َم َع ا ْلع ْس ِر ي ْسرا* إِ َّن َم َع ا ْلع ْس ِر‬ ‫ي ْسرا) [الشرح‪]6-5:‬‬ ‫قال ابن عباس رضي الله عنه \"لَن يَغل َب عسر يس َرين\"‬ ‫الفوائد التربوية‬ ‫الفائدة الأولى‪ :‬فيه حث على التواضع واللين لإردافه صلى الله‬ ‫عليه وسلم ابن عباس رضي الله عنهما خلفه ومحادثته في‬ ‫الطريق وتوصيته‬ ‫الفائدة الثانية‪ :‬الاهتمام بتربية الصغار واختيار الجمل القصيرة في‬ ‫حال تعليمهم ليكون أسهل في الحفظ‪ ،‬وبذل العلم للكبير والصغير‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬


Like this book? You can publish your book online for free in a few minutes!
Create your own flipbook