Important Announcement
PubHTML5 Scheduled Server Maintenance on (GMT) Sunday, June 26th, 2:00 am - 8:00 am.
PubHTML5 site will be inoperative during the times indicated!

Home Explore شرح الأربعين النووية

شرح الأربعين النووية

Published by مكتبة(ورتل) الإلكترونيه, 2021-05-17 10:11:27

Description: شرح الأربعين النووية

Search

Read the Text Version

‫‪201‬‬ ‫‪ -1‬تحريم الحسد بين المسلمين ‪ ,‬وهو تمني زوال النعمة عن‬ ‫المحسود‪.‬‬ ‫‪ -2‬تحريم النجش‪ ،‬وهو أن يزيد في السلعة َم ْن لا يريد شراءها‪،‬‬ ‫أو يزيد على ثمن مثلها َم ْن يعرضها ‪.‬‬ ‫‪ -3‬تحريم التباغض بين المسلمين ‪.‬‬ ‫‪ -4‬تحريم التدابر‪ ،‬وهو أن يعرض بعضهم عن بعض عند اللقاء ‪.‬‬ ‫‪ -5‬تحريم أن يبيع المسلم على بيع أخيه‪ ،‬وهو أن يقول لمن‬ ‫اشترى سلعة بعشرة مثلا‪ :‬أنا أعطيك مثلها بتسعة‪ ،‬ليفسخ ويعقد‬ ‫معه ‪.‬‬ ‫‪ -6‬تحريم شراء المسلم على شراء أخيه‪ ،‬وهو أن يقول لمن باع‬ ‫سلعة بتسعة مثلا ‪ :‬أنا أعطيك فيها عشرة ‪.‬‬ ‫‪ -7‬أن من تحقيق العبودية لله رعاية الأخوة الإيمانية ‪.‬‬ ‫‪ -8‬إثبات الأخوة بين المسلمين‪ ،‬وأن ظلم المسلم ينافي صدق‬ ‫الأخوة الإسلامية ‪.‬‬ ‫‪ -9‬أن ترك نصرة المسلم مما ينافي الأخوة‪ ،‬وقد قال رسول الله‬ ‫صلى الله عليه وسلم ‪ ( :‬انصر أخاك ظالما أو مظلوما )‪.‬‬ ‫‪ -10‬أن من حق المسلم على المسلم ألا يحقره ‪.‬‬ ‫‪ -11‬وجوب الصدق والتناصر والتواضع وتحريم الظلم بين‬ ‫المسلمين ‪.‬‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪202‬‬ ‫‪ -١٢‬أن أصل التقوى وحقيقتها في القلب‪ ،‬وما يظهر على‬ ‫الجوارح من طاعة الله أثر لها وفرع عنها‪ ،‬ويشهد لهذا قوله‬ ‫تعالى { َذلِ َك َو َم ْن ي َع ِظّ ْم َش َعائِ َر ال َّلهِ فَإِنَّ َها ِم ْن تَ ْق َوى الْقلو ِب} ‪.‬‬ ‫‪ -13‬أن من تقوى الله القيام بحق المسلم على المسلم فعلا وتركا‬ ‫‪ -14‬أن الانحراف الظاهر في القول والعمل يدل على ضعف تقوى‬ ‫القلب ‪.‬‬ ‫‪ -15‬تحريم دم المسلم وماله وعرضه على المسلم ‪.‬‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪203‬‬ ‫الحديث السادس والثلاثون‬ ‫عن أبي هُريرةَ َر ِضي اللُ َع ْنهُ ‪،‬‬ ‫ع ِن النَّبِي َصلَّى اللُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم قا َل‪:‬‬ ‫{ َم ْن نَفَّ َس َع ْن م ْؤ ِمن ك ْربَة ِم ْن ك َر ِب الد ْنيَا نَفَّ َس الله َع ْنه ك ْربَة ِم ْن‬ ‫ك َر ِب يَ ْو ِم الْقِيَا َم ِة‪َ ،‬و َم ْن يَ َّس َر َعلَى م ْع ِسر يَ َّس َر الله َعلَ ْي ِه فِي الد ْنيَا‬ ‫َوا ْلآ ِخ َر ِة‪َ ،‬و َم ْن َستَ َر م ْسلِما َستَ َره الله فِي الد ْنيَا َوالآ ِخ َر ِة‪َ ،‬والله فِي‬ ‫َع ْو ِن ا ْل َعبْ ِد َما َكا َن ا ْل َع ْبد فِي َع ْو ِن أَ ِخي ِه‪َ ،‬و َم ْن َسلَ َك طريقا يَ ْلتَ ِمس‬ ‫فِي ِه ِع ْلما َس َّه َل الله لَه بِ ِه طَ ِريقا إِلَى ا ْل َجنَّ ِة‪َ ،‬و َما ا ْجتَ َم َع قَوم فِي بَيْت‬ ‫ِم ْن بيو ِت اللهِ يَ ْتلو َن ِكتَا َب اللهِ َويَتَ َدا َرسونَه بَ ْينَه ْم إِلاَّ نَ َزلَ ْت َعلَيْ ِهم‬ ‫ال َّس ِكينَة‪َ ،‬و َغ ِشيَ ْتهم ال َّر ْح َمة‪َ ،‬و َحفَّتْهم ا ْل َملاَئِ َكة ‪َ ,‬و َذ َك َرهم الله فِي َم ْن‬ ‫ِع ْن َده‪َ ،‬و َم ْن بَطَّأَ بِ ِه َع َمله لَ ْم ي ْس ِر ْع بِ ِه نَ َسبه }‪.‬‬ ‫رواه مسلِم بهذا اللفظ‬ ‫شرح الحديث‬ ‫\" َم ْن نَف َس\" أي أزال وف َّرج عنه‬ ‫\" َع ْن مؤ ِمن كربَة \" كربة‪ :‬أي شدة عظيمة ‪ ،‬وهي ما أهم النفس ‪،‬‬ ‫وغم القلب‬ ‫والكربة هي ما يكرب الإنسان ويغتم منه ويتضايق منه ‪.‬‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪204‬‬ ‫\" ِم ْن كر ِب الدنيَا\" أي من الكرب التي تكون في الدنيا وإن كانت من‬ ‫مسائل الدين‪ ،‬لأن الإنسان قد تصيبه كربة من كرب الدين فينفس‬ ‫عنه ‪.‬‬ ‫\"نَفَّ َس الله َعنه كربَة ِم ْن ك َر ِب يَو ِم القيا َمة \"الجزاء من جنس‬ ‫العمل من حيث الجنس‪ ،‬تنفيس وتنفيس‪ ،‬لكن من حيث النوع‬ ‫يختلف اختلافا عظيما‪ ،‬فكرب الدنيا لا تساوي شيئا بالنسبة لكرب‬ ‫الآخرة‪ ،‬فإذا نفس الله عن الإنسان كربة من كرب الآخرة كان‬ ‫ثوابه أعظم من عمله‬ ‫\" َو َم ْن يَ َّس َر\" أي سهل \" َعلَى مع ِسر\" المعسر من أثقلته الديون‬ ‫وعجز عن وفائها‪ ،‬والتيسير عليه مساعدته على إبراء ذمته من‬ ‫تلك الديون وذلك‪ :‬إما بإنظاره إلى الميسرة ‪ ،‬أو بإعطائه ما يزول‬ ‫به إعساره ‪ ،‬أو بالوضع عنه إن كان غريما ‪.‬‬ ‫\"يَ َّس َر الله َعلَي ِه في الدنيَا َوالآ ِخ َرة\" سهل أموره وشؤونه‪ ،‬ويشمل‬ ‫هذا التيسير تيسير المال‪ ،‬وتيسير الأعمال‪ ،‬وتيسير التعليم وغير‬ ‫ذلك‪ ،‬أي نوع من أنواع التيسير ‪.‬‬ ‫وهنا ذكر الجزاء في موضعين‪:‬‬ ‫الأول‪ :‬في الدنيا‬ ‫والثاني‪ :‬في الآخرة ‪.‬‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪205‬‬ ‫\" َو َم ْن َستَ َر م ْسلِما\" أي أخفى وغطى على مسلم ‪ ،‬بأن علم منه‬ ‫وقوع معصية فيما مضى ‪ ،‬فلم يخبر بها أحدا‬ ‫وليس من لوازم الستر عدم التغيير‪ ،‬بل يغير ويستر‪ ،‬وهذا في‬ ‫حق َمن لا يع َرف بالفساد والتمادي في الطغيان‪ ،‬وأما من ع ِرف‬ ‫بذلك فإنه لا يستحب الستر عليه؛ وذلك لأن الستر عليه يغريه‬ ‫على الفساد‪ ،‬ويجرئه على أذية العباد‪ ،‬ويجرئ غيره من أهل‬ ‫الشر والعناد‪.‬‬ ‫\" َستَ َره الله في الدنيَا َوالآ ِخ َرة\" ‪ :‬بألا يعاقبه على ما فرط فيه‬ ‫\" َوالله في َعو ِن ال َعب ِد َما َكا َن ال َعبد في َعو ِن أخي ِه\"‬ ‫((والله في عون العبد))؛ أي‪ :‬معين له إعانة كاملة‪(( ،‬ما كان العبد‬ ‫في عون أخيه)) أي إذا أعنت أخاك كان الله في عونك‪ ،‬والإعانة‬ ‫تكون بالقلب والبدن والمال‪.‬‬ ‫\" َو َم ْن َسلَ َك طَريقا\" أي دخله ومشى فيه‪ ،‬وذلك بالمشي بالأقدام‬ ‫إلى مجالس العلم ‪ ،‬ويتناول أيضا الطريق المعنوي‪ :‬كالحفظ‬ ‫والمذاكرة والمطالعة والتفهم ‪.‬‬ ‫\"يَلتَ ِمس في ِه ِع ْلما\" أي يطلب ويبتغي علما شرعيا ‪ ،‬قاصدا به وجه‬ ‫الله تعالى‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪206‬‬ ‫\" َس َهّ َل الله لَه بِ ِه طَ ِريقا إِلَى ال َجنَّ ِة\" أي جازاه الله عليه بأن يهديه‬ ‫ويوفقه إلى طريق الجنة‪ ،‬بتيسير ذلك العلم الذي طلبه والعمل‬ ‫بمقتضاه أو علوم أخرى توصله إلى الجنة‪ ،‬وهو حض وترغيب‬ ‫في طلب العلم والإجتهاد فيه‬ ‫\" َو َما اجتَ َم َع قَوم في بَيت ِم ْن بيو ِت اللهِ \"‬ ‫بيوت الله هي المساجد‪ ،‬كما قال الله تعالى‪( :‬فِي بيوت أَ ِذ َن ال َّله أَ ْن‬ ‫ت ْرفَ َع َوي ْذ َك َر فِي َها ا ْسمه ي َسبِّح لَه فِي َها بِا ْلغد ِّو َوا ْلآ َصا ِل* ِر َجال لا‬ ‫ت ْل ِهي ِه ْم تِ َجا َرة َولا بَ ْيع َع ْن ِذ ْك ِر ال َّلهِ َوإِقَا ِم ال َّصلا ِة َوإِيتَا ِء ال َّز َكا ِة‬ ‫يَ َخافو َن يَ ْوما تَتَقَلَّب فِي ِه ا ْلقلوب َوا ْلأَ ْب َصار) [النور‪]36،37:‬‬ ‫\"يَتلو َن ِكتَا َب الله\" أي يقرؤونه‬ ‫\" َويَتَ َدا َرسونَه بَينَهم\" أي يدرس بعضهم على بعض هذا القرآن ‪.‬‬ ‫\"إِلا نَ َزلَت َعلَيهم ال َّسكينَة\" أي طمأنينة القلب‪ ،‬وانشراح الصدر‪.‬‬ ‫\" َو َغشيَتهم ال َّرح َمة\" أي غطتهم ‪ ،‬والرحمة هنا يعني رحمة الله ع ّز‬ ‫وجل‪.‬‬ ‫\" َو َحفَّتهم ال َملائِكة\" أي أحاطت بهم إكراما لهم ‪.‬‬ ‫\" َوذكرهم الله في َمن ِعنده\" أي أثنى عليهم فيمن عنده‬ ‫أي أن هؤلاء القوم الذين اجتمعوا في المسجد يتدارسون كلام الله‬ ‫ع ّز وجل يذكرهم الله فيمن عنده من الملائكة‪ ،‬ويثني عليهم‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪207‬‬ ‫وهذا كقوله تعالى في الحديث القدسي‪\" :‬من ذكرني في ملأ ذكرته‬ ‫في ملأ خير منهم\"‪ ،‬فإذا ذكرت الله في ملأ بقراءة القرآن أو غيره‬ ‫فإن الله تعالى يذكرك عند ملأ خير من الملأ الذي أنت فيهم‬ ‫\" َو َم ْن بَطَّأ بِ ِه َع َمله لَ ْم ي ْسرع بِ ِه نَ َسبه\"‬ ‫بطأ‪ :‬بمعنى أ َّخر ‪ ،‬أوقصر ‪ ،‬لفقد بعض شروط الصحة أو الكمال ‪.‬‬ ‫\"لم يسرع به نسبه \"‪ :‬لم يلحقه نسبه برتب أصحاب الأعمال‬ ‫الكاملة‪ :‬لأن المسارعة إلى السعادة بالأعمال لا بالأحساب‬ ‫والمعنى‪ :‬من أخره العمل لم ينفعه النسب‪ ،‬لقوله تعالى ‪:‬‬ ‫( إِ َّن أَ ْك َر َمك ْم ِع ْن َد ال َّلهِ أَ ْتقَاك ْم ) (الحجرات‪ :‬الآية‪)13‬‬ ‫فينبغي ألا يتكل على شرف النسب وفضيلة الآباء ويقصر في‬ ‫العمل‪.‬‬ ‫فوائد الحديث‬ ‫هذا الحديث أصل في إحسان المسلم إلى المسلم‪ ،‬وفي فضل طلب‬ ‫العلم وتدارس القرآن‪ ،‬وفيه من الفوائد ‪:‬‬ ‫‪ -1‬الترغيب في تنفيس الكرب عن المؤمنين‬ ‫‪ -2‬إثبات القيامة وأن فيها كربا عظيمة ‪.‬‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪208‬‬ ‫‪ -3‬فضل التيسير على المعسر بإنظاره أو إبرائه من الدين‬ ‫‪ -4‬الترغيب في الستر على المسلم الذي لا يع َرف بالفساد ؛ ستر‬ ‫عيوبه أو ذنوبه‬ ‫‪ -5‬فضل إعانة المسلم لأخيه في أمور دينه ودنياه ‪.‬‬ ‫‪ -6‬أن الجزاء من جنس العمل‪ ،‬وهو سنة الله في جزاء العباد‪ ،‬قال‬ ‫تعالى‪َ {:‬ه ْل َج َزاء ال ِإ ْح َسا ِن إِ َّلا ال ِإ ْح َسان } [الرحمن ‪]60 :‬‬ ‫‪ -7‬فضل طلب العلم الشرعي وأنه سبب لتوفيق العبد لطريق‬ ‫الجنة ‪.‬‬ ‫‪ -8‬الحث على طلب العلم‪ ،‬وفضل الرحلة في طلب العلم‬ ‫‪ -9‬الحث على الاهتمام بكتاب الله‪ ،‬والترغيب في الاجتماع في‬ ‫المساجد لتلاوته وتدارسه‪ .‬وعظم فضل هذا العمل‪ ،‬وهو أربعة‬ ‫أمور ‪:‬‬ ‫‪ ‬نزول السكينة ‪.‬‬ ‫‪ ‬غشيان الرحمة ‪.‬‬ ‫‪ ‬وحف الملائكة ‪.‬‬ ‫‪ ‬وذكر الله إياهم عند ملائكته ‪.‬‬ ‫‪ -10‬محبة الملائكة للذكر وتعلم العلم وطلابه ‪.‬‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪209‬‬ ‫‪ -11‬أن تلاوة القرآن وتعلم العلم الشرعي ذكر لله لأن من جزائه‬ ‫في هذا الحديث ذكر الله للتالين والمتدارسين‪ ،‬وقد قال سبحانه‪:‬‬ ‫{ فَا ْذكرونِي أَ ْذك ْرك ْم } [البقرة ‪ ]152:‬وفي الحديث القدسي ( فإن‬ ‫ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وإن ذكرني في ملأ ذكرته في‬ ‫ملأ خير منهم )‬ ‫‪ -12‬فضل المساجد‪ ،‬وذلك لإضافتها إلى الله‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪210‬‬ ‫الحديث السابع والثلاثين‬ ‫َعن ا ْب ِن َعبَّاس َر ِض َي اللُ َع ْنهُ َما‬ ‫َعن َر ُسو ِل ا ٰلّلِ َصلَّى الَّلُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم فِ ْي َما يَ ْر ِوي َع ْن َرب ِه تَبَا َر َك‬ ‫َوتَ َعالى قَا َل‪:‬‬ ‫(إِ َّن ال َّلهَ َكتَ َب ال َح َسنَا ِت َوال َّسيئَا ِت ث َّم بَيَّ َن َذلِ َك؛ فَ َم ْن َه َّم بِ َح َسنَة فَلَ ْم‬ ‫يَ ْع َم ْل َها َكتَبَ َها ال َّله ِع ْن َده َح َسنَة َكا ِملَة‪َ ،‬وإِ ْن َه َّم بِ َها فَ َع ِملَ َها َكتَبَ َها ال َّله‬ ‫ِع ْن َده َع ْش َر َح َسنَات إِلَى َسبْعِ ِمئَ ِة ِض ْعف إِل َى أَ ْض َعاف َكثِ ْي َرة‪َ .‬وإِ ْن‬ ‫َه َّم بِ َسيِّئَة فَلَ ْم يَ ْع َم ْل َها َكتَبَ َها ال َّله ِعنْ َده َح َسنَة َكا ِملَة‪َ ،‬وإِ ْن َه َّم بِ َها‬ ‫فَ َع ِملَ َها َكتَبَ َها ال َّله َسيِّئَة َوا ِح َدة)‬ ‫َر َواهُ البُ َخا ِري َو ُم ْس ِلم في َص ِح ْي َح ْي ِه َما بِ َه ِذ ِه ال ُح ُر ْو ِف‬ ‫الشرح‬ ‫قوله \"في َما يَروي ِه َع ْن َربِّ ِه\" يسمى هذا الحديث عند العلماء حديثا‬ ‫قدسيا ‪.‬‬ ‫تبارك وتعالى ‪ :‬تعاظم و تنزه عما لا يليق بكماله‬ ‫قوله \" َكتَ َب \"أي كتب وقوعها وكتب ثوابها‪ ،‬فهي واقعة بقضاء الله‬ ‫وقدره المكتوب في اللوح المحفوظ ‪ ،‬وهي أيضا مكتوب ثوابها‬ ‫كما سيبين في الحديث‪.‬‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪211‬‬ ‫أما وقوعها‪ :‬ففي اللوح المحفوظ‪.‬‬ ‫وأما ثوابها‪ :‬فبما دل عليه الشرع ‪.‬‬ ‫\" ث َم بَيَّ َن َذلِك\" أي فصله للكتبة من الملائكة‬ ‫\"فَ َمن هم بِ َح َسنة فَلَم يَع َمل َها َكتَبَ َها الله ِعن َده َح َسنَة َكا ِملَة\"‬ ‫والهم هنا ليس مجرد حديث النفس‪ ،‬لأن حديث النفس لا يكتب‬ ‫للإنسان ولا عليه‪ ،‬ولكن المراد عزم على أن يفعل ولكن تكاسل‬ ‫ولم يفعل‪ ،‬فيكتبها الله حسنة كاملة‬ ‫فإن قيل‪ :‬كيف يثاب وهو لم يعمل؟‬ ‫فالجواب ‪:‬يثاب على العزم ومع النية الصادقة تكتب حسنة‬ ‫كاملة‪ .‬واعلم أن من هم بالحسنة فلم يعملها على وجوه‪:‬‬ ‫الوجه الأول‪ :‬أن يسعى بأسبابها ولكن لم يدركها‪ ،‬فهذا يكتب له‬ ‫الأجر كاملا‪ ،‬لقول الله تعالى‪َ ( :‬و َم ْن يَ ْخر ْج ِم ْن بَ ْيتِ ِه م َها ِجرا إِلَى‬ ‫ال َّلهِ َو َرسولِ ِه ث َّم ي ْد ِر ْكه ا ْل َم ْوت فَقَ ْد َوقَ َع أَ ْجره َعلَى ال َّلهِ ) (النساء‪:‬‬ ‫الآية ‪)100‬‬ ‫وكذلك الإنسان يسعى إلى المسجد ذاهبا يريد أن يصلي صلاة‬ ‫الفريضة قائما ثم يعجز أن يصلي قائما فهذا يكتب له أجر الصلاة‬ ‫قائما‪ ،‬لأنه سعى بالعمل ولكنه لم يدركه‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪212‬‬ ‫الوجه الثاني ‪ :‬أن يهم بالحسنة ويعزم عليها ولكن يتركها لحسنة‬ ‫أفضل منها‪ ،‬فهذا يثاب ثواب الحسنة العليا التي هي أكمل‪ ،‬ويثاب‬ ‫على همه الأول للحسنة الدنيا‬ ‫الوجه الثالث ‪ :‬أن يتركها تكاسلا‪ ،‬مثل أن ينوي أن يصلي ركعتي‬ ‫الضحى‪ ،‬ثم ينشغل عنها ويتكاسل‪ ،‬فهذا يثاب على الهم الأول‬ ‫والعزم الأول‪ ،‬ولكن لا يثاب على الفعل لأنه لم يفعله بدون عذر‪،‬‬ ‫وبدون انتقال إلى ما هو أفضل‬ ‫\" َوإِن َه َّم بِ َها فَع َملَ َها\" تكتب عشر حسنات ‪ -‬والحمد لله ‪ -‬ودليل‬ ‫هذا من القرآن قول الله تعالى‪َ ( :‬م ْن َجا َء بِا ْل َح َسنَ ِة فَلَه َع ْشر أَ ْمثَالِ َها‬ ‫َو َم ْن َجا َء بِال َّسيِّئَ ِة فَلا ي ْج َزى إِلاَّ ِم ْثلَ َها َوه ْم لا ي ْظلَمو َن)‬ ‫(الأنعام‪)160:‬‬ ‫\" َكتَبَ َها الله ِعن َده َعش َر َح َسنَات\" هذه العشر حسنات كتبها الله على‬ ‫نفسه ووعد به وهو لا يخلف الميعاد‪.‬‬ ‫\"إلى َس ْبعِ ِمئَ ِة ِضعف\" وهذا تحت مشيئة الله تعالى‪ ،‬فإن شاء‬ ‫ضاعف إلى هذا‪ ،‬وإن شاء لم يضاعف ‪.‬‬ ‫\"إلى أَض َعاف َكثيرة\" يعني أكثر من سبعمائة ضعف‪ .‬وذلك بحسب‬ ‫الزيادة في الإخلاص وصدق العزم ‪ ،‬وحضور القلب ‪ ،‬وتعدي‬ ‫النفع‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪213‬‬ ‫قال‪َ \" :‬وإِن َه َّم بِ َسيئة فَلَم يَع َمل َها َكتَبَ َها الله ِعن َده َح َسنة َكا ِملَة\"‬ ‫جاء في الحديث‪ \" :‬لأنه إِنَ ّما تَ َر َك َها ِمن َجرائي\" أي من أجلي‪،‬‬ ‫فتكتب حسنة كاملة‪ ،‬لأنه تركها لله‪.‬‬ ‫واعلم أن الهم بالسيئة له أحوال ‪:‬‬ ‫‪ ‬الحالة الأولى ‪ :‬أن يهم بالسيئة أي يعزم عليها بقلبه‪ ،‬وليس‬ ‫مجرد حديث النفس‪ ،‬ثم يراجع نفسه فيتركها لله ع ّز وجل‪،‬‬ ‫فهذا هو الذي يؤجر‪ ،‬فتكتب له حسنة كاملة‪ ،‬لأنه تركها لله‬ ‫ولم يعملها‬ ‫‪ ‬الحالة الثانية‪ :‬أن يهم بالسيئة ويعزم عليها لكن يعجز عنها‬ ‫بدون أن يسعى بأسبابها‬ ‫كالرجل الذي أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‪ :‬ليت‬ ‫لي مثل مال فلان فأعمل فيه مثل عمله وكان فلان يسرف على‬ ‫نفسه في تصريف ماله‪ ،‬فهذا يكتب عليه سيئة‪ ،‬لكن ليس كعامل‬ ‫السيئة‪ ،‬بل يكتب وزر نيته‪ ،‬كما جاء في الحديث بلفظه‪\" :‬فَه َو‬ ‫بِنيَّت ِه\"‪ ،‬فَه َما في ال ِوز ِر سواء‬ ‫‪ ‬الحالة الثالثة‪:‬أن يهم بالسيئة ويسعى في الحصول عليها‬ ‫ولكن يعجز‪ ،‬فهذا يكتب عليه وزر السيئة كاملا‪،‬‬ ‫دليل ذلك‪ :‬قول النبي صلى الله عليه وسلم‪\" :‬إِ َذا اِلتَقَى المسلِ َما ِن‬ ‫بِسيفَي ِه َما فَالقَاتِل َوال َمقتول في النَّار \"‪ ،‬قَا َل‪ :‬يَا َرسول الله َهذا‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪214‬‬ ‫القَاتِل‪ ،‬فَ َما بَال ال َمقتول؟ أي لماذا يكون في النار‪ -‬قَا َل‪\" :‬لأَنَّه َكا َن‬ ‫َح ِريصا َعلَى قَت ِل َصا ِحبِ ِه \"فكتب عليه عقوبة القاتل‬ ‫ومثاله‪ :‬لو أن إنسانا تهيأ ليسرق وأتى بالسلم ليتسلق‪ ،‬ولكن‬ ‫عجز‪ ،‬فهذا يكتب عليه وزر السارق‪ ،‬لأنه هم بالسيئة وسعى‬ ‫بأسبابها ولكن عجز ‪.‬‬ ‫‪ ‬الحالة الرابعة ‪ :‬أن يهم الإنسان بالسيئة ثم يعزف عنها لا لله‬ ‫ولا للعجز‪ ،‬فهذا لا له ولا عليه‬ ‫وهذا يقع كثيرا‪ ،‬يهم الإنسان بالسيئة ثم تطيب نفسه ويعزف‬ ‫عنها‪ ،‬فهذا لا يثاب لأنه لم يتركها لله‪ ،‬ولا يعاقب لأنه لم يفعل ما‬ ‫يوجب العقوبة ‪.‬‬ ‫وعلى هذا فيكون قوله في الحديث‪َ \" :‬كتَبَ َها ِعن َده َح َسنَة َكا ِملَة\" أي‬ ‫إذا تركها لله ع ّز وجل‪.‬‬ ‫\" َوإِن َه َّم بِ َها فَ َع ِملَ َها َكتَبَ َها الله َسيئة َوا ِحدة\" ‪ ،‬ولهذا قال الله ع ّز‬ ‫وجل ‪َ (:‬كتَ َب َربك ْم َعلَى نَ ْف ِس ِه ال َّر ْح َمةَ ) (الأنعام‪ :‬الآية‪)54‬‬ ‫وقال الله تعالى في الحديث القدسي‪\" :‬إِ َّن َر ْح َمتِ ْي َسبَقَ ْت َغ َضبِ ْي\"‬ ‫وهذا ظاهر من الثواب على الأعمال الصالحة‪ ،‬والجزاء على‬ ‫الأعمال السيئة‪.‬‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪215‬‬ ‫قال النووي ‪ -‬رحمه الله ‪ : -‬فانظر يا أخي وفقنا الله وإياك إلى‬ ‫عظيم لطف الله تعالى‪ ،‬وتأمل هذه الألفاظ وقوله‪ِ \" :‬عن َده\" في‬ ‫السيئة التي لم يعملها ‪ ،‬إشارة إلى الاعتناء بها‪ .‬وقوله‪َ \" :‬كا ِملَة\"‬ ‫للتأكيد وشدة الاعتناء بها‬ ‫وقال في السيئة التي هم بها وعملها \"كتبها الله سيئة واحدة\" ‪،‬‬ ‫فأكد تقليلها بواحدة‪ ،‬ولم يؤكدها بكاملة‬ ‫فوائد الحديث‬ ‫الحديث أصل في كتابة الحسنات والسيئات والجزاء عليها‪ ،‬و فيه‬ ‫من الفوائد‪:‬‬ ‫‪ -1‬كتابة الله لأعمال العباد في أم الكتاب‪ ،‬وهي كتابة القدر‬ ‫السابق‪.‬‬ ‫‪ -٢‬كتابة الله لأعمال العباد إذا هموا بها أو عملوها‪ ،‬وذلك‬ ‫بملائكته‪.‬‬ ‫‪ -3‬إحصاء أعمال العباد ‪.‬‬ ‫‪ -4‬كتابة الملائكة لحسنات العبد مضاعفة أو غير مضاعفة وكتابة‬ ‫سيئاته بمثلها‪.‬‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪216‬‬ ‫‪ -5‬إثبات الملائكة الموكلين بحفظ عمل العبد وكتابته‪َ { ،‬وإِ َّن‬ ‫َعلَ ْيك ْم لَ َحافِ ِظي َن (‪ِ )10‬ك َراما َكاتِبِي َن (‪( } )11‬الانفطار)‬ ‫‪ -6‬أن الملائكة يعلمون عمل القلب ويكتبونه ‪.‬‬ ‫‪ -7‬أن العبد إذا هم بالحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة واحدة‪.‬‬ ‫‪ -8‬اعتبار النية في الأعمال وأثرها‪.‬‬ ‫‪ -9‬أن العبد إذا عمل الحسنة كتبت له عشر حسنات إلى سبعمئة‬ ‫ضعف‪.‬‬ ‫‪ -10‬أن العبد إذا هم بالسيئة فتركها لله كتبت له حسنة واحدة‬ ‫لقوله في الحديث ‪( :‬إنما تركها من ج َّرائي ) ‪.‬‬ ‫‪ -11‬أن العبد إذا عمل السيئة كتبت بمثلها‪ ،‬قال تعالى { َم ْن َجا َء‬ ‫بِا ْل َح َسنَ ِة فَلَه َع ْشر أَ ْمثَالِ َها َو َم ْن َجا َء بِال َّسيِّئَ ِة فَلا ي ْج َزى إِلا ِمثْلَ َها‬ ‫َوه ْم لا ي ْظلَمو َن } [الأنعام ‪.]160 :‬‬ ‫‪ -12‬أن السيئة لا تضاعف لكن قد تعظم بأسباب‪.‬‬ ‫‪ -13‬أن الجزاء دائر بين الفضل والعدل‪.‬‬ ‫‪ -14‬سعة فضل الله وجوده‪ ،‬وأن مضاعفة الحسنات لا تقف عند‬ ‫سبع مئة ضعف بل تضاعف أضعافا كثيرة لا حد لها‬ ‫‪ -15‬أن من هم بسيئة فتركها لا لله ولا عجزا لم تكتب له حسنة‬ ‫ولا سيئة‪ ،‬فإن تركها عجزا كتبت عليه سيئة‪.‬‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪217‬‬ ‫‪ -١٦‬أن جزاء السيئة دائر بين العدل والعفو لقوله في حديث أبي‬ ‫ذر ‪ ( :‬من جاء بالسيئة فجزاؤه سيئة مثلها أو أغفِر ) ما عدا‬ ‫الشرك الأكبر‪ ،‬قال سبحانه {إِ َّن ال َّلهَ َلا يَ ْغفِر أَ ْن ي ْش َر َك بِ ِه َويَ ْغفِر َما‬ ‫دو َن َذلِ َك لِ َم ْن يَ َشاء} [النساء ‪]116 :‬‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪218‬‬ ‫الحديث الثامن والثلاثون‬ ‫عن أبي هُريرةَ َر ِضي اللُ َع ْنهُ قا َل‪:‬‬ ‫قا َل َر ُسو ُل الَّلِ َصلَّى الَّلُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم‪:‬‬ ‫{ إِ َّن ال َّلهَ تَ َعالَى قَا َل‪َ :‬م ْن َعا َدى لِي َولِيّا فَقَ ْد آ َذ ْنته بِا ْل َح ْر ِب َو َما تَقَ َّر َب‬ ‫إِلَ َّي َع ْب ِدي بِ َش ْيء أَ َح َّب إِلَ َّي ِم َّما ا ْفتَ َر ْضت َعلَ ْي ِه‪َ ،‬و َما يَ َزال َع ْب ِدي‬ ‫يَتَقَ َّرب إِلَ َّي بِالنَّ َوافِ ِل َحتَّى أ ِحبَّه‪ ،‬فَإِ َذا أَ ْحبَ ْبته ك ْنت َس ْم َعه الَّ ِذي يَ ْس َمع‬ ‫بِ ِه‪َ ،‬وبَ َص َره الَّ ِذي يبْ ِصر بِ ِه‪َ ،‬ويَ َده الَّتِي يَ ْب ِطش بِ َها‪َ ،‬و ِر ْجلَه الَّتِي‬ ‫يَ ْم ِشي بِ َها‪َ ،‬وإِ ْن َسأَلَنِي لأ ْع ِطيَنَّه‪َ ،‬ولَئِ ِن ا ْستَ َعا َذنِي لأ ِعي َذنَّه }‬ ‫رواه البخاري‪.‬‬ ‫الشرح‬ ‫هذا حديث قدس ّي كالذي سبقه‪،‬‬ ‫قوله‪َ \" :‬م ْن َعا َدى لِي َولِيّا \"أي اتخذه عدوا له‪ ،‬وولي الله ع ّز وجل‬ ‫بيَّنه الله ع ّز وجل في القرآن‪ ،‬فقال‪( :‬أَلا إِ َّن أَ ْولِيَا َء ال َّلهِ لا َخ ْوف‬ ‫َعلَ ْي ِه ْم َولا ه ْم يَ ْح َزنو َن* الَّ ِذي َن آ َمنوا َو َكانوا يَتَّقو َن) [يونس‪-62:‬‬ ‫‪]63‬‬ ‫قال شيخ الإسلام ابن تيمية ‪ -‬رحمه الله‪ -‬من كان مؤمنا تقيا كان‬ ‫لله وليّا‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪219‬‬ ‫\"فَقَ ْد آ َذ ْنته بال َح ْر ِب\" أي أعلنت عليه الحرب‪ ،‬وذلك لمعاداته أولياء‬ ‫الله‬ ‫\" َو َما تَقَ َّر َب إِلَ َّي َعبْ ِد ْي بِ َشيء أَ َح َّب إِلِ َّي ِم َّما ا ْفتَ َر ْضته َعلَ ْي ِه \"‬ ‫جنس الفرائض أحب إلى الله من جنس النوافل‪.‬‬ ‫\" َولاَ يَ َزال َع ْب ِد ْي يَتَقَ َّرب إِلَ َّي بِالنَّ َوافِ ِل َحتَّى أ ِحبَّه \"‪ ،‬لايزال‪ :‬هذا‬ ‫من أفعال الاستمرار‪ ،‬أي أنه يستمر يتقرب إلى الله تعالى بالنوافل‬ ‫حتى يحبه الله ع ّز وجل‪ ،‬فيكون من أحباب الله‬ ‫\"فَإِ َذا أَ ْحبَبته ك ْنت َس ْم َعه الَّ ِذ ْي يَ ْس َمع بِ ِه‪َ ،‬وبَ َص َره الَّ ِذ ْي ي ْب ِصر بِ ِه‪،‬‬ ‫َويَ َده الَّتِي يَ ْب ِطش بِ َها‪َ ،‬و ِر ْجلَه الَّتِي يَ ْم ِش ْي بِ َها \"‬ ‫قيل معناه أن الإنسان إذا كان وليّا لله ع ّز وجل وتذكر ولاية الله‬ ‫حفظ سمعه‪ ،‬فيكون سمعه تابعا لما يرضي الله ع ّز وجل‪ .‬وكذلك‬ ‫يقال ‪:‬في بصره‪ ،‬وفي يده‪ ،‬وفي رجله‪.‬‬ ‫وقيل‪ :‬المعنى أن الله يسدده في سمعه وبصره ويده ورجله‪ ،‬أي أن‬ ‫الله يوفق هذا الإنسان فيما يسمع ويبصر ويمشي ويبطش‪ .‬وهذا‬ ‫أقرب‪ ،‬أن المراد ‪ :‬تسديد الله تعالى العبد في هذه الجوارح‪.‬‬ ‫أي حفظها من أن تستعمل في معصية ‪ ،‬فلا يسمع ما لم يأذن له‬ ‫الشرع بسماعه ‪ ،‬ولا يبصر ما لم يأذن له في إبصاره ‪ ،‬ولا يمد‬ ‫يده إلى شيء لم يأذن له في مدها إليه ‪ ،‬ولا يسعى إلا فيما أذن‬ ‫الشرع في السعي إليه ‪.‬‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪220‬‬ ‫وقوله‪َ \" :‬ولَئِ ْن َسأَلَنِ ْي لأَ ْعطيَنَّه\" ‪ :‬لأعطينه ما سأل ‪.‬‬ ‫\" َولَئِ ِن ا ْستَ َعا َذنِي\" ‪ :‬أي طلب مني أن أعيذه فأكون ملجأ له‬ ‫\"لأ ِعي َذنَّه\" لأعيذنه مما يخاف‬ ‫فأخبر أنه سبحانه وتعالى يعطي هذا المتقرب إليه بالنوافل ما‬ ‫سأل‪ ،‬ويعيذه مما استعاذ‪.‬‬ ‫فوائد الحديث‬ ‫‪ -1‬أن من العباد من يكون وليا لله‪ ،‬والولي هو كل مؤمن تقي‬ ‫‪ -٢‬وجوب موالاة أولياء الله ومعاداة أعدائه‪.‬‬ ‫‪ -3‬تحريم معاداة أولياء الله ‪.‬‬ ‫‪ -4‬غيرة الله لأوليائه وكرامتهم عنده‬ ‫‪ -5‬أن عداوة ولي من أولياء الله سبب لعداوة الله وحربه‪ ،‬والوعد‬ ‫بنصر الله لوليه ‪.‬‬ ‫‪ -6‬إعلان الله الحرب على من يعادي وليا من أوليائه ومن حاربه‬ ‫الله أدركه وأهلكه ‪.‬‬ ‫‪ -7‬أن الولاية تحصل بتحقيق العبادة‪ ،‬وذلك بالتقرب إلى الله‬ ‫بمحابه ‪.‬‬ ‫‪ -8‬أن الأعمال الصالحة سبب لمحبة الله لعبده‪.‬‬ ‫‪ -9‬تفاضل أولياء الله في حظهم من هذه المحبة‪.‬‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪221‬‬ ‫‪ -10‬إثبات المحبة لله‪.‬‬ ‫‪ -١١‬أن الفرائض أفضل من النوافل‪.‬‬ ‫‪ -12‬أن الأعمال الصالحة كلها محبوبة لله‪ ،‬وبعضها أحب إليه‬ ‫من بعض‪ ،‬وأحبها الفرائض‬ ‫‪ -13‬أن العبادات منها الفرض ومنها النفل‪.‬‬ ‫‪ -14‬أن أولياء الله صنفان ‪:‬‬ ‫الأول‪ :‬مقتصرون على فعل الفرائض وترك المحارم وهم‬ ‫المقتصدون وأصحاب اليمين‪ ،‬ويدل عليه قوله ‪( :‬وما تقرب إلي‬ ‫عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه )‬ ‫الثاني ‪ :‬المتقربون بالنوافل بعد الفرائض‪ ،‬وهم المق َّربون‬ ‫والمسارعون في الخيرات‪ ،‬ويدل عليه قوله ‪ ( :‬ولا يزال عبدي‬ ‫يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه )‬ ‫‪ -15‬أن إكثار العبد من النوافل ومداومته عليها سبب لمحبة الله‬ ‫تعالى له محبة خاصة‪ ،‬ففيه‪ :‬الحث على كثرة النوافل‪.‬‬ ‫‪ -١٦‬أن العبد فقير إلى الله لا يستغني عن عطاء ربه‪ ،‬مهما بلغ‬ ‫في الولاية‪ ،‬ولهذا مدح الله أنبياءه بدعائهم إياه‪ ،‬فقال تعالى ‪{:‬إِنَّه ْم‬ ‫َكانوا ي َسا ِرعو َن فِي ا ْل َخ ْي َرا ِت َويَ ْدعونَنَا َر َغبا َو َر َهبا َو َكانوا لَنَا‬ ‫َخا ِش ِعي َن} [الأنبياء ‪]90 :‬‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪222‬‬ ‫‪ -17‬أن أثر هذه المحبة تسديد الله للعبد وحفظ جوارحه عن‬ ‫المحارم والفضول‪ ،‬فلا يتصرف العبد بجوارحه إلا على وفق‬ ‫الشرع‪ ،‬وهذا معنى قوله ‪( :‬كنت سمعه وبصره ويده ورجله)‬ ‫‪ -18‬أن من آثار هذه المحبة الخاصة إجابة دعائه وإعطاءه‬ ‫سؤله وإعاذته مما استعاذ منه‬ ‫‪ -19‬أن الدعاء سبب لحصول المطالب‬ ‫‪ -20‬تواضع المؤمن لربه بافتقاره إليه وإنزال حوائجه به ‪.‬‬ ‫‪ -21‬أن الولي مستجاب الدعوة ‪.‬‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪223‬‬ ‫الحديث التاسع والثلاثون‬ ‫َع ِن اب ِن عبَّاس َر ِضي اللُ َع ْنهُما‪،‬‬ ‫أَ َّن رسو َل اللِ َصلَّى اللُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم قا َل‪:‬‬ ‫{إ َّن ال َّلهَ تَ َجا َو َز لِي َع ْن أ َّمتِي‪ :‬ا ْل َخطَأَ‪َ ،‬والنِّ ْسيَا َن‪َ ،‬و َما ا ْست ْك ِرهوا‬ ‫َعلَ ْي ِه}‬ ‫حديث ح َسن رواه اب ُن ما َجه والبيهقي وغي ُرهما‬ ‫تخريج الحديث‬ ‫بعض العلماء ضعفه ولكن هو ثابت وله دليل من الكتاب والسنه‬ ‫وقد صححه وحسنه مجموعه من العلماء ومنهم اْللباني‬ ‫شرح الحديث‬ ‫قوله‪\" :‬إِ َّن اللهَ تَ َجا َو َز لِي َع ْن أ َّمتِ ْي\"اللام هنا للتعليل‪ ،‬أي تجاوز‬ ‫من أجلي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه‬ ‫والخطأ ‪ :‬أن يرتكب الإنسان العمل عن غير عمد ‪.‬‬ ‫والنسيان‪ :‬ذهول القلب عن شيء معلوم من قبل‪.‬‬ ‫والاستكراه‪ :‬أن يكرهه شخص على عمل محرم ولايستطيع دفعه‪،‬‬ ‫أي‪ :‬الإلزام والإجبار‪ .‬وهذه الثلاثة أعذار شهد لها القرآن الكريم‪.‬‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪224‬‬ ‫أما الخطأ والنسيان‪ :‬فقد قال الله ع ّز وجل ‪َ (:‬ربَّنَا لا ت َؤا ِخ ْذنَا إِ ْن‬ ‫نَ ِسينَا أَ ْو أَ ْخطَأْنَا) (البقرة‪ :‬الآية‪)286‬‬ ‫وقال الله ع ّز وجل ‪َ (:‬ولَ ْي َس َعلَ ْيك ْم جنَاح فِي َما أَ ْخطَأْت ْم بِ ِه َولَ ِك ْن َما‬ ‫تَ َع َّم َد ْت قلوبك ْم ) (الأحزاب‪ :‬الآية ‪)5‬‬ ‫وأما الإكراه ‪ :‬فقال الله ع ّز وجل ‪َ (:‬م ْن َكفَ َر بِال َّلهِ ِم ْن بَ ْع ِد إِي َمانِ ِه إِلاَّ‬ ‫َم ْن أ ْك ِرهَ َوقَ ْلبه م ْط َمئِن بِا ْل ِإي َما ِن َولَ ِك ْن َم ْن َش َر َح بِا ْلك ْف ِر َص ْدرا‬ ‫فَ َعلَ ْي ِه ْم َغ َضب ِم َن ال َّلهِ َولَه ْم َع َذاب َع ِظيم) (النحل‪)106:‬‬ ‫فرفع الله ع ّز وجل حكم الكفر عن المك َره‪ ،‬فما دون الكفر من‬ ‫المعاصي من باب أولى لاشك‬ ‫إذا هذا الحديث مهما قيل في ضعفه فإنه يشهد له القرآن الكريم‬ ‫كلام رب العالمين ‪.‬‬ ‫الفوائد التربوية‬ ‫الفائدة الأولى ‪:‬فيه كرم الله سبحانه وتعالى وعظيم عفوه‪ ،‬حيث‬ ‫تجاوز عن تلك الأمور‪.‬‬ ‫الفائدة الثانية ‪:‬ظاهر لفظ الحديث في قوله \" أمتي \" يدل على أن‬ ‫ذلك من خصائص هذه الأمة المحمدية‪.‬‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪225‬‬ ‫الفائدة الثالثة ‪:‬دل على أن ‪ :‬الخطأ والنسيان والإكراه معفو عنها‬ ‫متجاوز عن الإثم فيها ‪.‬‬ ‫الفائدة الرابعة ‪:‬الحديث يؤيد قوله تعالى \" لا يكلف الله نفسا إلاَّ‬ ‫وسعها \" البقرة (‪)286‬‬ ‫الفائدة الخامسة ‪:‬دل على الفرق بين الخطأ والنسيان‪:‬‬ ‫فالخطأ‪ :‬أن يقصد بفعله شيئا فيصادف فعله غير ما قصده‪ ،‬كأن‬ ‫يقصد أن يقتل كافر فصادف قتله مسلما ‪.‬‬ ‫والنسيان‪ :‬أن يكون ذاكرا الشيء فينساه عند الفعل ‪.‬‬ ‫الفائدة السادسة ‪:‬استثنى أهل العلم بالإجماع من الإكراه إذا أكره‬ ‫على قتل مسلم‪ ،‬لنصوص أخرى‪ ،‬وفي هذا عظمة دم المسلم ‪.‬‬ ‫الفائدة السابعة ‪:‬المراد من قوله \" تجاوز \" يعني عن الإثم‪ ،‬لكن قد‬ ‫يعيد الفعل أحيانا على حسب الفعل‪ ،‬فمن نسي الوضوء وصلى فلا‬ ‫إثم عليه لكن عليه الإعادة وهكذا ‪.‬‬ ‫الفائدة الثامنة ‪:‬فيه سهولة الشريعة الإسلامية وتيسير الله لها‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪226‬‬ ‫الحديث الأربعون‬ ‫عن اب ِن عم َر َر ِضي اللُ َع ْنهُما قا َل‪:‬‬ ‫أَ َخ َذ رسو ُل اللِ َصلَّى اللُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم ب َم ْن ِكبِي فقا َل‪:‬‬ ‫{ك ْن فِي الد ْنيَا َكأَنَّ َك َغ ِريب أَ ْو َعابِر َسبِيل}‬ ‫وكا َن اب ُن ُع َمر َر ِضي اللُ َع ْنهُما يقو ُل‪:‬‬ ‫إذا أمسيـْ َت فلا تَ ْنتَ ِظ ِر ال َّصبا َح‪ ،‬وإذا أَ ْصبَ ْح َت فَلا تَ ْنتَ ِظ ِر المسا َء‪،‬‬ ‫وخ ْذ ِمن ِص َّحتِ َك لِ َم َر ِض َك ‪ ،‬و ِم ْن حياتِ َك لِ َم ْوتِ َك‬ ‫رواه البخار ّي‬ ‫الشرح‬ ‫قوله \" أخذ بمنكبي \"أي أمسك بكتفي من الأمام‪ ،.‬وذلك من أجل‬ ‫أن يستحضر ما يقوله النبي صلى الله عليه وسلم‬ ‫وقال‪\" :‬ك ْن فِي الدنِيا َكأَنَّ َك َغ ِر ْيب أَ ْو َعابِر َسبِيْل\"‬ ‫فالغريب لم يتخذها سكنا وقرارا‪ ،‬وعابر السبيل‪ :‬لم يستقر فيها‬ ‫أبدا‪ ،‬بل هو ماش ‪.‬‬ ‫وعابر السبيل أكمل زهدا من الغريب‬ ‫لأن عابر السبيل ليس بجالس‪ ،‬والغريب يجلس لكنه غريب‪.‬‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪227‬‬ ‫\"ك ْن فِي الد ْنيَا َكأَنَّ َك َغ ِر ْيب أَ ْو َعابر َسبِ ْيل \"‬ ‫وهذا يعني الزهد في الدنيا‪ ،‬وعدم الركون إليها‪ ،‬لأنه مهما طال‬ ‫بك العمر فإن مآلك إلى مفارقتها‬ ‫كن فيها كأنك غريب لا تعرف أحدا ولا يعرفك أحد‪ ،‬أو عابر سبيل‬ ‫أي ماش لا تنوي الإقامة‬ ‫َو َكان ا ْبن ع َم َر َر ِض َي الله َع ْنه َما يَق ْول‪ :‬إِ َذا أَ ْم َسيْ َت فَلا تَ ْنتَ ِظ ِر‬ ‫ال َّصبَا َح‪َ ،‬وإِ َذا أَ ْصبَ ْح َت فَلا تَ ْنتَ ِظ ِر ال َم َسا َء‪َ ،‬وخ ْذ ِم ْن ِص َّحتِ َك‬ ‫لِ َم َر ِض َك‪َ ،‬و ِم ْن َحيَاتِ َك لِ َم ْوتِ َك‪.‬‬ ‫هذه كلمات من ابن عمر رضي الله عنهما يقول ‪:‬‬ ‫إِ َذا أَ ْم َس ْي َت فَلا تَ ْنتَ ِظ ِر ال َّصبَا َح‬ ‫والمعنى‪ :‬اعمل العمل قبل أن تصبح ولا تقل غدا أفعله ‪.‬‬ ‫لأن منتظر الصباح إذا أمسى يؤخر العمل إلى الصباح‪ ،‬وهذا‬ ‫غلط‪ ،‬فلا تؤخر عمل اليوم لغد‬ ‫َوإِ َذا أَ ْصبَ ْح َت فَلا تَ ْنتَ ِظ ِر ال َم َسا َء أي اعمل وتج ّهز‪ ،‬وهذا أحد‬ ‫المعنيين‪ ،‬أو المعنى ‪:‬إِ َذا أَ ْم َس ْي َت فَلا تَ ْنتَ ِظ ِر ال َّصبَاح لأنك قد تموت‬ ‫قبل أن تصبح‪َ ،‬وإِ َذا أَ ْم َس ْي َت فَلا تَنْتَ ِظ ِر ال َم َساء لأنك قد تموت قبل‬ ‫أن تمسي ‪.‬‬ ‫َوخ ْذ ِم ْن ِص َّحتِ َك لِ َم َر ِض َك فالإنسان إذا كان صحيحا تجده قادرا‬ ‫على الأعمال منشرح الصدر‪ ،‬يسهل عليه العمل لأنه صحيح‪ ،‬وإذا‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪228‬‬ ‫مرض عجز وتعب‪ ،‬أو تعذر عليه الفعل‪ ،‬أو إذا أمكنه الفعل تجد‬ ‫نفسه ضيّقة ليست منبسطة‪ ،‬فخذ من الصحة للمرض لأنك‬ ‫ستمرض أو تموت‬ ‫َو ِم ْن َحيَاتِ َك لِ َم ْوتِ َك الحي موجود قادر على العمل‪ ،‬وإذا مات انقطع‬ ‫عمله إلا من ثلاث‪ ،‬فخذ من الحياة للموت واستعد‬ ‫هذه كلمات نيّرات‪ ،‬ولو أننا سرنا على هذا المنهج في حياتنا‬ ‫لهانت علينا الدنيا ولم نبال بها واتخذناها متاعا فقط‪.‬‬ ‫الفوائد التربوية‬ ‫‪ -١‬حسن تعليم النبي صلى الله عليه وسلم بالتشبيه وضرب‬ ‫الأمثال‪ ،‬وأن من طرق البيان التشبيه‪.‬‬ ‫‪ -2‬فيه شاهد لما اختص به النبي صلى الله عليه وسلم من‬ ‫جوامع الكلم ‪.‬‬ ‫‪ -3‬فضيلة ابن عمر ‪ -‬رضي الله عنهما ‪ -‬لأخذه بمنكبه‬ ‫وتخصيصه بالوصية‪.‬‬ ‫‪ -4‬الإرشاد إلى الزهد في متع الدنيا وحظوظها‪ ،‬كما قال‬ ‫سبحانه { َولا تَم َّد َّن َع ْينَ ْي َك إِلَى َما َمتَّ ْعنَا بِ ِه أَ ْز َواجا ِم ْنه ْم َز ْه َرةَ‬ ‫ا ْل َحيَا ِة الدنيَا لِنَ ْفتِنَه ْم فِي ِه } [طه ‪[131 :‬‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪229‬‬ ‫‪ -5‬أن المؤمن في الدنيا كالغريب‪ ،‬وهو النازل في غير وطنه‪ ،‬يعد‬ ‫العدة للرحيل والعودة ولا يعنيه ما يعني أهل الوطن ولا يبالي بقلة‬ ‫من يعرف‬ ‫‪ -6‬الإرشاد إلى قصر الأمل والج ّد بحسن العمل‪.‬‬ ‫‪ -7‬أن المؤمن في هذه الدنيا كعابر السبيل‪ ،‬وهو المسافر الذي‬ ‫همه الوصول إلى غايته لا يستقر له قرار في منازل سيره‪ ،‬ولا‬ ‫يلهو بما يمر به من المشاهد ‪.‬‬ ‫‪ -8‬أن المؤمن لا يطمئن بالحياة الدنيا ولا يرضى بها بدلا عن‬ ‫الآخرة‪ .‬فهو دائم التشمير في سيره إلى الله‪ ،‬دائم العبودية لله‪.‬‬ ‫‪ -9‬عمل ابن عمر رضي الله عنه بوصية النبي صلى الله عليه‬ ‫وسلم كما هو ظاهر من قوله‪ ( :‬إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح ) ‪.‬‬ ‫‪ -10‬وصيته ‪ -‬رضي الله عنه بقصر الأمل بقوله ‪( :‬إذا أمسيت فلا‬ ‫تنتظر الصباح وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء)‬ ‫‪ -11‬وصيته رضي الله عنه باغتنام الفرص بإحسان العمل‪ ،‬وذلك‬ ‫في قوله ‪ ( :‬وخذ من صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك ) ‪ ،‬و أن‬ ‫الصحة فرصة للعمل حتى إن العبد يكتب له في مرضه ما كان‬ ‫يعمل في صحته‬ ‫‪ -12‬أن الحياة في هذه الدنيا وقت للتزود لَلخرة ‪.‬‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪230‬‬ ‫‪ -13‬أن الصحة والحياة نعمتان يغتنمهما َذوو الألباب‪ ،‬قال رسول‬ ‫الله صلى الله عليه وسلم ‪ ( :‬نعمتان مغبون فيهما كثير من‬ ‫الناس‪ :‬الصحة والفراغ )‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪231‬‬ ‫الحديث الحادي والأربعون‬ ‫َع ْن أَبي ُم َح ّمد َع ْب ِد اللِ ب ِن َع ْم ِرو ب ِن العا ِص َر ِضي اللُ َع ْنهُما قا َل‪:‬‬ ‫قا َل رسو ُل اللِ َصلَّى اللُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم‪:‬‬ ‫{ لاَ ي ْؤ ِمن أَ َحدك ْم َحتَّى يَكو َن َهواه تَبَعا لِ َما ِج ْئت بِ ِه }‬ ‫حديث صحيح‪َ ،‬ر َو ْي َناهُ في كتا ِب ا ْل ُح َّج ِة بإسناد صحيح‬ ‫تخريج الحديث‬ ‫ضعفه الألباني وهو ضعيف ولكن معناه صحيح كما قال ابن باز‬ ‫شرح الحديث‬ ‫\"لاَ يؤ ِمن أَ َحدك ْم\" المقصود كمال الإيمان‬ ‫فلا يؤمن أحدكم إيمانا كاملا‬ ‫\" َحتَّى يَكو َن َهواه\" أي اتجاهه وقصده‪.‬‬ ‫\"تَبَعا لِ َما ِج ْئت بِ ِه\" أي من الشريعة‪.‬‬ ‫الفوائد التربوية‬ ‫الفائدة الأولى ‪:‬دل الحديث على أن من جعل هواه يتبع دين الله‬ ‫وشرعه فقد استكمل الإيمان‪.‬‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪232‬‬ ‫الفائدة الثانية ‪:‬دل على أن الهوى يحتاج إلى مجاهدة حتى يتبع‬ ‫شرع الله‪.‬‬ ‫الفائدة الثالثة ‪:‬طاعة الهوى تصرف عن دين الله‬ ‫الفائدة الرابعة ‪:‬المؤمن يجعل هواه على حسب الشريعة‪ ،‬وأما‬ ‫ناقص الإيمان يقدم طاعة الهوى أحيانا‪ ،‬وأما المنافق والكافر‬ ‫في َح ِّرف الشريعة على حسب هواه ورغبته ‪.‬‬ ‫الفائدة الخامسة ‪:‬الحديث ي َربي المسلم على محاسبة نفسه وهواه‬ ‫هل هي تتبع الشرع أم لا ؟‬ ‫الفائدة السادسة ‪:‬يدل على خطورة الهوى‪ ،‬لأنه إن لم يكن تبع‬ ‫الشرع فإنه ينقص الإيمان وقد يزيد النقص إلى درجة خطيرة‬ ‫جدا‪.‬‬ ‫الفائدة السابعة ‪:‬المسلم مستسلم لأمر الله سواء وافق هواه أم لا؟‬ ‫الفائدة الثامنة ‪:‬المؤمن يحب الله وأوامره‪ ،‬ويعظم نواهيه‪ ،‬وهذا‬ ‫معنى أن يجعل هواه تبعا لما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم ‪.‬‬ ‫الفائدة التاسعة‪:‬ن يدل الحديث على أن المؤمن لا يبحث عما‬ ‫يشتهي هواه‪ ،‬لكن يبحث عن طاعة الله ثم يفعلها‪.‬‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪233‬‬ ‫الفائدة العاشرة ‪:‬يربي النفس على المجاهدة‪ ،‬لأن الهوى هو أمل‬ ‫النفس ومرادها ومبتغاها‪ ،‬ولأجل ذلك يحتاج إلى جهد ومجاهدة‬ ‫وإيمان حتى يكون تبعا للشرع ‪.‬‬ ‫الفائدة الحادية عشرة‪:‬‬ ‫يربي المسلم على طلب الشرع والدليل ولو خالف هواه‪ ،‬فالمؤمن‬ ‫يبحث عن الدليل فإن صح عمل فيه ولو كانت نفسه وهواه ينازعه‬ ‫لأنه جعل هواه تبعا لدين الله‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪234‬‬ ‫الحديث الثاني والأربعون‬ ‫َع ْن أَنَس َر ِضي اللُ َع ْنهُ قا َل‪:‬‬ ‫َس ِم ْع ُت َر ُسو َل اللِ َصلَّى اللُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم يَقو ُل‪:‬‬ ‫{قَا َل الله تَ َعالَى‪ :‬يَا ا ْب َن آ َد َم ‪ ،‬إِنَّ َك َما َد َع ْوتَنِي َو َر َج ْوتَنِي َغفَ ْرت لَ َك‬ ‫َعلَى َما َكا َن ِم ْن َك َولاَ أبَالِي‪ ،‬يَا ا ْب َن آ َد َم ‪ ،‬لَ ْو بَلَ َغ ْت ذنوب َك َعنَا َن‬ ‫ال َّس َما ِء ث َّم ا ْستَ ْغفَ ْرتَنِي َغفَ ْرت لَ َك‪ ،‬يَا ا ْب َن آ َد َم ‪ ،‬إِنَّ َك لَ ْو أَتَ ْيتَنِي بِق َرا ِب‬ ‫الأَ ْر ِض َخطَايَا ث َّم لَقِيتَنِي َلا ت ْش ِرك بِي َش ْيئا لأَتَ ْيت َك بِق َرابِ َها َم ْغفِ َرة}‬ ‫رواهُ الت ْر ِمذي ‪ ,‬وقا َل‪ :‬حديث َح َسن صحيح‬ ‫شرح الحديث‬ ‫هذا حديث قدسي‬ ‫قوله‪َ \" :‬ما َد َعوتَنِي\"‬ ‫\" َما َد َعوتَنِ ْي\" الدعاء ينقسم إلى قسمين ‪:‬‬ ‫‪ ‬دعاء مسألة‬ ‫‪ ‬ودعاء عبادة‪.‬‬ ‫فدعاء المسألة أن تقول‪ :‬يا رب اغفر لي‪ .‬ودعاء العبادة أن‬ ‫تصلي لله‬ ‫فنحتاج الآن إلى دليل على أن العبادة تس ّمى دعاء؟‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪235‬‬ ‫الدليل ‪:‬قول الله تعالى‪َ ( :‬وقَا َل َربكم ا ْدعونِي أَ ْستَ ِج ْب لَك ْم إِ َّن الَّ ِذي َن‬ ‫يَ ْستَ ْكبِرو َن َع ْن ِعبَا َدتِي َسيَ ْدخلو َن َج َهنَّ َم َدا ِخ ِري َن) (غافر‪)60:‬‬ ‫فقال‪(:‬ا ْدعونِي) ثم قال‪( :‬يَ ْستَ ْكبِرو َن َع ْن ِعبَا َدتِي)‬ ‫فسمى الدعاء عبادة‪ ،‬وقد جاء في الحديث‪:‬‬ ‫\"أَ َّن الد َعا َء ه َو ال ِعبَا َدة \"لأن داعي الله متذلل لله ع ّز وجل منكسر‬ ‫له‪ ،‬قد عرف قدر نفسه‪ ،‬وأنه لايملك لها نفعا و لا ض ّرا ‪.‬‬ ‫أما كيف كانت العبادة دعاء ‪:‬‬ ‫فلأن المتعبّد لله داع بلسان الحال‪ ،‬فلو سألت المصلي لماذا صلى‬ ‫لقال‪ :‬أرجو ثواب الله‪ ،‬إذا فهو داع بلسان الحال‬ ‫وعليه فيكون قوله‪َ \" :‬ما َد َعوتَنِ ْي َو َر َجوتَنِي\" يشمل دعاء العبادة‬ ‫ودعاء المسألة‪ ،‬ولكن لاحظ القيد في قوله ‪:‬‬ ‫\" َو َر َجوتَنِ ْي\" فلابد من هذا القيد‪ ،‬أي أن تكون داعيا لله راجيا‬ ‫إجابته‪ ،‬وأما أن تدعو الله بقلب غافل فأنت بعيد من الإجابة‪ ،‬فلابد‬ ‫من الدعاء والرجاء‬ ‫وقوله‪َ \" :‬غفَ ْرت لَ َك\" المغفرة‪ :‬هي ستر ال ّذنب والتجاوز عنه‬ ‫\" َعلَى َما َكا َن ِم ْن َك\" أي على ما كان منك من الذنوب والتقصير ‪.‬‬ ‫\" َولاَ أبَالِي \"أي لا أهتم بذلك‪.‬‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪236‬‬ ‫\"يَا ا ْب َن آ َد َم لَو بَلَ َغ ْت ذنوب َك َعنَا َن ال َّس َما ِء\" المراد بقوله‪َ \" :‬عنَا َن‬ ‫ال َّس َماء\" أي أعلى السماء‬ ‫\"ث َّم ا ْستَ ْغفَ ْرتَنِ ْي\" أي طلبت مني المغفرة‬ ‫سواء قلت‪ :‬أستغفر الله‪ ،‬أو قلت‪ :‬اللهم اغفر لي‬ ‫\"غفرت لك\" لكن لابد من حضور القلب واستحضار الفقر إلى الله‬ ‫ع ّز وجل‪.‬‬ ‫\"يَا اب َن آ َد َم إنِّ َك لَ ْو أَتَ ْيتَنِي بِق َرا ِب الأَ ْر ِض خطَايَا ث َّم لَقِ ْيتَني لات ْش ِرك‬ ‫بِ ْي َش ْيئَا لأَتَ ْيت َك بِق َرابِ َها َم ْغفِ َرة \"‬ ‫قوله‪\" :‬لَ ْو أَتَ ْيتَنِ ْي\" أي جئتني بعد الموت ‪.‬‬ ‫\"بِق َرا ِب الأَ ْر ِض\" أي مايقاربها‪ ،‬إما ملئا‪،‬أو ثقلا‪ ،‬أو حجما‪َ ،‬خ َطايا‬ ‫جمع خطيئة وهي الذنوب‬ ‫\"ث َّم لَقِ ْيتَنِ ْي لاَ ت ْش ِرك بِي َش ْيئا \"‬ ‫قوله‪\" :‬شيئا\" أي لا شركا أصغر ولا أكبر‪ ،‬وهذا قيد عظيم قد‬ ‫يتهاون به الإنسان ويقول‪ :‬أنا غير مشرك وهو لايدري‪،‬‬ ‫فحب المال الذي يلهي عن طاعة الله‪ ،‬من الإشراك لقول النبي‬ ‫صلى الله عليه وسلم‪\" :‬تَ ِع َس َع ْبد ال ِّد ْر َه ِم ‪،‬تَ ِع َس َعبْد ال َخ ِم ْي َص ِة‪،‬‬ ‫تَ ِع َس َعبْد ال َخ ِم ْيلَ ِة\"‬ ‫فس ّمى النبي صلى الله عليه وسلم من كان هذا ه ّمه‪ :‬عبدا لها ‪.‬‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪237‬‬ ‫\"لأَتَ ْيت َك بِق َرابِ َها َم ْغفِ َرة\" وهذا لاش ّك من نعمة الله وفضله‪ ،‬بأن يأتي‬ ‫الإنسان ربه بملء الأرض خطايا ثم يأتيه ع ّز وجل بقربها مغفرة‪،‬‬ ‫وإلا فمقتضى العدل أن يعاقبه على الخطايا‪ ،‬لكنه جل وعلا يقول‬ ‫بالعدل ويعطي الفضل ‪.‬‬ ‫الفوائد التربوية‬ ‫الحديث أصل في فضل التوحيد والدعاء والاستغفار‪ ،‬وهو حديث‬ ‫قدسي مما يرويه الرسول عن ربه من قوله‪ ،‬فهو من كلام الله‬ ‫ولكن ليس له حكم القرآن‪ ،‬وفيه من الفوائد ‪:‬‬ ‫‪ -1‬فضيلة آدم عليه السلام‪ ،‬وشرف النسب لآدم ‪.‬‬ ‫‪ -2‬اشتراك جميع الناس في هذا النسب‪ ،‬كما قال صلى الله عليه‬ ‫وسلم ‪ ( :‬الناس بنو آدم‪ ،‬و آدم من تراب )‪.‬‬ ‫‪ -3‬أن الله يحب من عباده أن يرجوه ويدعوه ويوحدوه‪.‬‬ ‫‪ -٤‬فضل الدعاء والرجاء‪ ،‬وأنهما سبب لمغفرة الذنوب‬ ‫‪ -5‬عظم فضل الله وسعة جوده‪ ،‬وأنه لا يتعاظمه شيء أعطاه‬ ‫عبده لغناه وكرمه وأنه لا مكره له‪.‬‬ ‫‪ -6‬أن الاستغفار سبب لحصول المغفرة‪.‬‬ ‫‪ -7‬فضل التوحيد‪ ،‬و أن التوحيد الخالص من الشرك سبب لمغفرة‬ ‫جميع الذنوب ‪.‬‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬

‫‪238‬‬ ‫‪ -8‬تشبيه المعقول بالمحسوس‪ ،‬لقوله ‪ ( :‬بقراب الأرض خطايا )‬ ‫أي‪ :‬ملؤها أو قريب‪.‬‬ ‫‪ -9‬الترغيب في الدعاء والاستغفار‪ ،‬وفي إخلاص العمل لله‬ ‫‪ -10‬أن الشرك لا يغفر‬ ‫شرح الأربعين النووية‬ ‫مشروع النور المبين‬


Like this book? You can publish your book online for free in a few minutes!
Create your own flipbook