201 -1تحريم الحسد بين المسلمين ,وهو تمني زوال النعمة عن المحسود. -2تحريم النجش ،وهو أن يزيد في السلعة َم ْن لا يريد شراءها، أو يزيد على ثمن مثلها َم ْن يعرضها . -3تحريم التباغض بين المسلمين . -4تحريم التدابر ،وهو أن يعرض بعضهم عن بعض عند اللقاء . -5تحريم أن يبيع المسلم على بيع أخيه ،وهو أن يقول لمن اشترى سلعة بعشرة مثلا :أنا أعطيك مثلها بتسعة ،ليفسخ ويعقد معه . -6تحريم شراء المسلم على شراء أخيه ،وهو أن يقول لمن باع سلعة بتسعة مثلا :أنا أعطيك فيها عشرة . -7أن من تحقيق العبودية لله رعاية الأخوة الإيمانية . -8إثبات الأخوة بين المسلمين ،وأن ظلم المسلم ينافي صدق الأخوة الإسلامية . -9أن ترك نصرة المسلم مما ينافي الأخوة ،وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( :انصر أخاك ظالما أو مظلوما ). -10أن من حق المسلم على المسلم ألا يحقره . -11وجوب الصدق والتناصر والتواضع وتحريم الظلم بين المسلمين . شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
202 -١٢أن أصل التقوى وحقيقتها في القلب ،وما يظهر على الجوارح من طاعة الله أثر لها وفرع عنها ،ويشهد لهذا قوله تعالى { َذلِ َك َو َم ْن ي َع ِظّ ْم َش َعائِ َر ال َّلهِ فَإِنَّ َها ِم ْن تَ ْق َوى الْقلو ِب} . -13أن من تقوى الله القيام بحق المسلم على المسلم فعلا وتركا -14أن الانحراف الظاهر في القول والعمل يدل على ضعف تقوى القلب . -15تحريم دم المسلم وماله وعرضه على المسلم . شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
203 الحديث السادس والثلاثون عن أبي هُريرةَ َر ِضي اللُ َع ْنهُ ، ع ِن النَّبِي َصلَّى اللُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم قا َل: { َم ْن نَفَّ َس َع ْن م ْؤ ِمن ك ْربَة ِم ْن ك َر ِب الد ْنيَا نَفَّ َس الله َع ْنه ك ْربَة ِم ْن ك َر ِب يَ ْو ِم الْقِيَا َم ِةَ ،و َم ْن يَ َّس َر َعلَى م ْع ِسر يَ َّس َر الله َعلَ ْي ِه فِي الد ْنيَا َوا ْلآ ِخ َر ِةَ ،و َم ْن َستَ َر م ْسلِما َستَ َره الله فِي الد ْنيَا َوالآ ِخ َر ِةَ ،والله فِي َع ْو ِن ا ْل َعبْ ِد َما َكا َن ا ْل َع ْبد فِي َع ْو ِن أَ ِخي ِهَ ،و َم ْن َسلَ َك طريقا يَ ْلتَ ِمس فِي ِه ِع ْلما َس َّه َل الله لَه بِ ِه طَ ِريقا إِلَى ا ْل َجنَّ ِةَ ،و َما ا ْجتَ َم َع قَوم فِي بَيْت ِم ْن بيو ِت اللهِ يَ ْتلو َن ِكتَا َب اللهِ َويَتَ َدا َرسونَه بَ ْينَه ْم إِلاَّ نَ َزلَ ْت َعلَيْ ِهم ال َّس ِكينَةَ ،و َغ ِشيَ ْتهم ال َّر ْح َمةَ ،و َحفَّتْهم ا ْل َملاَئِ َكة َ ,و َذ َك َرهم الله فِي َم ْن ِع ْن َدهَ ،و َم ْن بَطَّأَ بِ ِه َع َمله لَ ْم ي ْس ِر ْع بِ ِه نَ َسبه }. رواه مسلِم بهذا اللفظ شرح الحديث \" َم ْن نَف َس\" أي أزال وف َّرج عنه \" َع ْن مؤ ِمن كربَة \" كربة :أي شدة عظيمة ،وهي ما أهم النفس ، وغم القلب والكربة هي ما يكرب الإنسان ويغتم منه ويتضايق منه . شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
204 \" ِم ْن كر ِب الدنيَا\" أي من الكرب التي تكون في الدنيا وإن كانت من مسائل الدين ،لأن الإنسان قد تصيبه كربة من كرب الدين فينفس عنه . \"نَفَّ َس الله َعنه كربَة ِم ْن ك َر ِب يَو ِم القيا َمة \"الجزاء من جنس العمل من حيث الجنس ،تنفيس وتنفيس ،لكن من حيث النوع يختلف اختلافا عظيما ،فكرب الدنيا لا تساوي شيئا بالنسبة لكرب الآخرة ،فإذا نفس الله عن الإنسان كربة من كرب الآخرة كان ثوابه أعظم من عمله \" َو َم ْن يَ َّس َر\" أي سهل \" َعلَى مع ِسر\" المعسر من أثقلته الديون وعجز عن وفائها ،والتيسير عليه مساعدته على إبراء ذمته من تلك الديون وذلك :إما بإنظاره إلى الميسرة ،أو بإعطائه ما يزول به إعساره ،أو بالوضع عنه إن كان غريما . \"يَ َّس َر الله َعلَي ِه في الدنيَا َوالآ ِخ َرة\" سهل أموره وشؤونه ،ويشمل هذا التيسير تيسير المال ،وتيسير الأعمال ،وتيسير التعليم وغير ذلك ،أي نوع من أنواع التيسير . وهنا ذكر الجزاء في موضعين: الأول :في الدنيا والثاني :في الآخرة . شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
205 \" َو َم ْن َستَ َر م ْسلِما\" أي أخفى وغطى على مسلم ،بأن علم منه وقوع معصية فيما مضى ،فلم يخبر بها أحدا وليس من لوازم الستر عدم التغيير ،بل يغير ويستر ،وهذا في حق َمن لا يع َرف بالفساد والتمادي في الطغيان ،وأما من ع ِرف بذلك فإنه لا يستحب الستر عليه؛ وذلك لأن الستر عليه يغريه على الفساد ،ويجرئه على أذية العباد ،ويجرئ غيره من أهل الشر والعناد. \" َستَ َره الله في الدنيَا َوالآ ِخ َرة\" :بألا يعاقبه على ما فرط فيه \" َوالله في َعو ِن ال َعب ِد َما َكا َن ال َعبد في َعو ِن أخي ِه\" ((والله في عون العبد))؛ أي :معين له إعانة كاملة(( ،ما كان العبد في عون أخيه)) أي إذا أعنت أخاك كان الله في عونك ،والإعانة تكون بالقلب والبدن والمال. \" َو َم ْن َسلَ َك طَريقا\" أي دخله ومشى فيه ،وذلك بالمشي بالأقدام إلى مجالس العلم ،ويتناول أيضا الطريق المعنوي :كالحفظ والمذاكرة والمطالعة والتفهم . \"يَلتَ ِمس في ِه ِع ْلما\" أي يطلب ويبتغي علما شرعيا ،قاصدا به وجه الله تعالى شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
206 \" َس َهّ َل الله لَه بِ ِه طَ ِريقا إِلَى ال َجنَّ ِة\" أي جازاه الله عليه بأن يهديه ويوفقه إلى طريق الجنة ،بتيسير ذلك العلم الذي طلبه والعمل بمقتضاه أو علوم أخرى توصله إلى الجنة ،وهو حض وترغيب في طلب العلم والإجتهاد فيه \" َو َما اجتَ َم َع قَوم في بَيت ِم ْن بيو ِت اللهِ \" بيوت الله هي المساجد ،كما قال الله تعالى( :فِي بيوت أَ ِذ َن ال َّله أَ ْن ت ْرفَ َع َوي ْذ َك َر فِي َها ا ْسمه ي َسبِّح لَه فِي َها بِا ْلغد ِّو َوا ْلآ َصا ِل* ِر َجال لا ت ْل ِهي ِه ْم تِ َجا َرة َولا بَ ْيع َع ْن ِذ ْك ِر ال َّلهِ َوإِقَا ِم ال َّصلا ِة َوإِيتَا ِء ال َّز َكا ِة يَ َخافو َن يَ ْوما تَتَقَلَّب فِي ِه ا ْلقلوب َوا ْلأَ ْب َصار) [النور]36،37: \"يَتلو َن ِكتَا َب الله\" أي يقرؤونه \" َويَتَ َدا َرسونَه بَينَهم\" أي يدرس بعضهم على بعض هذا القرآن . \"إِلا نَ َزلَت َعلَيهم ال َّسكينَة\" أي طمأنينة القلب ،وانشراح الصدر. \" َو َغشيَتهم ال َّرح َمة\" أي غطتهم ،والرحمة هنا يعني رحمة الله ع ّز وجل. \" َو َحفَّتهم ال َملائِكة\" أي أحاطت بهم إكراما لهم . \" َوذكرهم الله في َمن ِعنده\" أي أثنى عليهم فيمن عنده أي أن هؤلاء القوم الذين اجتمعوا في المسجد يتدارسون كلام الله ع ّز وجل يذكرهم الله فيمن عنده من الملائكة ،ويثني عليهم شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
207 وهذا كقوله تعالى في الحديث القدسي\" :من ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم\" ،فإذا ذكرت الله في ملأ بقراءة القرآن أو غيره فإن الله تعالى يذكرك عند ملأ خير من الملأ الذي أنت فيهم \" َو َم ْن بَطَّأ بِ ِه َع َمله لَ ْم ي ْسرع بِ ِه نَ َسبه\" بطأ :بمعنى أ َّخر ،أوقصر ،لفقد بعض شروط الصحة أو الكمال . \"لم يسرع به نسبه \" :لم يلحقه نسبه برتب أصحاب الأعمال الكاملة :لأن المسارعة إلى السعادة بالأعمال لا بالأحساب والمعنى :من أخره العمل لم ينفعه النسب ،لقوله تعالى : ( إِ َّن أَ ْك َر َمك ْم ِع ْن َد ال َّلهِ أَ ْتقَاك ْم ) (الحجرات :الآية)13 فينبغي ألا يتكل على شرف النسب وفضيلة الآباء ويقصر في العمل. فوائد الحديث هذا الحديث أصل في إحسان المسلم إلى المسلم ،وفي فضل طلب العلم وتدارس القرآن ،وفيه من الفوائد : -1الترغيب في تنفيس الكرب عن المؤمنين -2إثبات القيامة وأن فيها كربا عظيمة . شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
208 -3فضل التيسير على المعسر بإنظاره أو إبرائه من الدين -4الترغيب في الستر على المسلم الذي لا يع َرف بالفساد ؛ ستر عيوبه أو ذنوبه -5فضل إعانة المسلم لأخيه في أمور دينه ودنياه . -6أن الجزاء من جنس العمل ،وهو سنة الله في جزاء العباد ،قال تعالىَ {:ه ْل َج َزاء ال ِإ ْح َسا ِن إِ َّلا ال ِإ ْح َسان } [الرحمن ]60 : -7فضل طلب العلم الشرعي وأنه سبب لتوفيق العبد لطريق الجنة . -8الحث على طلب العلم ،وفضل الرحلة في طلب العلم -9الحث على الاهتمام بكتاب الله ،والترغيب في الاجتماع في المساجد لتلاوته وتدارسه .وعظم فضل هذا العمل ،وهو أربعة أمور : نزول السكينة . غشيان الرحمة . وحف الملائكة . وذكر الله إياهم عند ملائكته . -10محبة الملائكة للذكر وتعلم العلم وطلابه . شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
209 -11أن تلاوة القرآن وتعلم العلم الشرعي ذكر لله لأن من جزائه في هذا الحديث ذكر الله للتالين والمتدارسين ،وقد قال سبحانه: { فَا ْذكرونِي أَ ْذك ْرك ْم } [البقرة ]152:وفي الحديث القدسي ( فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم ) -12فضل المساجد ،وذلك لإضافتها إلى الله شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
210 الحديث السابع والثلاثين َعن ا ْب ِن َعبَّاس َر ِض َي اللُ َع ْنهُ َما َعن َر ُسو ِل ا ٰلّلِ َصلَّى الَّلُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم فِ ْي َما يَ ْر ِوي َع ْن َرب ِه تَبَا َر َك َوتَ َعالى قَا َل: (إِ َّن ال َّلهَ َكتَ َب ال َح َسنَا ِت َوال َّسيئَا ِت ث َّم بَيَّ َن َذلِ َك؛ فَ َم ْن َه َّم بِ َح َسنَة فَلَ ْم يَ ْع َم ْل َها َكتَبَ َها ال َّله ِع ْن َده َح َسنَة َكا ِملَةَ ،وإِ ْن َه َّم بِ َها فَ َع ِملَ َها َكتَبَ َها ال َّله ِع ْن َده َع ْش َر َح َسنَات إِلَى َسبْعِ ِمئَ ِة ِض ْعف إِل َى أَ ْض َعاف َكثِ ْي َرةَ .وإِ ْن َه َّم بِ َسيِّئَة فَلَ ْم يَ ْع َم ْل َها َكتَبَ َها ال َّله ِعنْ َده َح َسنَة َكا ِملَةَ ،وإِ ْن َه َّم بِ َها فَ َع ِملَ َها َكتَبَ َها ال َّله َسيِّئَة َوا ِح َدة) َر َواهُ البُ َخا ِري َو ُم ْس ِلم في َص ِح ْي َح ْي ِه َما بِ َه ِذ ِه ال ُح ُر ْو ِف الشرح قوله \"في َما يَروي ِه َع ْن َربِّ ِه\" يسمى هذا الحديث عند العلماء حديثا قدسيا . تبارك وتعالى :تعاظم و تنزه عما لا يليق بكماله قوله \" َكتَ َب \"أي كتب وقوعها وكتب ثوابها ،فهي واقعة بقضاء الله وقدره المكتوب في اللوح المحفوظ ،وهي أيضا مكتوب ثوابها كما سيبين في الحديث. شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
211 أما وقوعها :ففي اللوح المحفوظ. وأما ثوابها :فبما دل عليه الشرع . \" ث َم بَيَّ َن َذلِك\" أي فصله للكتبة من الملائكة \"فَ َمن هم بِ َح َسنة فَلَم يَع َمل َها َكتَبَ َها الله ِعن َده َح َسنَة َكا ِملَة\" والهم هنا ليس مجرد حديث النفس ،لأن حديث النفس لا يكتب للإنسان ولا عليه ،ولكن المراد عزم على أن يفعل ولكن تكاسل ولم يفعل ،فيكتبها الله حسنة كاملة فإن قيل :كيف يثاب وهو لم يعمل؟ فالجواب :يثاب على العزم ومع النية الصادقة تكتب حسنة كاملة .واعلم أن من هم بالحسنة فلم يعملها على وجوه: الوجه الأول :أن يسعى بأسبابها ولكن لم يدركها ،فهذا يكتب له الأجر كاملا ،لقول الله تعالىَ ( :و َم ْن يَ ْخر ْج ِم ْن بَ ْيتِ ِه م َها ِجرا إِلَى ال َّلهِ َو َرسولِ ِه ث َّم ي ْد ِر ْكه ا ْل َم ْوت فَقَ ْد َوقَ َع أَ ْجره َعلَى ال َّلهِ ) (النساء: الآية )100 وكذلك الإنسان يسعى إلى المسجد ذاهبا يريد أن يصلي صلاة الفريضة قائما ثم يعجز أن يصلي قائما فهذا يكتب له أجر الصلاة قائما ،لأنه سعى بالعمل ولكنه لم يدركه شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
212 الوجه الثاني :أن يهم بالحسنة ويعزم عليها ولكن يتركها لحسنة أفضل منها ،فهذا يثاب ثواب الحسنة العليا التي هي أكمل ،ويثاب على همه الأول للحسنة الدنيا الوجه الثالث :أن يتركها تكاسلا ،مثل أن ينوي أن يصلي ركعتي الضحى ،ثم ينشغل عنها ويتكاسل ،فهذا يثاب على الهم الأول والعزم الأول ،ولكن لا يثاب على الفعل لأنه لم يفعله بدون عذر، وبدون انتقال إلى ما هو أفضل \" َوإِن َه َّم بِ َها فَع َملَ َها\" تكتب عشر حسنات -والحمد لله -ودليل هذا من القرآن قول الله تعالىَ ( :م ْن َجا َء بِا ْل َح َسنَ ِة فَلَه َع ْشر أَ ْمثَالِ َها َو َم ْن َجا َء بِال َّسيِّئَ ِة فَلا ي ْج َزى إِلاَّ ِم ْثلَ َها َوه ْم لا ي ْظلَمو َن) (الأنعام)160: \" َكتَبَ َها الله ِعن َده َعش َر َح َسنَات\" هذه العشر حسنات كتبها الله على نفسه ووعد به وهو لا يخلف الميعاد. \"إلى َس ْبعِ ِمئَ ِة ِضعف\" وهذا تحت مشيئة الله تعالى ،فإن شاء ضاعف إلى هذا ،وإن شاء لم يضاعف . \"إلى أَض َعاف َكثيرة\" يعني أكثر من سبعمائة ضعف .وذلك بحسب الزيادة في الإخلاص وصدق العزم ،وحضور القلب ،وتعدي النفع شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
213 قالَ \" :وإِن َه َّم بِ َسيئة فَلَم يَع َمل َها َكتَبَ َها الله ِعن َده َح َسنة َكا ِملَة\" جاء في الحديث \" :لأنه إِنَ ّما تَ َر َك َها ِمن َجرائي\" أي من أجلي، فتكتب حسنة كاملة ،لأنه تركها لله. واعلم أن الهم بالسيئة له أحوال : الحالة الأولى :أن يهم بالسيئة أي يعزم عليها بقلبه ،وليس مجرد حديث النفس ،ثم يراجع نفسه فيتركها لله ع ّز وجل، فهذا هو الذي يؤجر ،فتكتب له حسنة كاملة ،لأنه تركها لله ولم يعملها الحالة الثانية :أن يهم بالسيئة ويعزم عليها لكن يعجز عنها بدون أن يسعى بأسبابها كالرجل الذي أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :ليت لي مثل مال فلان فأعمل فيه مثل عمله وكان فلان يسرف على نفسه في تصريف ماله ،فهذا يكتب عليه سيئة ،لكن ليس كعامل السيئة ،بل يكتب وزر نيته ،كما جاء في الحديث بلفظه\" :فَه َو بِنيَّت ِه\" ،فَه َما في ال ِوز ِر سواء الحالة الثالثة:أن يهم بالسيئة ويسعى في الحصول عليها ولكن يعجز ،فهذا يكتب عليه وزر السيئة كاملا، دليل ذلك :قول النبي صلى الله عليه وسلم\" :إِ َذا اِلتَقَى المسلِ َما ِن بِسيفَي ِه َما فَالقَاتِل َوال َمقتول في النَّار \" ،قَا َل :يَا َرسول الله َهذا شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
214 القَاتِل ،فَ َما بَال ال َمقتول؟ أي لماذا يكون في النار -قَا َل\" :لأَنَّه َكا َن َح ِريصا َعلَى قَت ِل َصا ِحبِ ِه \"فكتب عليه عقوبة القاتل ومثاله :لو أن إنسانا تهيأ ليسرق وأتى بالسلم ليتسلق ،ولكن عجز ،فهذا يكتب عليه وزر السارق ،لأنه هم بالسيئة وسعى بأسبابها ولكن عجز . الحالة الرابعة :أن يهم الإنسان بالسيئة ثم يعزف عنها لا لله ولا للعجز ،فهذا لا له ولا عليه وهذا يقع كثيرا ،يهم الإنسان بالسيئة ثم تطيب نفسه ويعزف عنها ،فهذا لا يثاب لأنه لم يتركها لله ،ولا يعاقب لأنه لم يفعل ما يوجب العقوبة . وعلى هذا فيكون قوله في الحديثَ \" :كتَبَ َها ِعن َده َح َسنَة َكا ِملَة\" أي إذا تركها لله ع ّز وجل. \" َوإِن َه َّم بِ َها فَ َع ِملَ َها َكتَبَ َها الله َسيئة َوا ِحدة\" ،ولهذا قال الله ع ّز وجل َ (:كتَ َب َربك ْم َعلَى نَ ْف ِس ِه ال َّر ْح َمةَ ) (الأنعام :الآية)54 وقال الله تعالى في الحديث القدسي\" :إِ َّن َر ْح َمتِ ْي َسبَقَ ْت َغ َضبِ ْي\" وهذا ظاهر من الثواب على الأعمال الصالحة ،والجزاء على الأعمال السيئة. شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
215 قال النووي -رحمه الله : -فانظر يا أخي وفقنا الله وإياك إلى عظيم لطف الله تعالى ،وتأمل هذه الألفاظ وقولهِ \" :عن َده\" في السيئة التي لم يعملها ،إشارة إلى الاعتناء بها .وقولهَ \" :كا ِملَة\" للتأكيد وشدة الاعتناء بها وقال في السيئة التي هم بها وعملها \"كتبها الله سيئة واحدة\" ، فأكد تقليلها بواحدة ،ولم يؤكدها بكاملة فوائد الحديث الحديث أصل في كتابة الحسنات والسيئات والجزاء عليها ،و فيه من الفوائد: -1كتابة الله لأعمال العباد في أم الكتاب ،وهي كتابة القدر السابق. -٢كتابة الله لأعمال العباد إذا هموا بها أو عملوها ،وذلك بملائكته. -3إحصاء أعمال العباد . -4كتابة الملائكة لحسنات العبد مضاعفة أو غير مضاعفة وكتابة سيئاته بمثلها. شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
216 -5إثبات الملائكة الموكلين بحفظ عمل العبد وكتابتهَ { ،وإِ َّن َعلَ ْيك ْم لَ َحافِ ِظي َن (ِ )10ك َراما َكاتِبِي َن (( } )11الانفطار) -6أن الملائكة يعلمون عمل القلب ويكتبونه . -7أن العبد إذا هم بالحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة واحدة. -8اعتبار النية في الأعمال وأثرها. -9أن العبد إذا عمل الحسنة كتبت له عشر حسنات إلى سبعمئة ضعف. -10أن العبد إذا هم بالسيئة فتركها لله كتبت له حسنة واحدة لقوله في الحديث ( :إنما تركها من ج َّرائي ) . -11أن العبد إذا عمل السيئة كتبت بمثلها ،قال تعالى { َم ْن َجا َء بِا ْل َح َسنَ ِة فَلَه َع ْشر أَ ْمثَالِ َها َو َم ْن َجا َء بِال َّسيِّئَ ِة فَلا ي ْج َزى إِلا ِمثْلَ َها َوه ْم لا ي ْظلَمو َن } [الأنعام .]160 : -12أن السيئة لا تضاعف لكن قد تعظم بأسباب. -13أن الجزاء دائر بين الفضل والعدل. -14سعة فضل الله وجوده ،وأن مضاعفة الحسنات لا تقف عند سبع مئة ضعف بل تضاعف أضعافا كثيرة لا حد لها -15أن من هم بسيئة فتركها لا لله ولا عجزا لم تكتب له حسنة ولا سيئة ،فإن تركها عجزا كتبت عليه سيئة. شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
217 -١٦أن جزاء السيئة دائر بين العدل والعفو لقوله في حديث أبي ذر ( :من جاء بالسيئة فجزاؤه سيئة مثلها أو أغفِر ) ما عدا الشرك الأكبر ،قال سبحانه {إِ َّن ال َّلهَ َلا يَ ْغفِر أَ ْن ي ْش َر َك بِ ِه َويَ ْغفِر َما دو َن َذلِ َك لِ َم ْن يَ َشاء} [النساء ]116 : شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
218 الحديث الثامن والثلاثون عن أبي هُريرةَ َر ِضي اللُ َع ْنهُ قا َل: قا َل َر ُسو ُل الَّلِ َصلَّى الَّلُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم: { إِ َّن ال َّلهَ تَ َعالَى قَا َلَ :م ْن َعا َدى لِي َولِيّا فَقَ ْد آ َذ ْنته بِا ْل َح ْر ِب َو َما تَقَ َّر َب إِلَ َّي َع ْب ِدي بِ َش ْيء أَ َح َّب إِلَ َّي ِم َّما ا ْفتَ َر ْضت َعلَ ْي ِهَ ،و َما يَ َزال َع ْب ِدي يَتَقَ َّرب إِلَ َّي بِالنَّ َوافِ ِل َحتَّى أ ِحبَّه ،فَإِ َذا أَ ْحبَ ْبته ك ْنت َس ْم َعه الَّ ِذي يَ ْس َمع بِ ِهَ ،وبَ َص َره الَّ ِذي يبْ ِصر بِ ِهَ ،ويَ َده الَّتِي يَ ْب ِطش بِ َهاَ ،و ِر ْجلَه الَّتِي يَ ْم ِشي بِ َهاَ ،وإِ ْن َسأَلَنِي لأ ْع ِطيَنَّهَ ،ولَئِ ِن ا ْستَ َعا َذنِي لأ ِعي َذنَّه } رواه البخاري. الشرح هذا حديث قدس ّي كالذي سبقه، قولهَ \" :م ْن َعا َدى لِي َولِيّا \"أي اتخذه عدوا له ،وولي الله ع ّز وجل بيَّنه الله ع ّز وجل في القرآن ،فقال( :أَلا إِ َّن أَ ْولِيَا َء ال َّلهِ لا َخ ْوف َعلَ ْي ِه ْم َولا ه ْم يَ ْح َزنو َن* الَّ ِذي َن آ َمنوا َو َكانوا يَتَّقو َن) [يونس-62: ]63 قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله -من كان مؤمنا تقيا كان لله وليّا شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
219 \"فَقَ ْد آ َذ ْنته بال َح ْر ِب\" أي أعلنت عليه الحرب ،وذلك لمعاداته أولياء الله \" َو َما تَقَ َّر َب إِلَ َّي َعبْ ِد ْي بِ َشيء أَ َح َّب إِلِ َّي ِم َّما ا ْفتَ َر ْضته َعلَ ْي ِه \" جنس الفرائض أحب إلى الله من جنس النوافل. \" َولاَ يَ َزال َع ْب ِد ْي يَتَقَ َّرب إِلَ َّي بِالنَّ َوافِ ِل َحتَّى أ ِحبَّه \" ،لايزال :هذا من أفعال الاستمرار ،أي أنه يستمر يتقرب إلى الله تعالى بالنوافل حتى يحبه الله ع ّز وجل ،فيكون من أحباب الله \"فَإِ َذا أَ ْحبَبته ك ْنت َس ْم َعه الَّ ِذ ْي يَ ْس َمع بِ ِهَ ،وبَ َص َره الَّ ِذ ْي ي ْب ِصر بِ ِه، َويَ َده الَّتِي يَ ْب ِطش بِ َهاَ ،و ِر ْجلَه الَّتِي يَ ْم ِش ْي بِ َها \" قيل معناه أن الإنسان إذا كان وليّا لله ع ّز وجل وتذكر ولاية الله حفظ سمعه ،فيكون سمعه تابعا لما يرضي الله ع ّز وجل .وكذلك يقال :في بصره ،وفي يده ،وفي رجله. وقيل :المعنى أن الله يسدده في سمعه وبصره ويده ورجله ،أي أن الله يوفق هذا الإنسان فيما يسمع ويبصر ويمشي ويبطش .وهذا أقرب ،أن المراد :تسديد الله تعالى العبد في هذه الجوارح. أي حفظها من أن تستعمل في معصية ،فلا يسمع ما لم يأذن له الشرع بسماعه ،ولا يبصر ما لم يأذن له في إبصاره ،ولا يمد يده إلى شيء لم يأذن له في مدها إليه ،ولا يسعى إلا فيما أذن الشرع في السعي إليه . شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
220 وقولهَ \" :ولَئِ ْن َسأَلَنِ ْي لأَ ْعطيَنَّه\" :لأعطينه ما سأل . \" َولَئِ ِن ا ْستَ َعا َذنِي\" :أي طلب مني أن أعيذه فأكون ملجأ له \"لأ ِعي َذنَّه\" لأعيذنه مما يخاف فأخبر أنه سبحانه وتعالى يعطي هذا المتقرب إليه بالنوافل ما سأل ،ويعيذه مما استعاذ. فوائد الحديث -1أن من العباد من يكون وليا لله ،والولي هو كل مؤمن تقي -٢وجوب موالاة أولياء الله ومعاداة أعدائه. -3تحريم معاداة أولياء الله . -4غيرة الله لأوليائه وكرامتهم عنده -5أن عداوة ولي من أولياء الله سبب لعداوة الله وحربه ،والوعد بنصر الله لوليه . -6إعلان الله الحرب على من يعادي وليا من أوليائه ومن حاربه الله أدركه وأهلكه . -7أن الولاية تحصل بتحقيق العبادة ،وذلك بالتقرب إلى الله بمحابه . -8أن الأعمال الصالحة سبب لمحبة الله لعبده. -9تفاضل أولياء الله في حظهم من هذه المحبة. شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
221 -10إثبات المحبة لله. -١١أن الفرائض أفضل من النوافل. -12أن الأعمال الصالحة كلها محبوبة لله ،وبعضها أحب إليه من بعض ،وأحبها الفرائض -13أن العبادات منها الفرض ومنها النفل. -14أن أولياء الله صنفان : الأول :مقتصرون على فعل الفرائض وترك المحارم وهم المقتصدون وأصحاب اليمين ،ويدل عليه قوله ( :وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه ) الثاني :المتقربون بالنوافل بعد الفرائض ،وهم المق َّربون والمسارعون في الخيرات ،ويدل عليه قوله ( :ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ) -15أن إكثار العبد من النوافل ومداومته عليها سبب لمحبة الله تعالى له محبة خاصة ،ففيه :الحث على كثرة النوافل. -١٦أن العبد فقير إلى الله لا يستغني عن عطاء ربه ،مهما بلغ في الولاية ،ولهذا مدح الله أنبياءه بدعائهم إياه ،فقال تعالى {:إِنَّه ْم َكانوا ي َسا ِرعو َن فِي ا ْل َخ ْي َرا ِت َويَ ْدعونَنَا َر َغبا َو َر َهبا َو َكانوا لَنَا َخا ِش ِعي َن} [الأنبياء ]90 : شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
222 -17أن أثر هذه المحبة تسديد الله للعبد وحفظ جوارحه عن المحارم والفضول ،فلا يتصرف العبد بجوارحه إلا على وفق الشرع ،وهذا معنى قوله ( :كنت سمعه وبصره ويده ورجله) -18أن من آثار هذه المحبة الخاصة إجابة دعائه وإعطاءه سؤله وإعاذته مما استعاذ منه -19أن الدعاء سبب لحصول المطالب -20تواضع المؤمن لربه بافتقاره إليه وإنزال حوائجه به . -21أن الولي مستجاب الدعوة . شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
223 الحديث التاسع والثلاثون َع ِن اب ِن عبَّاس َر ِضي اللُ َع ْنهُما، أَ َّن رسو َل اللِ َصلَّى اللُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم قا َل: {إ َّن ال َّلهَ تَ َجا َو َز لِي َع ْن أ َّمتِي :ا ْل َخطَأََ ،والنِّ ْسيَا َنَ ،و َما ا ْست ْك ِرهوا َعلَ ْي ِه} حديث ح َسن رواه اب ُن ما َجه والبيهقي وغي ُرهما تخريج الحديث بعض العلماء ضعفه ولكن هو ثابت وله دليل من الكتاب والسنه وقد صححه وحسنه مجموعه من العلماء ومنهم اْللباني شرح الحديث قوله\" :إِ َّن اللهَ تَ َجا َو َز لِي َع ْن أ َّمتِ ْي\"اللام هنا للتعليل ،أي تجاوز من أجلي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه والخطأ :أن يرتكب الإنسان العمل عن غير عمد . والنسيان :ذهول القلب عن شيء معلوم من قبل. والاستكراه :أن يكرهه شخص على عمل محرم ولايستطيع دفعه، أي :الإلزام والإجبار .وهذه الثلاثة أعذار شهد لها القرآن الكريم. شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
224 أما الخطأ والنسيان :فقد قال الله ع ّز وجل َ (:ربَّنَا لا ت َؤا ِخ ْذنَا إِ ْن نَ ِسينَا أَ ْو أَ ْخطَأْنَا) (البقرة :الآية)286 وقال الله ع ّز وجل َ (:ولَ ْي َس َعلَ ْيك ْم جنَاح فِي َما أَ ْخطَأْت ْم بِ ِه َولَ ِك ْن َما تَ َع َّم َد ْت قلوبك ْم ) (الأحزاب :الآية )5 وأما الإكراه :فقال الله ع ّز وجل َ (:م ْن َكفَ َر بِال َّلهِ ِم ْن بَ ْع ِد إِي َمانِ ِه إِلاَّ َم ْن أ ْك ِرهَ َوقَ ْلبه م ْط َمئِن بِا ْل ِإي َما ِن َولَ ِك ْن َم ْن َش َر َح بِا ْلك ْف ِر َص ْدرا فَ َعلَ ْي ِه ْم َغ َضب ِم َن ال َّلهِ َولَه ْم َع َذاب َع ِظيم) (النحل)106: فرفع الله ع ّز وجل حكم الكفر عن المك َره ،فما دون الكفر من المعاصي من باب أولى لاشك إذا هذا الحديث مهما قيل في ضعفه فإنه يشهد له القرآن الكريم كلام رب العالمين . الفوائد التربوية الفائدة الأولى :فيه كرم الله سبحانه وتعالى وعظيم عفوه ،حيث تجاوز عن تلك الأمور. الفائدة الثانية :ظاهر لفظ الحديث في قوله \" أمتي \" يدل على أن ذلك من خصائص هذه الأمة المحمدية. شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
225 الفائدة الثالثة :دل على أن :الخطأ والنسيان والإكراه معفو عنها متجاوز عن الإثم فيها . الفائدة الرابعة :الحديث يؤيد قوله تعالى \" لا يكلف الله نفسا إلاَّ وسعها \" البقرة ()286 الفائدة الخامسة :دل على الفرق بين الخطأ والنسيان: فالخطأ :أن يقصد بفعله شيئا فيصادف فعله غير ما قصده ،كأن يقصد أن يقتل كافر فصادف قتله مسلما . والنسيان :أن يكون ذاكرا الشيء فينساه عند الفعل . الفائدة السادسة :استثنى أهل العلم بالإجماع من الإكراه إذا أكره على قتل مسلم ،لنصوص أخرى ،وفي هذا عظمة دم المسلم . الفائدة السابعة :المراد من قوله \" تجاوز \" يعني عن الإثم ،لكن قد يعيد الفعل أحيانا على حسب الفعل ،فمن نسي الوضوء وصلى فلا إثم عليه لكن عليه الإعادة وهكذا . الفائدة الثامنة :فيه سهولة الشريعة الإسلامية وتيسير الله لها شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
226 الحديث الأربعون عن اب ِن عم َر َر ِضي اللُ َع ْنهُما قا َل: أَ َخ َذ رسو ُل اللِ َصلَّى اللُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم ب َم ْن ِكبِي فقا َل: {ك ْن فِي الد ْنيَا َكأَنَّ َك َغ ِريب أَ ْو َعابِر َسبِيل} وكا َن اب ُن ُع َمر َر ِضي اللُ َع ْنهُما يقو ُل: إذا أمسيـْ َت فلا تَ ْنتَ ِظ ِر ال َّصبا َح ،وإذا أَ ْصبَ ْح َت فَلا تَ ْنتَ ِظ ِر المسا َء، وخ ْذ ِمن ِص َّحتِ َك لِ َم َر ِض َك ،و ِم ْن حياتِ َك لِ َم ْوتِ َك رواه البخار ّي الشرح قوله \" أخذ بمنكبي \"أي أمسك بكتفي من الأمام ،.وذلك من أجل أن يستحضر ما يقوله النبي صلى الله عليه وسلم وقال\" :ك ْن فِي الدنِيا َكأَنَّ َك َغ ِر ْيب أَ ْو َعابِر َسبِيْل\" فالغريب لم يتخذها سكنا وقرارا ،وعابر السبيل :لم يستقر فيها أبدا ،بل هو ماش . وعابر السبيل أكمل زهدا من الغريب لأن عابر السبيل ليس بجالس ،والغريب يجلس لكنه غريب. شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
227 \"ك ْن فِي الد ْنيَا َكأَنَّ َك َغ ِر ْيب أَ ْو َعابر َسبِ ْيل \" وهذا يعني الزهد في الدنيا ،وعدم الركون إليها ،لأنه مهما طال بك العمر فإن مآلك إلى مفارقتها كن فيها كأنك غريب لا تعرف أحدا ولا يعرفك أحد ،أو عابر سبيل أي ماش لا تنوي الإقامة َو َكان ا ْبن ع َم َر َر ِض َي الله َع ْنه َما يَق ْول :إِ َذا أَ ْم َسيْ َت فَلا تَ ْنتَ ِظ ِر ال َّصبَا َحَ ،وإِ َذا أَ ْصبَ ْح َت فَلا تَ ْنتَ ِظ ِر ال َم َسا َءَ ،وخ ْذ ِم ْن ِص َّحتِ َك لِ َم َر ِض َكَ ،و ِم ْن َحيَاتِ َك لِ َم ْوتِ َك. هذه كلمات من ابن عمر رضي الله عنهما يقول : إِ َذا أَ ْم َس ْي َت فَلا تَ ْنتَ ِظ ِر ال َّصبَا َح والمعنى :اعمل العمل قبل أن تصبح ولا تقل غدا أفعله . لأن منتظر الصباح إذا أمسى يؤخر العمل إلى الصباح ،وهذا غلط ،فلا تؤخر عمل اليوم لغد َوإِ َذا أَ ْصبَ ْح َت فَلا تَ ْنتَ ِظ ِر ال َم َسا َء أي اعمل وتج ّهز ،وهذا أحد المعنيين ،أو المعنى :إِ َذا أَ ْم َس ْي َت فَلا تَ ْنتَ ِظ ِر ال َّصبَاح لأنك قد تموت قبل أن تصبحَ ،وإِ َذا أَ ْم َس ْي َت فَلا تَنْتَ ِظ ِر ال َم َساء لأنك قد تموت قبل أن تمسي . َوخ ْذ ِم ْن ِص َّحتِ َك لِ َم َر ِض َك فالإنسان إذا كان صحيحا تجده قادرا على الأعمال منشرح الصدر ،يسهل عليه العمل لأنه صحيح ،وإذا شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
228 مرض عجز وتعب ،أو تعذر عليه الفعل ،أو إذا أمكنه الفعل تجد نفسه ضيّقة ليست منبسطة ،فخذ من الصحة للمرض لأنك ستمرض أو تموت َو ِم ْن َحيَاتِ َك لِ َم ْوتِ َك الحي موجود قادر على العمل ،وإذا مات انقطع عمله إلا من ثلاث ،فخذ من الحياة للموت واستعد هذه كلمات نيّرات ،ولو أننا سرنا على هذا المنهج في حياتنا لهانت علينا الدنيا ولم نبال بها واتخذناها متاعا فقط. الفوائد التربوية -١حسن تعليم النبي صلى الله عليه وسلم بالتشبيه وضرب الأمثال ،وأن من طرق البيان التشبيه. -2فيه شاهد لما اختص به النبي صلى الله عليه وسلم من جوامع الكلم . -3فضيلة ابن عمر -رضي الله عنهما -لأخذه بمنكبه وتخصيصه بالوصية. -4الإرشاد إلى الزهد في متع الدنيا وحظوظها ،كما قال سبحانه { َولا تَم َّد َّن َع ْينَ ْي َك إِلَى َما َمتَّ ْعنَا بِ ِه أَ ْز َواجا ِم ْنه ْم َز ْه َرةَ ا ْل َحيَا ِة الدنيَا لِنَ ْفتِنَه ْم فِي ِه } [طه [131 : شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
229 -5أن المؤمن في الدنيا كالغريب ،وهو النازل في غير وطنه ،يعد العدة للرحيل والعودة ولا يعنيه ما يعني أهل الوطن ولا يبالي بقلة من يعرف -6الإرشاد إلى قصر الأمل والج ّد بحسن العمل. -7أن المؤمن في هذه الدنيا كعابر السبيل ،وهو المسافر الذي همه الوصول إلى غايته لا يستقر له قرار في منازل سيره ،ولا يلهو بما يمر به من المشاهد . -8أن المؤمن لا يطمئن بالحياة الدنيا ولا يرضى بها بدلا عن الآخرة .فهو دائم التشمير في سيره إلى الله ،دائم العبودية لله. -9عمل ابن عمر رضي الله عنه بوصية النبي صلى الله عليه وسلم كما هو ظاهر من قوله ( :إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح ) . -10وصيته -رضي الله عنه بقصر الأمل بقوله ( :إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء) -11وصيته رضي الله عنه باغتنام الفرص بإحسان العمل ،وذلك في قوله ( :وخذ من صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك ) ،و أن الصحة فرصة للعمل حتى إن العبد يكتب له في مرضه ما كان يعمل في صحته -12أن الحياة في هذه الدنيا وقت للتزود لَلخرة . شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
230 -13أن الصحة والحياة نعمتان يغتنمهما َذوو الألباب ،قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( :نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس :الصحة والفراغ ) شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
231 الحديث الحادي والأربعون َع ْن أَبي ُم َح ّمد َع ْب ِد اللِ ب ِن َع ْم ِرو ب ِن العا ِص َر ِضي اللُ َع ْنهُما قا َل: قا َل رسو ُل اللِ َصلَّى اللُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم: { لاَ ي ْؤ ِمن أَ َحدك ْم َحتَّى يَكو َن َهواه تَبَعا لِ َما ِج ْئت بِ ِه } حديث صحيحَ ،ر َو ْي َناهُ في كتا ِب ا ْل ُح َّج ِة بإسناد صحيح تخريج الحديث ضعفه الألباني وهو ضعيف ولكن معناه صحيح كما قال ابن باز شرح الحديث \"لاَ يؤ ِمن أَ َحدك ْم\" المقصود كمال الإيمان فلا يؤمن أحدكم إيمانا كاملا \" َحتَّى يَكو َن َهواه\" أي اتجاهه وقصده. \"تَبَعا لِ َما ِج ْئت بِ ِه\" أي من الشريعة. الفوائد التربوية الفائدة الأولى :دل الحديث على أن من جعل هواه يتبع دين الله وشرعه فقد استكمل الإيمان. شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
232 الفائدة الثانية :دل على أن الهوى يحتاج إلى مجاهدة حتى يتبع شرع الله. الفائدة الثالثة :طاعة الهوى تصرف عن دين الله الفائدة الرابعة :المؤمن يجعل هواه على حسب الشريعة ،وأما ناقص الإيمان يقدم طاعة الهوى أحيانا ،وأما المنافق والكافر في َح ِّرف الشريعة على حسب هواه ورغبته . الفائدة الخامسة :الحديث ي َربي المسلم على محاسبة نفسه وهواه هل هي تتبع الشرع أم لا ؟ الفائدة السادسة :يدل على خطورة الهوى ،لأنه إن لم يكن تبع الشرع فإنه ينقص الإيمان وقد يزيد النقص إلى درجة خطيرة جدا. الفائدة السابعة :المسلم مستسلم لأمر الله سواء وافق هواه أم لا؟ الفائدة الثامنة :المؤمن يحب الله وأوامره ،ويعظم نواهيه ،وهذا معنى أن يجعل هواه تبعا لما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم . الفائدة التاسعة:ن يدل الحديث على أن المؤمن لا يبحث عما يشتهي هواه ،لكن يبحث عن طاعة الله ثم يفعلها. شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
233 الفائدة العاشرة :يربي النفس على المجاهدة ،لأن الهوى هو أمل النفس ومرادها ومبتغاها ،ولأجل ذلك يحتاج إلى جهد ومجاهدة وإيمان حتى يكون تبعا للشرع . الفائدة الحادية عشرة: يربي المسلم على طلب الشرع والدليل ولو خالف هواه ،فالمؤمن يبحث عن الدليل فإن صح عمل فيه ولو كانت نفسه وهواه ينازعه لأنه جعل هواه تبعا لدين الله شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
234 الحديث الثاني والأربعون َع ْن أَنَس َر ِضي اللُ َع ْنهُ قا َل: َس ِم ْع ُت َر ُسو َل اللِ َصلَّى اللُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم يَقو ُل: {قَا َل الله تَ َعالَى :يَا ا ْب َن آ َد َم ،إِنَّ َك َما َد َع ْوتَنِي َو َر َج ْوتَنِي َغفَ ْرت لَ َك َعلَى َما َكا َن ِم ْن َك َولاَ أبَالِي ،يَا ا ْب َن آ َد َم ،لَ ْو بَلَ َغ ْت ذنوب َك َعنَا َن ال َّس َما ِء ث َّم ا ْستَ ْغفَ ْرتَنِي َغفَ ْرت لَ َك ،يَا ا ْب َن آ َد َم ،إِنَّ َك لَ ْو أَتَ ْيتَنِي بِق َرا ِب الأَ ْر ِض َخطَايَا ث َّم لَقِيتَنِي َلا ت ْش ِرك بِي َش ْيئا لأَتَ ْيت َك بِق َرابِ َها َم ْغفِ َرة} رواهُ الت ْر ِمذي ,وقا َل :حديث َح َسن صحيح شرح الحديث هذا حديث قدسي قولهَ \" :ما َد َعوتَنِي\" \" َما َد َعوتَنِ ْي\" الدعاء ينقسم إلى قسمين : دعاء مسألة ودعاء عبادة. فدعاء المسألة أن تقول :يا رب اغفر لي .ودعاء العبادة أن تصلي لله فنحتاج الآن إلى دليل على أن العبادة تس ّمى دعاء؟ شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
235 الدليل :قول الله تعالىَ ( :وقَا َل َربكم ا ْدعونِي أَ ْستَ ِج ْب لَك ْم إِ َّن الَّ ِذي َن يَ ْستَ ْكبِرو َن َع ْن ِعبَا َدتِي َسيَ ْدخلو َن َج َهنَّ َم َدا ِخ ِري َن) (غافر)60: فقال(:ا ْدعونِي) ثم قال( :يَ ْستَ ْكبِرو َن َع ْن ِعبَا َدتِي) فسمى الدعاء عبادة ،وقد جاء في الحديث: \"أَ َّن الد َعا َء ه َو ال ِعبَا َدة \"لأن داعي الله متذلل لله ع ّز وجل منكسر له ،قد عرف قدر نفسه ،وأنه لايملك لها نفعا و لا ض ّرا . أما كيف كانت العبادة دعاء : فلأن المتعبّد لله داع بلسان الحال ،فلو سألت المصلي لماذا صلى لقال :أرجو ثواب الله ،إذا فهو داع بلسان الحال وعليه فيكون قولهَ \" :ما َد َعوتَنِ ْي َو َر َجوتَنِي\" يشمل دعاء العبادة ودعاء المسألة ،ولكن لاحظ القيد في قوله : \" َو َر َجوتَنِ ْي\" فلابد من هذا القيد ،أي أن تكون داعيا لله راجيا إجابته ،وأما أن تدعو الله بقلب غافل فأنت بعيد من الإجابة ،فلابد من الدعاء والرجاء وقولهَ \" :غفَ ْرت لَ َك\" المغفرة :هي ستر ال ّذنب والتجاوز عنه \" َعلَى َما َكا َن ِم ْن َك\" أي على ما كان منك من الذنوب والتقصير . \" َولاَ أبَالِي \"أي لا أهتم بذلك. شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
236 \"يَا ا ْب َن آ َد َم لَو بَلَ َغ ْت ذنوب َك َعنَا َن ال َّس َما ِء\" المراد بقولهَ \" :عنَا َن ال َّس َماء\" أي أعلى السماء \"ث َّم ا ْستَ ْغفَ ْرتَنِ ْي\" أي طلبت مني المغفرة سواء قلت :أستغفر الله ،أو قلت :اللهم اغفر لي \"غفرت لك\" لكن لابد من حضور القلب واستحضار الفقر إلى الله ع ّز وجل. \"يَا اب َن آ َد َم إنِّ َك لَ ْو أَتَ ْيتَنِي بِق َرا ِب الأَ ْر ِض خطَايَا ث َّم لَقِ ْيتَني لات ْش ِرك بِ ْي َش ْيئَا لأَتَ ْيت َك بِق َرابِ َها َم ْغفِ َرة \" قوله\" :لَ ْو أَتَ ْيتَنِ ْي\" أي جئتني بعد الموت . \"بِق َرا ِب الأَ ْر ِض\" أي مايقاربها ،إما ملئا،أو ثقلا ،أو حجماَ ،خ َطايا جمع خطيئة وهي الذنوب \"ث َّم لَقِ ْيتَنِ ْي لاَ ت ْش ِرك بِي َش ْيئا \" قوله\" :شيئا\" أي لا شركا أصغر ولا أكبر ،وهذا قيد عظيم قد يتهاون به الإنسان ويقول :أنا غير مشرك وهو لايدري، فحب المال الذي يلهي عن طاعة الله ،من الإشراك لقول النبي صلى الله عليه وسلم\" :تَ ِع َس َع ْبد ال ِّد ْر َه ِم ،تَ ِع َس َعبْد ال َخ ِم ْي َص ِة، تَ ِع َس َعبْد ال َخ ِم ْيلَ ِة\" فس ّمى النبي صلى الله عليه وسلم من كان هذا ه ّمه :عبدا لها . شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
237 \"لأَتَ ْيت َك بِق َرابِ َها َم ْغفِ َرة\" وهذا لاش ّك من نعمة الله وفضله ،بأن يأتي الإنسان ربه بملء الأرض خطايا ثم يأتيه ع ّز وجل بقربها مغفرة، وإلا فمقتضى العدل أن يعاقبه على الخطايا ،لكنه جل وعلا يقول بالعدل ويعطي الفضل . الفوائد التربوية الحديث أصل في فضل التوحيد والدعاء والاستغفار ،وهو حديث قدسي مما يرويه الرسول عن ربه من قوله ،فهو من كلام الله ولكن ليس له حكم القرآن ،وفيه من الفوائد : -1فضيلة آدم عليه السلام ،وشرف النسب لآدم . -2اشتراك جميع الناس في هذا النسب ،كما قال صلى الله عليه وسلم ( :الناس بنو آدم ،و آدم من تراب ). -3أن الله يحب من عباده أن يرجوه ويدعوه ويوحدوه. -٤فضل الدعاء والرجاء ،وأنهما سبب لمغفرة الذنوب -5عظم فضل الله وسعة جوده ،وأنه لا يتعاظمه شيء أعطاه عبده لغناه وكرمه وأنه لا مكره له. -6أن الاستغفار سبب لحصول المغفرة. -7فضل التوحيد ،و أن التوحيد الخالص من الشرك سبب لمغفرة جميع الذنوب . شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
238 -8تشبيه المعقول بالمحسوس ،لقوله ( :بقراب الأرض خطايا ) أي :ملؤها أو قريب. -9الترغيب في الدعاء والاستغفار ،وفي إخلاص العمل لله -10أن الشرك لا يغفر شرح الأربعين النووية مشروع النور المبين
Search
Read the Text Version
- 1
- 2
- 3
- 4
- 5
- 6
- 7
- 8
- 9
- 10
- 11
- 12
- 13
- 14
- 15
- 16
- 17
- 18
- 19
- 20
- 21
- 22
- 23
- 24
- 25
- 26
- 27
- 28
- 29
- 30
- 31
- 32
- 33
- 34
- 35
- 36
- 37
- 38
- 39
- 40
- 41
- 42
- 43
- 44
- 45
- 46
- 47
- 48
- 49
- 50
- 51
- 52
- 53
- 54
- 55
- 56
- 57
- 58
- 59
- 60
- 61
- 62
- 63
- 64
- 65
- 66
- 67
- 68
- 69
- 70
- 71
- 72
- 73
- 74
- 75
- 76
- 77
- 78
- 79
- 80
- 81
- 82
- 83
- 84
- 85
- 86
- 87
- 88
- 89
- 90
- 91
- 92
- 93
- 94
- 95
- 96
- 97
- 98
- 99
- 100
- 101
- 102
- 103
- 104
- 105
- 106
- 107
- 108
- 109
- 110
- 111
- 112
- 113
- 114
- 115
- 116
- 117
- 118
- 119
- 120
- 121
- 122
- 123
- 124
- 125
- 126
- 127
- 128
- 129
- 130
- 131
- 132
- 133
- 134
- 135
- 136
- 137
- 138
- 139
- 140
- 141
- 142
- 143
- 144
- 145
- 146
- 147
- 148
- 149
- 150
- 151
- 152
- 153
- 154
- 155
- 156
- 157
- 158
- 159
- 160
- 161
- 162
- 163
- 164
- 165
- 166
- 167
- 168
- 169
- 170
- 171
- 172
- 173
- 174
- 175
- 176
- 177
- 178
- 179
- 180
- 181
- 182
- 183
- 184
- 185
- 186
- 187
- 188
- 189
- 190
- 191
- 192
- 193
- 194
- 195
- 196
- 197
- 198
- 199
- 200
- 201
- 202
- 203
- 204
- 205
- 206
- 207
- 208
- 209
- 210
- 211
- 212
- 213
- 214
- 215
- 216
- 217
- 218
- 219
- 220
- 221
- 222
- 223
- 224
- 225
- 226
- 227
- 228
- 229
- 230
- 231
- 232
- 233
- 234
- 235
- 236
- 237
- 238