الحديث الثالث والسبعون بعد الثلاثمائة عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه َقالَ :ا ْس َتأ َذ ْن ُت ال َّنب َّي صلى الله عليه وسلم في ال ُع ْم َر ِةَ ،فأ ِذ َن لِيَ ،وقالَ: ((لا َت ْن َسنا َيا أُ َخ َّي ِم ْن ُد َعا ِئ َك)) َف َقالََ :كلِ َمة َما َي ُس ُّر ِني أ َّن لِي بِ َها ال ُّد ْن َيا وفي روايةَ :وقالَ(( :أ ْش ِر ْك َنا َيا أُ َخ َّي في ُد َعا ِئ َك)) حديث ضعيف (ضعفه الشيخ الألباني) ،تحقيق رياض الصالحين، (المشكاة) رقم ( )2248و (ضعيف أبي داود) رقم (.)264 شرح الحديث هذا الحديث أخرجه أبو داود والترمذي ،والحديث لا يخلو من ضعف ،لا يصح عن النبي صلى الله عليه وس َلّم ،ومن َث ّم فإنه لا يستدل به على مشروعية طلب الدعاء من الغير ،وهو ليس بحرام ،ولكن الأكمل أن يدعو الإنسان لنفسه ،ولا يفتقر إلى الآخرين في شيء من شئونه، ولاسيما أن ذلك لا يخلو من نوع تزكية ممن ُطلب منه الدعاء.
الحديث الرابع والسبعون بعد الثلاثمائة عن ابن عمر رضي الله عنهماَ ،قالَ: َكا َن ال َّنب ُّي صلى الله عليه وسلم يزور ُق َبا َء َرا ِكبا َو َما ِشياَ ،ف ُي َص ّلِي فِي ِه َر ْك َع َت ْي ِن. ُم َّت َف ٌق َع َلي ِه وفي روايةَ :كا َن ال َّنب ُّي صلى الله عليه وسلم َيأتي َم ْس ِجد قُ َبا َء ُكلَّ َس ْب ٍت َراكباَ ،و َما ِشيا َو َكا َن ا ْب ُن ُع َم َر َي ْف َعلُ ُه. شرح الحديث أي يزور المسجد ،مسجد قباء ،فكان صلى الله عليه وسلم يداوم ويواظب على زيارة مسجد قباء والذهاب إليه أسبوعيا كل يوم سبت في وقت الضحى. \" راكبا وماشيا\" أي :كان يحرص على هذه الزيارة في جميع الأحوال ،فإن تيسر له الركوب ذهب إليه راكبا ،وإ ّلا فإنه يذهب إليه ماشيا ،والمسافة التي بين مسجد قباء ومسجد النبي صلى الله عليه وس ّلَم هي مسافة فرسخ ،وهو ثلاث أميال ،فيصلي فيه ركعتين. وفي رواية\" :كان النبي صلى الله عليه وس َلّم يأتي مسجد قباء كل سبت راكبا وماشيا ،وكان ابن عمر يفعله\". يعني :اقتداء بالنبي صلى الله عليه وس َّلم ،فكان :يأتي إلى قباء في كل سبت راكبا وماشيا ،وهذا الشاهد في هذا الباب :هو زيارة الأماكن الفاضلة.
والمقصود بالأماكن الفاضلة الأماكن التي دل الشرع على مشروعية زيارتها ،وليس كل مكان يعتقد أنه فاضل يشرع أن يزار ،أما شد الرحل يعني :السفر من أجل الزيارة فإن ذلك لا يشرع إلا للمساجد الثلاثة ،كما قال النبي صلى الله عليه وس ّلَم: \" لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد :المسجد الحرام ،ومسجد النبي صلى الله عليه وسلَّم ،ومسجد بيت المقدس -المسجد الأقصى\" هذا بالنسبة للسفر ،وأما إذا كان الإنسان في البلد ،أي كان في المدينة أو زار المدينة ،أو زار المسجد النبوي فيشرع له أن يزور مسجد قباء. وفي الحدي ِث :دلالة على فضل قباء وفضل المسجد الذي فيها ،وفضل الصلاة فيه. وفيه :استحباب زيارة مسجد قباء والصلاة فيه ركعتين يوم السبت عند الضحى اقتداء به صلى الله عليه وسلم.
المقدمة باب فضل الحب في الله الحديث الخامس والسبعون بعد الثلاثمائة عن أن ٍس رضي الله عنه عن ال َّنب ّي صلى الله عليه وسلم َقالَ: (( َثلا ٌث َم ْن ُك َّن فِي ِه َو َج َد بِ ِه َّن َحلا َو َة الإيما ِن :أ ْن َي ُكو َن اللهُ َو َر ُسولُ ُه أ َح َّب إِلَ ْي ِه ِم َّما َس َوا ُه َماَ ،وأ ْن ُي ِح ّب ال َم ْر َء لا ُي ِح ُّب ُه إلا للهَِ ،وأَ ْن َي ْك َر َه أ ْن َي ُعو َد في ال ُك ْف ِر َب ْع َد أ ْن أ ْن َق َذهُ الله ِم ْن ُهَ ،ك َما َي ْك َرهُ أ ْن ُي ْق َذ َف في ال َّنا ِر)) ُم َّت َف ٌق َعلَي ِه شرح الحديث َ « ثلا ٌث َم ْن ُك َّن فِي ِه َو َج َد َحلا َو َة الإِي َما ِن» ثلاث خصال من وجدت فيه او أجتمعن فيه وجد حلاوة الإيمان ،قال النووي معنى حلاوة الإيمان :هو استلذاذ الطاعات وتحمل المشاق في رضى الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم ،وإيثار ذلك على عرض الدنيا. « أَ ْن َي ُكو َن ال َّلهُ َو َر ُسولُ ُه أَ َح َّب إِ َل ْي ِه ِم َّما ِس َوا ُه َم ِا» معناه أن من استكمل الإيمان علم أن حق الله ورسوله آكد عليه من حق أبيه وأمه وزوجه وجميع الناس ،لأن الهدى من الضلال والخلاص من النار إنما كان بالله على لسان رسوله ،ومن علامات محبته نصر دينه بالقول والفعل وال َّذب عن شريعته والتخلق بأخلاقه ،وقال النووي: ومحبة العبد ربه سبحانه وتعالى بفعل طاعته وترك مخالفته وكذلك محبة الرسول صلى الله عليه وسلم.
َ \" وأَ ْن ُي ِح َّب ا ْل َم ْر َء لا ُي ِح ُّب ُه إِلا لِ َّلهِ\" وهي أن تحب الإنسان لصلاحه ولتقاه ولعبادته واستقامته ولالتزامه بأمر الله تعالى؛ مع أنه ما نفعك في دنياك ،ولا شفع لك ،ولا أهدى إليك ،ولا أعطاك ،ولا تسبب في عمل لك ،فتحبه لله لا لعرض الدنيا ،فهذه المحبة الدينية هي التي يجد بها حلاوة الإيمان؛ وذلك لأنه إذا أحب من يحبهم الله تعالى فإنه يقتدي بهم. َ \" وأَ ْن َي ْك َر َه أَ ْن َي ُعو َد فِي ا ْل ُك ْف ِر َك َما َي ْك َر ُه أَ ْن ُي ْق َذ َف فِي ال َّنا ِر\" هيكره الكفر ،الله تعالى أنقذه من الكفر وهداه للإيمان ،فآمن ،ودخل في الإيمان ،والتزم بالطاعة؛ فلأجل ذلك يكره الكفر بعد الإيمان ،ويكره المعصية بعد الطاعة. كل شيء يكرهه الله فإنه يكرهه؛ ولو عذب؛ ولو أحرق؛ فإنه يصبر على الأذى ،يكره الكفر كما يكره أن يقذف في النار ،فهو يكره كل ما يغضب الله ،وما نهاه الله عنه ،فهذا هو علامة محبة الإيمان ،وعلامة حلاوته. وفي الحدي ِث: وجوب تقديم محبة الله ورسوله على كل ما سواهما. أن للإيمان حلاوة يجدها من وجدت فيه الخصال الثلاث المذكورة في الحديث. أن من لوازم محبة الله :الحب في الله والبغض في الله. أن تمكن محبة الله في قلب المؤمن يقتضي كراهة الكفر بالله وأهله. أن الوقوع في نار الدنيا أحب إلى العبد المؤمن حقا من العود في الكفر لأنه يؤدي إلى دخول نار الآخرة والخلود فيها. في الحديث دليل على تفاضل الناس في الإيمان ،وأنه يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية ،وذلك أن من وجدت فيه الخصال الثلاث وجد حلاوة الإيمان بخلاف غيره.
المقدمة باب زيارة اهل الخير ومجالستهم الحديث السادس والسبعون بعد الثلاثمائة عن أَبي هريرة رضي الله عنه عن ال َّنب ّي صلى الله عليه وسلم َقالَ: (( َس ْب َع ٌة ُي ِظلُّ ُه ُم اللهُ في ِظ ِلّ ِه َي ْو َم لا ِظلَّ إلا ِظلُّ ُه :إ َما ٌم َعا ِدلٌَ ،و َشاب َن َشأ في ِع َبا َد ِة الله -عز وجلَ ،و َر ُجلٌ َق ْل ُب ُه ُم َعلَّ ٌق بِال َم َسا ِج ِدَ ،و َر ُجلاَ ِن َت َحا ّبا في اللهِ ا ْج َت َم َعا َعلَي ِه و َت َف َّر َقا َع َلي ِهَ ،و َر ُجلٌ َد َع ْت ُه ا ْم َرأ ٌة َذا ُت َم ْن ِص ٍب َو َج َما ٍل، َف َقالَ :إ ِّني أ َخا ُف اللهَ ،و َر ُجلٌ َت َص َّد َق ِب َص َد َق ٍةَ ،فأ ْخ َفا َها َح َّتى لا َت ْع َل َم ِش َمالُ ُه َما ُت ْنفِ ُق َي ِمي ُن ُهَ ،و َر ُجلٌ َذ َك َر الله َخالِيا َف َفا َض ْت َع ْي َنا ُه)) ُم َّت َف ٌق َعلَي ِه. شرح الحديث \" سبعة يظلهم الله في ظله\" أي :سبعة أصناف ،وليس المقصود بذلك سبعة أشخاص ،وإنما هذه أجناس أو أوصاف ،كل من تحقق فيه هذا الوصف فهو داخل في هذا الوعد ،يظلهم الله في ظل عرشه. \" يوم لا ظل إلا ظله\" ومعلوم في ذلك اليوم أن الشمس تدنو من رءوس العباد حتى يكون بينهم وبينها مقدار ميل ،ويكون الناس في كرب شديد ،وفي حر شديد ،حتى إن العرق يصير منهم على قدر أعمالهم وأحوالهم ومراتبهم ،ثم ذكر هؤلاء وقد ذكر بعض أهل العلم أن جماع ذلك -يعني هذه الأوصاف المذكورة -أنه: .1إما عائد إلى العلاقة مع الله تعالى. .2أو العلاقة مع المخلوقين.
وهذه الأمور جميعا عند التأمل تدل على تجذر الإيمان وقوته في قلب صاحبها. فالإمام :هو الملِك المتصرف ،فهو ليس يخاف من أحد ،ولا يطلبه أحد بمحاسبة ،فإذا وجد العدل مع القوة والتمكن فإن هذا يدل على عظم خوف الله في قلب هذا الإنسان. وشاب نشأ في عبادة الله ،لأن قوة الداعي إلى المعصية والنزوات والغرائز عند الشباب متوقدة ،فإذا وجد معه الخوف من الله ،فإن هذا أيضا يدل على تمكن الإيمان في القلب. ورجل قلبه معلق بالمساجد؛ لأن البقاء في المسجد كثير من الناس يشعر أنه محبوس ،فتعليق القلب بالمسجد الذي هو أحب البقاع إلى الله -تبارك وتعالى -هذا يدل على محبة الله ،وعلى عدم الاشتغال بالدنيا ،وتعلق القلب بها. قال\" :ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه\"؛ لأن أكثر علائق الناس إنما هي بسبب المصالح ،والمنافع التي يتبادلونها ،وقلّ أن توجد العلاقة التي تكون خالصة لله تعالى ليس للإنسان فيها مصلحة \" ورجل دعته امرأة ذات حسن وجمال فقال :إني أخاف الله\" في بعض الروايات \":دعته امرأة ذات منصب وجمال\" هذه المرأة دعته فهو لم يحتج إلى مراودتها ،والسعي في تحصيل مطلوبه منها ،ثم أيضا هذه المرأة ذات حسن ،وذات منصب ،وهذا أيضا يدعوه إلى مواقعتها ،فهو لا يخاف من مشكلة تحصل له بسبب ذلك من جهة هذه المرأة أو من جهة أهلها.
فقال :إني أخاف لله ،فلم يمنعه من فعل هذا مع أن النفس تميل إليه إلا الخوف من الله -تبارك وتعالى. \" ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه\" المال شيء محبب إلى النفوس ،ولا تبذله النفوس وتجود به إلا بمجاهدة وصبر ،وأن تستحضر العوض في مقابل هذا البذل ،والكثيرين قد يبذلون الأموال من أجل تحصيل السمعة والمنزلة والمحمدة في قلوب الخلق ،فهذا الإنسان الذي تصدق بهذا المال -وهو شيء يصعب عليه أن يبذله -فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه أي :من شدة الإخفاء ،لم يفعل هذا أمام الناس من أجل أن يحمدوه على هذا الفعل، وهذا يدل على كمال إخلاصه. \" ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه\" الإنسان قد يذكر الله تعالى بمحضر من الناس فيبكي ،ولربما بعض الناس يتكلف البكاء بحضرتهم ،أما هذا الإنسان ليس عنده أحد يرائيه ولا يتصنع له ذكر الله خاليا ففاضت عيناه ،فيدل على أن هذا الإنسان قد تجذر الإيمان في قلبه ،والخوف من الله تعالى. وفي الحدي ِث :الح ُث على هذه الخصال والتخلُّق بها.
الحديث السابع والسبعون بعد الثلاثمائة عن أبي هريرة رضي الله عنه َقالََ :قالَ َر ُسول الله صلى الله عليه وسلم(( :إ ّن الله َت َعالَى يقول َي ْو َم القِ َيا َم ِة :أ ْي َن ال ُم َت َحا ُّبو َن بِ َجلالِي؟ ال َي ْو َم أُ ِظلُّ ُه ْم فِي ِظلِّي َي ْو َم لا ِظلَّ إلا ِظ ّلِي)) رواه مسلم. شرح الحديث قول النبي صلى الله عليه وسلَّم :إن الله تعالى يقول هذا ما يعرف عند أهل العلم بالحديث القدسي ،ومعنى الحديث القدسي :أي الحديث المنسوب إلى الله -تبارك وتعالى ،فالحديث القدسي كلام الله ،وليس بقرآن. وفي هذا الحدي ِث ُي َب ِّي ُن ال َّنبِ ُّي صلَّى اللهُ عليه وس َلّم أ َّن اللهَ ع َّز وجلَّ يقولُ يو َم القيام ِة ،أي :على رؤو ِس الأشها ِد؛ َتكريما لِبع ِض ال ِعبا ِد \" أي َن المتحا ُّبو َن ِبجلالي؟\" أي :في جلالي ،يعني :المتحابون في الله ،والله -تبارك وتعالى -أعلم بالمتحابين بجلاله ،لكن هذا الاستفهام وهذا السؤال تنويها بذكرهم وتشريفا لهم ،ورفعا لمقامهم ودرجاتهم في ذلك اليوم العظيم الذي تشهده الخلائق. \" اليو َم أُ ِظلُّهم في ِظ ِّلي يو َم لا ِظلَّ إلا ِظ ِّلي\" والمرا ُد منه ِظلُّ الع ْر ِش ،يوم تدنو الشمس على قدر ميل من رءوس الخلائق ،فهم أحوج ما يكونون إلى الأمن ،وهم أحوج ما يكونون إلى الظل، فهؤلاء الذين صارت محبتهم في الدنيا لله ،وفي الله صار لهم ذلك
الجزاء العظيم في الدار الآخرة وهم أحوج ما يكونون إلى هذه الألطاف. وفي الحدي ِث :سؤالُ اللهِ تعالى َع ِن ا ْل ُمتحا ِّبي َن مع ِعل ِمه بِمكانِه؛ لِ ُينا ِد َي بِف ْضلِهم في ذلك الموقِ ِف. وفيهَ :ح ُّث اللهِ على ال َّتحا ِّب في َجلالِه. وفيهَ :ف ْضلُ المح َّب ِة في اللهِ ع َّز وجلَّ.
الحديث الثامن والسبعون بعد الثلاثمائة عن أبي هريرة رضي الله عنه َقالََ :قالَ َر ُسول الله صلى الله عليه وسلم: ((وا َلّ ِذي َن ْف ِسي ِب َي ِد ِه ،لاَ َت ْد ُخلُوا ال َج َّن َة َح َّتى ُت ْؤ ِم ُنواَ ،ولا ُت ْؤ ِم ُنوا َح َّتى َت َحا ُّبوا ،أ َولا أ ُدلُّ ُك ْم َع َلى َش ْي ٍء إِ َذا َف َع ْل ُت ُمو ُه َت َحا َب ْب ُت ْم؟ أ ْف ُشوا ال َّسلا َم بينكم)) رواه مسلم. شرح الحديث ال َّسلا ُم أ َّولُ أ ْسبا ِب التآلُ ِف و ِمفتا ُح استِ ْجلا ِب المو َّد ِة ،وفي إ ْفشا ِئ ِه أٌلف ٌة لِل ُمسلِمي َن بع ُض ُهم لِب ْع ٍض وإظها ُر ِشعا ِرهم الم َم َّي ِز لهم ِمن َغي ِرهم ،وفي هذا الحدي ِث ُيخبِ ُر رسولُ الل ِه صلَّى اللهُ علي ِه وس َّلم ،أ َّنه َلن يد ُخلَ الج َّن َة إ َّلا المؤ ِمنو َن ،ف َيقولُ: \" لا ت ْدخلوا الج َّن َة حتى ُتؤ ِمنوا\" \" ولا ُتؤ ِمنوا حتى تحا ُّبوا\" أ ْي :لا يك َت ِملُ إيما ُنكم ح َّتى ُيح َّب بع ُض ُكم َبعضا. ولا تؤمنوا حتى تحابوا أي :المحبة التي تكون في الله ولله ،وإذا قال النبي صلى الله عليه وس ّلَم: \"لا تؤمنوا حتى تحابوا\" دل ذلك على أن الإيمان لابد فيه من المحبة بين المؤمنين ،ودل ذلك على أن هذه المحبة واجبة ،وأنها من كمال الإيمان الواجب. ث َّم َيقولُ َرسولُ الل ِه ص َّلى اللهُ علي ِه وسلَّم\" :أ َو َلا أ ُدلُّك ْم َعلى َشي ٍء\" َسه ٍل َيسي ٍر
\" إذا َف َع ْل ُتموهُ َتحا َب ْبتم؟\" \" أ ْف ُشوا ال َّسلا َم َبين ُك ْم \" ومعنى أفشوا السلام ،أذيعوه ،أن يكثر ذلك في الناس ،فاللهُ ع َّز و َجلَّ جعلَ إ ْفشا َء ال َّسلا ِم سببا لِل َمح َّب ِة، والم َح َّب َة سببا لِ َكما ِل الإيما ِن؛ لأ َّن إ ْفشا َء ال َّسلا ِم س َب ٌب لل َّتحا ِّب والت َوا ِّد ،وه َو سب ُب الأ ْلف ِة بي َن المسلِمي َن المس ِّب ُب لِكما ِل ال ِّدي ِن وإ ْعلا ِء َكلم ِة الإسلا ِم ،وفي ال َّتها ُج ِر والتقا ُط ِع وال َّش ْحنا ِء التف ِرق ُة بي َن المسلِمي َن. وفي الحدي ِث :الأم ُر بإ ْفشا ِء ال َّسلا ِم لِ َما في ِه من َن ْش ِر المح َّب ِة والأما ِن بي َن النا ِس. وفيه :إ ْرشا ُد ال َّنب ِّي لأ َّمتِه إلى أسبا ِب ال َفو ِز وال َّنجا ِة و ُدخو ِل الج َّن ِة. وفيه :الحث على إفشاء السلام ،وبذله لكل مسلم عرفته أو لم تعرفه، وفي إفشائه أُلفة المسلمين بعضهم لبعض ،وإظهار شعارهم مع ما فيه من التواضع.
الحديث التاسع والسبعون بعد الثلاثمائة عن أبي هريرة رضي الله عنه عن ال َّنب ّي صلى الله عليه وسلم: \"أ َّن َر ُجلا زا َر أخا له في َق ْر َي ٍة أُ ْخ َرى ،فأ ْر َص َد ال َّلهُ له ،ع َلى َم ْد َر َجتِ ِه، َم َلكا َف َل َّما أ َتى عليه ،قالَ :أ ْي َن ُت ِري ُد؟ قالَ :أُ ِري ُد أخا لي في ه ِذه ال َق ْر َي ِة، قالَ :هلْ ل َك عليه ِمن نِ ْع َم ٍة َت ُر ُّبها؟ قالَ :لا ،غي َر أ ِّني أ ْح َب ْب ُت ُه في اللهِ ع َّز وجلَّ ،قالَ :فإ ِّني َرسولُ الل ِه إلَ ْي َك ،بأ َّن ال َّلهَ ق ْد أ َح َّب َك كما أ ْح َب ْب َت ُه فِي ِه\" (صحيح مسلم) شرح الحديث في هذا الحدي ِث ُيخبر النب ُّي ص ّلَى الله عليه وس ّلَم: \" أ َّن رجلا زا َر أخا له\" أي :أرا َد ِزيار َة أخي ِه المسل ِم في اللهِ \" في َقري ٍة أُخرى\" أي :غي ِر مكا ِن ال َّزائ ِر َ \" فأرص َد اللهُ له على َمدر َجتِه\" أي :أع َّد وه َّيأَ أو أَق َع َد في طريقِ ِه ملِكا ،فل َّما أتى ال َّرجلُ على الملَ ِك؛ سألَه الم َل ُك: \" أي َن ُتري ُد؟\" َفأجا َبه :أُري ُد أخا\" أيِ :زيار َة أ ٍخ لي في هذه ال َق ْري ِة؛ َفسألَ ُه الملَ ُك: \" هلْ ل َك عليه \"،أي :على ا ْل َمزو ِرِ \" ،من ِنعم ٍة َتر ُّبها؟\" أي :تقو ُم ِبإصلا ِحها وإتم ِامها ،أي هو ولدك أو من قرابتك ممن هو في نفقتك لتحسن إليه.
َ فأجا َبه ال َّرجلُ\" :لا ،غي َر أ ِّني أَحب ْب ُته في اللهِ\" أي :ليس لي داعي ٌة إلى زيار ِته إ َّلا َمح َّبتِي إ َّياه في َط َل ِب َمرضا ِة الل ِه. قالَ الملَ ُك لِل َّرج ِلَ \":فإ ِّني رسولُ اللهِ إلي َك بأ َّن اللهَ ق ْد أح َّب َك كما أحب ْب َته فيه \"،أي :إ َّن الل َه أح َّب َك لِمح َّب ِت َك صاح َب َك في الل ِه. هذا الرجل ذهب إلى أخ له في قرية أخرى يزوره ،فأرصد الله على َم ْدرجته -أي على طريقه -ملكا ،لربما تمثل له بصورة رجل ،فسأله عن قصده وحاجته ،فذكر أنه يريد هذا الأخ ،فسأله عن علاقته به وهل له حاجة ير ُّبها عنده ،فذكر أنه يحبه في الله ،فقال :إن الله قد أحبك كما أحببته فيه. فهذا الحديث نص صريح في فضل الحب في الله ،وأن الحب في الله - تبارك وتعالى -سبب من أسباب تحصيل محبة الله للعبد ،فمن أراد أن يحبه الله فعليه أن يحقق هذا الوصف ،أن يحب المرء لا يحبه إلا لله.
الحديث الثمانون بعد الثلاثمائة عن الب َرا ِء بن عازب رضي الله عنهما ،عن ال َّنب ّي صلى الله عليه وسلم أ َّن ُه َقالَ في الأنصار: ((لا ُي ِح ُّب ُه ْم إلا ُمؤ ِم ٌنَ ،ولا ُي ْب ِغ ُض ُه ْم إلا ُم َنافِ ٌقَ ،م ْن أ َح َّب ُه ْم أَ َح َّب ُه اللهَ ،و َم ْن أ ْب َغ َض ُه ْم أ ْب َغ َض ُه الله)) ُم َّت َف ٌق َعلَي ِه. شرح الحديث يسمى الأوس والخزرج الأنصار لنصرهم الإسلام ،وإيواء أهله ،فهذا فيه منقبة عظيمة للأنصار رضي الله عنهم ،وهؤلاء الأنصار أحبهم الله؛ لأنهم الذين ناصروا نبيه صلى الله عليه وس َّلم ،كما قال صلى الله عليه وس َّلم بعد فتح مكة ،لما عتب عليه بعضهم -أعني بعض الأنصار- قال\" :ألم أجدكم ُضلالا فهداكم الله بي؟ وعالة فأغناكم الله بي؟\" ،إلى آخر ما قال. ثم قال صلى الله عليه وس َّلم مخاطبا لهم: \" ألا تجيبوني يا معشر الأنصار؟\" فقالوا :لله ولرسوله صلى الله عليه وس َّلم المن والفضل ،فقال\" :أما إنكم لو شئتم لقلتم ول َص َدقتم ول ُص ِّدقتم :ألم تأتنا شريدا أو طريدا فآويناك؟ ،ومك َّذبا فصدقناك؟\" إلى آخر ما ذكر النبي صلى الله عليه وس َلّم ،وهم يقولون :لله ورسوله صلى الله عليه وسلَّم المن والفضل. فهؤلاء الذين تصدوا لعداوة العالم في سبيل أنهم آووا رسول الله صلى الله عليه وس َّلم ومن معه حصل لهم هذه المنزلة العظيمة ،فصار لا
يحبهم إلا مؤمن ولا يبغضهم إلا منافق؛ لأن المنافق يكره الدين ،ويكره نصرة الدين ،ويكره أنصاره من الناس ،والمؤمن يحب الله تعالى، ويحب من أحبه الله ،فصار حب الأنصار من الإيمان ،فالإيمان كما أنه تصديق وإقرار وانقياد في القلب كذلك هو أيضا قول باللسان ،كذلك هو أيضا عمل بالجوارح ،وهكذا أيضا حب الأنصار من الإيمان ،والحب في الله والبغض في الله كل ذلك من الإيمان. وهذا من \"لا إله إلا الله\"؛ لأن معنى كلمة \"لا إله\" هذا نفي ،فهو نفي لكل ما يبغضه الله من الأعمال والأقوال والذوات ،فهو نفي للإشراك ونفي لكل ذنب ومعصية ومكروه وبدعة وضلالة ،وهو نفي أيضا للذوات ،أولئك الذين يعبدون غيره ويعصونه ،ويحا ّدونه ،ولا يقفون عند حدوده\" ،لا إله إلا الله\" ،و\"إلا الله\" إثبات ،وذلك يقتضي محبة الله ،والإيمان به ،ومحبة رسوله صلى الله عليه وس ّلَم ،ومحبة أهل الإيمان ،كل هذا داخل في معنى \"لا إله إلا الله\" ،ولذلك كان الولاء والبراء من \"لا إله إلا الله\" فهو داخل فيها ،ومن حققه فإن تحقيقه من تحقيق هذه الكلمة العظيمة التي هي مفتاح الجنة.
المقدمة باب حق الزوج على المرأة الحديث الحادي والثمانون بعد المائتين عن أَبي هريرة رضي الله عنه َقالََ :قالَ َر ُسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إِ َذا َد َعا ال َّر ُجلُ ام َرأ َت ُه إِلَى ف َرا ِش ِه َفلَ ْم َتأ ِت ِهَ ،ف َبا َت َغ ْض َبا َن َعلَ ْي َها ،لَ َع َن ْت َها ال َملائِ َك ُة َح َّتى ُت ْصب َح(( ( ُم َّت َف ٌق َع َلي ِه) وفي رواية لهما(( :إِ َذا َبا َتت ال َمرأةُ َها ِج َرة فِ َرا َش َز ْو ِج َها َل َع َن ْت َها ال َملاَئِ َك ُة َح َّتى ُت ْصب َح(( وفي رواية َقالَ َر ُسول الله صلى الله عليه وسلم(( :وا َلّ ِذي َن ْف ِسي ب َي ِد ِه َما ِم ْن َر ُج ٍل َي ْد ُعو ا ْم َرأ َت ُه إِ َلى فِ َراش ِه َف َتأ َبى َع َلي ِه إلا َكا َن ا َّل ِذي في ال َّس َماء َساخطا َعلَ ْي َها َح َّتى َي ْر َضى َعنها(( شرح الحديث فقول النبي ( :إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه) يعني :المقصود إلى الجماع والمعاشرة ،ولكن الشارع يك ِّني ،ف ُيك َّنى بالفراش عن الجماع قال( :فبات غضبان عليها) ،هذا القيد معتبر ،وهو مراد؛ لأنه إن لم يغضب عليها بمعنى أنه عذرها ،أو سمحت نفسه وأعرضت عن ذلك فلم يغضب عليها فلا إشكال ،بمعنى إذا رضي ،إذا اعتذرت إليه فقبل عذرها. وقوله (:لعنتها الملائكة حتى تصبح (إذا دعاها فلم تأ ِت فبات ،بهذين القيدين ،بات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح
واللعن هو الطرد والإبعاد من رحمة الله ،ولعن الملائكة يعني أنها تدعو على هذه المرأة باللعنة ،أي الطرد والإبعاد عن رحمة الله )لعنتها الملائكة حتى تصبح) :يعني :ما لم تأته. قال :وفي رواية لهما -يعني للبخاري ومسلم (:إذا باتت المرأة هاجرة فراش زوجها لعنتها الملائكة…( لاحظوا في اللفظ الأول قال :فبات غضبان وهنا قال :إذا باتت المرأة والمبيت إنما يكون بالليل ،فهل هذا مفهومه معتبر؟ ،بمعنى أنه لو دعاها بالنهار فلم تأته هل يتحقق هذا وهو أن تعلنها الملائكة؟ الجواب :نعم ،وإنما ذكر المبيت الذي يكون بالليل لأنه مظنة الجماع وطلب الرجل امرأته ،بخلاف النهار ،فإن ذلك لا يحصل في غالب أحوال الناس ،فهذا يستوي فيه الليل والنهار. قال( :إذا باتت المرأة هاجرة فراش زوجها لعنتها الملائكة حتى تصبح( ما قال :فبات غضبان عليها ،هاجرة فراش زوجها بمعنى أنها لم تجبه، ولم تمكنه من نفسها ،وهجران فراش الزوج معناه أن هذا خارج عن إرادته ورغبته ورضاه لعنتها الملائكة حتى تصبح. وفي رواية قال رسول الله ( :والذي نفسي بيده ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشها فتأبى عليه ،إلا كان الذي في السماء ساخطا عليها حتى يرضى عنها( هنا ما ذكر المبيت مما يدل على المعنى الذي ذكرته وهو أنه يستوي في هذا الليل والنهار ،ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشها فتأبى عليه ،إلا كان الذي في السماء ساخطا عليها
والذي في السماء هو الله -تبارك وتعالى ،كما قال الله تعالى {:أَأَ ِمن ُتم َّمن فِي ال َّس َماء أَن َي ْخ ِس َف ِب ُك ُم الأَ ْر َض َفإِ َذا ِه َي َت ُمو ُر} [الملك[16: أي إنها اذا رفضت طلب زوجها فإن الله تعالى يغضب عليها حتى يرضى عنها الزوج ،وهذا أشد من الأول ،لأن الله سبحانه وتعالى إذا سخط؛ فإن سخطه أعظم من لعنة الإنسان وأيضا قال في الحديث(( :إلا كان الذي في السماء ساخطا عليها حتى يرضى عنها)) أي الزوج ،وهناك قال(( :حتى تصبح)) ،أما هنا فعلّقه برضى الزوج ،وهذا قد يكون أقل ،وقد يكون أكثر يعني :ربما يرضى الزوج عنها قبل طلوع الفجر ،وربما لا يرضى إلا بعد يوم أو يومين، المهم ما دام الزوج ساخطا عليها فالله عز وجل ساخط عليها. وفي هذا دليل على عظم حق الزوج على زوجته ،ولكن هذا في حق الزوج القائم بحق الزوجة ،أما إذا نشز ولم يقم بحقها؛ فلها الحق أن تقتص منه وألا تعطيه حقه كاملا؛ لقول الله تعالىَ (:ف َم ِن ا ْع َت َدى َعلَ ْي ُك ْم َفا ْع َت ُدوا َع َل ْي ِه ِب ِم ْث ِل َما ا ْع َت َدى َعلَ ْي ُك ْم) [البقرة ]194 :ولقوله تعالىَ ( :وإِ ْن َعا َق ْب ُت ْم َف َعاقِ ُبوا بِ ِم ْث ِل َما ُعوقِ ْب ُت ْم ِب ِه) [النحل[ .126 : لكن إذا كان الزوج مستقيما قائما بحقها فنشزت هي ومنعته حقه؛ فهذا جزاؤها إذا دعاها إلى فراشه فأبت أن تأتي .والحاصل أن هذه الألفاظ التي وردت في هذا الحديث هي مطلقة ،لكنها مقيدة بكونه قائما بحقها
الحديث الثاني والثمانون بعد المائتين عن أَبي هريرة رضي الله عنه أيضا :أ َّن رسول الله صلى الله عليه وسلم َقالَ(( :لا َي ِحلُّ لا ْم َرأ ٍة أ ْن َت ُصو َم و َز ْو ُج َها َشاه ٌد إلا بإ ْذ ِن ِهَ ،ولا َتأ َذ َن في َب ْي ِت ِه إلا ِبإذ ِن ِه)) ُم َّت َف ٌق َع َلي ِه وهذا لفظ البخاري. شرح الحديث ((لا يحل لامرأة أن تصوم وزجها شاهد إلا بإذنه)) هذا من حقوق الزوج على زوجته ،أنه لا يحل لها أن تصوم إلا بإذنه ما دام حاضرا في البلد، أما إذا كان غائبا؛ فلها أن تصوم ما شاءت وظاهر الحديث أنها لا تصوم فرضا ولا نفلا إلا بإذنه ،أما النفل فواضح أنها لا تصوم إلا بإذنه؛ لأن حق الزوج عليها واجب والنفل تطوع لا تأثم بتركه وحق الزوج تأثم بتركه أما صيام الفرض فإن كان قد بقي من السنة مدة أكثر مما يجب عليها ،فلا يحل لها أن تصوم إلا بإذن زوجها إذا كان شاهدا يعني مثلا عليها عشرة أيام من رمضان ،وهي الآن في رجب ،وقالت: أريد أن أصوم القضاء ،نقول :لا تصومي القضاء إلا بإذن الزوج؛ لأن معك سعة من الوقت أما إذا كان بقي في شعبان عشرة أيام فلها أن تصوم إن لم يأذن؛ لأنه لا يحل للإنسان الذي عليه قضاء من رمضان أن يؤخر إلى رمضان الثاني، وحينئذ تكون فاعلة لشيء واجب فرض في الدين ،وهذا لا يشترط فيه إذن الزوج ،وطاعة الله مقدمة على طاعة الزوج
فصوم المرأة فيه تفصيل :أما التطوع فلا يجوز إلا بإذن الزوج ،وأما الفرض فإن كان الوقت متسعاَ ،فإنه لا يجوز إلا بإذن الزوج ،وإن كان لا يسع إلا مقدار ما عليها من الصوم ،فإنه لا يشترط إذن الزوج ،هذا إذا كان حاضرا ،أما إذا كان غائبا فلها أن تصوم وإذا علمت أن زوجها يأذن ،وأنه لا يمانع من هذا ،فهي لا تحتاج أن تستأذن في كل مرة ،وإنما تصوم ،على أنه لا يجوز للزوج أن يحرم زوجته الخير ،إلا إذا كان هناك حاجة ،وإلا فعليه أن يكون عونا لها على طاعة الله ،وعلى فعل الخير؛ لأنه يكون مأجورا بذلك كما أنها مأجورة أيضا على الخير. ((ولا تأذن في بيته إلا بإذنه)) أما إدخال أحد بيته بغير إذنه فظاهر .فلا يجوز أن تدخل أحدا بيته إلا بإذنه ،لكن الإذن في إدخال البيت نوعان: الإذن الأول :إذن العرف :يعني جرى به العرف مثل دخول امرأة الجيران والقريبات والصاحبات والزميلات وما أشبه ذلك ،هذا جرى العرف به، وأن الزوج يأذن به ،فلها أن تدخل هؤلاء إلا إذا منع وقال :لا تدخل عليك فلانة ،فهنا يجب المنع ،ويجب أن لا تدخل. (ولا تأذن في بيته إلا بإذنه) ،لأنه سلطان في بيته ،ولا يجوز أن يدخل بيته أحد لا يرتضيه ،لا امرأة ولا رجل ،لا من المحارم ولا من غير المحارم،وهذا من رعايتها لحق زوجها ،فالمرأة راعية في بيتها وهي مسئولة عن رعيتها.
الحديث الثالث والثمانون بعد المائتين عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم َقالَ(( :كلكم َر ِع َّي ِت ِهَ :والأ ِمي ُر َرا ٍع ،وال َّر ُجلُ َرا ٍع َع َلى أ ْه ِل َرا ٍعَ ،و ُكلُّ ُك ْم َب ْي ِت َز ْوجها َو َو َلد ِهَ ،ف ُكلُّ ُك ْم َرا ٍعَ ،و ُكلُّ ُك ْم َم ْس ُؤولٌ َم ْس ُؤولٌ َع ْن َبي ِت ِهَ ،وال َم ْرأ ُة َرا ِعي ٌة َع َلى َع ْن َر ِع َّي ِت ِه)) ُم َّت َف ٌق َعلَي ِه. شرح الحديث ( ُك َّل ُكم را ٍع و ُكلَّ را ٍع َمسؤولٌ عن َرع َّي ِته) الراعي :هو الحافظ المؤ َتمن الملتزم صلاح ما اؤتمن على حفظه ،فهو مطلوب بالعدل فيه ،والقيام بمصالحه في دينه ودنياه ومتعلقاته ،ومسؤول هل قام بما يجب لرعيته أو لا؟ َفإ ْن وفى ما عليه ِمن ال ِّرعاي ِة َح َصلَ لَه ال َح ُّظ الأَو َف ُر وال َجزا ُء الأَك َب ُر، وإ ْن كا َن َغ ْي َر َذلِ َك طالَ َبه ُكلُّ أ َح ٍد ِمن َرع َّيتِه ِب َح ِّق ِه والخطاب للأمة جميعا يبين فيه الرسول صلى الله عليه وسلم أن كل إنسان راع ومسؤول عن رعيته .والراعي هو الذي يقوم على الشيء ويرعى مصالحة فيهيئها له ،ويرعى مفاسده فيجنبه إياها ،كراعي الغنم ينظر ويبحث عن المكان المربع حتى يذهب بالغنم إليه ،وينظر في المكان المجدب فلا يتركها في هذا المكان. هكذا بنو آدم كل إنسان راع ،وكل مسؤول عن رعيته ،والرعاة تتنوع رعايتهم ما بين مسئولية كبيرة واسعة ومسئولية صغيرة محدودة ولذلك قال (:والأمير راع ) فالأمير راع ومسؤول عن رعيته فالأمير والحاكم تكون مسئوليته كبيرة وواسعة ،تشمل جميع أفراد الأمة وتشمل جميع شئون المجتمع
فعلَيه ِح ْف ُظ َرع َّيتِه فيما َت َع َّي َن عليه ِمن ِح ْف ِظ َشرا ِئ ِعهم وال َّذ ِّب عنها و َع َد ِم إ ْهما ِل ُحدو ِدهم و َت ْضيي ِع ُحقوقِهم و َتر ِك ِحما َيتِهم ِم َّم ْن جا َر عليهم، و ُمجا َهدةُ َع ُد ِّوهم َفلا َيتص َّرف في ِهم إ َّلا بِإ ْذ ِن الل ِه و َرسولِه ولا َيطلُ ُب أ ْج َره إ َّلا ِمن الل ِه ،وهو َمسؤول عن َرع َّيتِه (والرجل راع على أهل بيته) فال َّر ُجلُ في أ ْهلِهَ -زو َجته و َغ ْيرها -را ٍع با ْلقيا ِم عليهم بال َح ِّق في ال َّن َفق ِة و ُحس ِن ال ُمعا َشر ِة ،وهو َمسؤول عن َرع َّيتِه فيكون الرجل مسئولا عن أهل بيته ،تربية وتعليما وتهذيبا وتقويما؛وتوفير ما يحتاجونه من سكن وطعام وشراب ولباس ،كل ذلك في غير تقتير ولا إسراف ،وليكن في بيته عينا راعية ،وأذنا واعية، يتفقد الأمور ،ويتحرى المصالح ،ويقيم العدل في رعايا مملكته الصغيرة (والمرأة راعية على بيت زوجها وولده) فتكون المرأة مسئولة في بيت زوجها ،عن خدمة ورعاية زوجها ،وتربية وإصلاح أبنائها ،مع كونها حكيمة صبورة مد ّبرة ،وعلى المال قائمة راعية حافظة له من ّمية. فما من إنسان إلا قد ُو ِكل إليه أمر يد ّبره ويرعاه ،فكلنا را ٍع ،وكلنا مطال ٌب بالإحسان فيما استرعاه ،ومسئولٌ عنه أمام من لا تخفى عليه خافية ،فإن قام بالواجب عليه لمن تحت يده كان أثر ذلك في الأمة عظيما ،وثوابه جزيلا ،وحسابه عند الله يسيرا ،وإن ق ّصر في ال ّرعاية ،وخان الأمانة، أض ّر بالأمة ،وع ّسر على نفسه الحساب ،وأوجب لها المقت والعذاب. وفي الحدي ِث :أ َّن ُكلَّ أ َح ٍد َمسؤولٌ َع َّمن َت ْح َت َي ِده ِمن آ َدم ٍّي و َغي ِره. َوفيهُ :وجو ُب القيا ِم بِ َح ِّق ال َّرع َّي ِة وإ ْرشا ِد ِهم لِ َمصالِ ِحهم ال ِّدين َّي ِة وال ُّد ْن َيو َّي ِة، و َر ْد ِع ِهم ع َّما َي ُض ُّرهم في دي ِنهم و ُد ْنيا ُهم.
الحديث الرابع والثمانون بعد المائتين عن أَبي علي َط ْلق بن علي رضي الله عنه أ َّن رسول الله صلى الله عليه وسلم َقالَ(( :إِ َذا َد َعا ال َّر ُجلُ َز ْو َجت ُه ل َحا َج ِت ِه َف ْل َتأتِ ِه َوإ ْن َكا َن ْت َع َلى ال َّت ُنور)) رواه الترمذي والنسائيَ ،وقالَ الترمذيَ ( :ح ِدي ٌث َح َس ٌن َصحي ٌح) وصححه الألباني (صحيح الترمذي) شرح الحديث ح َّد َد الإسلا ُم واجبا ِت ال َّزوجي ِن و ُحقو َق كلِّ واح ٍد منهما ،وح َّث كلَّ ط َر ٍف له وما عليه؛ ل َينت ِش َر العفا ُف وال َّصلا ُح يعلَ َم ال ُمجتم ِع، في وتكو َن الأُسرةُ ُمتماسكة ُمتحا َّبة ما أ ْن على فالواجب على الجميع التعاون على الخير ،فالرجل يجب عليه أن ُيؤدي ح َّق زوجته ،ويستوصي بها خيرا ،فعليه أن يؤدي ح َّقها ،ولها رزقها، وكسوتها ،وإحسان العشرة ،وطيب الكلام ،وعدم الإيذاء بغير ح ٍّق وعليها هي :السمع والطاعة لزوجها ،وعدم عصيانه في المعروف ،فإ َّن ح َّق الزوج على الزوجة عظيم ،فالواجب عليها أن تجتهد في ذلك، وفي هذا الحدي ِث يقولُ رسولُ اللهِ َص ّلَى اللهُ عليه وسلَّ َم: \"إذا ال َّرجلُ دعا زوج َته لحاج ِته\" ِكناي ٌة عن الجما ِع \"ف ْلتأ ِته\" ،أي :لِ ُت ِج ْب دعو َته ،وإ ْن كانت على ال َّت ُّنو ِر\" ،أي :وإ ْن كان ْت َتخ ِب ُز على ال َّت ُّنو ِر ،مع أ َّنه ُشغ ٍل شاغلٌ لا ُيتف َّر ُغ منه إلى َغي ِره إ َّلا بع َد انقضائِه ،وال َّت ُّنو ُر :ال َموق ُد ا َلّذي ُيخ َب ُز فيه أي ولو كانت مشغولة بشي ٍء من مشاغل البيت ،فطاعته مقدمة على مشاغل البيت.
وهذا من ال َّتح ُّر ِز وال ُمبالغ ِة ل ِح ْف ِظ الفُرو ِج ،وع َد ِم ال ُوقو ِع في الحرا ِم ،فتلَ ُف َبع ِض الما ِل -ا َلّذي هو الخ ْب ُز وغي ُره -أس َهلُ من ُوقو ِع ال َّزو ِج في ال ِّزنا؛ فال َّرجلٌ مأمو ٌر أ َّلا ُيدافِ َع ن ْف َسه إذا ر ِغ َب في امرأتِه ،بل َي ْقضي حاج َته منها وهي مأمور ٌة أ َّلا تم َن َع ن ْف َسها عنه بحا ٍل من الأحوا ِل ،إ َّلا إذا كان عندها ُعذ ٌر َشرعي وفي الحدي ِث َ :بيا ُن ِع َظ ِم ح ِّق ال َّزو ِج على َزوج ِته ،وتقدي ُم طا َع ِته على َمشا ِغلها الأ ْخ َرى. وفيه :ال َّتأكي ُد على ِح ْف ِظ ال ُفرو ِج ِم َن الوقو ِع في ال َحرا ِم ،بِ َقضا ِء الوت ِر فِي الحلا ِل.
الحديث الخامس والثمانون بعد المائتين عن أَبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم َقالَ(( :لَ ْو ُك ْن ُت آ ِمرا أ َحدا أ ْن َي ْس ُج َد لأ َح ٍد لأ َم ْر ُت ال َمرأ َة أ ْن َت ْس ُج َد ل َزو ِج َها)) رواه الترمذيَ ،وقالََ ( :ح ِدي ٌث َح َس ٌن َصحي ٌح) وصححه الألباني (صحيح سنن ابن ماجه) شرح الحديث وسبب هذا الحديث ما رواه أبو داود عن قيس بن سعد قال :أتيت الحيرة فرأيتهم يسجدون لمرزبان لهم فقلت :رسول الله أحق أ ْن يسجد له .قال: فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت :إني أتيت الحيرة فرأيتهم يسجدون لمرزبان لهم (رجل من كبارهم) ،فأنت رسول الله أحق أن ُيسجد لك ،قال(( :أرأيت لو مررت بقبري أكنت تسجد لي)) ،فقال :لا. قال(( :فلا تفعلوا ،لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأح ٍد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها)) السجود لا يكون إلا لله رب العالمين فقط ،لا يجوز أن يسجد لأحد ،لا لحي ولا ميت ،فهو عبادة مختصة بالله -تبارك وتعالى؛ لأن السجود هو غاية الخضوع و التذلل ،أشرف شيء في الإنسان وهو وجهه يضعه في الأرض موضع الأقدام ،ويقول :سبحان ربي الأعلى. فالنبي يقول ( :لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها) فهذا يدل على عظم حق الزوج وأنه من أعظم الحقوق، لكن في الوقت نفسه لا يجوز للزوج أن يتخذ ذلك سوطا يضرب به
المرأة ،ويض ّيع حقوقها ،ويتسلط عليها ،وإذا حصل منها تقصير ذكر لها هذه الأحاديث ينبغي أن يعرف أنها إنسان ،وأن لها حقوقا أيضا ،هل أدى هو حقوقها أو لا؟ فكما أن الإنسان يطالب بحقوقه ،ويتذكر حقوقه جيدا ،إذا رأى منها تقصيرا ينبغي أن ينظر إلى تقصيره هو والكريم هو الذي لا يظلم المرأة ولا يسيء إليها ،يعاشرها بالمعروف، فإن كره منها خلقا رضي آخر ،فهذا كله علّ َمناها الشارع من أجل أن نكون على درجة رفيعة في التعامل والأخلاق ،وكريم الخصال. ولا يدل هذا الحديث على أن المرأة تسجد لزوجها؛ بل ذلك حرام عليها إن فعلته على وجه الاحترام ،وكفر إن فعلته بقصد التعظيم كتعظيم الله ،وإنما يفيد الحديث وجوب طاعة المرأة لزوجها واحترامها له هل هذا الحديث على عمومه أم لا ؟ الجواب :هو على عمومه في كل زوج فعل ما عليه من الحقوق تجاه زوجته من نفقة وسكنى ومعاشرة بالمعروف ،أما إن كان الزوج قد فرط في ذلك أو في بعضه فإنه لا يستحق تلك الطاعة التي أمر بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم ،بل لها أن تخرج من بيته لبيت أهلها أو المحكمة للمطالبة بحقها والمطالبة بإنصافها ،ولكن إذا تنازلت المرأة عن حق النفقة أو السكنى أو المبيت فليس لها أن تمتنع عن طاعته بحجة عدم قيامه بما عليه من واجبات؛ إذ من حقها أن تطالبه بحقها ،فإذا أسقطت حقها أو سكتت عنه لم يكن لها أن تفرط في حقه عليها.
ما المقصود بسجود المرأة لزوجها المذكور في الحديث هل هو على الحقيقة أم المجاز الجواب السجود لا يكون إلا لله وحده ،فلا يجوز السجود لغير الله .وقد منع النبي صلى الله عليه وسلم من السجود له ،فالمنع من السجود لغيره أولى أما قوله َصلَّى اللهُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم َ ( :ل ْو ُك ْن ُت آ ِمرا أَ َحدا أَ ْن َي ْس ُج َد لِ َغ ْي ِر ال َّل ِه ، َلأَ َم ْر ُت ا ْل َم ْرأَ َة أَ ْن َت ْس ُج َد لِ َز ْو ِج َها ) رواه ابن ماجة ( ، )1853وصححه الألباني في \" صحيح سنن ابن ماجة\" . فالمقصود بالسجود هنا :حقيقة السجود ،ومعنى الحديث :أن السجود لغير الله لو كان جائزا لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم المرأة أن تسجد لزوجها ؛ وذلك لعظم حقه عليها. والحديث رواه الإمام أحمد ( )12614بلفظ َ ( :لا َي ْصلُ ُح لِ َب َش ٍر أَ ْن َي ْس ُج َد لِ َب َش ٍر َ ،ولَ ْو َصلَ َح لِ َب َش ٍر أَ ْن َي ْس ُج َد لِ َب َش ٍر َ ،لأَ َم ْر ُت ا ْل َم ْرأَ َة أَ ْن َت ْس ُج َد لِ َز ْو ِج َها، ِم ْن ِع َظ ِم َح ِّق ِه َعلَ ْي َها ) ،وصححه الألباني في \" صحيح الجامع \" (.)7725 وهذا الأسلوب في اللغة العربية يدل على أن سجود البشر لبشر ممنوع ، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يأمر المرأة أن تسجد لزوجها ، ولذلك تسمى ( لو ) في هذا السياق :حرف امتناع لامتناع. أي :امتنع جوابها الذي هو ( لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها ) لامتناع شرطها الذي هو ( جواز السجود لبشر ) ،وهذا يدل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم امتنع أن يأمر المرأة بالسجود لزوجها .يعني :أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يأمر المرأة أن تسجد لزوجها ،وذلك لأن السجود لمخلوق ممنوع شرعا.
الحديث السادس والثمانون بعد المائتين عن أم َسلَ َمة رضي الله عنهاَ ،قالَ ْتَ :قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((أ ُّي َما ا ْم َرأ ٍة َما َت ْتَ ،و َز ْو ُج َها َع ْن َها َرا ٍض َد َخ َل ِت ال َج َّن َة)) رواه الترمذيَ ،وقالََ ( :ح ِدي ٌث َح َس ٌن) قال العلامة الألباني رحمه الله في \" السلسلة الضعيفة والموضوعة\" حديث رقم 1426قال عنه ( :وبالجملة فالحديث منكر لا يصح لجهالة الأم والولد) شرح الحديث الحديث المذكور قال عنه الترمذي :حديث حسن غريب وقال الحاكم في المستدرك على الصحيحين :هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه .ووافقه الذهبي في التلخيص ،وقد ضعفه الشيخ الألباني في السلسلة الضعيفة برقم 1426 وعلى فرض ضعفه فهو في فضائل الأعمال أي في بيان أجر مترتب على عمل دلت عليه نصوص صحيحة فيرجى حصول الثواب الوارد المذكور فيه. وفي الكتاب والسنة أدلة كثيرة على عظم حق الزوج على زوجته ،منها قوله تعالىَ { :فال َّصالِ َحا ُت َقانِ َتا ٌت َحافِ َظا ٌت لِّ ْل َغ ْي ِب بِ َما َحفِ َظ ال ّلهُ[ }.النساء]: قال القرطبي :هذا كله خبر ،و مقصوده الأمر بطاعة الزوج والقيام بحقه في ماله وفي نفسها في حال غيبة الزوج .اهـ (من الجامع لأحكام القرآن) ومنها قوله صلى الله عليه وسلم \" :إذا صلت المرأة خمسها ،وحصنت فرجها ،وأطاعت بعلها .دخلت من أي أبواب الجنة شاءت\".صححه الألباني
الحديث السابع والثمانون بعد المائتين عن معاذ بن جبل رضي الله عنه عن ال َّنب ّي صلى الله عليه وسلم َقالَ(( :لا ُت ْؤ ِذي ا ْم َرأةٌ َز ْو َج َها في ال ُّد ْن َيا إلا َقالَ ْت َز ْو َج ُت ُه ِم َن ال ُحو ِر ال ِعي ِن لا ُتؤ ِذي ِه َقا َتل ِك اللهُ ! َفإِ َّن َما ُه َو ِع ْن َد ِك َد ِخيلٌ ُيو ِش ُك أ ْن ُي َفا ِر َق ِك إِلَ ْي َنا)) رواه الترمذيَ ،وقالََ ( :ح ِدي ٌث َح َس ٌن). (صححه الألباني) شرح الحديث كان النب ُّي ص َّلى الله عليه وس ّلَم دائما ما ُيح ِّذ ُر ال ِّنسا َء ِم ْن إغضابِ ِه َّن لأزو ِج ِه َّن بما َل ُه َّن في الآ ِخر ِة ِم ْن عقا ٍب على ُكفرا ِن ِه َّن للعشي ِر ،أو َل ْع ِن الملائك ِة لعاصي ِة َز ْو ِجها ،وما لل َّر ُج ِل في ال َج َّن ِة ِم َن ال ُحو ِر ال ِعي ِن. وفي هذا ال َحدي ِث يقولُ ال َّنب ُّي ص َّلى اللهُ علَيه وس ّلَم\" :لا ُتؤ ِذي امرأ ٌة َزو َجها في ال ُّدنيا\" أي :تتس َّب ُب أو ُتصي ُب زو َجها المؤم َن بش ٍّر ،بقو ٍل أو فع ٍل َينهى عنه ال َّشر ُع \"إ َّلا قالت زوج ُته\" ،أيِ :من أه ِل الج َّن ِة ،وهي \" ِمن ال ُحو ِر ال ِعي ِن\"، وال َح ْورا ُء هي شديد ُة بيا ِض ال َع ْي ِن ،وال ِعي ُن -بال َكس ِر -هي واسع ُة ال َع ْي ِن: \"لا ُتؤذيه ،قا َت َل ِك اللهُ \"أي :عا َدا ِك أو ق َتلَ ِك أو ل َع َن ِك ،وهي غالبا كلم ٌة ُتستخ َد ُم على اللِّسا ِن ولا ُيرا ُد َحقيق ُة معناها \"فإ َّنما هو عن َد ِك دخيلٌ \"( َفإِ َّن َما ُه َو) أَ ْي ال َّز ْو ُج ( ِع ْن َد َك َد ِخيلٌ) أَ ْي ضي ٌف غري ٌب َنزيلٌ عن َد ِك ؛ َي ْع ِني ُ :ه َو َكال َّض ْي ِف َع َل ْي َك َوأَ ْن ِت لَ ْس ِت ِبأَ ْه ٍل لَ ُه َحقِي َقة َ ،وإِ َّن َما َن ْح ُن أَ ْهلُ ُه َ ،ف ُي َفا ِرقُ َك َو َي ْل َح ُق بِ َنا
وعبرت( بالدخيل) لأن مدة المقام بالدنيا وإن طالت فهي يسيرة بالنظر إلى الآخرة التي لا أَ َمد لها. \" ُيو ِش ُك أن يفا ِر َق ِك إلينا\" ،أي :قريبا يتر ُك ِك ويد ُخلُ الج َّن َة فيكو ُن معنا، َوا ِصلا إِ َل ْي َنا وفي الحدي ِث :ال َّترهي ُب ال َّشدي ُد ِم ْن إيذا ِء ال َّزوج ِة ل َز ْوجها. وفيهَ :دلال ٌة على أ َّن ال َم َلأ الأعلى َي َّطلِعو َن على أعما ِل أَ ْه ِل ال ُّدنيا. وفيهَ :غيرةُ ال ُحو ِر ال ِعي ِن على أ ْزوا ِج ِه َّن في ال ُّدنيا.
الحديث الثامن والثمانون بعد المائتين عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما عن ال َّنب ّي صلى الله عليه وسلم َقالَ: (( َما َت َر ْك ُت َب ْع ِدي فِ ْت َنة ِه َي أ َض ُّر َعلَى ال ِّر َجا ِل ِم َن ال ِّنساء)) ( ُم َّت َف ٌق َعلَي ِه) شرح الحديث ((ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء)) والمعنى أن النبي صلى الله عليه وسلم يخبر بأنه ما ترك فتنة أضر على الرجال من النساء ،وذلك أن الناس كما قال تعالىُ ( :ز ِّي َن لِل َّنا ِس ُح ُّب ال َّش َه َوا ِت ِم َن ال ِّن َسا ِء َوا ْل َب ِني َن َوا ْل َق َنا ِطي ِر ا ْل ُم َق ْن َط َر ِة ِم َن ال َّذ َه ِب َوا ْلفِ َّض ِة َوا ْل َخ ْي ِل ا ْل ُم َس َّو َم ِة َوا ْلأَ ْن َعا ِم َوا ْل َح ْر ِث) [آل عمران[14 : كل هذه مما زين للناس في دنياهم ،وصار سببا لفتنتهم فيها ،لكن أشدها فتنة النساء ،ولهذا بدأ الله بها فقالُ ( :ز ِّي َن لِل َّنا ِس ُح ُّب ال َّش َه َوا ِت ِم َن ال ِّن َسا ِء) [آل عمران ]14 :فجعله َّن من ح ِّب الشهوات ،وب َدأَ به َّن إشارة إلى أ َّنه َّن الأصل في ذلك وإخبار النبي صلى الله عليه وسلم بذلك يريد به الحذر من فتنة النساء، وأن يكون الناس منها على حذر؛ لأن الإنسان بشر إذا عرضت عليه الفتن ،فإنه يخشى عليه منها. ويستفاد منه سد كل طريق يوجب الفتنة بالمرأة ،فكل طريق يوجب الفتنة بالمرأة؛ فإن الواجب على المسلمين سده ،ولذلك وجب على المرأة أن تحتجب عن الرجال الأجانب ،ويجب عليها كذلك أن تبتعد عن الاختلاط بالرجال؛ لأن الاختلاط بالرجال فتنة وسبب للشر من الجانبين ،من جانب الرجال ومن جانب النساء.
ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم(( :خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها)) وما ذلك إلا من أجل بعد المرأة عن الرجال ،فكلما بعدت فهو خير وأفضل. وفي الحديث :دليل على أن الافتتان بالنساء أشد من سائر الشهوات، لعدم الاستغناء عنهن ،وقد يحمل حبهن على تعاطي ما لا يحل للرجل وترك ما ينفعه في أمور دينه ودنياه.
باب النفقة على العيال الحديث التاسع والثمانون بعد المائتين عن أَبي هريرة رضي الله عنه َقالََ :قالَ َر ُسول الله صلى الله عليه وسلم: (( ِدي َنا ٌر أ ْن َف ْق َت ُه في َسبي ِل اللهَِ ،و ِدينار أَ ْن َف ْق َت ُه فِي َر َق َب ٍةَ ،و ِدينا ٌر َت َص َّد ْق َت بِ ِه َع َلى ِم ْس ِكي ٍنَ ،و ِدي َنا ٌر أ ْن َف ْق َت ُه َعلَى أ ْهلِ َك ،أ ْع َظ ُم َها أ ْجرا ا َّل ِذي أَ ْن َف ْق َت ُه َعلَى أ ْهلِ َك)) رواه مسلم شرح الحديث \"دينا ٌر أنفق َته في سبيل الله\" هذه لك ،تصدقت به \"ودينار أنفقته في رقبة\" أي :تعتق رقبة ،أو تساعد هذا الإنسان الذي كاتب غيره من أجل أن يعتق ،تعطيه بعض الأقساط \"ودينار تصدقت به على مسكين\" ،هذا الثالث \"ودينار أنفقته على أهلك\" ،هذا الرابع ،قال :أعظمها أجرا الذي أنفقته على أهلك. وهذه نفقة واجبة أصلا ومع ذلك يؤجر الإنسان عليها ،ولهذا نحن بحاجة إلى الاحتساب ،احتساب الأجر عند الله هذا الحديث يدل على فضيلة الإنفاق على الأهل ،وأنه أفضل من الإنفاق في سبيل الله ،وأفضل من الإنفاق في الرقاب ،وأفضل من الإنفاق على المساكين؛ وذلك لأن الأهل ممن ألزمك الله بهم ،وأوجب عليك نفقتهم، فالإنفاق عليهم فرض عين ،والإنفاق على من سواهم فرض كفاية، وفرض العين أفضل من فرض الكفاية.
وقد يكون الإنفاق على من سواهم على وجه التطوع ،والفرض أفضل من التطوع؛ لقوله تعالى في الحديث القدسي(( :ما تقرب إل ّي عبدي بشيء أحب إل ّي مما افترضته عليه)). لكن الشيطان يرغب الإنسان في التطوع ويقلل رغبته في الواجب ،فتجده مثلا يحرص على الصدقة ويدع الواجب ،يتصدق على مسكين أو ما أشبه ذلك ويدع الواجب لأهله ،يتصدق على مسكين أو نحوه ويدع الواجب لنفسه؛ كقضاء الدين مثلا ،تجده مدينا يطالبه صاحب الدين بدينه وهو لا يوفي ،ويذهب يتصدق على المساكين ،وهذا خلاف الشرع وخلاف الحكمة ،فهو سفه في العقل وضلال في الشرع. والواجب على المسلم أن يبدأ بالواجب الذي هو محتم عليه ،ثم بعد ذلك ما أراد من التطوع بشرط ألا تكون مسرفا ولا مقطرا ،فتخرج عن سبيل الاعتدال؛ لقول الله تعالى في وصف عباد الرحمنَ ( :وا ّلَ ِذي َن إِ َذا أَ ْن َفقُوا َل ْم ُي ْس ِر ُفوا َو َل ْم َي ْق ُت ُروا َو َكا َن َب ْي َن َذلِ َك َق َواما) [الفرقان.[ 67 : وليس معنى هذا أن الإنسان لا ينفق على الفقراء ،لا ينفق في سبيل الله، لا ،إن كان هناك فضلة وزيادة فأنفق ،أع ِط الفقير ،وأع ِط ذوي الرحم، ونحو ذلك هذا الحديث يدل على أنه يجب على الإنسان أن ينفق على من عليه نفقته ،وأن إنفاقه على من عليه نفقته أفضل من الإنفاق على الغير
الحديث التسعون بعد المائتين عن أَبي عبد الله ،و ُيقالُ َل ُه :أَبو عبد الرحمن َثو َبان بن ُب ْج ُدد َم ْولَى رسول الله صلى الله عليه وسلم َقالََ :قالَ َر ُسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أ ْف َضلُ ِدي َنا ٍر ُي ْنف ُق ُه ال َّر ُجلُِ :دي َنا ٌر ُي ْنفِ ُق ُه َع َلى ِع َيالِ ِهَ ،ودي َنا ٌر ُي ْنفقُ ُه َع َلى َدا َّب ِت ِه في َسبي ِل اللهَ ،و ِدينا ٌر ُي ْنفقُ ُه َع َلى أ ْص َحاب ِه في َسبي ِل الل ِه)) رواه مسلم. شرح لحديث الإنفا ُق في َسبي ِل اللهِ ِمن أَفض ِل ُوجو ِه الب ِّر ،ولِهذا الإنفا ِق ُوجوهٌ َكثيرةٌ ُتق َّد ُر ب َق ْد ِرها و ُيفا َضلُ َبي َنها ب َح َس ِب الحا ِل وال ُّظرو ِف. وفي هذا ال َحدي ِث ُيب ِّي ُن ال َّنب ُّي ص َلّى اللهُ علي ِه وس َّلم صورا وأَبوابا من أَبوا ِب الإِنفا ِق َفقال: أَفضلُ دينا ٍر\" ،أي :أَفضلُ ِدينا ٍر َعلى ال ُعمو ِم أي :أَكث ُر ال َّدناني ِر ثوابا إذا أَنف َقه المر ُء \"دينا ٌر ُينف ُقه َعلى ِعيالِه\" ،أيُ :ينفقُه َعلى َمن َيعولُه و َتل َز ُمه ُمؤن ُته ِمن نح ِو َزوج ٍة َوول ٍد وخاد ٍمَ ،وهذا إذا َنوى ب ِه َوج َه اللهِ و\" ِدينا ٌر ُينفقُه َعلى دا َّبته\" ،أي :دا َّب ٍة َمربوط ٍة \"في َسبي ِل اللهِ\"َ ،يعنيُ :ين َف ُق َعلى ال َّدا َّب ِة ا َلّتي أَع َّدها لل َغز ِو عليها ،يعني: الجهاد ،ومن أهل العلم من قال :دينار ينفقه على دابته في سبيل الله يدخل فيه الجهاد وغيره مما يكون طاعة كالسفر للحج والعمرة وسائر الطاعات ،ولا شك أن الإنسان يؤجر على هذا.
و\" ِدينا ٌر ُينف ُقه َعلى أَصحا ِبه\" ،أي :حالَ َكو ِنهم ُمجاهدي َن \"في َسبي ِل اللهِ\"َ ،يعنيُ :ينفِ ُق َعلى ِرفق ِته ال َغزا ِة. وحمله بعض أهل العلم -أيضا -على ما هو أوسع من ذلك ،في سبيل الله، بعضهم قال :في كل سفر طاعة ،وبعضهم قال :في سبيل الله أي :أنه يبتغي بذلك وجه الله ،فهو يحتسب هذه النفقة ،فهذا احتمال فقد بدأَ بالعيا ِل ،يقول أَبو قِلاب َة أحد رواه الحديث: \"وأ ُّي رج ٍل أَعظ ُم أَجرا ِمن َرج ٍل ُينفِ ُق َعلى ِعيا ٍل ِصغا ٍر َيع ُّف ُهم اللهُ ب ِه و ُيغني ِهم\" أي أ َّن أَفضلَ ال َّنفق ِة وأَولاها ه َي ال َّنفق ُة َعلى ال ِعيا ِل والأولا ِد ال ِّصغا ِر الَّذي َن لا َيستطيعو َن ال َّتك ُّس َب ،ف َتكو ُن َهذه ال َّنفق ُة إعفافا َل ُهم عن ُسؤا ِل ال َّنا ِس وإِغناء َلهم ع ِن ال ِّذ ّلَ ِة وال َمهان ِة وفي الحدي ِث َ :تع ُّدد ُوجو ِه الإنفا ِق في الب ِّر وال َخي ِر وال َّصدق ِة. وفيه :أ َّن ال َّنفق َة َعلى العيا ِل ِمن أَفض ِل ال َّنفقا ِت. إِعدا ِد ِمثلَ ال َّنفقا ِت، الل ِه ِمن أَعظ ِم في َسبي ِل َعلى ال ِجها ِد ال َّنفق َة أ َّن وفيه: لل ِجها ِد بح ٍّق. وال ِّرجا ِل الأَدوا ِت
المقدمة باب إجراء أحكام الناس َعلَى الظاهر وسرائرهم إِ َلى الله َت َعا َلى الحديث الحادي والتسعون بعد الثلاثمائة عن أَبي عب ِد الله طا ِرق بن أ َش ْيم رضي الله عنه َقالََ :س ِم ْع ُت َر ُسول الله صلى الله عليه وسلم ،يقول: (( َم ْن قالَ لا إل َه إلا اللهَ ،و َك َف َر بما ُي ْع َب ُد ِم ْن ُدو ِن الل ِهَ ،ح ُر َم َمالُ ُه َو َد ُم ُه، َو ِح َسا ُب ُه َع َلى الله َت َعالَى)) رواه مسلم شرح الحديث ال ِعب َر ُة في أُمو ِر ال ُّدنيا بما ُيظ ِه ُره الإنسا ُن ِمن َقو ٍل أو فِ ْع ٍل ،أ َّما في الآخ َر ِة فبِما في ال َقل ِب ِمن إيما ٍن ولذل َك قالَ ال َّنب ُّي صلَّى اللهُ علَي ِه وس ّلَ َم: \" َمن قالَ :لا إل َه إ َّلا اللهُ\" أي :لا َمعبو َد بِ َح ٍّق إلا اللهُ وذلك مع قرينتها وهي :محمد رسول الله \"وك َف َر بما ُيع َب ُد ِمن ُدو ِن الل ِه\" أي :أ َّي معبود كان ،ف َيكو ُن بذل َك قد تب َّرأ ِمن كلِّ الأَديا ِن ِسوى الإسلام \" َح ُر َم مالُه ود ُمه\" ،أي :على ال ُمسلِمي َن \"و ِحسا ُبه على الل ِه\" ،في صدقه وكذبه على الله تعالى
أي :في َسرائ ِره؛ ف َلنا ال َّظا ِه ُر ،و ِحسا ُب باط ِنه على اللهِ َتعالى فإ َّن الل َه تعالى هو الم َّطلِ ُع و ْح َده على ما في القُلو ِب ِمن إيما ٍن و ُكف ٍر ونِفا ٍق ،ولم ُنؤ َم ْر بال َّن ْق ِب عن قُلو ِبهم ،وال َّت ْفتي ِش عن َضمائ ِرهم ،والا ِّطلا ِع على عقائ ِدهم؛ ف َمن تل َّف َظ بالإيما ِن وهو غي ُر ُمخلِ ٍص فيهُ ،عو ِمل بح َسب ظاه ِره وأُ ْجري عليه في ال ُّدنيا أحكا ُم ال ُمسلِمين ،وأ َّما في الآ ِخ َرة ف ِحسا ُبه على الل ِه ع َّز وجلَّ وهو ُيجا ِزيهم بما َي ْع َل ُمه ِمن قُلوبِهم. وفي الحدي ِث :أ َّن الإسلا َم وقولَ َكلِم ِة ال َّتوحي ِد َيع ِص ُم َد َم الإنسا ِن وما َله، وكذلك ِع ْرضه
الحديث الثاني والتسعون بعد الثلاثمائة عن أَبي معبد المقداد بن الأ ْسود رضي الله عنه َقالَ :قُ ْل ُت لرسول الله صلى الله عليه وسلم :أ َرأ ْي َت إ ْن لَقِي ُت َر ُجلا ِم َن ال ُك َّفا ِرَ ،فا ْقت َت ْل َناَ ،ف َض َر َب إ ْح َدى َي َد َّي ِبال َّس ْي ِفَ ،ف َق َط َعهاُ ،ث َّم لا َذ ِم ِّني بِ َش َج َر ٍةَ ،ف َقالَ :أ ْسلَ ْم ُت لِلهِ ،أأ ْق ُتلُ ُه َيا َر ُسول الله َب ْع َد أ ْن َقالَ َها؟ َف َقالَ(( :لا َت ْق ُتل ُه)) َف ُق ْل ُتَ :يا َر ُسول اللهَ ،ق َط َع إ ْح َدى َي َد َّيُ ،ث َّم َقالَ ذلِ َك َب ْع َد َما َق َط َع َها؟! َف َقالَ(( :لا َتق ُت ْل ُه ،فإ ْن َق َت ْل َت ُه َفإ َّن ُه بِ َم ْن ِز َل ِت َك َق ْبلَ أ ْن َت ْق ُت َل ُهَ ،وإ َّن َك بِ َم ْن ِزلَ ِت ِه َق ْبلَ أ ْن َي ُقولَ َكلِ َم َت ُه التي َقالَ)) ُم َّت َف ٌق َع َلي ِه. زاد البخاري في هذا الحديث أنه عليه الصلاة والسلام قال للمقداد(( :إِ َذا َكا َن َر ُجلٌ ُم ْؤ ِم ٌن ُي ْخفِي إِي َما َن ُه َم َع َق ْو ٍم ُك َّفا ٍرَ ،فأَ ْظ َه َر إِي َما َن ُه َف َق َت ْل َت ُه؟ َف َك َذلِ َك ُك ْن َت أَ ْن َت ُت ْخفِي إِي َما َن َك ِب َم َّك َة ِم ْن َق ْبلُ)) شرح الحديث يقول المقداد رضي الله عنه :قلت لرسول الله :أرأي َت إن لقي ُت رجلا من الكفار فاقتتلنا ،المقداد بن الأسود رضي الله عنه رجل شجاع ،وهو الفارس الوحيد -فيما قيل -لرسول الله في يوم بدر ،وشهد مع النبي جميع الغزوات يقول :أرأي َت إن لقي ُت رجلا من الكفار فاقتتلنا فضرب إحدى يدي بالسيف فقطعها ،ثم لاذ مني بشجرة فقال :أسلمت لله ،أأقتله يا رسول الله بعد أن قالها؟ أرأي َت إن لقي ُت هو يسأل عن مسألة لم تقع ،لكنها قريبة الوقوع ،يمكن أن تقع
أرأي َت إن لقي ُت رجلا من الكفار فاقتتلنا ،فضرب إحدى يدي بالسيف فقطعها ،ثم لاذ مني بشجرة فقال :أسلمت لله قال :أسلمت لله ،وقوله هذا يدخل به في الإسلام أأقتله يا رسول الله بعد أن قالها؟ فقال\" :لا تقتله\" ،فقلت :يا رسول الله قطع إحدى يدي ،ثم قال ذلك بعدما قطعها ،فقال \":لا تقتله ،فإن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله ،وإنك بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال\" ومعنى \"فإنه بمنزلتك\" أي :معصوم الدم محكوم بإسلامه ومعنى \"وإنك بمنزله\" أي مباح الدم بالقصاص لورثته لا أنه بمنزلته في الكفر والظاهر أنه لا يلزمه قصاص ،ولكن تلزمه دية ،لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقتل المقداد ولا أسامة ،وودي الذين قتلهم خالد بن الوليد .والله أعلم. وبعض أهل العلم فسره فقال :إن قوله \":فإنه بمنزلتك\" يعني :حينما كنت تخفي إسلامك ،فالرجل هذا قالها وما يدريك عما في قلبه ،قد يكون مسلما ،ولكنه قاتل مع الكفار؛ لأنه كان مكرها أو خاف منهم ،حملوه على هذا وهذا الحديث يدل على أنه ُيجرى الناس حسب الظاهر ،هذا الرجل قطع يده وفعل ،وكان يريد قتله ،ثم قال :أسلمت ،يحمل على الظاهر ،ما يقال: إنه قال :أسلمت فرارا من السيف ،خوفا من القتل ،فيقبل ذلك منه ويكف عنه ولا يجوز لأحد أن يقتله وفي الحدي ِث :دليل على أ ّن كل من صدر عنه ما يدل على الدخول في الإسلام من قول أو فعل حكم بإسلامه ،حتى يتب َّين منه ما يخالفه
الحديث الثالث والتسعون بعد الثلاثمائة عن أُ َسامة بن زي ٍد رضي الله عنهماَ ،قالَ :بعثنا َر ُسول الله صلى الله عليه وسلم إِلَى ا ْل ُح َر َق ِة ِم ْن ُج َه ْي َن َة َف َص َّب ْح َنا ال َق ْو َم َعلَى ِم َيا ِه ِه ْمَ ،ولَح ْق ُت أ َنا َو َر ُجلٌ ِم َن الأَ ْن َصا ِر َر ُجلا ِم ْن ُه ْمَ ،ف َل َّما َغ َش ْي َناهَُ ،قالَ :لا إل َه إلا اللهَ ،فك َّف َع ْن ُه الأَ ْن َصاري ،و َط َع ْن ُت ُه ب ُر ْم ِحي َح َّتى َق َت ْل ُت ُهَ ،ف َل َّما َق ِد ْم َنا ال َم ِدي َن َةَ ،بلَ َغ ذلِ َك ال َّنب َّي صلى الله عليه وسلم َف َقالَ لِيَ (( :يا أُ َسا َمة ،أ َق َت ْل َت ُه َب ْع َد َما َقالَ لا إل َه إلا اللهُ؟!)) قُ ْل ُتَ :يا َر ُسول الله ،إِ َّن َما َكا َن متع ِّوذاَ ،ف َقالَ(( :أ َق َت ْل َت ُه َب ْع َد َما َقالَ لا إل َه إلا اللهُ؟!)) فما َزالَ ُي َك ِّر ُر َها َعلَ َّي َح َّتى َتم ْن َّي ُت أ ِّني َل ْم أ ُك ْن أ ْس َل ْم ُت َق ْبلَ ذلِ َك ال َي ْو ِم ُم َّت َف ٌق َع َلي ِه وفي روايةَ :ف َقالَ َر ُسول الله صلى الله عليه وسلم(( :أقالَ :لا إل َه إلا اللهُ إِ َّن َما َقالَ َها َخ ْوفا ِمن ال ِّسلا ِحَ ،قالَ(( :أَ َفلا و َق َت ْل َت ُه؟))! قُ ْل ُتَ :يا أ ْم لا؟!)) ف َما َزالَ ُي َك ِّر ُر َها َح َّتى َت َم َّن ْي ُت أ ِّني َر ُسول الله، َش َق ْق َت َع ْن َق ْل ِب ِه َح َّتى َت ْع َل َم أَ َقا َل َها أ ْسلَ ْم ُت َي ْو َمئ ٍذ شرح الحديث هذا الحديث هو في واقعة حصلت لأصحاب النبي ﷺ حيث قتل أسامة بن زيد رضي الله عنه رجلا بعدما قال :لا إله إلا الله بعث النبي بعثا إلى ال ُح َر َقة من جهينة ،وال ُح َر َقة :هم بطن من جهينة القبيلة المعروفة من قضاعة ،بطن منها فصبحنا القوم على مياههم ،يعني :أتيناهم في وقت الصباح ،قال :ولحقت أنا ورجل من الأنصار رجلا منهم ،فلما غشيناه قال :لا إله إلا الله ،فكف
عنه الأنصاري ،وطعنته برمحي حتى قتلته ،فلما قدمنا المدينة بلغ ذلك النبي في بعض الروايات أنه طعنه بالرمح ،ثم بعد ذلك تتابعوا على ضربه حتى مات ،ويقول :فلما قدمنا المدينة بلغ ذلك النبي ،وسيأتي في الحديث الذي بعده أنه لما جاء البشير إلى النبي ،يعني بما حصل لهم من الفتح والمغنم ،أخبر النب َّي عن ذلك وفي بعض الروايات أن أسامة بن زيد هو الذي سأل النبي عما حصل له ،فذكر ذلك للنبي ،يقول :فقال لي\" :أقتلته بعدما قال :لا إله إلا الله؟\" ،فما زال يكررها علي حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم أي تمنى لو أن ذلك وقع منه قبل دخوله في الإسلام؛ لأن الإسلام يج ّب ما قبله ،بحيث لا تكون هذه المعصية والذنب العظيم قد وقع منه بعد إسلامه، وقتل النفس لا شك أنه أمر عظيم ولكن أسامة بن زيد رضي الله عنه كان متأولا ،يعني :أنه فعل ذلك لا قصدا لقتل أحد من المسلمين ،وإنما فعله لأنه اعتقد أن هذا الرجل إنما قالها خوفا من السيف ،وليس صادقا في دعوى الإيمان أو قول :لا إله إلا الله ،ولهذا لم يقتص منه النبي ،لم يأ ِت بأهل ذلك القتيل ويخيرهم بين القصاص أو الدية أو العفو وفي رواية فقال رسول الله \":أقال :لا إله إلا الله وقتلته؟\" ،قلت :يا رسول الله ،إنما قالها خوفا من السلاح ،هذا معنى \"متعوذا\"
(( ُم َت َع ِّوذا)) :أ ْي ُم ْع َت ِصما ِب َها ِم َن ال َق ْت ِل لا م ْع َتقِدا لَ َها قال \":أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا؟\" ،يعني :حتى تعلم أقالها خشية السلاح أم لا ،هذا التقدير ،وهذا هو الشاهد في هذا الباب، أن الإنسان يحمل الناس على الظاهر ،ولا يؤمر بأن يشق عن قلوبهم، حسابهم على الله -تبارك وتعالى- \"فما زال يكررها حتى تمنيت أني أسلمت يومئذ\" ،وهذا يفسر معنى الجملة السابقة في الرواية التي مضت ،يقول\" :حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم\" ،يعني :أنه أسلم بعد هذه الحادثة وفي الحدي ِث :دليل على جريان الأحكام على الأسباب الظاهرة دون الباطنة الخفية.
الحديث الرابع والتسعون بعد الثلاثمائة عن جندب بن عبد الله رضي الله عنه أ َّن َر ُسول الله صلى الله عليه وسلم َب َع َث َب ْعثا ِم َن ال ُم ْسلِمي َن إِلَى َقو ٍم ِم َن ال ُمش ِركي َنَ ،وأ َّن ُه ْم ال َت َق ْواَ ،ف َكا َن َر ُجلٌ ِم َن ال ُم ْشركي َن إِ َذا َشا َء أ ْن َي ْق ِص َد إِ َلى َر ُجل ِم َن ال ُم ْسلِمي َن َق َص َد َل ُه َف َق َتلَ ُه، َوأ َّن َر ُجلا ِم َن ال ُم ْسلِ ِمي َن َق َص َد َغ ْفلَ َت ُهَ .و ُك َّنا نت َح َّد ُث أ َّن ُه أُ َسا َم ُة ْب ُن َز ْي ٍدَ ،ف َل َّما َر َف َع َع َلي ِه ال َّسي َفَ ،قالَ :لا إل َه إلا اللهَُ ،ف َق َتل ُهَ ،ف َجا َء ال َبشي ُر إِلَى َر ُسول الله صلى الله عليه وسلم َف َسأ َل ُه َوأخ َب َر ُهَ ،ح َّتى أ ْخ َب َرهُ َخ َب َر ال َّر ُج ِل َك ْي َف َص َن َع، َف َد َعا ُه َف َسأ َل ُهَ ،ف َقالَ(( :لِ َم َق َت ْل َت ُه؟)) َف َقالََ :يا َر ُسول اللهِ ،أ ْو َج َع في ال ُمسلِ ِمي َنَ ،و َق َتلَ ُفلانا وفلانا ،وسمى لَ ُه َنفراَ ،وإ ِّني َح َم ْل ُت َعلَي ِهَ ،ف َل َّما َرأى ال َّسي َفَ ،قالَ :لا إل َه إلا اللهَُ .قالَ َر ُسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أ َق َت ْل َت ُه؟)) َقالََ :ن َع ْمَ .قالََ (( :ف َكي َف َت ْص َن ُع بلا إل َه إلا اللهُ ،إِ َذا َجاء ْت َي ْو َم القِ َيا َم ِة؟)) َقالََ :يا َر ُسول الله ،ا ْس َت ْغفِ ْر لِيَ .قالَ(( :و َكي َف َت ْص َن ُع ِبلا إل َه إلا الله إِ َذا َجاء ْت َي ْو َم القِ َيا َم ِة؟)) َف َج َعلَ لا َي ِزي ُد َعلَى أ ْن َي ُقولََ (( :كي َف َت ْص َن ُع ِبلا إل َه إلا الله إِ َذا َجاء ْت َي ْو َم القِ َيا َم ِة)) رواه مسلم. شرح الحديث البعث هو الجيش القليل ،لا يبلغ الألف ،بعث بعثا من المسلمين إلى قوم من المشركين ،وأنهم التقوا فكان رجل من المشركين إذا شاء أن يقصد إلى رجل من المسلمين قصد له فقتله ،يعني :رجل لشدة مهارته بالقتال إذا قصد أحدا فإنه يتمكن منه ،هذا الرجل مشرك بعض العلماء يقول :إن هذا الحديث هو نفس الحديث السابق ،الذي وقع مع هذه القبيلة وهم ال ُحرقة من جهينة
وبعضهم يقول :لا ،هذا وقع في بعض ساحل اليمن ،وكان قائد الجيش في هذا هو عبد الله بن غالب الليثي رضي الله عنه ،وقائد الجيش في قصة ال ُحرقة هو أسامة بن زيد رضي الله عنه وقد تكون هذه الواقعة واحدة إذا كان ذلك الذي َقتل كما سيأتي هو أسامة بن زيد؛ لأنه لا يمكن أن يكررها أسامة مرة أخرى بعد ماقاله له رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن رجلا من المسلمين قصد غفلته ،وكنا نتحدث أنه أسامة بن زيد ،إن كان فعلا هو أسامة بن زيد فهي واقعة واحدة ،فلما رفع عليه السيف، قال :لا إله إلا الله في الحديث السابق حديث أسامة بن زيد أنه طعنه ،ويمكن أن يكون طعنه ورفع عليه السيف ،يمكن أن يكون رفع عليه السيف ثم طعنه لما اتقاه فجاء البشير إلى رسول الله ،فسأله وأخبره ،حتى أخبره خبر الرجل كيف صنع ،فسأله فقال\" :فكيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة؟\" قال :يا رسول الله استغفر لي ،قال\" :وكيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة؟\" ،فجعل لا يزيد على أن يقول: \"كيف تصنع بلا إله إلا الله؟\" ،أي من يشفع لك ومن يحاج عنك ويجادل إذا جيء بكلمة التوحيد يوم القيامة وقيل كيف قتلت من قالها وقد حصل له ذمة الإسلام وحرمته مع أن أسامة بن زيد هو ِح ّب رسول الله ،لكنه لم يستغفر له وهذا يدل على أن الناس يحملون على الظاهر ،و ُتوكل سرائرهم إلى الله تعالى
الحديث الخامس والتسعون بعد الثلاثمائة عن عبد الله بن عتبة بن مسعود َقالََ :س ِم ْع ُت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقولُ :إ َّن َناسا َكا ُنوا ُي ْؤ َخ ُذو َن ِبال َو ْحيِ في َع ْه ِد َر ُسول الله صلى الله عليه وسلمَ ،وإ َّن ال َو ْح َي َق ِد ا ْن َق َط َع ،وإِ َّن َما َنأ ُخ ُذ ُك ُم الآن بما َظ َه َر لَ َنا ِم ْن أع َمالِ ُك ْمَ ،ف َم ْن أ ْظ َه َر لَ َنا َخ ْيرا أ َّم َّناهُ َو َق َّر ْب َناهَُ ،ولَ ْي َس لَ َنا ِم ْن َس ِري َرتِ ِه َش ْيء، اللهُ ُي َحا ِس ُب ُه فِي َس ِري َر ِت ِهَ ،و َم ْن أ ْظ َه َر لَ َنا ُسوءا لَ ْم َنأ َم ْن ُه َولَ ْم ُن َص ِّد ْق ُه َوإ ْن َقالَ :إ َّن َس ِري َر َت ُه َح َس َن ٌة رواه البخاري شرح الحديث أي أن النبي كان الله تعالى يظهره ويطلعه على ما شاء من وحيه، ففي غزوة تبوك جاء المنافقون يعتذرون إلى النبي بالمعاذير الكاذبة، ويقول بعضهم :ائذن لي ولا تفتني فالله تعالى ينزل القرآنَ { :و ِم ْن ُهم َّمن َي ُقولُ ا ْئ َذن لِّي َولاَ َت ْفتِ ِّني أَلاَ فِي ا ْلفِ ْت َن ِة َس َق ُطو ْا َوإِ َّن َج َه َّن َم َل ُم ِحي َط ٌة ِبا ْل َكافِ ِري َن} [التوبة]49: وغير ذلك من المواقف التي جلّى الله تعالى فيها لنبيه دخائل هؤلاء وب ّين مكنونات نفوسهم وأظهرها ،لكن الوحي قد انقطع بعد موت النبي ،فيقول عمر رضي الله عنه \" :وإنما نأخذكم الآن بما ظهر لنا من أعمالكم ،فمن أظهر لنا خيرا أ ّم ّناه وق ّربناه ،وليس لنا من سريرته شيء، الله يحاسبه في سريرته ،ومن أظهر لنا سوءا لم َنأ َمنه ولم نصدقه وإن قال :إن سريرته حسنة\"
يقول عمر رضي الله عنه نحن نأخذ الناس بما ظهر منهم ،ومن هذا المنطلق :ينبغي للمؤمن أن ينظر فيما يصدر منه من الأقوال والأفعال وسائر التصرفات ،فإن الناس إنما يحكمون بحسب الظاهر ،فمن أوقع نفسه في مواقع الريب ودخل مداخل الريب ،وظهر منه تصرفات تدل على خلل في أمانته أو ديانته أو نحو ذلك فإنه لا يلوم الناس بعد ذلك إذا أساءوا الظن به ،هو المتسبب في هذا فيحمل الناس على ظواهرهم ،والله يتولى سرائرهم ،وهذا المنهج ينبغي أن يكون هو المنهج في التعامل مع الآخرين ،وفي الحكم عليهم
المقدمة باب الخوف الحديث السادس والتسعون بعد الثلاثمائة عن أَبِي عب ِد الرحم ِن عب ِد اللهِ بن مسعـو ٍد رضي اللهُ عنه، قالَ :ح َّد َث َنا رسولُ الل ِه َص َّلى اللهُ َع َل ْي ِه َو َس َّل َم و ُه َو ال َّصا ِد ُق ال َم ْص ُدوق:- \" إ َّن أ َح َد ُك ْم ُي ْج َم ُع َخ ْلقُ ُه في َب ِط ِن أُ ِّمه أربعي َن يوما ُ ،ث َّم يكو ُن َع َل َقة ِمثلَ ذل َكُ ،ث َّم يكو ُن ُم ْض َغة مثلَ ذل َكُ ،ث َّم ُي ْر َسلُ ال َملَ ُكَ ،ف َي ْنفُ ُخ في ِه ال ُّرو َح ،و ُي ْؤ َم ُر ِبَغأَْي ْرُرَبه ِعإكَّنلمأَا َح ٍَتد ُ:ك ْمبِ ََلك َْيتعـب َم ِرلُ ْزبقِع ِهمِ ،ل َوأأَهَج ِلِل ِها،لجون َِةع َملِح ِهت،ى َوما َشقِيكيوأ ُنو َبسي َعني ُه ٌد؛وبَفيَ َونالهاِذ إليالاِذ َإرلَا َهٌع َف َي ْس ِب ُق علي ِه الكتا ُب ف َيعـ َملُ بعـم ِل أه ِل النا ِر َف َيد ُخلُ َها .وإ َّن أح َد ُكم ل َيعملُ بعم ِل أه ِل ال َّنا ِر ح َّتى ما َيكو ُن َبي َن ُه و َبي َن َها إلا ِذ َرا ٌع َفـ َيسبِ ُق علي ِه الكتا ُب ف َي ْع َملُ ِب َع َم ِل أه ِل ال َج َّن ِة َف َي ْد ُخلُ َها \" [رواه البخاري ومسلم] شرح الحديث ُيب ِّي ُن ال َّنب ُّي صلَّى الله عليه وسلَّم تطور َخ ْل َق الإنسا ِن في بطن أمه وأنه يمر بأربعة اطوار ▪ ف َيكو ُن في الطور الأ َّو ِل لِ ُم َّدة أر َبعين يوما ُن ْط َفة ▪ ث َّم ي َتح َّول في الطور الثاني لم َّدة أربعين يوما إلى َع َلقة ،أيُ :نقط ٍة دم ِو َّية جا ِمدة َت ْعلَق بال َّر ِحم
▪ ث َّم يتح َّولُ في الطور ال َّثالث لم َّدة أر َبعين يوما ُم ْض َغة ،أي :قطع َة لَ ْح ٍم َصغيرة ِب َق ْدر ما َي ْم َضغ الإنسا ُن في ال َف ِم ▪ ث َّم في الطور ال َّرابع ينفخ فيه الروح ،ويكو ُن قد أكملَ أربع َة أش ُهر ثم ُير ِسلُ اللهُ إليه ا ْل َم َلك المو َّكلَ بالأرحا ِم و ِكتاب ِة الأَ ْق َدا ِر؛ ف َيك ُتب أعما َله التي َيف َعلها ِطيلَ َة حياتِه خيرا أو ش ّرا ،و ِر ْز َقه وأ َجلَه و َيك ُتب خاتِ َمته و َمصي َره الذي َينتهي إليه إن كان ِمن أه ِل ال َّشقاو ِة أو ِمن أهل ال َّسعادة، ِمن أهل الج َّن ِة أو ال َّنار فاحوال الإنسان تكتب عليه وهو في بطن أمه رزقه وعمله وآجله وشقي أو سعيد ((فإ َّن ال َّرجلَ ل َيع َمل بع َم ِل أه ِل الج َّن ِة ح َّتى ما َيكو ُن بي َنه وبي َن الج َّن ِة إ َّلا ِذ َراع))؛ وهو َغاي ُة القُ ْرب ((ف َي ْسبِق عليه ِك َتا ُبه)) ،أي :ف َيكون قد ُكتِب عليه سابقا في َب ْط ِن أ ِّمه أ َّنه َشقِي ،ف ُيخ َتم له بال َّشقاوة ((ف َي ْع َمل بع َم ِل أه ِل ال َّنار ف َيد ُخلها)) كما س َبق به ال َق َد ُر وفي الحدي ِث :أن الإنسان يجب أن يكون على خوف ورهبة ،لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر {:إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها } وفيه :أنه لا ينبغي لإنسان أن يقطع الرجاء فإن الإنسان قد يعمل بالمعاصي دهرا طويلا ثم يمن الله عليه بالهداية فيهتدي في آخر عمره.
Search
Read the Text Version
- 1
- 2
- 3
- 4
- 5
- 6
- 7
- 8
- 9
- 10
- 11
- 12
- 13
- 14
- 15
- 16
- 17
- 18
- 19
- 20
- 21
- 22
- 23
- 24
- 25
- 26
- 27
- 28
- 29
- 30
- 31
- 32
- 33
- 34
- 35
- 36
- 37
- 38
- 39
- 40
- 41
- 42
- 43
- 44
- 45
- 46
- 47
- 48
- 49
- 50
- 51
- 52
- 53
- 54
- 55
- 56
- 57
- 58
- 59
- 60
- 61
- 62
- 63
- 64
- 65
- 66
- 67
- 68
- 69
- 70
- 71
- 72
- 73
- 74
- 75
- 76
- 77
- 78
- 79
- 80
- 81
- 82
- 83
- 84
- 85
- 86
- 87
- 88
- 89
- 90
- 91
- 92
- 93
- 94
- 95
- 96
- 97
- 98
- 99
- 100
- 101
- 102
- 103
- 104
- 105
- 106
- 107
- 108
- 109
- 110
- 111
- 112
- 113
- 114
- 115
- 116
- 117
- 118
- 119
- 120
- 121
- 122
- 123
- 124
- 125
- 126
- 127
- 128
- 129
- 130
- 131
- 132
- 133
- 134
- 135
- 136
- 137
- 138
- 139
- 140
- 141
- 142
- 143
- 144
- 145
- 146
- 147
- 148
- 149
- 150
- 151
- 152
- 153
- 154
- 155
- 156
- 157
- 158
- 159
- 160
- 161
- 162
- 163
- 164
- 165
- 166
- 167
- 168
- 169
- 170
- 171
- 172
- 173
- 174
- 175
- 176
- 177
- 178
- 179
- 180
- 181
- 182
- 183
- 184
- 185
- 186
- 187
- 188
- 189
- 190
- 191
- 192
- 193
- 194
- 195
- 196
- 197
- 198
- 199
- 200
- 201
- 202
- 203
- 204
- 205
- 206
- 207