Important Announcement
PubHTML5 Scheduled Server Maintenance on (GMT) Sunday, June 26th, 2:00 am - 8:00 am.
PubHTML5 site will be inoperative during the times indicated!

Home Explore شرح رياض الصالحين المائة الرابعة

شرح رياض الصالحين المائة الرابعة

Published by مكتبة(ورتل) الإلكترونيه, 2021-04-19 18:41:08

Description: شرح رياض الصالحين المائة الرابعة

Search

Read the Text Version

‫الحديث الثالث والسبعون بعد الثلاثمائة‬ ‫عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه َقالَ‪ :‬ا ْس َتأ َذ ْن ُت ال َّنب َّي صلى الله عليه‬ ‫وسلم في ال ُع ْم َر ِة‪َ ،‬فأ ِذ َن لِي‪َ ،‬وقالَ‪:‬‬ ‫((لا َت ْن َسنا َيا أُ َخ َّي ِم ْن ُد َعا ِئ َك))‬ ‫َف َقالَ‪َ :‬كلِ َمة َما َي ُس ُّر ِني أ َّن لِي بِ َها ال ُّد ْن َيا‬ ‫وفي رواية‪َ :‬وقالَ‪(( :‬أ ْش ِر ْك َنا َيا أُ َخ َّي في ُد َعا ِئ َك))‬ ‫حديث ضعيف (ضعفه الشيخ الألباني)‪ ،‬تحقيق رياض الصالحين‪،‬‬ ‫(المشكاة) رقم (‪ )2248‬و (ضعيف أبي داود) رقم (‪.)264‬‬ ‫شرح الحديث‬ ‫هذا الحديث أخرجه أبو داود والترمذي‪ ،‬والحديث لا يخلو من ضعف‪ ،‬لا‬ ‫يصح عن النبي صلى الله عليه وس َلّم‪ ،‬ومن َث ّم فإنه لا يستدل به على‬ ‫مشروعية طلب الدعاء من الغير‪ ،‬وهو ليس بحرام‪ ،‬ولكن الأكمل أن‬ ‫يدعو الإنسان لنفسه‪ ،‬ولا يفتقر إلى الآخرين في شيء من شئونه‪،‬‬ ‫ولاسيما أن ذلك لا يخلو من نوع تزكية ممن ُطلب منه الدعاء‪.‬‬

‫الحديث الرابع والسبعون بعد الثلاثمائة‬ ‫عن ابن عمر رضي الله عنهما‪َ ،‬قالَ‪:‬‬ ‫َكا َن ال َّنب ُّي صلى الله عليه وسلم يزور ُق َبا َء َرا ِكبا َو َما ِشيا‪َ ،‬ف ُي َص ّلِي فِي ِه‬ ‫َر ْك َع َت ْي ِن‪.‬‬ ‫ُم َّت َف ٌق َع َلي ِه‬ ‫وفي رواية‪َ :‬كا َن ال َّنب ُّي صلى الله عليه وسلم َيأتي َم ْس ِجد قُ َبا َء ُكلَّ َس ْب ٍت‬ ‫َراكبا‪َ ،‬و َما ِشيا َو َكا َن ا ْب ُن ُع َم َر َي ْف َعلُ ُه‪.‬‬ ‫شرح الحديث‬ ‫أي يزور المسجد‪ ،‬مسجد قباء‪ ،‬فكان صلى الله عليه وسلم يداوم ويواظب‬ ‫على زيارة مسجد قباء والذهاب إليه أسبوعيا كل يوم سبت في وقت‬ ‫الضحى‪.‬‬ ‫‪ \" ‬راكبا وماشيا\" أي‪ :‬كان يحرص على هذه الزيارة في جميع‬ ‫الأحوال‪ ،‬فإن تيسر له الركوب ذهب إليه راكبا‪ ،‬وإ ّلا فإنه يذهب إليه‬ ‫ماشيا‪ ،‬والمسافة التي بين مسجد قباء ومسجد النبي صلى الله عليه‬ ‫وس ّلَم هي مسافة فرسخ‪ ،‬وهو ثلاث أميال‪ ،‬فيصلي فيه ركعتين‪.‬‬ ‫‪ ‬وفي رواية‪\" :‬كان النبي صلى الله عليه وس َلّم يأتي مسجد قباء كل‬ ‫سبت راكبا وماشيا‪ ،‬وكان ابن عمر يفعله\"‪.‬‬ ‫يعني‪ :‬اقتداء بالنبي صلى الله عليه وس َّلم‪ ،‬فكان‪ :‬يأتي إلى قباء في‬ ‫كل سبت راكبا وماشيا‪ ،‬وهذا الشاهد في هذا الباب‪ :‬هو زيارة‬ ‫الأماكن الفاضلة‪.‬‬

‫والمقصود بالأماكن الفاضلة الأماكن التي دل الشرع على مشروعية‬ ‫زيارتها‪ ،‬وليس كل مكان يعتقد أنه فاضل يشرع أن يزار‪ ،‬أما شد‬ ‫الرحل يعني‪ :‬السفر من أجل الزيارة فإن ذلك لا يشرع إلا للمساجد‬ ‫الثلاثة‪ ،‬كما قال النبي صلى الله عليه وس ّلَم‪:‬‬ ‫\" لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد‪ :‬المسجد الحرام‪ ،‬ومسجد النبي‬ ‫صلى الله عليه وسلَّم‪ ،‬ومسجد بيت المقدس ‪-‬المسجد الأقصى\"‬ ‫هذا بالنسبة للسفر‪ ،‬وأما إذا كان الإنسان في البلد‪ ،‬أي كان في المدينة أو‬ ‫زار المدينة‪ ،‬أو زار المسجد النبوي فيشرع له أن يزور مسجد قباء‪.‬‬ ‫وفي الحدي ِث‪ :‬دلالة على فضل قباء وفضل المسجد الذي فيها‪ ،‬وفضل‬ ‫الصلاة فيه‪.‬‬ ‫وفيه‪ :‬استحباب زيارة مسجد قباء والصلاة فيه ركعتين يوم السبت عند‬ ‫الضحى اقتداء به صلى الله عليه وسلم‪.‬‬

‫المقدمة‬ ‫باب فضل الحب في الله‬ ‫الحديث الخامس والسبعون بعد الثلاثمائة‬ ‫عن أن ٍس رضي الله عنه عن ال َّنب ّي صلى الله عليه وسلم َقالَ‪:‬‬ ‫(( َثلا ٌث َم ْن ُك َّن فِي ِه َو َج َد بِ ِه َّن َحلا َو َة الإيما ِن‪ :‬أ ْن َي ُكو َن اللهُ َو َر ُسولُ ُه أ َح َّب‬ ‫إِلَ ْي ِه ِم َّما َس َوا ُه َما‪َ ،‬وأ ْن ُي ِح ّب ال َم ْر َء لا ُي ِح ُّب ُه إلا للهِ‪َ ،‬وأَ ْن َي ْك َر َه أ ْن َي ُعو َد في‬ ‫ال ُك ْف ِر َب ْع َد أ ْن أ ْن َق َذهُ الله ِم ْن ُه‪َ ،‬ك َما َي ْك َرهُ أ ْن ُي ْق َذ َف في ال َّنا ِر))‬ ‫ُم َّت َف ٌق َعلَي ِه‬ ‫شرح الحديث‬ ‫‪َ « ‬ثلا ٌث َم ْن ُك َّن فِي ِه َو َج َد َحلا َو َة الإِي َما ِن» ثلاث خصال من وجدت فيه‬ ‫او أجتمعن فيه وجد حلاوة الإيمان‪ ،‬قال النووي معنى حلاوة‬ ‫الإيمان‪ :‬هو استلذاذ الطاعات وتحمل المشاق في رضى الله عز وجل‬ ‫ورسوله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وإيثار ذلك على عرض الدنيا‪.‬‬ ‫‪« ‬أَ ْن َي ُكو َن ال َّلهُ َو َر ُسولُ ُه أَ َح َّب إِ َل ْي ِه ِم َّما ِس َوا ُه َم ِا» معناه أن من‬ ‫استكمل الإيمان علم أن حق الله ورسوله آكد عليه من حق أبيه وأمه‬ ‫وزوجه وجميع الناس‪ ،‬لأن الهدى من الضلال والخلاص من النار‬ ‫إنما كان بالله على لسان رسوله‪ ،‬ومن علامات محبته نصر دينه‬ ‫بالقول والفعل وال َّذب عن شريعته والتخلق بأخلاقه‪ ،‬وقال النووي‪:‬‬ ‫ومحبة العبد ربه سبحانه وتعالى بفعل طاعته وترك مخالفته وكذلك‬ ‫محبة الرسول صلى الله عليه وسلم‪.‬‬

‫‪َ \" ‬وأَ ْن ُي ِح َّب ا ْل َم ْر َء لا ُي ِح ُّب ُه إِلا لِ َّلهِ\" وهي أن تحب الإنسان لصلاحه‬ ‫ولتقاه ولعبادته واستقامته ولالتزامه بأمر الله تعالى؛ مع أنه ما نفعك‬ ‫في دنياك‪ ،‬ولا شفع لك‪ ،‬ولا أهدى إليك‪ ،‬ولا أعطاك‪ ،‬ولا تسبب في‬ ‫عمل لك‪ ،‬فتحبه لله لا لعرض الدنيا‪ ،‬فهذه المحبة الدينية هي التي‬ ‫يجد بها حلاوة الإيمان؛ وذلك لأنه إذا أحب من يحبهم الله تعالى فإنه‬ ‫يقتدي بهم‪.‬‬ ‫‪َ \" ‬وأَ ْن َي ْك َر َه أَ ْن َي ُعو َد فِي ا ْل ُك ْف ِر َك َما َي ْك َر ُه أَ ْن ُي ْق َذ َف فِي ال َّنا ِر\"‬ ‫هيكره الكفر‪ ،‬الله تعالى أنقذه من الكفر وهداه للإيمان‪ ،‬فآمن‪ ،‬ودخل في‬ ‫الإيمان‪ ،‬والتزم بالطاعة؛ فلأجل ذلك يكره الكفر بعد الإيمان‪ ،‬ويكره‬ ‫المعصية بعد الطاعة‪.‬‬ ‫كل شيء يكرهه الله فإنه يكرهه؛ ولو عذب؛ ولو أحرق؛ فإنه يصبر على‬ ‫الأذى‪ ،‬يكره الكفر كما يكره أن يقذف في النار‪ ،‬فهو يكره كل ما يغضب‬ ‫الله‪ ،‬وما نهاه الله عنه‪ ،‬فهذا هو علامة محبة الإيمان‪ ،‬وعلامة حلاوته‪.‬‬ ‫وفي الحدي ِث‪:‬‬ ‫‪‬وجوب تقديم محبة الله ورسوله على كل ما سواهما‪.‬‬ ‫‪‬أن للإيمان حلاوة يجدها من وجدت فيه الخصال الثلاث المذكورة في‬ ‫الحديث‪.‬‬ ‫‪‬أن من لوازم محبة الله‪ :‬الحب في الله والبغض في الله‪.‬‬ ‫‪‬أن تمكن محبة الله في قلب المؤمن يقتضي كراهة الكفر بالله وأهله‪.‬‬ ‫‪ ‬أن الوقوع في نار الدنيا أحب إلى العبد المؤمن حقا من العود في‬ ‫الكفر لأنه يؤدي إلى دخول نار الآخرة والخلود فيها‪.‬‬ ‫‪‬في الحديث دليل على تفاضل الناس في الإيمان‪ ،‬وأنه يزيد بالطاعة‬ ‫وينقص بالمعصية‪ ،‬وذلك أن من وجدت فيه الخصال الثلاث وجد‬ ‫حلاوة الإيمان بخلاف غيره‪.‬‬

‫المقدمة‬ ‫باب زيارة اهل الخير ومجالستهم‬ ‫الحديث السادس والسبعون بعد الثلاثمائة‬ ‫عن أَبي هريرة رضي الله عنه عن ال َّنب ّي صلى الله عليه وسلم َقالَ‪:‬‬ ‫(( َس ْب َع ٌة ُي ِظلُّ ُه ُم اللهُ في ِظ ِلّ ِه َي ْو َم لا ِظلَّ إلا ِظلُّ ُه‪ :‬إ َما ٌم َعا ِدلٌ‪َ ،‬و َشاب َن َشأ‬ ‫في ِع َبا َد ِة الله‪ -‬عز وجل‪َ ،‬و َر ُجلٌ َق ْل ُب ُه ُم َعلَّ ٌق بِال َم َسا ِج ِد‪َ ،‬و َر ُجلاَ ِن َت َحا ّبا في‬ ‫اللهِ ا ْج َت َم َعا َعلَي ِه و َت َف َّر َقا َع َلي ِه‪َ ،‬و َر ُجلٌ َد َع ْت ُه ا ْم َرأ ٌة َذا ُت َم ْن ِص ٍب َو َج َما ٍل‪،‬‬ ‫َف َقالَ‪ :‬إ ِّني أ َخا ُف الله‪َ ،‬و َر ُجلٌ َت َص َّد َق ِب َص َد َق ٍة‪َ ،‬فأ ْخ َفا َها َح َّتى لا َت ْع َل َم ِش َمالُ ُه‬ ‫َما ُت ْنفِ ُق َي ِمي ُن ُه‪َ ،‬و َر ُجلٌ َذ َك َر الله َخالِيا َف َفا َض ْت َع ْي َنا ُه))‬ ‫ُم َّت َف ٌق َعلَي ِه‪.‬‬ ‫شرح الحديث‬ ‫‪\" ‬سبعة يظلهم الله في ظله\" أي‪ :‬سبعة أصناف‪ ،‬وليس المقصود بذلك‬ ‫سبعة أشخاص‪ ،‬وإنما هذه أجناس أو أوصاف‪ ،‬كل من تحقق فيه هذا‬ ‫الوصف فهو داخل في هذا الوعد‪ ،‬يظلهم الله في ظل عرشه‪.‬‬ ‫‪ \" ‬يوم لا ظل إلا ظله\" ومعلوم في ذلك اليوم أن الشمس تدنو من‬ ‫رءوس العباد حتى يكون بينهم وبينها مقدار ميل‪ ،‬ويكون الناس في‬ ‫كرب شديد‪ ،‬وفي حر شديد‪ ،‬حتى إن العرق يصير منهم على قدر‬ ‫أعمالهم وأحوالهم ومراتبهم‪ ،‬ثم ذكر هؤلاء وقد ذكر بعض أهل العلم‬ ‫أن جماع ذلك ‪-‬يعني هذه الأوصاف المذكورة‪ -‬أنه‪:‬‬ ‫‪.1‬إما عائد إلى العلاقة مع الله تعالى‪.‬‬ ‫‪.2‬أو العلاقة مع المخلوقين‪.‬‬

‫وهذه الأمور جميعا عند التأمل تدل على‬ ‫تجذر الإيمان وقوته في قلب صاحبها‪.‬‬ ‫فالإمام‪ :‬هو الملِك المتصرف‪ ،‬فهو ليس يخاف من أحد‪ ،‬ولا يطلبه أحد‬ ‫بمحاسبة‪ ،‬فإذا وجد العدل مع القوة والتمكن فإن هذا يدل على عظم خوف‬ ‫الله في قلب هذا الإنسان‪.‬‬ ‫وشاب نشأ في عبادة الله‪ ،‬لأن قوة الداعي إلى المعصية والنزوات‬ ‫والغرائز عند الشباب متوقدة‪ ،‬فإذا وجد معه الخوف من الله‪ ،‬فإن هذا‬ ‫أيضا يدل على تمكن الإيمان في القلب‪.‬‬ ‫ورجل قلبه معلق بالمساجد؛ لأن البقاء في المسجد كثير من الناس يشعر‬ ‫أنه محبوس‪ ،‬فتعليق القلب بالمسجد الذي هو أحب البقاع إلى الله ‪-‬تبارك‬ ‫وتعالى‪ -‬هذا يدل على محبة الله‪ ،‬وعلى عدم الاشتغال بالدنيا‪ ،‬وتعلق القلب‬ ‫بها‪.‬‬ ‫‪ ‬قال‪\" :‬ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه\"؛‬ ‫لأن أكثر علائق الناس إنما هي بسبب المصالح‪ ،‬والمنافع التي‬ ‫يتبادلونها‪ ،‬وقلّ أن توجد العلاقة التي تكون خالصة لله تعالى ليس‬ ‫للإنسان فيها مصلحة‬ ‫‪\" ‬ورجل دعته امرأة ذات حسن وجمال فقال‪ :‬إني أخاف الله\"‬ ‫في بعض الروايات‪ \":‬دعته امرأة ذات منصب وجمال\"‬ ‫هذه المرأة دعته فهو لم يحتج إلى مراودتها‪ ،‬والسعي في تحصيل‬ ‫مطلوبه منها‪ ،‬ثم أيضا هذه المرأة ذات حسن‪ ،‬وذات منصب‪ ،‬وهذا‬ ‫أيضا يدعوه إلى مواقعتها‪ ،‬فهو لا يخاف من مشكلة تحصل له بسبب‬ ‫ذلك من جهة هذه المرأة أو من جهة أهلها‪.‬‬

‫فقال‪ :‬إني أخاف لله‪ ،‬فلم يمنعه من فعل هذا مع أن النفس تميل إليه إلا‬ ‫الخوف من الله ‪-‬تبارك وتعالى‪.‬‬ ‫‪\" ‬ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق‬ ‫يمينه\"‬ ‫المال شيء محبب إلى النفوس‪ ،‬ولا تبذله النفوس وتجود به إلا‬ ‫بمجاهدة وصبر‪ ،‬وأن تستحضر العوض في مقابل هذا البذل‪ ،‬والكثيرين‬ ‫قد يبذلون الأموال من أجل تحصيل السمعة والمنزلة والمحمدة في‬ ‫قلوب الخلق‪ ،‬فهذا الإنسان الذي تصدق بهذا المال ‪-‬وهو شيء يصعب‬ ‫عليه أن يبذله‪ -‬فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه أي‪ :‬من شدة‬ ‫الإخفاء‪ ،‬لم يفعل هذا أمام الناس من أجل أن يحمدوه على هذا الفعل‪،‬‬ ‫وهذا يدل على كمال إخلاصه‪.‬‬ ‫‪\" ‬ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه\"‬ ‫الإنسان قد يذكر الله تعالى بمحضر من الناس فيبكي‪ ،‬ولربما بعض‬ ‫الناس يتكلف البكاء بحضرتهم‪ ،‬أما هذا الإنسان ليس عنده أحد يرائيه‬ ‫ولا يتصنع له ذكر الله خاليا ففاضت عيناه‪ ،‬فيدل على أن هذا الإنسان‬ ‫قد تجذر الإيمان في قلبه‪ ،‬والخوف من الله تعالى‪.‬‬ ‫وفي الحدي ِث‪ :‬الح ُث على هذه الخصال والتخلُّق بها‪.‬‬

‫الحديث السابع والسبعون بعد الثلاثمائة‬ ‫عن أبي هريرة رضي الله عنه َقالَ‪َ :‬قالَ َر ُسول الله صلى الله عليه‬ ‫وسلم‪(( :‬إ ّن الله َت َعالَى يقول َي ْو َم القِ َيا َم ِة‪ :‬أ ْي َن ال ُم َت َحا ُّبو َن بِ َجلالِي؟ ال َي ْو َم‬ ‫أُ ِظلُّ ُه ْم فِي ِظلِّي َي ْو َم لا ِظلَّ إلا ِظ ّلِي))‬ ‫رواه مسلم‪.‬‬ ‫شرح الحديث‬ ‫قول النبي صلى الله عليه وسلَّم‪ :‬إن الله تعالى يقول هذا ما يعرف عند‬ ‫أهل العلم بالحديث القدسي‪ ،‬ومعنى الحديث القدسي‪ :‬أي الحديث‬ ‫المنسوب إلى الله ‪-‬تبارك وتعالى‪ ،‬فالحديث القدسي كلام الله‪ ،‬وليس‬ ‫بقرآن‪.‬‬ ‫وفي هذا الحدي ِث ُي َب ِّي ُن ال َّنبِ ُّي صلَّى اللهُ عليه وس َلّم أ َّن اللهَ ع َّز وجلَّ يقولُ‬ ‫يو َم القيام ِة‪ ،‬أي‪ :‬على رؤو ِس الأشها ِد؛ َتكريما لِبع ِض ال ِعبا ِد‬ ‫‪ \" ‬أي َن المتحا ُّبو َن ِبجلالي؟\" أي‪ :‬في جلالي‪ ،‬يعني‪ :‬المتحابون في‬ ‫الله‪ ،‬والله ‪-‬تبارك وتعالى‪ -‬أعلم بالمتحابين بجلاله‪ ،‬لكن هذا‬ ‫الاستفهام وهذا السؤال تنويها بذكرهم وتشريفا لهم‪ ،‬ورفعا‬ ‫لمقامهم ودرجاتهم في ذلك اليوم العظيم الذي تشهده الخلائق‪.‬‬ ‫‪\" ‬اليو َم أُ ِظلُّهم في ِظ ِّلي يو َم لا ِظلَّ إلا ِظ ِّلي\" والمرا ُد منه ِظلُّ‬ ‫الع ْر ِش‪ ،‬يوم تدنو الشمس على قدر ميل من رءوس الخلائق‪ ،‬فهم‬ ‫أحوج ما يكونون إلى الأمن‪ ،‬وهم أحوج ما يكونون إلى الظل‪،‬‬ ‫فهؤلاء الذين صارت محبتهم في الدنيا لله‪ ،‬وفي الله صار لهم ذلك‬

‫الجزاء العظيم في الدار الآخرة وهم أحوج ما يكونون إلى هذه‬ ‫الألطاف‪.‬‬ ‫وفي الحدي ِث‪ :‬سؤالُ اللهِ تعالى َع ِن ا ْل ُمتحا ِّبي َن مع ِعل ِمه بِمكانِه؛ لِ ُينا ِد َي‬ ‫بِف ْضلِهم في ذلك الموقِ ِف‪.‬‬ ‫وفيه‪َ :‬ح ُّث اللهِ على ال َّتحا ِّب في َجلالِه‪.‬‬ ‫وفيه‪َ :‬ف ْضلُ المح َّب ِة في اللهِ ع َّز وجلَّ‪.‬‬

‫الحديث الثامن والسبعون بعد الثلاثمائة‬ ‫عن أبي هريرة رضي الله عنه َقالَ‪َ :‬قالَ َر ُسول الله صلى الله عليه وسلم‪:‬‬ ‫((وا َلّ ِذي َن ْف ِسي ِب َي ِد ِه‪ ،‬لاَ َت ْد ُخلُوا ال َج َّن َة َح َّتى ُت ْؤ ِم ُنوا‪َ ،‬ولا ُت ْؤ ِم ُنوا َح َّتى‬ ‫َت َحا ُّبوا‪ ،‬أ َولا أ ُدلُّ ُك ْم َع َلى َش ْي ٍء إِ َذا َف َع ْل ُت ُمو ُه َت َحا َب ْب ُت ْم؟ أ ْف ُشوا ال َّسلا َم بينكم))‬ ‫رواه مسلم‪.‬‬ ‫شرح الحديث‬ ‫ال َّسلا ُم أ َّولُ أ ْسبا ِب التآلُ ِف و ِمفتا ُح استِ ْجلا ِب المو َّد ِة‪ ،‬وفي إ ْفشا ِئ ِه أٌلف ٌة‬ ‫لِل ُمسلِمي َن بع ُض ُهم لِب ْع ٍض وإظها ُر ِشعا ِرهم الم َم َّي ِز لهم ِمن َغي ِرهم‪ ،‬وفي‬ ‫هذا الحدي ِث ُيخبِ ُر رسولُ الل ِه صلَّى اللهُ علي ِه وس َّلم‪ ،‬أ َّنه َلن يد ُخلَ الج َّن َة‬ ‫إ َّلا المؤ ِمنو َن‪ ،‬ف َيقولُ‪:‬‬ ‫‪\" ‬لا ت ْدخلوا الج َّن َة حتى ُتؤ ِمنوا\"‬ ‫‪\" ‬ولا ُتؤ ِمنوا حتى تحا ُّبوا\" أ ْي‪ :‬لا يك َت ِملُ إيما ُنكم ح َّتى ُيح َّب بع ُض ُكم‬ ‫َبعضا‪.‬‬ ‫ولا تؤمنوا حتى تحابوا أي‪ :‬المحبة التي تكون في الله ولله‪ ،‬وإذا قال النبي‬ ‫صلى الله عليه وس ّلَم‪:‬‬ ‫\"لا تؤمنوا حتى تحابوا\" دل ذلك على أن الإيمان لابد فيه من المحبة بين‬ ‫المؤمنين‪ ،‬ودل ذلك على أن هذه المحبة واجبة‪ ،‬وأنها من كمال الإيمان‬ ‫الواجب‪.‬‬ ‫ث َّم َيقولُ َرسولُ الل ِه ص َّلى اللهُ علي ِه وسلَّم‪\" :‬أ َو َلا أ ُدلُّك ْم َعلى َشي ٍء\"‬ ‫َسه ٍل َيسي ٍر‬

‫‪ \" ‬إذا َف َع ْل ُتموهُ َتحا َب ْبتم؟\"‬ ‫‪\" ‬أ ْف ُشوا ال َّسلا َم َبين ُك ْم \" ومعنى أفشوا السلام‪ ،‬أذيعوه‪ ،‬أن يكثر ذلك‬ ‫في الناس‪ ،‬فاللهُ ع َّز و َجلَّ جعلَ إ ْفشا َء ال َّسلا ِم سببا لِل َمح َّب ِة‪،‬‬ ‫والم َح َّب َة سببا لِ َكما ِل الإيما ِن؛ لأ َّن إ ْفشا َء ال َّسلا ِم س َب ٌب لل َّتحا ِّب‬ ‫والت َوا ِّد‪ ،‬وه َو سب ُب الأ ْلف ِة بي َن المسلِمي َن المس ِّب ُب لِكما ِل ال ِّدي ِن‬ ‫وإ ْعلا ِء َكلم ِة الإسلا ِم‪ ،‬وفي ال َّتها ُج ِر والتقا ُط ِع وال َّش ْحنا ِء التف ِرق ُة‬ ‫بي َن المسلِمي َن‪.‬‬ ‫وفي الحدي ِث‪ :‬الأم ُر بإ ْفشا ِء ال َّسلا ِم لِ َما في ِه من َن ْش ِر المح َّب ِة والأما ِن بي َن‬ ‫النا ِس‪.‬‬ ‫وفيه‪ :‬إ ْرشا ُد ال َّنب ِّي لأ َّمتِه إلى أسبا ِب ال َفو ِز وال َّنجا ِة و ُدخو ِل الج َّن ِة‪.‬‬ ‫وفيه‪ :‬الحث على إفشاء السلام‪ ،‬وبذله لكل مسلم عرفته أو لم تعرفه‪،‬‬ ‫وفي إفشائه أُلفة المسلمين بعضهم لبعض‪ ،‬وإظهار شعارهم مع ما فيه‬ ‫من التواضع‪.‬‬

‫الحديث التاسع والسبعون بعد الثلاثمائة‬ ‫عن أبي هريرة رضي الله عنه عن ال َّنب ّي صلى الله عليه وسلم‪:‬‬ ‫\"أ َّن َر ُجلا زا َر أخا له في َق ْر َي ٍة أُ ْخ َرى‪ ،‬فأ ْر َص َد ال َّلهُ له‪ ،‬ع َلى َم ْد َر َجتِ ِه‪،‬‬ ‫َم َلكا َف َل َّما أ َتى عليه‪ ،‬قالَ‪ :‬أ ْي َن ُت ِري ُد؟ قالَ‪ :‬أُ ِري ُد أخا لي في ه ِذه ال َق ْر َي ِة‪،‬‬ ‫قالَ‪ :‬هلْ ل َك عليه ِمن نِ ْع َم ٍة َت ُر ُّبها؟ قالَ‪ :‬لا‪ ،‬غي َر أ ِّني أ ْح َب ْب ُت ُه في اللهِ ع َّز‬ ‫وجلَّ‪ ،‬قالَ‪ :‬فإ ِّني َرسولُ الل ِه إلَ ْي َك‪ ،‬بأ َّن ال َّلهَ ق ْد أ َح َّب َك كما أ ْح َب ْب َت ُه فِي ِه\"‬ ‫(صحيح مسلم)‬ ‫شرح الحديث‬ ‫في هذا الحدي ِث ُيخبر النب ُّي ص ّلَى الله عليه وس ّلَم‪:‬‬ ‫‪ \" ‬أ َّن رجلا زا َر أخا له\" أي‪ :‬أرا َد ِزيار َة أخي ِه المسل ِم في اللهِ‬ ‫‪ \" ‬في َقري ٍة أُخرى\" أي‪ :‬غي ِر مكا ِن ال َّزائ ِر‬ ‫‪َ \" ‬فأرص َد اللهُ له على َمدر َجتِه\" أي‪ :‬أع َّد وه َّيأَ أو أَق َع َد في طريقِ ِه‬ ‫ملِكا‪ ،‬فل َّما أتى ال َّرجلُ على الملَ ِك؛ سألَه الم َل ُك‪:‬‬ ‫‪ \" ‬أي َن ُتري ُد؟\" َفأجا َبه‪ :‬أُري ُد أخا\"‬ ‫أي‪ِ :‬زيار َة أ ٍخ لي في هذه ال َق ْري ِة؛ َفسألَ ُه الملَ ُك‪:‬‬ ‫‪ \" ‬هلْ ل َك عليه‪ \"،‬أي‪ :‬على ا ْل َمزو ِر‪ِ \" ،‬من ِنعم ٍة َتر ُّبها؟\"‬ ‫أي‪ :‬تقو ُم ِبإصلا ِحها وإتم ِامها‪ ،‬أي هو ولدك أو من قرابتك ممن هو في‬ ‫نفقتك لتحسن إليه‪.‬‬

‫‪َ ‬فأجا َبه ال َّرجلُ‪\" :‬لا‪ ،‬غي َر أ ِّني أَحب ْب ُته في اللهِ\"‬ ‫أي‪ :‬ليس لي داعي ٌة إلى زيار ِته إ َّلا َمح َّبتِي إ َّياه في َط َل ِب َمرضا ِة‬ ‫الل ِه‪.‬‬ ‫‪ ‬قالَ الملَ ُك لِل َّرج ِل‪َ \":‬فإ ِّني رسولُ اللهِ إلي َك بأ َّن اللهَ ق ْد أح َّب َك كما‬ ‫أحب ْب َته فيه‪ \"،‬أي‪ :‬إ َّن الل َه أح َّب َك لِمح َّب ِت َك صاح َب َك في الل ِه‪.‬‬ ‫هذا الرجل ذهب إلى أخ له في قرية أخرى يزوره‪ ،‬فأرصد الله على‬ ‫َم ْدرجته ‪ -‬أي على طريقه‪ -‬ملكا‪ ،‬لربما تمثل له بصورة رجل‪ ،‬فسأله‬ ‫عن قصده وحاجته‪ ،‬فذكر أنه يريد هذا الأخ‪ ،‬فسأله عن علاقته به‬ ‫وهل له حاجة ير ُّبها عنده‪ ،‬فذكر أنه يحبه في الله‪ ،‬فقال‪ :‬إن الله قد‬ ‫أحبك كما أحببته فيه‪.‬‬ ‫فهذا الحديث نص صريح في فضل الحب في الله‪ ،‬وأن الحب في الله ‪-‬‬ ‫تبارك وتعالى‪ -‬سبب من أسباب تحصيل محبة الله للعبد‪ ،‬فمن أراد أن‬ ‫يحبه الله فعليه أن يحقق هذا الوصف‪ ،‬أن يحب المرء لا يحبه إلا لله‪.‬‬

‫الحديث الثمانون بعد الثلاثمائة‬ ‫عن الب َرا ِء بن عازب رضي الله عنهما‪ ،‬عن ال َّنب ّي صلى الله عليه وسلم‬ ‫أ َّن ُه َقالَ في الأنصار‪:‬‬ ‫((لا ُي ِح ُّب ُه ْم إلا ُمؤ ِم ٌن‪َ ،‬ولا ُي ْب ِغ ُض ُه ْم إلا ُم َنافِ ٌق‪َ ،‬م ْن أ َح َّب ُه ْم أَ َح َّب ُه الله‪َ ،‬و َم ْن‬ ‫أ ْب َغ َض ُه ْم أ ْب َغ َض ُه الله))‬ ‫ُم َّت َف ٌق َعلَي ِه‪.‬‬ ‫شرح الحديث‬ ‫يسمى الأوس والخزرج الأنصار لنصرهم الإسلام‪ ،‬وإيواء أهله‪ ،‬فهذا‬ ‫فيه منقبة عظيمة للأنصار رضي الله عنهم‪ ،‬وهؤلاء الأنصار أحبهم‬ ‫الله؛ لأنهم الذين ناصروا نبيه صلى الله عليه وس َّلم‪ ،‬كما قال صلى الله‬ ‫عليه وس َّلم بعد فتح مكة‪ ،‬لما عتب عليه بعضهم ‪-‬أعني بعض الأنصار‪-‬‬ ‫قال‪\" :‬ألم أجدكم ُضلالا فهداكم الله بي؟ وعالة فأغناكم الله بي؟\"‪ ،‬إلى‬ ‫آخر ما قال‪.‬‬ ‫ثم قال صلى الله عليه وس َّلم مخاطبا لهم‪:‬‬ ‫\" ألا تجيبوني يا معشر الأنصار؟\"‬ ‫فقالوا‪ :‬لله ولرسوله صلى الله عليه وس َّلم المن والفضل‪ ،‬فقال‪\" :‬أما‬ ‫إنكم لو شئتم لقلتم ول َص َدقتم ول ُص ِّدقتم‪ :‬ألم تأتنا شريدا أو طريدا‬ ‫فآويناك؟‪ ،‬ومك َّذبا فصدقناك؟\" إلى آخر ما ذكر النبي صلى الله عليه‬ ‫وس َلّم‪ ،‬وهم يقولون‪ :‬لله ورسوله صلى الله عليه وسلَّم المن والفضل‪.‬‬ ‫فهؤلاء الذين تصدوا لعداوة العالم في سبيل أنهم آووا رسول الله صلى‬ ‫الله عليه وس َّلم ومن معه حصل لهم هذه المنزلة العظيمة‪ ،‬فصار لا‬

‫يحبهم إلا مؤمن ولا يبغضهم إلا منافق؛ لأن المنافق يكره الدين‪ ،‬ويكره‬ ‫نصرة الدين‪ ،‬ويكره أنصاره من الناس‪ ،‬والمؤمن يحب الله تعالى‪،‬‬ ‫ويحب من أحبه الله‪ ،‬فصار حب الأنصار من الإيمان‪ ،‬فالإيمان كما أنه‬ ‫تصديق وإقرار وانقياد في القلب كذلك هو أيضا قول باللسان‪ ،‬كذلك هو‬ ‫أيضا عمل بالجوارح‪ ،‬وهكذا أيضا حب الأنصار من الإيمان‪ ،‬والحب في‬ ‫الله والبغض في الله كل ذلك من الإيمان‪.‬‬ ‫وهذا من \"لا إله إلا الله\"؛ لأن معنى كلمة \"لا إله\" هذا نفي‪ ،‬فهو نفي‬ ‫لكل ما يبغضه الله من الأعمال والأقوال والذوات‪ ،‬فهو نفي للإشراك‬ ‫ونفي لكل ذنب ومعصية ومكروه وبدعة وضلالة‪ ،‬وهو نفي أيضا‬ ‫للذوات‪ ،‬أولئك الذين يعبدون غيره ويعصونه‪ ،‬ويحا ّدونه‪ ،‬ولا يقفون‬ ‫عند حدوده‪\" ،‬لا إله إلا الله\"‪ ،‬و\"إلا الله\" إثبات‪ ،‬وذلك يقتضي محبة‬ ‫الله‪ ،‬والإيمان به‪ ،‬ومحبة رسوله صلى الله عليه وس ّلَم‪ ،‬ومحبة أهل‬ ‫الإيمان‪ ،‬كل هذا داخل في معنى \"لا إله إلا الله\"‪ ،‬ولذلك كان الولاء‬ ‫والبراء من‬ ‫\"لا إله إلا الله\"‬ ‫فهو داخل فيها‪ ،‬ومن حققه فإن تحقيقه من تحقيق هذه الكلمة العظيمة‬ ‫التي هي مفتاح الجنة‪.‬‬

‫المقدمة‬ ‫باب حق الزوج على المرأة‬ ‫الحديث الحادي والثمانون بعد المائتين‬ ‫عن أَبي هريرة رضي الله عنه َقالَ‪َ :‬قالَ َر ُسول الله صلى الله عليه وسلم‪:‬‬ ‫((إِ َذا َد َعا ال َّر ُجلُ ام َرأ َت ُه إِلَى ف َرا ِش ِه َفلَ ْم َتأ ِت ِه‪َ ،‬ف َبا َت َغ ْض َبا َن َعلَ ْي َها‪ ،‬لَ َع َن ْت َها‬ ‫ال َملائِ َك ُة َح َّتى ُت ْصب َح((‬ ‫( ُم َّت َف ٌق َع َلي ِه)‬ ‫وفي رواية لهما‪(( :‬إِ َذا َبا َتت ال َمرأةُ َها ِج َرة فِ َرا َش َز ْو ِج َها َل َع َن ْت َها ال َملاَئِ َك ُة‬ ‫َح َّتى ُت ْصب َح((‬ ‫وفي رواية َقالَ َر ُسول الله صلى الله عليه وسلم‪(( :‬وا َلّ ِذي َن ْف ِسي ب َي ِد ِه َما‬ ‫ِم ْن َر ُج ٍل َي ْد ُعو ا ْم َرأ َت ُه إِ َلى فِ َراش ِه َف َتأ َبى َع َلي ِه إلا َكا َن ا َّل ِذي في ال َّس َماء‬ ‫َساخطا َعلَ ْي َها َح َّتى َي ْر َضى َعنها((‬ ‫شرح الحديث‬ ‫فقول النبي ‪( :‬إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه) يعني‪ :‬المقصود إلى‬ ‫الجماع والمعاشرة‪ ،‬ولكن الشارع يك ِّني‪ ،‬ف ُيك َّنى بالفراش عن الجماع‬ ‫قال‪( :‬فبات غضبان عليها) ‪ ،‬هذا القيد معتبر‪ ،‬وهو مراد؛ لأنه إن لم‬ ‫يغضب عليها بمعنى أنه عذرها‪ ،‬أو سمحت نفسه وأعرضت عن ذلك فلم‬ ‫يغضب عليها فلا إشكال‪ ،‬بمعنى إذا رضي‪ ،‬إذا اعتذرت إليه فقبل عذرها‪.‬‬ ‫وقوله‪ (:‬لعنتها الملائكة حتى تصبح (إذا دعاها فلم تأ ِت فبات‪ ،‬بهذين‬ ‫القيدين‪ ،‬بات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح‬

‫واللعن هو الطرد والإبعاد من رحمة الله‪ ،‬ولعن الملائكة يعني أنها تدعو‬ ‫على هذه المرأة باللعنة‪ ،‬أي الطرد والإبعاد عن رحمة الله‬ ‫)لعنتها الملائكة حتى تصبح) ‪ :‬يعني‪ :‬ما لم تأته‪.‬‬ ‫قال‪ :‬وفي رواية لهما ‪-‬يعني للبخاري ومسلم‪ (:‬إذا باتت المرأة هاجرة‬ ‫فراش زوجها لعنتها الملائكة…(‬ ‫لاحظوا في اللفظ الأول قال‪ :‬فبات غضبان وهنا قال‪ :‬إذا باتت المرأة‬ ‫والمبيت إنما يكون بالليل‪ ،‬فهل هذا مفهومه معتبر؟‪ ،‬بمعنى أنه لو دعاها‬ ‫بالنهار فلم تأته هل يتحقق هذا وهو أن تعلنها الملائكة؟‬ ‫الجواب‪ :‬نعم‪ ،‬وإنما ذكر المبيت الذي يكون بالليل لأنه مظنة الجماع‬ ‫وطلب الرجل امرأته‪ ،‬بخلاف النهار‪ ،‬فإن ذلك لا يحصل في غالب أحوال‬ ‫الناس‪ ،‬فهذا يستوي فيه الليل والنهار‪.‬‬ ‫قال‪( :‬إذا باتت المرأة هاجرة فراش زوجها لعنتها الملائكة حتى تصبح(‬ ‫ما قال‪ :‬فبات غضبان عليها‪ ،‬هاجرة فراش زوجها بمعنى أنها لم تجبه‪،‬‬ ‫ولم تمكنه من نفسها‪ ،‬وهجران فراش الزوج معناه أن هذا خارج عن‬ ‫إرادته ورغبته ورضاه لعنتها الملائكة حتى تصبح‪.‬‬ ‫وفي رواية قال رسول الله ‪( :‬والذي نفسي بيده ما من رجل يدعو‬ ‫امرأته إلى فراشها فتأبى عليه‪ ،‬إلا كان الذي في السماء ساخطا عليها‬ ‫حتى يرضى عنها(‬ ‫هنا ما ذكر المبيت مما يدل على المعنى الذي ذكرته وهو أنه يستوي في‬ ‫هذا الليل والنهار‪ ،‬ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشها فتأبى عليه‪ ،‬إلا‬ ‫كان الذي في السماء ساخطا عليها‬

‫والذي في السماء هو الله ‪-‬تبارك وتعالى‪ ،‬كما قال الله تعالى ‪ {:‬أَأَ ِمن ُتم َّمن‬ ‫فِي ال َّس َماء أَن َي ْخ ِس َف ِب ُك ُم الأَ ْر َض َفإِ َذا ِه َي َت ُمو ُر} [الملك‪[16:‬‬ ‫أي إنها اذا رفضت طلب زوجها فإن الله تعالى يغضب عليها حتى يرضى‬ ‫عنها الزوج‪ ،‬وهذا أشد من الأول‪ ،‬لأن الله سبحانه وتعالى إذا سخط؛ فإن‬ ‫سخطه أعظم من لعنة الإنسان‬ ‫وأيضا قال في الحديث‪(( :‬إلا كان الذي في السماء ساخطا عليها حتى‬ ‫يرضى عنها)) أي الزوج‪ ،‬وهناك قال‪(( :‬حتى تصبح)) ‪ ،‬أما هنا فعلّقه‬ ‫برضى الزوج‪ ،‬وهذا قد يكون أقل‪ ،‬وقد يكون أكثر يعني‪ :‬ربما يرضى‬ ‫الزوج عنها قبل طلوع الفجر‪ ،‬وربما لا يرضى إلا بعد يوم أو يومين‪،‬‬ ‫المهم ما دام الزوج ساخطا عليها فالله عز وجل ساخط عليها‪.‬‬ ‫وفي هذا دليل على عظم حق الزوج على زوجته‪ ،‬ولكن هذا في حق‬ ‫الزوج القائم بحق الزوجة‪ ،‬أما إذا نشز ولم يقم بحقها؛ فلها الحق أن‬ ‫تقتص منه وألا تعطيه حقه كاملا؛ لقول الله تعالى‪َ (:‬ف َم ِن ا ْع َت َدى َعلَ ْي ُك ْم‬ ‫َفا ْع َت ُدوا َع َل ْي ِه ِب ِم ْث ِل َما ا ْع َت َدى َعلَ ْي ُك ْم) [البقرة‪ ]194 :‬ولقوله تعالى‪َ ( :‬وإِ ْن‬ ‫َعا َق ْب ُت ْم َف َعاقِ ُبوا بِ ِم ْث ِل َما ُعوقِ ْب ُت ْم ِب ِه) [النحل‪[ .126 :‬‬ ‫لكن إذا كان الزوج مستقيما قائما بحقها فنشزت هي ومنعته حقه؛ فهذا‬ ‫جزاؤها إذا دعاها إلى فراشه فأبت أن تأتي ‪.‬والحاصل أن هذه الألفاظ التي‬ ‫وردت في هذا الحديث هي مطلقة‪ ،‬لكنها مقيدة بكونه قائما بحقها‬

‫الحديث الثاني والثمانون بعد المائتين‬ ‫عن أَبي هريرة رضي الله عنه أيضا‪ :‬أ َّن رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫َقالَ‪(( :‬لا َي ِحلُّ لا ْم َرأ ٍة أ ْن َت ُصو َم و َز ْو ُج َها َشاه ٌد إلا بإ ْذ ِن ِه‪َ ،‬ولا َتأ َذ َن في َب ْي ِت ِه‬ ‫إلا ِبإذ ِن ِه))‬ ‫ُم َّت َف ٌق َع َلي ِه وهذا لفظ البخاري‪.‬‬ ‫شرح الحديث‬ ‫((لا يحل لامرأة أن تصوم وزجها شاهد إلا بإذنه)) هذا من حقوق الزوج‬ ‫على زوجته‪ ،‬أنه لا يحل لها أن تصوم إلا بإذنه ما دام حاضرا في البلد‪،‬‬ ‫أما إذا كان غائبا؛ فلها أن تصوم ما شاءت‬ ‫وظاهر الحديث أنها لا تصوم فرضا ولا نفلا إلا بإذنه‪ ،‬أما النفل فواضح‬ ‫أنها لا تصوم إلا بإذنه؛ لأن حق الزوج عليها واجب والنفل تطوع لا تأثم‬ ‫بتركه وحق الزوج تأثم بتركه‬ ‫أما صيام الفرض فإن كان قد بقي من السنة مدة أكثر مما يجب عليها‪ ،‬فلا‬ ‫يحل لها أن تصوم إلا بإذن زوجها إذا كان شاهدا‬ ‫يعني مثلا عليها عشرة أيام من رمضان‪ ،‬وهي الآن في رجب‪ ،‬وقالت‪:‬‬ ‫أريد أن أصوم القضاء‪ ،‬نقول‪ :‬لا تصومي القضاء إلا بإذن الزوج؛ لأن‬ ‫معك سعة من الوقت‬ ‫أما إذا كان بقي في شعبان عشرة أيام فلها أن تصوم إن لم يأذن؛ لأنه لا‬ ‫يحل للإنسان الذي عليه قضاء من رمضان أن يؤخر إلى رمضان الثاني‪،‬‬ ‫وحينئذ تكون فاعلة لشيء واجب فرض في الدين‪ ،‬وهذا لا يشترط فيه‬ ‫إذن الزوج‪ ،‬وطاعة الله مقدمة على طاعة الزوج‬

‫فصوم المرأة فيه تفصيل‪ :‬أما التطوع فلا يجوز إلا بإذن الزوج‪ ،‬وأما‬ ‫الفرض فإن كان الوقت متسعاَ‪ ،‬فإنه لا يجوز إلا بإذن الزوج‪ ،‬وإن كان لا‬ ‫يسع إلا مقدار ما عليها من الصوم‪ ،‬فإنه لا يشترط إذن الزوج‪ ،‬هذا إذا‬ ‫كان حاضرا‪ ،‬أما إذا كان غائبا فلها أن تصوم‬ ‫وإذا علمت أن زوجها يأذن‪ ،‬وأنه لا يمانع من هذا‪ ،‬فهي لا تحتاج أن‬ ‫تستأذن في كل مرة‪ ،‬وإنما تصوم‪ ،‬على أنه لا يجوز للزوج أن يحرم‬ ‫زوجته الخير‪ ،‬إلا إذا كان هناك حاجة‪ ،‬وإلا فعليه أن يكون عونا لها على‬ ‫طاعة الله‪ ،‬وعلى فعل الخير؛ لأنه يكون مأجورا بذلك كما أنها مأجورة‬ ‫أيضا على الخير‪.‬‬ ‫((ولا تأذن في بيته إلا بإذنه)) أما إدخال أحد بيته بغير إذنه فظاهر‪ .‬فلا‬ ‫يجوز أن تدخل أحدا بيته إلا بإذنه‪ ،‬لكن الإذن في إدخال البيت نوعان‪:‬‬ ‫الإذن الأول‪ :‬إذن العرف‪ :‬يعني جرى به العرف مثل دخول امرأة الجيران‬ ‫والقريبات والصاحبات والزميلات وما أشبه ذلك‪ ،‬هذا جرى العرف به‪،‬‬ ‫وأن الزوج يأذن به‪ ،‬فلها أن تدخل هؤلاء إلا إذا منع وقال‪ :‬لا تدخل عليك‬ ‫فلانة‪ ،‬فهنا يجب المنع‪ ،‬ويجب أن لا تدخل‪.‬‬ ‫(ولا تأذن في بيته إلا بإذنه) ‪،‬لأنه سلطان في بيته‪ ،‬ولا يجوز أن يدخل‬ ‫بيته أحد لا يرتضيه‪ ،‬لا امرأة ولا رجل‪ ،‬لا من المحارم ولا من غير‬ ‫المحارم‪،‬وهذا من رعايتها لحق زوجها‪ ،‬فالمرأة راعية في بيتها وهي‬ ‫مسئولة عن رعيتها‪.‬‬

‫الحديث الثالث والثمانون بعد المائتين‬ ‫عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم َقالَ‪(( :‬كلكم‬ ‫َر ِع َّي ِت ِه‪َ :‬والأ ِمي ُر َرا ٍع‪ ،‬وال َّر ُجلُ َرا ٍع َع َلى أ ْه ِل‬ ‫َرا ٍع‪َ ،‬و ُكلُّ ُك ْم‬ ‫َب ْي ِت َز ْوجها َو َو َلد ِه‪َ ،‬ف ُكلُّ ُك ْم َرا ٍع‪َ ،‬و ُكلُّ ُك ْم َم ْس ُؤولٌ‬ ‫َم ْس ُؤولٌ َع ْن‬ ‫َبي ِت ِه‪َ ،‬وال َم ْرأ ُة‬ ‫َرا ِعي ٌة َع َلى‬ ‫َع ْن َر ِع َّي ِت ِه)) ُم َّت َف ٌق َعلَي ِه‪.‬‬ ‫شرح الحديث‬ ‫( ُك َّل ُكم را ٍع و ُكلَّ را ٍع َمسؤولٌ عن َرع َّي ِته) الراعي‪ :‬هو الحافظ المؤ َتمن‬ ‫الملتزم صلاح ما اؤتمن على حفظه‪ ،‬فهو مطلوب بالعدل فيه‪ ،‬والقيام‬ ‫بمصالحه في دينه ودنياه ومتعلقاته‪ ،‬ومسؤول هل قام بما يجب لرعيته أو‬ ‫لا؟ َفإ ْن وفى ما عليه ِمن ال ِّرعاي ِة َح َصلَ لَه ال َح ُّظ الأَو َف ُر وال َجزا ُء الأَك َب ُر‪،‬‬ ‫وإ ْن كا َن َغ ْي َر َذلِ َك طالَ َبه ُكلُّ أ َح ٍد ِمن َرع َّيتِه ِب َح ِّق ِه‬ ‫والخطاب للأمة جميعا يبين فيه الرسول صلى الله عليه وسلم أن كل‬ ‫إنسان راع ومسؤول عن رعيته‪ .‬والراعي هو الذي يقوم على الشيء‬ ‫ويرعى مصالحة فيهيئها له‪ ،‬ويرعى مفاسده فيجنبه إياها‪ ،‬كراعي الغنم‬ ‫ينظر ويبحث عن المكان المربع حتى يذهب بالغنم إليه‪ ،‬وينظر في المكان‬ ‫المجدب فلا يتركها في هذا المكان‪.‬‬ ‫هكذا بنو آدم كل إنسان راع‪ ،‬وكل مسؤول عن رعيته‪ ،‬والرعاة تتنوع‬ ‫رعايتهم ما بين مسئولية كبيرة واسعة ومسئولية صغيرة محدودة‬ ‫ولذلك قال ‪ (:‬والأمير راع ) فالأمير راع ومسؤول عن رعيته فالأمير‬ ‫والحاكم تكون مسئوليته كبيرة وواسعة‪ ،‬تشمل جميع أفراد الأمة وتشمل‬ ‫جميع شئون المجتمع‬

‫فعلَيه ِح ْف ُظ َرع َّيتِه فيما َت َع َّي َن عليه ِمن ِح ْف ِظ َشرا ِئ ِعهم وال َّذ ِّب عنها و َع َد ِم‬ ‫إ ْهما ِل ُحدو ِدهم و َت ْضيي ِع ُحقوقِهم و َتر ِك ِحما َيتِهم ِم َّم ْن جا َر عليهم‪،‬‬ ‫و ُمجا َهدةُ َع ُد ِّوهم َفلا َيتص َّرف في ِهم إ َّلا بِإ ْذ ِن الل ِه و َرسولِه ولا َيطلُ ُب أ ْج َره‬ ‫إ َّلا ِمن الل ِه‪ ،‬وهو َمسؤول عن َرع َّيتِه‬ ‫(والرجل راع على أهل بيته) فال َّر ُجلُ في أ ْهلِه‪َ -‬زو َجته و َغ ْيرها‪ -‬را ٍع‬ ‫با ْلقيا ِم عليهم بال َح ِّق في ال َّن َفق ِة و ُحس ِن ال ُمعا َشر ِة‪ ،‬وهو َمسؤول عن َرع َّيتِه‬ ‫فيكون الرجل مسئولا عن أهل بيته‪ ،‬تربية وتعليما وتهذيبا‬ ‫وتقويما؛وتوفير ما يحتاجونه من سكن وطعام وشراب ولباس‪ ،‬كل ذلك‬ ‫في غير تقتير ولا إسراف‪ ،‬وليكن في بيته عينا راعية‪ ،‬وأذنا واعية‪،‬‬ ‫يتفقد الأمور‪ ،‬ويتحرى المصالح‪ ،‬ويقيم العدل في رعايا مملكته الصغيرة‬ ‫(والمرأة راعية على بيت زوجها وولده) فتكون المرأة مسئولة في بيت‬ ‫زوجها‪ ،‬عن خدمة ورعاية زوجها‪ ،‬وتربية وإصلاح أبنائها‪ ،‬مع كونها‬ ‫حكيمة صبورة مد ّبرة‪ ،‬وعلى المال قائمة راعية حافظة له من ّمية‪.‬‬ ‫فما من إنسان إلا قد ُو ِكل إليه أمر يد ّبره ويرعاه‪ ،‬فكلنا را ٍع‪ ،‬وكلنا مطال ٌب‬ ‫بالإحسان فيما استرعاه‪ ،‬ومسئولٌ عنه أمام من لا تخفى عليه خافية‪ ،‬فإن‬ ‫قام بالواجب عليه لمن تحت يده كان أثر ذلك في الأمة عظيما‪ ،‬وثوابه‬ ‫جزيلا‪ ،‬وحسابه عند الله يسيرا‪ ،‬وإن ق ّصر في ال ّرعاية‪ ،‬وخان الأمانة‪،‬‬ ‫أض ّر بالأمة‪ ،‬وع ّسر على نفسه الحساب‪ ،‬وأوجب لها المقت والعذاب‪.‬‬ ‫وفي الحدي ِث ‪ :‬أ َّن ُكلَّ أ َح ٍد َمسؤولٌ َع َّمن َت ْح َت َي ِده ِمن آ َدم ٍّي و َغي ِره‪.‬‬ ‫َوفيه‪ُ :‬وجو ُب القيا ِم بِ َح ِّق ال َّرع َّي ِة وإ ْرشا ِد ِهم لِ َمصالِ ِحهم ال ِّدين َّي ِة وال ُّد ْن َيو َّي ِة‪،‬‬ ‫و َر ْد ِع ِهم ع َّما َي ُض ُّرهم في دي ِنهم و ُد ْنيا ُهم‪.‬‬

‫الحديث الرابع والثمانون بعد المائتين‬ ‫عن أَبي علي َط ْلق بن علي رضي الله عنه أ َّن رسول الله صلى الله عليه‬ ‫وسلم َقالَ‪(( :‬إِ َذا َد َعا ال َّر ُجلُ َز ْو َجت ُه ل َحا َج ِت ِه َف ْل َتأتِ ِه َوإ ْن َكا َن ْت َع َلى ال َّت ُنور))‬ ‫رواه الترمذي والنسائي‪َ ،‬وقالَ الترمذي‪َ ( :‬ح ِدي ٌث َح َس ٌن َصحي ٌح)‬ ‫وصححه الألباني (صحيح الترمذي)‬ ‫شرح الحديث‬ ‫ح َّد َد الإسلا ُم واجبا ِت ال َّزوجي ِن و ُحقو َق كلِّ واح ٍد منهما‪ ،‬وح َّث كلَّ ط َر ٍف‬ ‫له وما عليه؛ ل َينت ِش َر العفا ُف وال َّصلا ُح‬ ‫يعلَ َم‬ ‫ال ُمجتم ِع‪،‬‬ ‫في‬ ‫وتكو َن الأُسرةُ ُمتماسكة ُمتحا َّبة‬ ‫ما‬ ‫أ ْن‬ ‫على‬ ‫فالواجب على الجميع التعاون على الخير‪ ،‬فالرجل يجب عليه أن ُيؤدي‬ ‫ح َّق زوجته‪ ،‬ويستوصي بها خيرا‪ ،‬فعليه أن يؤدي ح َّقها‪ ،‬ولها رزقها‪،‬‬ ‫وكسوتها‪ ،‬وإحسان العشرة‪ ،‬وطيب الكلام‪ ،‬وعدم الإيذاء بغير ح ٍّق‬ ‫وعليها هي‪ :‬السمع والطاعة لزوجها‪ ،‬وعدم عصيانه في المعروف‪ ،‬فإ َّن‬ ‫ح َّق الزوج على الزوجة عظيم‪ ،‬فالواجب عليها أن تجتهد في ذلك‪،‬‬ ‫وفي هذا الحدي ِث يقولُ رسولُ اللهِ َص ّلَى اللهُ عليه وسلَّ َم‪:‬‬ ‫\"إذا ال َّرجلُ دعا زوج َته لحاج ِته\" ِكناي ٌة عن الجما ِع‬ ‫\"ف ْلتأ ِته\"‪ ،‬أي‪ :‬لِ ُت ِج ْب دعو َته‪ ،‬وإ ْن كانت على ال َّت ُّنو ِر\"‪ ،‬أي‪ :‬وإ ْن كان ْت‬ ‫َتخ ِب ُز على ال َّت ُّنو ِر‪ ،‬مع أ َّنه ُشغ ٍل شاغلٌ لا ُيتف َّر ُغ منه إلى َغي ِره إ َّلا بع َد‬ ‫انقضائِه‪ ،‬وال َّت ُّنو ُر‪ :‬ال َموق ُد ا َلّذي ُيخ َب ُز فيه‬ ‫أي ولو كانت مشغولة بشي ٍء من مشاغل البيت‪ ،‬فطاعته مقدمة على‬ ‫مشاغل البيت‪.‬‬

‫وهذا من ال َّتح ُّر ِز وال ُمبالغ ِة ل ِح ْف ِظ الفُرو ِج‪ ،‬وع َد ِم ال ُوقو ِع في الحرا ِم‪ ،‬فتلَ ُف‬ ‫َبع ِض الما ِل‪ -‬ا َلّذي هو الخ ْب ُز وغي ُره‪ -‬أس َهلُ من ُوقو ِع ال َّزو ِج في ال ِّزنا؛‬ ‫فال َّرجلٌ مأمو ٌر أ َّلا ُيدافِ َع ن ْف َسه إذا ر ِغ َب في امرأتِه‪ ،‬بل َي ْقضي حاج َته منها‬ ‫وهي مأمور ٌة أ َّلا تم َن َع ن ْف َسها عنه بحا ٍل من الأحوا ِل‪ ،‬إ َّلا إذا كان عندها‬ ‫ُعذ ٌر َشرعي‬ ‫وفي الحدي ِث ‪َ :‬بيا ُن ِع َظ ِم ح ِّق ال َّزو ِج على َزوج ِته‪ ،‬وتقدي ُم طا َع ِته على‬ ‫َمشا ِغلها الأ ْخ َرى‪.‬‬ ‫وفيه‪ :‬ال َّتأكي ُد على ِح ْف ِظ ال ُفرو ِج ِم َن الوقو ِع في ال َحرا ِم‪ ،‬بِ َقضا ِء الوت ِر فِي‬ ‫الحلا ِل‪.‬‬

‫الحديث الخامس والثمانون بعد المائتين‬ ‫عن أَبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم َقالَ‪(( :‬لَ ْو‬ ‫ُك ْن ُت آ ِمرا أ َحدا أ ْن َي ْس ُج َد لأ َح ٍد لأ َم ْر ُت ال َمرأ َة أ ْن َت ْس ُج َد ل َزو ِج َها))‬ ‫رواه الترمذي‪َ ،‬وقالَ‪َ ( :‬ح ِدي ٌث َح َس ٌن َصحي ٌح)‬ ‫وصححه الألباني (صحيح سنن ابن ماجه)‬ ‫شرح الحديث‬ ‫وسبب هذا الحديث ما رواه أبو داود عن قيس بن سعد قال‪ :‬أتيت الحيرة‬ ‫فرأيتهم يسجدون لمرزبان لهم فقلت‪ :‬رسول الله أحق أ ْن يسجد له‪ .‬قال‪:‬‬ ‫فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت‪ :‬إني أتيت الحيرة فرأيتهم‬ ‫يسجدون لمرزبان لهم (رجل من كبارهم) ‪ ،‬فأنت رسول الله أحق أن‬ ‫ُيسجد لك‪ ،‬قال‪(( :‬أرأيت لو مررت بقبري أكنت تسجد لي))‪ ،‬فقال‪ :‬لا‪.‬‬ ‫قال‪(( :‬فلا تفعلوا‪ ،‬لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأح ٍد لأمرت المرأة أن‬ ‫تسجد لزوجها))‬ ‫السجود لا يكون إلا لله رب العالمين فقط‪ ،‬لا يجوز أن يسجد لأحد‪ ،‬لا لحي‬ ‫ولا ميت‪ ،‬فهو عبادة مختصة بالله ‪-‬تبارك وتعالى؛ لأن السجود هو غاية‬ ‫الخضوع و التذلل‪ ،‬أشرف شيء في الإنسان وهو وجهه يضعه في‬ ‫الأرض موضع الأقدام‪ ،‬ويقول‪ :‬سبحان ربي الأعلى‪.‬‬ ‫فالنبي يقول‪ ( :‬لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن‬ ‫تسجد لزوجها) فهذا يدل على عظم حق الزوج وأنه من أعظم الحقوق‪،‬‬ ‫لكن في الوقت نفسه لا يجوز للزوج أن يتخذ ذلك سوطا يضرب به‬

‫المرأة‪ ،‬ويض ّيع حقوقها‪ ،‬ويتسلط عليها‪ ،‬وإذا حصل منها تقصير ذكر لها‬ ‫هذه الأحاديث‬ ‫ينبغي أن يعرف أنها إنسان‪ ،‬وأن لها حقوقا أيضا‪ ،‬هل أدى هو حقوقها أو‬ ‫لا؟ فكما أن الإنسان يطالب بحقوقه‪ ،‬ويتذكر حقوقه جيدا‪ ،‬إذا رأى منها‬ ‫تقصيرا ينبغي أن ينظر إلى تقصيره هو‬ ‫والكريم هو الذي لا يظلم المرأة ولا يسيء إليها‪ ،‬يعاشرها بالمعروف‪،‬‬ ‫فإن كره منها خلقا رضي آخر‪ ،‬فهذا كله علّ َمناها الشارع من أجل أن‬ ‫نكون على درجة رفيعة في التعامل والأخلاق‪ ،‬وكريم الخصال‪.‬‬ ‫ولا يدل هذا الحديث على أن المرأة تسجد لزوجها؛ بل ذلك حرام عليها إن‬ ‫فعلته على وجه الاحترام‪ ،‬وكفر إن فعلته بقصد التعظيم كتعظيم الله‪ ،‬وإنما‬ ‫يفيد الحديث وجوب طاعة المرأة لزوجها واحترامها له‬ ‫هل هذا الحديث على عمومه أم لا ؟‬ ‫الجواب‪ :‬هو على عمومه في كل زوج فعل ما عليه من الحقوق تجاه‬ ‫زوجته من نفقة وسكنى ومعاشرة بالمعروف‪ ،‬أما إن كان الزوج قد فرط‬ ‫في ذلك أو في بعضه فإنه لا يستحق تلك الطاعة التي أمر بها النبي صلى‬ ‫الله عليه وآله وسلم‪ ،‬بل لها أن تخرج من بيته لبيت أهلها أو المحكمة‬ ‫للمطالبة بحقها والمطالبة بإنصافها‪ ،‬ولكن إذا تنازلت المرأة عن حق‬ ‫النفقة أو السكنى أو المبيت فليس لها أن تمتنع عن طاعته بحجة عدم‬ ‫قيامه بما عليه من واجبات؛ إذ من حقها أن تطالبه بحقها‪ ،‬فإذا أسقطت‬ ‫حقها أو سكتت عنه لم يكن لها أن تفرط في حقه عليها‪.‬‬

‫ما المقصود بسجود المرأة لزوجها المذكور في الحديث هل هو على‬ ‫الحقيقة أم المجاز‬ ‫الجواب السجود لا يكون إلا لله وحده ‪ ،‬فلا يجوز السجود لغير الله ‪ .‬وقد‬ ‫منع النبي صلى الله عليه وسلم من السجود له ‪ ،‬فالمنع من السجود لغيره‬ ‫أولى‬ ‫أما قوله َصلَّى اللهُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم ‪َ ( :‬ل ْو ُك ْن ُت آ ِمرا أَ َحدا أَ ْن َي ْس ُج َد لِ َغ ْي ِر ال َّل ِه ‪،‬‬ ‫َلأَ َم ْر ُت ا ْل َم ْرأَ َة أَ ْن َت ْس ُج َد لِ َز ْو ِج َها ) رواه ابن ماجة (‪ ، )1853‬وصححه‬ ‫الألباني في \" صحيح سنن ابن ماجة‪\" .‬‬ ‫فالمقصود بالسجود هنا ‪ :‬حقيقة السجود ‪ ،‬ومعنى الحديث ‪ :‬أن السجود‬ ‫لغير الله لو كان جائزا لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم المرأة أن تسجد‬ ‫لزوجها ؛ وذلك لعظم حقه عليها‪.‬‬ ‫والحديث رواه الإمام أحمد (‪ )12614‬بلفظ ‪َ ( :‬لا َي ْصلُ ُح لِ َب َش ٍر أَ ْن َي ْس ُج َد‬ ‫لِ َب َش ٍر ‪َ ،‬ولَ ْو َصلَ َح لِ َب َش ٍر أَ ْن َي ْس ُج َد لِ َب َش ٍر ‪َ ،‬لأَ َم ْر ُت ا ْل َم ْرأَ َة أَ ْن َت ْس ُج َد لِ َز ْو ِج َها‪،‬‬ ‫ِم ْن ِع َظ ِم َح ِّق ِه َعلَ ْي َها ) ‪ ،‬وصححه الألباني في \" صحيح الجامع \"‬ ‫(‪.)7725‬‬ ‫وهذا الأسلوب في اللغة العربية يدل على أن سجود البشر لبشر ممنوع ‪،‬‬ ‫وأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يأمر المرأة أن تسجد لزوجها ‪،‬‬ ‫ولذلك تسمى ( لو ) في هذا السياق ‪ :‬حرف امتناع لامتناع‪.‬‬ ‫أي ‪ :‬امتنع جوابها الذي هو ( لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها ) لامتناع‬ ‫شرطها الذي هو ( جواز السجود لبشر ) ‪ ،‬وهذا يدل على أن الرسول‬ ‫صلى الله عليه وسلم امتنع أن يأمر المرأة بالسجود لزوجها‪ .‬يعني ‪ :‬أن‬ ‫الرسول صلى الله عليه وسلم لم يأمر المرأة أن تسجد لزوجها ‪ ،‬وذلك لأن‬ ‫السجود لمخلوق ممنوع شرعا‪.‬‬

‫الحديث السادس والثمانون بعد المائتين‬ ‫عن أم َسلَ َمة رضي الله عنها‪َ ،‬قالَ ْت‪َ :‬قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم‪:‬‬ ‫((أ ُّي َما ا ْم َرأ ٍة َما َت ْت‪َ ،‬و َز ْو ُج َها َع ْن َها َرا ٍض َد َخ َل ِت ال َج َّن َة))‬ ‫رواه الترمذي‪َ ،‬وقالَ‪َ ( :‬ح ِدي ٌث َح َس ٌن)‬ ‫قال العلامة الألباني رحمه الله في \" السلسلة الضعيفة والموضوعة\"‬ ‫حديث رقم ‪ 1426‬قال عنه ‪( :‬وبالجملة فالحديث منكر لا يصح لجهالة‬ ‫الأم والولد)‬ ‫شرح الحديث‬ ‫الحديث المذكور قال عنه الترمذي‪ :‬حديث حسن غريب‬ ‫وقال الحاكم في المستدرك على الصحيحين‪ :‬هذا حديث صحيح الإسناد‬ ‫ولم يخرجاه‪ .‬ووافقه الذهبي في التلخيص‪ ،‬وقد ضعفه الشيخ الألباني في‬ ‫السلسلة الضعيفة برقم ‪1426‬‬ ‫وعلى فرض ضعفه فهو في فضائل الأعمال أي في بيان أجر مترتب على‬ ‫عمل دلت عليه نصوص صحيحة فيرجى حصول الثواب الوارد المذكور‬ ‫فيه‪.‬‬ ‫وفي الكتاب والسنة أدلة كثيرة على عظم حق الزوج على زوجته‪ ،‬منها‬ ‫قوله تعالى‪َ { :‬فال َّصالِ َحا ُت َقانِ َتا ٌت َحافِ َظا ٌت لِّ ْل َغ ْي ِب بِ َما َحفِ َظ ال ّلهُ‪[ }.‬النساء‪]:‬‬ ‫قال القرطبي‪ :‬هذا كله خبر‪ ،‬و مقصوده الأمر بطاعة الزوج والقيام بحقه‬ ‫في ماله وفي نفسها في حال غيبة الزوج‪ .‬اهـ (من الجامع لأحكام القرآن)‬ ‫ومنها قوله صلى الله عليه وسلم‪ \" :‬إذا صلت المرأة خمسها‪ ،‬وحصنت‬ ‫فرجها‪ ،‬وأطاعت بعلها‪ .‬دخلت من أي أبواب الجنة شاءت\"‪.‬صححه‬ ‫الألباني‬

‫الحديث السابع والثمانون بعد المائتين‬ ‫عن معاذ بن جبل رضي الله عنه عن ال َّنب ّي صلى الله عليه وسلم َقالَ‪(( :‬لا‬ ‫ُت ْؤ ِذي ا ْم َرأةٌ َز ْو َج َها في ال ُّد ْن َيا إلا َقالَ ْت َز ْو َج ُت ُه ِم َن ال ُحو ِر ال ِعي ِن لا ُتؤ ِذي ِه‬ ‫َقا َتل ِك اللهُ ! َفإِ َّن َما ُه َو ِع ْن َد ِك َد ِخيلٌ ُيو ِش ُك أ ْن ُي َفا ِر َق ِك إِلَ ْي َنا))‬ ‫رواه الترمذي‪َ ،‬وقالَ‪َ ( :‬ح ِدي ٌث َح َس ٌن)‪.‬‬ ‫(صححه الألباني)‬ ‫شرح الحديث‬ ‫كان النب ُّي ص َّلى الله عليه وس ّلَم دائما ما ُيح ِّذ ُر ال ِّنسا َء ِم ْن إغضابِ ِه َّن‬ ‫لأزو ِج ِه َّن بما َل ُه َّن في الآ ِخر ِة ِم ْن عقا ٍب على ُكفرا ِن ِه َّن للعشي ِر‪ ،‬أو َل ْع ِن‬ ‫الملائك ِة لعاصي ِة َز ْو ِجها‪ ،‬وما لل َّر ُج ِل في ال َج َّن ِة ِم َن ال ُحو ِر ال ِعي ِن‪.‬‬ ‫وفي هذا ال َحدي ِث يقولُ ال َّنب ُّي ص َّلى اللهُ علَيه وس ّلَم‪\" :‬لا ُتؤ ِذي امرأ ٌة‬ ‫َزو َجها في ال ُّدنيا\"‬ ‫أي‪ :‬تتس َّب ُب أو ُتصي ُب زو َجها المؤم َن بش ٍّر‪ ،‬بقو ٍل أو فع ٍل َينهى عنه‬ ‫ال َّشر ُع‬ ‫\"إ َّلا قالت زوج ُته\"‪ ،‬أي‪ِ :‬من أه ِل الج َّن ِة‪ ،‬وهي \" ِمن ال ُحو ِر ال ِعي ِن\"‪،‬‬ ‫وال َح ْورا ُء هي شديد ُة بيا ِض ال َع ْي ِن‪ ،‬وال ِعي ُن‪ -‬بال َكس ِر‪ -‬هي واسع ُة ال َع ْي ِن‪:‬‬ ‫\"لا ُتؤذيه‪ ،‬قا َت َل ِك اللهُ \"أي‪ :‬عا َدا ِك أو ق َتلَ ِك أو ل َع َن ِك‪ ،‬وهي غالبا كلم ٌة‬ ‫ُتستخ َد ُم على اللِّسا ِن ولا ُيرا ُد َحقيق ُة معناها‬ ‫\"فإ َّنما هو عن َد ِك دخيلٌ \"( َفإِ َّن َما ُه َو) أَ ْي ال َّز ْو ُج ( ِع ْن َد َك َد ِخيلٌ) أَ ْي ضي ٌف‬ ‫غري ٌب َنزيلٌ عن َد ِك ؛ َي ْع ِني ‪ُ :‬ه َو َكال َّض ْي ِف َع َل ْي َك‬ ‫َوأَ ْن ِت لَ ْس ِت ِبأَ ْه ٍل لَ ُه َحقِي َقة ‪َ ،‬وإِ َّن َما َن ْح ُن أَ ْهلُ ُه ‪َ ،‬ف ُي َفا ِرقُ َك َو َي ْل َح ُق بِ َنا‬

‫وعبرت( بالدخيل) لأن مدة المقام بالدنيا وإن طالت فهي يسيرة بالنظر‬ ‫إلى الآخرة التي لا أَ َمد لها‪.‬‬ ‫\" ُيو ِش ُك أن يفا ِر َق ِك إلينا\"‪ ،‬أي‪ :‬قريبا يتر ُك ِك ويد ُخلُ الج َّن َة فيكو ُن معنا‪،‬‬ ‫َوا ِصلا إِ َل ْي َنا‬ ‫وفي الحدي ِث ‪ :‬ال َّترهي ُب ال َّشدي ُد ِم ْن إيذا ِء ال َّزوج ِة ل َز ْوجها‪.‬‬ ‫وفيه‪َ :‬دلال ٌة على أ َّن ال َم َلأ الأعلى َي َّطلِعو َن على أعما ِل أَ ْه ِل ال ُّدنيا‪.‬‬ ‫وفيه‪َ :‬غيرةُ ال ُحو ِر ال ِعي ِن على أ ْزوا ِج ِه َّن في ال ُّدنيا‪.‬‬

‫الحديث الثامن والثمانون بعد المائتين‬ ‫عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما عن ال َّنب ّي صلى الله عليه وسلم َقالَ‪:‬‬ ‫(( َما َت َر ْك ُت َب ْع ِدي فِ ْت َنة ِه َي أ َض ُّر َعلَى ال ِّر َجا ِل ِم َن ال ِّنساء))‬ ‫( ُم َّت َف ٌق َعلَي ِه)‬ ‫شرح الحديث‬ ‫((ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء))‬ ‫والمعنى أن النبي صلى الله عليه وسلم يخبر بأنه ما ترك فتنة أضر على‬ ‫الرجال من النساء‪ ،‬وذلك أن الناس كما قال تعالى‪ُ ( :‬ز ِّي َن لِل َّنا ِس ُح ُّب‬ ‫ال َّش َه َوا ِت ِم َن ال ِّن َسا ِء َوا ْل َب ِني َن َوا ْل َق َنا ِطي ِر ا ْل ُم َق ْن َط َر ِة ِم َن ال َّذ َه ِب َوا ْلفِ َّض ِة‬ ‫َوا ْل َخ ْي ِل ا ْل ُم َس َّو َم ِة َوا ْلأَ ْن َعا ِم َوا ْل َح ْر ِث) [آل عمران‪[14 :‬‬ ‫كل هذه مما زين للناس في دنياهم‪ ،‬وصار سببا لفتنتهم فيها‪ ،‬لكن أشدها‬ ‫فتنة النساء‪ ،‬ولهذا بدأ الله بها فقال‪ُ ( :‬ز ِّي َن لِل َّنا ِس ُح ُّب ال َّش َه َوا ِت ِم َن‬ ‫ال ِّن َسا ِء) [آل عمران‪ ]14 :‬فجعله َّن من ح ِّب الشهوات ‪ ،‬وب َدأَ به َّن إشارة‬ ‫إلى أ َّنه َّن الأصل في ذلك‬ ‫وإخبار النبي صلى الله عليه وسلم بذلك يريد به الحذر من فتنة النساء‪،‬‬ ‫وأن يكون الناس منها على حذر؛ لأن الإنسان بشر إذا عرضت عليه‬ ‫الفتن‪ ،‬فإنه يخشى عليه منها‪.‬‬ ‫ويستفاد منه سد كل طريق يوجب الفتنة بالمرأة‪ ،‬فكل طريق يوجب الفتنة‬ ‫بالمرأة؛ فإن الواجب على المسلمين سده‪ ،‬ولذلك وجب على المرأة أن‬ ‫تحتجب عن الرجال الأجانب‪ ،‬ويجب عليها كذلك أن تبتعد عن الاختلاط‬ ‫بالرجال؛ لأن الاختلاط بالرجال فتنة وسبب للشر من الجانبين‪ ،‬من جانب‬ ‫الرجال ومن جانب النساء‪.‬‬

‫ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم‪(( :‬خير صفوف الرجال أولها‬ ‫وشرها آخرها وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها)) وما ذلك إلا‬ ‫من أجل بعد المرأة عن الرجال‪ ،‬فكلما بعدت فهو خير وأفضل‪.‬‬ ‫وفي الحديث ‪ :‬دليل على أن الافتتان بالنساء أشد من سائر الشهوات‪،‬‬ ‫لعدم الاستغناء عنهن‪ ،‬وقد يحمل حبهن على تعاطي ما لا يحل للرجل‬ ‫وترك ما ينفعه في أمور دينه ودنياه‪.‬‬

‫باب النفقة على العيال‬ ‫الحديث التاسع والثمانون بعد المائتين‬ ‫عن أَبي هريرة رضي الله عنه َقالَ‪َ :‬قالَ َر ُسول الله صلى الله عليه وسلم‪:‬‬ ‫(( ِدي َنا ٌر أ ْن َف ْق َت ُه في َسبي ِل اللهِ‪َ ،‬و ِدينار أَ ْن َف ْق َت ُه فِي َر َق َب ٍة‪َ ،‬و ِدينا ٌر َت َص َّد ْق َت بِ ِه‬ ‫َع َلى ِم ْس ِكي ٍن‪َ ،‬و ِدي َنا ٌر أ ْن َف ْق َت ُه َعلَى أ ْهلِ َك‪ ،‬أ ْع َظ ُم َها أ ْجرا ا َّل ِذي أَ ْن َف ْق َت ُه َعلَى‬ ‫أ ْهلِ َك))‬ ‫رواه مسلم‬ ‫شرح الحديث‬ ‫\"دينا ٌر أنفق َته في سبيل الله\" هذه لك‪ ،‬تصدقت به‬ ‫\"ودينار أنفقته في رقبة\" أي‪ :‬تعتق رقبة‪ ،‬أو تساعد هذا الإنسان الذي‬ ‫كاتب غيره من أجل أن يعتق‪ ،‬تعطيه بعض الأقساط‬ ‫\"ودينار تصدقت به على مسكين\" ‪ ،‬هذا الثالث‬ ‫\"ودينار أنفقته على أهلك\" ‪ ،‬هذا الرابع‪ ،‬قال‪ :‬أعظمها أجرا الذي أنفقته‬ ‫على أهلك‪.‬‬ ‫وهذه نفقة واجبة أصلا ومع ذلك يؤجر الإنسان عليها‪ ،‬ولهذا نحن بحاجة‬ ‫إلى الاحتساب‪ ،‬احتساب الأجر عند الله‬ ‫هذا الحديث يدل على فضيلة الإنفاق على الأهل‪ ،‬وأنه أفضل من الإنفاق‬ ‫في سبيل الله‪ ،‬وأفضل من الإنفاق في الرقاب‪ ،‬وأفضل من الإنفاق على‬ ‫المساكين؛ وذلك لأن الأهل ممن ألزمك الله بهم‪ ،‬وأوجب عليك نفقتهم‪،‬‬ ‫فالإنفاق عليهم فرض عين‪ ،‬والإنفاق على من سواهم فرض كفاية‪،‬‬ ‫وفرض العين أفضل من فرض الكفاية‪.‬‬

‫وقد يكون الإنفاق على من سواهم على وجه التطوع‪ ،‬والفرض أفضل من‬ ‫التطوع؛ لقوله تعالى في الحديث القدسي‪(( :‬ما تقرب إل ّي عبدي بشيء‬ ‫أحب إل ّي مما افترضته عليه))‪.‬‬ ‫لكن الشيطان يرغب الإنسان في التطوع ويقلل رغبته في الواجب‪ ،‬فتجده‬ ‫مثلا يحرص على الصدقة ويدع الواجب‪ ،‬يتصدق على مسكين أو ما أشبه‬ ‫ذلك ويدع الواجب لأهله‪ ،‬يتصدق على مسكين أو نحوه ويدع الواجب‬ ‫لنفسه؛ كقضاء الدين مثلا‪ ،‬تجده مدينا يطالبه صاحب الدين بدينه وهو لا‬ ‫يوفي‪ ،‬ويذهب يتصدق على المساكين‪ ،‬وهذا خلاف الشرع وخلاف‬ ‫الحكمة‪ ،‬فهو سفه في العقل وضلال في الشرع‪.‬‬ ‫والواجب على المسلم أن يبدأ بالواجب الذي هو محتم عليه‪ ،‬ثم بعد ذلك‬ ‫ما أراد من التطوع بشرط ألا تكون مسرفا ولا مقطرا‪ ،‬فتخرج عن سبيل‬ ‫الاعتدال؛ لقول الله تعالى في وصف عباد الرحمن‪َ ( :‬وا ّلَ ِذي َن إِ َذا أَ ْن َفقُوا َل ْم‬ ‫ُي ْس ِر ُفوا َو َل ْم َي ْق ُت ُروا َو َكا َن َب ْي َن َذلِ َك َق َواما) [الفرقان‪.[ 67 :‬‬ ‫وليس معنى هذا أن الإنسان لا ينفق على الفقراء‪ ،‬لا ينفق في سبيل الله‪،‬‬ ‫لا‪ ،‬إن كان هناك فضلة وزيادة فأنفق‪ ،‬أع ِط الفقير‪ ،‬وأع ِط ذوي الرحم‪،‬‬ ‫ونحو ذلك‬ ‫هذا الحديث يدل على أنه يجب على الإنسان أن ينفق على من عليه‬ ‫نفقته‪ ،‬وأن إنفاقه على من عليه نفقته أفضل من الإنفاق على الغير‬

‫الحديث التسعون بعد المائتين‬ ‫عن أَبي عبد الله‪ ،‬و ُيقالُ َل ُه‪ :‬أَبو عبد الرحمن َثو َبان بن ُب ْج ُدد َم ْولَى رسول‬ ‫الله صلى الله عليه وسلم َقالَ‪َ :‬قالَ َر ُسول الله صلى الله عليه وسلم‪:‬‬ ‫((أ ْف َضلُ ِدي َنا ٍر ُي ْنف ُق ُه ال َّر ُجلُ‪ِ :‬دي َنا ٌر ُي ْنفِ ُق ُه َع َلى ِع َيالِ ِه‪َ ،‬ودي َنا ٌر ُي ْنفقُ ُه َع َلى‬ ‫َدا َّب ِت ِه في َسبي ِل الله‪َ ،‬و ِدينا ٌر ُي ْنفقُ ُه َع َلى أ ْص َحاب ِه في َسبي ِل الل ِه))‬ ‫رواه مسلم‪.‬‬ ‫شرح لحديث‬ ‫الإنفا ُق في َسبي ِل اللهِ ِمن أَفض ِل ُوجو ِه الب ِّر‪ ،‬ولِهذا الإنفا ِق ُوجوهٌ َكثيرةٌ‬ ‫ُتق َّد ُر ب َق ْد ِرها و ُيفا َضلُ َبي َنها ب َح َس ِب الحا ِل وال ُّظرو ِف‪.‬‬ ‫وفي هذا ال َحدي ِث ُيب ِّي ُن ال َّنب ُّي ص َلّى اللهُ علي ِه وس َّلم صورا وأَبوابا من أَبوا ِب‬ ‫الإِنفا ِق َفقال‪:‬‬ ‫أَفضلُ دينا ٍر\"‪ ،‬أي‪ :‬أَفضلُ ِدينا ٍر َعلى ال ُعمو ِم‬ ‫أي‪ :‬أَكث ُر ال َّدناني ِر ثوابا إذا أَنف َقه المر ُء‬ ‫\"دينا ٌر ُينف ُقه َعلى ِعيالِه\"‪ ،‬أي‪ُ :‬ينفقُه َعلى َمن َيعولُه و َتل َز ُمه ُمؤن ُته ِمن‬ ‫نح ِو َزوج ٍة َوول ٍد وخاد ٍم‪َ ،‬وهذا إذا َنوى ب ِه َوج َه اللهِ‬ ‫و\" ِدينا ٌر ُينفقُه َعلى دا َّبته\"‪ ،‬أي‪ :‬دا َّب ٍة َمربوط ٍة‬ ‫\"في َسبي ِل اللهِ\"‪َ ،‬يعني‪ُ :‬ين َف ُق َعلى ال َّدا َّب ِة ا َلّتي أَع َّدها لل َغز ِو عليها‪ ،‬يعني‪:‬‬ ‫الجهاد‪ ،‬ومن أهل العلم من قال‪ :‬دينار ينفقه على دابته في سبيل الله يدخل‬ ‫فيه الجهاد وغيره مما يكون طاعة كالسفر للحج والعمرة وسائر‬ ‫الطاعات‪ ،‬ولا شك أن الإنسان يؤجر على هذا‪.‬‬

‫و\" ِدينا ٌر ُينف ُقه َعلى أَصحا ِبه\"‪ ،‬أي‪ :‬حالَ َكو ِنهم ُمجاهدي َن‬ ‫\"في َسبي ِل اللهِ\"‪َ ،‬يعني‪ُ :‬ينفِ ُق َعلى ِرفق ِته ال َغزا ِة‪.‬‬ ‫وحمله بعض أهل العلم ‪-‬أيضا‪ -‬على ما هو أوسع من ذلك‪ ،‬في سبيل الله‪،‬‬ ‫بعضهم قال‪ :‬في كل سفر طاعة‪ ،‬وبعضهم قال‪ :‬في سبيل الله أي‪ :‬أنه‬ ‫يبتغي بذلك وجه الله ‪ ،‬فهو يحتسب هذه النفقة‪ ،‬فهذا احتمال‬ ‫فقد بدأَ بالعيا ِل‪ ،‬يقول أَبو قِلاب َة أحد رواه الحديث‪:‬‬ ‫\"وأ ُّي رج ٍل أَعظ ُم أَجرا ِمن َرج ٍل ُينفِ ُق َعلى ِعيا ٍل ِصغا ٍر َيع ُّف ُهم اللهُ ب ِه‬ ‫و ُيغني ِهم\" أي أ َّن أَفضلَ ال َّنفق ِة وأَولاها ه َي ال َّنفق ُة َعلى ال ِعيا ِل والأولا ِد‬ ‫ال ِّصغا ِر الَّذي َن لا َيستطيعو َن ال َّتك ُّس َب‪ ،‬ف َتكو ُن َهذه ال َّنفق ُة إعفافا َل ُهم عن‬ ‫ُسؤا ِل ال َّنا ِس وإِغناء َلهم ع ِن ال ِّذ ّلَ ِة وال َمهان ِة‬ ‫وفي الحدي ِث ‪َ :‬تع ُّدد ُوجو ِه الإنفا ِق في الب ِّر وال َخي ِر وال َّصدق ِة‪.‬‬ ‫وفيه‪ :‬أ َّن ال َّنفق َة َعلى العيا ِل ِمن أَفض ِل ال َّنفقا ِت‪.‬‬ ‫إِعدا ِد‬ ‫ِمثلَ‬ ‫ال َّنفقا ِت‪،‬‬ ‫الل ِه ِمن أَعظ ِم‬ ‫في َسبي ِل‬ ‫َعلى ال ِجها ِد‬ ‫ال َّنفق َة‬ ‫أ َّن‬ ‫وفيه‪:‬‬ ‫لل ِجها ِد بح ٍّق‪.‬‬ ‫وال ِّرجا ِل‬ ‫الأَدوا ِت‬

‫المقدمة‬ ‫باب إجراء أحكام الناس َعلَى الظاهر‬ ‫وسرائرهم إِ َلى الله َت َعا َلى‬ ‫الحديث الحادي والتسعون بعد الثلاثمائة‬ ‫عن أَبي عب ِد الله طا ِرق بن أ َش ْيم رضي الله عنه َقالَ‪َ :‬س ِم ْع ُت َر ُسول الله‬ ‫صلى الله عليه وسلم‪ ،‬يقول‪:‬‬ ‫(( َم ْن قالَ لا إل َه إلا الله‪َ ،‬و َك َف َر بما ُي ْع َب ُد ِم ْن ُدو ِن الل ِه‪َ ،‬ح ُر َم َمالُ ُه َو َد ُم ُه‪،‬‬ ‫َو ِح َسا ُب ُه َع َلى الله َت َعالَى))‬ ‫رواه مسلم‬ ‫شرح الحديث‬ ‫ال ِعب َر ُة في أُمو ِر ال ُّدنيا بما ُيظ ِه ُره الإنسا ُن ِمن َقو ٍل أو فِ ْع ٍل‪ ،‬أ َّما في الآخ َر ِة‬ ‫فبِما في ال َقل ِب ِمن إيما ٍن‬ ‫ولذل َك قالَ ال َّنب ُّي صلَّى اللهُ علَي ِه وس ّلَ َم‪:‬‬ ‫\" َمن قالَ‪ :‬لا إل َه إ َّلا اللهُ\" أي‪ :‬لا َمعبو َد بِ َح ٍّق إلا اللهُ‬ ‫وذلك مع قرينتها وهي‪ :‬محمد رسول الله‬ ‫\"وك َف َر بما ُيع َب ُد ِمن ُدو ِن الل ِه\" أي‪ :‬أ َّي معبود كان‪ ،‬ف َيكو ُن بذل َك قد تب َّرأ ِمن‬ ‫كلِّ الأَديا ِن ِسوى الإسلام‬ ‫\" َح ُر َم مالُه ود ُمه\"‪ ،‬أي‪ :‬على ال ُمسلِمي َن‬ ‫\"و ِحسا ُبه على الل ِه\"‪ ،‬في صدقه وكذبه على الله تعالى‬

‫أي‪ :‬في َسرائ ِره؛ ف َلنا ال َّظا ِه ُر‪ ،‬و ِحسا ُب باط ِنه على اللهِ َتعالى‬ ‫فإ َّن الل َه تعالى هو الم َّطلِ ُع و ْح َده على ما في القُلو ِب ِمن إيما ٍن و ُكف ٍر‬ ‫ونِفا ٍق‪ ،‬ولم ُنؤ َم ْر بال َّن ْق ِب عن قُلو ِبهم‪ ،‬وال َّت ْفتي ِش عن َضمائ ِرهم‪ ،‬والا ِّطلا ِع‬ ‫على عقائ ِدهم؛ ف َمن تل َّف َظ بالإيما ِن وهو غي ُر ُمخلِ ٍص فيه‪ُ ،‬عو ِمل بح َسب‬ ‫ظاه ِره وأُ ْجري عليه في ال ُّدنيا أحكا ُم ال ُمسلِمين‪ ،‬وأ َّما في الآ ِخ َرة ف ِحسا ُبه‬ ‫على الل ِه ع َّز وجلَّ وهو ُيجا ِزيهم بما َي ْع َل ُمه ِمن قُلوبِهم‪.‬‬ ‫وفي الحدي ِث ‪ :‬أ َّن الإسلا َم وقولَ َكلِم ِة ال َّتوحي ِد َيع ِص ُم َد َم الإنسا ِن وما َله‪،‬‬ ‫وكذلك ِع ْرضه‬

‫الحديث الثاني والتسعون بعد الثلاثمائة‬ ‫عن أَبي معبد المقداد بن الأ ْسود رضي الله عنه َقالَ‪ :‬قُ ْل ُت لرسول الله صلى‬ ‫الله عليه وسلم‪ :‬أ َرأ ْي َت إ ْن لَقِي ُت َر ُجلا ِم َن ال ُك َّفا ِر‪َ ،‬فا ْقت َت ْل َنا‪َ ،‬ف َض َر َب إ ْح َدى‬ ‫َي َد َّي ِبال َّس ْي ِف‪َ ،‬ف َق َط َعها‪ُ ،‬ث َّم لا َذ ِم ِّني بِ َش َج َر ٍة‪َ ،‬ف َقالَ‪ :‬أ ْسلَ ْم ُت لِلهِ‪ ،‬أأ ْق ُتلُ ُه َيا‬ ‫َر ُسول الله َب ْع َد أ ْن َقالَ َها؟ َف َقالَ‪(( :‬لا َت ْق ُتل ُه)) َف ُق ْل ُت‪َ :‬يا َر ُسول الله‪َ ،‬ق َط َع‬ ‫إ ْح َدى َي َد َّي‪ُ ،‬ث َّم َقالَ ذلِ َك َب ْع َد َما َق َط َع َها؟! َف َقالَ‪(( :‬لا َتق ُت ْل ُه‪ ،‬فإ ْن َق َت ْل َت ُه َفإ َّن ُه‬ ‫بِ َم ْن ِز َل ِت َك َق ْبلَ أ ْن َت ْق ُت َل ُه‪َ ،‬وإ َّن َك بِ َم ْن ِزلَ ِت ِه َق ْبلَ أ ْن َي ُقولَ َكلِ َم َت ُه التي َقالَ))‬ ‫ُم َّت َف ٌق َع َلي ِه‪.‬‬ ‫زاد البخاري في هذا الحديث أنه عليه الصلاة والسلام قال للمقداد‪(( :‬إِ َذا‬ ‫َكا َن َر ُجلٌ ُم ْؤ ِم ٌن ُي ْخفِي إِي َما َن ُه َم َع َق ْو ٍم ُك َّفا ٍر‪َ ،‬فأَ ْظ َه َر إِي َما َن ُه َف َق َت ْل َت ُه؟ َف َك َذلِ َك‬ ‫ُك ْن َت أَ ْن َت ُت ْخفِي إِي َما َن َك ِب َم َّك َة ِم ْن َق ْبلُ))‬ ‫شرح الحديث‬ ‫يقول المقداد رضي الله عنه ‪ :‬قلت لرسول الله ‪ :‬أرأي َت إن لقي ُت رجلا‬ ‫من الكفار فاقتتلنا‪ ،‬المقداد بن الأسود رضي الله عنه رجل شجاع‪ ،‬وهو‬ ‫الفارس الوحيد ‪-‬فيما قيل‪ -‬لرسول الله في يوم بدر‪ ،‬وشهد مع النبي‬ ‫جميع الغزوات‬ ‫يقول‪ :‬أرأي َت إن لقي ُت رجلا من الكفار فاقتتلنا فضرب إحدى يدي بالسيف‬ ‫فقطعها‪ ،‬ثم لاذ مني بشجرة فقال‪ :‬أسلمت لله‪ ،‬أأقتله يا رسول الله بعد أن قالها؟‬ ‫أرأي َت إن لقي ُت هو يسأل عن مسألة لم تقع‪ ،‬لكنها قريبة الوقوع‪ ،‬يمكن‬ ‫أن تقع‬

‫أرأي َت إن لقي ُت رجلا من الكفار فاقتتلنا‪ ،‬فضرب إحدى يدي بالسيف‬ ‫فقطعها‪ ،‬ثم لاذ مني بشجرة فقال‪ :‬أسلمت لله‬ ‫قال‪ :‬أسلمت لله‪ ،‬وقوله هذا يدخل به في الإسلام‬ ‫أأقتله يا رسول الله بعد أن قالها؟ فقال‪\" :‬لا تقتله\" ‪ ،‬فقلت‪ :‬يا رسول الله‬ ‫قطع إحدى يدي‪ ،‬ثم قال ذلك بعدما قطعها‪ ،‬فقال‪ \":‬لا تقتله‪ ،‬فإن قتلته فإنه‬ ‫بمنزلتك قبل أن تقتله‪ ،‬وإنك بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال\"‬ ‫ومعنى \"فإنه بمنزلتك\" أي‪ :‬معصوم الدم محكوم بإسلامه‬ ‫ومعنى \"وإنك بمنزله\" أي مباح الدم بالقصاص لورثته لا أنه بمنزلته في‬ ‫الكفر‬ ‫والظاهر أنه لا يلزمه قصاص‪ ،‬ولكن تلزمه دية‪ ،‬لأن النبي صلى الله عليه‬ ‫وسلم لم يقتل المقداد ولا أسامة‪ ،‬وودي الذين قتلهم خالد بن الوليد‪ .‬والله‬ ‫أعلم‪.‬‬ ‫وبعض أهل العلم فسره فقال‪ :‬إن قوله ‪ \":‬فإنه بمنزلتك\" يعني‪ :‬حينما‬ ‫كنت تخفي إسلامك‪ ،‬فالرجل هذا قالها وما يدريك عما في قلبه‪ ،‬قد يكون‬ ‫مسلما‪ ،‬ولكنه قاتل مع الكفار؛ لأنه كان مكرها أو خاف منهم‪ ،‬حملوه على‬ ‫هذا‬ ‫وهذا الحديث يدل على أنه ُيجرى الناس حسب الظاهر‪ ،‬هذا الرجل قطع‬ ‫يده وفعل‪ ،‬وكان يريد قتله‪ ،‬ثم قال‪ :‬أسلمت‪ ،‬يحمل على الظاهر‪ ،‬ما يقال‪:‬‬ ‫إنه قال‪ :‬أسلمت فرارا من السيف‪ ،‬خوفا من القتل‪ ،‬فيقبل ذلك منه ويكف‬ ‫عنه ولا يجوز لأحد أن يقتله‬ ‫وفي الحدي ِث ‪ :‬دليل على أ ّن كل من صدر عنه ما يدل على الدخول في‬ ‫الإسلام من قول أو فعل حكم بإسلامه‪ ،‬حتى يتب َّين منه ما يخالفه‬

‫الحديث الثالث والتسعون بعد الثلاثمائة‬ ‫عن أُ َسامة بن زي ٍد رضي الله عنهما‪َ ،‬قالَ‪ :‬بعثنا َر ُسول الله صلى الله عليه‬ ‫وسلم إِلَى ا ْل ُح َر َق ِة ِم ْن ُج َه ْي َن َة َف َص َّب ْح َنا ال َق ْو َم َعلَى ِم َيا ِه ِه ْم‪َ ،‬ولَح ْق ُت أ َنا‬ ‫َو َر ُجلٌ ِم َن الأَ ْن َصا ِر َر ُجلا ِم ْن ُه ْم‪َ ،‬ف َل َّما َغ َش ْي َناهُ‪َ ،‬قالَ‪ :‬لا إل َه إلا الله‪َ ،‬فك َّف َع ْن ُه‬ ‫الأَ ْن َصاري‪ ،‬و َط َع ْن ُت ُه ب ُر ْم ِحي َح َّتى َق َت ْل ُت ُه‪َ ،‬ف َل َّما َق ِد ْم َنا ال َم ِدي َن َة‪َ ،‬بلَ َغ ذلِ َك ال َّنب َّي‬ ‫صلى الله عليه وسلم َف َقالَ لِي‪َ (( :‬يا أُ َسا َمة‪ ،‬أ َق َت ْل َت ُه َب ْع َد َما َقالَ لا إل َه إلا‬ ‫اللهُ؟!)) قُ ْل ُت‪َ :‬يا َر ُسول الله‪ ،‬إِ َّن َما َكا َن متع ِّوذا‪َ ،‬ف َقالَ‪(( :‬أ َق َت ْل َت ُه َب ْع َد َما َقالَ لا‬ ‫إل َه إلا اللهُ؟!)) فما َزالَ ُي َك ِّر ُر َها َعلَ َّي َح َّتى َتم ْن َّي ُت أ ِّني َل ْم أ ُك ْن أ ْس َل ْم ُت َق ْبلَ‬ ‫ذلِ َك ال َي ْو ِم‬ ‫ُم َّت َف ٌق َع َلي ِه‬ ‫وفي رواية‪َ :‬ف َقالَ َر ُسول الله صلى الله عليه وسلم‪(( :‬أقالَ‪ :‬لا إل َه إلا اللهُ‬ ‫إِ َّن َما َقالَ َها َخ ْوفا ِمن ال ِّسلا ِح‪َ ،‬قالَ‪(( :‬أَ َفلا‬ ‫و َق َت ْل َت ُه؟))! قُ ْل ُت‪َ :‬يا‬ ‫أ ْم لا؟!)) ف َما َزالَ ُي َك ِّر ُر َها َح َّتى َت َم َّن ْي ُت أ ِّني‬ ‫َر ُسول الله‪،‬‬ ‫َش َق ْق َت َع ْن َق ْل ِب ِه َح َّتى‬ ‫َت ْع َل َم أَ َقا َل َها‬ ‫أ ْسلَ ْم ُت َي ْو َمئ ٍذ‬ ‫شرح الحديث‬ ‫هذا الحديث هو في واقعة حصلت لأصحاب النبي ﷺ حيث قتل أسامة بن‬ ‫زيد رضي الله عنه رجلا بعدما قال‪ :‬لا إله إلا الله‬ ‫بعث النبي بعثا إلى ال ُح َر َقة من جهينة‪ ،‬وال ُح َر َقة‪ :‬هم بطن من جهينة‬ ‫القبيلة المعروفة من قضاعة‪ ،‬بطن منها‬ ‫فصبحنا القوم على مياههم‪ ،‬يعني‪ :‬أتيناهم في وقت الصباح‪ ،‬قال‪ :‬ولحقت‬ ‫أنا ورجل من الأنصار رجلا منهم‪ ،‬فلما غشيناه قال‪ :‬لا إله إلا الله‪ ،‬فكف‬

‫عنه الأنصاري‪ ،‬وطعنته برمحي حتى قتلته‪ ،‬فلما قدمنا المدينة بلغ ذلك‬ ‫النبي‬ ‫في بعض الروايات أنه طعنه بالرمح‪ ،‬ثم بعد ذلك تتابعوا على ضربه حتى‬ ‫مات‪ ،‬ويقول‪ :‬فلما قدمنا المدينة بلغ ذلك النبي ‪ ،‬وسيأتي في الحديث‬ ‫الذي بعده أنه لما جاء البشير إلى النبي ‪ ،‬يعني بما حصل لهم من‬ ‫الفتح والمغنم‪ ،‬أخبر النب َّي عن ذلك‬ ‫وفي بعض الروايات أن أسامة بن زيد هو الذي سأل النبي عما‬ ‫حصل له‪ ،‬فذكر ذلك للنبي ‪ ،‬يقول‪ :‬فقال لي‪\" :‬أقتلته بعدما قال‪ :‬لا إله‬ ‫إلا الله؟\" ‪ ،‬فما زال يكررها علي حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك‬ ‫اليوم‬ ‫أي تمنى لو أن ذلك وقع منه قبل دخوله في الإسلام؛ لأن الإسلام يج ّب ما‬ ‫قبله‪ ،‬بحيث لا تكون هذه المعصية والذنب العظيم قد وقع منه بعد إسلامه‪،‬‬ ‫وقتل النفس لا شك أنه أمر عظيم‬ ‫ولكن أسامة بن زيد رضي الله عنه كان متأولا‪ ،‬يعني‪ :‬أنه فعل ذلك لا‬ ‫قصدا لقتل أحد من المسلمين‪ ،‬وإنما فعله لأنه اعتقد أن هذا الرجل إنما‬ ‫قالها خوفا من السيف‪ ،‬وليس صادقا في دعوى الإيمان أو قول‪ :‬لا إله إلا‬ ‫الله‪ ،‬ولهذا لم يقتص منه النبي ‪ ،‬لم يأ ِت بأهل ذلك القتيل ويخيرهم‬ ‫بين القصاص أو الدية أو العفو‬ ‫وفي رواية فقال رسول الله ‪ \":‬أقال‪ :‬لا إله إلا الله وقتلته؟\" ‪ ،‬قلت‪ :‬يا‬ ‫رسول الله‪ ،‬إنما قالها خوفا من السلاح‪ ،‬هذا معنى \"متعوذا\"‬

‫(( ُم َت َع ِّوذا))‪ :‬أ ْي ُم ْع َت ِصما ِب َها ِم َن ال َق ْت ِل لا م ْع َتقِدا لَ َها‬ ‫قال‪ \":‬أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا؟\"‪ ،‬يعني‪ :‬حتى تعلم‬ ‫أقالها خشية السلاح أم لا‪ ،‬هذا التقدير‪ ،‬وهذا هو الشاهد في هذا الباب‪،‬‬ ‫أن الإنسان يحمل الناس على الظاهر‪ ،‬ولا يؤمر بأن يشق عن قلوبهم‪،‬‬ ‫حسابهم على الله ‪-‬تبارك وتعالى‪-‬‬ ‫\"فما زال يكررها حتى تمنيت أني أسلمت يومئذ\"‪ ،‬وهذا يفسر معنى‬ ‫الجملة السابقة في الرواية التي مضت‪ ،‬يقول‪\" :‬حتى تمنيت أني لم أكن‬ ‫أسلمت قبل ذلك اليوم\"‪ ،‬يعني‪ :‬أنه أسلم بعد هذه الحادثة‬ ‫وفي الحدي ِث‪ :‬دليل على جريان الأحكام على الأسباب الظاهرة دون‬ ‫الباطنة الخفية‪.‬‬

‫الحديث الرابع والتسعون بعد الثلاثمائة‬ ‫عن جندب بن عبد الله رضي الله عنه أ َّن َر ُسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫َب َع َث َب ْعثا ِم َن ال ُم ْسلِمي َن إِلَى َقو ٍم ِم َن ال ُمش ِركي َن‪َ ،‬وأ َّن ُه ْم ال َت َق ْوا‪َ ،‬ف َكا َن َر ُجلٌ‬ ‫ِم َن ال ُم ْشركي َن إِ َذا َشا َء أ ْن َي ْق ِص َد إِ َلى َر ُجل ِم َن ال ُم ْسلِمي َن َق َص َد َل ُه َف َق َتلَ ُه‪،‬‬ ‫َوأ َّن َر ُجلا ِم َن ال ُم ْسلِ ِمي َن َق َص َد َغ ْفلَ َت ُه‪َ .‬و ُك َّنا نت َح َّد ُث أ َّن ُه أُ َسا َم ُة ْب ُن َز ْي ٍد‪َ ،‬ف َل َّما‬ ‫َر َف َع َع َلي ِه ال َّسي َف‪َ ،‬قالَ‪ :‬لا إل َه إلا اللهُ‪َ ،‬ف َق َتل ُه‪َ ،‬ف َجا َء ال َبشي ُر إِلَى َر ُسول الله‬ ‫صلى الله عليه وسلم َف َسأ َل ُه َوأخ َب َر ُه‪َ ،‬ح َّتى أ ْخ َب َرهُ َخ َب َر ال َّر ُج ِل َك ْي َف َص َن َع‪،‬‬ ‫َف َد َعا ُه َف َسأ َل ُه‪َ ،‬ف َقالَ‪(( :‬لِ َم َق َت ْل َت ُه؟)) َف َقالَ‪َ :‬يا َر ُسول اللهِ‪ ،‬أ ْو َج َع في‬ ‫ال ُمسلِ ِمي َن‪َ ،‬و َق َتلَ ُفلانا وفلانا‪ ،‬وسمى لَ ُه َنفرا‪َ ،‬وإ ِّني َح َم ْل ُت َعلَي ِه‪َ ،‬ف َل َّما َرأى‬ ‫ال َّسي َف‪َ ،‬قالَ‪ :‬لا إل َه إلا اللهُ‪َ .‬قالَ َر ُسول الله صلى الله عليه وسلم‪:‬‬ ‫((أ َق َت ْل َت ُه؟)) َقالَ‪َ :‬ن َع ْم‪َ .‬قالَ‪َ (( :‬ف َكي َف َت ْص َن ُع بلا إل َه إلا اللهُ‪ ،‬إِ َذا َجاء ْت َي ْو َم‬ ‫القِ َيا َم ِة؟)) َقالَ‪َ :‬يا َر ُسول الله‪ ،‬ا ْس َت ْغفِ ْر لِي‪َ .‬قالَ‪(( :‬و َكي َف َت ْص َن ُع ِبلا إل َه إلا‬ ‫الله إِ َذا َجاء ْت َي ْو َم القِ َيا َم ِة؟)) َف َج َعلَ لا َي ِزي ُد َعلَى أ ْن َي ُقولَ‪َ (( :‬كي َف َت ْص َن ُع‬ ‫ِبلا إل َه إلا الله إِ َذا َجاء ْت َي ْو َم القِ َيا َم ِة))‬ ‫رواه مسلم‪.‬‬ ‫شرح الحديث‬ ‫البعث هو الجيش القليل‪ ،‬لا يبلغ الألف‪ ،‬بعث بعثا من المسلمين إلى قوم‬ ‫من المشركين‪ ،‬وأنهم التقوا فكان رجل من المشركين إذا شاء أن يقصد‬ ‫إلى رجل من المسلمين قصد له فقتله‪ ،‬يعني‪ :‬رجل لشدة مهارته بالقتال‬ ‫إذا قصد أحدا فإنه يتمكن منه‪ ،‬هذا الرجل مشرك‬ ‫بعض العلماء يقول‪ :‬إن هذا الحديث هو نفس الحديث السابق‪ ،‬الذي وقع‬ ‫مع هذه القبيلة وهم ال ُحرقة من جهينة‬

‫وبعضهم يقول‪ :‬لا‪ ،‬هذا وقع في بعض ساحل اليمن‪ ،‬وكان قائد الجيش في‬ ‫هذا هو عبد الله بن غالب الليثي رضي الله عنه ‪ ،‬وقائد الجيش في قصة‬ ‫ال ُحرقة هو أسامة بن زيد رضي الله عنه‬ ‫وقد تكون هذه الواقعة واحدة إذا كان ذلك الذي َقتل كما سيأتي هو أسامة‬ ‫بن زيد؛ لأنه لا يمكن أن يكررها أسامة مرة أخرى بعد ماقاله له رسول‬ ‫الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫وأن رجلا من المسلمين قصد غفلته‪ ،‬وكنا نتحدث أنه أسامة بن زيد‪ ،‬إن‬ ‫كان فعلا هو أسامة بن زيد فهي واقعة واحدة‪ ،‬فلما رفع عليه السيف‪،‬‬ ‫قال‪ :‬لا إله إلا الله‬ ‫في الحديث السابق حديث أسامة بن زيد أنه طعنه‪ ،‬ويمكن أن يكون طعنه‬ ‫ورفع عليه السيف‪ ،‬يمكن أن يكون رفع عليه السيف ثم طعنه لما اتقاه‬ ‫فجاء البشير إلى رسول الله ‪ ،‬فسأله وأخبره‪ ،‬حتى أخبره خبر الرجل‬ ‫كيف صنع‪ ،‬فسأله فقال‪\" :‬فكيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم‬ ‫القيامة؟\"‬ ‫قال‪ :‬يا رسول الله استغفر لي‪ ،‬قال‪\" :‬وكيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت‬ ‫يوم القيامة؟\" ‪ ،‬فجعل لا يزيد على أن يقول‪:‬‬ ‫\"كيف تصنع بلا إله إلا الله؟\"‪ ،‬أي من يشفع لك ومن يحاج عنك ويجادل‬ ‫إذا جيء بكلمة التوحيد يوم القيامة‬ ‫وقيل كيف قتلت من قالها وقد حصل له ذمة الإسلام وحرمته‬ ‫مع أن أسامة بن زيد هو ِح ّب رسول الله ‪ ،‬لكنه لم يستغفر له‬ ‫وهذا يدل على أن الناس يحملون على الظاهر‪ ،‬و ُتوكل سرائرهم إلى الله تعالى‬

‫الحديث الخامس والتسعون بعد الثلاثمائة‬ ‫عن عبد الله بن عتبة بن مسعود َقالَ‪َ :‬س ِم ْع ُت عمر بن الخطاب رضي الله‬ ‫عنه يقولُ‪ :‬إ َّن َناسا َكا ُنوا ُي ْؤ َخ ُذو َن ِبال َو ْحيِ في َع ْه ِد َر ُسول الله صلى الله‬ ‫عليه وسلم‪َ ،‬وإ َّن ال َو ْح َي َق ِد ا ْن َق َط َع‪ ،‬وإِ َّن َما َنأ ُخ ُذ ُك ُم الآن بما َظ َه َر لَ َنا ِم ْن‬ ‫أع َمالِ ُك ْم‪َ ،‬ف َم ْن أ ْظ َه َر لَ َنا َخ ْيرا أ َّم َّناهُ َو َق َّر ْب َناهُ‪َ ،‬ولَ ْي َس لَ َنا ِم ْن َس ِري َرتِ ِه َش ْيء‪،‬‬ ‫اللهُ ُي َحا ِس ُب ُه فِي َس ِري َر ِت ِه‪َ ،‬و َم ْن أ ْظ َه َر لَ َنا ُسوءا لَ ْم َنأ َم ْن ُه َولَ ْم ُن َص ِّد ْق ُه َوإ ْن‬ ‫َقالَ‪ :‬إ َّن َس ِري َر َت ُه َح َس َن ٌة‬ ‫رواه البخاري‬ ‫شرح الحديث‬ ‫أي أن النبي كان الله تعالى يظهره ويطلعه على ما شاء من وحيه‪،‬‬ ‫ففي غزوة تبوك جاء المنافقون يعتذرون إلى النبي بالمعاذير الكاذبة‪،‬‬ ‫ويقول بعضهم ‪ :‬ائذن لي ولا تفتني‬ ‫فالله تعالى ينزل القرآن‪َ { :‬و ِم ْن ُهم َّمن َي ُقولُ ا ْئ َذن لِّي َولاَ َت ْفتِ ِّني أَلاَ فِي‬ ‫ا ْلفِ ْت َن ِة َس َق ُطو ْا َوإِ َّن َج َه َّن َم َل ُم ِحي َط ٌة ِبا ْل َكافِ ِري َن} [التوبة‪]49:‬‬ ‫وغير ذلك من المواقف التي جلّى الله تعالى فيها لنبيه دخائل هؤلاء‬ ‫وب ّين مكنونات نفوسهم وأظهرها‪ ،‬لكن الوحي قد انقطع بعد موت النبي‬ ‫‪ ،‬فيقول عمر رضي الله عنه ‪\" :‬وإنما نأخذكم الآن بما ظهر لنا من‬ ‫أعمالكم‪ ،‬فمن أظهر لنا خيرا أ ّم ّناه وق ّربناه‪ ،‬وليس لنا من سريرته شيء‪،‬‬ ‫الله يحاسبه في سريرته‪ ،‬ومن أظهر لنا سوءا لم َنأ َمنه ولم نصدقه وإن‬ ‫قال‪ :‬إن سريرته حسنة\"‬

‫يقول عمر رضي الله عنه نحن نأخذ الناس بما ظهر منهم‪ ،‬ومن هذا‬ ‫المنطلق ‪ :‬ينبغي للمؤمن أن ينظر فيما يصدر منه من الأقوال والأفعال‬ ‫وسائر التصرفات‪ ،‬فإن الناس إنما يحكمون بحسب الظاهر‪ ،‬فمن أوقع‬ ‫نفسه في مواقع الريب ودخل مداخل الريب‪ ،‬وظهر منه تصرفات تدل على‬ ‫خلل في أمانته أو ديانته أو نحو ذلك فإنه لا يلوم الناس بعد ذلك إذا‬ ‫أساءوا الظن به‪ ،‬هو المتسبب في هذا‬ ‫فيحمل الناس على ظواهرهم‪ ،‬والله يتولى سرائرهم‪ ،‬وهذا المنهج ينبغي‬ ‫أن يكون هو المنهج في التعامل مع الآخرين‪ ،‬وفي الحكم عليهم‬

‫المقدمة‬ ‫باب الخوف‬ ‫الحديث السادس والتسعون بعد الثلاثمائة‬ ‫عن أَبِي عب ِد الرحم ِن عب ِد اللهِ بن مسعـو ٍد رضي اللهُ عنه‪،‬‬ ‫قال‪َ :‬ح َّد َث َنا رسولُ الل ِه َص َّلى اللهُ َع َل ْي ِه َو َس َّل َم و ُه َو ال َّصا ِد ُق ال َم ْص ُدوق‪:-‬‬ ‫\" إ َّن أ َح َد ُك ْم ُي ْج َم ُع َخ ْلقُ ُه في َب ِط ِن أُ ِّمه أربعي َن يوما ‪ُ ،‬ث َّم يكو ُن َع َل َقة ِمثلَ‬ ‫ذل َك‪ُ ،‬ث َّم يكو ُن ُم ْض َغة مثلَ ذل َك‪ُ ،‬ث َّم ُي ْر َسلُ ال َملَ ُك‪َ ،‬ف َي ْنفُ ُخ في ِه ال ُّرو َح‪ ،‬و ُي ْؤ َم ُر‬ ‫ِبَغأَْي ْرُرَبه ِعإكَّنلمأَا َح ٍَتد ُ‪:‬ك ْمبِ ََلك َْيتعـب َم ِرلُ ْزبقِع ِهم‪ِ ،‬ل َوأأَهَج ِلِل ِها‪،‬لجون َِةع َملِح ِهت‪،‬ى َوما َشقِيكيوأ ُنو َبسي َعني ُه ٌد؛وبَفيَ َونالهاِذ إليالاِذ َإرلَا َهٌع‬ ‫َف َي ْس ِب ُق علي ِه الكتا ُب ف َيعـ َملُ بعـم ِل أه ِل النا ِر َف َيد ُخلُ َها‪ .‬وإ َّن أح َد ُكم ل َيعملُ‬ ‫بعم ِل أه ِل ال َّنا ِر ح َّتى ما َيكو ُن َبي َن ُه و َبي َن َها إلا ِذ َرا ٌع َفـ َيسبِ ُق علي ِه الكتا ُب‬ ‫ف َي ْع َملُ ِب َع َم ِل أه ِل ال َج َّن ِة َف َي ْد ُخلُ َها \"‬ ‫[رواه البخاري ومسلم]‬ ‫شرح الحديث‬ ‫ُيب ِّي ُن ال َّنب ُّي صلَّى الله عليه وسلَّم تطور َخ ْل َق الإنسا ِن في بطن أمه وأنه‬ ‫يمر بأربعة اطوار‬ ‫▪ ف َيكو ُن في الطور الأ َّو ِل لِ ُم َّدة أر َبعين يوما ُن ْط َفة‬ ‫▪ ث َّم ي َتح َّول في الطور الثاني لم َّدة أربعين يوما إلى َع َلقة‪ ،‬أي‪ُ :‬نقط ٍة‬ ‫دم ِو َّية جا ِمدة َت ْعلَق بال َّر ِحم‬

‫▪ ث َّم يتح َّولُ في الطور ال َّثالث لم َّدة أر َبعين يوما ُم ْض َغة‪ ،‬أي‪ :‬قطع َة لَ ْح ٍم‬ ‫َصغيرة ِب َق ْدر ما َي ْم َضغ الإنسا ُن في ال َف ِم‬ ‫▪ ث َّم في الطور ال َّرابع ينفخ فيه الروح‪ ،‬ويكو ُن قد أكملَ أربع َة أش ُهر‬ ‫ثم ُير ِسلُ اللهُ إليه ا ْل َم َلك المو َّكلَ بالأرحا ِم و ِكتاب ِة الأَ ْق َدا ِر؛ ف َيك ُتب أعما َله‬ ‫التي َيف َعلها ِطيلَ َة حياتِه خيرا أو ش ّرا‪ ،‬و ِر ْز َقه وأ َجلَه و َيك ُتب خاتِ َمته‬ ‫و َمصي َره الذي َينتهي إليه إن كان ِمن أه ِل ال َّشقاو ِة أو ِمن أهل ال َّسعادة‪،‬‬ ‫ِمن أهل الج َّن ِة أو ال َّنار‬ ‫فاحوال الإنسان تكتب عليه وهو في بطن أمه رزقه وعمله وآجله وشقي‬ ‫أو سعيد‬ ‫((فإ َّن ال َّرجلَ ل َيع َمل بع َم ِل أه ِل الج َّن ِة ح َّتى ما َيكو ُن بي َنه وبي َن الج َّن ِة إ َّلا‬ ‫ِذ َراع))؛ وهو َغاي ُة القُ ْرب‬ ‫((ف َي ْسبِق عليه ِك َتا ُبه))‪ ،‬أي‪ :‬ف َيكون قد ُكتِب عليه سابقا في َب ْط ِن أ ِّمه أ َّنه‬ ‫َشقِي‪ ،‬ف ُيخ َتم له بال َّشقاوة‬ ‫((ف َي ْع َمل بع َم ِل أه ِل ال َّنار ف َيد ُخلها)) كما س َبق به ال َق َد ُر‬ ‫وفي الحدي ِث ‪ :‬أن الإنسان يجب أن يكون على خوف ورهبة‪ ،‬لأن رسول‬ ‫الله صلى الله عليه وسلم أخبر ‪ {:‬إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما‬ ‫يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار‬ ‫فيدخلها }‬ ‫وفيه‪ :‬أنه لا ينبغي لإنسان أن يقطع الرجاء فإن الإنسان قد يعمل‬ ‫بالمعاصي دهرا طويلا ثم يمن الله عليه بالهداية فيهتدي في آخر عمره‪.‬‬


Like this book? You can publish your book online for free in a few minutes!
Create your own flipbook