فإن قال قائل :ما الحكمة في أن الله يخذل هذا العامل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار؟ فالجواب :إن الحكمة في ذلك هو أن هذا الذي يعمل بعمل أهل الجنة إنما يعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وإلا فهو في الحقيقة ذو طوية خبيثة ونية فاسدة ،فتغلب هذه النية الفاسدة حتى يختم له بسوء الخاتمة نعوذ بالله من ذلك. ﷺوعلى هذا فيكون المراد بقوله { :حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع} قرب أجله لا قربه من الجنة بعمله.
الحديث السابع والتسعون بعد الثلاثمائة عن ابن مسعود رضي الله عنه َقالََ :قالَ َر ُسول الله صلى الله عليه وسلم: (( ُيؤ َتى بِ َج َه َّن َم َيو َمئ ٍذ لَ َها َس ْب ُعو َن أل َف ِز َما ٍمَ ،م َع ُكلِّ ِز َما ٍم َسب ُعو َن أ ْل َف َم َل ٍك َي ُج ُّرو َن َها)) رواه مسلم شرح الحديث َجه َّن ُم ُملت َقى ال ُعصا ِة وال َكفر ِة ،فيها ال َعذا ُب الأَلي ُم لِم ْن خا َلف أَم َره ُسبحا َنه و َتعالى ،و َتج َّن َب ِهداي َته َوج َعلَ طاع َته َخل َف َظه ِره وفي هذا ال َحدي ِث ُيخبِ ُر ال َّنب ُّي ص ّلَى اللهُ علي ِه وس َّلم بأ َّنه\" ُيؤ َتى بِجه َّنم يومئ ٍذ\" ،أيِ :م َن ال َمكا ِن الَّتي َخل َقها اللهُ َتعالى في ِهَ ،كما في َقو ِل اللهِ َتعالىَ { :و ِجي َء َي ْو َمئِ ٍذ ِب َج َه َّن َم} [الفجر]23 : \"و َيومئ ٍذ\" ،أي :يو َم القِيام ِة \" َلها َسبعو َن أَل َف ِز َما ٍم\" ،وه َو ما ُيش ُّد ِبهَ \" ،مع كلِّ زما ٍم َسبعو َن أَل َف َملَ ٍك َي ُج ُّرو َن َها\" ،أيَ :يس َحبو َنها َفلا َيبقى للج َّن ِة َطري ٌق إ َّلا ال ِّصرا َط على َظه ِر َجه َّنم وفي الحدي ِث ِ :ع َظ ُم َخ ْل ِق ال َّنا ِر ،أعا َذنا اللهُ تعالى منها
الحديث الثامن والتسعون بعد الثلاثمائة عن النعمان بن بشير رضي الله عنهماَ ،قالََ :س ِم ْع ُت َر ُسول الله صلى الله عليه وسلم يقول(( :إ َّن أ ْه َو َن أ ْه ِل ال َّنا ِر َع َذابا َي ْو َم القِ َيا َم ِة لَ َر ُجلٌ يوض ُع في أ ْخ َم ِص َق َد َم ْي ِه َج ْم َر َتا ِن َي ْغلِي ِم ْن ُه َما ِد َما ُغ ُهَ .ما َي َرى أ َّن أَ َحدا أ َش ُّد ِم ْن ُه َع َذاباَ ،وأ َّن ُه لأَ ْه َو ُن ُه ْم َع َذابا)) ُم َّت َف ٌق َع َليه شرح الحديث \"جمرتان يغلي منهما دماغه\" ،وهذا يدل على شدة حر النار وعذابها، وأن ذلك لا يمكن أن يتصوره الإنسان أو يتخيله ،فهو شيء يفوق الوصف -أعاذنا الله وإياكم منها جمرتان يغلي منهما دماغه ،نسأل الله العافية ،هذا أخف أهل النار ،فكيف بأشد أهل النار عذابا يوم القيامة؟ ،كيف يكون حاله وما يقاسيه من ألوان العذاب والحميم؟ فهذه أمور يحتاج الإنسان أن يتأملها ،ويقف عندها ويعظ نفسه بمثل هذه النصوص الثابتة الصحيحة \"ما يرى أن أحدا أشد منه عذابا ،وإنه لأهونهم عذابا\" ،هو يرى أنه أشد أهل النار عذابا مع أنه يطأ على جمرتين ،فكيف بالذين يطوفون في حميم وفي ألوان السعير ،ويشربون من صديد أهل النار ومن الحمأ، ويأكلون الزقوم ،ويقاسون ألوان العذاب والإحراق؟!.
الحديث التاسع والتسعون بعد الثلاثمائة عن سمرة بن جندب رضي الله عنه أ َّن نب َّي الله صلى الله عليه وسلم َقالَ: (( ِم ْن ُه ْم َم ْن َتأ ُخ ُذهُ ال َّنا ُر إِ َلى َك ْع َبي ِهَ ،وم ْن ُه ْم َم ْن َتأ ُخ ُذهُ إِلَى ُر ْك َب َتي ِهَ ،وم ْن ُه ْم َم ْن َتأ ُخ ُذ ُه إِ َلى ُحج َزتِ ِهَ ،و ِم ْن ُه ْم َم ْن َتأ ُخ ُذهُ إِلَى َت ْر ُق َو ِت ِه)) رواه مسلم. شرح الحديث \"منهم من تأخذه النار إلى كعبيه\" \"منهم\" أي من اهل النار والكعبان معروفان وهما عظمان ناتئان في أسفل بين الساق وبين القدم \" ومنهم من تأخذه إلى ركبتيه ،ومنهم من تأخذه إلى ُحج َزته\" ،وال ُحجزة المقصود بها معقد الإزار تحت السرة \" ومنهم من تأخذه إلى ترقوته\" والترقوة هي العظم الذي عند ثغرة النحر ،وللإنسان ترقوتان في جانبي النحر ومنهم من تغمره النار وتأكله جميعا ،والناس يتفاوتون ،فالنار دركات كما أن الجنة درجات ،والنار التي تكون للكافرين أسفلُها وأعظمها حرا وأشدها إحراقا هي النار التي تكون للمنافقين والإنسان قد يدخل النار بكلمة واحدة ،والنبي ﷺ أخبر أنه دخلت امرأة النار في هرة حبستها ،بسبب هرة ،فالأمر ليس بالسهل والله تعالى قد أهبط آدم عليه السلام وأخرجه من الجنة بسبب أكلة ،وحكم بقطع يد السارق في ربع دينار ،فالذي قال عن نفسه -تبارك وتعالى:
{إنه غفور رحيم} ،كما في قولهَ {:ن ِّب ْئ ِع َبا ِدي أَ ِّني أَ َنا ا ْل َغ ُفو ُر ال َّر ِحي ُم} [الحجر]49: أخبر أيضا أنه شديد العقاب ،شديد العذابَ { ،وأَ َّن َع َذابِي ُه َو ا ْل َع َذا ُب الأَلِي َم} [الحجر]50: فالإنسان ينبغي أن يكون أحرص ما يكون على سلامته وعافيته من هذه النار ،وأن تكون عاقبته حميدة ،وأن لا يكون أحد أحرص منه على مستقبله الحقيقي الذي ينعم فيه أبدا ،أو يعذب فيه أبدا هذه الحياة مهما أعطي الإنسان من نعيمها وروحها ولذاتها وسرورها وقصورها وكنوزها إنما هي حياة يسيرة ،أما تلك الحياة هي التي تحتاج إلى عمل ،تحتاج إلى توبة دائما ،ورجوع إلى الله تعالى ،ومحاسبة للنفوس ،وإقبال بالأعمال
الحديث الربعمائة عن ابن عمر رضي الله عنهما :أ َّن رسول الله صلى الله عليه وسلم َقالَ: (( َيقُو ُم ال َّناس لِ َر ِّب ال َعالَمي َن َح َّتى َي ِغي َب أ َح ُد ُه ْم في َر ْش ِح ِه إِ َلى أ ْن َصا ِف أُ ُذ َني ِه)) ُم َّت َف ٌق َع َلي ِه. شرح الحديث ((ال َّر ْش ُح)) :ال َع َر ُق ،قيل :سبب هذا العرق تراكم الأحوال وتزاحم ح ّر الشمس والنار ،كما جاء أ ّن جهنم تدير بأهل المحشر فلا يكون لأهل الجنة طريق إلا الصراط فيكون الناس في ذلك العرق على قدر أعمالهم \" يقوم الناس\" أي :من قبورهم في يوم القيامة لرب العالمين { َي ْو َم َيقُو ُم ال َّنا ُس لِ َر ِّب ا ْل َعالَ ِمي َن} [المطففين]6: فيصيبهم ما يصيبهم في ذلك اليوم من الشدة والحر ،وينالهم من ذلك بقدر أعمالهم ،فيكون العبد بحسب تقصيره وحاله مع الله تعالى ،وتدنو الشمس من الناس على قدر ميل ويقف الناس في ذلك اليوم ،ويطول ج ّدا على الكافرين ،كما قال الله - تبارك وتعالى { :-فِي َي ْو ٍم َكا َن ِم ْق َدا ُرهُ َخ ْم ِسي َن أَ ْل َف َس َن ٍة} [المعارج]4: فهو يوم طويل.
\"يغيب أحدهم في رشحه\" أي :في عرقه ،إلى أنصاف أذنيه وهذا بحسب عمله ،ومن الناس من يكون دون ذلك ،كما في الحديث الآخر الذي يدل على أن الناس يتفاوتون في ذلك المراجع شرح رياض الصالحين الشيخ /ابن عثيمين شرح رياض الصالحين الشيخ /خالد السبت شرح رياض الصالحين الشيخ /ابن باز الدرر السنية تطريز رياض الصالحين قسم السنة المطهرة مشروع النور المبين
Search
Read the Text Version
- 1
- 2
- 3
- 4
- 5
- 6
- 7
- 8
- 9
- 10
- 11
- 12
- 13
- 14
- 15
- 16
- 17
- 18
- 19
- 20
- 21
- 22
- 23
- 24
- 25
- 26
- 27
- 28
- 29
- 30
- 31
- 32
- 33
- 34
- 35
- 36
- 37
- 38
- 39
- 40
- 41
- 42
- 43
- 44
- 45
- 46
- 47
- 48
- 49
- 50
- 51
- 52
- 53
- 54
- 55
- 56
- 57
- 58
- 59
- 60
- 61
- 62
- 63
- 64
- 65
- 66
- 67
- 68
- 69
- 70
- 71
- 72
- 73
- 74
- 75
- 76
- 77
- 78
- 79
- 80
- 81
- 82
- 83
- 84
- 85
- 86
- 87
- 88
- 89
- 90
- 91
- 92
- 93
- 94
- 95
- 96
- 97
- 98
- 99
- 100
- 101
- 102
- 103
- 104
- 105
- 106
- 107
- 108
- 109
- 110
- 111
- 112
- 113
- 114
- 115
- 116
- 117
- 118
- 119
- 120
- 121
- 122
- 123
- 124
- 125
- 126
- 127
- 128
- 129
- 130
- 131
- 132
- 133
- 134
- 135
- 136
- 137
- 138
- 139
- 140
- 141
- 142
- 143
- 144
- 145
- 146
- 147
- 148
- 149
- 150
- 151
- 152
- 153
- 154
- 155
- 156
- 157
- 158
- 159
- 160
- 161
- 162
- 163
- 164
- 165
- 166
- 167
- 168
- 169
- 170
- 171
- 172
- 173
- 174
- 175
- 176
- 177
- 178
- 179
- 180
- 181
- 182
- 183
- 184
- 185
- 186
- 187
- 188
- 189
- 190
- 191
- 192
- 193
- 194
- 195
- 196
- 197
- 198
- 199
- 200
- 201
- 202
- 203
- 204
- 205
- 206
- 207