Important Announcement
PubHTML5 Scheduled Server Maintenance on (GMT) Sunday, June 26th, 2:00 am - 8:00 am.
PubHTML5 site will be inoperative during the times indicated!

Home Explore قصص الصحابة

قصص الصحابة

Published by كتاب فلاش Flash Book, 2021-03-28 18:49:42

Description: قصص الصحابة

Search

Read the Text Version

www.alukah.net ‫ﺷﺒﻜﺔ‬ M  

‫‪www.alukah.net‬‬ ‫ﺷﺒﻜﺔ‬ ‫‪M‬‬ ‫الطبعة الأولى‬ ‫جميع حقوق الطبع‬ ‫‪1436‬هـ ‪2015 -‬م‬ ‫محفوظة للناشر‬ ‫ولا يجوز نهائًيا نشر‬ ‫رقم الإيداع‬ ‫أو اقتباس‬ ‫أو اختزال‬ ‫أو نقل أي جزء من‬ ‫الكتاب دون الحصول‬ ‫على إذن كتابي‬ ‫من الناشر‬ ‫‪‬‬

www.alukah.net ‫ﺷﺒﻜﺔ‬ M ‫تأليف‬ 

www.alukah.net ‫ﺷﺒﻜﺔ‬   

‫‪www.alukah.net‬‬ ‫ﺷﺒﻜﺔ‬ ‫‪M‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪Y‬‬ ‫الحم�د لله رب العالمين‪ ،‬والصلاة والسلام على خات�م‬ ‫الأنبياء والمرسلين‪ ،‬نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬ ‫أمابعد‪:‬‬ ‫فإن َقصص الصحابة ‪ M‬مدرس� ٌة عظيم ٌة اع َتنى بها‬ ‫الق�رآ ُن‪ ،‬واع َتنَ ْت بها س�ن ُة رس�ول الله‪ ،0‬لكي يتأ َّس�ى‬ ‫بهم ويسي َر على طريقهم الكبا ُر والصغار‪ ،‬والرجال والنس�اء؛‬ ‫لأن أصحاب النب�ي ‪0‬من المهاجرين والأنصار قدموا‬ ‫وأعطوا للإسلام وقتهم وجهدهم وأموالهم‪ ،‬فكانوا خير جيل‬ ‫في خير أمة أخرجت للناس‪.‬‬ ‫ب�ل ه�م أفضل م�ن أصحاب نب�ي الله موس�ى ‪،S‬‬ ‫وأفضل م�ن الحواريين الذين صاحبوا عيس�ى ‪ .S‬ومن‬ ‫أجل ذلك أيها الأبن�اء أثنى الله عليهم في القرآن‪ ،‬وأثنى عليهم‬ ‫ومدحهم رسول الله ‪n .0‬‬ ‫‪5‬‬ ‫‪ ‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬ ‫ﺷﺒﻜﺔ‬ ‫‪M‬‬ ‫‪[ :4‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ‬ ‫ﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢ‬ ‫ﭣ ﭤﭥﭦﭧ ﭨﭩﭪ] [‪.]100 :G‬‬ ‫َو‪[ :6‬ﭑ ﭒ ﭓﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ‬ ‫ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭦﭧ‬ ‫ﭨﭩﭪ ﭫﭬﭭﭮﭯ ﭰﭱﭲ ﭳﭴ]‬ ‫[‪]29 :W‬‬ ‫وقال رسول الله‪« :0‬خير أمتي قرنى‪.»...‬‬ ‫وقال‪« :‬لا تسبوا أصحابي‪.»...‬‬ ‫وه�ذا ‪ -‬أبنائ�ي الأع�زاء ‪ -‬كت�اب‪« :‬قص��ص الصحابة‬ ‫للأطف��ال» قم�ت بكتابته بع�د أن وفقني الله وشرفن�ي بكتابة‬ ‫كتاب «قصص الأنبي��اء للأطفال»‪ ،‬وكتاب «قصص القرآن‬ ‫للأطف��ال»‪ ،‬وهاه�و ‪ -‬أبنائ�ي ‪ -‬كت�اب «قص��ص الصحاب��ة‬ ‫للأطف��ال»‪ ،‬فق�د اس�تعنت بالله تع�الى في كتابت�ه‪ ،‬وقد جعلت‬ ‫أسلوبه سهلاً و ُمبس ًطا؛ حتى يتمكن الأبناء من فهمه وقراءته‪،‬‬ ‫ويكون عو ًنا لهم على معرفة أفضل الخلق بعد الأنبياء وال ُرسل‪n،‬‬ ‫‪6‬‬ ‫‪‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬ ‫ﺷﺒﻜﺔ‬ ‫‪M‬‬ ‫وه�م جي�ل الصحاب�ة الذي�ن صاحبوا رس�ول الله‪،0‬‬ ‫وماتوا على ما كان عليه‪.0‬‬ ‫نسأل الله أن يتقبله خال ًصا لوجهه الكريم‪.‬‬ ‫كتبه‬ ‫عضو اتحاد ال ُكّتاب المسلمين‬ ‫ومؤلف برابطة العالم الإسلامي برقم (ج‪)745 /‬‬ ‫محافظة البحيرة ‪ -‬حدائق كفر الدوار‬ ‫‪01223840012 - 01125807887‬‬ ‫‪n7‬‬ ‫‪ ‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬ ‫ﺷﺒﻜﺔ‬ ‫‪M‬‬ ‫أبي بكر الصديق ‪I‬‬ ‫أبو بكر الصديق‪ :‬هو عبد الله بن عثمان بن عامر بن سعد‪،‬‬ ‫من‪ :‬بني تيم‪ ،‬واس��م أمه‪ :‬أم الخير سلمى بنت صخر بن عامر‪،‬‬ ‫مات�ت مس�لمة‪ ،‬وكان أب�و بكر يس�مى «عتي ًقا»‪ ،‬فق�د نظر إليه‬ ‫رسول الله‪ 0‬وقال‪ :‬هذا عتيق الله من النار‪.‬‬ ‫كان أبو بكر قبل الإسلام لا يشرب الخمر‪ ،‬ولا يحب اللهو‬ ‫والأغاني وعبادة الأصنام‪.‬‬ ‫وكان في مك�ة كل قبيلة لها عم�ل تقوم به‪ ،‬وكان «بنو تيم»‬ ‫وه�م قبيلة أبي بكر ضعف�اء‪ ،‬وعددهم قلي�ل‪ ،‬وأموالهم قليلة‪،‬‬ ‫فل�م يتول�وا أي عم�ل لقريش‪ ،‬حت�ى خرج أبو بك�ر من بينهم‬ ‫ف�كان يعطف على الفقير ويس�اعد المظلوم‪ ،‬وينصر الضعيف ‪،‬‬ ‫فت�ولى أمر ( الديات)((( في قريش‪ ،‬يدفعها ويزيد عليها‪ ،‬فأحبه‬ ‫أهل قريش جمي ًعا لجمال وحسن أخلاقه وأفعاله‪.‬‬ ‫(‪ )1‬الدي��ات‪ :‬جم�ع دي�ة‪ ،‬وه�و مبلغ م�ن الم�ال ُيدفع لأه�ل القتي�ل إذا رضوا‬ ‫‪8n‬‬ ‫بذلك‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬ ‫ﺷﺒﻜﺔ‬ ‫‪M‬‬ ‫إسلام أبي بكر‬ ‫بين شعاب مكة‪ ،‬وحول الكعبة تع َّرف أبو بكر على الأمين‬ ‫محمد ‪ ،0‬ولم يكن قد أرسله الله نب ًيا بعد‪ ،‬ولكن جمعهما‬ ‫تق�ارب الس�ن‪ ،‬فأب�و بك�ر أصغ�ر م�ن رس�ول الله ‪0‬‬ ‫بعامين‪ ،‬وجمعهما حب الله ‪ -‬تعالى ‪ -‬وعبادته‪ ،‬والأمانة‪ ،‬وفعل‬ ‫الخير‪ ،‬وقول الحق‪ ،‬فكانا صديقين قبل الإسلام‪.‬‬ ‫وي�وم أن بع�ث الله محم ًدا ‪ 0‬رس�ولاً للناس‪ ،‬كان‬ ‫أبو بكر أول المؤمنين به‪.‬‬ ‫وقصة إسلام أبي بكر قصيرة وعجيبة‪ ،‬فلقد ذهب أبو بكر‬ ‫إلى رس�ول الله ‪ 0‬لم�ا عل�م ببعثته فق�ال‪ :‬يا أبا القاس�م‬ ‫ما الذي بلغني عنك؟‪.‬‬ ‫قال‪ :‬وما بلغك عني يا أبا بكر؟‪.‬‬ ‫قال‪ :‬إنك تدعو إلى الله وتزعم أنك رسول الله‪.‬‬ ‫‪n9‬‬ ‫‪‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬ ‫ﺷﺒﻜﺔ‬ ‫‪M‬‬ ‫قال‪ :‬نعم يا أبا بكر إن الله جعلني بشي ًرا ونذي ًرا‪ ،‬وأرسلني‬ ‫للناس جمي ًعا‪.‬‬ ‫فق�ال أبو بكر‪ :‬والله ما جربت علي�ك كذ ًبا قط(((‪ ،‬وإنك‬ ‫لخليق((( بالرس�الة؛ لعظم أمانتك‪ ،‬وصلتك لرحمك‪ ،‬وحس�ن‬ ‫فعالك‪ ،‬ثم أسلم أبو بكر ‪.I‬‬ ‫ومن�ذ هذه اللحظة عرف أبو بكر أن الإسلام هو الطريق‬ ‫إلى الجنة‪ ،‬وأن من أس�لم لا بد أن يضحي بنفسه وماله‪ ،‬فذهب‬ ‫إلى عثامن ب�ن عفان‪ ،‬والزبير ب�ن العوام‪ ،‬وطلح�ة بن عبيد الله‬ ‫فأس�لموا على يديه وهم من العشرة المبشرين بالجنة‪ ،‬حتى نظر‬ ‫إلي�ه رس�ول الله ‪ 0‬فقال‪ :‬ه�ذا عتيق((( الله م�ن النار‪،‬‬ ‫ف ُسمي أبو بكر من يومها‪ :‬العتيق‪.‬‬ ‫(‪ )1‬لم أعرف عنك الكذب‪.‬‬ ‫(‪ )2‬جدير‪.‬‬ ‫(‪ )3‬عتيق‪ :‬الحر ومعناه أن الله نجاه من عذاب النار‪.‬‬ ‫‪10 n‬‬ ‫‪ ‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬ ‫ﺷﺒﻜﺔ‬ ‫‪M‬‬ ‫وتحول الإيمان في قلبه إلى جبل لا تحركه الزلازل‪ ،‬ولا يقبل‬ ‫أن يبيعه بمال الدنيا كله حتى صار أبو بكر هو الرجل الذي إذا‬ ‫وض�ع إيمانه في كفة ميزان‪ ،‬ووض�ع إيمان الأمة في كفة أخرى‪،‬‬ ‫لرجحت كفة أبي بكر إلى يوم القيامة‪ .‬‬ ‫موقف أبي بكر مع بلال بن رباح‬ ‫يظ�ن بعض الناس خط� ًأ أن أبا بك�ر كان غن ًيا؛ لأنه ورث‬ ‫المال عن أبيه أو أمه‪ ،‬ولكن ليس هذا صحي ًحا‪ ،‬فإن أبا بكر كان‬ ‫تاج ًرا صاد ًقا فأغناه الله حتى وصل ماله أربعين ألف درهم‪.‬‬ ‫وكان رجًل�اً كثير العيال ينف�ق على أهله‪ ،‬ب�ل وينفق على‬ ‫أبيه الذي أصابه العمى آخر حياته‪ ،‬وعلى أمه التي عجزت هي‬ ‫الأخرى عن العمل‪ ،‬بل وينفق على إخوته الصغار أي ًضا‪.‬‬ ‫وحينما أرس�ل الله ‪ D‬نبيه محم ًدا ‪ 0‬بالإسلام‬ ‫ظ َّل�ت الدع�وة س ًرا ثلاث س�نوات كامل�ة‪ ،‬ثم أم�ر الله نبيه أن‬ ‫يعلن دعوته للناس جمي ًع�ا‪ ،‬ومن لحظتها بدأ المشركون يعادون‬ ‫الإسلام وأهله فعذبوا الضعفاء‪ ،‬و حاربوا الأغنياء‪ ،‬حتى كان‪n‬‬ ‫‪11‬‬ ‫‪ ‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬ ‫ﺷﺒﻜﺔ‬ ‫‪M‬‬ ‫القادم�ون إلى مكة يس�معون آه�ات المعذبين وأ َّن�ات الضعفاء‬ ‫تنبعث من المسلمين الذين أوذوا في سبيل الله‪.‬‬ ‫ونظر أبو بكر بعينه إلى بلال وهو يعذب وكان عب ًدا حبش ًيا‬ ‫لرج�ل من الكفار اس�مه «أمية بن خل�ف»‪ ،‬وكان بلال يوضع‬ ‫عري�ا َن على رم�ال مكة‪ ،‬ث�م يوضع الحج�ر الكبير على بطنه‪،‬‬ ‫ويرب�ط بالجبال ويش�ده صبي�ان مكة وهم يس�خرون منه وهو‬ ‫يردد كلمته الخالدة‪َ :‬أح ٌد َأح ٌد‪.‬‬ ‫وتح�رك أبو بكر فذهب إلى داره وأحضر المال ثم ذهب إلى‬ ‫أمية بن خلف فقال له‪ :‬بعني باللاً ‪.‬‬ ‫قال‪ :‬أبيعه بخمس أواق من الذهب‪ ،‬فاشتراه أبو بكر‪.‬‬ ‫فق�ال أمية‪ :‬لو دفع�ت واحدة فقط لكن�ت رضيت‪ ،‬فقال‬ ‫أبو بكر‪ :‬لو طلبت أنت مائة أوقية لأعطيتك‪.‬‬ ‫وهك�ذا يرى أبو بك�ر أن ماله إنما ه�و لله تعالى‪ ،‬فلا يبخل‬ ‫به على المس�لمين في مكة بل يدفعه إليهم ليخلصهم من عذاب‬ ‫‪12 n‬‬ ‫‪‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬ ‫ﺷﺒﻜﺔ‬ ‫‪M‬‬ ‫المشركين‪ ،‬حتى قال رس�ول ‪ 0‬الله عن أبي بكر وبلال‪:‬‬ ‫سيدنا أعتق((( سيدنا‪.‬‬ ‫ولم يك�ن بلال وحده هو الذي اشرتاه أبو بك�ر‪ ،‬بل كان‬ ‫يبحث عن العبيد الذين أس�لموا فيشرتيهم بماله حتى قالوا في‬ ‫مكة‪ :‬إنه يشتريهم ليدفعوا عنه‪.‬‬ ‫وين�زل القرآن ببراءة أبي بكر‪ ،‬فيقول الله تعالى عن أبي بكر‬ ‫[ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ‬ ‫ﭦ ﭧﭨﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮﭯﭰ]‬ ‫[‪]21 - 17 :w‬‬ ‫وهك�ذا عرف الجمي�ع المس�لمون والمشرك�ون أن أبا بكر‬ ‫إنام دف�ع ماله في س�بيل الله‪ ،‬لا لغرض دني�وي أو فخر يتباهى‬ ‫ب�ه بين الن�اس‪ ،‬وهذه ه�ي صف�ات المؤمنين ومنهم أب�و بكر‬ ‫‪.I‬‬ ‫(‪ )1‬أعتق‪ :‬حرره وخلصه من العبودية‪.‬‬ ‫‪n 13‬‬ ‫‪‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬ ‫ﺷﺒﻜﺔ‬ ‫‪M‬‬ ‫دفاع أبي بكر عن رسول الله ‪0‬‬ ‫ذات م�رة وقف رس�ول الله‪ 0‬في مكة أمام الكعبة‬ ‫يتل�و الق�رآن على المشركين فقام�وا علي�ه يضربون�ه‪ ،‬ورآهم‬ ‫أبو بكر فقام مداف ًعا عن النبي ‪ 0‬وهو يقول‪:‬‬ ‫أتقتل�ون رجًل�اً أن يق�ول ربي الله؟ فترك المشرك�ون النبي‬ ‫‪ 0‬وانهال�وا ضر ًب�ا على أبي بكر وهو صاب�ر وقد ورم‬ ‫وجه�ه وانتف�خ فلم يعرف�وا عينه م�ن أنفه‪ ،‬فق�د اختفت معالم‬ ‫وجهه تما ًما‪ ،‬وظنوه قد مات فتركوه‪.‬‬ ‫وج�اء «بنو تيم» فحملوا أبا بكر إلى بيته وأقس�موا ليقت ُل َّن‬ ‫م�ن ضرب أبا بكر إذا مات هو؟ وأفاق أبو بكر‪ ،‬فلما أفاق كان‬ ‫أول ما سأل عنه‪ :‬ماذا فعل رسول الله؟‪.‬‬ ‫فغضب قومه منه؛ لأنهم كانوا كفا ًرا‪.‬‬ ‫وقالوا لأمه‪ :‬أطعميه شي ًئا واسقيه ما ًء‪.‬‬ ‫‪14 n‬‬ ‫‪ ‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬ ‫ﺷﺒﻜﺔ‬ ‫‪M‬‬ ‫فق�ال أب�و بك�ر‪ :‬لا والله لا أشرب ولا أذوق طعا ًما حتى‬ ‫أعلم ما فعل رس�ول الله‪ :‬فنظرت أم�ه إليه وهي تتألم لما حدث‬ ‫له‪.‬‬ ‫فقالت‪ :‬والله لا أعلم ماذا فعل صاحبك هذا؟‪.‬‬ ‫فق�ال‪ :‬اذهبي إلى فاطمة بنت الخطاب فاس�أليها ماذا فعل‬ ‫رسول الله؟‪.‬‬ ‫وخرجت الأم وهي تبحث عن فاطمة بنت الخطاب‪ ،‬وإن‬ ‫كانت تتألم من أجل ولدها الذي س�الت دماؤه‪ ،‬وتورم وجهه‪،‬‬ ‫حتى وصلت إلى بي�ت فاطمة بنت الخطاب وظنت فاطمة أنها‬ ‫جاسوسة لقريش‪.‬‬ ‫فقال�ت الأم الت�ي تري�د إراح�ة ولده�ا‪ :‬قوم�ي فاذهب�ي‬ ‫مع�ي إليه ووصل�ت فاطمة إلى أبي بكر فلام رأت وجهه هكذا‬ ‫صرخت‪ .‬وقالت‪ :‬أسأل الله أن ينتقم لك‪.‬‬ ‫‪n 15‬‬ ‫‪‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬ ‫ﺷﺒﻜﺔ‬ ‫‪M‬‬ ‫فق�ال لها وه�و لا يفكر إلا في رس�ول الله ‪ :0‬ماذا‬ ‫فعل رس�ول الله؟ قالت‪ :‬هو س�الم صاح‪ .‬وهنا نظرت الأم إلى‬ ‫ولده�ا تريده أن يشرب‪ ،‬ونظر هو إليه�ا فقال‪ :‬لا والله لا آكل‬ ‫ولا أشرب حتى أرى رسول الله بعيني‪.‬‬ ‫وخرج أبو بكر وهو لا يقدر على حمل نفس�ه‪ ،‬فاس�تند على‬ ‫أمه‪ ،‬وعلى فاطمة حتى وصل إلى رس�ول الله ‪ 0‬فأول‬ ‫ما دخل عليه انكب على قدميه يقبلهما‪.‬‬ ‫ويق�ول‪ :‬ب�أبي أنت وأمي يا رس�ول الله‪ ،‬لي�س بي إلا ما في‬ ‫وجه�ي وهذه أمي بارة بوالديها فادع الله أن يهديها‪ ،‬ورق قلب‬ ‫النبي ‪0‬فبكي‪ ،‬وبكى أبو بكر ثم تعانقا في مشهد مؤثر‬ ‫عميق التأثير‪.‬‬ ‫تصديق أبي بكر لرسول الله ‪0‬‬ ‫اش�تد إيذاء قري�ش للنبي ‪ 0‬وأصحاب�ه‪ ،‬فأمر الله‬ ‫نبي�ه أن يبلغ أصحابه بالهجرة من مكة إلى الحبش�ة‪ ،‬فقام بعض‬ ‫‪16 n‬‬ ‫‪ ‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬ ‫ﺷﺒﻜﺔ‬ ‫‪M‬‬ ‫الصحاب�ة ممن نالهم الأذى‪ ،‬واش�تد به�م التعذيب فهاجروا إلى‬ ‫الحبش�ة‪ ،‬وخرج أبو بك�ر يريد الهجرة إلى الحبش�ة فقابله رجل‬ ‫من المشركين اسمه «ربيعة بن الدغنة» فقال له‪ :‬مثلك يا أبا بكر‬ ‫لا يخرج‪ ،‬ولا خُيرج‪ ،‬إنك تكس�ب المعدوم(((‪ ،‬وتصل الرحم‪،‬‬ ‫وتحمل الك ّل(((‪ ،‬و ُتق�ري((( الضيف وتعين على نوائب الحق‪،‬‬ ‫فأنا لك جار‪ ،‬ارجع واعبد ربك‪.‬‬ ‫وع�اد أبو بكر إلى مكة‪ ،‬وطاف ابن الدغنة في قريش يعلن‬ ‫أنه قد أجار((( أبا بكر‪.‬‬ ‫فق�ال المشرك�ون له‪ :‬اجعل�ه يعبد رب�ه في بي�ت بعيد وإلا‬ ‫أس�لم الرجال والنساء على يديه‪ ،‬وبنى أبو بكر مسج ًدا في فناء‬ ‫الدار يصلي فيه‪ ،‬ويرتل القرآن‪ ،‬فاستمع النساء والأطفال إليه‪،‬‬ ‫(‪ )1‬تساعد المسكين وتتصدق عليه‪.‬‬ ‫(‪ )2‬تساعد المتعبين والعجزة‪.‬‬ ‫(‪ )3‬تكرم الضيف‪.‬‬ ‫‪n 17‬‬ ‫(‪ )4‬حمى وساعد‪.‬‬ ‫‪ ‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬ ‫ﺷﺒﻜﺔ‬ ‫‪M‬‬ ‫فأعجبوا بالقرآن‪ ،‬فعرف ابن ال ُّد ُغنَّة فجاء إلى أبي بكر يقول له‪:‬‬ ‫اخفض صوتك في الصلاة وقراءة القرآن‪.‬‬ ‫فقال أب�و بكر‪ :‬فإني أرد إليك ج�وارك وأرضي بجوار الله‬ ‫‪.D‬‬ ‫إن�ه الإيامن ال�ذي خل�ق م�ن أبي بك�ر رجًل�اً لا يخاف في‬ ‫الله لوم�ة لائ�م‪ ،‬يتحمل الع�ذاب راض ًيا بقض�اء الله‪ ،‬ولا يقبل‬ ‫أن يخف�ي إسلامه ب�ل يعلن�ه ويفخر ب�ه‪ ،‬ويصدق رس�ول الله‬ ‫‪ 0‬في كل م�ا يق�ول‪ ،‬فها هو رس�ول الله ‪ 0‬بعد‬ ‫عودته من رحل�ة الإسراء والمعراج يكذبه المشركون ويتهمونه‬ ‫بالجنون‪ ،‬فجاء أبو بكر في تلك اللحظة‪.‬‬ ‫فقال�وا ل�ه‪ :‬إن صاحب�ك يزع�م أن�ه ذه�ب إلى بي�ت‬ ‫المق�دس وع�اد في ليل�ة واحدة‪ ،‬واعتق�دوا جمي ًعا أنه س�يكذب‬ ‫رسول الله ‪ ،0‬ولكنه قال‪ :‬لو كان رسول الله قال ذلك‬ ‫فهو صادق‪.‬‬ ‫‪18 n‬‬ ‫‪ ‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬ ‫ﺷﺒﻜﺔ‬ ‫‪M‬‬ ‫فقالوا‪ :‬كيف تصدقه في هذا الأمر؟ قال‪ :‬أصدقه أن القرآن‬ ‫ينزل عليه من السماء فكيف لا أصدقه في هذا الأمر‪.‬‬ ‫وهن�ا صار أبو بكر هو «الصديق» الذي ص ّدق نبيه في كل‬ ‫م�ا يقول‪ ،‬وما أحلى هذا اللقب الجديد الذي صار ُينادى به من‬ ‫يومها إلى قيام الساعة‪ :‬أبو بكر الصديق‪.‬‬ ‫هجرة أبي بكر مع رسول الله ‪0‬‬ ‫وكان�ت الهجرة تل�ك الرحلة الش�اقة من مك�ة إلى المدينة‬ ‫فكان الرجال يخرجون س ًرا‪ ،‬ولم يبق إلا النبي وأبو بكر وبعض‬ ‫الضعفاء‪ ،‬وكانت قريش تنوي قتل النبي ‪ 0‬واستعدت‬ ‫لذلك جي ًدا‪.‬‬ ‫وفي س�اعة كان الجمي�ع لا يخرج من بيته فيها لش�دة الحر‪،‬‬ ‫خ�رج النبي ‪ S‬إلى بي�ت أبي بكر‪ ،‬فطرق عليه بابه‪ ،‬وفتح‬ ‫أبو بكر لرس�ول الله ‪ ،0‬وأخبره النبي أنه سيهاجر معه‬ ‫إلى المدينة ففرح أبو بكر حتى بكى من شدة الفرح‪ ،‬إنه لا يخاف‬ ‫‪n 19‬‬ ‫‪ ‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬ ‫ﺷﺒﻜﺔ‬ ‫‪M‬‬ ‫شي ًئا رغم علمه أنه قد يموت مع رسول الله‪ ،0‬ولكن‬ ‫الثقة بنصر الله كانت أقوى في قلبه من أي شيء آخر‪ ،‬وهو يعلم‬ ‫جي ًدا أن الله يحفظ رسوله من أي أذى وسوء‪.‬‬ ‫فق�ام الصديق وأخذ ماله كله لينفقه في رحلة الهجرة حتى‬ ‫قال له رسول الله ‪ :0‬ماذا أبقيت لأهلك؟‪.‬‬ ‫قال‪ :‬أبقيت لهم الله ورسوله‪.‬‬ ‫ولس�نا نعرف رجلاً في التاريخ ضحى بكل ما يملك مثلما‬ ‫فعل أبو بكر الذي جعل ماله وأهله ونفسه في خدمة الإسلام‪،‬‬ ‫ولأول مرة يس�بق أبو بكر رس�ول الله ‪ 0‬في شيء حين‬ ‫دخ�ل الغار يوم الهج�رة ليفتش فيه عن أي حي�ة أو عقرب قد‬ ‫يؤذي رسول الله‪.‬‬ ‫تقوى وعدل أبي بكر ‪I‬‬ ‫كان عمر وأبو بكر ‪ L‬وزي َري الصدق لرس�ول الله‪،‬‬ ‫وأول المس�لمين في كل أمر يأمر به رسول الله‪ ،0‬وكان‬ ‫‪20 n‬‬ ‫‪ ‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬ ‫ﺷﺒﻜﺔ‬ ‫‪M‬‬ ‫كل منهما يحب الآخر ح ًبا شدي ًدا‪ ،‬فكانا يتنافسان في أعمال الخير‬ ‫يريد كل واحد منهما أن يسبق الآخر‪.‬‬ ‫وكان أب�و بكر دائًم�اً في المقدمة‪ ،‬ففي يوم غ�زوة تبوك قال‬ ‫عمر‪ :‬اليوم أس�بق أبا بكر‪ ،‬وذهب بنصف ماله إلى رس�ول الله‬ ‫‪ ،0‬فق�ال ل�ه النب�ي ‪« :0‬ماذا أبقي��ت لأهلك‬ ‫يا عمر»؟‪.‬‬ ‫قال‪ :‬أبقيت لهم نصف مالي‪ .‬وجاء أبو بكر فوضع مالاً في‬ ‫حج�ر رس�ول الله ‪ ،0‬فقال ل�ه‪« :‬م��اذا أبقيت لأهلك‬ ‫يا أبا بكر»‪ ،‬فقال‪ :‬أبقيت لهم الله ورسوله‪.‬‬ ‫وع�رف عم�ر أن أب�ا بك�ر قد س�بقه ه�ذه الم�رة إلى الخير‪،‬‬ ‫ولم تك�ن هذه هي المرة الوحيدة التي يس�بق فيها أبو بكر عمر‪،‬‬ ‫فق�د خ�رج رس�ول الله ‪ 0‬على المس�لمين بع�د صلاة‬ ‫الصب�ح ثم قال‪« :‬م��ن منكم اليوم أصبح صائ ًما»؟ قال عمر‪:‬‬ ‫أم�ا أنا يا رس�ول الله بِ� ُّت لا أحدث نفسي بالصوم وأصبحت‬ ‫‪n 21‬‬ ‫مفط ًرا‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬ ‫ﺷﺒﻜﺔ‬ ‫‪M‬‬ ‫قال أبو بكر‪ :‬أنا يا رسول الله بت الليلة وأنا أحدث نفسي‬ ‫بالصوم فأصبحت صائماً ‪.‬‬ ‫فقال رسول الله ‪« :0‬أيكم عاد((( اليوم مري ًضا؟»‬ ‫قال عمر‪ :‬إنما صلينا الآن فقط فكيف نعود المريض؟‪.‬‬ ‫قال أبو بكر‪ :‬أنا يا رسول الله أخبروني أن أخي عبد الرحمن‬ ‫ابن عوف مريض‪ ،‬فجعلت طريقي عليه‪ ،‬فسألت عنه ثم أتيت‬ ‫المسجد‪.‬‬ ‫فقال النبي‪« :0‬أيكم تصدق اليوم بصدقة»‪.‬‬ ‫قال عمر‪ :‬يا رسول الله ما زلنا معك فكيف نتصدق؟‪.‬‬ ‫قال أبو بكر‪ :‬أنا يا رس�ول الله دخلت المس�جد‪ ،‬فإذا سائل‬ ‫يسأل‪ ،‬وولد لعبد الرحمن بن أبي بكر معه كسرة خبز‪ ،‬فأخذتها‪،‬‬ ‫فأعطيتها السائل‪.‬‬ ‫(‪ )1‬زار مري ًضا‪.‬‬ ‫‪22 n‬‬ ‫‪‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬ ‫ﺷﺒﻜﺔ‬ ‫‪M‬‬ ‫فق�ال النبي‪« :0‬فأبش��ر بالجنة‪ ،‬أبش��ر بالجنة»‬ ‫فأب�و بكر هو الس�ابق دائماً إلى الخير بعد رس�ول الله ‪0‬‬ ‫حتى من عمر بن الخطاب ‪.I‬‬ ‫ويو ًما من الأيام رأى عمر امرأ ًة عجو ًزا‪ ،‬فذهب يساعدها‬ ‫في أمورها‪ ،‬فوجد أن رجلاً قد سبقه فساعد هذه العجوز‪ ،‬وفي‬ ‫اليوم التالي حدث نفس الأمر‪ ،‬فقال عمر للمرأة‪ :‬من ساعدك؟‬ ‫قال�ت‪ :‬رج� ٌل يأتي إل ّى كل يوم‪ ،‬وانتظر عم�ر بعي ًدا يراقب بيت‬ ‫المرأة العجوز‪ ،‬حتى وجد الصديق هو الذي يس�اعدها‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫ما سابقت أبا بكر في شيء إلا سبقني إليه‪.‬‬ ‫ذات م�رة حدث بين أبي بكر ورجل من المس�لمين اس�مه‬ ‫ربيعة الأس�لمي خصومة‪ ،‬فق�ال أبو بكر كلم�ة كرهها ربيعة‪،‬‬ ‫ون�دم أب�و بكر على هذه الكلمة‪ ،‬فقال لربيع�ة‪ :‬يا ربيعة ُر ّد عل ّي‬ ‫مثلها‪.‬‬ ‫فقال ربيعة‪ :‬ما أنا بفاعل‪.‬‬ ‫فقال أبو بكر‪ :‬لتقول ّن أو لأذهب ّن إلى رسول الله‪.‬‬ ‫‪n 23‬‬ ‫‪‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬ ‫ﺷﺒﻜﺔ‬ ‫‪M‬‬ ‫فانطلق أبو بكر إلى رسول الله‪ ،‬وجاء قوم ربيعة وأهله‪.‬‬ ‫فقالوا‪ :‬رحم الله أبا بكر يقول ما قال‪ ،‬ثم يش�تكي لرسول‬ ‫الله؟ فق�ال ربيع�ة‪ :‬أتدرون م�ن هذا أبو بكر؟ إن�ه ثاني اثنين في‬ ‫الغار‪ ،‬وذو ش�يبة في الإسلام‪ ،‬إياكم أن يعلم ما قلتم فيغضب‬ ‫مني‪ ،‬فيح ّدث رسول الله فيغضب رسول الله لغضبه‪ ،‬فيغضب‬ ‫الله لغضب رسول الله وأبي بكر‪.‬‬ ‫ووص�ل أبو بكر إلى رس�ول الله ‪ 0‬وحكى ما كان‬ ‫بينه وبين ربيعة‪ ،‬فجاء ربيعة‪.‬‬ ‫فق�ال ل�ه رس�ول الله‪« :0‬ي��ا ربيع��ة مال��ك‬ ‫والصديق»؟‪.‬‬ ‫فق�ال‪ :‬ي�ا رس�ول الله‪ :‬لقد ق�ال لي ك�ذا وك�ذا‪ ،‬حتى قال‬ ‫كلم�ة كرهته�ا‪ ،‬فق�ال لي‪ :‬ق�ل كام قل�ت ل�ك فأبي�ت‪ ،‬فق�ال‬ ‫رس�ول الله‪« :0‬لا ت��رد عليه‪ ،‬ولكن ق��ل‪ :‬قد غفر الله‬ ‫لك يا أبا بكر»‪.‬‬ ‫‪24 n‬‬ ‫‪‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬ ‫ﺷﺒﻜﺔ‬ ‫‪M‬‬ ‫نع�م كان هذا ه�و تفضيل النب�ي ‪ 0‬لأبي بكر على‬ ‫غيره من الصحابة؛ لأنه يرى في�ه النصير في كل وقت بعد الله‬ ‫تع�الى‪ ،‬وهو الذي يقول‪ :‬ما نفعني مال ق�ط قدر ما نفعني مال‬ ‫أبي بكر‪.‬‬ ‫فبكى أبو بكر وقال‪ :‬وهل أنا ومالي إلا لك يا رس�ول الله‪،‬‬ ‫فيرد عليه رس�ول الله فيقول‪ :‬ما أح�د أعظم عندي ي ًدا ‪ -‬يعني‬ ‫قد ًرا ‪ -‬من أبي بكر‪ ،‬واساني بنفسه وماله وأنكحني ابنته(((‪.‬‬ ‫ثم يقول رس�ول الله موص ًيا المس�لمين ب�أبي بكر ‪:I‬‬ ‫«إن له ي ًدا يكاف ُئه الله بها يوم القيامة»‪.‬‬ ‫ويو ًم�ا م�ن الأيام ن�زل جبري�ل ‪ S‬على رس�ول الله‬ ‫‪ 0‬فوج�د أب�ا بكر ق�د جلس وه�و يرتدي عب�اءة فيها‬ ‫رقع كثيرة‪.‬‬ ‫فقال جبريل‪ :‬مالي أرى أبا بكر عليه عباءة فيها رقعة‪.‬‬ ‫(‪ )1‬زوجني ابنته وهي عائشة ‪.J‬‬ ‫‪n 25‬‬ ‫‪ ‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬ ‫ﺷﺒﻜﺔ‬ ‫‪M‬‬ ‫فق�ال النبي‪« :0‬أنفق ماله عل ّي قبل الفتح» فتح‬ ‫مكة‪.‬‬ ‫فق�ال جبري�ل‪ :‬ف�إن الله ‪ D‬يقرأ عليك السلام ويقول‬ ‫لك‪« :‬قل لأبي بكر‪ :‬هل أنت راض عن الله؟»‪.‬‬ ‫فقال رس�ول الله ‪ 0‬لأبي بكر‪« :‬إن الله ‪ D‬يقرأ‬ ‫عليك السلام ويقول لك‪ :‬هل أنت راض عنه في فقرك هذا؟»‬ ‫فقال أبو بكر‪ :‬وهل أغضب على ربي‪ ،‬أنا عن ربي راض‪ ،‬أنا عن‬ ‫ربي راض‪ ،‬أنا عن ربي راض‪ .‬ومضي رس�ول الله ‪ 0‬إلى‬ ‫الله ‪ D‬وهو راض عن أبي بكر الصديق‪.‬‬ ‫خلافة أبي بكر ‪I‬‬ ‫بعد وفاة النبي‪ 0‬نظر المس�لمون من هو أفضلهم‪،‬‬ ‫فل�م يجدوا خي ًرا من أبي بكر‪ ،‬فصار هو أول خليفة للمس�لمين‬ ‫بع�د النب�ي‪ ،0‬فح�ارب المرتدي�ن الذين رفض�وا دفع‬ ‫ال�زكاة‪ ،‬فنرصه الله على أولئك‪ ،‬ثم سير الجي�وش لتفتح بلاد‬ ‫فارس والروم وتنشر الإسلام هناك‪.‬‬ ‫‪26 n‬‬ ‫‪‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬ ‫ﺷﺒﻜﺔ‬ ‫‪M‬‬ ‫ف�كان س�يف الله المس�لول خالد ب�ن الوليد يفت�ح في بلاد‬ ‫ف�ارس‪ ،‬وتس�قط المدن في يدي�ه الواحدة تلو الأخ�رى‪ ،‬ويعلو‬ ‫الأذان هناك بدلاً من تلك النيران التي كانت تعبد من دون الله‬ ‫‪ ،D‬وصار الناس يدخلون في دين الله أفوا ًجا‪ ،‬ففتح الله على‬ ‫المس�لمين معظم بلاد فارس حت�ى أتم عمر بن الخطاب فتحها‬ ‫في خلافته‪.‬‬ ‫وكان�ت جيوش المس�لمين في الش�ام بقي�ادة أبي عبيدة بن‬ ‫الجراح‪ ،‬وعمرو بن العاص تش�ق الصحراء في طريقها إلى بيت‬ ‫المق�دس لتحرره من أيدي الروم‪ ،‬لتعلو راية لا إله إلا الله فوق‬ ‫رب�ا الش�ام‪ ،‬وتظل الفتوح�ات في عهد أبي بك�ر ‪ I‬كثيرة‬ ‫حتى اتس�عت دولة الإسلام‪ ،‬ودخل في الإسلام عدد كبير من‬ ‫الناس في البلاد المفتوحة‪.‬‬ ‫وكان م�ن أعمال أبي بك�ر العظيمة جم�ع المصحف أو جمع‬ ‫القرآن في مصحف واحد بمساعدة عمر بن الخطاب ‪،I‬‬ ‫ومس�اعدة زي�د ب�ن ثاب�ت ‪ ،I‬وظ�ل المصح�ف في بيت‬ ‫‪n 27‬‬ ‫‪ ‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬ ‫ﺷﺒﻜﺔ‬ ‫‪M‬‬ ‫حفص�ة أم المؤمنين حتى أخذه عثمان بن عفان في خلافته وجمع‬ ‫المسلمين عليه‪.‬‬ ‫وفي ي�وم من أيام العام الثالث عرش للهجرة كان أبو بكر‬ ‫الصديق على فراش�ه ينتظر قدوم ملك الموت‪ ،‬فقال له أهله من‬ ‫حوله‪ :‬هل نحضر لك طبي ًبا؟‪.‬‬ ‫فق�ال‪ :‬ق�د رآني الطبيب‪ .‬فقال�وا له‪ :‬فماذا ق�ال؟ قال‪ :‬لقد‬ ‫قال‪ :‬إني فعال لما أريد‪.‬‬ ‫ثم أرس�ل أب�و بكر بكل ما يملك إلى بيت مال المس�لمين‪،‬‬ ‫فل�م يك�ن لأهل�ه من بع�ده شيء م�ن ميراث�ه‪ ،‬ثم ج�اءه ملك‬ ‫الم�وت ليقبض روحه لتصعد إلى الله ‪ ،D‬لتلاقي روح النبي‬ ‫‪0‬في السامء بع�د أن ف�رق بينهما الم�وت‪ ،‬ليجمع بينهما‬ ‫الله تعالى في مستقر رحمته‪.‬‬ ‫‪sss‬‬ ‫‪28 n‬‬ ‫‪‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬ ‫ﺷﺒﻜﺔ‬ ‫‪M‬‬ ‫عمر بن الخطاب ‪I‬‬ ‫عم��ر بن الخط��اب‪ :‬هو عمر ب�ن الخطاب ب�ن نفيل‪ ،‬أمه‬ ‫هي‪ :‬حنتمة بنت هاشم بن المغيرة‪.‬‬ ‫أصابت�ه دع�وة رس�ول الله‪ ،0‬فق�د كان‬ ‫‪ O‬يدع�و ويق�ول‪« :‬الله��م أع��ز الإس�ل�ام بأحب‬ ‫الرجلين إليك‪ :‬بعمر بن الخطاب أو بأبي جهل بن هش��ام»‪،‬‬ ‫فكان أحبهما إليه عمر بن الخطاب ‪.I‬‬ ‫إسلام عمر بن الخطاب‬ ‫على رم�ال مك�ة كانت قط�رات الدم�اء تنزف م�ن ياسر‬ ‫وس�مية ‪ ، L‬وكان�ت صرخ�ات العذاب ترتف�ع من فم‬ ‫الضعفاء والمظلومين والمقهورين ليس لسبب إلا لأنهم أسلموا‬ ‫وشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محم ًدا رسول الله‪.‬‬ ‫‪n 29‬‬ ‫‪‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬ ‫ﺷﺒﻜﺔ‬ ‫‪M‬‬ ‫وفي ركن من أركان مكة وقف ذلك الشاب القوي الشديد‬ ‫عمر بن الخطاب قد أمسك بثلاث جوا ٍر(((يعذبهن‪ ،‬ثم تركهن‬ ‫قائل ًا‪ :‬إني لم أتر ككن إلا ملالة ‪ -‬أي بعد أن مللت منكن‪.‬‬ ‫ومضى بع�د ذلك وه�و يلعن ذل�ك اليوم ال�ذي ظهر فيه‬ ‫الإسلام ودعوت�ه‪ ،‬ولأن�ه ش�اب كبقية ش�باب قري�ش ذهب‬ ‫سري ًعا إلى حانوت الخمر ليشربها هناك‪ ،‬فوجد الحانوت مغل ًقا‪،‬‬ ‫فذهب يبحث ع�ن أصدقائه فلم يجدهم‪ ،‬وأخي ًرا قرر الذهاب‬ ‫إلى الكعب�ة ليط�وف به�ا‪ ،‬وهن�اك رأى محم� ًدا ‪0‬قائًم�اً‬ ‫يصلي‪.‬‬ ‫فق�ال عمر في نفس�ه‪ :‬لو أني اس�تمعت إلى م�ا يقول محمد‬ ‫الليلة‪ ،‬ثم اختبأ وراء ثياب الكعبة‪ ،‬وبدأ رس�ول الله ‪0‬‬ ‫يقرأ القرآن‪.‬‬ ‫فقال عمر في نفسه بعد أن تعجب من حلاوة القرآن‪ :‬والله‬ ‫إنه لش�اعر‪ ،‬فقرأ النب�ي ‪[ :0‬ﭫ ﭬﭭﭮ ﭯﭰﭱ‬ ‫ﭲﭳﭴﭵﭶﭷ ] [‪.]41 - 40 :C‬‬ ‫(‪ )1‬جواري‪ :‬جمع جارية وهي المرأة المملوكة‪n.‬‬ ‫‪30‬‬ ‫‪‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬ ‫ﺷﺒﻜﺔ‬ ‫‪M‬‬ ‫فقال عمر‪ :‬إنه كاهن(((‪.‬‬ ‫فقرأ النبي ‪[ :0‬ﭹ ﭺﭻﭼﭽﭾﭿ]‬ ‫[‪]42 :C‬‬ ‫وب�دأ عمر بن الخطاب يراجع نفس�ه في هذه الليلة بعد أن‬ ‫أث�ر الق�رآن في قلبه وفي نفس�ه‪ ،‬ولك�ن كيف يس�لم وهو ذلك‬ ‫الق�رشي م�ن بني عدي‪ ،‬وهو س�فير قوم�ه‪ ،‬وهو أكث�ر الناس‬ ‫تمس ًكا بعادات أهله وتقاليدهم‪ ،‬كانت هذه هي موانع الإسلام‬ ‫الت�ي جعلت إسلام عمر يتأخر قليًل�اً ‪ ،‬إلا أن الله تعالى أراد له‬ ‫الخير فأسلم واتبع رسول الله ‪.0‬‬ ‫خ�رج عمر يو ًما قد أمس�ك بس�يفه وهو غضب�ان‪ ،‬فقابله‬ ‫رجل من بني زهرة ‪ -‬وهم أخوال النبي ‪.0‬‬ ‫فقال له‪ :‬إلى أين يا عمر؟ قال‪ :‬إلى محمد فأقتله‪.‬‬ ‫فق�ال الرج�ل‪ :‬وكي�ف تأمن بني هاش�م‪ ،‬وبن�ي زهرة إن‬ ‫قتل�ت محم� ًدا‪ .‬فق�ال عمر‪ :‬يب�دو أنك ق�د تركت دي�ن قومك‬ ‫واتبعت محم ًدا‪.‬‬ ‫(‪ )1‬الكاهن‪ :‬هو من يقوم بخدمة المعبد‪ ،‬ويدعي معرفة الغيب النسبي‪n.‬‬ ‫‪31‬‬ ‫‪ ‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬ ‫ﺷﺒﻜﺔ‬ ‫‪M‬‬ ‫فق�ال الرج�ل‪ :‬ب�ل العج�ب ي�ا عم�ر أن أخت�ك فاطمة‪،‬‬ ‫وزوجها سعيد بن زيد قد أسلما‪ ،‬واتبعا محم ًدا‪.‬‬ ‫ومش�ى عمر إلى دار أخته حتى وصل إليها‪ ،‬وكان عندهم‬ ‫الصحابي الجليل «خباب بن الأرت» فلما س�مع خباب صوت‬ ‫عمر جرى بسرعة واختبأ في البيت‪ ،‬فقال عمر‪ :‬ما هذا الصوت‬ ‫الذي سمعته عندكم‪.‬‬ ‫فقالت أخته‪ :‬إننا كنا نتحدث فيما بيننا‪.‬‬ ‫فقال عمر‪ :‬هل تركتما دين آبائكما وأجداد كما؟ قال سعيد‪:‬‬ ‫يا عمر أرأيت لو كان الحق في غير دينك؟ فقام عمر إلى س�عيد‬ ‫فضرب�ه حتى طرحه أر ًضا‪ ،‬فقامت فاطم�ة تدافع عن زوجها‪،‬‬ ‫فدفعها عمر بيده فسالت الدماء منها‪.‬‬ ‫فقالت وهي غضبانة‪ :‬يا عمر الحق في غير دينك‪ ،‬أشهد أن‬ ‫لا إله إلا الله‪ ،‬وأن محم ًدا رسول الله‪.‬‬ ‫ولم�ا رأى عم�ر الدم يس�يل على وج�ه أخت�ه رق قلبه لها‪،‬‬ ‫فق�ال‪ :‬أعطوني هذا الكتاب الذي عندكم‪ .‬وكان عندهما كتاب‬ ‫فيه سورة [ﭵ]‪n .‬‬ ‫‪32‬‬ ‫‪ ‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬ ‫ﺷﺒﻜﺔ‬ ‫‪M‬‬ ‫فقال�ت أخت�ه‪ :‬إنك نجس ولا يمس�ه إلا المطه�رون‪ ،‬فقم‬ ‫واغتس�ل‪ ،‬فقام عمر فاغتسل ثم عاد إليهما‪ ،‬وكان يقرأ ويكتب‬ ‫فب�دأ في تلاوة آيات الله‪[ :‬ﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻ]‬ ‫[‪ ]2 - 1 :c‬حت�ى وصل إلى قوله تع�الى‪[ :‬ﭗﭘﭙﭚﭛ ﭜ‬ ‫ﭝ ﭞﭟﭠﭡ] [‪.]14 :c‬‬ ‫وأح�س عمر بروعة القرآن وعظمت�ه‪ ،‬وتبين صدق النبي‬ ‫‪ 0‬في دعوته‪.‬‬ ‫فقال‪ :‬دلوني على محمد‪.‬‬ ‫فلما س�مع خباب هذا خ�رج إلى عمر فق�ال‪ :‬أبشر يا عمر‬ ‫فقد س�معت رس�ول الله ‪ 0‬يدعو فيق�ول‪« :‬اللهم أعز‬ ‫الإسلام بأحد العمرين عمر بن الخطاب أو عمرو بن هشام»‪،‬‬ ‫وإني لأرجو الله أن تكون أنت يا عمر‪.‬‬ ‫وخرج�وا جمي ًع�ا يري�دون رس�ول الله ‪ 0‬حت�ى‬ ‫وصل�وا إلى دار الأرق�م‪ ،‬وكان حم�زة بن عبد المطلب أس�د الله‬ ‫‪n 33‬‬ ‫‪‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬ ‫ﺷﺒﻜﺔ‬ ‫‪M‬‬ ‫ورس�وله واق ًف�ا على باب ال�دار ومعه بع�ض الصحابة‪ ،‬وكان‬ ‫حمزة قو ًيا تساوي قوته قوة عمر ‪.I‬‬ ‫فقال بعض الصحابة‪ :‬هذا عمر فلما رآهم حمزة خائفين قال‪:‬‬ ‫نعم هذا عمر إن يرد الله به خي ًرا يس�لم ويتبع النبي‪،0‬‬ ‫وإلا قتلن�اه‪ ،‬ودخل عم�ر على رس�ول الله ‪ 0‬فقام إليه‬ ‫رسول الله فأمسكه من ثيابه‪.‬‬ ‫وق�ال‪ :‬أما ُتس�لم ي�ا عمر؟ الله�م أعز الإسلام بعمر بن‬ ‫الخطاب‪.‬‬ ‫فقال عمر بن الخطاب‪ :‬أش�هد أن لا إله إلا الله وأن محم ًدا‬ ‫رسول الله‪.‬‬ ‫وكبرّ المس�لمون تكبيرة س�معها أهل مك�ة‪ ،‬ونزل جبريل‬ ‫‪ S‬من السماء يقول‪ :‬يا محمد‪ ،‬استبشر أهل السماء بإسلام‬ ‫عمر بن الخطاب‪ ،‬وكان إسلام عمر ح ًقا فت ًحا للمسلمين وع ًزا‬ ‫لهم‪.‬‬ ‫‪34 n‬‬ ‫‪ ‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬ ‫ﺷﺒﻜﺔ‬ ‫‪M‬‬ ‫وحين نط�ق عمر بالش�هادتين عرف م�ن داخل�ه أن هذا‬ ‫الدي�ن هو الأقوى‪ ،‬وأن من أس�لم لا بد أن يك�ون عزي ًزا قو ًيا‬ ‫لا يخشى أح ًدا إلا الله تعالى‪ ،‬فإذا به يقول لرسول الله ‪:0‬‬ ‫يا رسول الله ألسنا على الحق إن متنا أو حيينا؟‪.‬‬ ‫فق�ال رس�ول الله‪« :‬بلى‪ ،‬والذي نفس��ي بي��ده إنكم على‬ ‫الحق إن متم أو حييتم»‪.‬‬ ‫فق�ال عمر‪َ :‬ف ِل َم تختفي يا رس�ول الله‪ ،‬والذي بعثك بالحق‬ ‫لنخرجن إليهم‪.‬‬ ‫وخ�رج المس�لمون في صفين‪ ،‬ص�ف يتقدم�ه حم�زة ب�ن‬ ‫عب�د المطل�ب‪ ،‬والآخ�ر يتقدم�ه عمر ب�ن الخطاب‪ ،‬فلام رأى‬ ‫المشرك�ون ه�ذا المش�هد اغتاظ�وا‪ ،‬وعلا الح�زن وجوهه�م‪،‬‬ ‫ولم يس�تطع أح�د منه�م أن يق�وم إلى صفين أحدهم�ا فيه عمر‬ ‫والآخ�ر حمزة‪ ،‬وجرى الاس�م الجديد لعمر س�هلاً على ألس�نة‬ ‫الجمي�ع فقد سامه رس�ول الله «الفاروق» الذي ف�رق بين الحق‬ ‫والباطل‪.‬‬ ‫‪n 35‬‬ ‫‪‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬ ‫ﺷﺒﻜﺔ‬ ‫‪M‬‬ ‫وط�اف المس�لمون بالكعب�ة‪ ،‬يتقدمهم الف�اروق عمر بن‬ ‫الخط�اب الذي غيره الإسلام حت�ى جعله عظيماً م�ن العظماء‬ ‫المعدودين في التاريخ‪.‬‬ ‫أعز الله الإسلام بعمر ‪I‬‬ ‫ضاق�ت مك�ة بالمس�لمين فأمره�م رس�ول الله ‪0‬‬ ‫بالهج�رة إلى المدين�ة‪ ،‬وكان الجمي�ع يهاجر س ًرا بعي� ًدا عن أعين‬ ‫المشركين إلا رجلاً واح ًدا هو الذي هاجر علنًا دون خوف أو‬ ‫وجل‪ ،‬ومن غيره إن لم يكن هو عمر بن الخطاب‪.‬‬ ‫قام عمر إلى الكعبة فصلى ركعتين‪ ،‬ثم أخذ حفنة من تراب‬ ‫ألقاها في وجه الجالسين في الكعبة وحولها‪.‬‬ ‫ث�م قال‪ :‬ش�اهت الوجوه‪ ،‬م�ن أراد أن َي ْي َتم ولده‪ ،‬وترمل‬ ‫زوجت�ه فليتبعني وراء ه�ذا الوادي‪ .‬وأخذ عمر س�يفه ومضى‬ ‫في طريقه إلى المدينة‪ ،‬فلم يس�تطع أحد أن يسير وراءه خو ًفا من‬ ‫قوت�ه وبطش�ه إلا عدد قليل من المس�لمين الضعف�اء احتموا به‬ ‫‪36 n‬‬ ‫‪ ‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬ ‫ﺷﺒﻜﺔ‬ ‫‪M‬‬ ‫حت�ى خرجوا م�ن مكة ثم دلهم على الطري�ق‪ ،‬ووصل عمر إلى‬ ‫المدينة قبل النبي ‪.0‬‬ ‫وكان في اس�تقباله م�ع المس�لمين من الأنص�ار حتى جاء‪،‬‬ ‫وهن�اك كان�ت المدين�ة مدين�ة للإيامن‪ ،‬ومدين�ة للمؤمنين‪،‬‬ ‫تآخ�ى فيها المهاج�رون والأنص�ار تحت ش�عار [ﯜﯝ‬ ‫ﯞ] [‪.]10 :Y‬‬ ‫وكان عمر في طليعة المجاهدين في سبيل الله يحمل السيف‬ ‫وق�ت الش�دة مداف ًع�ا ع�ن رس�ول الله ‪ ،0‬ويم�د ي�د‬ ‫العون للمسلمين إذا احتاجوه‪ ،‬ويدفع بماله في سبيل الله‪ ،‬حتى‬ ‫أكرمه رس�ول الله ‪0‬فقر به منه وجعله وزي ًرا له مع أبي‬ ‫بك�ر‪ ،‬ثم تزوج بابنته حفصة‪ ،‬ولأنه كان ش�دي ًدا في الحق سامه‬ ‫رس�ول الله ‪« 0‬أبو حف�ص»‪ ،‬أي «الأس�د»‪ ،‬فكان هو‬ ‫الفاروق أبو حفص عمر بن الخطاب‪.I‬‬ ‫‪n 37‬‬ ‫‪ ‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬ ‫ﺷﺒﻜﺔ‬ ‫‪M‬‬ ‫عبادة عمر ‪I‬‬ ‫كان لعم�ر ‪ I‬م�ع الق�رآن ح�ال خاص�ة‪ ،‬فق�د كان‬ ‫يرتبط بالقرآن ارتبا ًطا وثي ًقا يحب سماعه وترتيله‪ ،‬ويسمع الآية‬ ‫فيغمي عليه ويزوره المسلمون يظنونه مري ًضا لا يعلمون ما به‪،‬‬ ‫وإنما هو لمجرد سماعه آية من القرآن أثرت في نفسه وقلبه‪.‬‬ ‫لك�ن العجي�ب ح ًق�ا ما يقول�ه رس�ول الله ‪0‬عن‬ ‫عمر‪« :‬إن الله عند لسان عمر وقلبه»‪.‬‬ ‫ث�م يق�ول‪« :0‬الح��ق بع��دي م��ع عم��ر ب��ن‬ ‫الخطاب»‪.‬‬ ‫والعج�ب هنا أن عمر كان ينط�ق بالقرآن قبل نزوله‪ ،‬نعم‬ ‫كان عمر يقول شي ًئا فإذا بالقرآن يتنزل كما قاله عمر بالضبط‪.‬‬ ‫ذات م�رة‪ ،‬كان عمر يكتب لرس�ول الله ‪ 0‬ما نزل‬ ‫عليه من القرآن لأنه كان كات ًبا للوحي‪.‬‬ ‫فق�رأ النب�ي‪[ :0‬ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ‬ ‫ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ‪n‬‬ ‫‪38‬‬ ‫‪ ‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬ ‫ﺷﺒﻜﺔ‬ ‫‪M‬‬ ‫ﮨﮩﮪﮫ ﮬﮭﮮﮯ‬ ‫ﮰﮱﯓﯔ ﯕ] [‪.]14 - 12 :i‬‬ ‫وهن�ا ق�ال عم�ر متعج ًبا من ق�درة الله في خلق الإنس�ان‪:‬‬ ‫[ﯗﯘﯙﯚ] [‪.]14 :i‬‬ ‫فتبس�م رس�ول الله وهو يقول‪« :‬اكتبها ي��ا عمر فهكذا‬ ‫أنزلها الله تعالى»‪.‬‬ ‫وهك�ذا نطق عمر بالق�رآن قبل نزوله ليك�ون علامة على‬ ‫قوة الإيمان‪ ،‬وطهارة القلب‪ ،‬ودليلاً على أن الله عند لسان عمر‬ ‫وقلبه‪.‬‬ ‫ث�م ت�رى عمر مرة أخ�رى في الكعبة مع رس�ول الله يقول‬ ‫له‪ :‬يار س�ول الله لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلي فنزل القرآن‬ ‫مواف ًقا لقول عمر‪[ :‬ﯣﯤﯥﯦ ﯧ]‬ ‫[‪]125 :2‬‬ ‫وبلغه مرة أن رسول الله ‪ 0‬قد طلق زوجاته‪.‬‬ ‫‪n 39‬‬ ‫‪ ‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬ ‫ﺷﺒﻜﺔ‬ ‫‪M‬‬ ‫فقال عمر‪[ :‬ﮨﮩﮪ ﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱ‬ ‫ﯓﯔﯕﯖﯗ ﯘﯙ] [‪.]5 :6‬‬ ‫فنزل�ت الآية أي ًضا كما نطقه�ا عمر ‪ ،I‬وهكذا ينطق‬ ‫عمر بالحق‪ ،‬ولا زال ينطق بالحق حتى توفاه الله‪.D‬‬ ‫ومن ش�دة إيمان عم�ر كان الش�يطان يخاف من�ه‪ ،‬فقال له‬ ‫رس�ول الله‪« :0‬ما رآك الش��يطان س��ال ًكا ف ًجا((( إلا‬ ‫سلك ف ًجا آخر غير فجك»‪.‬‬ ‫وذات م�رة كان�ت عن�د رس�ول الله ‪ 0‬جاري�ة‬ ‫ترضب بال� ُّد ِف وتغن�ي ِش�ع ًرا‪ ،‬فلام اس�تأذن عم�ر على‬ ‫رسولالله‪0‬ليدخلإليه‪،‬هربتالجاريةبدفها‪،‬فضحك‬ ‫رس�ول الله ‪ ،0‬وق�ال‪« :‬إن الش��يطان ليخ��اف من��ك‬ ‫يا عمر»‪.‬‬ ‫وين�ام النب�ي ‪0‬فيرى في نوم�ه أنه في الجن�ة‪ ،‬وبينما‬ ‫هو يمشي في الجنة إذ رأى قص ًرا بجواره امرأة تتوضأ‪.‬‬ ‫‪40 n‬‬ ‫(‪ )1‬ماش ًيا في طريق‪.‬‬ ‫‪ ‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬ ‫ﺷﺒﻜﺔ‬ ‫‪M‬‬ ‫فقال رسول الله ‪« :0‬لمن هذا القصر»؟‪.‬‬ ‫فقالوا‪ :‬لعمر بن الخطاب‪.‬‬ ‫فق�ال النب�ي ‪« :0‬فتذك��رت غيرة عم��ر‪ ،‬فوليت‬ ‫مدب ًرا»(((‪.‬‬ ‫فبكى عمر ‪ I‬وهو يقول‪ :‬وهل أغار عليك يا رسول‬ ‫الله؟‪.‬‬ ‫إن النب�ي ‪ 0‬يعل�م جي� ًدا مقدار الإيامن في قلب‬ ‫الف�اروق‪ ،‬فرأى الش�يطان يخ�اف منه‪ ،‬ب�ل ويبرشه بالجنة مع‬ ‫العرشة المبشرين بالجن�ة‪ ،‬لقد رآه رس�ول الله ‪ 0‬مؤمنًا‬ ‫ح ًّقا‪ ،‬وكأن الإيمان في قلبه شلال جارف أو نهر متدفق‪.‬‬ ‫وإنك لتعجب ح ًقا حين ترى النبي ‪ 0‬يقول لعمر‬ ‫وه�و ذاهب إلى الح�ج‪« :‬يا أخي أش��ركنا في ص��الح دعائك‬ ‫ولا تنس��نا»‪ ،‬وخ�رج عم�ر وقد مل�ك الدنيا بيده حين قال له‬ ‫رس�ول الله ‪« :0‬ي��ا أخ��ي» لق�د ص�ار أ ًخ�ا للنب�ي‬ ‫‪n 41‬‬ ‫(‪ )1‬جريت بسرعة‪.‬‬ ‫‪ ‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬ ‫ﺷﺒﻜﺔ‬ ‫‪M‬‬ ‫‪ ،0‬ب�ل إنه يطلب منه الدعاء له‪ ،‬فأي شرف أعظم من‬ ‫هذا الشرف‪.‬‬ ‫كان عمر ينادي في أبي موسى الأشعري صاحب الصوت‬ ‫الحس�ن بالق�رآن فيقول له‪ :‬ش�وقنا إلى ربن�ا‪ ،‬ولله َد ُّر رجل مثل‬ ‫عمر يركب س�فينة القرآن ليلحق بالمؤمنين جمي ًعا‪ ،‬ويكون مع‬ ‫الله تع�الى في كل لحظ�ة‪ ،‬حتى قالت عنه ام�رأة رفضت الزواج‬ ‫منه‪ :‬إنه رجل ينظر بعينه إلى ربه‪ ،‬لا يفكر في أمر دنياه‪.‬‬ ‫حياة عمر بعد وفاة رسول الله ‪0‬‬ ‫توفي رس�ول الله ‪ 0‬فحزن عمر حز ًنا ش�دي ًدا عليه‬ ‫كما حزن المسلمون‪.‬‬ ‫وب�دأت خلاف�ة أبي بكر الصدي�ق فكان عمر نع�م العون‬ ‫لصاحب�ه أبي بكر يس�اعده‪ ،‬ويتولى القضاء في أمور المس�لمين‪،‬‬ ‫ويراجع أبا بكر في كل أمر يختص بشئون المسلمين‪ ،‬ومن أعمال‬ ‫عمر في خلافة أبي بكر عمل عظيم هو «جمع القرآن الكريم»‪.‬‬ ‫‪42 n‬‬ ‫‪ ‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬ ‫ﺷﺒﻜﺔ‬ ‫‪M‬‬ ‫فف�ي معرك�ة اليمامة الت�ي دارت بين المس�لمين والمرتدين‬ ‫قت�ل ع�دد كبير م�ن حفظة الق�رآن‪ ،‬فخيش عمر على القرآن‬ ‫أن يضي�ع بم�وت هؤلاء فأش�ار على أبي بكر ب�أن يجمع القرآن‬ ‫في مصح�ف خش�ية الضي�اع‪ ،‬ورضي أبو بكر به�ذا‪ ،‬وجمع زيد‬ ‫اب�ن ثابت المصحف وجعله في بي�ت حفصة بنت عمر‪ ،‬وزوج‬ ‫النبي‪.0‬‬ ‫خلافة عمر ‪I‬‬ ‫ولأن الحي�اة لا تدوم ولا تطول فقد توفي أبو بكر الصديق‬ ‫‪ ، I‬فت�ولى الخلاف�ة عم�ر ب�ن الخطاب وصار ه�و خليفة‬ ‫المسلمين‪ ،‬وكان المسلمون ينادونه‪ :‬يا خليفة خليفة رسول الله‪،‬‬ ‫فكان ندا ًء ثقيلاً ‪.‬‬ ‫حتىجاءرجلمن الأعراب فقال‪ :‬يا أمير المؤمنين‪ ،‬فأحب‬ ‫المسلمون هذا اللقب‪ ،‬وصار عمر بن الخطاب أمير المؤمنين‪.‬‬ ‫لقد كانت خلافة عمر مثالاً للحاكم العادل الذي يضحي‬ ‫بنفس�ه‪ ،‬وماله‪ ،‬وولده م�ن أجل إقامة الع�دل في رعيته‪ ،‬وكان‬ ‫‪n 43‬‬ ‫‪‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬ ‫ﺷﺒﻜﺔ‬ ‫‪M‬‬ ‫مث�الاً للرج�ل الزاهد في الدنيا‪ ،‬أي ذل�ك الرجل الذي يرفض‬ ‫الم�ال والجاه ولا يقبل إلا بالقليل فيحرم نفس�ه الطعام‪ ،‬ويجوع‬ ‫أولاده حتى يأكل المسلمون جمي ًعا‪.‬‬ ‫ذات م�رة ح�دث الجف�اف في ش�به الجزي�رة العربية حتى‬ ‫اس�ودت الأرض فكانت كالأرض المحروقة فسمي هذا العام‬ ‫«عام الرمادة»‪.‬‬ ‫وكان المس�لمون في ضي�ق م�ن العيش‪ ،‬فحرم عمر نفس�ه‬ ‫الطع�ام والشراب‪ ،‬حت�ى كان يأكل الخل والزي�ت وهو رجل‬ ‫أبي�ض‪ ،‬فلام أكثر م�ن أكل الخ�ل والزيت صار وجهه أس�و َد‪،‬‬ ‫ونحل جس�مه حتى أو ش�ك على الموت جو ًعا‪ ،‬ولم يأكل الخبز‬ ‫ولا اللحم حتى نزل المطر وذهب الجفاف‪.‬‬ ‫ووقف عمر خطي ًبا في المس�لمين وهو أمير للمؤمنين‪ ،‬وفي‬ ‫ثوب�ه اثنتي عشرة رقعة وبيت الم�ال في يده‪ ،‬لكنه يرى الله‪D‬‬ ‫رقي ًب�ا عليه فلا تمتد يده إلى مال المس�لمين‪ ،‬ويرفض أن يتقاضى‬ ‫أج� ًرا إلا م�ا يكفيه لطع�ام أهله‪ ،‬ونفق�ة عياله‪ ،‬وم�ا يحج به أو‪n‬‬ ‫‪44‬‬ ‫‪‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬ ‫ﺷﺒﻜﺔ‬ ‫‪M‬‬ ‫يعتم�ر‪ .‬ثم يأتي وفد من بلاد فارس فيقول‪ :‬أين أمير المؤمنين؟‬ ‫فأش�اروا إلى عم�ر‪ ،‬فنظروا إليه نائماً على الأرض قد جعل يده‬ ‫وس�ادة ل�ه‪ ،‬بلا ح�رس ولا سلاح فقال�وا قولتهم الش�هيرة‪:‬‬ ‫حكمت‪ ،‬فعدلت‪ ،‬فأمنت‪ ،‬فنمت يا عمر‪.‬‬ ‫وهو نفس�ه الذي بعث إليه المسلمون لما فتحوا الشام لكي‬ ‫يتس�لم مفاتيح بيت المقدس‪ ،‬فخرج من المدينة بعباءة فيها أكثر‬ ‫م�ن رقعة‪ ،‬يركب بغلته أو ناقته‪ ،‬ومعه غلامه «أس�لم» وأحس‬ ‫عمر بأن غلامه قد أصابه التعب في هذه الرحلة‪.‬‬ ‫فق�ال‪ :‬يا أس�لم أركب أنا بعض الوق�ت‪ ،‬ثم تركب أنت‪،‬‬ ‫وتب�ادل كل منهما الركوب حتى أوش�كا على الدخول إلى بيت‬ ‫المقدس‪ ،‬وكان الدور في الركوب للغلام ومر عمر على َو ْح ِل(((‬ ‫في طريقه‪ ،‬فقال أسلم‪ :‬أنزل وتركب أنت يا أمير المؤمنين‪.‬‬ ‫إلا أن عمر رفض هذا وأصر على أن يركب الغلام‪ ،‬ودخل‬ ‫عمر إلى بيت المقدس فرآه الرهبان قد ش�مر ملابس�ه‪ ،‬وأمسك‬ ‫‪n 45‬‬ ‫(‪ )1‬بركة فيها ماء وطين‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬ ‫ﺷﺒﻜﺔ‬ ‫‪M‬‬ ‫بحب�ل دابت�ه يقودها‪ ،‬فقال�وا‪ :‬هذا هو عمر ب�ن الخطاب الذي‬ ‫أصاب الوحل قدمه‪.‬‬ ‫فقال المس�لمون‪ :‬وكيف عرفتموه؟ قالوا‪ :‬إننا رأينا وصفه‬ ‫في كتبنا أمير شديد ‪..‬قرن من حديد‪.‬‬ ‫ه�ذا هو عمر ب�ن الخطاب الع�ادل الذي لم ت�ر الدنيا مثله‬ ‫في عدل�ه بين رعيته‪ ،‬لعلنا الآن ننظ�ر إليه وقد جلس مع امرأته‬ ‫«عاتكة» وأمامه مس�ك قد جاء من اليمن‪ ،‬فقال عمر‪ :‬من يزن‬ ‫لي هذا لأوزعه بين المسلمين؟ قالت زوجته عاتكة‪ :‬أنا يا عمر‪،‬‬ ‫قال‪ :‬أما أنت فلا‪.‬‬ ‫قال�ت‪ :‬لماذا ي�ا عمر؟ قال‪ :‬أخش�ى أن َت� ِزني لي‪ ،‬فيبقي في‬ ‫يديك بعض المسك فتمسحي خدك به‪ ،‬فيكون نصيبنا أكثر من‬ ‫المس�لمين‪ ،‬ه�ذا هو العدل ال�ذي لا يعرفه إلا عم�ر‪ ،‬ولم يعرفه‬ ‫الناس إلا من عمر ‪.I‬‬ ‫اعتق�د كثير م�ن الناس أن عمر كان ش�دي ًدا ع�ادلاً فقط‪،‬‬ ‫ولك�ن الحقيق�ة تتحدث بلس�انها لتق�ول‪ :‬إن عم�ر كان رحيماً‪n‬‬ ‫‪46‬‬ ‫‪ ‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬ ‫ﺷﺒﻜﺔ‬ ‫‪M‬‬ ‫بالضعف�اء‪ ،‬يبح�ث عنهم في كل مكان ليطعم الجائع‪ ،‬ويس�قي‬ ‫الظمآن(((‪ ،‬ويكس�و العاري‪ ،‬وإن قلبه أرق من النس�يم‪ ،‬تدمع‬ ‫عينا ُه من أجل المساكين‪ ،‬ويرق قلبه لهم‪.‬‬ ‫ها هو عمر يخرج مرة ليتفقد أحوال المس�لمين فيم ُّر بالليل‬ ‫فيرى نا ًرا من بعي�د‪ ،‬فذهب ناحية النار‪ ،‬فوج�د امرأة وحولها‬ ‫صبيانه�ا‪ ،‬وف�وق الن�ار ق�د ٌر منصوب�ة فيه�ا حجر وم�اء‪ ،‬وقد‬ ‫أمس�كت المرأة بع ًصا تقلب هذه الحج�ارة في القدر‪ ،‬وصبيانها‬ ‫جياع‪.‬‬ ‫فقال عمر‪ :‬السلام عليكم يا أهل الضوء‪.‬‬ ‫فقال�ت الم�رأة‪ :‬وعلي�ك السلام‪ ،‬فق�ال‪ :‬أأدن؟ أي‬ ‫«أقترب»‪.‬‬ ‫فقالت‪ :‬ا ُدن بخير‪ ،‬فقال عمر‪ :‬ما بالكم؟‪.‬‬ ‫قالت‪ :‬لا دار لنا نحتمي فيها من الليل والبرد‪.‬‬ ‫فقال‪ :‬وما بال هؤلاء الصبية يبكون؟ قالت‪ :‬إنهم جياع‪.‬‬ ‫‪n 47‬‬ ‫(‪ )1‬العطشان‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬ ‫ﺷﺒﻜﺔ‬ ‫‪M‬‬ ‫فق�ال‪ :‬وأي شيء في هذه القدر؟ قالت‪ :‬حجارة ُأ ْس� ِك ُتهم‬ ‫به�ا حت�ى ينام�وا‪ ،‬الله بيننا وبين عم�ر‪ .‬وكانت الم�رأة لا تعرف‬ ‫عم�ر‪ ،‬فقال لها‪ :‬وما يدري عمر بكم؟‪ ،‬فقالت‪ :‬يتولى أمرنا‪ ،‬ثم‬ ‫يغفل عنا؟!!‪.‬‬ ‫وسري ًعا ذهب عمر إلى بيت المال وأخرج ج ِوالاً من دقيق‪،‬‬ ‫وكبة من شحم‪ ،‬وقال لغلامه‪ :‬احمل عل ّي‪.‬‬ ‫فقال الغلام‪ :‬بل أنا أحمل لك يا أمير المؤمنين‪.‬‬ ‫فق�ال‪ :‬وهل تحمل عني ذنبي ي�وم القيامة؟‪ ،‬ووصل عمر‬ ‫وهو يحمل الدقيق إلى مكان المرأة‪ ،‬فألقي الدقيق‪.‬‬ ‫ث�م قال لها‪ :‬صبي علي الدقيق وأنا أقلب الدقيق في القدر‪،‬‬ ‫وراح عمر ينفخ والدخان يخرج من لحيته العظيمة‪ ،‬وطبخ عمر‬ ‫للم�رأة وأولادها ثم جعل يضع الطعام في طبق يبرده للأطفال‬ ‫ويطعمهم بنفسه حتى سكن بكاؤهم وناموا‪.‬‬ ‫فقال�ت الم�رأة لعمر وه�ي لا تعرفه‪ :‬ج�زاك الله عنا خي ًرا‪،‬‬ ‫كنت أولى من عمر بهذا الأمر‪n.‬‬ ‫‪48‬‬ ‫‪‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬ ‫ﺷﺒﻜﺔ‬ ‫‪M‬‬ ‫وتركه�ا عمروه�و يق�ول لغلام�ه «أس�لم»‪ :‬إن الج�وع‬ ‫أس�هرهم‪ ،‬فأحبب�ت ألا أنرصف حتى أراهم قد ش�بعوا‪ ،‬كان‬ ‫عمر يسمع بكاء الطفل الصغير فيقطع صلاته‪ ،‬ولا ينام إلا إذا‬ ‫عرف س�بب بكاء الطفل‪ ،‬فيالها م�ن رحمة في قلب عمر العادل‬ ‫‪.I‬‬ ‫عدل عمر ‪I‬‬ ‫كان العه�د الذي حكم في�ه عمر المس�لمين عه ًدا يتصف‬ ‫بالعدل والإنصاف والرحمة‪ ،‬فلا ظالم يظلم الناس‪ ،‬ولا ضعيف‬ ‫يضيع حقه بين الأقوياء‪ ،‬ولا فقير يأكل الغني حقه‪ ،‬بل الجميع‬ ‫يعيش تحت سماء العدل التي أظلهم عمر بها‪.‬‬ ‫وأحس عم�ر بعد ثلاثة عشر عا ًما من حكمه للمس�لمين‬ ‫بأن سنه قد كبرت‪ ،‬وأن عدد رعيته قد زاد‪ ،‬فقام يدعو الله تعالى‬ ‫قائًل�اً ‪ :‬اللهم كبرت س�ني‪ ،‬وضعفت ق�وتي‪ ،‬وانتثرت رعيتي‪،‬‬ ‫فاقبضن�ي إليك غير مضيع ولا مفرط‪ ،‬اللهم ارزقني الش�هادة‬ ‫في سبيلك‪ ،‬واجعل موتي في بلد نبيك‪.‬‬ ‫‪n 49‬‬ ‫‪‬‬


Like this book? You can publish your book online for free in a few minutes!
Create your own flipbook