Important Announcement
PubHTML5 Scheduled Server Maintenance on (GMT) Sunday, June 26th, 2:00 am - 8:00 am.
PubHTML5 site will be inoperative during the times indicated!

Home Explore مجلة شؤون عراقية – العدد الحادي عشر – تعديل قانون الانتخابات

مجلة شؤون عراقية – العدد الحادي عشر – تعديل قانون الانتخابات

Published by info, 2021-05-31 12:23:03

Description: مجلة شؤون عراقية – العدد الحادي عشر – تعديل قانون الانتخابات

Search

Read the Text Version

‫‪101‬‬ ‫الانتهـاء مـن العمليـات العسـكرية» (‪.)32‬‬ ‫الخاتمة‬ ‫إن موضــوع الحــروب والتلــوث البيئــي فــي العــراق والشــرق الأوســط‪ ،‬مــن المواضيــع‬ ‫التــي تثيــر الاهتمــام فــي العصــر الراهــن‪ ،‬لمــا تســببه مــن مخاطــر علــى البيئــة تهــدد الطبيعــة‬ ‫وحيــاة الإنســان‪ .‬لقــد تعرضــت البيئــة الطبيعــة فــي العــراق للدمــار نتيجــة الإهمــال والحــروب‬ ‫منـذ عـام ‪1980‬م حتـى الاحتـال الأمريكي‪-‬البريطانـي عـام ‪٢٠٠٣‬م‪ .‬ولعـدم الاعتـراف بقواعـد‬ ‫الحـرب الخاصـة بالبيئـة وأعرافهـا‪ ،‬حيـث قذفـت ألاف القنابـل والمتفجـرات وبمختلـف الأحجـام‬ ‫التدميريـة ودمـرت المنشـآت الصناعيـة وتسـربت ألاف الأطنـان مـن المنتجات النفطيـة والحوامض‬ ‫والمبيـدات مـع تعطيـل مصـادر الطاقـة الكهربائيـة كل ذلـك أثـر تأثيـرا مباشـرا على البيئـة والتلوث‬ ‫الحاصـل بسـبب تدميـر المنشـآت الصناعيـة العامـة ومصافـي النفـط والمنشـآت النوويـة‪ ،‬التـي تقـع‬ ‫داخـل المـدن‪ ،‬ممـا أدى إلـى التلـوث البيئـي وانتشـار الأمـراض الخطيـرة والأوبئـة‪ .‬لقـد ارتفـع‬ ‫عـدد المواقـع الملوثـة لأكثـر مـن ‪ 300‬موقـع ملـوث كيمياويـا ويحتـاج ذلـك إلـى مليـارات مـن‬ ‫الـدولارات وعشـرات السـنين لتنظيـف بيئـة العـراق‪.‬‬ ‫وتتحمـل الولايـات المتحـدة الأمريكيـة ودول التحالـف مسـؤولية مباشـرة عـن التدمير الشـامل‬ ‫للبنـى التحتيـة والتلـوث البيئـي الـذي ألحـق اضـرارا خطيرتـا فـي الطبيعـة والصحـة العامـة‪ ،‬وبمـا‬ ‫يتناقـض مـع العديـد مـن الاتفاقيـات الدوليـة الخاصـة بحمايـة البيئـة‪ ،‬كاتفاقيـة لاهـاي لعـام ‪1899‬م‪،‬‬ ‫والإعلانـات الثـاث ال ُملحقـة بهـا‪ ،‬واتفاقيـة لاهـاي لعـام ‪1907‬م بشـأن قواعـد وأعـراف الحـرب‪،‬‬ ‫ومـا ارتكبتـه الولايـات المتحـدة الأمريكيـة فـي حـق العـراق يُعـد مخالفـة صريحـة لنـص المـادة‬ ‫(‪ )23‬مـن اتفاقيـة لاهـاي‪ ،‬وكذلـك اتفاقيـات جنيـف الأربعـة لعـام ‪1949‬م والبروتوكـولان ال ُملحقـان‬ ‫بهـا وفقـا للمـادة (‪ )55‬التـي تُلـزم الـدول بمراعـاة حمايـة البيئـة الطبيعيـة مـن الأضـرار البالغـة‬

‫‪102‬‬ ‫اثنـاء القتـال‪ .‬كاتفاقيـة مجلـس أوروبـا بشـأن الأنشـطة الخطـرة علـى البيئـة لعـام ‪1993‬م واتفاقيـة‬ ‫جنيـف الخاصـة بالتلـوث الجـوي بعيـد المـدى والعابـر للحـدود لعـام ‪1989‬م‪ ،‬التـي أضفـت الطابـع‬ ‫الإنسـاني علـى الحـرب وعـدم إلحـاق الضـرر وتدميـر البيئـة‪ .‬وبنـاء عليـه‪ ،‬يكتسـب الضـرر البيئـي‬ ‫صفتـه القانونيـة‪ ،‬التـي يكـون محـا للتعويـض سـواء أكان لأشـخاص القانـون الدولـي أم للأشـخاص‬ ‫الاعتباريين‪.‬‬ ‫لـذا‪ ،‬تتحمـل الولايـات المتحـدة الأمريكيـة‪ ،‬مسـؤولية كاملـة عـن الضـرر البيئـي والتدهـور‬ ‫الصحـي الـذي لحـق بالعـراق وذلـك بموجـب القواعـد والاتفاقيـات الدوليـة وميثـاق الأمـم المتحـدة‪،‬‬ ‫باعتبارهـا دولـة محتلـة اسـتنادا إلـى القـرار رقـم ‪ 1384‬لسـنة ‪2004‬م الصـادر عـن مجلـس الأمـن‬ ‫الدولــي‪ ،‬وبموجــب القواعــد والأســس الشــرعية الدوليــة وقواعــد وأعــراف الحــرب بالاتفاقيــات‬ ‫المشـار إليهـا أعـاه‪ .‬واليـوم ندعـو المجتمـع الدولـي ممثـاً بالأمـم المتحـدة والمنظمـات الدوليـة‬ ‫الإنسـانية المتخصصـة ومنظمـات المجتمـع المدنـي فـي الـدول الأوربيـة والعالـم المتخصصـة فـي‬ ‫حمايــة البيئــة والمناهضــة للحــروب ولاســتخدام الأســلحة المحرمــة دوليــاً‪ ،‬أن تضطلــع بدورهــا‬ ‫البنـاء لحمايـة البيئـة والقضـاء علـى مظاهـر التلـوث البيئـي فـي العـراق ومنطقـة الشـرق الأوسـط‬ ‫لضمـان الأمـن والسـام والاسـتقرار‪.‬‬ ‫ملاحظة‪ :‬قدم هذا البحث الى المؤتمر البيئي الإقليمي الأول للشرق الأوسط حول الحروب‬ ‫والنزاعات المسلحة وتأثيراتها على البيئة‬ ‫جامعة عمان العربية ‪ 21- 18‬أكتوبر‪ /‬تشرين الاول ‪2017‬‬

103

‫‪104‬‬ ‫ألمصادر والهوامش‬ ‫(‪ )1‬جيهـان عـادل حجاحجـة‪« ،‬أثـر الحـروب علـى البيئـة»‪ ،‬فـي‪ :‬موقـع الموضـوع‪19 ،‬‬ ‫مايـس ‪2016‬م‪.‬‬ ‫(‪ )2‬زبيغنـو بريجنيسـكي‪« ،‬الولايـات ألمتحـدة والعالـم الإسالمي»‪ ،‬فـي‪ :‬صحيفـة الـرأي‪،‬‬ ‫‪ 10‬ديسـمبر ‪1994‬م‪ ،‬ص ‪ .40‬للتوسـع فـي دراسـة العلاقـة بيـن التطـورات الاجتماعيـة الداخليـة‬ ‫والسياسـة الخارجيـة الأمريكيـة‪ ،‬يُمكـن العـودة إلـى الكتـاب الصـادر عـن مؤسسـة فرانكليـن‪ :‬دافيـد‬ ‫كويـل‪ ،‬النظـام السياسـي فـي الولايات المتحدة‪ ،‬بغداد‪ ،‬مكتبة المثنـى‪1954 ،‬م‪ ،‬ص ص ‪.308-287‬‬ ‫(‪ )3‬تومـاس موفنـار‪« ،‬رأي أمريكـي بالأمريكانيـة»‪ ،‬فـي‪ :‬مجلـة آفـاق عربيـة‪ ،‬العـدد ‪،7‬‬ ‫‪1990‬م‪ ،‬ص‪.91‬‬ ‫(‪ )4‬مارسيل ميرل‪ ،‬السياسة الخارجية‪ ،‬باريس‪ ،‬بوف‪1984 ،‬م‪ ،‬ص‪.159‬‬ ‫(‪ )5‬نعـوم تشومسـكي‪« ،‬بعـد الحـرب البـاردة ‪ -‬الحـرب الحقيقيـة»‪ ،‬ص ‪ ،46‬فـي‪ :‬حـرب‬ ‫النفـط‪ ،‬جيـرارد دوليسـيس‪ ،‬بغـداد‪ ،‬مركـز أبحـاث أم المعـارك‪1994 ،‬م‪.‬‬ ‫(‪ )6‬هارولد كليم وستانلي فولك‪ ،‬ظروف الأمن ألقومي‪ ،‬بغداد‪ ،‬كلية الدفاع‬ ‫الوطني‪1981،‬م‪ ،‬ص ص ‪.14-13‬‬ ‫(‪Henry Kissinger, «Le fondement de la politique étrangère des )7‬‬ ‫‪.931-915 .pp ,1982 ,4 °Etats Unies «, in: Politique Etrangère, n‬‬ ‫(‪ )8‬موريــس بلاشســان وكنيــث شــارب‪« ،‬نهايــة السياســة الخارجيــة الأمريكيــة»‪ ،‬فــي‪:‬‬ ‫مجلــة آفــاق عربيــة‪ ،‬العــدد ‪1991 ،1‬م‪ ،‬ص ‪27‬‬

‫‪105‬‬ ‫(‪ )9‬خطاب الرئيس جورج بوش أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة‪ ،‬في ‪ 23‬أكتوبر ‪1990‬م‪.‬‬ ‫(‪ )10‬محمـد حسـنين هيـكل‪ُ ،‬مسـتقبل التنميـة ورؤيـة مجتمـع الإدارة‪ ،‬الإسـكندرية‪ ،‬المعهـد‬ ‫القومــي لــإدارة العليــا‪ ،‬محاضــرة نُشــرت علــى أجــزاء فــي صحيفــة الدســتور‪ ،‬فــي ‪ 5‬نوفمبــر‬ ‫‪1990‬م‪.‬‬ ‫(‪ )11‬يفغينــي بريماكــوف‪ ،‬حــرب كان تجنبهــا ممكننــاً‪ ،‬بيــروت‪ ،‬دار النشــر كومبيوتــر‪،‬‬ ‫‪1991‬م‪ ،‬ص ‪.54‬‬ ‫(‪ )12‬نعوم تشومسكي‪« ،‬بعد الحرب الباردة ‪ -‬الحرب الحقيقية»‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪.‬‬ ‫(‪ )13‬بيل كلينتون‪ ،‬مقابلة في صحيفة الغارديان البريطانية‪ 4 ،‬نوفمبر ‪.1992‬‬ ‫(‪ )14‬حــروب الخليــج العربــي ‪ ،The Columbia Encyclopedia‬فــي‪ :‬يوكيبيديــا‪،‬‬ ‫الأثـر البيئـي لحـرب الخليـج الثانيـة ‪1991‬م‪.‬‬ ‫(‪ )15‬المصدر نفسه‪.‬‬ ‫(‪ )16‬أســامة أبــو الــ ُّرب‪« ،‬اليورانيــوم الــذي ألقــي بالعــراق يســاوي ‪ 250‬قنبلــة ذريــة»‪،‬‬ ‫منظمــة المجتمــع العلمــي العربــي‪ ،‬موقــع الجزيــرة نــت‪ ،‬الخميــس ‪ 19‬نوفمبــر‪ 2015‬م‪.‬‬ ‫(‪ )17‬نفس المصدر‪.‬‬ ‫(‪ )18‬نفس المصدر‪.‬‬ ‫‪(19) Souad N. Al-Azzawi. “Selection of best hazardous waste‬‬ ‫‪disposal sites in Iraq using environmental constraints mapping techn‬‬ ‫‪iques”.‬‬

‫‪106‬‬ ‫‪Journal of Arabic Universities Association for engineering‬‬ ‫‪researches and studies, Volume 5, No.1, 1998.‬‬ ‫(‪ )20‬ســعاد العــزاوي‪« ،‬واحــدة مــن أبشــع جرائــم الحربيــن الأمريكيــة علــى العــراق»‪،‬‬ ‫سـلّطت حلقـة‪ :‬الصنـدوق الأسـود‪ ،‬الضـوء علـى ملـف اسـتخدام أسـلحة اليورانيـوم المن ّضـب مـن‬ ‫قبـل الجيـش الأميركـي والقـوات العسـكرية المتحالفـة معـه فـي حربـي الخليـج ‪2003-1991‬م‪،‬‬ ‫وأثنـاء حصـار الفلوجـة عـام ‪.2004‬‬ ‫(‪ )21‬صـادق علـي حسـن‪« ،‬التهديـدات البيئيـة وأثرهـا علـى واقـع الأمـن الإنسـاني فـي‬ ‫العـراق»‪ ،‬فـي‪ :‬مجلـة دراسـات البيـان‪ ،‬مركـز البيـان للدراسـات والتخطيـط‪ ،‬بغـداد‪ 25 ،‬أيلـول‬ ‫‪2016‬م‪.‬‬ ‫(‪ )22‬علـي عدنـان عشـقي‪ ،‬اليورانيـوم المنضـب ودول الخليـج العربـي‪ ،‬فـي‪ :‬جريـدة الوطن‬ ‫السـعودية‪ 23،‬ابريل‪ /‬نيسـان ‪2009‬م‪.‬‬ ‫(‪ )23‬هيفـاء زنكنـة‪« ،‬مـن الغبـار القاتـل الـى حـرق الاشـجار‪ :‬ابـادة الحيـاة فـي العـراق»‪،‬‬ ‫صحيفـة دنيـا الوطـن‪ ٢٨ ،‬ينايـر ‪٢٠٠٨‬م‪.‬‬ ‫(‪ )24‬نفس المصدر‪.‬‬ ‫(‪ )25‬كاتيـا يوسـف‪« ،‬أكاديميـون يحـذرون مـن مخاطـر التلـوث البيئـي فـي العـراق»‪ ،‬فـي‪:‬‬ ‫موقـع العربـي الجديـد‪،‬‬ ‫لندن‪ 27 ،‬يونيو‪ /‬حزيران ‪2016‬م‪.‬‬ ‫(‪ )26‬علـي حنـوش‪ ،‬البيئـة العراقيـة‪ :‬المشـكلات والآفـاق‪ ،‬بغـداد‪ ،‬وزارة البيئـة العراقيـة‪،‬‬ ‫‪2004‬م‪ ،‬انظــر‪ :‬كاظــم المقــدادي‪« ،‬البيئــة العراقيــة‪ :‬تلوثــات مــا قبــل الحــرب وبعدهــا»‪ ،‬فــي‪:‬‬

‫‪107‬‬ ‫صحيفــة الشــرق الأوســط‪ 14 ،‬ابريــل‪ /‬نيســان ‪2005‬م‪.‬‬ ‫(‪ )27‬عمـار كاظـم محمـد‪« ،‬الحـروب وتلويثهـا للبيئـة العراقيـة»‪ ،‬موسـوعة البيئـة العراقية‪،‬‬ ‫مقـال مترجـم عـن صحيفـة‪ :‬الغارديـان البريطانيـة في شـباط ‪2010‬م‪.‬‬ ‫(‪ )28‬نفس المصدر‪.‬‬ ‫(‪ )29‬نفس المصدر‪.‬‬ ‫(‪ )30‬كاظـم المقـدادي‪« ،‬لجنـة التحقيـق البريطانيـة فـي حـرب العـراق تجاهلـت الضحايـا»‪،‬‬ ‫ترجمـة عـن‪ :‬صحيفـة الغارديـان ‪ 6‬آب‪/‬أغسـطس ‪2016‬م‪.‬‬ ‫(‪ )31‬نفس المصدر‪.‬‬ ‫(‪ )32‬ســعاد العــزاوي‪« ،‬مســؤولية الولايــات المتحــدة عــن تلويــث العــراق باليورانيــوم‬ ‫المنضــب»‪ ،‬فــي‪ :‬مجلــة المســتقبل العربــي‪ ،‬العــدد ‪ ،376‬حزيــران ‪2010‬م‪.‬‬

‫‪108‬‬ ‫العراق من الاحتلال إلى اضمحلال الدولة‬ ‫د‪ .‬أثير ناظم الجاسور‬ ‫كلية العلوم السياسية ‪ /‬الجامعة المستنصرية‬ ‫المقدمة‬ ‫مـا ان انهـت الولايـات المتحـدة غزوهـا للعـراق عـام ‪ 2003‬حتـى بـدأت صفحـة جديـدة‬ ‫مـن عمـر الدولـة العراقيـة والمجتمـع العراقـي الـذي وجـد نفسـه بيـن ليلـة وضحاهـا وهـو يواجـه‬ ‫اكبـر فوضـى حدثـت فـي تاريخـه الحديـث‪ ،‬فبعـد ان كانـت السـلطة المركزيـة قابضـة علـى كل‬ ‫تفاصيـل الدولـة السياسـية والاقتصاديـة والاجتماعيـة بـات يـرى ويصبـح ويمسـي علـى الانفـات‬ ‫الأمنـي والسـلب والنهـب التـي تعرضـت لـه مؤسسـاته الحكوميـة المدنيـة منهـا والعسـكرية تحـت‬ ‫انظـار قـوات الاحتـال التـي انتهكـت كل القوانيـن التـي تلقـي علـى عاتـق الدولـة المحتلـة جملـة‬ ‫مــن الالتزامــات أهمهــا حفــظ الامــن والنظــام‪ ،‬فالعــراق فــي ذلــك التاريــخ دون ســلطة تحكمــه‬ ‫ودون ضوابـط قانونيـة تسـير شـؤونه ولا تـردع الخارجيـن عنـه وشـلل تـام فـي كل القطاعـات‬ ‫الاقتصاديـة والخدميـة وهيـاكل الصناعـة وتشـكيلاتها‪ ،‬إلـى جانـب حيـات ملؤهـا خطـر ومؤسسـات‬ ‫محروقـة بعـد ان تـم حـرق ملفاتهـا وسـجلاتها وسـرقة مرافقهـا‪.‬‬ ‫فـي ‪ 22‬كانـون الثانـي مـن العـام ‪ 2004‬صـدر تقريـر عـن المجموعـة الدوليـة للازمـات‬ ‫المرقــم (‪ )24‬تحــت عنــوان‪« :‬مــاذا بإمــكان الولايــات المتحــدة ان تفعــل بالعــراق؟»‪ ،‬تضمــن‬ ‫التقريـر تفاصيـل علـى مـا تحـاول الولايـات المتحـدة ان تفعلـه فـي العـراق باعتبـاره نموذجـا جديـدا‬ ‫فـي المنطقـة بعـد ان كان قابـع تحـت حكـم شـمولي قامـع للحريـات الفرديـة‪ ،‬هـذا النمـوذج مكـون‬ ‫مـن حكومـة ديمقراطيـة علمانيـة تتوجـه اقتصاديـاً نحـو اقتصادالسـوق المفتـوح وتتبنـى سياسـة‬

‫‪109‬‬ ‫متحالفـة مـع المصالـح الامريكيـة وليسـت معاديـة لإسـرائيل كسـابقتها‪ ،‬وضمـان التعـاون العسـكري‬ ‫لأنشــاء القواعــد العســكرية عليهــا‪ .‬بالضــرورة وكلمــا كانــت المقدمــات غيــر منطقيــة وخاطئــة‬ ‫خصوصـاً وانهـا تأسسـت ضمـن معاييـر لا تنسـجم مـع الواقـع العراقـي السياسـي والاجتماعـي‪،‬‬ ‫حتـى ان العديـد مـن الباحثيـن وصفهـا بانهـا مقدمـات سـلبية وخطيـرة‪ ،‬وعليـة فـان النتائـج ايضـاً‬ ‫بالضـرورة غيـر منطقيـة لا بـل جـاءت كارثيـة مـع مـرور الوقـت‪ ،‬وفجـرت العديـد مـن الازمـات‬ ‫التـي عرضـت الحيـاة السياسـية فـي العـراق لعـدم الاسـتقرار‪ ،‬ليتحـول الـى نمـوذج يخيـف دول‬ ‫الجـوار التـي تحولـت الـى لاعبيـن أساسـيين فـي الاحـداث الداخليـة للعـراق‪ ،‬بعـد ان باتـوا مؤثريـن‬ ‫حتـى علـى القـرار السياسـي فيـه‪.‬‬ ‫تبقــى قضيــة احتــال العــراق حالــة فريــدة بــل ســابقة لــم تشــهدها دول المنطقــة‪ ،‬اي ان‬ ‫تقـوم قـوة غازيـة باحتـال ارض دولـة أخـرى دون ان يحـرك علـى الأقـل مجلـس الامـن الدولـي‬ ‫سـاكناً‪ ،‬والمعضلـة الأكبـر ان هـذا الاحتـال رفـع الغطـاء عـن وضـع سياسـي واجتماعـي بالـغ‬ ‫التعقيـد والتشـابك وبـروز ظواهـر مختلفـة غريبـة مثـل ظاهـرة (الحواسـم) التـي مـن خلالهـا تـم‬ ‫سـلب ونهـب كل مؤسسـات الدولـة وحرقهـا بالإضافـة إلـى سـرقة البنـوك والمصـارف واسـتيلاء‬ ‫الأحــزاب القادمــة مــع الاحتــال علــى العديــد مــن وثــاق مؤسســات الدولــة الامنيــة والعســكرية‬ ‫والمدنيـة‪ً ،‬ناهيـك عـن السـاح المنفلـت الـذي اسـتخدمته عصابـات الخطـف والسـلب‪.‬‬ ‫ان أهميـة الدراسـة تتضمـن فـي بحـث شـكل ومضمـون الدولـة العراقيـة بعـد احتلالـه مـن‬ ‫قبـل قـوات الاحتـال الامريكيـة وحلفائهـا بعـد التطـرق لفكـرة السـيادة التـي باتـت مـن المفاهيـم‬ ‫الغريبـة علـى شـكل الدولـة الجديـدة التـي تصدعـت بفعـل السياسـات الداخليـة والتأثيـرات الخارجيـة‬ ‫التـي لعبـت دوراً كبيـراً فـي صناعـة العمليـة السياسـية الجديـدة‪ ،‬بالإضافـة إلـى ان الـدول المؤثـرة‬ ‫فـي العـراق لعبـت وفـق تبـدل تفكيرهـا الاسـتراتيجي الـذي كان يخشـى ان تكـون هـي التاليـة بعـد‬

‫‪110‬‬ ‫العـراق خصوصـاً وان عوامـل التغييـر والتبديـل فـي المنطقـة جاهـز جـداً ناهيـك وان مجتمعـات‬ ‫هـذه الـدول ذاقـت الامريـن مـن حكوماتهـا‪ ،‬بالتالـي كانـت ارض العـراق والنمـوذج برمتـه فرصـة‬ ‫جيـدة لتبيـان وتأكيـد ان البديـل لهـم سـيكون علـى شـاكلة مـا يحـدث فـي العـراق‪ ،‬بالتالـي فـان مـا‬ ‫يحـدث فـي العـراق لـم يعـد شـاناً يخـص الداخـل العراقـي بـكل تجلياتـه لا بـل اصبـح متجـاوزاً‬ ‫حـدوده الجغرافيـة علـى اعتبـاره لـم يعـد فقـط بـؤرة الازمـات ونقطـة الالتقـاء الاسـتراتيجية بيـن‬ ‫الشـرق والغـرب‪ ،‬انمـا باتـت صـور ومشـاهدات الاحـداث ومـا تصـل اليـه مـن حلـول جعلـه ايضـاً‬ ‫مفتـاح السـام فـي المنطقـة مـن وجهـة النظـر الأخـرى‪.‬‬ ‫أمـا فرضيـة الدراسـة فتنطلـق مـن ان الاحتـال الأمريكـي غيـر مـن شـكل الدولـة العراقيـة‬ ‫وتبنياتهــا وتوجهاتهــا حيــال العديــد مــن القضايــا السياســية الخارجيــة وســاهم فــي بنــاء عمليــة‬ ‫سياسـية عانـت ولا زالـت تعانـي مـن اختـالات بنيويـة واضحـة عـززت مجموعـة مـن المفاهيـم‬ ‫أهمهــا مفهــوم الدولــة والهويــة والتعايــش‪ .‬وبالمحصلــة فــان الدراســة تهــدف إلــى بيــان النتائــج‬ ‫التـي خلفهـا الاحتـال الأمريكـي للعـراق وبـروز مجموعـة مـن التحديـات والمعوقـات الخارجيـة‬ ‫والداخليـة التـي أسـهمت وبشـكل مباشـر فيمـا آلـت اليـه الأوضـاع فـي العـراق‪.‬‬ ‫وتنطلـق إشـكالية الدراسـة مـن تسـاؤل لطالمـا دار فـي دراسـات الباحثيـن وكتـب المختصيـن‬ ‫حـول المشـكلة الأساسـية التـي أدت إلـى تفاقـم هـذا الكـم الهائـل مـن المشـاكل والأزمـات؟ وايضـاً‬ ‫«مـا مسـتقبل الدولـة فـي العـراق فـي ظـل السياسـات العشـوائية والانتقائيـة التـي تعيشـها؟‬ ‫وتبنــت منهجيــة الدراســة‪ ،‬اســتخدام المنهــج التحليلــي والمنهــج الســلوكي وايضــاً تحليــل‬ ‫الخطــاب السياســي للقــوى الفاعلــة داخليــاً والمتمثلــة بالقــوى الحزبيــة والمحــركات الاجتماعيــة‪،‬‬ ‫وخارجيــاً الفواعــل الدوليــة مــن الوحــدات الدوليــة والوحــدات غيــر الدوليــة‪.‬‬ ‫هيكليـة الدراسـة تتضمـن مبحثيـن‪ :‬الأول سـيتضمن فكرتـي السـيادة سـواء مـن حيـث الماهيـة‬

‫‪111‬‬ ‫والمفهـوم إلـى جانـب دراسـة مسـالة السـيادة العراقيـة التـي أصبحـت غيـر ذات قيمـة مـن خـال‬ ‫جعـل العـراق ارضـاً لتصفيـة الحسـابات بيـن الوحـدات الدوليـة الإقليميـة والعالميـة والعمـل علـى‬ ‫انتـزاع سـيطرة الدولـة فـي كافـة الجوانـب والتفاصيـل والعلميـة السياسـة‪ ،‬ومـا تـم تحديـده فـي‬ ‫هاتيـن المفردتيـن‪ .‬امـا المبحـث الثانـي فتضمـن دراسـة وتحليـل تشـكيل الهويـات الفرعيـة التـي‬ ‫بدورهــا طغــت علــى الهويــة الوطنيــة‪ ،‬إضافــة لتطــور ظاهــرة الإرهــاب والعنــف وأثــره علــى‬ ‫الدولـة العراقيـة شـكلاً ومضمونـاً‪.‬‬ ‫المبحث الأول‬ ‫السيادة والعملية السياسية‬ ‫أولاً‪ :‬السيادة‬ ‫عنــد الحديــث عــن الســيادة العراقيــة بعــد العــام ‪ 2003‬نجــد عشــرات الخطــوط الحمــراء‬ ‫حــول هــذا المفهــوم بعــد ان أصبحــت ارض العــراق منطقــة مشــاع لــكل مــن يحــاول ان يكــون‬ ‫لـه موطـئ قـدم فـي المنطقـة وبمختلـف الطـرق اهمـا التدخـل فـي شـأن هـذه الجماعـة او تلـك‬ ‫او التدخـل لأغـراض إنسـانية او مـن اجـل تحقيـق الديمقراطيـة وحقـوق الانسـان‪ .‬والسـؤال هنـا‬ ‫يتمحـور حـول مـن يفـرض السـيادة او مـن يحافـظ علـى السـيادة؟ وهنـا يتـوارد للذهـن وللوهلـة‬ ‫الأولــى ان الســيادة تعنــي الســيطرة الكاملــة علــى الأرض او ان للدولــة الســيطرة الكاملــة علــى‬ ‫أراضيهـا‪ ،‬وبالتالـي فـإن السـيادة «تمثـل مـا للدولـة مـن سـلطان علـى الإقليـم الـذي تختـص بـه‬ ‫وبمـا يوجـد فيـه مـن اشـخاص وأمـوال‪ ،‬وهـي تثبـت للدولـة نتيجـة ملكيتهـا للإقليـم ذاتـه» (((‪ ،‬ايضـاً‬ ‫فـان روبـرت جاكسـون صنـف سـيادة الدولـة إلـى نوعيـن‪ :‬حتـى تتمتـع او يُعتـرف بهـا كعضـو‬ ‫((( ناظـم عبـد الواحـد الجاسـور‪ ،‬موسـوعة المصطلحـات السياسـية والفلسـفية والدوليـة‪ ،‬دار النهضـة العربيـة‪ ،‬بيـروت‪،‬‬ ‫‪ ،2008‬ص ‪.346‬‬

‫‪112‬‬ ‫يمتلـك المكانـة والمنزلـة المحترمـة فـي المجتمـع الدولـي مـن خـال السـيادتين السـالبة والموجبـة‪،‬‬ ‫فالسـالبة تعنـى بـان يتـرك البلـد لوحـده ليديـر شـؤونه الخاصـة‪ ،‬امـا الموجبـة تعنـي قـدرة الدولـة‬ ‫علـى مزاولـة سـيطرتها الفعالـة علـى منطقـة مـا وتخطيـط مشـاريع وتنفيذهـا(((‪.‬‬ ‫بالحقيقــة هنــاك مجموعــة مــن الفقهــاء والدارســين والباحثيــن والمختصيــن اختلفــوا علــى‬ ‫إطـاق السـيادة مـن عدمهـا‪ ،‬فمؤيـدي إطـاق السـيادة او السـيادة المطلقـة يؤكـدون علـى ان للدولـة‬ ‫سـيادة مطلقهـا علـى جغرافيتهـا او موقعهـا الجغرافـي بمعنـى عـدم خضوعهـا لا فـي الداخـل ولا في‬ ‫الخـارج لأي قيـود تحـد مـن سـيادة الدولـة سـوى ارادتهـا‪ ،‬امـا المعارضيـن لهـذه الفكـرة فيؤكـدون‬ ‫علـى ان الدولـة لا تتمتـع بالسـيادة المطلقـة لأنهـا مقيـدة بمجموعـة مـن القيـود القانونيـة والأخلاقيـة‬ ‫والإنسـانية‪ .‬وبالرغـم مـن التحـولات التـي طـرأت علـى النظـام العالمـي وتبـدل محركاتـه الأساسـية‬ ‫وصعـود قطـب وافـول الاخـر‪ ،‬فـان السـيادة بالضـرورة قـد تأثـرت بهـذه التحـولات والتطـورات‬ ‫الحاصلـة وتحديـداً التطـورات التكنولوجيـة التـي جعلـت مـن هـذا العالـم قريـة صغيـرة عبـر عولمـة‬ ‫الثقافـة والاتصـال وتبـادل المعلومـات‪.‬‬ ‫وتـرى وجهـة النظـر الأخـرى للسـيادة‪ ،‬ان النظـام الدولـي لـم يعـد دوليـاً انمـا أصبـح نظامـاً‬ ‫عالميــاً علــى أســاس ظهــور فواعــل جديــدة غيــر الــدول فــي هــذا النظــام ســواء المنظمــات او‬ ‫الشـركات المتعـددة الجنسـيات‪ ،‬إلـى جانـب ظهـور قواعـد متعـددة وجديـدة في هـذا النظـام‪ ،‬وبالتالي‬ ‫فـان عمليـة التدخـل او خـرق السـيادة أصبـح يحـدث مـن خـال مفاهيـم متعـددة‪ ،‬إلـى جانـب تطـور‬ ‫النظريـات الفكريـة واتجاهاتهـا التـي أصبحـت تتحـدث عـن تقييـد أكثـر لسـيادة الدولـة خصوصـاً‬ ‫الاقتصاديـة منهـا‪ ،‬بالرغـم مـن ان الدولـة بقيـت اللاعـب الأساسـي فـي هـذا النظـام‪ ،‬وبالتالـي فـان‬ ‫هـذه الأفـكار والنظريـات باتـت تـرى ان السـيادة لـم تعـد مطلقـة وهنـاك حاجـة لإعـادة النظـر فـي‬ ‫((( المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.348‬‬

‫‪113‬‬ ‫هـذا المفهـوم وحيثياتـه(((‪.‬‬ ‫امـا مـا حـدث فـي العـراق فقـد تنافـى مـع كل التفاسـير والنتائـج العلميـة والفلسـفية التـي‬ ‫تحدثـت عـن السـيادة‪ ،‬وتناقـض مـع كل مـا لـه علاقـة بالقوانيـن الدوليـة‪ ،‬فقـد كان انتهـاكاً واضحـاً‬ ‫لســيادة دولــة مســتقلة وتحــت حجــج وذرائــع مختلفــة منهــا اخــذت الجوانــب الإنســانية المتعلقــة‬ ‫بالحريـات وحقـوق الانسـان وقضيـة الديمقراطيـة‪ ،‬ومنهـا تنـاول قضايـا وجوانـب الامـن والسـلم‬ ‫الدولييــن‪ ،‬أي مايتعلــق باتهــام العــراق لامتلاكــه للأســلحة النوويــة والجرثوميــة‪ ،‬إضافــة الــى‬ ‫الجوانـب العسـكرية والأمنيـة التـي تمثلـت باحتـال الكويـت فـي ‪ ٢‬آب ‪١٩٩٠‬م ممايشـكل مخالفـة‬ ‫صريحـة لميثـاق الأمـم المتحـدة‪.‬‬ ‫وبـكل الأحـوال فـان عمليـة احتـال العـراق عـام ‪٢٠٠٣‬م شـكلت انتهـاكا خطيـرا للقانـون‬ ‫الدولــي وميثــاق الأمــم المتحــدة‪ ،‬وجســدت بــكل المقاييــس الهيمنــة الامريكيــة وتفردهــا بالقــرار‬ ‫العالمـي وسـيطرتها علـى هـذا القـرار ومخرجاتـه بعـد ان اسـتدركت خطـورة المواقـف والاتجاهات‬ ‫التـي كانـت تعـارض هـذا الاحتـال سـواء الأوسـاط الداخليـة الامريكيـة او الدوليـة التـي كانـت‬ ‫تـرى فـي هـذا الاحتـال بدايـة لصفحـة جديـدة مـن الاضطرابـات والعنـف فـي المنطقـة‪ .‬بالمقابـل‬ ‫تعـرض النمـوذج الـذي بشـرت بـه الولايـات المتحـدة للفشـل بعـد ان اصبـح واضحـاً ان صانـع‬ ‫القـرار الأمريكـي ومستشـاريه لـم يدرسـوا الواقـع السياسـي والاجتماعـي العراقـي بشـكل معمـق‬ ‫وفــق تحقيقــات الاســتنتاج والمعرفــة‪ ،‬إلــى جانــب انهــا لــم تحــاول ان تســيطر علــى جغرافيــة‬ ‫العـراق او انهـا فقـدت السـيطرة علـى طبيعـة الخصائـص والتحـولات الاجتماعيـة فـي العـراق‬ ‫وواجهـت العجـز وعـدم القـدرة فـي بسـط نفوذهـا بالرغـم مـن امتلاكهـا للتكنولوجيـا المتطـورة‬ ‫والقـدرات الاقتصاديـة‪ .‬وهنـاك راي ثالـث يقـول‪ :‬ان الولايـات المتحـدة اسـتثمرت مسـالة التخـادم‬ ‫((( سعد حقي توفيق‪ ،‬مبادئ العلاقات الدولية‪ ،‬شركة العاتك لصناعة الكتب‪ ،‬القاهرة‪ ،2009 ،‬ص ‪.386‬‬

‫‪114‬‬ ‫غيـر المباشـر فـي العـراق‪ ،‬مـن خـال الاتفـاق علـى‪ :‬ان كل مـا تحـت الأرض لهـا وكل مـا فـوق‬ ‫الأرض لـدول الجـوار‪.‬‬ ‫ونشــير ان فــي العــام ‪2002‬م اعطــى الكونغــرس الأمريكــي الضــوء الأخضــر للرئيــس‬ ‫جــورج بــوش الابــن بالشــروع بالعمليــات العســكرية ضــد العــراق‪ ،‬دون حتــى الحصــول علــى‬ ‫موافقـة الأمـم المتحـدة‪ ،‬هـذا يعنـي ان الكونغـرس خـول الرئيـس القيـام بهـذا العمـل حتـى دون اخـذ‬ ‫موافقتـه‪ ،‬ضمـن الحملـة الكبيـرة التـي قادهـا الرئيـس الأمريكـي بحربـه علـى الإرهـاب(((‪ ،‬لكـن‬ ‫هـذا يعـود بنـا فـي التفكيـر للعـام ‪ 1980‬والخشـية مـن سـيطرة قـوى أخـرى علـى تدفـق النفـط إلـى‬ ‫الغـرب والولايـات المتحـدة ذاتهـا بعـد ان اكـد علـى اسـتخدام القـوة العسـكرية ضـد كل مـن يحـاول‬ ‫تقييـد تدفـق النفـط والتـي عرفـت فيمـا بعـد بــعقيدة كارتـر‪ ،‬وتـم اخضـاع هـذه العقيـدة للاختبـار‬ ‫خـال الحـرب العراقيـة – الإيرانيـة ‪1988 – 1980‬م‪ ،‬وحـرب الخليـج الثانيـة (احتـال العـراق‬ ‫للكويــت) ‪1990‬م(((‪.‬‬ ‫وبالنتيجـة فـان السـيادة العراقيـة وحقـوق الانسـان والديمقراطيـة للمواطـن العراقـي لـم يكونـا‬ ‫علـى قائمـة الاهتمامـات الامريكيـة علـى الاطـاق بقـدر مـا كانـت هنـاك أولويـات واهـداف جلهـا‬ ‫تعمـل مـن اجـل تحقيـق المصلحـة الامريكيـة وتأكيـد زعامتهـا وقيادتهـا للنظـام العالمـي‪ ،‬والدليـل‬ ‫علـى ان ارض العـراق باتـت مسـتباحة مـن قبـل الجميـع مـا ذكـره الصحفـي المصـري يسـري‬ ‫فـودة فـي كتابـه‪ :‬فـي طريـق الأذى‪ ،‬الـذي شـرح فيـه طريقـة دخولـه للأراضـي العراقيـة عبـوراً‬ ‫مـن سـوريا مـن اجـل مقابلـة صحفيـة مـع قـادة الفصائـل المسـلحة داخـل العـراق‪ ،‬وقـد اطلـق‬ ‫((( أحمد نوري النعيمي‪ ،‬عملية صنع الق ارر في السياسة الخارجية‪ ،‬دار زه ارن للنشر والتوزيع‪ ،‬عمان‪.84 ،2011 ،‬‬ ‫((( المصـدر نفسـه‪ ،‬ص ‪ ،310‬يذكـر ان الولايـات المتحـدة فـي حـرب الخليـج الثانيـة عـام ‪ 1990‬نقلـت مـا يقـارب‬ ‫الـ(‪ 200‬ألـف جنـدي) إلـى منطقـة الخليـج وتـم إنفـاق مـا يقـارب الـ(‪ 60‬بليـون دولار)‪ ،‬لان العـ ارق فـي تلـك المرحلـة‬ ‫إذا مـا اسـتطاع السـيطرة فإنـه سيسـتحوذ علـى ‪ %20‬مـن احتياطـات النفـط العالميـة‪.‬‬

‫‪115‬‬ ‫تسـمية الجـزء الـذي يتحـدث عـن العـراق باسـم‪ :‬العبـور علـى المجهـول‪ ،‬ويذكـر فـودة انـه قـد لا‬ ‫يمكـن لـه لقـاء ( الأميـر ) الـذي وعـد بمقابلتـه لكنـه متيقـن مـن رد مااسـماه فـي سـرده للقصـة «أبـو‬ ‫ثائـر» الـذي قـال لـه قـد يكـون اميـره عاجـزاً عـن فعـل أي شـيء لكننـا نريـد ان نثبـت للعالـم اننـا‬ ‫اسـتطعنا تهريـب يسـري فـودة إلـى وسـط بغـداد(((‪ ،‬هـذه الحادثـة التـي يذكرهـا الصحفـي يسـري‬ ‫فـودة‪ ،‬تـدل علـى ان الحـدود العراقيـة كانـت مفتوحـة ومسـتباحة فـي تلـك الفتـرة علـى الرغـم مـن‬ ‫التكنولوجيـا المتطـورة التـي تمتلكهـا القـوات المحتلـة إلا انهـا لـم تحـاول ان تبـذل جهـداً فـي الحفـاظ‬ ‫علـى امـن وسـامة الحـدود‪ ،‬فمـا بالـك فـي دول شـعرت بالتهديـد مـن هـذا الغـزو وعلـى انهـا‬ ‫سـتكون التاليـة اذا مـا نجـح هـذا النمـوذج الـذي بشـر بـه الرئـي بـوش ورامسـفيلد وبـول ولفيتـز‪.‬‬ ‫فـكل المشـاهد التـي كانـت امـام العالـم تـدل علـى ان السـيادة العراقيـة باتـت فـي خبـر كان مـن‬ ‫الناحيتيـن العسـكرية والأمنيـة‪ ،‬ناهيـك عـن الطريقـة التـي بـدأت بهـا الحـرب والوسـائل والادوات‬ ‫التــي تــم اســتخدامها والصواريــخ والقنابــل التــي ســقطت علــى المــدن‪ ،‬هــذا إلــى جانــب الــدور‬ ‫السـلبي الـذي كانـت تتوشـح بـه المنظمـة الدوليـة طيلـة مرحلـة الازمـة مـع العـراق‪ ،‬بعـد ان تناسـى‬ ‫الجميـع حجـم الدمـار والخـراب الـذي حـل بالعـراق ارضـاً وشـعباً‪ .‬وبالتالـي باتـت الديمقراطيـة‬ ‫المزعومـة عاجـزة عـن دفـع الخطـر عـن العراقييـن لان الحقيقـة تؤكـد ان مـا حـدث فـي العـراق‬ ‫((( يسـري فودة‪ ،‬في طريق الأذى‪ :‬من معاقل القاعدة إلى حواضن داعش‪ ،‬دار الشـروق‪ ،‬القاهرة‪ ،2015 ،‬ص‪145‬‬ ‫يقـول فـودة « مسـتحيل إمـا ان نتحـرك غـداً صباحـا وإمـا الا نتحـرك علـى الاطـاق‪ ،‬همـس عـدي بينمـا كان يتخـذ‬ ‫مقعـده إلـى جـواري‪ ،‬ليـس امامنـا سـوى الخطـة البديلـة فـا داعـي لارتـداء هـذا الشـال ومـن الأفضـل ان تقصـر‬ ‫لحيتـك‪ ،‬كنـت قـد اضطـررت إلـى إطـاق لحيتـي بنـا ًء علـى نصيحـة «أبـو ثائـر» وهـو ضابـط اتصـال فـي كبريـات‬ ‫فصائـل المقاومـة الع ارقيـة‪ ،‬عندمـا التقيتـه فـي دولـة مجـاورة لا أسـتطيع الكشـف عنهـا ومـن و ارء نظارتـه الشمسـية‬ ‫الضخمـة حـدد لـي اثنـاء لقاءنـا الخاطـف مـا كان علـى طاولـة جماعتـه مـن عـرض خـاص‪ ،‬فالخطـة (أ) كانـت‬ ‫تتضمـن عبـور الحـدود بارتـداء زي شـيخ عربـي مـع تزويـدي ببطاقـة هويـة محليـة‪ ،‬بالمقابـل وعدنـي « أبـو ثائـر»‬ ‫بلقـاء مـع اميـر الجماعـة الـذي سيسـمح لـي لتصويـر عـدد مـن المشـاهد الملتهبـة‪.‬‬

‫‪116‬‬ ‫بعيـد جـداً عـن فكـرة نشـر الديمقراطيـة وسـام المنطقـة‪ ،‬حتـى ان جـورج بـوش الابـن‪ ،‬يذكـر فـي‬ ‫مذكراتـه بالقـول‪« :‬كان قلقـي مـن ناحيـة صـدام ان يقـوم بتخريـب حقـول البتـرول او ان يطلـق‬ ‫الصواريـخ صـوب إسـرائيل»(((‪.‬‬ ‫ان ارض العــراق لــم تتعــرض للانتهــاك مــن قبــل دولــة الاحتــال وحلفائهــا والجماعــات‬ ‫المتطرفـة القادمـة مـن خـارج الحـدود لا بـل ان دول جـوار العـراق لعبـوا دوراً كبيـراً فـي اضعـاف‬ ‫هـذه الجزئيـة بعـد ان سـاهموا فـي دعـم الجماعـات العابـرة للحـدود مـن خـال التدريـب والتمويـل‬ ‫وتحـت مسـميات مختلفـة‪ ،‬علـى الرغـم مـن ان دول جـوار العـراق كانـت تواقـه للخـاص مـن‬ ‫نظامـه السياسـي السـابق وتعمـل جاهـدة علـى ابعـاده حتـى ان منهـا مـن أصبحـت أراضيهـا منطلقـاً‬ ‫للعمليـات العسـكرية‪ .‬إلا ان الريـاح جـاء بمـا لا تشـتهي سـفن هـذه الـدول‪ ،‬خصوصـاً وان الولايـات‬ ‫المتحـدة قـد أدرجـت عـدد منهـا منهـا بقائمـة دول الشـر أي بمعنـى انهـا ضمـن القائمـة السـوداء‬ ‫لـإدارة الامريكيـة‪ ،‬فالأخيـرة لـن تبـدد مخـاوف هـذه الـدول مـن تكـرار النمـوذج فيهـا لا بـل راحت‬ ‫تصـر علـى ان هـذه الأنظمـة المعاديـة للولايـات المتحـدة ستتسـاقط الواحـدة تلـو الأخـرى‪ ،‬ممـا‬ ‫جعـل مـن دول جـوار العـراق وبعـد التدقيـق فـي الخطـاب السياسـي الأمريكـي والتركيـز بالتفكيـر‬ ‫الاسـتراتيجي‪ ،‬تجـد انهـا بالضـرورة عليهـا ان تسـتخدم كل اوراقهـا داخـل العـراق فـي سـبيل الا‬ ‫تكـون هـي التاليـة‪.‬‬ ‫ان تعامــل هــذه الــدول مــع العــراق انطلــق مــن فكــرة الســياقات التاريخيــة والعلاقــات‬ ‫المتأرجحـة التـي ارتبطـت بينهـا وبيـن العـراق طيـل المراحـل السـابقة‪ .‬فبعـد الاحتـال العراقـي‬ ‫للكويـت عـام ‪ 1990‬انطلقـت مشـاعر الثـأر بالدرجـة والانتقـام مـن النظام السياسـي بفعـل تداعايات‬ ‫احتـال الكويـت ومـا تـاه مـن تبعـات أدخلـت المنطقـة فـي دوامـة عـدم الاسـتقرار‪ ،‬وحتـى بعـد‬ ‫((( مذك ارت جورج دبليو بوش‪ ،‬ق ار ارت مصيرية‪ ،‬شركة المطبوعات للتوزيع والنشر‪ ،‬بيروت‪ ،2012 ،‬ص ‪.312‬‬

‫‪117‬‬ ‫العـام ‪ 2003‬بقيـت الشـكوك الكويتيـة مـن النوايـا العراقيـة وعـدم الثقـة بمجمـل الخطـاب السياسـي‬ ‫العراقـي(((‪ .‬كمـا لا تـزال السـجالات مسـتمرة وعـدم الثقـة بالنوايـا فـي كل مناسـبة والجـدل الحاصل‬ ‫حـول بنـاء مينـاء الفـاو الكبيـر دليـل علـى ان الكويـت لا تـزال تتخـوف مـن أي توجـه عراقـي‬ ‫حتـى وان لـم تكـن هـي المقصـودة بهـذا التوجـه‪ .‬نعـم هنـاك متغيـرات فـي العلاقـة لكنهـا فـي ذات‬ ‫الوقـت لا تتيـح المجـال إلـى ان تكـون علاقـة مبنيـة علـى حسـن النيـة‪ ،‬علـى الأقـل مـن الجانـب‬ ‫الكويتـي‪ ،‬وبالتالـي سـتبقى مسـألة انعـدام الثقـة مسـالة نسـبية تحددهـا القضايـا الأساسـية وأهمهـا‬ ‫الحـدود البريـة والمائيـة‪.‬‬ ‫امـا سـوريا فقـد تعاملـت مـع الملـف العراقـي علـى انـه مـن اخطـر الملفـات التـي واجهتهـا‬ ‫بالمنطقـة مـن منطلقيـن‪ :‬الأول امنـي حيـث اسـتطاعت ان تكـون قاعـدة للجماعـات المتطرفـة التـي‬ ‫عبـر الحـدود إلـى العـراق تحـت يافطـة مقاومـة الاحتـال‪ .‬وصـرح وزيـر الخارجيـة العراقـي‬ ‫الأسـبق هوشـيار زيبـاري فـي ‪ 31‬أيـار ‪ 2005‬بـأن سـوريا أصبحـت الطريـق السـالك للإرهابييـن‬ ‫المتســللين إلــى الأراضــي العراقيــة(((‪ ،‬والمنطلــق الثانــي وجــودي خوفــاً مــن ان تكــون ضمــن‬ ‫معادلـة التغييـر القادمـة علـى شـاكلة العـراق‪ .‬بهـذا التفكيـر تعاملـت دمشـق مـع الملـف العراقـي‪.‬‬ ‫هـذا إذا مـا اردنـا ان نرجـع للماضـي والعلاقـات المتوتـرة بيـن البلديـن ذات الصبغـة الايديلوجيـة‬ ‫بالدرجـة الأسـاس التـي اثـرت بشـكل كبيـر علـى طريقـة التعاطـي بينهمـا طيلـة الفتـرة الماضيـة‪،‬‬ ‫امـا بعـد الاحتـال الأمريكـي وبالرغـم مـن اعتـراض سـوريا علـى مشـروع الحـرب داخـل الجامعة‬ ‫العربيـة‪ ،‬بالتأكيـد خوفـاً مـن تبعـات هـذا الاحتـال‪ ،‬إلا انهـا بالنهايـة دولـة شـرق أوسـطية لا تمتلـك‬ ‫((( عزيـز جبـر شـيال‪ ،‬العلاقـات الع ارقيـة – الكويتيـة‪ ،‬المجلـة السياسـية والدوليـة‪ ،‬كليـة العلـوم السياسـية‪ /‬الجامعـة‬ ‫المسـتنصرية‪ ،‬بغـداد‪ ،‬السـنة الثالثـة‪ ،2009 ،‬ص ‪.28‬‬ ‫((( الع ارق في الاعلام‪ ،‬تسلسل زمني للعلاقات الع ارقية – السورية ‪org.marafea.www‬‬

‫‪118‬‬ ‫القـرار فـي كل الأحـوال ووفـق سياسـة الامـر الواقـع(((‪ ،‬ومـع الاحـداث الحاصلـة فـي سـوريا وعدم‬ ‫الاسـتقرار السياسـي الـذي ولـد عنفـاً خطيـراً يهـدد المنطقـة برمتهـا بعـد ان تصـارع الاضـداد علـى‬ ‫هـذه الأرض كان العـراق او المتضرريـن بعـد ان تـم احتـال ثلـث أراضيـه مـن قبـل الجماعـات‬ ‫الإرهابيـة عـام ‪ 2014‬والتـي اثبتـت بالدليـل القاطـع ان السـيادة العراقيـة لـن تتحقـق طالمـا هنـاك‬ ‫اطـراف داخليـة وخارجيـة تعمـل علـى تقزيـم الدولـة وانهـاء دورهـا‪.‬‬ ‫امـا السـعودية وبالرغـم مـن انهـا كانـت مـن الـدول التـي عملـت مـن اجـل التغييـر للنظـام‬ ‫السياسـي السـابق‪ ،‬فقـد تعاملـت مـع العـراق مـن منطلقـات الحساسـية والحـذر مـن تمـدد النمـوذج‬ ‫الإيرانـي لولايـة الفقيـه عبـر الأحـزاب العراقيـة المتحالفـة مـع إيـران‪ .‬وعبـر الخطـاب السياسـي‬ ‫السـعودي عـن الحـذر منـذ المرحلـة الأولـى مـن بنـاء العمليـة السياسـية مـن قبـل الامريـكان(((‪.‬‬ ‫وتحــول العــراق الــى مجــال للصراعــات السياســية والثقافيــة والمذهبيــة بيــن النمــوذج الإيرانــي‬ ‫لتســيس الدولــة والنمــاذج المختلفــة للأنظمــة السياســية فــي دول الجــوار ومختلــف المنظمــات‬ ‫الإرهابيـة للتيـارات السـلفية المتطرفـة‪ .‬وكان الاجـدر بعـد احتـال العـراق عـام ‪٢٠٠٣‬م‪ ،‬ان تبـادر‬ ‫الـدول العربيـة للانفتـاح وتبنـي برامـج للعمـل المشـترك والتعـاون لاخـراج العـراق مـن محنتـه‪.‬‬ ‫وفـي الواقـع لـم تتوافـق السياسـات السـعودية والعراقيـة واسـتمرت التناقضـات فـي المواقـف‬ ‫السياسـية والاتجاهـات الدبلوماسـية‪ ،‬حتـى عـام ‪ 2014‬وعـام ‪ 2019‬حيـث تـم تبـادل الزيـارات‬ ‫الرسـمية بيـن البلديـن‪ ،‬واسـتثمرت السـعودية تدهـور العلاقـات بيـن واشـنطن وطهـران‪ ،‬لتكـون‬ ‫حاضـرة فـي العـراق مـن خـال طـرح المشـاريع الاسـتثمارية‪ ،‬حيـث تـم الاتفـاق عـام ‪2017‬‬ ‫علـى تأسـيس المجلـس التنسـيقي بيـن البلديـن لتطويـر علاقـات التعـاون الاقتصـادي إلـى المسـتوى‬ ‫((( ريـان ذنـون محمـود العباسـي‪ ،‬علاقـات دمشـق وبغـداد امـام تحـدي الثـورة السـورية‪ ،‬مركـز الجزيـرة للد ارسـات‪23 ،‬‬ ‫أكتوبـر‪ ،2011 ،‬ص‪.1‬‬ ‫((( صحيفة الواشنطن بوست‪ ،‬وشبكة اسلام اون لاين‪ ،‬وشبكة نبا للمعلومات ‪org.annabaa.www‬‬

‫‪119‬‬ ‫الاسـتراتيجي‪ .‬بالإضافـة إلـى إعـان السـعودية فـي مؤتمـر إعـادة إعمـار العـراق الـذي اسـتضافته‬ ‫الكويـت فـي شـباط (فبرايـر) ‪ ،2018‬عـن تخصيـص ‪ 1.5‬مليـار دولار لمشـاريع إعـادة إعمـار‬ ‫العـراق (((‪ ،‬ولا تـزال العلاقـة بيـن الطرفيـن تتطـور علـى الرغـم مـن مختلـف العقبـات والتحديـات‪،‬‬ ‫لــذا فــان مســتقبل هــذه العلاقــة قــد تشــهد مراحــل انفــراج عديــدة بعــد ان يتــم احــداث بعــض‬ ‫التعديـات فـي سياسـات دول المنطقـة‪.‬‬ ‫امـا تركيـا فهـي وبغـض النظـر عـن العلاقـة السـابقة تبقـى محكومـة بقضيتيـن أساسـيتين‪:‬‬ ‫الاولـى هـي محاولـة ضمـان المصالـح الاقتصاديـة والسياسـية‪ ،‬القضيـة الثانيـة تتعلـق بالجهـود‬ ‫التــي تبذلهــا السياســية الخارجيــة التركيــة لضمــان الــدور الإقليمــي لأنقــرة والتأســيس لتحالفــات‬ ‫وثيقـة مسـتثمرة الموقـع الجيواسـتراتجي بيـن الشـرق والغـرب وقدرتهـا علـى لعـب دور محـوري‬ ‫فـي الشـرق الأوسـط والخليـج العربـي‪ .‬وفـي العـراق تهتـم السياسـة التركيـة بتحجيـم دور حـزب‬ ‫العمـال الكردسـتاني (‪ )PKK‬ومـا تقـوم بـه هـذه المنظمـة مـن عمليـات فـي الداخـل التركـي‪ ،‬ممـا‬ ‫ينعكـس سـلبيا وبـكل الأحـوال علـى السـيادة العراقيـة‪.‬‬ ‫و كانـت إيـران مـن ضمـن الـدول التواقـه للخـاص مـن النظـام السياسـي العراقـي السـابق‬ ‫وبمختلـف الطـرق فهـي مـن الـدول التـي كانـت تـأوي عناصـر المعارضـة الإسـامية العراقيـة‬ ‫الشـيعية تحديـداً‪ ،‬إلا ان هـذا التغييـر المفاجـئ جعلهـا فـي تمـاس حـدودي مـع القـوات الامريكيـة‬ ‫المحتلــة خصوصــاً وهــي مــن الــدول التــي صنفتهــا الإدارة الإدارات الامريكيــة‪ ،‬دولــة راعيــة‬ ‫للإرهـاب وضمـن قائمـة دول الشـر او المارقـة‪ .‬لـذا عملـت إيـران علـى مسـارين‪ :‬الأول السـيطرة‬ ‫علــى العــراق والقــرار السياســي الــذي بــدوره يحقــق لهــا مصالحهــا وأهدافهــا وفــق معطيــات‬ ‫((( السـعودية والعـ ارق ‪ 2019 – 1979‬أربعـون عامـاً مـن تقلـب العلاقـات‪ ...‬أيـن تقـف إيـ ارن؟‪،2019 /4 /18 ،‬‬ ‫‪arabic.euronews.com‬‬

‫‪120‬‬ ‫المرحلـة وخطورتهـا‪ ،‬والثانـي مـن حيـث افشـال هـذا النمـوذج بـكل الطـرق خشـية مـن ان تكـون‬ ‫هـي التاليـة‪ ،‬وعليـه فـان الهاجـس الأمنـي لعـب دوراً كبيـراً عنـد صانـع القـرار الايرانـي طيلـة هـذه‬ ‫الفتـرة‪ ،‬بالمحصلـة تمتلـك طهـران اليـد الطولـى بعـد ان سـيطر علـى السـلطة فـي العـراق مختلـف‬ ‫الأحـزاب المواليـة لهـا‪ ،‬سـيما وانهـا لاتـزال تعمـل مـع ايـران وعلـى ذات الخـط السياسـي والديني‪.،‬‬ ‫كمـا كثفـت ايـران نشـاطها الاسـتخباري فـي العـراق للاسـتحواذ علـى مصـادر المعلومـات التـي‬ ‫تـدر عليهـا بالفائـدة فـي إدارة هـذا الملـف الحسـاس(((()‪ .‬وتعمـل طهـران علـى تحقيـق مصالحهـا‬ ‫وفـق مبدأيـن أساسـيين‪ :‬الأول تبنـي نظريـة الدولـة – الامـة‪ ،‬التـي تـزاوج بيـن هذيـن المفهوميـن‬ ‫لاعتبـارات العمـل الدينـي والسياسـي معـاً مـن خـال طـرح مشـروع ولايـة الفقيـه الـذي يسـاهم‬ ‫وفـق تصورهـا فـي جعـل طهـران تتصـدر قيـادة هـذا العالـم‪ .‬ان التفكيـر الاسـتراتيجي الإيرانـي‬ ‫يتضمــن عمليــة اندمــاج جميــع القــوى الإســامية تحــت لوائهــا ومــن خــال الارتبــاط المباشــر‬ ‫بطهـران والعمـل لرفـع شـعار محاربـة النفـوذ والتوسـع الأمريكـي(((()‪ ،‬بالتالـي فـان ايـران كمـا‬ ‫هـي الـدول الأخـرى تعمـل علـى ان تكـون المسـيطر المطلـق للهيمنـة الإقليميـة التـي تسـاعدها‬ ‫للظهـور كدولـة عظمـى مـن خـال الهيمنـة علـى العـراق والـدول الأخـرى عبـر ادواتهـا السياسـية‬ ‫او العسـكرية فـي العـراق ولبنـان واليمـن وسـوريا‪.‬‬ ‫لقد استطاعت دول الجوار ان توظف كل ادواتها في سبيل امرين‪:‬‬ ‫الأول‪ :‬الاخـال بالسـيادة العراقيـة والعمـل علـى اضعافـه بشـتى الطـرق خوفـاً مـن عودتـه‬ ‫إلــى لعــب دور محــوري ومؤثــر فــي السياســة الإقليميــة‪ .‬بالمحصلــة تحــاول دول الجــوار ان لا‬ ‫((( شـفيق ابـو منيجـل‪ ،‬خلفيـات الموافـق الاي ارنيـة اتجـاه العـ ارق المحتـل‪ :‬محاولـة لفهـم الواقـع‪ ،‬مجلـة المسـتقبل العربـي‪،‬‬ ‫مركـز د ارسـات الوحـدة العربيـة‪ ،‬بيـروت‪ ،‬العـدد ‪ ،2005 ،316‬ص‪.43‬‬ ‫((( إب ارهيـم العبـادي‪ ،‬الحشـد الشـعبي بيـن شـرعية الداخـل وجدليـة الخـارج‪ ،‬مجلـة الـرواق‪ ،‬مركـز رواق بغـداد للسياسـات‬ ‫العامـة‪ ،‬بغـداد‪ ،‬العـدد الأول‪ ،‬كانـون الثانـي ‪ ،2020‬ص ‪15‬‬

‫‪121‬‬ ‫ينهـض العـراق ويعيـد ترتيـب حسـاباته التاريخيـة والجغرافيـة‪.‬‬ ‫ثانيـاً‪ :‬عمـل دول الجـوار علـى تحقيـق أهدافهـا مـن خـال الدفـاع عـن مصالحهـا سـواء فـي‬ ‫العـراق او خارجـه‪ ،‬فبالرغـم مـن تبـدل الاحـداث وتحولهـا إلا ان دول جـوار العـراق تركـز علـى‬ ‫مشـاريعها التـي مـن خلالهـا تسـتطيع ان تخلـق نـوع مـن التـوازن فـي المنطقـة يخدمهـا بالدرجـة‬ ‫الاسـاس‪.‬‬ ‫ثانياً‪ :‬اختلالات وتحديات العملية السياسية‬ ‫مـا مـن مراقـب او متابـع او باحـث فـي الشـأن العراقـي لـم يتطـرق او يتعـرف علـى الطريقـة‬ ‫التـي تمـت بموجبهـا تأسـيس العمليـة السياسـية مـن قبـل الحاكـم المدنـي بـول بريمـر او كمـا اسـماه‬ ‫البعــض بالحاكــم الأعلــى صاحــب الصلاحيــات المطلقــة‪ .‬وفــي البدايــة فــإن صلاحيــات الحاكــم‬ ‫المدنـي بالرغـم مـن انهـا سـاهمت فـي عرقلـة العمـل السياسـي العـراق إلا ان هـذا لا يعنـي ان‬ ‫القـوى التـي دخلـت العـراق مـع القـوات المحتلـة ليـس لهـا ذات النصيـب مـن التعثـر وسـوء الإدارة‬ ‫بجانـب الرضـا عـن الإجـراءات التـي اتخذتهـا الإدارة الامريكيـة فـي العـراق‪ .‬لكـن اسـاس المشـكلة‬ ‫فـي العـراق تبقـى فـي سياسـة الولايـات المتحـدة التـي لـم ترتضـي ان تشـارك احـداً فـي القـرارات‬ ‫المصيريـة التـي اتخذتهـا‪ ،‬لاعتبـارات تتعلـق بتفكيـك وبنـاء الدولـة الجديـدة بالإضافـة إلـى الخـاف‬ ‫بيـن واشـنطن والأمـم المتحـدة المتمثلـة بممثـل الأميـن العـام سـيرجيو ديميلـو والـذي حـاول بشـتى‬ ‫الطــرق الاســتئثار بــكل مــا لــه علاقــة بالدولــة العراقيــة إلــى طريــق مســدود بمختلــف الملفــات‬ ‫سـواء السياسـية وقضيـة الانتخابـات او الاقتصاديـة وطريقـة بنـاء أرضيـة اقتصاديـة وحتـى طريقـة‬ ‫تعامـل قـوات الاحتـال مـع المواطنيـن فـي العـراق‪ ،‬فهـي بالمباشـر لـم تأتـي إلـى العـراق لأجـل‬ ‫تغييـر نظـام وإرسـاء دعائـم الديمقراطيـة وحقـوق الانسـان انمـا وبفعـل الأوامـر الصـادرة منهـا‬ ‫وبموافقـة القـوى الحزبيـة العراقيـة التـي دخلـت معهـا‪.‬‬

‫‪122‬‬ ‫كان العمـل واضحـاً فـي اسـتهداف تفكيـك الدولـة العراقيـة ومؤسسـاتها مـن الجـذور عبـر‬ ‫قـرارات وعمليـات حـل وتصفيـة مؤسسـات الدولـة‪ ،‬ممـا افـرغ الدولـة مـن محتواهـا السياسـي‬ ‫والاقتصـادي والاجتماعـي‪ ،‬ولكـي يبـدأ العمـل مـن أجـل تأسـيس نظـام مختلـف يتوافـق مع مقاسـات‬ ‫الاحتـال الأمريكـي‪ ،‬ممـا تطلـب تنسـيق العمـل المشـترك بيـن القـوى السياسـية القادمـة مـع قـوات‬ ‫الاحتـال‪ .‬ومنـذ اليـوم الأول لدخـول هـذه القـوات لـم تلتـزم بمبـادئ القانـون الدولـي ولا بالنصوص‬ ‫التـي تجعـل مـن الدولـة المحتلـة كفيلـة بحفـظ الامـن والنظـام داخـل الدولـة المحتلـة‪ ،‬وحصـل مـا‬ ‫ارادتـه إدارة الرئيـس جـورج بـوش الابـن مـن تقويـض النظـام السياسـي العراقـي فـي مـدة قياسـية‬ ‫لـم تكـن متوقعـة‪ ،‬فكانـت امـام اختبـار كبيـر وخطيـر‪ ،‬فهـي تـارة تبشـر بنظـام ديمقراطـي ليبرالـي‬ ‫جديـد مختلـف بالتالـي ينبغـي لهـذا النظـام ان يؤسـس مـن خـال انتخابـات حـرة وعادلـة ونزيهـة‪،‬‬ ‫وإدارة عادلـة وشـفافة لمؤسسـاته وكل تشـكيلاته‪ ،‬وان يلتـزم بسياسـات اقتصاديـة ليبراليـة أساسـها‬ ‫السـوق‪ ،‬إلـى جانـب سـلوك معتـدل ومسـتقل فـي سياسـته الخارجيـة وتعاملاتـه مـع الـدول بمـا فـي‬ ‫ذلـك إسـرائيل‪ ،‬وان يكـون بعيـداً عـن التطـرف والأيديولوجيـات المنحرفـة والمتطرفـة كالنزعـات‬ ‫الإسـامية والقوميـة(((‪ .‬هـذا مـا ارادتـه الولايـات المتحـدة للعـراق الجديـد او النمـوذج الـذي بشـرت‬ ‫بـه العراقييـن قبـل العالـم‪ ،‬وسـارت وفـق خطـط وقـرارات بقيـت سـارية المفعـول لغايـة اليـوم‪ .‬ومـا‬ ‫يعانيـه العراقييـن اليـوم منمشـكلات وتحديـات كبـرى سـببه التخطيـط الـذي كان يرضـي بالدرجـة‬ ‫الأسـاس الأحـزاب ضمـن مشـروع العمليـة السياسـية والتـي اسـتهدفت مجموعـة مـن الاجـراءات‪:‬‬ ‫‪ .1‬حــل الجيــش العراقــي والمؤسســات الأمنيــة مــن قبــل الحاكــم المدنــي‪ ،‬بالرغــم مــن‬ ‫اعتـراض الأوسـاط والأطـراف العراقيـة المسـتقلة والتحذيـر مـن النتائـج الكارثيـة لهـذا القـرار‬ ‫الـذي سـوف يحـول ألـوف مـن منتسـبي هـذه المؤسسـات إلـى عاطليـن عـن العمـل ومـن ثـم مقاتليـن‬ ‫((( مايـكل هدسـون‪ ،‬سـيناريوهات سياسـية لعـ ارق مـا بعـد الاحتـال‪ ،‬العـ ارق‪ :‬الغـزو‪ -‬الاحتـال‪ -‬المقاومـة‪ ،‬مركـز‬ ‫د ارسـات الوحـدة العربيـة‪ ،‬الطبعـة الأولـى‪ ،‬بيـروت‪ ،‬كانـون الأول‪ /‬ديسـمبر‪.2003 ،‬‬

‫‪123‬‬ ‫ضـد مشـروع الاحتـال الأمريكـي‪.‬‬ ‫‪ .2‬تشــكيل مجلــس الحكــم الانتقالــي فــي ‪ 22‬تمــوز ‪2003‬م ايضــاً وبقــرار مــن ســلطة‬ ‫الائتـاف‪ ،‬والـذي منـح بموجبـه سـلطات جزئيـة او محـدودة فـي إدارة شـؤون العـراق‪ ،‬والتـي لـم‬ ‫تشـمل الإطـار الأمنـي عـل سـبيل المثـال‪ .‬وتكـون هـذا المجلـس مـن مـن (‪ )25‬عضـواً وينتخـب‬ ‫منهـم رئيـس لـكل شـهر‪ ،‬يمثلـون الأحـزاب والكتـل التـي كانـت فـي المعارضـة‪ ،‬وفقـا للمحاصصـة‬ ‫الدينيـة والقوميـة والمذهبيـة‪ ،‬والمفارقـة ان حميـد مجيـد موسـى سـكرتير الحـزب الشـيوعي العراق‬ ‫لـم يتـم اختيـاره ممثـا عـن الحـزب الشـيوعي وإنمـا علـى اسـاس انتمائـه المذهبـي‪ .‬لقـد عكسـت‬ ‫تشـكيلة المجلـس هشاشـة العمليـة السياسـية وطبيعـة قراراتـه التـي اتخذهـا مباشـرة بعـد تأسيسـه‪:‬‬ ‫‪ -‬أصـدر المجلـس قـراره المرقـم (‪ )137‬فـي كانـون الثانـي عـام ‪2003‬م الـذي بموجبـه‬ ‫حـاول ان يلغـي قانـون الأحـوال الشـخصية الصـادر عـام ‪ 1959‬ويقتضـي ان تكـون إجـراءات‬ ‫الأحـوال الشـخصية كل حسـب دينـه ومذهبـه‪.‬‬ ‫ ‪ -‬تغييـر العلـم العراقـي بعـد طـرح عـدة نمـاذج لا تمـت بحضـارات وتاريـخ العـراق بصلـة‪،‬‬ ‫انمـا لإرضـاء هنـا وتسـوية هنـاك‪ ،‬ممـا اثـار لغـط الشـارع وغضبـه‪ .‬بالنهايـة تـم الاعتـراض علـى‬ ‫الاشـكال والرسـومات التـي تـم عرضهـا وتـم الاكتفـاء برفـع النجـوم الثـاث‪.‬‬ ‫ ‪ -‬الاعـداد للدسـتور والتمهيـد للانتخابـات التـي لازال العـراق يعانـي مـن كليهمـا‪ ،‬فالدسـتور‬ ‫لا تـزال القـوى الحزبيـة تعمـل علـى عـدم الالتـزام بفقراتـه لا بـل تحـاول بيـن الحيـن والأخـر‬ ‫تغييبـه‪ ،‬والانتخابـات لا تـزال غيـر منتجـة حتـى وصـل الحـال إلـى عـزوف اعـداد كبيـرة مـن‬ ‫الشـعب عـن الانتخابـات الأخيـرة التـي سـجلت أدنـى نسـب للمشـاركة‪.‬‬ ‫ومنــذ ذلــك التاريــخ والأطــراف الحزبيــة الحاكمــة غيــر قــادرة علــى إيجــاد تــوازن فــي‬

‫‪124‬‬ ‫العلاقـة فيمـا بينهـا والحقيقـة ان الأحـزاب الحاكمـة لـم تلجـأ إلـى التنافـس السياسـي المنتـج الباحـث‬ ‫عـن المصلحـة الوطنيـة بـل كان هنـاك صـراع حزبـي أُسـس لـه منـذ تشـكيل مجلـس الحكـم ولغايـة‬ ‫اليـوم‪ ،‬سـيما وإنهـا عملـت علـى تحقيـق مكاسـبها بغـض النظـر ان كانـت تصـب للمصلحـة العامـة‬ ‫ام لا‪ ،‬وبعـد هـذه السـنوات الطـوال مـن عمـر هـذه العمليـة لـم يكـن هنـاك منجـزات علـى ارض‬ ‫الواقـع‪ ،‬وكل مـا منـح للعـراق هـو درجـات متقدمـة مـن الفسـاد والمحاصصـة‪ ،‬ومدنـا مدمـرة لا‬ ‫تصلـح للعيـش بسـبب تـردي الوضـع الأمنـي والخدمـي‪ ،‬فـكل مـا يعيشـه المواطـن العراقـي هـو‬ ‫تراكمــات للسياســات التــي ارتكــزت علــى عوامــل وأدوات غيــر منطقيــة‪ ،‬أوصلــت البــاد إلــى‬ ‫مرحلـة حرجـة مـن الانهيـار الأمنـي والتدهـور الاقتصـادي‪ ،‬فضـاً عـن أزمـات حرجـة حاليـة‬ ‫جــ ّراء جائحــة فيــروس كورونــا العالمــي‪ ،‬مقابــل ضعــف القطــاع الصحــي العراقــي وهبــوط‬ ‫أسـعار النفـط‪ ،‬الـذي يهـدد بانهيـار اقتصـاد البـاد بسـبب الاجـراءات الحكوميـة التـي امـا تعمـل‬ ‫علـى عامـل الوقـت الـذي بـكل الاحـوال لا يسـعف او تعمـل علـى تمييـع القضايـا الاساسـية‪.‬‬ ‫لقـد بقيـت العمليـة السياسـية فـي العـراق رهينـة التوجهـات الحزبيـة التـي سـاعدت علـى‬ ‫اظهــار العديــد مــن المعضــات والمشــاكل التــي اعاقــت بــكل تأكيــد ان تســير وفــق الحســابات‬ ‫المنطقيـة او العقلانيـة‪ ،‬فقـد افتقـرت العمليـة السياسـية العراقيـة إلـى اهـم مقومـات النجـاح سـواء‬ ‫فـي عمليـة بنـاء الدولـة او ادارة شـؤونها بعـد ان تقطعـت الطـرق امـام الذيـن كانـوا مـن المرجـح ان‬ ‫يكونـوا شـركاء إلـى خصـوم دفعـت صراعاتهـم إلـى ان تصبـح الدولـة ومؤسسـاتها رهينـة المـال‬ ‫والاسـتحواذ علـى السـلطة‪ ،‬فالسـمة الغالبـة التـي باتـت واضحـة للجميـع ان هنـاك فشـاً كبيـراً فـي‬ ‫إدارة العلميـة السياسـية فـي كل التفاصيـل ابتـدا ًء مـن الانتخابـات المشـكوك فـي صناديـق اقتراعهـا‬ ‫انتهــا ًء بالبرامــج الحكوميــة التــي مــا ان يتــم الانتهــاء مــن قراءتهــا حتــى تركــن علــى الــرف‪،‬‬ ‫بالإضافـة إلـى قضيـة السـاح المنفلـت الـذي بـات يتحكـم بمجمـل القـرارات السياسـية والاقتصاديـة‬

‫‪125‬‬ ‫وبـات قـوة ترتكـز عليهـا القـوى الحزبيـة بعـد ان اصبـح بينهـا وبيـن الشـعب بـون شاسـع يتضمنـه‬ ‫عـدم ثقـة عـا ٍل‪.‬‬ ‫المبحث الثاني‬ ‫الهوية الوطنية واضمحلال هيبة الدولة‬ ‫اولاً‪ :‬الهوية الوطنية العراقية‬ ‫الهويـة الوطنيـة العراقيـة لهـا حصـة الأسـد مـن الضـرر الـذي أصـاب العـراق ككل فقـد‬ ‫عانـت مـن هجـوم عنيـف وخطيـر فـي سـبيل القضـاء عليهـا وانهـاء كل تأثيـر لهـا بالنسـبة للمواطـن‬ ‫بالدرجـة الأسـاس‪ ،‬فالاحتـال لـم يسـاهم فـي تدميـر الدولـة ونسـف مؤسسـاتها لا بـل سـاعد علـى‬ ‫دعـم الفواعـل التـي سـارت نحـو القضـاء علـى الشـعور بالهويـة الوطنيـة مـن خـال الخطابـات‬ ‫التـي باتـت تنـادي بحقـوق دينيـة ومذهبيـة وقوميـة‪ ،‬منطلقـة مـن الفرعيـات التـي بالضـرورة تعمـل‬ ‫علـى تحطيـم الهويـة الجامعـة‪ ،‬لـذا اسـتمر الصـراع فـي العـراق بيـن الهويـات الفرعيـة والهويـة‬ ‫الوطنيـة‪ .‬هـذا الصـراع الـذي انتهـى فـي مرحلـة معينـة الـى نجـاح فكـرة الهويـة الفرعيـة فـي‬ ‫ان تكـون حاضـرة وتلعـب دوراً فـي زعزعـة السـلم المجتمعـي العراقـي بعـد الدعـم الـذي تلقتـه‬ ‫مـن الخـارج او مـن الداخـل وبعـد ان أصبحـت الأحـزاب الأدوات الأساسـية فـي اذكاء نـار الفتـن‬ ‫الطائفيـة والتمييـز المذهبـي التـي كان المواطـن وقودهـا‪.‬‬ ‫احـداث كثيـرة كانـت لهـا الـدور فـي التحضيـر لان يكـون الشـارع العراقـي علـى موعـد مـع‬ ‫صـراع الهويـات التـي تخنـدق خلفهـا العديـد مـن النـاس خوفـاً مـن خطـر الهويـات المضـادة‪ ،‬وكان‬ ‫الخطـاب الدينـي (الشـيعي – السـني) محرضـاً مـن خـال خطبـاء المنابـر المرتبطيـن بأجنـدات‬ ‫خارجيـة الذيـن سـاهموا ايضـاً مـن خـال فكـرة خلـق التـوازن التـي تحـدث عنهـا الكثيريـن‪ ،‬إلـى‬

‫‪126‬‬ ‫جانـب قيـام الاحتـال بتقسـيم المناطـق حسـب الطوائـف‪ ،‬مناطـق سـنية ومناطق شـيعية ايضاً سـاعد‬ ‫علـى تمزيـق النسـيج الاجتماعـي‪ ،‬وبالرغـم مـن ان هنـاك العديـد مـن العراقييـن كانـوا رافضيـن‬ ‫لهـذه الفكـرة‪ ،‬أي رفـض الذهـاب للحـرب الطائفيـة وشـرعنة مشـروع التقسـيم الأمريكـي للعـراق‬ ‫(((() الـذي يعـد غيـر مقبـول مـن قبـل العراقييـن‪ .‬وبالرغـم مـن التعدديـة الدينيـة التـي يمتـاز بهـا‬ ‫العـراق والتـي تشـكل بالضـرورة مصـدر قـوة وركيـزة أساسـية لبنـاء دولـة المواطنـة‪ ،‬إلا ان هـذا‬ ‫التنـوع اصبـح دليـل علـى التشـظي وعـدم الاتفـاق والالتقـاء بيـن الـوان المجتمـع الواحـد‪ ،‬وبـات‬ ‫الحديـث عـن مكسـب لهـذه الطائفـة واسـتحقاق لهـذا المكـون بديهيـة النظـام السياسـي بالمحصلـة‬ ‫والــذي شــكل صــورة جديــدة للخارطــة الاجتماعيــة العراقيــة بعــد العــام ‪ .)((((2003‬لــذا‪ ،‬يبــدو‬ ‫ان الصـراع الهوياتـي الفرعـي قـد طغـى علـى مجمـل سـمات الهويـة الوطنيـة ومسـالة الانتمـاء‬ ‫للوطـن الواحـد وأعطـى تصـوراً ايضـاً للجميـع ان هـذه الفرعيـات المذهبيـة والعرقيـة لـم تكـن‬ ‫وليـدة الاحتـال انمـا كانـت اشـبه بالخلايـا النائمـة فـي داخـل المجتمـع العراقـي‪.‬‬ ‫فمـن خـال الهويـة الوطنيـة يمكننـا تحديـد طبيعة وشـكل النظـام السياسـي ومعتقداته وانسـاقه‬ ‫وايضـاً منطلقاتـه التـي تحـدد حتمـاً الخطـط والتوجهـات التـي على أساسـها يسـير المجتمـع والدولة‪،‬‬ ‫امـا نحـو علاقـات منفتحـة يتعامـل مـن خلالهـا بانسـيابية عاليـة وعقلانيـة مبنيـة عـل اسـتراتيجية‬ ‫المعرفـة بالمعطيـات والاحـداث‪ ،‬وامـا يسـير وفـق قياسـات العقـل المنغلـق الـذي لربمـا يميـل بيـن‬ ‫((( تبنـى مجلـس النـواب الأمريكـي قـ ارر فـي ‪ 14‬أيلـول مـن عـام ‪ 2007‬تقسـيم العـ ارق إلـى ثلاثـة كيانـات (شـيعية‬ ‫– سـنية – كرديـة) مـع وجـود حكومـة مركزيـة تديـر شـؤون أمـن الحـدود والمـوارد النفطيـة‪ ،‬وكان رفـض « بـوش‬ ‫الابـن» لهـذا القـ ارر مـن دعـوى ان المتطرفيـن السـنة سـيخلقون المشـاكل والص ارعـات مـع المتطرفيـن الشـيعة ام‬ ‫الاكـ ارد ينشـب بينهـم وبيـن سـوريا وتركيـا ص ارعـاً اخـر‪ ،‬احمـد نـوري النعيمـي‪ ،‬عمليـة صنـع القـ ارر‪ ،‬مصـدر سـبق‬ ‫ذكـره‪ ،‬ص ‪.77‬‬ ‫((( عبد الحسين شعبان‪ ،‬ص ارع او جدل الهويات في الع ارق‪ ،‬مجلة المستقبل العربي‪ ،‬بيروت‪ ،2009 ،‬ص ‪.145‬‬

‫‪127‬‬ ‫الحيــن والأخــر صــوب اتجاهــات محوريــة‪ .‬ان مشــكلة الهويــة العراقيــة إلــى جانــب التداخــات‬ ‫الاجتماعيـة والسياسـية ارتبطـت بالتأثيـر أو بالتدخـل الااقليمـي مـن خـال القـوى المتحكمـة فـي‬ ‫النظـام السياسـي ومـن خـال تعامـل شـرائح المجتمـع العراقـي بـدلالات الديـن والطائفـة والقوميـة‬ ‫وتجريدهـا مـن هويتهـا الوطنيـة الشـاملة (((()‪ .‬لـذا يواجـه المجتمـع العراقـي حـوارات وسـجالات‬ ‫حـول الهويـة تعمقـت بشـدة فـي مرحلـة مـا بعـد عـام ‪ 2003‬م والتـي جعلـت مـن قضيـة الهويـة‬ ‫الوطنيـة همـاً يشـغل الجميـع‪.‬‬ ‫ثانيا‪ :‬ضرورات بناء الهوية الوطنية العراقية‬ ‫يتطلــب بنــاء الهويــة الوطنيــة تبنــي الأحــزاب ومنظمــات المجتمــع المدنــي والســلطات‬ ‫المختصــة مجموعــة مــن الإجــراءات والسياســات والتشــريعات وفــق الآتــي (((‪:‬‬ ‫ ‪ .1‬اصلاح البرلمان واخراجه من التخندق والذي أصبح واحد من سماته‪.‬‬ ‫ ‪ .2‬تبنـي الأحـزاب السياسـية عمليـة بنـاء الهويـة الوطنيـة والدولـة المدنيـة وضـرورة ابعـاد‬ ‫الأحـزاب القائمـة علـى تكريـس ثقافـة التمييـز الطائفيـة والسياسـية والتوجهـات الضيقـة‪.‬‬ ‫ ‪ .3‬تنميــة الشــعور الوطنــي مــن خــال وضــع برامــج سياســية وثقافيــة تدعــو للتعايــش‬ ‫الســلمي والشــراكة والتــداول الســلمي للســلطة والمواطنــة‪.‬‬ ‫ ‪ .4‬التثقيـف والعمـل علـى خلـق أجـواء تدعـوا للأيمان بثقافـة التعددية السياسـية والاجتماعية‬ ‫والثقافيـة وقبـول الاخر‪.‬‬ ‫((( عبيـر سـهام مهـدي وعمـار حميـد ياسـين‪ ،‬إشـكالية الهويـة فـي العـ ارق‪ :‬رؤيـة فـي التحديـات ومسـتقبل بنـاء هويـة‬ ‫وطنيـة ع ارقيـة بعـد العـام ‪ ،2003‬المجلـة السياسـية والدوليـة‪ ،‬كليـة العلـوم السياسـية‪ ،‬الجامعـة المسـتنصرية‪ ،‬بغـداد‪،‬‬ ‫السـنة التاسـعة‪ ،2015 ،‬ص ‪.404‬‬ ‫((( المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.411‬‬

‫‪128‬‬ ‫ ‪ .5‬ضــرورة وجــود دولــة مؤسســات والفصــل بيــن الســلطات واحتــرام حقــوق الانســان‬ ‫وضمــان الاســتقرار فــي والتــوازن لتحقيــق اهــداف النظــام السياســي‪.‬‬ ‫ان مـا يحتاجـه العـراق اليـوم هـو الحفـاظ علـى هويتـه الوطنيـة التـي تُعـد بالدرجـة الأسـاس‬ ‫الوجـه العملـي لقوتـه الذاتيـة وفـي تكاملـه الاجتماعـي عبـر التاريـخ‪ ،‬وان مـا يتضمنـه مـن مكونـات‬ ‫مجتمعيـة تجسـد بالضـرورة هويتـه الثقافيـة والحضاريـة‪ ،‬لـذا‪ ،‬يبـدو العـراق اليـوم بحاجـة إلـى‬ ‫الرجـوع إلـى وحـدة مكوناتـه عبـر صياغـة مشـروع عملـي ثقافـي للمعاصـرة والعيش المشـترك(((‪.‬‬ ‫ان تعزيــز الهويــة الوطنيــة العراقيــة يتطلــب تهيئــة كافــة الشــروط الضروريــة لتمتيــن عوامــل‬ ‫الوحـدة الاجتماعيـة والتوافـق مـن خـال ترسـيخ الانتمـاء الوطنـي العراقـي‪ ،‬بعـد المضـي نحـو‬ ‫تنقيـة الهويـة الوطنيـة وانتشـالها مـن حالـة الصـراع مـع الهويـات الطائفيـة والعرقيـة الفرعيـة‪،‬‬ ‫وتنشــيط الوســائل التــي تعمــل علــى عــدم الخلــط بيــن مــا يتمتــع بــه العــراق مــن تنــوع ثقافــي‬ ‫واجتماعـي داعـم للوحـدة الوطنيـة وبيـن الخلافـات السياسـية والمذهبيـة التـي القـت بظلالهـا نحـو‬ ‫تمزيـق الوحـدة الوطنيـة وتكريـس التخلـف والتجـزأة والصراعـات ممـا يفـكك مجمـل الانسـجام‬ ‫المجتمعــي‪ ،‬لــذا يفتــرض توافــق جميــع الجهــود نحــو توفيــر المنــاخ الملائــم للتفاعــل والشــراكة‬ ‫والتعـاون بيـن كافـة الـوان الوطـن(((()‪.‬‬ ‫ثالثا‪ :‬مخاطر الدولة العميقة وازدواجية السلطة‬ ‫ان هـذا المفهـوم قـد يكـون جديـداً علـى مسـامع العراقييـن تحديـدا‪ ً،‬كونـه مفهـوم لا يحمـل‬ ‫أي صفـة او تعريـف بالنسـبة لهـم بالرغـم مـن تداولـه وتنفيـذه علـى ارض الواقـع فـي اكثـر مـن‬ ‫((( ميثم الجنابي‪ ،‬الهوية الع ارقية ومشروع البديل الوطني‪ :‬إشكالية البديل الع ارقي ومشروع العيش المشترك‬ ‫‪alyasaraliraqi.net‬‬ ‫((( أثيـر ناظـم الجاسـور‪ ،‬الإرهـاب ومرتكـ ازت الامـن الوطنـي الع ارقـي‪ ،‬المجلـة السياسـية والدوليـة‪ ،‬كليـة العلـوم‬ ‫السياسـية‪ ،‬الجامعـة المسـتنصرية‪ ،‬بغـداد‪ ،‬السـنة التاسـعة‪ ،‬العـددان (‪ ،2015 ،)29 – 28‬ص ‪.340‬‬

‫‪129‬‬ ‫دولـة ونظـام سياسـي فـي العالـم‪ ،‬والمشـاهد السياسـية سـواء الدوليـة والإقليميـة تحدثنـا عـن مفهـوم‬ ‫الدولـة العميقـة وتطبيقاتهـا‪ ،‬وقـد ظهـر هـذا المفهـوم بعـد ان أصبحـت كل المؤشـرات تشـير ان‬ ‫الدولـة فـي العـراق تعانـي مـن تغييـب مسـتمر وعلـى كل الأصعـدة‪ ،‬ممـا كـرس ضعـف وهشاشـة‬ ‫دور الدولــة فــي ضمــان الاســتقرار والتنميــة والأمــن‪ ،‬وتشــير المخرجــات غيــر منطقيــة وغيــر‬ ‫العقلانيـة للنظـام السياسـي والاقتصـادي لمحدوديـة دور الدولـة فـي ضمـان الاسـتقرار والتـوازن‬ ‫وضعــف عمليــة التفاعــل مــع القضايــا والتحديــات الرئيســة التــي يواجههــا المجتمــع‪ ،‬ويبــدو ان‬ ‫سياسـة وعمليـة التغييـب او الاضمحـال لـدور الدولـة والمؤسسـا المختلفـة قـد بـدأت علـى مراحـل‬ ‫متعـددة سـواء الاقتصاديـة منهـا او السياسـية‪.‬‬ ‫ان مفهـوم الدولـة العميقـة‪ ،‬بالرغـم مـن ضبابيتـه علـى اعتبـاره يتضـارب مـع عـدد مـن‬ ‫المفاهيـم السياسـية‪ ،‬إلا انـه بـات حقيقـة فـي بعـض الـدول‪ ،‬فالباحثيـن والدارسـين يجـدون نـوع مـن‬ ‫التعقيـد والتشـابك إذا مـا أرادوا ان يميـزوا بينـه وبيـن حكومـة الظـل‪ ،‬مـع أن المقارنة بين الأسـاليب‬ ‫والأدوات بينهمـا قـد تكـون مختلفـة‪ .‬ويشـير مفهـوم الدولـة العميقـة الـى مجموعـة خفية مـن الفاعلين‬ ‫والمؤسسـات غيـر الرسـمية المتسـربة داخـل أجهـزة الدولـة الواسـعة النطـاق والظاهـرة للعيـان‪،‬‬ ‫علـى اعتبـار ان هـذه الفواعـل لا تعتـرف بـدور اساسـي للحكومـة او قدرتهـا علـى إدارة الشـؤون‬ ‫العامـة‪ ،‬لـذا قـوى الدولـة العميقـة تعمـل فـي العمـوم علـى إرسـاء قواعـد مختلفـة يتضمنهـا نـوع‬ ‫مـن القسـر والعنـف بدعـوى حمايـة الدولـة مـن التآمـر الخارجـي والداخلـي (((()‪.‬‬ ‫وقــد يذهــب اكثــر الباحثيــن علــى ان الدولــة العميقــة تقتصــر علــى المؤسســات الأمنيــة‬ ‫والعسـكرية‪ ،‬ومـع مراقبـة مختلـف التجـارب نجـد فيهـا جانبـاً مـن الصـراع بيـن الدولـة واللادولـة‬ ‫((( باتريـك اونيـل‪ ،‬الدولـة العميقـة‪ :‬المفهـوم الناشـئ فـي علـم السياسـة المقـارن‪ ،‬ترجمـة الحسـن مصبـاح‪ ،‬سياسـات‬ ‫عربيـة‪ ،‬العـدد‪ ،2018 ،30‬ص ‪.84‬‬

‫‪130‬‬ ‫أي صـراع بيـن ايديولوجيـات ومعتقـدات مختلفـة تنعكـس خلـق ازدواجيـة فـي مركـز صانـع القرار‬ ‫ووحدتـه القراريـة‪ ،‬وقـد رأى جيمـس كوربـت‪« :‬ان الدولـة العميقـة أو حكومـة الظـل أو الفـرق‬ ‫السـرية جميعهـا تشـير إلـى نفـس الظاهـرة وهـي وجـود مجموعـة غيـر منتخبـة‪ ،‬غيـر خاضعـة‬ ‫للمسـاءلة‪ ،‬وغيـر معروفـة إلـى حـد كبيـر‪ ،‬تحتمـي وراء الحكومـة المرئيـة‪ ،‬أي الحكومـة الشـرعية‪،‬‬ ‫وتسـعى إلـى تحقيـق أهدافهـا الخاصـة»‪ .‬أمـا جـورج فريدمـان فيـرى‪ :‬ان الدولـة العميقـة تتمثـل‬ ‫فـي مجموعـة مـن «القـوى تحـت النظـم والمبـادئ التـي يمليهـا الدسـتور وهـي أعمـق وأقـوى فـي‬ ‫السـيطرة علـى الأمـة مـن النظـام حيـث أنهـا تكـون موحـدة ومتأصلـة فـي كافـة أجهـزة الدولـة‪،‬‬ ‫كمـا أن لهـا جـدول أعمـال خـاص بهـا ووسـائل لتقويـض قـرارات الرؤسـاء المنتخبيـن وأعضـاء‬ ‫البرلمـان‪ ،‬وتسـتمد قوتهـا مـن السـيطرة علـى آليـات السـلطة لكونهـا غيـر مرئيـة»(((()‪.‬‬ ‫ويبــدو ان هــذه القــوى الخفيــة تمتلــك بالضــرورة وســائل وادوات ومميــزات للتحكــم فــي‬ ‫السـلطات التشـريعية والتنفيذيـة والقضائيـة‪ .‬ان مفهـوم الدولـة العميقـة يدخـل حيـز التفكيـر ليظهـر‬ ‫علـى ارض الواقـع فـي النظـم السياسـية والـذي يتسـم بمجموعـة خصائـص قـد تـم تحديدهـا مـن‬ ‫حيـث (((()‪ :‬الغمـوض والسـرية؛ كيـان غيـر قانونـي؛ حمايـة وتحقيـق مصالحهـا؛ تشـابك المصالـح؛‬ ‫تحالـف واسـع النطـاق؛ ازدواجيـة العمـق‪.‬‬ ‫وفـي العـراق اختلـف المفهـوم فـي تفاصيـل معينـة‪ ،‬لكنهـا مهمـة بـذات الوقـت‪ ،‬مـن خـال‬ ‫العمـل علـى اضعـاف هيبـة الدولـة والتركيـز علـى هـذه القضيـة منخـال التأكيـد علـى الجانـب‬ ‫المتعلـق بتعميـق الإرادة الداخليـة الباعثـة علـى انهـاء دور الدولـة فـي ضمـان الامـن والاسـتقرار‬ ‫والتنميـة‪ ،‬كمـا قمـت قـوى وأحـزاب الدولـة العميقـة بدعـم اسـتراتيجية الهيمنـة علـى الدولـة عبـر‬ ‫((( ريـم احمـد عبـد المجيـد‪ ،‬نحـو تأصيـل نظـري لمفهـوم «الدولـة العميقـة»‪ ،‬المركـز العربـي للبحـوث والد ارسـات‪،‬‬ ‫د ارسـات‪www.acrseg.org ،2018 ،‬‬ ‫((( المصدر نفسه‪.‬‬

‫‪131‬‬ ‫التعــاون وتنســيق الجهــود مــع القــوى مــن خــارج الحــدود الإقليميــة والدوليــة‪ ،‬لان قــوة الدولــة‬ ‫بالضـرورة لا تصـب فـي مصلحـة الأطـراف الفاعلـة فـي الدولـة العميقـة فـي العـراق مـا بعـد‬ ‫‪2003‬م‪.‬‬ ‫لقــت لعبــت القــوى السياســية التــي لاتؤمــن بالدولــة المدنيــة الديمقراطيــة دورا خطيــرا‬ ‫لتأسـيس مشـروع الدولـة العميقـة الـذي أثـر فـي ترسـيخ جملـة مـن المفاهيـم السياسـية والاقتصاديـة‬ ‫والاجتماعيــة‪ ،‬كمــا ســاعدت أدوات الدولــة العميقــة‪ ،‬السياســية والأمنيــة‪ ،‬علــى ان يكــون للدولــة‬ ‫الوطنيــة أدوار هامشــية غيــر مجديــة فــي إدارة الشــؤون الداخليــة والخارجيــة للعــراق‪ ،‬بعــد ان‬ ‫أسسـت المحاصصـة الطائفيـة والتمييـز المذهبـي الأرضيـة الممهـدة لنشـؤها واسـهمت ايضـاً فـي‬ ‫بنـاء منظومـة الفسـاد المالـي والإداري كركـن مـن أركانهـا‪ .‬فقـد عملت الأحـزاب السياسـية الحاكمة‬ ‫علـى ان تكـون لهـا سـيطرة ونفـوذ فـي كافـة مؤسسـات الدولـة الرسـمية وحتـى المؤسسـات غيـر‬ ‫الرسـمية مـن خـال سـيطرة المـال والسـاح المنفلـت وجميـع الأدوات التـي تقـع خـارج إطـار‬ ‫القانـون والدولـة‪.‬‬ ‫رابعاً‪ :‬هيمنة قوى الدولة العميقة على المؤسسات الأمنية‬ ‫لقــد عملــت الأحــزاب السياســية والقــوى المســاندة لمفهــوم الدولــة العميقــة علــى التوغــل‬ ‫وبســط الســيطرة علــى الجيــش والمؤسســات الأمنيــة‪ ،‬بعــد ان اتضــح ان هــذه الأجهــزة ملؤهــا‬ ‫(فضائييـن) وهـي التسـمية التـي تـم اطلاقهـا علـى المنتسـبين الوهمييـن لهـذه الأجهـزة‪ ،‬لغـرض‬ ‫الاسـتحصال علـى مرتبـات هـذه الأسـماء‪ ،‬وكان هـذا نـوع مـن أنـواع الفسـاد المالـي فـي الأجهـزة‬ ‫الأمنيـة والتـي أشـار اليهـا فـي العديـد مـن كلماتـه رئيـس الـوزراء العراقـي السـابق حيـدر العبـادي‪.‬‬ ‫لقـد عانـت المؤسسـات الأمنيـة مـن سـيطرة الأحـزاب والفواعـل غيـر الرسـمية عليهـا‪ ،‬ممـا‬ ‫انتـج أجهـزة ضعيفـة غيـر قـادرة علـى تحمـل المسـؤولية لسـببين‪ :‬الأول‪ ،‬عـدم قـدرة الأجهـزة علـى‬

‫‪132‬‬ ‫تنفيـذ القانـون علـى الجميـع‪ ،‬بسـبب غيـاب الأخيـر وسـيطرة ونفـوذ الأحـزاب واجنحتهـا المسـلحة‪،‬‬ ‫وعـدم جديـة الأجهـزة الأمنيـة علـى تطبيـق القانـون‪ ،‬بجانـب الأعـراف الاجتماعيـة والعشـائرية‬ ‫التـي تحـول دون ذلـك‪ ،‬الثانـي‪ ،‬بُنيـت هـذه الأجهـزة وفـق مفهـوم المحاصصـة وتوزيـع المغانـم‬ ‫والمكاسـب‪ ،‬ممـا انتـج طبقـة نفعيـة داخـل هـذه المؤسسـات تعمـل لمصلحـة الأحـزاب والتيـارات‬ ‫المهيمنـة علـى العمليـة السياسـية‪ ،‬ممـا أدى الـى ضيـاع ثلـث أراضـي العـراق فـي حزيـران عـام‬ ‫‪٢٠١٤‬م بيـد تنظيـم دولـة الخلافـة الإرهابـي (داعـش)‪.‬‬ ‫بجانـب الهيمنـة علـى المؤسسـات الأمنيـة‪ ،‬لـم تسـلم ايـة مؤسسـة مـن مؤسسـات الدولـة مـن‬ ‫عمليــة الاختــراق وزرع العيــون والاعــوان والمؤيديــن وخلــق فــرق موازيــة داخــل المؤسســات‬ ‫تعمـل علـى تحقيـق مصلحـة هـذا الحـزب او ذاك‪ .‬فكمـا هـو متعـارف عليـة فـان المؤسسـات يتـم‬ ‫توزيعهـا مـع الانتخابـات وفـي الغالـب تحـدد المؤسسـات وعمليـة توزيعهـا بيـن الأطـراف دون‬ ‫اســتثناء وفــق نظــام الحصــص الطائفيــة والعرقيــة الــذي أسســته الولايــات المتحــدة منــذ اليــوم‬ ‫الأول لاحتلالهـا للعـراق‪ ،‬وبالتالـي فـان المؤسسـات تعكـس مـن خـال عملهـا المنطلقـات الفكريـة‬ ‫والنسـقية للحـزب الـذي يتولـى ادارتهـا وليـس لفكـرة بنـاء الدولـة وادرة شـؤونها‪.‬‬ ‫وبالمحصلـة فـان مخرجـات فكـرة اضعـاف الدولـة الوطنيـة انتـج مؤسسـات مترهلـة غيـر‬ ‫قـادرة علـى ان يكـون لهـا مرجعيـات عمليـة مدنيـة منطقيـة مؤسسـاتية تعمـل وفـق سلسـلة منتظمـة‬ ‫مـن التواصـل والتشـارك والتكامـل‪ ،‬وبالتالـي استشـرى الجهـل والتخلـف والبطالـة وسـوء الخدمـات‬ ‫والفقـر‪ .‬فالعـراق بفعـل سياسـات الهيمنـة للدولـة العميقـة علـى مختلـف مفاصـل الدولـة‪ ،‬اصبـح‬ ‫يفتقـر للمؤسسـات الدسـتورية الحقيقـة التـي تسـاعد علـى بنـاء دولة مسـتقلة قـادرة على إدارة شـؤون‬ ‫المواطنيـن وتلبيـة المطالـب والحاجـات الاقتصاديـة والاجتماعيـة والإنسـانية‪ .‬ان فقـدان السـيطرة‬ ‫علـى مختلـف المؤسسـات وبالخصـوص المؤسسـات القضائيـة والهيئـات المسـتقلة الأخـرى‪ ،‬ممـا‬

‫‪133‬‬ ‫دفـع لاطـاق توصيـف الدولـة الفاشـلة علـى العـراق‪.‬‬ ‫كمـا اسـتطاعت الأحـزاب ان تهيمـن علـى جانـب مهـم مـن جوانـب التأثيـر سـواء السياسـي‬ ‫والاجتماعـي المتمثـل بالأعـام والقنـوات الفضائيـة والإعلامييـن مـن خـال امتـاك هـذه القنـوات‬ ‫مـن قبـل الأحـزاب او الشـخصيات الحزبيـة‪ ،‬فلـكل حـزب وتيـار وحركـة سياسـية قنـاة فضائيـة‬ ‫تطـرح برامجهـا وأهدافهـا وتوجهاتهـا وبمسـميات مختلفـة‪ ،‬بالإضافـة إلـى جيـوش مـن المحلليـن‬ ‫والمراقبيـن الذيـن ينتمـون لهـذه الجهـة او تلـك‪ .‬ناهيـك عـن الأكاديمييـن والمثقفيـن العضوييـن‪،‬‬ ‫بالإضافــة الــى احتــال مســاحة كبيــرة فــي السيوشــيال ميديــا مــن خــال مــا يعــرف بالجيــوش‬ ‫الالكترونيـة التـي تعمـل دون ملـل وبتمويـل مسـتمر لأغـراض مختلفـة بالأسـاس‪ ،‬بهـدف اضعـاف‬ ‫مؤسسـات الدولـة وسـيادة الهويـات الفرعيـة المذهبيـة والعرقيـة‪ ،‬الدينيـة والسياسـية والاجتماعيـة‪،‬‬ ‫ممـا يقـوض باسـتمرار الهويـة الوطنيـة العراقيـة للدولـة‪.‬‬ ‫الخاتمة‬ ‫اســتطاعت الأحــزاب العراقيــة وبمســاعدة دول الجــوار والولايــات المتحــدة الامريكيــة ان‬ ‫يجعلــوا مــن العــراق ودولتــه الوطنيــة اضعــف مــن ان تكــون جــزء مــن المعادلتيــن الإقليميــة‬ ‫والدوليـة وتحولـه إلـى أداة او وسـيلة‪ .‬فالمصلحـة الوطنيـة العراقيـة باتـت ايضـاً مـن الماضـي بعـد‬ ‫ان طغـى علـى تفكيـر صانـع القـرار فكـرة الفرعيـات السياسـية والهوياتيـة‪ ،‬والعمـل علـى تعزيـز‬ ‫الجزئيـات التـي أُسـس لهـا داخليـاً وخارجيـاً بعـد ان أصبحـت سياسـة الميـول والمحـاور أسـاس‬ ‫السياسـة العراقيـة‪ .‬لـذا‪ ،‬وبالمحصلـة فـان الدولـة فـي العـراق أصبحـت رهينـة الصـراع الحزبـي‬ ‫الـذي بُنـي منـذ بدايـة تأسـيس العمليـة السياسـية عـام ‪٢٠٠٣‬م‪ ،‬علـى ان يكـون موقـع الدولـة الوطنية‬ ‫ثانويـا فـي برامـج العمـل والاهـداف السياسـية للأحـزاب‪ ،‬لـذا اقتصـر مجـال الدولـة ودورهـا علـى‬ ‫الخطـب والمراسـيم والمحافـل الدوليـة‪.‬‬

‫‪134‬‬ ‫واذا مـا لاحظنـا سـير عمـل الحكومـات العراقيـة‪ ،‬سـنجد انهـا تسـير وفـق اسـتراتيجيات‬ ‫عالــم اللســانيات الأمريكــي نعــوم تشومســكي العشــرة‪ ،‬والتــي ســميت الاســتراتيجيات العشــرة‬ ‫للتحكـم بالشـعوب‪ ،‬واسـتطاعت ايضـاً الطبقـة الحزبيـة الحاكمـة ان تجعـل مـن المجتمـع العراقـي‬ ‫منقسـم بيـن مؤيـد ومعـارض وسـاكت أو متحفـظ‪ ،‬بعـد ان طيعـت محركاتـه الأساسـية وجعلتهـا‬ ‫جـزء لا يتجـزأ مـن سياسـتها التـي بالضـرورة تصـب فـي مصلحتهـا‪ ،‬وبالتالـي فهـي طبقـت هـذه‬ ‫الاسـتراتيجيات ابتـدا ًء مـن الالهـاء وانتهـا ًء بمعرفـة الافـراد اكثـر ممـا يعرفـون انفسـهم‪.‬‬ ‫ان الدولـة العراقيـة الوطنيـة يفتـرض ان تكـون بعيـدة عـن التأثيـرات للهويـات الفرعيـة التـي‬ ‫جـزأت وفككـت المجتمـع‪ ،‬لـذا لا بـد مـن ان يعمـل الجميـع فـي اطـار المبـادئ والأفـكار الوطنيـة‬ ‫الجامعـة وتوظيـف المحـركات الاجتماعيـة لمنظمـات المجتمـع المدنـي والأحـزاب الوطنيـة والقـوى‬ ‫الاقتصاديـة عبـر التعـاون مـع الأكاديمييـن والمثقفيـن‪ ،‬والعمـل المشـترك علـى تحمـل المسـؤولية‬ ‫وتعزيــز الوعــي الوطنــي عبــر انشــاء برامــج عمليــة وعقلانيــة تهــدف للتوعيــة باهميــة عمــل‬ ‫الدولـة المدنيـة‪ ،‬دولـة المؤسسـات والفصـل بيـن السـلطات‪ ،‬وتعزيـز سـلطة القانـون لضمـان العدالـة‬ ‫والدفـاع عـن حقـوق الانســان‪ ،‬بالإضافـة إلـى التركيـز علـى الديمقراطيـة والعدالـة الاجتماعيـة‬ ‫وتعزيـز مفهـوم الهويـة الوطنيـة‪.‬‬

‫‪135‬‬ ‫العدالة الانتقالية ودورها في الاستقرار السياسي في العراق‬ ‫بعد عام ‪“ 2003‬دراسة نقدية”‬ ‫د‪ .‬كوردستان سالم سعيد‬ ‫د‪ .‬رشيد عمارة الزيدي‬ ‫كلية العلوم السياسية ‪ /‬جامعة التنمية البشرية‬ ‫كلية العلوم السياسية ‪ /‬جامعة السليمانية‬ ‫مقدمة‬ ‫تعـد العدالـة الانتقاليـة مـن اهـم عوامـل الاسـتقرار السياسـي للـدول؛ لاسـيما فـي الـدول التـي‬ ‫يمـر نظامهـا السياسـي بمرحلـة تحـول مـن حالـة الانتهـاكات الجسـيمة لحقـوق الانسـان الـى مرحلـة‬ ‫الالتـزام بحمايـة حقـوق الانسـان‪ ،‬او حتـى بالنسـبة للـدول التـي تتعـرض الـى ازمـات سياسـية او‬ ‫اقتصاديـة تفـرض عليهـا المـرور بمراحـل انتقاليـة‪.‬‬ ‫وتشـكل هـذه المرحلـة عمليـة معقـدة للغايـة ‪ ،‬اذ تشـير الـى التحـول فـي الابنيـة‪ ،‬والاهـداف‪،‬‬ ‫والعمليـات التـي تؤثـر علـى بنيـة المفاهيـم السياسـية ؛ وتتضمـن ارسـاء مجموعـة مـن القواعـد‬ ‫والاجـراءات التـي تعيـد تنظيـم العلاقـة بيـن المضطهديـن ( بفتـح الهـاء ) والمضطهديـن ( بكسـر‬ ‫الهــاء ) ‪.‬مــن هنــا اضحــت عمليــة ادارة العدالــة الانتقاليــة نقطــة اهتمــام الكثيــر مــن المفكريــن‬ ‫والباحثيــن فــي مختلــف الاختصاصــات ؛ لاســيما تلــك المتعلقــة بالدراســات المقارنــة فــي حقــل‬ ‫العلـوم السياسـية ‪ ،‬وظهـرت دراسـات عـدة حـول ادارة العدالـة الانتقاليـة التـي تعـد نقطـة ارتـكاز‬ ‫اساسـية تتوقـف عليهـا درجـة تحقيـق الاسـتقرار السياسـي مـن عدمـه‪.‬‬ ‫وتبــرز مــن بيــن هــذه التجــارب تجربــة العدالــة الانتقاليــة فــي العــراق ‪،‬التــي بــدات منــذ‬ ‫احتـال الولايـات المتحـدة للعـراق فـي عـام ‪ ،2003‬ومـرت بمراحـل عـدة ‪،‬واتخـذت اجـراءات‬

‫‪136‬‬ ‫عـدة ‪،‬انعكسـت بصـورة مباشـرة او غيـر مباشـرة علـى ظاهـرة عـدم الاسـتقرار السياسـي فيـه‪.‬‬ ‫مـن هنـا تبـرز اشـكالية الدراسـة فـي البحـث فـي دراسـة تجربـة العدالـة الانتقاليـة فـي العراق‬ ‫برؤيـة نقديـة متفحصـة اسـباب عـدم قدرتهـا علـى تحقيـق الامـن والاسـتقرار فـي البلاد‪.‬‬ ‫وينطلـق البحـث فـي هـذه الاشـكالية مـن فرضيـة مفادهـا «ان تطبيـق اليـات العدالـة الانتقاليـة‬ ‫فـي العـراق بعـد عـام ‪، 2003‬تمـت بطريقـة انتقائيـة تفتقـر الـى معاييـر العدالة‪،‬وتحقيـق المصالحـة‬ ‫الوطنية؛وذلــك بســبب اختــاف اهــداف وتوجهــات النخــب السياســية فــي العــراق وارتباطاتهــم‬ ‫الخارجيـة ؛الامـر الـذي افشـل العدالـة الانتقاليـة وقـاد الـى ظاهـرة عـدم الاسـتقرار السياسـي فـي‬ ‫البـاد‪ ،‬وان اسـتمرار اليـات العدالـة الانتقاليـة يصورتهـا الحاليـة سـيقود الـى المزيـد مـن الانقسـام‬ ‫المجتمعـي»‬ ‫وبغيـة اثبـات هـذه الفرضيـة فقـد اعتمـدت الدراسـة الـى اللجـوء لاكثـر مـن منهـج علمـي‬ ‫لعـل فـي مقدمتهـا المنهـج المؤسسـاتي لمعرفـة اسـس ومرتكـزات ادارة المرحلـة الانتقاليـة فـي‬ ‫العـراق‪ ،‬فضـا عـن المنهـج القانونـي والمنهـج الوصفـي‬ ‫وفقا لفرضية ومنهجية الدراسة فقد تم تقسيمها الى ما ياتي‪:‬‬ ‫المبحث الاول‪ :‬الاطار المفاهيمي للعدالة الانتقالية والاستقرار السياسي‬ ‫المطلب الاول‪ :‬مفهوم العدالة الانتقالية‬ ‫المطلب الثاني‪:‬مفهوم الاستقرار السياسي‬ ‫المبحث الثاني‪ :‬العدالة الانتقالية في العراق‬ ‫المبحث الاول‪ :‬دوافع العدالة الانتقالية في العراق‬

‫‪137‬‬ ‫المبحث الثاني‪ :‬معطيات العدالة الانتقالية في العراق‬ ‫المبحث الثالث‪ :‬رؤية نقدية لتجربة العدالة الانتقالية في العراق‬ ‫المطلب الاول‪ :‬النتائج المترتبة على تطبيق العدالة الانتقالية‬ ‫المطلب الثاني ‪ :‬تقويم اليات العدالة الانتقالية في العراق‬

‫‪138‬‬ ‫المبحث الاول‪ :‬الاطار المفاهيمي للعدالة الانتقالية والاستقرار السياسي‬ ‫ان فهـم موضـوع العدالـة الانتقاليـة وارتباطـه بالاسـتقرار السياسـي لاي بلـد يقتضـي تحديـد‬ ‫الاطـار المفاهيمـي لـه ‪،‬وكمـا ياتـي‪:‬‬ ‫المطلب الاول‪ :‬مفهوم العدالة الانتقالية‬ ‫يرتبـط مفهـوم العدالـة الانتقاليـة بمفهـوم الانتقـال السياسـي؛فاغلب الـدول التـي تمـر بمرحلـة‬ ‫الانتقـال السياسـي‪ ،‬سـواء كانـت انتقاليـة مـن مرحلـة دكتاتوريـة الـى مرحلـة ديمقراطيـة او الانتقـال‬ ‫نتيجـة الازمـات والتحـول الاجتماعـي مـن مرحلـة الـى اخـرى؛ فـان هـذه المجتمعـات بحاجـة الـى‬ ‫اجـراءات عـدة مـن اجـل انجـاوز هـذا الانتقـال‪ ،‬وتعـرف هـذه الاجـراءات بانهـا عدالـة انتقاليـة‪،‬‬ ‫وهنـا يثـار التسـاؤل عـن ماهيـة ومعنـى العدالـة الانتقاليـة؟‬ ‫والملاحـظ انـه لايوجـود تعريـف محـدد ومتفـق عليـة لمفهـوم العدالـة الانتقاليـة‪ ،‬بـل هنـاك‬ ‫تعاريـف عـدة تعكـس وجهـات نظـر مختلفـة‪ ،‬ولعـل مـن ابرزهـا مـا ياتـي‪:‬‬ ‫هنـاك مـن عرفهـا بانهـا «مجموعـة مـن الممارسـات والاليـات والاهتمامـات التـي تنشـاء‬ ‫عقـب فتـرة مـن النـزاع او الصـراع الاهلـي او القمـع التـي تهـدف بشـكل مباشـر الـى مواجهـة‬ ‫انتهـاكات حقـوق الانسـان والقانـون الانس ـاني ومعالجتهـا»(((‪.‬‬ ‫ويبـدو ان هـذا التعريـف فيـه مـن العموميـة والاطـاق الـى الدرجـة التـي يصعـب حصـره‬ ‫وتقديـم رؤيـة محـددة لـه‪ ،‬فهـو يربـط العدالـة الانتقاليـة بالنـزاع او الصـراع الاهلـي او القمـع‪ ،‬وهـو‬ ‫امـر غيـر واقعـي‪ ،‬فـا توجـد دولـة مـن دول العالـم الا وشـهد مجتمعهـا نـوع مـن انـواع النـزاع او‬ ‫‪(1) (Naomi Roht - Arriaza,the led scope of Transition justice ,in Naomi Roht – Arriaza‬‬ ‫‪and Javier , Mariezeurrena (eds) Transition justice ,in the twenty-first century, be-‬‬ ‫‪yond truth versus justice ,Cambridge university press,cambridg,2006,p 2‬‬

‫‪139‬‬ ‫الصـراع وحتـى القمـع؛ لكـن ليـس كلهـا شـهدت تطبيـق للعدالـة الانتقاليـة‪ ،‬واسـتطاعت هـذه الـدول‬ ‫ان تتجـاوز نزاعاتهـا دون المـرور بالعدالـة الانتقاليـة‪.‬‬ ‫و يذهـب لويـس بيكفـورد الـى ان العدالـة الانتقاليـة تشـير الـى «حقـل مـن النشـاط او التحقيـق‬ ‫يركـز فـي المجتمعـات التـي تملـك ارثـا كبيـرا مـن انتهـاكات حقـوق الانسـان‪ ،‬الابـادة الجماعيـة او‬ ‫اشـكال اخـرى مـن الانتهـاكات تشـمل‪:‬الجرائم ضـد الانسـانية او الحـرب الاهليـة‪ ،‬وذلـك مـن اجـل‬ ‫بنـاء مجتمـع اكثـر ديمقراطيـة ومسـتقبل امـن»(((‪.‬‬ ‫علـى الرغـم مـن ان هـذا التعريـف فيـه تحديـد ودقـة اكثـر مـن سـابقه‪ ،‬وقـد ربـط العدالـة‬ ‫الانتقاليـة بانتهـاكات حقـوق الانسـان‪ ،‬وبالتحديـد (الارث الكبيـر)؛ بيـد ان ذلـك لايعطـي تصـورا‬ ‫حقيقيـا لتطبيـق العدالـة الانتقاليـة ؛فالكثيـر مـن الـدول شـهدت مجتمعاتهـا او جـزء منهـا انتهـاكات‬ ‫خطيـره لحقـوق الانسـان دون ان تطبـق العدالـة الانتقاليـة فيهـا‪ ،‬مثـل الانتهـاكات التـي تعرضـت‬ ‫لهـا اقليـة الروهنـكا المسـلمة فـي مينمـار‪ ،‬فضـا عـن الارث الكبيـر لانتهـاكات حقـوق الانسـان‬ ‫الفلسـطيني منـذ عـام ‪ 1948‬الـى يومنـا هـذا دون ان تطبـق اي عدالـة بحقهـم ‪.‬‬ ‫كل ذلـك دفـع الدكتـور عبـد الحسـين شـعبان الـى وصـف مفهـوم العدالـة الانتقاليـة علـى‬ ‫«انـه مـن المفاهيـم الغامضـة او الملتبسـة خصوصـا لمـا يشـوبه مـن الغمـوض فيمـا يتعلـق بالجـزء‬ ‫الثانـي مـن المصطلـح اي( الانتقاليـة)» (((‪.‬‬ ‫ويبـرر هـذا الغمـوض بوجـود قواسـم مشـتركة بيـن العدالـة الانتقاليـة والعدالـة التقليديـة علـى‬ ‫‪(1) louis Bickford, The Encyclopedia of Genocide and Crimes Against Humanity‬‬ ‫‪,vol3,Macmillan Reference,usa,2004,p1045‬‬ ‫((( ‪ -‬عب�د الحسـ�ين ش�عـبان واخـرون ‪( ،‬الطائفيـة والتسـامح والعدالـة الانتقاليـة مـن الفتنـة الـى دولـة القانـون‪ ،‬مركـز‬ ‫د ارسـات الوحـدة العربيـة‪ ،‬بيـروت‪ ،)2013 ،‬ص‪163‬‬

‫‪140‬‬ ‫اسـاس ان العدالـة قيمـة مطلقـة لايمكـن التنكـر لهـا او تاجيلهـا‪ ،‬وكلاهمـا تعنـى بقضايـا مثل‪:‬احقـاق‬ ‫الحـق‪ ،‬وكشـف الحقيقـة‪ ،‬وجبـر الضـرر‪ ،‬وتعويـض الضحايـا‪ ،‬مـع اقـراره بالتمايـز بيـن العدالتيـن‬ ‫بالحقبــة الانتقالية‪(((.‬‬ ‫يتضـح ممـا تقـدم بانـه ليـس هنـاك تعريفـا محـددا لمفهـوم العدالـة الانتقاليـة؛ بيـد ان ذلـك‬ ‫لايعفـي الباحـث مـن تقديـم مقاربـة مفاهيميـة لمحتـوى ومضمـون العدالـة الانتقاليـة بشـقيها (العـدل‬ ‫والانتقـال) مـن خـال التركيـز علـى السـمات والشـروط الواجـب توافرهـا‪ ،‬والتـي تحـدد بثلاثيـة‬ ‫(التغييـر التدرجـي‪ -‬الشـمولي‪ ،‬التخطيـط الجيـد التشـاركي‪ ،‬الـروح التعاونيـة غيـر الانتقاميـة‪((( ) .‬‬ ‫وتجـدر الاشـار الـى ان تطبيـق العدالـة الانتقاليـة يرتبـط بـا شـك بنوعيـة الانتقـال وكيفيتـه‪،‬‬ ‫التـي تختلـف مـن دولـة الـى اخـرى‪ ،‬وكمـا يصفهـا الدكتـور عزمـي بشـارة بقوله»تتسـم عمليـة‬ ‫الانتقـال الـى الديمقراطيـة فـي دول العالـم كافـة بدرجـة كبيـرة مـن التعقيـد مـن ناحيـة‪ ،‬وتعـدد‬ ‫مسـاراتها والاختـاف البيـن فـي نتائجهـا مـن ناحيـة اخـرى»((( ؛اذ لايمكـن تفسـير الانتقـال بعامـل‬ ‫واحـد ؛فالانتقـال يتـم بتاثيـر مجموعـة مـن العوامـل منهـا داخليـة او خارجيـة‪ ،‬وبعضهـا جوهـري‬ ‫او ثانـوي‪ ،‬ويمكـن ان نسـجل انمـاط عـدة مـن الانتقـال مـن واقـع تجـارب الـدول التـي شـهدتها‬ ‫وكمـا ياتـي‪((( :‬‬ ‫((( ‪ -‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪164‬‬ ‫((( ‪ -‬خال�د ناصـ�ر ونيفي�نـ محم�د توفي�قـ‪ ،‬د ارس�ة عـ�ن العدالـ�ة الانتقاليةــ‪) ،‬مركـز وحـدة الد ارسـات والبحـوث البرلمانيـة‬ ‫والاكاديميـة‪ ،‬القاهـرة‪ ،(2012 ،‬ص‪7‬‬ ‫((( ‪ -‬عزمـي بشـارة‪ ،‬نوعـان مـن م ارحـل الانتقاليـة ومـا مـن نظريـة‪ ،‬المؤتمـر السـنوي الثالـث للعلـوم الاجتماعيـة‬ ‫والانسـانية‪ ،‬المركـز العربـي للابحـاث ود ارسـة السياسـات‪ ،‬قطـر‪ 2014 ،‬متوفـر علـى الموقـع الاتـي‪:‬‬ ‫‪www.dohainstitute.orq/release/ba5folbfd-9066-b5ef-2f4ode4065d5‬‬ ‫((( ‪-‬صموائيـل هنتنغتـون‪ ،‬الموجـه الثالثـة ‪:‬التحـول الديمق ارطـي فـي القـرن العشـرين‪ ،‬ترجمـة عبـد الوهـاب علـوب‪( ،‬دار‬ ‫سـعاد الصباح‪ ،‬القاهرة‪ ،)1993 ،‬ص ص ‪231-199‬‬

‫‪141‬‬ ‫ ‪ -1‬الانتقـال مـن الاعلـى‪ :‬وهـو انتقـال تقـوده القيـادة السياسـية او الجنـاح الاصلاحـي مـن‬ ‫النخبـة الحاكمـة‪ ،‬كمـا حجـث فـي دول مثـل اسـبانيا والبرازيـل فـي الثمانينـات مـن القـرن العشـرين‪.‬‬ ‫ ‪ -2‬الانتقال من الاسفل ‪:‬‬ ‫ياخـذ هـذا النمـط مـن الانتقـال اسـلوبين وهمـا ‪:‬الاول يقـوم علـى ممارسـة الضغـوط علـى‬ ‫النظـام السياسـي مـن الفئـات الشـعبية عـن طريـق الانتقاضـة والتظاهـرات التـي تجبـر الـى اجـراء‬ ‫انتقـال سـلمي‪ ،‬كمـا حـدث فـي كوريـا الجنوبيـة والفلبيـن والمكسـيك‪ ،‬امـا الثانـي الانتقـال الـذي‬ ‫تقـوده المعارضـة علـى اثـر انهيـار النظـام بثـورة شـعبية‪ ،‬كمـا حـدث فـي مصـر فـي ‪ 25‬يوليـو‬ ‫‪.2011‬‬ ‫ ‪ -3‬الانتقـال مـن خـال التفـاوض بيـن النخبـة الحاكمـة والمعارضـة‪ ،‬وهـو مـا حـدث فـي‬ ‫جنـوب افريقيـا‪.‬‬ ‫ ‪ -4‬الانتقـال مـن خـال تدخـل عسـكري خارجـي كمـا حـدث فـي التحـول الـذي قادتـه امريـكا‬ ‫فـي افغانسـتان عـام ‪ ،2002‬وفـي العـراق عـام ‪.3002‬‬ ‫ولا ريـب ان هـذه الانمـاط مـن الانتقـال تؤثـر وتتاثـر سـلبا وايجابـا بنوعيـة الاليـات التـي يتـم‬ ‫بهـا العدالـة الانتقاليـة‪ ،‬وقـد اثبتـت التجـارب العالميـة للانمـاط السـالفة مـن التحـول بـان الانتقـال‬ ‫الـذي تـم عـن طربـق التفـاوض الداخلـي بيـن المعارضـة والنخبـة الحاكمـة‪ ،‬والـذي تـم مـن الاعلـى‬ ‫الـى الاسـفل‪ ،‬قـد ادى الـى نجـاح اليـات العدالـة الانتقاليـة وقـاد الـى تحقيـق الاسـتقرار فـي هـذه‬ ‫البلـدان ‪ ،‬علـى العكـس مـن الانتقـال الـذي تـم مـن الاسـفل الـى الاعلـى والانتقـال الـذي تـم عـن‬ ‫طريــق التدخــل الخارجــي قــد اثبــت فشــل اليــات العدالــة الانتقاليــة وقــاد الــى عــدم الاســتقرار‬ ‫السياسـي فـي البلـدان التـي تـم فيهـا التحـول ‪.‬‬

‫‪142‬‬ ‫وفـي سـياق البحـث عـن ماهيـة العدالـة الانتقاليـة يبقـى التســاؤل المشـروع عـن الاطـار‬ ‫الزمنــي الــذي يمكــن ان تنجــز بــه العدالــة الانتقاليــة؟‬ ‫يبـدو ان هـذا التسـاؤل يثيـر الكثيـر مـن الجـدل والاختـاف فـي وجهـات النظـر حـول تحديـد‬ ‫الاطـار الزمنـي لمـدة تطبيـق العدالـة الانتقاليـة فـي البلـدان التـي تمـر بعمليـة التحـول الديمقراطـي‪،‬‬ ‫فهنـاك مـن يـرى فيهـا ان تكـون محـدودة الحقبـة الزمنيـة الـى اقصـى حـد ولا تتجـاوز الاشـهر؛‬ ‫بينمـا هنـاك مـن يوسـع مـدة هـذه المرحلـة ويربطهـا بعمـل الحكومـة الانتقاليـة وتنتهـي بانتهائهـا‪،‬‬ ‫امـا الـراي الثالـث الـذي يذهـب الـى المـدة الموسـعة التـي تتجـاوز عشـرات السـنين بغيـة اسـتكمال‬ ‫بنـاء نظـام جديـد‪ ،‬بينمـا الـراي الغالـب يـرى بـان كل تجربـة لهـا خصوصيتهـا وحاجتهـا للمرحلـة‬ ‫الانتقاليـة ولا يمكـن تحديـد مـدة زمنيـة للمرحلـة الانتقاليـة(((‪.‬‬ ‫علـى الرغـم مـن صدقية الرأي الأخيـر بخصوص خصوصية كل تجربة وحاجتها لمدة معينة؛‬ ‫لتنفيـذ اجـراءات العدالـة الانتقاليـة‪ ،‬لخصوصيـة الظـروف الاقتصاديـة‪ ،‬والاجتماعيـة‪ ،‬والسياسـية‬ ‫فضال عـن طبيعـة معطيـات النظـام السـابق وسياسـاته ؛بيـد ان ذلـك لا يعطي مبـررا لهـذا الراي ان‬ ‫يجعـل مـدة العدالـة الانتقاليـة مفتوحـة بال نهايـات ؛اذ ان نجـاح اليـات العدالـة الانتقالية يتحـدد بالمدة‬ ‫التـي تنجـز بهـا اجرائتهـا؛ فكلمـا طالـت المـدة كلما دللت على فشـلها هـذا من جانب؛ فضال عن بناء‬ ‫النظـام الجديـد وتحقيـق الاسـتقرار يكون رهنـا بانتهاء المرحلـة الانتقالية‪.‬‬ ‫وهنـا نتفـق مـع راي الكتـور عزمـي بشـارة عندمـا يؤكـد بانـه» يصعـب الحديـث عـن نظرية‬ ‫خاصـة بالمراحـل الانتقاليـة عامـة‪ ،‬وغالبـا مـا يـدور نقـاش حـول عمليـة تحقيـق المؤرخيـن لتلـك‬ ‫المراحـل‪ ،‬اي تفسـير الانتقـال مـن حقبـة الـى اخـرى‪ ،‬بدلالـة السـمات التـي تميـز حقبـة بتواريـخ‬ ‫((( ‪ -‬مزيـد مـن التفاصيـل ينظـر مصطفـى عثمـان احمـد‪ ،‬اشـكالية ممارسـة السـلطة فـي الم ارحـل الانتقاليـة ‪:‬د ارسـة‬ ‫مقارنـة بيـن العـ ارق وجنـوب افريقيـا‪( ،‬كليـة العلـوم السياسـية‪ ،‬جامعـة السـليمانية‪ ،)2017 ،‬ص ص ‪18-15‬‬

‫‪143‬‬ ‫معينـة مثـل (سـقوط رومـا كبدايـة للعصـر الوسـيط او معاهـدة ويسـت فاليـة كبدايـة تشـكيل الدولـة‬ ‫القوميـة )(((‪ ،‬بيـد اننـا لا نعتقـد بامكانيـة تطبيـق ذلـك علـى المراحـل الانتقاليـة التـي نحـن بصددهـا‪،‬‬ ‫والتـي تتعلـق ببنـاء نظـام سياسـي جديـد قائـم علـى انقـاض نظـام سياسـي قديـم ؛اذ اننـا نحتـاج‬ ‫الـى تحديـد مـدة زمنيـة للمرحلـة الانتقاليـة‪ ،‬ونعتقـد بضـرورة تحديدهـا فـي البنـاءات الدسـتورية‬ ‫والقانونيـة التـي تشـهدها مرحلـة التحـول بغيـة الالتـزام بهـا وضبطهـا قانونيـا‪.‬‬ ‫مــن خــال مــا تقــدم يمكــن ان نلخــص الــى القــول ان العدالــة الانتقاليــة هــي مجموعــة‬ ‫الاجــراءات التــي يتخذهــا النظــام الجديــد مــن اجــل اصــاح او رفــع الظلــم الــذي ســببه النظــام‬ ‫الســابق وخــال حقبــة زمنيــة تتناســب مــع ظــروف ومعطيــات البــاد الاجتماعيــة والاقتصاديــة‬ ‫والسياسـية‪ ،‬علـى ان يكـون هدفهـا ضمـان امـن واسـتقرار البلاد‪.‬وليـس اسـتحداث معطيـات جديـدة‬ ‫تزيـد مـن انقسـام المجتمـع‬ ‫المطلب الثاني‪ :‬مفهوم الاستقرار السياسي‬ ‫مفهــوم الاســتقرار السياســي هــو الاخــر لايقــل غموضــا والتباســا عــن مفهــوم العدالــة‬ ‫الانتقاليـة‪ ،‬ويثيـر حولـه اشـكاليات عـدة بيـن المفكريـن ؛بسـبب معياريـة مضامينـه واهدافـه‪ ،‬التـي‬ ‫قـد تنطبـق فـي بلـد مـا‪ ،‬ولا تنطبـق علـى بلـد اخـر‪.‬‬ ‫علـى الرغـم مـن ذلـك يبقـى هـذا المفهـوم مطلبـا نخبويـا وجماهيريـا‪ ،‬ومسـعا لـكل الانظمـة‬ ‫السياسـية فـي الـدول‪ ،‬بغـض النظـر عـن تقدمهـا او تخلفهـا‪ ،‬ديمقراطيتهـا او ديكتاتوريتها؛مـن اجـل‬ ‫ذلـك لابـد مـن فحـص معنـى هذا المفهـوم من الناحيـة اللغوية ومـن الناحية الاصطلاحيـة وكما ياتي‪:‬‬ ‫مـن الناحيـة اللغويـة‪ :‬فقـد جـاء فـي قواميـس اللغـة العربيـة‪ ،‬ان الاسـتقرار جـاء مـن الفعـل‬ ‫((( ‪ -‬عزمي بشارة‪ ،‬المرجع سبق ذكره‬

‫‪144‬‬ ‫(اسـتقر‪ ،‬يسـتقر‪ ،‬اسـتقرارا)‪ ،‬ويعنـي القـرار والثبـات فـي المـكان(((‪ ،‬وقـد جـاءت صيغـة الاسـتقرار‬ ‫فـي القـران الكريـم بلفظيـن وهمـا‪:‬‬ ‫لفظ القرار‪ :‬بقوله تعالى ﱹﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢ ﯣﯤﱸ‪(((.‬‬ ‫ولفــظ الاســتقرار‪ :‬بمعنــى الثبــوت و الســكون ف فــي قولــه تعالــى‪ ،‬ﱹ ﯶﯷﯸﯹ‬ ‫ﯺ ﯻ ﯼﱸ(((‬ ‫وفــي كلا الســياقين فــان الاســتقرار يعنــي الثبــوت والســكون‪ ،‬بيــد ان هــذا لايعنــي عــدم‬ ‫التغيير؛وانمـا يعتمـد ذلـك علـى التوجـه العـام والوضـع القائـم ونوعيـة التوجه ؛ان كان نحو الاحسـن‬ ‫ام الأســوء‪ ،‬ويتضــح ذلــك بصــورة اوضــح مــن خــال التعريــج علــى التعريــف الاصطلاحــي‬ ‫لمفهـوم الاسـتقرار السياسـي‪ ،‬علـى الرغـم مـن عـدم وجـود تعريـف محـدد ومتفـق عليـه ؛وانمـا‬ ‫هنـاك تعريفـات عـدة ومختلفـة تعكـس توجهـات وخلفيـات متباينـه تحكمـت فـي سـياقاته الرئيسـة‪.‬‬ ‫فقـد عـرف ليبسـت الاسـتقرار السياسـي علـى اسـاس فاعليـة النظـام السياسـي واكـد بانـه‬ ‫“ نتيجــة أو محصلــة أداء النظــام السياســي عندمــا يعمــل بكفــاءة و فعاليــة فــي مجــالات التنميــة‬ ‫السياســية والاقتصاديــة و الشــرعية السياســية و الفعاليــة»(((‬ ‫فـي حيـن ذهـب صموائيـل هنتنغتـون فـي تعريفـه للاسـتقرار السياسـي الـى محاولـة الربـط‬ ‫بينـه وبيـن المشـاركة السياسـية عندمـا عرفـه بانـه «إن تحقيـق الاسـتقرار السياسـي يقتـرن بإيجـاد‬ ‫((( ‪ -‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب(‪ ،‬دار المعارف‪ ،‬القاهرة‪ ،)1980 ،‬ص ‪3589‬‬ ‫((( ‪ -‬سـورة غافـر‪ 39:‬وتجـدر الاشـارة الـى ان هنـاك ايـات اخـرى عـدة تشـير الـى المعنـى ذاتـه مثـل اب ارهيـم‪،26:‬‬ ‫وغافـر ‪64:‬‬ ‫((( ‪ -‬سورة البقرة‪ 35:‬وفي السياق ذاته جاء قوله تعلى في النمل‪ ،63:‬الاع ارف ‪ ،143‬الفرقان‪24:‬‬ ‫((( ‪ -‬نفقـا عـن محمـد الصالـح بـو عافيـة‪ ،‬الاسـتق ارر السياسـي قـ ارءة فـي المفهـوم والغايـات‪( ،‬دفاتـر القانـون والسياسـة‪،‬‬ ‫العدد ‪ 16‬جامعة كاصد مرباح ورقلة‪ ،‬الج ازئر‪ ،9 2016 ،‬ص‪311‬‬

‫‪145‬‬ ‫مؤسسـات سياسـية‪ ،‬تنظـم المشـاركة السياسـية‪ ،‬وتمنـع انتشـار العنـف والفسـاد بتوسـيع المسـاهمة‬ ‫الشـعبية فـي وضـع السياسـات العامـة وفـي اختيـار الأشـخاص للمناصـب الرسـمية وتوفيـر آليـات‬ ‫المشـاركة للنظـام السياسـي‪ ،‬والقـدرة علـى معالجـة الأزمـات والانقسـامات والتوتـرات فـي المجتمع‬ ‫والاسـتجابة للمطالـب الشـعبية عبـر الديمقراطيـة وعدالـة توزيـع المهـام لضمـان المسـاواة»(((‬ ‫وبغـض النظـر عـن هـذه التعريفـات وغيرهـا فـان المتتبـع لظاهـرة الاسـتقرار السياسـي‪،‬‬ ‫كمـا يذكـر ريتشـارد هيقـوت تتجـه نحـو اتجاهـات ثـاث وهـي‪(((:‬‬ ‫الاتجـاه الاول‪:‬التغييـر بالانظمـة السياسـية فالنظـام السياسـي الـذي لا يتغيـر يمكـن اعتبـاره‬ ‫نظـام مسـتقر‪.‬‬ ‫الاتجــاه الثانــي‪ :‬غيــاب التغييــر المتكــرر فــي الحكومــة‪ ،‬بمعنــى أن النظــام الــذي يشــهد‬ ‫تغيــرات متكــررة فــي الحكومــة يعــد نظــام غيــر مســتقر‪.‬‬ ‫الاتجاه الثالث‪:‬غياب العنف باشكاله ومستوياته كافة يعد نظاما مستقرا‪.‬‬ ‫يتضـح ممـا تقـدم ان الاسـتقرار السياسـي ارتبـط بصـورة او اخـرى بقضيتيـن اساسـيتين‬ ‫وهمــا‪( :‬التغييــر السياســي)‪( ،‬والعنــف السياســي )؛بيــد ان ذلــك لايعــد معيــارا واضحــا لفهــم‬ ‫الاســتقرار السياســي‪ ،‬صحيــح ان الاستقرارالسياســي يرتبــط بالتغييــر السياســي ؛ بيــد ان ذلــك‬ ‫يعتمـد علـى نوعيـة التغييـر سـواء كان ايجابـا ام سـلبا‪ ،‬فالتغييـر الايجابـي سـيقود الـى الاسـتقرار‬ ‫بينمــا التغييــر الســلبي ســيقود الــى عــدم الاســتقرار ‪.‬‬ ‫وهـو مـا ذهـب اليـه ديفـد اسـتن بقولـه» و عندمـا تـزداد حـدة التغيـر و سـرعته بدرجـة تفـوق‬ ‫((( ‪ -‬صاموي�ل هانتجتوــن‪ ،‬الموج�ة الثالثـة‪ :‬التح�ول الديمق ارط�ي ف�ي أواخ�ر الق�رن العش�رين ترجمة‪:‬عب�د الوه�اب غلـوب‪،‬‬ ‫ص ‪.79‬‬ ‫((( ‪ -‬نقلا عن‪ ،‬محمد الصالح بو عافية‪ ،‬ص ‪.310‬‬

‫‪146‬‬ ‫قـدرة المجتمـع علـى التلائـم و التكيـف معهـا تنشـأ حالـة عـدم الاسـتقرار ‪.‬أمـا إذا كان التغيرأقـل‬ ‫مـن التكيـف‪ ،‬فـإن ذلـك سـيؤدي إلـى تحقيـق الاسـتقر»ووضع المعادلـة الاتيـة‪(((:‬‬ ‫التغيير اكبر من التكييف =عدم استقرار‬ ‫التغيير اقل من التكييف = استقرار‬ ‫امـا العنـف السياسـي فـان وجـوده بـاي شـكل مـن الاشـكال هو دليـل على عـدم الاسـتقرار ؛اذ‬ ‫لايمكـن ان نتحـدث عـن اسـتقرار سياسـي فـي ظـل وجـود العنـف‪ ،‬وان كان هنـاك مـن يعـد بعـض‬ ‫انـواع العنـف هـو وسـيلة مـن وائـل تحقيـق الاسـتقرار السياسـي‪ ،‬لاسـيما مـع الانظمـة السياسـية‬ ‫ذات الطابـع الدكتاتـوري او الانظمـة فاقـدة الشـريعية‪ ،‬او الانظمـة التـي تشـهد اضطرابـات سياسـية‬ ‫كثيـرة‪ ،‬وبذلـك تبـرر الثـورة والانقـاب العسـكري وان اسـتخدم فيهمـا العنـف بانهمـا وسـيلتان مـن‬ ‫وسـائل تحقيـق الاسـتقرار السياسـي‪.‬‬ ‫والملاحــظ ان حالــة عــدم الاســتقرار السياســي شــكلت أحــد المكونــات الأساســية للبيئــة‬ ‫السياسـية فـي معظـم دول التـي تشـهد مراحـل انتقاليـة‪ ،‬واضحـت بمثابـة العنصـر الفاعـل والكاشـف‬ ‫عـن هـذه الحالـة‪ ،‬كمـا تفرعـت عـن عـدم الاسـتقرار السياسـي حالـة عـدم حسـم الصـراع السياسـي‬ ‫علـى السـلطة‪ ،‬واسـتمرار المراحـل الانتقاليـة الـى حقـب غيـر مقبولـة‪ ،‬او تكـون بمثابـة اسـتمرار‬ ‫للوضـع الراهـن الامـر الـذي ادخـل الشـكوك بجـدوى العدالـة الانتقاليـة فـي هـذه الـدول ‪.‬‬ ‫مـن جانـب اخـر فقـد اضحـى الاسـتقرار السياسـي دليـا علـى نجاعـة العدالـة الانتقاليـة مـن‬ ‫عدمهـا ؛فالـدول التـي اسـتطاعت ان تصيـغ اسـس راسـخة ومعقولـة للعدالـة الانتقاليـة اسـتطاعت‬ ‫ان تحقـق الاسـتقرار السياسـي فيهـا خـال المرحلـة الانتقاليـة ومـا بعدهـا علـى العكـس مـن الـدول‬ ‫((( ‪-‬نقـا عـن كاظـم هاشـم النعمـة‪ ،‬فـي السياسـة المقارنـة ‪:‬مداخـل نظريـة‪( ،‬تالـة للطباعـة والنشـر‪ ،‬ط اربلـس‪،)1998 ،‬‬ ‫ص ‪.62-61‬‬

‫‪147‬‬ ‫التـي فشـلت فـي صياغـة اسسـس مقبولـة وراسـخة لمبـادى العدالـة الانتقاليـة قـد شـهدت حالـة مـن‬ ‫عـدم الاسـتقرار السياسـي فـي المرحلـة الانتقاليـة ومـا بعدهـا‪.‬‬ ‫بنـاء علـى هـذه الجدليـة الترابطيـة بيـن العدالـة الانتقالية والاسـتقرار السياسـي‪ ،‬سـيتم دراسـة‬ ‫تجربـة العدالـة الانتقاليـة فـي العـراق والياتها‪.‬‬ ‫المبحث الثاني‪:‬العدالة الانتقالية في العراق‬ ‫قامــت الولايــات المتحــدة الامريكيــة وحلفائهــا باحتــال العــراق عــام ‪ ،((( 2003‬وتغييــر‬ ‫نظامــه السياســي‪ ،‬الــذي اسســه حــزب البعــث العربــي الاشــتراكي فــي عــام ‪ ،1968‬وعينــت‬ ‫الســيد(بول بريمــر) حاكمــا مدنيــا لادارة شــؤون العــراق باســم (ســلطة الائتــاف المؤقتــه فــي‬ ‫العــراق)‪ ،‬واتخــذ مجموعــة مــن القــرارات‪ ،‬السياســية‪ ،‬والاقتصاديــة‪ ،‬والعســكرية‪ ،‬لاعــادة بنــاء‬ ‫النظـام السياسـي فـي عـراق مـا بعـد ‪ 2003‬؛ولعـل مـن ابـرز القـرارات واخطارهـا كانـا الامـر‬ ‫الاداري المرقـم(‪ )1‬فـي ‪ ،2003‬الخـاص (باجتثـاث حـزب البعـث) (((‪ ،‬والامـر الاداري المرقـم‬ ‫(‪ )2‬الخـاص بحـل الاجهـزة الامنيـة (((‪ ،‬اللذيـن شـكلا بدايـة تطبيـق اجـراءات العدالـة الانتقاليـة‪.‬‬ ‫ومـن اجـل فهـم هـذه الاجـراءات لابـد مـن البحـث فيمـا ياتـي‪:‬‬ ‫المطلب الأول‪ :‬دوافع العدالة الانتقالية في العراق‬ ‫كثيـرة هـي دوافـع تطبيـق العدالـة الانتقاليـة فـي العـراق‪ ،‬اذ شـهد العـراق قبـل عـام ‪2003‬‬ ‫((( ‪ -‬مزيـد مـن التفاصيـل عـن الاحتـال الامريكـي ينظـر‪ :‬رشـيد عمـارة‪ ،‬النفـوذ الامريكـي فـي الع ارقـي‪( ،‬فـي مؤتمـر‬ ‫مسـتقبل النظـام السياسـي الع ارقـي‪ ،‬جامعـة جـه رمـوو السـليمانية ‪ ،)2013‬ص‪19‬‬ ‫((( ‪ -‬بـول بريمـر‪ ،‬عـام قضيتـه فـي العـ ارق‪ ،‬ترجمـة علـى الايوبـي‪( ،‬دار الكتـاب العربـي‪ ،‬بيـروت‪ ،) 2006 ،‬ص‪-62‬‬ ‫‪.78‬‬ ‫((( ‪ -‬المرجع نفسه‬

‫‪148‬‬ ‫وبعـده خروقـات عـدة‪ ،‬وممارسـات قمعيـة ضـد مختلـف ابنـاء الشـعب العراقـي‪ ،‬وبغيـة فهـم ذلـك‬ ‫لابـد مـن دراسـة النقـاط الاتيـة‪:‬‬ ‫اولا‪ :‬الدوافع السياسية‪:‬‬ ‫لـم يعـرف العـراق منـذ نهايـة العهـد الملكـي عـام ‪ 1958‬اي شـكل مـن اشـكال الديمقراطيـة‪،‬‬ ‫اذ سـيطر العسـكر علـى النظـام السياسـي فـي العـراق‪ ،‬وقـد اتسـم سـلوكه السياسـي بغيـاب مظاهـر‬ ‫حقـوق الانسـان السياسـية مثـل ‪:‬حـق التصويـت‪ ،‬والانتخـاب‪ ،‬والتـداول السـلمي للسـلطة‪ ،‬وحـق‬ ‫التعبيـر عـن الـراي (((‪.‬‬ ‫ولـم يعـرف النظـام السياسـي العراقـي ثقافـة المعارضـة السياسـية‪ ،‬اذ شـهدت الفتـرة قبـل‬ ‫اســتلام الحكــم مــن حــزب البعــث عــام ‪ 1986‬بصــراع تياريــن رئيســيين همــا ‪:‬التيــار القومــي‬ ‫والتيـار اليسـاري الشـوعي‪ ،‬وكان فـي الاغلـب هـو سـيطرة التيـار القومـي علـى مقاليـد الحكـم‪،‬‬ ‫دون ان يذهـب الاتجـاه الاخـر الـى المعارضـة السـلمية‪ ،‬وبقـي منافسـا مـن اجـل تقاسـم السـلطة‬ ‫الـى ان حسـم حـزب البعـث الامـر لصالحـه بوصفـه الحـزب القائـد ثـم الحـزب الواحـد‪ ،‬ومنـع‬ ‫اي شـكل مـن اشـكال المعارضـة العلنيـة او السـرية‪ ،‬علـى الرغـم مـن ان الدسـتور المؤقـت عـام‬ ‫‪ ،1970‬قـد اقـر ان نظـام الحكـم فـي العـراق هـو نظـام ديمقراطـي‪ ،‬وان الشـعب مصـدر السـلطة‬ ‫وشـرعيتها‪ (((.‬كمـا اكـد علـى حريـة الاديـان وممارسـة الشـعائر الدينيـة‪ ،‬فضـا عـن حريـة الـراي‬ ‫والنشـر والتظاهـر وتاسـيس الاحـزاب السياسـية والنقابـات والجمعيـات‪ (((.‬بيـد ان الواقـع يبرهـن‬ ‫خـاف ذلـك‪ ،‬اذ لـم تشـهد السـاحة العراقيـة اي حـزب سياسـي منافـس لحـزب البعـث الـذي سـيطر‬ ‫((( ‪ -‬احمـد ازهـد عبـاس‪ ،‬انتهـاكات الحقـوق المدنيـة والسياسـية فـي ظـل النظـام البائـد‪ ،‬الجـزء الاول‪( ،‬و ازرة حقـوق‬ ‫الانسـان‪ ،‬العـ ارق‪ ،)2013 ،‬ص ‪11‬‬ ‫((( ‪ -‬ينظر المادة ‪ 2‬من الدستور الع ارقي المؤقت لعام ‪1970‬‬ ‫((( ‪ -‬ينظر المادتين ‪ 26 ،25‬من الدستور الع ارقي لعام ‪1970‬‬

‫‪149‬‬ ‫مـن خـال المكتـب المهنـي علـى جميـع النقابـات والجمعيـات‪.‬‬ ‫مـن جانـب اخـر منـح الدسـتور العراقـي صلاحيـات واسـعة لمجلـس قيـادة الثـورة (((‪ ،‬فتـم‬ ‫حصـر جميـع السـلطات بيـد شـخص واحـد لاسـيما بعـد ان تسـلم الرئيـس صـدام حسـين زمـام‬ ‫الامـور فـي العـراق بعـد عـام ‪ ،1979‬وانحصـر مراكـز صنـع القـرار بيـد فئـة محـدودة تخضـع‬ ‫لفلسـفة الحـزب الواحـد‪ (((.‬بالمقابـل فـان هـذه السـيطرة والتفـرد بالحكـم مـن حـزب واحـد وشـخص‬ ‫واحــد دفــع نحــو تاســيس معارضــة ســرية‪ ، ،‬تميــزت مســيرتها بمرحلتيــن ‪ :‬الاولــى مــن بدايــة‬ ‫السـبعينات الـى نهايـة ‪ 1991‬وهـي مرحلـة تأسـيس التجمعـات والجبهـات الوطنيـة‪ ،‬أمـا المرحلـة‬ ‫الثانيـة وهـي مرحلـة المؤتمـرات(((‪.‬‬ ‫ويبـدو ان لطبيعـة المجتمـع العراقـي تأثيـر بالـغ فـي الأداء العـــــــــام لحركـة المعارضـة‬ ‫العراقيـة التـي لـم تتمكـن مـن الالتفـاف علـى او تجـاوز الانقسـامات التـي يعانـي منهـا المجتمـع‬ ‫العراقـي فالانقسـامات والصراعـات الحـادة فيهـا كانـت فـي واقـع الأمـر تعكـس حالــــــة الصـراع‬ ‫والاحتـدام التـي يعانـي منهـا المجتمـع العراقـي‪(((.‬‬ ‫وتزامـن ذلـك مـع سياسـة حكوميـة مـن حـزب البعـث قائمـة علـى ابعـاد ومطـاردة الاحـزاب‬ ‫المنافســة لــه (الاحــزاب الكورديــة‪ ،‬والاحــزاب الاســامية)‪ ،‬واصــدر بخصــوص ذلــك قــرارات‬ ‫((( ‪ -‬ينظر نص المادتين ‪ 43 ،42‬من الدستور‬ ‫((( عبـد الجبـار احمـد‪ ،‬واقـع ومسـتقبل الخيـار الديمق ارطـي والدسـتوري فـي العـ ارق ‪:‬فـي التحـولات الديمق ارطيـة فـي‬ ‫العـ ارق‪ :‬القيـود والفـرص‪( ،‬مركـز الخليـج للابحـاث‪ ،‬الامـا ارت العربيـة‪ ،)2005 ،‬ص‪.63‬‬ ‫((( ‪ -‬عزيـز قـادر الصمانجـي‪ ،‬قطـار المعارضـة الع ارقيـة مـن بيـروت ‪ 1991‬إلـى بغـداد ‪ ،( ،2003‬دار الحكمـة‪،‬‬ ‫لنـدن‪ ،)2009 ،‬ص‪. 44‬‬ ‫((( ‪ -‬علـي شـم ارن‪ ،‬صـ ارع الاضداد‪:‬المعارضـة الع ارقيـة بعـد حـرب الخليـج‪ ،‬الطبـع الأولـى‪( ،‬دار الحكمـة‪ ،‬لنـدن‪،‬‬ ‫‪ ،)2003‬ص‪.350‬‬

‫‪150‬‬ ‫عـدة‪ ،‬الهـدف منهـا اقصـاء الخصـوم والتفـرد بالحكـم‪(((.‬‬ ‫فضلا عن اتباع مجموعة من السياسات القمعية الاخرى المتمثلة في النقاط الاتية‪(((:‬‬ ‫‪-1‬ىاصــدار قــرارات الاعــدام باثــر رجعــي فــي حالــة الانتمــاء للاحــزاب المعارضــة او‬ ‫الهـروب مـن اداء الخدمـة العسـكرية مـع اتخـاذ عقوبـات لا انسـانية مثـل بتـر الاطـراف‪ ،‬والوشـم‬ ‫علـى الجبهـة‪ ،‬وقطـع الاذن وغيرهـا مـن العقوبـات‬ ‫‪-2‬الاختفـاء القسـري للعراقييـن فـي السـجون والمعتقـات‪ ،‬وقـد سـجل فريـق تابـع للامـم‬ ‫المتحـدة نحـو ‪ 16650‬حالـة اختفـاء‪.‬‬ ‫ثانيا‪ :‬الدوافع الاقتصادية‬ ‫يتصــف الاقتصــاد العراقــي بانــه اقتصــاد ريعــي‪ ،‬يتميــز باعتمــاده الكبيــر علــى القطــاع‬ ‫النفطـي‪ ،‬التـي تصـل الـى نسـبة ‪%99‬مـن العمـات الاجنبيـة‪ ،‬وهـذا الاعتمـاد الكبيـر علـى القطـاع‬ ‫النفطـي وارتباطـه بالاسـواق الخارجيـة‪ ،‬جعـل منـه الاقتصـادا مفتوحـاً ومعتمـداً على الخـارج‪ ،‬فاقداً‬ ‫ابسـط مقومـات الاعتمـاد علـى النفـس او الاسـتمرارية الذاتيـة‪ ،‬وهـو مـا يشـكل نقطـة ضعفـه‪(((.‬‬ ‫وتجـدر الاشـارة الـى ان الدسـتور العراقـي لعـام ‪ 1970‬قـد اكـد علـى ان»الثـروات الطبيعيـة‬ ‫ووســائل الانتــاج الاساســية ملــك الشــعب‪ ،‬تســتثمرها الســلطة المركزيــة فــي جمهوريــة العــراق‬ ‫((( ‪ -‬لعـل مـن ابـرز القـر ارت التـي صـدرت قـ ارر رقـم ‪ 1244‬فـي ‪ 1976‬الخـاص بالعقوبـة الاعـدام لمـن يتـرك حـزب‬ ‫البعـث وينتمـي لحـزب اخـر والقـ ارر ‪ 461‬لعـام ‪ 1980‬الخـاص باعـدام مـن ينتمـي لحـزب الدعـوة‪ ،‬فضـا عـن اوامـر‬ ‫ملاحقـة المعارضيـن مزيـد مـن التفاصيـل ينظـر احمـد ازهـر عبـاس‪ :‬ص ص ‪45-15‬‬ ‫((( ‪ -‬مزيـد مـن التفاصيـل ينظـر غانـم جـواد‪ ،‬مشـروع التغييـر فـي العـ ارق‪( ،‬مجلـة الحقوقـي‪ ،‬جمعيـة الحقوقييـن‬ ‫الع ارقييـن‪ ،‬لنـدن‪ ،‬العـدد‪ ،) 2002 ، ،10‬ص ص‪200-197‬‬ ‫((( ‪ -‬عبـد الوهـاب رشـيد‪ ،‬التحـول الديمق ارطـي فـي العـ ارق‪0 ،‬مركـز د ارسـات الوحـدة العربيـة‪ ،‬بيـروت‪ ،)2006 ،‬ص‬ ‫ص‪2000-199‬‬


Like this book? You can publish your book online for free in a few minutes!
Create your own flipbook