101 الانتهـاء مـن العمليـات العسـكرية» (.)32 الخاتمة إن موضــوع الحــروب والتلــوث البيئــي فــي العــراق والشــرق الأوســط ،مــن المواضيــع التــي تثيــر الاهتمــام فــي العصــر الراهــن ،لمــا تســببه مــن مخاطــر علــى البيئــة تهــدد الطبيعــة وحيــاة الإنســان .لقــد تعرضــت البيئــة الطبيعــة فــي العــراق للدمــار نتيجــة الإهمــال والحــروب منـذ عـام 1980م حتـى الاحتـال الأمريكي-البريطانـي عـام ٢٠٠٣م .ولعـدم الاعتـراف بقواعـد الحـرب الخاصـة بالبيئـة وأعرافهـا ،حيـث قذفـت ألاف القنابـل والمتفجـرات وبمختلـف الأحجـام التدميريـة ودمـرت المنشـآت الصناعيـة وتسـربت ألاف الأطنـان مـن المنتجات النفطيـة والحوامض والمبيـدات مـع تعطيـل مصـادر الطاقـة الكهربائيـة كل ذلـك أثـر تأثيـرا مباشـرا على البيئـة والتلوث الحاصـل بسـبب تدميـر المنشـآت الصناعيـة العامـة ومصافـي النفـط والمنشـآت النوويـة ،التـي تقـع داخـل المـدن ،ممـا أدى إلـى التلـوث البيئـي وانتشـار الأمـراض الخطيـرة والأوبئـة .لقـد ارتفـع عـدد المواقـع الملوثـة لأكثـر مـن 300موقـع ملـوث كيمياويـا ويحتـاج ذلـك إلـى مليـارات مـن الـدولارات وعشـرات السـنين لتنظيـف بيئـة العـراق. وتتحمـل الولايـات المتحـدة الأمريكيـة ودول التحالـف مسـؤولية مباشـرة عـن التدمير الشـامل للبنـى التحتيـة والتلـوث البيئـي الـذي ألحـق اضـرارا خطيرتـا فـي الطبيعـة والصحـة العامـة ،وبمـا يتناقـض مـع العديـد مـن الاتفاقيـات الدوليـة الخاصـة بحمايـة البيئـة ،كاتفاقيـة لاهـاي لعـام 1899م، والإعلانـات الثـاث ال ُملحقـة بهـا ،واتفاقيـة لاهـاي لعـام 1907م بشـأن قواعـد وأعـراف الحـرب، ومـا ارتكبتـه الولايـات المتحـدة الأمريكيـة فـي حـق العـراق يُعـد مخالفـة صريحـة لنـص المـادة ( )23مـن اتفاقيـة لاهـاي ،وكذلـك اتفاقيـات جنيـف الأربعـة لعـام 1949م والبروتوكـولان ال ُملحقـان بهـا وفقـا للمـادة ( )55التـي تُلـزم الـدول بمراعـاة حمايـة البيئـة الطبيعيـة مـن الأضـرار البالغـة
102 اثنـاء القتـال .كاتفاقيـة مجلـس أوروبـا بشـأن الأنشـطة الخطـرة علـى البيئـة لعـام 1993م واتفاقيـة جنيـف الخاصـة بالتلـوث الجـوي بعيـد المـدى والعابـر للحـدود لعـام 1989م ،التـي أضفـت الطابـع الإنسـاني علـى الحـرب وعـدم إلحـاق الضـرر وتدميـر البيئـة .وبنـاء عليـه ،يكتسـب الضـرر البيئـي صفتـه القانونيـة ،التـي يكـون محـا للتعويـض سـواء أكان لأشـخاص القانـون الدولـي أم للأشـخاص الاعتباريين. لـذا ،تتحمـل الولايـات المتحـدة الأمريكيـة ،مسـؤولية كاملـة عـن الضـرر البيئـي والتدهـور الصحـي الـذي لحـق بالعـراق وذلـك بموجـب القواعـد والاتفاقيـات الدوليـة وميثـاق الأمـم المتحـدة، باعتبارهـا دولـة محتلـة اسـتنادا إلـى القـرار رقـم 1384لسـنة 2004م الصـادر عـن مجلـس الأمـن الدولــي ،وبموجــب القواعــد والأســس الشــرعية الدوليــة وقواعــد وأعــراف الحــرب بالاتفاقيــات المشـار إليهـا أعـاه .واليـوم ندعـو المجتمـع الدولـي ممثـاً بالأمـم المتحـدة والمنظمـات الدوليـة الإنسـانية المتخصصـة ومنظمـات المجتمـع المدنـي فـي الـدول الأوربيـة والعالـم المتخصصـة فـي حمايــة البيئــة والمناهضــة للحــروب ولاســتخدام الأســلحة المحرمــة دوليــاً ،أن تضطلــع بدورهــا البنـاء لحمايـة البيئـة والقضـاء علـى مظاهـر التلـوث البيئـي فـي العـراق ومنطقـة الشـرق الأوسـط لضمـان الأمـن والسـام والاسـتقرار. ملاحظة :قدم هذا البحث الى المؤتمر البيئي الإقليمي الأول للشرق الأوسط حول الحروب والنزاعات المسلحة وتأثيراتها على البيئة جامعة عمان العربية 21- 18أكتوبر /تشرين الاول 2017
103
104 ألمصادر والهوامش ( )1جيهـان عـادل حجاحجـة« ،أثـر الحـروب علـى البيئـة» ،فـي :موقـع الموضـوع19 ، مايـس 2016م. ( )2زبيغنـو بريجنيسـكي« ،الولايـات ألمتحـدة والعالـم الإسالمي» ،فـي :صحيفـة الـرأي، 10ديسـمبر 1994م ،ص .40للتوسـع فـي دراسـة العلاقـة بيـن التطـورات الاجتماعيـة الداخليـة والسياسـة الخارجيـة الأمريكيـة ،يُمكـن العـودة إلـى الكتـاب الصـادر عـن مؤسسـة فرانكليـن :دافيـد كويـل ،النظـام السياسـي فـي الولايات المتحدة ،بغداد ،مكتبة المثنـى1954 ،م ،ص ص .308-287 ( )3تومـاس موفنـار« ،رأي أمريكـي بالأمريكانيـة» ،فـي :مجلـة آفـاق عربيـة ،العـدد ،7 1990م ،ص.91 ( )4مارسيل ميرل ،السياسة الخارجية ،باريس ،بوف1984 ،م ،ص.159 ( )5نعـوم تشومسـكي« ،بعـد الحـرب البـاردة -الحـرب الحقيقيـة» ،ص ،46فـي :حـرب النفـط ،جيـرارد دوليسـيس ،بغـداد ،مركـز أبحـاث أم المعـارك1994 ،م. ( )6هارولد كليم وستانلي فولك ،ظروف الأمن ألقومي ،بغداد ،كلية الدفاع الوطني1981،م ،ص ص .14-13 (Henry Kissinger, «Le fondement de la politique étrangère des )7 .931-915 .pp ,1982 ,4 °Etats Unies «, in: Politique Etrangère, n ( )8موريــس بلاشســان وكنيــث شــارب« ،نهايــة السياســة الخارجيــة الأمريكيــة» ،فــي: مجلــة آفــاق عربيــة ،العــدد 1991 ،1م ،ص 27
105 ( )9خطاب الرئيس جورج بوش أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة ،في 23أكتوبر 1990م. ( )10محمـد حسـنين هيـكلُ ،مسـتقبل التنميـة ورؤيـة مجتمـع الإدارة ،الإسـكندرية ،المعهـد القومــي لــإدارة العليــا ،محاضــرة نُشــرت علــى أجــزاء فــي صحيفــة الدســتور ،فــي 5نوفمبــر 1990م. ( )11يفغينــي بريماكــوف ،حــرب كان تجنبهــا ممكننــاً ،بيــروت ،دار النشــر كومبيوتــر، 1991م ،ص .54 ( )12نعوم تشومسكي« ،بعد الحرب الباردة -الحرب الحقيقية» ،مصدر سبق ذكره. ( )13بيل كلينتون ،مقابلة في صحيفة الغارديان البريطانية 4 ،نوفمبر .1992 ( )14حــروب الخليــج العربــي ،The Columbia Encyclopediaفــي :يوكيبيديــا، الأثـر البيئـي لحـرب الخليـج الثانيـة 1991م. ( )15المصدر نفسه. ( )16أســامة أبــو الــ ُّرب« ،اليورانيــوم الــذي ألقــي بالعــراق يســاوي 250قنبلــة ذريــة»، منظمــة المجتمــع العلمــي العربــي ،موقــع الجزيــرة نــت ،الخميــس 19نوفمبــر 2015م. ( )17نفس المصدر. ( )18نفس المصدر. (19) Souad N. Al-Azzawi. “Selection of best hazardous waste disposal sites in Iraq using environmental constraints mapping techn iques”.
106 Journal of Arabic Universities Association for engineering researches and studies, Volume 5, No.1, 1998. ( )20ســعاد العــزاوي« ،واحــدة مــن أبشــع جرائــم الحربيــن الأمريكيــة علــى العــراق»، سـلّطت حلقـة :الصنـدوق الأسـود ،الضـوء علـى ملـف اسـتخدام أسـلحة اليورانيـوم المن ّضـب مـن قبـل الجيـش الأميركـي والقـوات العسـكرية المتحالفـة معـه فـي حربـي الخليـج 2003-1991م، وأثنـاء حصـار الفلوجـة عـام .2004 ( )21صـادق علـي حسـن« ،التهديـدات البيئيـة وأثرهـا علـى واقـع الأمـن الإنسـاني فـي العـراق» ،فـي :مجلـة دراسـات البيـان ،مركـز البيـان للدراسـات والتخطيـط ،بغـداد 25 ،أيلـول 2016م. ( )22علـي عدنـان عشـقي ،اليورانيـوم المنضـب ودول الخليـج العربـي ،فـي :جريـدة الوطن السـعودية 23،ابريل /نيسـان 2009م. ( )23هيفـاء زنكنـة« ،مـن الغبـار القاتـل الـى حـرق الاشـجار :ابـادة الحيـاة فـي العـراق»، صحيفـة دنيـا الوطـن ٢٨ ،ينايـر ٢٠٠٨م. ( )24نفس المصدر. ( )25كاتيـا يوسـف« ،أكاديميـون يحـذرون مـن مخاطـر التلـوث البيئـي فـي العـراق» ،فـي: موقـع العربـي الجديـد، لندن 27 ،يونيو /حزيران 2016م. ( )26علـي حنـوش ،البيئـة العراقيـة :المشـكلات والآفـاق ،بغـداد ،وزارة البيئـة العراقيـة، 2004م ،انظــر :كاظــم المقــدادي« ،البيئــة العراقيــة :تلوثــات مــا قبــل الحــرب وبعدهــا» ،فــي:
107 صحيفــة الشــرق الأوســط 14 ،ابريــل /نيســان 2005م. ( )27عمـار كاظـم محمـد« ،الحـروب وتلويثهـا للبيئـة العراقيـة» ،موسـوعة البيئـة العراقية، مقـال مترجـم عـن صحيفـة :الغارديـان البريطانيـة في شـباط 2010م. ( )28نفس المصدر. ( )29نفس المصدر. ( )30كاظـم المقـدادي« ،لجنـة التحقيـق البريطانيـة فـي حـرب العـراق تجاهلـت الضحايـا»، ترجمـة عـن :صحيفـة الغارديـان 6آب/أغسـطس 2016م. ( )31نفس المصدر. ( )32ســعاد العــزاوي« ،مســؤولية الولايــات المتحــدة عــن تلويــث العــراق باليورانيــوم المنضــب» ،فــي :مجلــة المســتقبل العربــي ،العــدد ،376حزيــران 2010م.
108 العراق من الاحتلال إلى اضمحلال الدولة د .أثير ناظم الجاسور كلية العلوم السياسية /الجامعة المستنصرية المقدمة مـا ان انهـت الولايـات المتحـدة غزوهـا للعـراق عـام 2003حتـى بـدأت صفحـة جديـدة مـن عمـر الدولـة العراقيـة والمجتمـع العراقـي الـذي وجـد نفسـه بيـن ليلـة وضحاهـا وهـو يواجـه اكبـر فوضـى حدثـت فـي تاريخـه الحديـث ،فبعـد ان كانـت السـلطة المركزيـة قابضـة علـى كل تفاصيـل الدولـة السياسـية والاقتصاديـة والاجتماعيـة بـات يـرى ويصبـح ويمسـي علـى الانفـات الأمنـي والسـلب والنهـب التـي تعرضـت لـه مؤسسـاته الحكوميـة المدنيـة منهـا والعسـكرية تحـت انظـار قـوات الاحتـال التـي انتهكـت كل القوانيـن التـي تلقـي علـى عاتـق الدولـة المحتلـة جملـة مــن الالتزامــات أهمهــا حفــظ الامــن والنظــام ،فالعــراق فــي ذلــك التاريــخ دون ســلطة تحكمــه ودون ضوابـط قانونيـة تسـير شـؤونه ولا تـردع الخارجيـن عنـه وشـلل تـام فـي كل القطاعـات الاقتصاديـة والخدميـة وهيـاكل الصناعـة وتشـكيلاتها ،إلـى جانـب حيـات ملؤهـا خطـر ومؤسسـات محروقـة بعـد ان تـم حـرق ملفاتهـا وسـجلاتها وسـرقة مرافقهـا. فـي 22كانـون الثانـي مـن العـام 2004صـدر تقريـر عـن المجموعـة الدوليـة للازمـات المرقــم ( )24تحــت عنــوان« :مــاذا بإمــكان الولايــات المتحــدة ان تفعــل بالعــراق؟» ،تضمــن التقريـر تفاصيـل علـى مـا تحـاول الولايـات المتحـدة ان تفعلـه فـي العـراق باعتبـاره نموذجـا جديـدا فـي المنطقـة بعـد ان كان قابـع تحـت حكـم شـمولي قامـع للحريـات الفرديـة ،هـذا النمـوذج مكـون مـن حكومـة ديمقراطيـة علمانيـة تتوجـه اقتصاديـاً نحـو اقتصادالسـوق المفتـوح وتتبنـى سياسـة
109 متحالفـة مـع المصالـح الامريكيـة وليسـت معاديـة لإسـرائيل كسـابقتها ،وضمـان التعـاون العسـكري لأنشــاء القواعــد العســكرية عليهــا .بالضــرورة وكلمــا كانــت المقدمــات غيــر منطقيــة وخاطئــة خصوصـاً وانهـا تأسسـت ضمـن معاييـر لا تنسـجم مـع الواقـع العراقـي السياسـي والاجتماعـي، حتـى ان العديـد مـن الباحثيـن وصفهـا بانهـا مقدمـات سـلبية وخطيـرة ،وعليـة فـان النتائـج ايضـاً بالضـرورة غيـر منطقيـة لا بـل جـاءت كارثيـة مـع مـرور الوقـت ،وفجـرت العديـد مـن الازمـات التـي عرضـت الحيـاة السياسـية فـي العـراق لعـدم الاسـتقرار ،ليتحـول الـى نمـوذج يخيـف دول الجـوار التـي تحولـت الـى لاعبيـن أساسـيين فـي الاحـداث الداخليـة للعـراق ،بعـد ان باتـوا مؤثريـن حتـى علـى القـرار السياسـي فيـه. تبقــى قضيــة احتــال العــراق حالــة فريــدة بــل ســابقة لــم تشــهدها دول المنطقــة ،اي ان تقـوم قـوة غازيـة باحتـال ارض دولـة أخـرى دون ان يحـرك علـى الأقـل مجلـس الامـن الدولـي سـاكناً ،والمعضلـة الأكبـر ان هـذا الاحتـال رفـع الغطـاء عـن وضـع سياسـي واجتماعـي بالـغ التعقيـد والتشـابك وبـروز ظواهـر مختلفـة غريبـة مثـل ظاهـرة (الحواسـم) التـي مـن خلالهـا تـم سـلب ونهـب كل مؤسسـات الدولـة وحرقهـا بالإضافـة إلـى سـرقة البنـوك والمصـارف واسـتيلاء الأحــزاب القادمــة مــع الاحتــال علــى العديــد مــن وثــاق مؤسســات الدولــة الامنيــة والعســكرية والمدنيـةً ،ناهيـك عـن السـاح المنفلـت الـذي اسـتخدمته عصابـات الخطـف والسـلب. ان أهميـة الدراسـة تتضمـن فـي بحـث شـكل ومضمـون الدولـة العراقيـة بعـد احتلالـه مـن قبـل قـوات الاحتـال الامريكيـة وحلفائهـا بعـد التطـرق لفكـرة السـيادة التـي باتـت مـن المفاهيـم الغريبـة علـى شـكل الدولـة الجديـدة التـي تصدعـت بفعـل السياسـات الداخليـة والتأثيـرات الخارجيـة التـي لعبـت دوراً كبيـراً فـي صناعـة العمليـة السياسـية الجديـدة ،بالإضافـة إلـى ان الـدول المؤثـرة فـي العـراق لعبـت وفـق تبـدل تفكيرهـا الاسـتراتيجي الـذي كان يخشـى ان تكـون هـي التاليـة بعـد
110 العـراق خصوصـاً وان عوامـل التغييـر والتبديـل فـي المنطقـة جاهـز جـداً ناهيـك وان مجتمعـات هـذه الـدول ذاقـت الامريـن مـن حكوماتهـا ،بالتالـي كانـت ارض العـراق والنمـوذج برمتـه فرصـة جيـدة لتبيـان وتأكيـد ان البديـل لهـم سـيكون علـى شـاكلة مـا يحـدث فـي العـراق ،بالتالـي فـان مـا يحـدث فـي العـراق لـم يعـد شـاناً يخـص الداخـل العراقـي بـكل تجلياتـه لا بـل اصبـح متجـاوزاً حـدوده الجغرافيـة علـى اعتبـاره لـم يعـد فقـط بـؤرة الازمـات ونقطـة الالتقـاء الاسـتراتيجية بيـن الشـرق والغـرب ،انمـا باتـت صـور ومشـاهدات الاحـداث ومـا تصـل اليـه مـن حلـول جعلـه ايضـاً مفتـاح السـام فـي المنطقـة مـن وجهـة النظـر الأخـرى. أمـا فرضيـة الدراسـة فتنطلـق مـن ان الاحتـال الأمريكـي غيـر مـن شـكل الدولـة العراقيـة وتبنياتهــا وتوجهاتهــا حيــال العديــد مــن القضايــا السياســية الخارجيــة وســاهم فــي بنــاء عمليــة سياسـية عانـت ولا زالـت تعانـي مـن اختـالات بنيويـة واضحـة عـززت مجموعـة مـن المفاهيـم أهمهــا مفهــوم الدولــة والهويــة والتعايــش .وبالمحصلــة فــان الدراســة تهــدف إلــى بيــان النتائــج التـي خلفهـا الاحتـال الأمريكـي للعـراق وبـروز مجموعـة مـن التحديـات والمعوقـات الخارجيـة والداخليـة التـي أسـهمت وبشـكل مباشـر فيمـا آلـت اليـه الأوضـاع فـي العـراق. وتنطلـق إشـكالية الدراسـة مـن تسـاؤل لطالمـا دار فـي دراسـات الباحثيـن وكتـب المختصيـن حـول المشـكلة الأساسـية التـي أدت إلـى تفاقـم هـذا الكـم الهائـل مـن المشـاكل والأزمـات؟ وايضـاً «مـا مسـتقبل الدولـة فـي العـراق فـي ظـل السياسـات العشـوائية والانتقائيـة التـي تعيشـها؟ وتبنــت منهجيــة الدراســة ،اســتخدام المنهــج التحليلــي والمنهــج الســلوكي وايضــاً تحليــل الخطــاب السياســي للقــوى الفاعلــة داخليــاً والمتمثلــة بالقــوى الحزبيــة والمحــركات الاجتماعيــة، وخارجيــاً الفواعــل الدوليــة مــن الوحــدات الدوليــة والوحــدات غيــر الدوليــة. هيكليـة الدراسـة تتضمـن مبحثيـن :الأول سـيتضمن فكرتـي السـيادة سـواء مـن حيـث الماهيـة
111 والمفهـوم إلـى جانـب دراسـة مسـالة السـيادة العراقيـة التـي أصبحـت غيـر ذات قيمـة مـن خـال جعـل العـراق ارضـاً لتصفيـة الحسـابات بيـن الوحـدات الدوليـة الإقليميـة والعالميـة والعمـل علـى انتـزاع سـيطرة الدولـة فـي كافـة الجوانـب والتفاصيـل والعلميـة السياسـة ،ومـا تـم تحديـده فـي هاتيـن المفردتيـن .امـا المبحـث الثانـي فتضمـن دراسـة وتحليـل تشـكيل الهويـات الفرعيـة التـي بدورهــا طغــت علــى الهويــة الوطنيــة ،إضافــة لتطــور ظاهــرة الإرهــاب والعنــف وأثــره علــى الدولـة العراقيـة شـكلاً ومضمونـاً. المبحث الأول السيادة والعملية السياسية أولاً :السيادة عنــد الحديــث عــن الســيادة العراقيــة بعــد العــام 2003نجــد عشــرات الخطــوط الحمــراء حــول هــذا المفهــوم بعــد ان أصبحــت ارض العــراق منطقــة مشــاع لــكل مــن يحــاول ان يكــون لـه موطـئ قـدم فـي المنطقـة وبمختلـف الطـرق اهمـا التدخـل فـي شـأن هـذه الجماعـة او تلـك او التدخـل لأغـراض إنسـانية او مـن اجـل تحقيـق الديمقراطيـة وحقـوق الانسـان .والسـؤال هنـا يتمحـور حـول مـن يفـرض السـيادة او مـن يحافـظ علـى السـيادة؟ وهنـا يتـوارد للذهـن وللوهلـة الأولــى ان الســيادة تعنــي الســيطرة الكاملــة علــى الأرض او ان للدولــة الســيطرة الكاملــة علــى أراضيهـا ،وبالتالـي فـإن السـيادة «تمثـل مـا للدولـة مـن سـلطان علـى الإقليـم الـذي تختـص بـه وبمـا يوجـد فيـه مـن اشـخاص وأمـوال ،وهـي تثبـت للدولـة نتيجـة ملكيتهـا للإقليـم ذاتـه» ((( ،ايضـاً فـان روبـرت جاكسـون صنـف سـيادة الدولـة إلـى نوعيـن :حتـى تتمتـع او يُعتـرف بهـا كعضـو ((( ناظـم عبـد الواحـد الجاسـور ،موسـوعة المصطلحـات السياسـية والفلسـفية والدوليـة ،دار النهضـة العربيـة ،بيـروت، ،2008ص .346
112 يمتلـك المكانـة والمنزلـة المحترمـة فـي المجتمـع الدولـي مـن خـال السـيادتين السـالبة والموجبـة، فالسـالبة تعنـى بـان يتـرك البلـد لوحـده ليديـر شـؤونه الخاصـة ،امـا الموجبـة تعنـي قـدرة الدولـة علـى مزاولـة سـيطرتها الفعالـة علـى منطقـة مـا وتخطيـط مشـاريع وتنفيذهـا(((. بالحقيقــة هنــاك مجموعــة مــن الفقهــاء والدارســين والباحثيــن والمختصيــن اختلفــوا علــى إطـاق السـيادة مـن عدمهـا ،فمؤيـدي إطـاق السـيادة او السـيادة المطلقـة يؤكـدون علـى ان للدولـة سـيادة مطلقهـا علـى جغرافيتهـا او موقعهـا الجغرافـي بمعنـى عـدم خضوعهـا لا فـي الداخـل ولا في الخـارج لأي قيـود تحـد مـن سـيادة الدولـة سـوى ارادتهـا ،امـا المعارضيـن لهـذه الفكـرة فيؤكـدون علـى ان الدولـة لا تتمتـع بالسـيادة المطلقـة لأنهـا مقيـدة بمجموعـة مـن القيـود القانونيـة والأخلاقيـة والإنسـانية .وبالرغـم مـن التحـولات التـي طـرأت علـى النظـام العالمـي وتبـدل محركاتـه الأساسـية وصعـود قطـب وافـول الاخـر ،فـان السـيادة بالضـرورة قـد تأثـرت بهـذه التحـولات والتطـورات الحاصلـة وتحديـداً التطـورات التكنولوجيـة التـي جعلـت مـن هـذا العالـم قريـة صغيـرة عبـر عولمـة الثقافـة والاتصـال وتبـادل المعلومـات. وتـرى وجهـة النظـر الأخـرى للسـيادة ،ان النظـام الدولـي لـم يعـد دوليـاً انمـا أصبـح نظامـاً عالميــاً علــى أســاس ظهــور فواعــل جديــدة غيــر الــدول فــي هــذا النظــام ســواء المنظمــات او الشـركات المتعـددة الجنسـيات ،إلـى جانـب ظهـور قواعـد متعـددة وجديـدة في هـذا النظـام ،وبالتالي فـان عمليـة التدخـل او خـرق السـيادة أصبـح يحـدث مـن خـال مفاهيـم متعـددة ،إلـى جانـب تطـور النظريـات الفكريـة واتجاهاتهـا التـي أصبحـت تتحـدث عـن تقييـد أكثـر لسـيادة الدولـة خصوصـاً الاقتصاديـة منهـا ،بالرغـم مـن ان الدولـة بقيـت اللاعـب الأساسـي فـي هـذا النظـام ،وبالتالـي فـان هـذه الأفـكار والنظريـات باتـت تـرى ان السـيادة لـم تعـد مطلقـة وهنـاك حاجـة لإعـادة النظـر فـي ((( المصدر نفسه ،ص .348
113 هـذا المفهـوم وحيثياتـه(((. امـا مـا حـدث فـي العـراق فقـد تنافـى مـع كل التفاسـير والنتائـج العلميـة والفلسـفية التـي تحدثـت عـن السـيادة ،وتناقـض مـع كل مـا لـه علاقـة بالقوانيـن الدوليـة ،فقـد كان انتهـاكاً واضحـاً لســيادة دولــة مســتقلة وتحــت حجــج وذرائــع مختلفــة منهــا اخــذت الجوانــب الإنســانية المتعلقــة بالحريـات وحقـوق الانسـان وقضيـة الديمقراطيـة ،ومنهـا تنـاول قضايـا وجوانـب الامـن والسـلم الدولييــن ،أي مايتعلــق باتهــام العــراق لامتلاكــه للأســلحة النوويــة والجرثوميــة ،إضافــة الــى الجوانـب العسـكرية والأمنيـة التـي تمثلـت باحتـال الكويـت فـي ٢آب ١٩٩٠م ممايشـكل مخالفـة صريحـة لميثـاق الأمـم المتحـدة. وبـكل الأحـوال فـان عمليـة احتـال العـراق عـام ٢٠٠٣م شـكلت انتهـاكا خطيـرا للقانـون الدولــي وميثــاق الأمــم المتحــدة ،وجســدت بــكل المقاييــس الهيمنــة الامريكيــة وتفردهــا بالقــرار العالمـي وسـيطرتها علـى هـذا القـرار ومخرجاتـه بعـد ان اسـتدركت خطـورة المواقـف والاتجاهات التـي كانـت تعـارض هـذا الاحتـال سـواء الأوسـاط الداخليـة الامريكيـة او الدوليـة التـي كانـت تـرى فـي هـذا الاحتـال بدايـة لصفحـة جديـدة مـن الاضطرابـات والعنـف فـي المنطقـة .بالمقابـل تعـرض النمـوذج الـذي بشـرت بـه الولايـات المتحـدة للفشـل بعـد ان اصبـح واضحـاً ان صانـع القـرار الأمريكـي ومستشـاريه لـم يدرسـوا الواقـع السياسـي والاجتماعـي العراقـي بشـكل معمـق وفــق تحقيقــات الاســتنتاج والمعرفــة ،إلــى جانــب انهــا لــم تحــاول ان تســيطر علــى جغرافيــة العـراق او انهـا فقـدت السـيطرة علـى طبيعـة الخصائـص والتحـولات الاجتماعيـة فـي العـراق وواجهـت العجـز وعـدم القـدرة فـي بسـط نفوذهـا بالرغـم مـن امتلاكهـا للتكنولوجيـا المتطـورة والقـدرات الاقتصاديـة .وهنـاك راي ثالـث يقـول :ان الولايـات المتحـدة اسـتثمرت مسـالة التخـادم ((( سعد حقي توفيق ،مبادئ العلاقات الدولية ،شركة العاتك لصناعة الكتب ،القاهرة ،2009 ،ص .386
114 غيـر المباشـر فـي العـراق ،مـن خـال الاتفـاق علـى :ان كل مـا تحـت الأرض لهـا وكل مـا فـوق الأرض لـدول الجـوار. ونشــير ان فــي العــام 2002م اعطــى الكونغــرس الأمريكــي الضــوء الأخضــر للرئيــس جــورج بــوش الابــن بالشــروع بالعمليــات العســكرية ضــد العــراق ،دون حتــى الحصــول علــى موافقـة الأمـم المتحـدة ،هـذا يعنـي ان الكونغـرس خـول الرئيـس القيـام بهـذا العمـل حتـى دون اخـذ موافقتـه ،ضمـن الحملـة الكبيـرة التـي قادهـا الرئيـس الأمريكـي بحربـه علـى الإرهـاب((( ،لكـن هـذا يعـود بنـا فـي التفكيـر للعـام 1980والخشـية مـن سـيطرة قـوى أخـرى علـى تدفـق النفـط إلـى الغـرب والولايـات المتحـدة ذاتهـا بعـد ان اكـد علـى اسـتخدام القـوة العسـكرية ضـد كل مـن يحـاول تقييـد تدفـق النفـط والتـي عرفـت فيمـا بعـد بــعقيدة كارتـر ،وتـم اخضـاع هـذه العقيـدة للاختبـار خـال الحـرب العراقيـة – الإيرانيـة 1988 – 1980م ،وحـرب الخليـج الثانيـة (احتـال العـراق للكويــت) 1990م(((. وبالنتيجـة فـان السـيادة العراقيـة وحقـوق الانسـان والديمقراطيـة للمواطـن العراقـي لـم يكونـا علـى قائمـة الاهتمامـات الامريكيـة علـى الاطـاق بقـدر مـا كانـت هنـاك أولويـات واهـداف جلهـا تعمـل مـن اجـل تحقيـق المصلحـة الامريكيـة وتأكيـد زعامتهـا وقيادتهـا للنظـام العالمـي ،والدليـل علـى ان ارض العـراق باتـت مسـتباحة مـن قبـل الجميـع مـا ذكـره الصحفـي المصـري يسـري فـودة فـي كتابـه :فـي طريـق الأذى ،الـذي شـرح فيـه طريقـة دخولـه للأراضـي العراقيـة عبـوراً مـن سـوريا مـن اجـل مقابلـة صحفيـة مـع قـادة الفصائـل المسـلحة داخـل العـراق ،وقـد اطلـق ((( أحمد نوري النعيمي ،عملية صنع الق ارر في السياسة الخارجية ،دار زه ارن للنشر والتوزيع ،عمان.84 ،2011 ، ((( المصـدر نفسـه ،ص ،310يذكـر ان الولايـات المتحـدة فـي حـرب الخليـج الثانيـة عـام 1990نقلـت مـا يقـارب الـ( 200ألـف جنـدي) إلـى منطقـة الخليـج وتـم إنفـاق مـا يقـارب الـ( 60بليـون دولار) ،لان العـ ارق فـي تلـك المرحلـة إذا مـا اسـتطاع السـيطرة فإنـه سيسـتحوذ علـى %20مـن احتياطـات النفـط العالميـة.
115 تسـمية الجـزء الـذي يتحـدث عـن العـراق باسـم :العبـور علـى المجهـول ،ويذكـر فـودة انـه قـد لا يمكـن لـه لقـاء ( الأميـر ) الـذي وعـد بمقابلتـه لكنـه متيقـن مـن رد مااسـماه فـي سـرده للقصـة «أبـو ثائـر» الـذي قـال لـه قـد يكـون اميـره عاجـزاً عـن فعـل أي شـيء لكننـا نريـد ان نثبـت للعالـم اننـا اسـتطعنا تهريـب يسـري فـودة إلـى وسـط بغـداد((( ،هـذه الحادثـة التـي يذكرهـا الصحفـي يسـري فـودة ،تـدل علـى ان الحـدود العراقيـة كانـت مفتوحـة ومسـتباحة فـي تلـك الفتـرة علـى الرغـم مـن التكنولوجيـا المتطـورة التـي تمتلكهـا القـوات المحتلـة إلا انهـا لـم تحـاول ان تبـذل جهـداً فـي الحفـاظ علـى امـن وسـامة الحـدود ،فمـا بالـك فـي دول شـعرت بالتهديـد مـن هـذا الغـزو وعلـى انهـا سـتكون التاليـة اذا مـا نجـح هـذا النمـوذج الـذي بشـر بـه الرئـي بـوش ورامسـفيلد وبـول ولفيتـز. فـكل المشـاهد التـي كانـت امـام العالـم تـدل علـى ان السـيادة العراقيـة باتـت فـي خبـر كان مـن الناحيتيـن العسـكرية والأمنيـة ،ناهيـك عـن الطريقـة التـي بـدأت بهـا الحـرب والوسـائل والادوات التــي تــم اســتخدامها والصواريــخ والقنابــل التــي ســقطت علــى المــدن ،هــذا إلــى جانــب الــدور السـلبي الـذي كانـت تتوشـح بـه المنظمـة الدوليـة طيلـة مرحلـة الازمـة مـع العـراق ،بعـد ان تناسـى الجميـع حجـم الدمـار والخـراب الـذي حـل بالعـراق ارضـاً وشـعباً .وبالتالـي باتـت الديمقراطيـة المزعومـة عاجـزة عـن دفـع الخطـر عـن العراقييـن لان الحقيقـة تؤكـد ان مـا حـدث فـي العـراق ((( يسـري فودة ،في طريق الأذى :من معاقل القاعدة إلى حواضن داعش ،دار الشـروق ،القاهرة ،2015 ،ص145 يقـول فـودة « مسـتحيل إمـا ان نتحـرك غـداً صباحـا وإمـا الا نتحـرك علـى الاطـاق ،همـس عـدي بينمـا كان يتخـذ مقعـده إلـى جـواري ،ليـس امامنـا سـوى الخطـة البديلـة فـا داعـي لارتـداء هـذا الشـال ومـن الأفضـل ان تقصـر لحيتـك ،كنـت قـد اضطـررت إلـى إطـاق لحيتـي بنـا ًء علـى نصيحـة «أبـو ثائـر» وهـو ضابـط اتصـال فـي كبريـات فصائـل المقاومـة الع ارقيـة ،عندمـا التقيتـه فـي دولـة مجـاورة لا أسـتطيع الكشـف عنهـا ومـن و ارء نظارتـه الشمسـية الضخمـة حـدد لـي اثنـاء لقاءنـا الخاطـف مـا كان علـى طاولـة جماعتـه مـن عـرض خـاص ،فالخطـة (أ) كانـت تتضمـن عبـور الحـدود بارتـداء زي شـيخ عربـي مـع تزويـدي ببطاقـة هويـة محليـة ،بالمقابـل وعدنـي « أبـو ثائـر» بلقـاء مـع اميـر الجماعـة الـذي سيسـمح لـي لتصويـر عـدد مـن المشـاهد الملتهبـة.
116 بعيـد جـداً عـن فكـرة نشـر الديمقراطيـة وسـام المنطقـة ،حتـى ان جـورج بـوش الابـن ،يذكـر فـي مذكراتـه بالقـول« :كان قلقـي مـن ناحيـة صـدام ان يقـوم بتخريـب حقـول البتـرول او ان يطلـق الصواريـخ صـوب إسـرائيل»(((. ان ارض العــراق لــم تتعــرض للانتهــاك مــن قبــل دولــة الاحتــال وحلفائهــا والجماعــات المتطرفـة القادمـة مـن خـارج الحـدود لا بـل ان دول جـوار العـراق لعبـوا دوراً كبيـراً فـي اضعـاف هـذه الجزئيـة بعـد ان سـاهموا فـي دعـم الجماعـات العابـرة للحـدود مـن خـال التدريـب والتمويـل وتحـت مسـميات مختلفـة ،علـى الرغـم مـن ان دول جـوار العـراق كانـت تواقـه للخـاص مـن نظامـه السياسـي السـابق وتعمـل جاهـدة علـى ابعـاده حتـى ان منهـا مـن أصبحـت أراضيهـا منطلقـاً للعمليـات العسـكرية .إلا ان الريـاح جـاء بمـا لا تشـتهي سـفن هـذه الـدول ،خصوصـاً وان الولايـات المتحـدة قـد أدرجـت عـدد منهـا منهـا بقائمـة دول الشـر أي بمعنـى انهـا ضمـن القائمـة السـوداء لـإدارة الامريكيـة ،فالأخيـرة لـن تبـدد مخـاوف هـذه الـدول مـن تكـرار النمـوذج فيهـا لا بـل راحت تصـر علـى ان هـذه الأنظمـة المعاديـة للولايـات المتحـدة ستتسـاقط الواحـدة تلـو الأخـرى ،ممـا جعـل مـن دول جـوار العـراق وبعـد التدقيـق فـي الخطـاب السياسـي الأمريكـي والتركيـز بالتفكيـر الاسـتراتيجي ،تجـد انهـا بالضـرورة عليهـا ان تسـتخدم كل اوراقهـا داخـل العـراق فـي سـبيل الا تكـون هـي التاليـة. ان تعامــل هــذه الــدول مــع العــراق انطلــق مــن فكــرة الســياقات التاريخيــة والعلاقــات المتأرجحـة التـي ارتبطـت بينهـا وبيـن العـراق طيـل المراحـل السـابقة .فبعـد الاحتـال العراقـي للكويـت عـام 1990انطلقـت مشـاعر الثـأر بالدرجـة والانتقـام مـن النظام السياسـي بفعـل تداعايات احتـال الكويـت ومـا تـاه مـن تبعـات أدخلـت المنطقـة فـي دوامـة عـدم الاسـتقرار ،وحتـى بعـد ((( مذك ارت جورج دبليو بوش ،ق ار ارت مصيرية ،شركة المطبوعات للتوزيع والنشر ،بيروت ،2012 ،ص .312
117 العـام 2003بقيـت الشـكوك الكويتيـة مـن النوايـا العراقيـة وعـدم الثقـة بمجمـل الخطـاب السياسـي العراقـي((( .كمـا لا تـزال السـجالات مسـتمرة وعـدم الثقـة بالنوايـا فـي كل مناسـبة والجـدل الحاصل حـول بنـاء مينـاء الفـاو الكبيـر دليـل علـى ان الكويـت لا تـزال تتخـوف مـن أي توجـه عراقـي حتـى وان لـم تكـن هـي المقصـودة بهـذا التوجـه .نعـم هنـاك متغيـرات فـي العلاقـة لكنهـا فـي ذات الوقـت لا تتيـح المجـال إلـى ان تكـون علاقـة مبنيـة علـى حسـن النيـة ،علـى الأقـل مـن الجانـب الكويتـي ،وبالتالـي سـتبقى مسـألة انعـدام الثقـة مسـالة نسـبية تحددهـا القضايـا الأساسـية وأهمهـا الحـدود البريـة والمائيـة. امـا سـوريا فقـد تعاملـت مـع الملـف العراقـي علـى انـه مـن اخطـر الملفـات التـي واجهتهـا بالمنطقـة مـن منطلقيـن :الأول امنـي حيـث اسـتطاعت ان تكـون قاعـدة للجماعـات المتطرفـة التـي عبـر الحـدود إلـى العـراق تحـت يافطـة مقاومـة الاحتـال .وصـرح وزيـر الخارجيـة العراقـي الأسـبق هوشـيار زيبـاري فـي 31أيـار 2005بـأن سـوريا أصبحـت الطريـق السـالك للإرهابييـن المتســللين إلــى الأراضــي العراقيــة((( ،والمنطلــق الثانــي وجــودي خوفــاً مــن ان تكــون ضمــن معادلـة التغييـر القادمـة علـى شـاكلة العـراق .بهـذا التفكيـر تعاملـت دمشـق مـع الملـف العراقـي. هـذا إذا مـا اردنـا ان نرجـع للماضـي والعلاقـات المتوتـرة بيـن البلديـن ذات الصبغـة الايديلوجيـة بالدرجـة الأسـاس التـي اثـرت بشـكل كبيـر علـى طريقـة التعاطـي بينهمـا طيلـة الفتـرة الماضيـة، امـا بعـد الاحتـال الأمريكـي وبالرغـم مـن اعتـراض سـوريا علـى مشـروع الحـرب داخـل الجامعة العربيـة ،بالتأكيـد خوفـاً مـن تبعـات هـذا الاحتـال ،إلا انهـا بالنهايـة دولـة شـرق أوسـطية لا تمتلـك ((( عزيـز جبـر شـيال ،العلاقـات الع ارقيـة – الكويتيـة ،المجلـة السياسـية والدوليـة ،كليـة العلـوم السياسـية /الجامعـة المسـتنصرية ،بغـداد ،السـنة الثالثـة ،2009 ،ص .28 ((( الع ارق في الاعلام ،تسلسل زمني للعلاقات الع ارقية – السورية org.marafea.www
118 القـرار فـي كل الأحـوال ووفـق سياسـة الامـر الواقـع((( ،ومـع الاحـداث الحاصلـة فـي سـوريا وعدم الاسـتقرار السياسـي الـذي ولـد عنفـاً خطيـراً يهـدد المنطقـة برمتهـا بعـد ان تصـارع الاضـداد علـى هـذه الأرض كان العـراق او المتضرريـن بعـد ان تـم احتـال ثلـث أراضيـه مـن قبـل الجماعـات الإرهابيـة عـام 2014والتـي اثبتـت بالدليـل القاطـع ان السـيادة العراقيـة لـن تتحقـق طالمـا هنـاك اطـراف داخليـة وخارجيـة تعمـل علـى تقزيـم الدولـة وانهـاء دورهـا. امـا السـعودية وبالرغـم مـن انهـا كانـت مـن الـدول التـي عملـت مـن اجـل التغييـر للنظـام السياسـي السـابق ،فقـد تعاملـت مـع العـراق مـن منطلقـات الحساسـية والحـذر مـن تمـدد النمـوذج الإيرانـي لولايـة الفقيـه عبـر الأحـزاب العراقيـة المتحالفـة مـع إيـران .وعبـر الخطـاب السياسـي السـعودي عـن الحـذر منـذ المرحلـة الأولـى مـن بنـاء العمليـة السياسـية مـن قبـل الامريـكان(((. وتحــول العــراق الــى مجــال للصراعــات السياســية والثقافيــة والمذهبيــة بيــن النمــوذج الإيرانــي لتســيس الدولــة والنمــاذج المختلفــة للأنظمــة السياســية فــي دول الجــوار ومختلــف المنظمــات الإرهابيـة للتيـارات السـلفية المتطرفـة .وكان الاجـدر بعـد احتـال العـراق عـام ٢٠٠٣م ،ان تبـادر الـدول العربيـة للانفتـاح وتبنـي برامـج للعمـل المشـترك والتعـاون لاخـراج العـراق مـن محنتـه. وفـي الواقـع لـم تتوافـق السياسـات السـعودية والعراقيـة واسـتمرت التناقضـات فـي المواقـف السياسـية والاتجاهـات الدبلوماسـية ،حتـى عـام 2014وعـام 2019حيـث تـم تبـادل الزيـارات الرسـمية بيـن البلديـن ،واسـتثمرت السـعودية تدهـور العلاقـات بيـن واشـنطن وطهـران ،لتكـون حاضـرة فـي العـراق مـن خـال طـرح المشـاريع الاسـتثمارية ،حيـث تـم الاتفـاق عـام 2017 علـى تأسـيس المجلـس التنسـيقي بيـن البلديـن لتطويـر علاقـات التعـاون الاقتصـادي إلـى المسـتوى ((( ريـان ذنـون محمـود العباسـي ،علاقـات دمشـق وبغـداد امـام تحـدي الثـورة السـورية ،مركـز الجزيـرة للد ارسـات23 ، أكتوبـر ،2011 ،ص.1 ((( صحيفة الواشنطن بوست ،وشبكة اسلام اون لاين ،وشبكة نبا للمعلومات org.annabaa.www
119 الاسـتراتيجي .بالإضافـة إلـى إعـان السـعودية فـي مؤتمـر إعـادة إعمـار العـراق الـذي اسـتضافته الكويـت فـي شـباط (فبرايـر) ،2018عـن تخصيـص 1.5مليـار دولار لمشـاريع إعـادة إعمـار العـراق ((( ،ولا تـزال العلاقـة بيـن الطرفيـن تتطـور علـى الرغـم مـن مختلـف العقبـات والتحديـات، لــذا فــان مســتقبل هــذه العلاقــة قــد تشــهد مراحــل انفــراج عديــدة بعــد ان يتــم احــداث بعــض التعديـات فـي سياسـات دول المنطقـة. امـا تركيـا فهـي وبغـض النظـر عـن العلاقـة السـابقة تبقـى محكومـة بقضيتيـن أساسـيتين: الاولـى هـي محاولـة ضمـان المصالـح الاقتصاديـة والسياسـية ،القضيـة الثانيـة تتعلـق بالجهـود التــي تبذلهــا السياســية الخارجيــة التركيــة لضمــان الــدور الإقليمــي لأنقــرة والتأســيس لتحالفــات وثيقـة مسـتثمرة الموقـع الجيواسـتراتجي بيـن الشـرق والغـرب وقدرتهـا علـى لعـب دور محـوري فـي الشـرق الأوسـط والخليـج العربـي .وفـي العـراق تهتـم السياسـة التركيـة بتحجيـم دور حـزب العمـال الكردسـتاني ( )PKKومـا تقـوم بـه هـذه المنظمـة مـن عمليـات فـي الداخـل التركـي ،ممـا ينعكـس سـلبيا وبـكل الأحـوال علـى السـيادة العراقيـة. و كانـت إيـران مـن ضمـن الـدول التواقـه للخـاص مـن النظـام السياسـي العراقـي السـابق وبمختلـف الطـرق فهـي مـن الـدول التـي كانـت تـأوي عناصـر المعارضـة الإسـامية العراقيـة الشـيعية تحديـداً ،إلا ان هـذا التغييـر المفاجـئ جعلهـا فـي تمـاس حـدودي مـع القـوات الامريكيـة المحتلــة خصوصــاً وهــي مــن الــدول التــي صنفتهــا الإدارة الإدارات الامريكيــة ،دولــة راعيــة للإرهـاب وضمـن قائمـة دول الشـر او المارقـة .لـذا عملـت إيـران علـى مسـارين :الأول السـيطرة علــى العــراق والقــرار السياســي الــذي بــدوره يحقــق لهــا مصالحهــا وأهدافهــا وفــق معطيــات ((( السـعودية والعـ ارق 2019 – 1979أربعـون عامـاً مـن تقلـب العلاقـات ...أيـن تقـف إيـ ارن؟،2019 /4 /18 ، arabic.euronews.com
120 المرحلـة وخطورتهـا ،والثانـي مـن حيـث افشـال هـذا النمـوذج بـكل الطـرق خشـية مـن ان تكـون هـي التاليـة ،وعليـه فـان الهاجـس الأمنـي لعـب دوراً كبيـراً عنـد صانـع القـرار الايرانـي طيلـة هـذه الفتـرة ،بالمحصلـة تمتلـك طهـران اليـد الطولـى بعـد ان سـيطر علـى السـلطة فـي العـراق مختلـف الأحـزاب المواليـة لهـا ،سـيما وانهـا لاتـزال تعمـل مـع ايـران وعلـى ذات الخـط السياسـي والديني.، كمـا كثفـت ايـران نشـاطها الاسـتخباري فـي العـراق للاسـتحواذ علـى مصـادر المعلومـات التـي تـدر عليهـا بالفائـدة فـي إدارة هـذا الملـف الحسـاس(((() .وتعمـل طهـران علـى تحقيـق مصالحهـا وفـق مبدأيـن أساسـيين :الأول تبنـي نظريـة الدولـة – الامـة ،التـي تـزاوج بيـن هذيـن المفهوميـن لاعتبـارات العمـل الدينـي والسياسـي معـاً مـن خـال طـرح مشـروع ولايـة الفقيـه الـذي يسـاهم وفـق تصورهـا فـي جعـل طهـران تتصـدر قيـادة هـذا العالـم .ان التفكيـر الاسـتراتيجي الإيرانـي يتضمــن عمليــة اندمــاج جميــع القــوى الإســامية تحــت لوائهــا ومــن خــال الارتبــاط المباشــر بطهـران والعمـل لرفـع شـعار محاربـة النفـوذ والتوسـع الأمريكـي(((() ،بالتالـي فـان ايـران كمـا هـي الـدول الأخـرى تعمـل علـى ان تكـون المسـيطر المطلـق للهيمنـة الإقليميـة التـي تسـاعدها للظهـور كدولـة عظمـى مـن خـال الهيمنـة علـى العـراق والـدول الأخـرى عبـر ادواتهـا السياسـية او العسـكرية فـي العـراق ولبنـان واليمـن وسـوريا. لقد استطاعت دول الجوار ان توظف كل ادواتها في سبيل امرين: الأول :الاخـال بالسـيادة العراقيـة والعمـل علـى اضعافـه بشـتى الطـرق خوفـاً مـن عودتـه إلــى لعــب دور محــوري ومؤثــر فــي السياســة الإقليميــة .بالمحصلــة تحــاول دول الجــوار ان لا ((( شـفيق ابـو منيجـل ،خلفيـات الموافـق الاي ارنيـة اتجـاه العـ ارق المحتـل :محاولـة لفهـم الواقـع ،مجلـة المسـتقبل العربـي، مركـز د ارسـات الوحـدة العربيـة ،بيـروت ،العـدد ،2005 ،316ص.43 ((( إب ارهيـم العبـادي ،الحشـد الشـعبي بيـن شـرعية الداخـل وجدليـة الخـارج ،مجلـة الـرواق ،مركـز رواق بغـداد للسياسـات العامـة ،بغـداد ،العـدد الأول ،كانـون الثانـي ،2020ص 15
121 ينهـض العـراق ويعيـد ترتيـب حسـاباته التاريخيـة والجغرافيـة. ثانيـاً :عمـل دول الجـوار علـى تحقيـق أهدافهـا مـن خـال الدفـاع عـن مصالحهـا سـواء فـي العـراق او خارجـه ،فبالرغـم مـن تبـدل الاحـداث وتحولهـا إلا ان دول جـوار العـراق تركـز علـى مشـاريعها التـي مـن خلالهـا تسـتطيع ان تخلـق نـوع مـن التـوازن فـي المنطقـة يخدمهـا بالدرجـة الاسـاس. ثانياً :اختلالات وتحديات العملية السياسية مـا مـن مراقـب او متابـع او باحـث فـي الشـأن العراقـي لـم يتطـرق او يتعـرف علـى الطريقـة التـي تمـت بموجبهـا تأسـيس العمليـة السياسـية مـن قبـل الحاكـم المدنـي بـول بريمـر او كمـا اسـماه البعــض بالحاكــم الأعلــى صاحــب الصلاحيــات المطلقــة .وفــي البدايــة فــإن صلاحيــات الحاكــم المدنـي بالرغـم مـن انهـا سـاهمت فـي عرقلـة العمـل السياسـي العـراق إلا ان هـذا لا يعنـي ان القـوى التـي دخلـت العـراق مـع القـوات المحتلـة ليـس لهـا ذات النصيـب مـن التعثـر وسـوء الإدارة بجانـب الرضـا عـن الإجـراءات التـي اتخذتهـا الإدارة الامريكيـة فـي العـراق .لكـن اسـاس المشـكلة فـي العـراق تبقـى فـي سياسـة الولايـات المتحـدة التـي لـم ترتضـي ان تشـارك احـداً فـي القـرارات المصيريـة التـي اتخذتهـا ،لاعتبـارات تتعلـق بتفكيـك وبنـاء الدولـة الجديـدة بالإضافـة إلـى الخـاف بيـن واشـنطن والأمـم المتحـدة المتمثلـة بممثـل الأميـن العـام سـيرجيو ديميلـو والـذي حـاول بشـتى الطــرق الاســتئثار بــكل مــا لــه علاقــة بالدولــة العراقيــة إلــى طريــق مســدود بمختلــف الملفــات سـواء السياسـية وقضيـة الانتخابـات او الاقتصاديـة وطريقـة بنـاء أرضيـة اقتصاديـة وحتـى طريقـة تعامـل قـوات الاحتـال مـع المواطنيـن فـي العـراق ،فهـي بالمباشـر لـم تأتـي إلـى العـراق لأجـل تغييـر نظـام وإرسـاء دعائـم الديمقراطيـة وحقـوق الانسـان انمـا وبفعـل الأوامـر الصـادرة منهـا وبموافقـة القـوى الحزبيـة العراقيـة التـي دخلـت معهـا.
122 كان العمـل واضحـاً فـي اسـتهداف تفكيـك الدولـة العراقيـة ومؤسسـاتها مـن الجـذور عبـر قـرارات وعمليـات حـل وتصفيـة مؤسسـات الدولـة ،ممـا افـرغ الدولـة مـن محتواهـا السياسـي والاقتصـادي والاجتماعـي ،ولكـي يبـدأ العمـل مـن أجـل تأسـيس نظـام مختلـف يتوافـق مع مقاسـات الاحتـال الأمريكـي ،ممـا تطلـب تنسـيق العمـل المشـترك بيـن القـوى السياسـية القادمـة مـع قـوات الاحتـال .ومنـذ اليـوم الأول لدخـول هـذه القـوات لـم تلتـزم بمبـادئ القانـون الدولـي ولا بالنصوص التـي تجعـل مـن الدولـة المحتلـة كفيلـة بحفـظ الامـن والنظـام داخـل الدولـة المحتلـة ،وحصـل مـا ارادتـه إدارة الرئيـس جـورج بـوش الابـن مـن تقويـض النظـام السياسـي العراقـي فـي مـدة قياسـية لـم تكـن متوقعـة ،فكانـت امـام اختبـار كبيـر وخطيـر ،فهـي تـارة تبشـر بنظـام ديمقراطـي ليبرالـي جديـد مختلـف بالتالـي ينبغـي لهـذا النظـام ان يؤسـس مـن خـال انتخابـات حـرة وعادلـة ونزيهـة، وإدارة عادلـة وشـفافة لمؤسسـاته وكل تشـكيلاته ،وان يلتـزم بسياسـات اقتصاديـة ليبراليـة أساسـها السـوق ،إلـى جانـب سـلوك معتـدل ومسـتقل فـي سياسـته الخارجيـة وتعاملاتـه مـع الـدول بمـا فـي ذلـك إسـرائيل ،وان يكـون بعيـداً عـن التطـرف والأيديولوجيـات المنحرفـة والمتطرفـة كالنزعـات الإسـامية والقوميـة((( .هـذا مـا ارادتـه الولايـات المتحـدة للعـراق الجديـد او النمـوذج الـذي بشـرت بـه العراقييـن قبـل العالـم ،وسـارت وفـق خطـط وقـرارات بقيـت سـارية المفعـول لغايـة اليـوم .ومـا يعانيـه العراقييـن اليـوم منمشـكلات وتحديـات كبـرى سـببه التخطيـط الـذي كان يرضـي بالدرجـة الأسـاس الأحـزاب ضمـن مشـروع العمليـة السياسـية والتـي اسـتهدفت مجموعـة مـن الاجـراءات: .1حــل الجيــش العراقــي والمؤسســات الأمنيــة مــن قبــل الحاكــم المدنــي ،بالرغــم مــن اعتـراض الأوسـاط والأطـراف العراقيـة المسـتقلة والتحذيـر مـن النتائـج الكارثيـة لهـذا القـرار الـذي سـوف يحـول ألـوف مـن منتسـبي هـذه المؤسسـات إلـى عاطليـن عـن العمـل ومـن ثـم مقاتليـن ((( مايـكل هدسـون ،سـيناريوهات سياسـية لعـ ارق مـا بعـد الاحتـال ،العـ ارق :الغـزو -الاحتـال -المقاومـة ،مركـز د ارسـات الوحـدة العربيـة ،الطبعـة الأولـى ،بيـروت ،كانـون الأول /ديسـمبر.2003 ،
123 ضـد مشـروع الاحتـال الأمريكـي. .2تشــكيل مجلــس الحكــم الانتقالــي فــي 22تمــوز 2003م ايضــاً وبقــرار مــن ســلطة الائتـاف ،والـذي منـح بموجبـه سـلطات جزئيـة او محـدودة فـي إدارة شـؤون العـراق ،والتـي لـم تشـمل الإطـار الأمنـي عـل سـبيل المثـال .وتكـون هـذا المجلـس مـن مـن ( )25عضـواً وينتخـب منهـم رئيـس لـكل شـهر ،يمثلـون الأحـزاب والكتـل التـي كانـت فـي المعارضـة ،وفقـا للمحاصصـة الدينيـة والقوميـة والمذهبيـة ،والمفارقـة ان حميـد مجيـد موسـى سـكرتير الحـزب الشـيوعي العراق لـم يتـم اختيـاره ممثـا عـن الحـزب الشـيوعي وإنمـا علـى اسـاس انتمائـه المذهبـي .لقـد عكسـت تشـكيلة المجلـس هشاشـة العمليـة السياسـية وطبيعـة قراراتـه التـي اتخذهـا مباشـرة بعـد تأسيسـه: -أصـدر المجلـس قـراره المرقـم ( )137فـي كانـون الثانـي عـام 2003م الـذي بموجبـه حـاول ان يلغـي قانـون الأحـوال الشـخصية الصـادر عـام 1959ويقتضـي ان تكـون إجـراءات الأحـوال الشـخصية كل حسـب دينـه ومذهبـه. -تغييـر العلـم العراقـي بعـد طـرح عـدة نمـاذج لا تمـت بحضـارات وتاريـخ العـراق بصلـة، انمـا لإرضـاء هنـا وتسـوية هنـاك ،ممـا اثـار لغـط الشـارع وغضبـه .بالنهايـة تـم الاعتـراض علـى الاشـكال والرسـومات التـي تـم عرضهـا وتـم الاكتفـاء برفـع النجـوم الثـاث. -الاعـداد للدسـتور والتمهيـد للانتخابـات التـي لازال العـراق يعانـي مـن كليهمـا ،فالدسـتور لا تـزال القـوى الحزبيـة تعمـل علـى عـدم الالتـزام بفقراتـه لا بـل تحـاول بيـن الحيـن والأخـر تغييبـه ،والانتخابـات لا تـزال غيـر منتجـة حتـى وصـل الحـال إلـى عـزوف اعـداد كبيـرة مـن الشـعب عـن الانتخابـات الأخيـرة التـي سـجلت أدنـى نسـب للمشـاركة. ومنــذ ذلــك التاريــخ والأطــراف الحزبيــة الحاكمــة غيــر قــادرة علــى إيجــاد تــوازن فــي
124 العلاقـة فيمـا بينهـا والحقيقـة ان الأحـزاب الحاكمـة لـم تلجـأ إلـى التنافـس السياسـي المنتـج الباحـث عـن المصلحـة الوطنيـة بـل كان هنـاك صـراع حزبـي أُسـس لـه منـذ تشـكيل مجلـس الحكـم ولغايـة اليـوم ،سـيما وإنهـا عملـت علـى تحقيـق مكاسـبها بغـض النظـر ان كانـت تصـب للمصلحـة العامـة ام لا ،وبعـد هـذه السـنوات الطـوال مـن عمـر هـذه العمليـة لـم يكـن هنـاك منجـزات علـى ارض الواقـع ،وكل مـا منـح للعـراق هـو درجـات متقدمـة مـن الفسـاد والمحاصصـة ،ومدنـا مدمـرة لا تصلـح للعيـش بسـبب تـردي الوضـع الأمنـي والخدمـي ،فـكل مـا يعيشـه المواطـن العراقـي هـو تراكمــات للسياســات التــي ارتكــزت علــى عوامــل وأدوات غيــر منطقيــة ،أوصلــت البــاد إلــى مرحلـة حرجـة مـن الانهيـار الأمنـي والتدهـور الاقتصـادي ،فضـاً عـن أزمـات حرجـة حاليـة جــ ّراء جائحــة فيــروس كورونــا العالمــي ،مقابــل ضعــف القطــاع الصحــي العراقــي وهبــوط أسـعار النفـط ،الـذي يهـدد بانهيـار اقتصـاد البـاد بسـبب الاجـراءات الحكوميـة التـي امـا تعمـل علـى عامـل الوقـت الـذي بـكل الاحـوال لا يسـعف او تعمـل علـى تمييـع القضايـا الاساسـية. لقـد بقيـت العمليـة السياسـية فـي العـراق رهينـة التوجهـات الحزبيـة التـي سـاعدت علـى اظهــار العديــد مــن المعضــات والمشــاكل التــي اعاقــت بــكل تأكيــد ان تســير وفــق الحســابات المنطقيـة او العقلانيـة ،فقـد افتقـرت العمليـة السياسـية العراقيـة إلـى اهـم مقومـات النجـاح سـواء فـي عمليـة بنـاء الدولـة او ادارة شـؤونها بعـد ان تقطعـت الطـرق امـام الذيـن كانـوا مـن المرجـح ان يكونـوا شـركاء إلـى خصـوم دفعـت صراعاتهـم إلـى ان تصبـح الدولـة ومؤسسـاتها رهينـة المـال والاسـتحواذ علـى السـلطة ،فالسـمة الغالبـة التـي باتـت واضحـة للجميـع ان هنـاك فشـاً كبيـراً فـي إدارة العلميـة السياسـية فـي كل التفاصيـل ابتـدا ًء مـن الانتخابـات المشـكوك فـي صناديـق اقتراعهـا انتهــا ًء بالبرامــج الحكوميــة التــي مــا ان يتــم الانتهــاء مــن قراءتهــا حتــى تركــن علــى الــرف، بالإضافـة إلـى قضيـة السـاح المنفلـت الـذي بـات يتحكـم بمجمـل القـرارات السياسـية والاقتصاديـة
125 وبـات قـوة ترتكـز عليهـا القـوى الحزبيـة بعـد ان اصبـح بينهـا وبيـن الشـعب بـون شاسـع يتضمنـه عـدم ثقـة عـا ٍل. المبحث الثاني الهوية الوطنية واضمحلال هيبة الدولة اولاً :الهوية الوطنية العراقية الهويـة الوطنيـة العراقيـة لهـا حصـة الأسـد مـن الضـرر الـذي أصـاب العـراق ككل فقـد عانـت مـن هجـوم عنيـف وخطيـر فـي سـبيل القضـاء عليهـا وانهـاء كل تأثيـر لهـا بالنسـبة للمواطـن بالدرجـة الأسـاس ،فالاحتـال لـم يسـاهم فـي تدميـر الدولـة ونسـف مؤسسـاتها لا بـل سـاعد علـى دعـم الفواعـل التـي سـارت نحـو القضـاء علـى الشـعور بالهويـة الوطنيـة مـن خـال الخطابـات التـي باتـت تنـادي بحقـوق دينيـة ومذهبيـة وقوميـة ،منطلقـة مـن الفرعيـات التـي بالضـرورة تعمـل علـى تحطيـم الهويـة الجامعـة ،لـذا اسـتمر الصـراع فـي العـراق بيـن الهويـات الفرعيـة والهويـة الوطنيـة .هـذا الصـراع الـذي انتهـى فـي مرحلـة معينـة الـى نجـاح فكـرة الهويـة الفرعيـة فـي ان تكـون حاضـرة وتلعـب دوراً فـي زعزعـة السـلم المجتمعـي العراقـي بعـد الدعـم الـذي تلقتـه مـن الخـارج او مـن الداخـل وبعـد ان أصبحـت الأحـزاب الأدوات الأساسـية فـي اذكاء نـار الفتـن الطائفيـة والتمييـز المذهبـي التـي كان المواطـن وقودهـا. احـداث كثيـرة كانـت لهـا الـدور فـي التحضيـر لان يكـون الشـارع العراقـي علـى موعـد مـع صـراع الهويـات التـي تخنـدق خلفهـا العديـد مـن النـاس خوفـاً مـن خطـر الهويـات المضـادة ،وكان الخطـاب الدينـي (الشـيعي – السـني) محرضـاً مـن خـال خطبـاء المنابـر المرتبطيـن بأجنـدات خارجيـة الذيـن سـاهموا ايضـاً مـن خـال فكـرة خلـق التـوازن التـي تحـدث عنهـا الكثيريـن ،إلـى
126 جانـب قيـام الاحتـال بتقسـيم المناطـق حسـب الطوائـف ،مناطـق سـنية ومناطق شـيعية ايضاً سـاعد علـى تمزيـق النسـيج الاجتماعـي ،وبالرغـم مـن ان هنـاك العديـد مـن العراقييـن كانـوا رافضيـن لهـذه الفكـرة ،أي رفـض الذهـاب للحـرب الطائفيـة وشـرعنة مشـروع التقسـيم الأمريكـي للعـراق (((() الـذي يعـد غيـر مقبـول مـن قبـل العراقييـن .وبالرغـم مـن التعدديـة الدينيـة التـي يمتـاز بهـا العـراق والتـي تشـكل بالضـرورة مصـدر قـوة وركيـزة أساسـية لبنـاء دولـة المواطنـة ،إلا ان هـذا التنـوع اصبـح دليـل علـى التشـظي وعـدم الاتفـاق والالتقـاء بيـن الـوان المجتمـع الواحـد ،وبـات الحديـث عـن مكسـب لهـذه الطائفـة واسـتحقاق لهـذا المكـون بديهيـة النظـام السياسـي بالمحصلـة والــذي شــكل صــورة جديــدة للخارطــة الاجتماعيــة العراقيــة بعــد العــام .)((((2003لــذا ،يبــدو ان الصـراع الهوياتـي الفرعـي قـد طغـى علـى مجمـل سـمات الهويـة الوطنيـة ومسـالة الانتمـاء للوطـن الواحـد وأعطـى تصـوراً ايضـاً للجميـع ان هـذه الفرعيـات المذهبيـة والعرقيـة لـم تكـن وليـدة الاحتـال انمـا كانـت اشـبه بالخلايـا النائمـة فـي داخـل المجتمـع العراقـي. فمـن خـال الهويـة الوطنيـة يمكننـا تحديـد طبيعة وشـكل النظـام السياسـي ومعتقداته وانسـاقه وايضـاً منطلقاتـه التـي تحـدد حتمـاً الخطـط والتوجهـات التـي على أساسـها يسـير المجتمـع والدولة، امـا نحـو علاقـات منفتحـة يتعامـل مـن خلالهـا بانسـيابية عاليـة وعقلانيـة مبنيـة عـل اسـتراتيجية المعرفـة بالمعطيـات والاحـداث ،وامـا يسـير وفـق قياسـات العقـل المنغلـق الـذي لربمـا يميـل بيـن ((( تبنـى مجلـس النـواب الأمريكـي قـ ارر فـي 14أيلـول مـن عـام 2007تقسـيم العـ ارق إلـى ثلاثـة كيانـات (شـيعية – سـنية – كرديـة) مـع وجـود حكومـة مركزيـة تديـر شـؤون أمـن الحـدود والمـوارد النفطيـة ،وكان رفـض « بـوش الابـن» لهـذا القـ ارر مـن دعـوى ان المتطرفيـن السـنة سـيخلقون المشـاكل والص ارعـات مـع المتطرفيـن الشـيعة ام الاكـ ارد ينشـب بينهـم وبيـن سـوريا وتركيـا ص ارعـاً اخـر ،احمـد نـوري النعيمـي ،عمليـة صنـع القـ ارر ،مصـدر سـبق ذكـره ،ص .77 ((( عبد الحسين شعبان ،ص ارع او جدل الهويات في الع ارق ،مجلة المستقبل العربي ،بيروت ،2009 ،ص .145
127 الحيــن والأخــر صــوب اتجاهــات محوريــة .ان مشــكلة الهويــة العراقيــة إلــى جانــب التداخــات الاجتماعيـة والسياسـية ارتبطـت بالتأثيـر أو بالتدخـل الااقليمـي مـن خـال القـوى المتحكمـة فـي النظـام السياسـي ومـن خـال تعامـل شـرائح المجتمـع العراقـي بـدلالات الديـن والطائفـة والقوميـة وتجريدهـا مـن هويتهـا الوطنيـة الشـاملة (((() .لـذا يواجـه المجتمـع العراقـي حـوارات وسـجالات حـول الهويـة تعمقـت بشـدة فـي مرحلـة مـا بعـد عـام 2003م والتـي جعلـت مـن قضيـة الهويـة الوطنيـة همـاً يشـغل الجميـع. ثانيا :ضرورات بناء الهوية الوطنية العراقية يتطلــب بنــاء الهويــة الوطنيــة تبنــي الأحــزاب ومنظمــات المجتمــع المدنــي والســلطات المختصــة مجموعــة مــن الإجــراءات والسياســات والتشــريعات وفــق الآتــي (((: .1اصلاح البرلمان واخراجه من التخندق والذي أصبح واحد من سماته. .2تبنـي الأحـزاب السياسـية عمليـة بنـاء الهويـة الوطنيـة والدولـة المدنيـة وضـرورة ابعـاد الأحـزاب القائمـة علـى تكريـس ثقافـة التمييـز الطائفيـة والسياسـية والتوجهـات الضيقـة. .3تنميــة الشــعور الوطنــي مــن خــال وضــع برامــج سياســية وثقافيــة تدعــو للتعايــش الســلمي والشــراكة والتــداول الســلمي للســلطة والمواطنــة. .4التثقيـف والعمـل علـى خلـق أجـواء تدعـوا للأيمان بثقافـة التعددية السياسـية والاجتماعية والثقافيـة وقبـول الاخر. ((( عبيـر سـهام مهـدي وعمـار حميـد ياسـين ،إشـكالية الهويـة فـي العـ ارق :رؤيـة فـي التحديـات ومسـتقبل بنـاء هويـة وطنيـة ع ارقيـة بعـد العـام ،2003المجلـة السياسـية والدوليـة ،كليـة العلـوم السياسـية ،الجامعـة المسـتنصرية ،بغـداد، السـنة التاسـعة ،2015 ،ص .404 ((( المصدر نفسه ،ص .411
128 .5ضــرورة وجــود دولــة مؤسســات والفصــل بيــن الســلطات واحتــرام حقــوق الانســان وضمــان الاســتقرار فــي والتــوازن لتحقيــق اهــداف النظــام السياســي. ان مـا يحتاجـه العـراق اليـوم هـو الحفـاظ علـى هويتـه الوطنيـة التـي تُعـد بالدرجـة الأسـاس الوجـه العملـي لقوتـه الذاتيـة وفـي تكاملـه الاجتماعـي عبـر التاريـخ ،وان مـا يتضمنـه مـن مكونـات مجتمعيـة تجسـد بالضـرورة هويتـه الثقافيـة والحضاريـة ،لـذا ،يبـدو العـراق اليـوم بحاجـة إلـى الرجـوع إلـى وحـدة مكوناتـه عبـر صياغـة مشـروع عملـي ثقافـي للمعاصـرة والعيش المشـترك(((. ان تعزيــز الهويــة الوطنيــة العراقيــة يتطلــب تهيئــة كافــة الشــروط الضروريــة لتمتيــن عوامــل الوحـدة الاجتماعيـة والتوافـق مـن خـال ترسـيخ الانتمـاء الوطنـي العراقـي ،بعـد المضـي نحـو تنقيـة الهويـة الوطنيـة وانتشـالها مـن حالـة الصـراع مـع الهويـات الطائفيـة والعرقيـة الفرعيـة، وتنشــيط الوســائل التــي تعمــل علــى عــدم الخلــط بيــن مــا يتمتــع بــه العــراق مــن تنــوع ثقافــي واجتماعـي داعـم للوحـدة الوطنيـة وبيـن الخلافـات السياسـية والمذهبيـة التـي القـت بظلالهـا نحـو تمزيـق الوحـدة الوطنيـة وتكريـس التخلـف والتجـزأة والصراعـات ممـا يفـكك مجمـل الانسـجام المجتمعــي ،لــذا يفتــرض توافــق جميــع الجهــود نحــو توفيــر المنــاخ الملائــم للتفاعــل والشــراكة والتعـاون بيـن كافـة الـوان الوطـن((((). ثالثا :مخاطر الدولة العميقة وازدواجية السلطة ان هـذا المفهـوم قـد يكـون جديـداً علـى مسـامع العراقييـن تحديـدا ً،كونـه مفهـوم لا يحمـل أي صفـة او تعريـف بالنسـبة لهـم بالرغـم مـن تداولـه وتنفيـذه علـى ارض الواقـع فـي اكثـر مـن ((( ميثم الجنابي ،الهوية الع ارقية ومشروع البديل الوطني :إشكالية البديل الع ارقي ومشروع العيش المشترك alyasaraliraqi.net ((( أثيـر ناظـم الجاسـور ،الإرهـاب ومرتكـ ازت الامـن الوطنـي الع ارقـي ،المجلـة السياسـية والدوليـة ،كليـة العلـوم السياسـية ،الجامعـة المسـتنصرية ،بغـداد ،السـنة التاسـعة ،العـددان ( ،2015 ،)29 – 28ص .340
129 دولـة ونظـام سياسـي فـي العالـم ،والمشـاهد السياسـية سـواء الدوليـة والإقليميـة تحدثنـا عـن مفهـوم الدولـة العميقـة وتطبيقاتهـا ،وقـد ظهـر هـذا المفهـوم بعـد ان أصبحـت كل المؤشـرات تشـير ان الدولـة فـي العـراق تعانـي مـن تغييـب مسـتمر وعلـى كل الأصعـدة ،ممـا كـرس ضعـف وهشاشـة دور الدولــة فــي ضمــان الاســتقرار والتنميــة والأمــن ،وتشــير المخرجــات غيــر منطقيــة وغيــر العقلانيـة للنظـام السياسـي والاقتصـادي لمحدوديـة دور الدولـة فـي ضمـان الاسـتقرار والتـوازن وضعــف عمليــة التفاعــل مــع القضايــا والتحديــات الرئيســة التــي يواجههــا المجتمــع ،ويبــدو ان سياسـة وعمليـة التغييـب او الاضمحـال لـدور الدولـة والمؤسسـا المختلفـة قـد بـدأت علـى مراحـل متعـددة سـواء الاقتصاديـة منهـا او السياسـية. ان مفهـوم الدولـة العميقـة ،بالرغـم مـن ضبابيتـه علـى اعتبـاره يتضـارب مـع عـدد مـن المفاهيـم السياسـية ،إلا انـه بـات حقيقـة فـي بعـض الـدول ،فالباحثيـن والدارسـين يجـدون نـوع مـن التعقيـد والتشـابك إذا مـا أرادوا ان يميـزوا بينـه وبيـن حكومـة الظـل ،مـع أن المقارنة بين الأسـاليب والأدوات بينهمـا قـد تكـون مختلفـة .ويشـير مفهـوم الدولـة العميقـة الـى مجموعـة خفية مـن الفاعلين والمؤسسـات غيـر الرسـمية المتسـربة داخـل أجهـزة الدولـة الواسـعة النطـاق والظاهـرة للعيـان، علـى اعتبـار ان هـذه الفواعـل لا تعتـرف بـدور اساسـي للحكومـة او قدرتهـا علـى إدارة الشـؤون العامـة ،لـذا قـوى الدولـة العميقـة تعمـل فـي العمـوم علـى إرسـاء قواعـد مختلفـة يتضمنهـا نـوع مـن القسـر والعنـف بدعـوى حمايـة الدولـة مـن التآمـر الخارجـي والداخلـي ((((). وقــد يذهــب اكثــر الباحثيــن علــى ان الدولــة العميقــة تقتصــر علــى المؤسســات الأمنيــة والعسـكرية ،ومـع مراقبـة مختلـف التجـارب نجـد فيهـا جانبـاً مـن الصـراع بيـن الدولـة واللادولـة ((( باتريـك اونيـل ،الدولـة العميقـة :المفهـوم الناشـئ فـي علـم السياسـة المقـارن ،ترجمـة الحسـن مصبـاح ،سياسـات عربيـة ،العـدد ،2018 ،30ص .84
130 أي صـراع بيـن ايديولوجيـات ومعتقـدات مختلفـة تنعكـس خلـق ازدواجيـة فـي مركـز صانـع القرار ووحدتـه القراريـة ،وقـد رأى جيمـس كوربـت« :ان الدولـة العميقـة أو حكومـة الظـل أو الفـرق السـرية جميعهـا تشـير إلـى نفـس الظاهـرة وهـي وجـود مجموعـة غيـر منتخبـة ،غيـر خاضعـة للمسـاءلة ،وغيـر معروفـة إلـى حـد كبيـر ،تحتمـي وراء الحكومـة المرئيـة ،أي الحكومـة الشـرعية، وتسـعى إلـى تحقيـق أهدافهـا الخاصـة» .أمـا جـورج فريدمـان فيـرى :ان الدولـة العميقـة تتمثـل فـي مجموعـة مـن «القـوى تحـت النظـم والمبـادئ التـي يمليهـا الدسـتور وهـي أعمـق وأقـوى فـي السـيطرة علـى الأمـة مـن النظـام حيـث أنهـا تكـون موحـدة ومتأصلـة فـي كافـة أجهـزة الدولـة، كمـا أن لهـا جـدول أعمـال خـاص بهـا ووسـائل لتقويـض قـرارات الرؤسـاء المنتخبيـن وأعضـاء البرلمـان ،وتسـتمد قوتهـا مـن السـيطرة علـى آليـات السـلطة لكونهـا غيـر مرئيـة»((((). ويبــدو ان هــذه القــوى الخفيــة تمتلــك بالضــرورة وســائل وادوات ومميــزات للتحكــم فــي السـلطات التشـريعية والتنفيذيـة والقضائيـة .ان مفهـوم الدولـة العميقـة يدخـل حيـز التفكيـر ليظهـر علـى ارض الواقـع فـي النظـم السياسـية والـذي يتسـم بمجموعـة خصائـص قـد تـم تحديدهـا مـن حيـث (((() :الغمـوض والسـرية؛ كيـان غيـر قانونـي؛ حمايـة وتحقيـق مصالحهـا؛ تشـابك المصالـح؛ تحالـف واسـع النطـاق؛ ازدواجيـة العمـق. وفـي العـراق اختلـف المفهـوم فـي تفاصيـل معينـة ،لكنهـا مهمـة بـذات الوقـت ،مـن خـال العمـل علـى اضعـاف هيبـة الدولـة والتركيـز علـى هـذه القضيـة منخـال التأكيـد علـى الجانـب المتعلـق بتعميـق الإرادة الداخليـة الباعثـة علـى انهـاء دور الدولـة فـي ضمـان الامـن والاسـتقرار والتنميـة ،كمـا قمـت قـوى وأحـزاب الدولـة العميقـة بدعـم اسـتراتيجية الهيمنـة علـى الدولـة عبـر ((( ريـم احمـد عبـد المجيـد ،نحـو تأصيـل نظـري لمفهـوم «الدولـة العميقـة» ،المركـز العربـي للبحـوث والد ارسـات، د ارسـاتwww.acrseg.org ،2018 ، ((( المصدر نفسه.
131 التعــاون وتنســيق الجهــود مــع القــوى مــن خــارج الحــدود الإقليميــة والدوليــة ،لان قــوة الدولــة بالضـرورة لا تصـب فـي مصلحـة الأطـراف الفاعلـة فـي الدولـة العميقـة فـي العـراق مـا بعـد 2003م. لقــت لعبــت القــوى السياســية التــي لاتؤمــن بالدولــة المدنيــة الديمقراطيــة دورا خطيــرا لتأسـيس مشـروع الدولـة العميقـة الـذي أثـر فـي ترسـيخ جملـة مـن المفاهيـم السياسـية والاقتصاديـة والاجتماعيــة ،كمــا ســاعدت أدوات الدولــة العميقــة ،السياســية والأمنيــة ،علــى ان يكــون للدولــة الوطنيــة أدوار هامشــية غيــر مجديــة فــي إدارة الشــؤون الداخليــة والخارجيــة للعــراق ،بعــد ان أسسـت المحاصصـة الطائفيـة والتمييـز المذهبـي الأرضيـة الممهـدة لنشـؤها واسـهمت ايضـاً فـي بنـاء منظومـة الفسـاد المالـي والإداري كركـن مـن أركانهـا .فقـد عملت الأحـزاب السياسـية الحاكمة علـى ان تكـون لهـا سـيطرة ونفـوذ فـي كافـة مؤسسـات الدولـة الرسـمية وحتـى المؤسسـات غيـر الرسـمية مـن خـال سـيطرة المـال والسـاح المنفلـت وجميـع الأدوات التـي تقـع خـارج إطـار القانـون والدولـة. رابعاً :هيمنة قوى الدولة العميقة على المؤسسات الأمنية لقــد عملــت الأحــزاب السياســية والقــوى المســاندة لمفهــوم الدولــة العميقــة علــى التوغــل وبســط الســيطرة علــى الجيــش والمؤسســات الأمنيــة ،بعــد ان اتضــح ان هــذه الأجهــزة ملؤهــا (فضائييـن) وهـي التسـمية التـي تـم اطلاقهـا علـى المنتسـبين الوهمييـن لهـذه الأجهـزة ،لغـرض الاسـتحصال علـى مرتبـات هـذه الأسـماء ،وكان هـذا نـوع مـن أنـواع الفسـاد المالـي فـي الأجهـزة الأمنيـة والتـي أشـار اليهـا فـي العديـد مـن كلماتـه رئيـس الـوزراء العراقـي السـابق حيـدر العبـادي. لقـد عانـت المؤسسـات الأمنيـة مـن سـيطرة الأحـزاب والفواعـل غيـر الرسـمية عليهـا ،ممـا انتـج أجهـزة ضعيفـة غيـر قـادرة علـى تحمـل المسـؤولية لسـببين :الأول ،عـدم قـدرة الأجهـزة علـى
132 تنفيـذ القانـون علـى الجميـع ،بسـبب غيـاب الأخيـر وسـيطرة ونفـوذ الأحـزاب واجنحتهـا المسـلحة، وعـدم جديـة الأجهـزة الأمنيـة علـى تطبيـق القانـون ،بجانـب الأعـراف الاجتماعيـة والعشـائرية التـي تحـول دون ذلـك ،الثانـي ،بُنيـت هـذه الأجهـزة وفـق مفهـوم المحاصصـة وتوزيـع المغانـم والمكاسـب ،ممـا انتـج طبقـة نفعيـة داخـل هـذه المؤسسـات تعمـل لمصلحـة الأحـزاب والتيـارات المهيمنـة علـى العمليـة السياسـية ،ممـا أدى الـى ضيـاع ثلـث أراضـي العـراق فـي حزيـران عـام ٢٠١٤م بيـد تنظيـم دولـة الخلافـة الإرهابـي (داعـش). بجانـب الهيمنـة علـى المؤسسـات الأمنيـة ،لـم تسـلم ايـة مؤسسـة مـن مؤسسـات الدولـة مـن عمليــة الاختــراق وزرع العيــون والاعــوان والمؤيديــن وخلــق فــرق موازيــة داخــل المؤسســات تعمـل علـى تحقيـق مصلحـة هـذا الحـزب او ذاك .فكمـا هـو متعـارف عليـة فـان المؤسسـات يتـم توزيعهـا مـع الانتخابـات وفـي الغالـب تحـدد المؤسسـات وعمليـة توزيعهـا بيـن الأطـراف دون اســتثناء وفــق نظــام الحصــص الطائفيــة والعرقيــة الــذي أسســته الولايــات المتحــدة منــذ اليــوم الأول لاحتلالهـا للعـراق ،وبالتالـي فـان المؤسسـات تعكـس مـن خـال عملهـا المنطلقـات الفكريـة والنسـقية للحـزب الـذي يتولـى ادارتهـا وليـس لفكـرة بنـاء الدولـة وادرة شـؤونها. وبالمحصلـة فـان مخرجـات فكـرة اضعـاف الدولـة الوطنيـة انتـج مؤسسـات مترهلـة غيـر قـادرة علـى ان يكـون لهـا مرجعيـات عمليـة مدنيـة منطقيـة مؤسسـاتية تعمـل وفـق سلسـلة منتظمـة مـن التواصـل والتشـارك والتكامـل ،وبالتالـي استشـرى الجهـل والتخلـف والبطالـة وسـوء الخدمـات والفقـر .فالعـراق بفعـل سياسـات الهيمنـة للدولـة العميقـة علـى مختلـف مفاصـل الدولـة ،اصبـح يفتقـر للمؤسسـات الدسـتورية الحقيقـة التـي تسـاعد علـى بنـاء دولة مسـتقلة قـادرة على إدارة شـؤون المواطنيـن وتلبيـة المطالـب والحاجـات الاقتصاديـة والاجتماعيـة والإنسـانية .ان فقـدان السـيطرة علـى مختلـف المؤسسـات وبالخصـوص المؤسسـات القضائيـة والهيئـات المسـتقلة الأخـرى ،ممـا
133 دفـع لاطـاق توصيـف الدولـة الفاشـلة علـى العـراق. كمـا اسـتطاعت الأحـزاب ان تهيمـن علـى جانـب مهـم مـن جوانـب التأثيـر سـواء السياسـي والاجتماعـي المتمثـل بالأعـام والقنـوات الفضائيـة والإعلامييـن مـن خـال امتـاك هـذه القنـوات مـن قبـل الأحـزاب او الشـخصيات الحزبيـة ،فلـكل حـزب وتيـار وحركـة سياسـية قنـاة فضائيـة تطـرح برامجهـا وأهدافهـا وتوجهاتهـا وبمسـميات مختلفـة ،بالإضافـة إلـى جيـوش مـن المحلليـن والمراقبيـن الذيـن ينتمـون لهـذه الجهـة او تلـك .ناهيـك عـن الأكاديمييـن والمثقفيـن العضوييـن، بالإضافــة الــى احتــال مســاحة كبيــرة فــي السيوشــيال ميديــا مــن خــال مــا يعــرف بالجيــوش الالكترونيـة التـي تعمـل دون ملـل وبتمويـل مسـتمر لأغـراض مختلفـة بالأسـاس ،بهـدف اضعـاف مؤسسـات الدولـة وسـيادة الهويـات الفرعيـة المذهبيـة والعرقيـة ،الدينيـة والسياسـية والاجتماعيـة، ممـا يقـوض باسـتمرار الهويـة الوطنيـة العراقيـة للدولـة. الخاتمة اســتطاعت الأحــزاب العراقيــة وبمســاعدة دول الجــوار والولايــات المتحــدة الامريكيــة ان يجعلــوا مــن العــراق ودولتــه الوطنيــة اضعــف مــن ان تكــون جــزء مــن المعادلتيــن الإقليميــة والدوليـة وتحولـه إلـى أداة او وسـيلة .فالمصلحـة الوطنيـة العراقيـة باتـت ايضـاً مـن الماضـي بعـد ان طغـى علـى تفكيـر صانـع القـرار فكـرة الفرعيـات السياسـية والهوياتيـة ،والعمـل علـى تعزيـز الجزئيـات التـي أُسـس لهـا داخليـاً وخارجيـاً بعـد ان أصبحـت سياسـة الميـول والمحـاور أسـاس السياسـة العراقيـة .لـذا ،وبالمحصلـة فـان الدولـة فـي العـراق أصبحـت رهينـة الصـراع الحزبـي الـذي بُنـي منـذ بدايـة تأسـيس العمليـة السياسـية عـام ٢٠٠٣م ،علـى ان يكـون موقـع الدولـة الوطنية ثانويـا فـي برامـج العمـل والاهـداف السياسـية للأحـزاب ،لـذا اقتصـر مجـال الدولـة ودورهـا علـى الخطـب والمراسـيم والمحافـل الدوليـة.
134 واذا مـا لاحظنـا سـير عمـل الحكومـات العراقيـة ،سـنجد انهـا تسـير وفـق اسـتراتيجيات عالــم اللســانيات الأمريكــي نعــوم تشومســكي العشــرة ،والتــي ســميت الاســتراتيجيات العشــرة للتحكـم بالشـعوب ،واسـتطاعت ايضـاً الطبقـة الحزبيـة الحاكمـة ان تجعـل مـن المجتمـع العراقـي منقسـم بيـن مؤيـد ومعـارض وسـاكت أو متحفـظ ،بعـد ان طيعـت محركاتـه الأساسـية وجعلتهـا جـزء لا يتجـزأ مـن سياسـتها التـي بالضـرورة تصـب فـي مصلحتهـا ،وبالتالـي فهـي طبقـت هـذه الاسـتراتيجيات ابتـدا ًء مـن الالهـاء وانتهـا ًء بمعرفـة الافـراد اكثـر ممـا يعرفـون انفسـهم. ان الدولـة العراقيـة الوطنيـة يفتـرض ان تكـون بعيـدة عـن التأثيـرات للهويـات الفرعيـة التـي جـزأت وفككـت المجتمـع ،لـذا لا بـد مـن ان يعمـل الجميـع فـي اطـار المبـادئ والأفـكار الوطنيـة الجامعـة وتوظيـف المحـركات الاجتماعيـة لمنظمـات المجتمـع المدنـي والأحـزاب الوطنيـة والقـوى الاقتصاديـة عبـر التعـاون مـع الأكاديمييـن والمثقفيـن ،والعمـل المشـترك علـى تحمـل المسـؤولية وتعزيــز الوعــي الوطنــي عبــر انشــاء برامــج عمليــة وعقلانيــة تهــدف للتوعيــة باهميــة عمــل الدولـة المدنيـة ،دولـة المؤسسـات والفصـل بيـن السـلطات ،وتعزيـز سـلطة القانـون لضمـان العدالـة والدفـاع عـن حقـوق الانســان ،بالإضافـة إلـى التركيـز علـى الديمقراطيـة والعدالـة الاجتماعيـة وتعزيـز مفهـوم الهويـة الوطنيـة.
135 العدالة الانتقالية ودورها في الاستقرار السياسي في العراق بعد عام “ 2003دراسة نقدية” د .كوردستان سالم سعيد د .رشيد عمارة الزيدي كلية العلوم السياسية /جامعة التنمية البشرية كلية العلوم السياسية /جامعة السليمانية مقدمة تعـد العدالـة الانتقاليـة مـن اهـم عوامـل الاسـتقرار السياسـي للـدول؛ لاسـيما فـي الـدول التـي يمـر نظامهـا السياسـي بمرحلـة تحـول مـن حالـة الانتهـاكات الجسـيمة لحقـوق الانسـان الـى مرحلـة الالتـزام بحمايـة حقـوق الانسـان ،او حتـى بالنسـبة للـدول التـي تتعـرض الـى ازمـات سياسـية او اقتصاديـة تفـرض عليهـا المـرور بمراحـل انتقاليـة. وتشـكل هـذه المرحلـة عمليـة معقـدة للغايـة ،اذ تشـير الـى التحـول فـي الابنيـة ،والاهـداف، والعمليـات التـي تؤثـر علـى بنيـة المفاهيـم السياسـية ؛ وتتضمـن ارسـاء مجموعـة مـن القواعـد والاجـراءات التـي تعيـد تنظيـم العلاقـة بيـن المضطهديـن ( بفتـح الهـاء ) والمضطهديـن ( بكسـر الهــاء ) .مــن هنــا اضحــت عمليــة ادارة العدالــة الانتقاليــة نقطــة اهتمــام الكثيــر مــن المفكريــن والباحثيــن فــي مختلــف الاختصاصــات ؛ لاســيما تلــك المتعلقــة بالدراســات المقارنــة فــي حقــل العلـوم السياسـية ،وظهـرت دراسـات عـدة حـول ادارة العدالـة الانتقاليـة التـي تعـد نقطـة ارتـكاز اساسـية تتوقـف عليهـا درجـة تحقيـق الاسـتقرار السياسـي مـن عدمـه. وتبــرز مــن بيــن هــذه التجــارب تجربــة العدالــة الانتقاليــة فــي العــراق ،التــي بــدات منــذ احتـال الولايـات المتحـدة للعـراق فـي عـام ،2003ومـرت بمراحـل عـدة ،واتخـذت اجـراءات
136 عـدة ،انعكسـت بصـورة مباشـرة او غيـر مباشـرة علـى ظاهـرة عـدم الاسـتقرار السياسـي فيـه. مـن هنـا تبـرز اشـكالية الدراسـة فـي البحـث فـي دراسـة تجربـة العدالـة الانتقاليـة فـي العراق برؤيـة نقديـة متفحصـة اسـباب عـدم قدرتهـا علـى تحقيـق الامـن والاسـتقرار فـي البلاد. وينطلـق البحـث فـي هـذه الاشـكالية مـن فرضيـة مفادهـا «ان تطبيـق اليـات العدالـة الانتقاليـة فـي العـراق بعـد عـام ، 2003تمـت بطريقـة انتقائيـة تفتقـر الـى معاييـر العدالة،وتحقيـق المصالحـة الوطنية؛وذلــك بســبب اختــاف اهــداف وتوجهــات النخــب السياســية فــي العــراق وارتباطاتهــم الخارجيـة ؛الامـر الـذي افشـل العدالـة الانتقاليـة وقـاد الـى ظاهـرة عـدم الاسـتقرار السياسـي فـي البـاد ،وان اسـتمرار اليـات العدالـة الانتقاليـة يصورتهـا الحاليـة سـيقود الـى المزيـد مـن الانقسـام المجتمعـي» وبغيـة اثبـات هـذه الفرضيـة فقـد اعتمـدت الدراسـة الـى اللجـوء لاكثـر مـن منهـج علمـي لعـل فـي مقدمتهـا المنهـج المؤسسـاتي لمعرفـة اسـس ومرتكـزات ادارة المرحلـة الانتقاليـة فـي العـراق ،فضـا عـن المنهـج القانونـي والمنهـج الوصفـي وفقا لفرضية ومنهجية الدراسة فقد تم تقسيمها الى ما ياتي: المبحث الاول :الاطار المفاهيمي للعدالة الانتقالية والاستقرار السياسي المطلب الاول :مفهوم العدالة الانتقالية المطلب الثاني:مفهوم الاستقرار السياسي المبحث الثاني :العدالة الانتقالية في العراق المبحث الاول :دوافع العدالة الانتقالية في العراق
137 المبحث الثاني :معطيات العدالة الانتقالية في العراق المبحث الثالث :رؤية نقدية لتجربة العدالة الانتقالية في العراق المطلب الاول :النتائج المترتبة على تطبيق العدالة الانتقالية المطلب الثاني :تقويم اليات العدالة الانتقالية في العراق
138 المبحث الاول :الاطار المفاهيمي للعدالة الانتقالية والاستقرار السياسي ان فهـم موضـوع العدالـة الانتقاليـة وارتباطـه بالاسـتقرار السياسـي لاي بلـد يقتضـي تحديـد الاطـار المفاهيمـي لـه ،وكمـا ياتـي: المطلب الاول :مفهوم العدالة الانتقالية يرتبـط مفهـوم العدالـة الانتقاليـة بمفهـوم الانتقـال السياسـي؛فاغلب الـدول التـي تمـر بمرحلـة الانتقـال السياسـي ،سـواء كانـت انتقاليـة مـن مرحلـة دكتاتوريـة الـى مرحلـة ديمقراطيـة او الانتقـال نتيجـة الازمـات والتحـول الاجتماعـي مـن مرحلـة الـى اخـرى؛ فـان هـذه المجتمعـات بحاجـة الـى اجـراءات عـدة مـن اجـل انجـاوز هـذا الانتقـال ،وتعـرف هـذه الاجـراءات بانهـا عدالـة انتقاليـة، وهنـا يثـار التسـاؤل عـن ماهيـة ومعنـى العدالـة الانتقاليـة؟ والملاحـظ انـه لايوجـود تعريـف محـدد ومتفـق عليـة لمفهـوم العدالـة الانتقاليـة ،بـل هنـاك تعاريـف عـدة تعكـس وجهـات نظـر مختلفـة ،ولعـل مـن ابرزهـا مـا ياتـي: هنـاك مـن عرفهـا بانهـا «مجموعـة مـن الممارسـات والاليـات والاهتمامـات التـي تنشـاء عقـب فتـرة مـن النـزاع او الصـراع الاهلـي او القمـع التـي تهـدف بشـكل مباشـر الـى مواجهـة انتهـاكات حقـوق الانسـان والقانـون الانس ـاني ومعالجتهـا»(((. ويبـدو ان هـذا التعريـف فيـه مـن العموميـة والاطـاق الـى الدرجـة التـي يصعـب حصـره وتقديـم رؤيـة محـددة لـه ،فهـو يربـط العدالـة الانتقاليـة بالنـزاع او الصـراع الاهلـي او القمـع ،وهـو امـر غيـر واقعـي ،فـا توجـد دولـة مـن دول العالـم الا وشـهد مجتمعهـا نـوع مـن انـواع النـزاع او (1) (Naomi Roht - Arriaza,the led scope of Transition justice ,in Naomi Roht – Arriaza and Javier , Mariezeurrena (eds) Transition justice ,in the twenty-first century, be- yond truth versus justice ,Cambridge university press,cambridg,2006,p 2
139 الصـراع وحتـى القمـع؛ لكـن ليـس كلهـا شـهدت تطبيـق للعدالـة الانتقاليـة ،واسـتطاعت هـذه الـدول ان تتجـاوز نزاعاتهـا دون المـرور بالعدالـة الانتقاليـة. و يذهـب لويـس بيكفـورد الـى ان العدالـة الانتقاليـة تشـير الـى «حقـل مـن النشـاط او التحقيـق يركـز فـي المجتمعـات التـي تملـك ارثـا كبيـرا مـن انتهـاكات حقـوق الانسـان ،الابـادة الجماعيـة او اشـكال اخـرى مـن الانتهـاكات تشـمل:الجرائم ضـد الانسـانية او الحـرب الاهليـة ،وذلـك مـن اجـل بنـاء مجتمـع اكثـر ديمقراطيـة ومسـتقبل امـن»(((. علـى الرغـم مـن ان هـذا التعريـف فيـه تحديـد ودقـة اكثـر مـن سـابقه ،وقـد ربـط العدالـة الانتقاليـة بانتهـاكات حقـوق الانسـان ،وبالتحديـد (الارث الكبيـر)؛ بيـد ان ذلـك لايعطـي تصـورا حقيقيـا لتطبيـق العدالـة الانتقاليـة ؛فالكثيـر مـن الـدول شـهدت مجتمعاتهـا او جـزء منهـا انتهـاكات خطيـره لحقـوق الانسـان دون ان تطبـق العدالـة الانتقاليـة فيهـا ،مثـل الانتهـاكات التـي تعرضـت لهـا اقليـة الروهنـكا المسـلمة فـي مينمـار ،فضـا عـن الارث الكبيـر لانتهـاكات حقـوق الانسـان الفلسـطيني منـذ عـام 1948الـى يومنـا هـذا دون ان تطبـق اي عدالـة بحقهـم . كل ذلـك دفـع الدكتـور عبـد الحسـين شـعبان الـى وصـف مفهـوم العدالـة الانتقاليـة علـى «انـه مـن المفاهيـم الغامضـة او الملتبسـة خصوصـا لمـا يشـوبه مـن الغمـوض فيمـا يتعلـق بالجـزء الثانـي مـن المصطلـح اي( الانتقاليـة)» (((. ويبـرر هـذا الغمـوض بوجـود قواسـم مشـتركة بيـن العدالـة الانتقاليـة والعدالـة التقليديـة علـى (1) louis Bickford, The Encyclopedia of Genocide and Crimes Against Humanity ,vol3,Macmillan Reference,usa,2004,p1045 ((( -عب�د الحسـ�ين ش�عـبان واخـرون ( ،الطائفيـة والتسـامح والعدالـة الانتقاليـة مـن الفتنـة الـى دولـة القانـون ،مركـز د ارسـات الوحـدة العربيـة ،بيـروت ،)2013 ،ص163
140 اسـاس ان العدالـة قيمـة مطلقـة لايمكـن التنكـر لهـا او تاجيلهـا ،وكلاهمـا تعنـى بقضايـا مثل:احقـاق الحـق ،وكشـف الحقيقـة ،وجبـر الضـرر ،وتعويـض الضحايـا ،مـع اقـراره بالتمايـز بيـن العدالتيـن بالحقبــة الانتقالية(((. يتضـح ممـا تقـدم بانـه ليـس هنـاك تعريفـا محـددا لمفهـوم العدالـة الانتقاليـة؛ بيـد ان ذلـك لايعفـي الباحـث مـن تقديـم مقاربـة مفاهيميـة لمحتـوى ومضمـون العدالـة الانتقاليـة بشـقيها (العـدل والانتقـال) مـن خـال التركيـز علـى السـمات والشـروط الواجـب توافرهـا ،والتـي تحـدد بثلاثيـة (التغييـر التدرجـي -الشـمولي ،التخطيـط الجيـد التشـاركي ،الـروح التعاونيـة غيـر الانتقاميـة((( ) . وتجـدر الاشـار الـى ان تطبيـق العدالـة الانتقاليـة يرتبـط بـا شـك بنوعيـة الانتقـال وكيفيتـه، التـي تختلـف مـن دولـة الـى اخـرى ،وكمـا يصفهـا الدكتـور عزمـي بشـارة بقوله»تتسـم عمليـة الانتقـال الـى الديمقراطيـة فـي دول العالـم كافـة بدرجـة كبيـرة مـن التعقيـد مـن ناحيـة ،وتعـدد مسـاراتها والاختـاف البيـن فـي نتائجهـا مـن ناحيـة اخـرى»((( ؛اذ لايمكـن تفسـير الانتقـال بعامـل واحـد ؛فالانتقـال يتـم بتاثيـر مجموعـة مـن العوامـل منهـا داخليـة او خارجيـة ،وبعضهـا جوهـري او ثانـوي ،ويمكـن ان نسـجل انمـاط عـدة مـن الانتقـال مـن واقـع تجـارب الـدول التـي شـهدتها وكمـا ياتـي((( : ((( -المرجع نفسه ،ص 164 ((( -خال�د ناصـ�ر ونيفي�نـ محم�د توفي�قـ ،د ارس�ة عـ�ن العدالـ�ة الانتقاليةــ) ،مركـز وحـدة الد ارسـات والبحـوث البرلمانيـة والاكاديميـة ،القاهـرة ،(2012 ،ص7 ((( -عزمـي بشـارة ،نوعـان مـن م ارحـل الانتقاليـة ومـا مـن نظريـة ،المؤتمـر السـنوي الثالـث للعلـوم الاجتماعيـة والانسـانية ،المركـز العربـي للابحـاث ود ارسـة السياسـات ،قطـر 2014 ،متوفـر علـى الموقـع الاتـي: www.dohainstitute.orq/release/ba5folbfd-9066-b5ef-2f4ode4065d5 ((( -صموائيـل هنتنغتـون ،الموجـه الثالثـة :التحـول الديمق ارطـي فـي القـرن العشـرين ،ترجمـة عبـد الوهـاب علـوب( ،دار سـعاد الصباح ،القاهرة ،)1993 ،ص ص 231-199
141 -1الانتقـال مـن الاعلـى :وهـو انتقـال تقـوده القيـادة السياسـية او الجنـاح الاصلاحـي مـن النخبـة الحاكمـة ،كمـا حجـث فـي دول مثـل اسـبانيا والبرازيـل فـي الثمانينـات مـن القـرن العشـرين. -2الانتقال من الاسفل : ياخـذ هـذا النمـط مـن الانتقـال اسـلوبين وهمـا :الاول يقـوم علـى ممارسـة الضغـوط علـى النظـام السياسـي مـن الفئـات الشـعبية عـن طريـق الانتقاضـة والتظاهـرات التـي تجبـر الـى اجـراء انتقـال سـلمي ،كمـا حـدث فـي كوريـا الجنوبيـة والفلبيـن والمكسـيك ،امـا الثانـي الانتقـال الـذي تقـوده المعارضـة علـى اثـر انهيـار النظـام بثـورة شـعبية ،كمـا حـدث فـي مصـر فـي 25يوليـو .2011 -3الانتقـال مـن خـال التفـاوض بيـن النخبـة الحاكمـة والمعارضـة ،وهـو مـا حـدث فـي جنـوب افريقيـا. -4الانتقـال مـن خـال تدخـل عسـكري خارجـي كمـا حـدث فـي التحـول الـذي قادتـه امريـكا فـي افغانسـتان عـام ،2002وفـي العـراق عـام .3002 ولا ريـب ان هـذه الانمـاط مـن الانتقـال تؤثـر وتتاثـر سـلبا وايجابـا بنوعيـة الاليـات التـي يتـم بهـا العدالـة الانتقاليـة ،وقـد اثبتـت التجـارب العالميـة للانمـاط السـالفة مـن التحـول بـان الانتقـال الـذي تـم عـن طربـق التفـاوض الداخلـي بيـن المعارضـة والنخبـة الحاكمـة ،والـذي تـم مـن الاعلـى الـى الاسـفل ،قـد ادى الـى نجـاح اليـات العدالـة الانتقاليـة وقـاد الـى تحقيـق الاسـتقرار فـي هـذه البلـدان ،علـى العكـس مـن الانتقـال الـذي تـم مـن الاسـفل الـى الاعلـى والانتقـال الـذي تـم عـن طريــق التدخــل الخارجــي قــد اثبــت فشــل اليــات العدالــة الانتقاليــة وقــاد الــى عــدم الاســتقرار السياسـي فـي البلـدان التـي تـم فيهـا التحـول .
142 وفـي سـياق البحـث عـن ماهيـة العدالـة الانتقاليـة يبقـى التســاؤل المشـروع عـن الاطـار الزمنــي الــذي يمكــن ان تنجــز بــه العدالــة الانتقاليــة؟ يبـدو ان هـذا التسـاؤل يثيـر الكثيـر مـن الجـدل والاختـاف فـي وجهـات النظـر حـول تحديـد الاطـار الزمنـي لمـدة تطبيـق العدالـة الانتقاليـة فـي البلـدان التـي تمـر بعمليـة التحـول الديمقراطـي، فهنـاك مـن يـرى فيهـا ان تكـون محـدودة الحقبـة الزمنيـة الـى اقصـى حـد ولا تتجـاوز الاشـهر؛ بينمـا هنـاك مـن يوسـع مـدة هـذه المرحلـة ويربطهـا بعمـل الحكومـة الانتقاليـة وتنتهـي بانتهائهـا، امـا الـراي الثالـث الـذي يذهـب الـى المـدة الموسـعة التـي تتجـاوز عشـرات السـنين بغيـة اسـتكمال بنـاء نظـام جديـد ،بينمـا الـراي الغالـب يـرى بـان كل تجربـة لهـا خصوصيتهـا وحاجتهـا للمرحلـة الانتقاليـة ولا يمكـن تحديـد مـدة زمنيـة للمرحلـة الانتقاليـة(((. علـى الرغـم مـن صدقية الرأي الأخيـر بخصوص خصوصية كل تجربة وحاجتها لمدة معينة؛ لتنفيـذ اجـراءات العدالـة الانتقاليـة ،لخصوصيـة الظـروف الاقتصاديـة ،والاجتماعيـة ،والسياسـية فضال عـن طبيعـة معطيـات النظـام السـابق وسياسـاته ؛بيـد ان ذلـك لا يعطي مبـررا لهـذا الراي ان يجعـل مـدة العدالـة الانتقاليـة مفتوحـة بال نهايـات ؛اذ ان نجـاح اليـات العدالـة الانتقالية يتحـدد بالمدة التـي تنجـز بهـا اجرائتهـا؛ فكلمـا طالـت المـدة كلما دللت على فشـلها هـذا من جانب؛ فضال عن بناء النظـام الجديـد وتحقيـق الاسـتقرار يكون رهنـا بانتهاء المرحلـة الانتقالية. وهنـا نتفـق مـع راي الكتـور عزمـي بشـارة عندمـا يؤكـد بانـه» يصعـب الحديـث عـن نظرية خاصـة بالمراحـل الانتقاليـة عامـة ،وغالبـا مـا يـدور نقـاش حـول عمليـة تحقيـق المؤرخيـن لتلـك المراحـل ،اي تفسـير الانتقـال مـن حقبـة الـى اخـرى ،بدلالـة السـمات التـي تميـز حقبـة بتواريـخ ((( -مزيـد مـن التفاصيـل ينظـر مصطفـى عثمـان احمـد ،اشـكالية ممارسـة السـلطة فـي الم ارحـل الانتقاليـة :د ارسـة مقارنـة بيـن العـ ارق وجنـوب افريقيـا( ،كليـة العلـوم السياسـية ،جامعـة السـليمانية ،)2017 ،ص ص 18-15
143 معينـة مثـل (سـقوط رومـا كبدايـة للعصـر الوسـيط او معاهـدة ويسـت فاليـة كبدايـة تشـكيل الدولـة القوميـة )((( ،بيـد اننـا لا نعتقـد بامكانيـة تطبيـق ذلـك علـى المراحـل الانتقاليـة التـي نحـن بصددهـا، والتـي تتعلـق ببنـاء نظـام سياسـي جديـد قائـم علـى انقـاض نظـام سياسـي قديـم ؛اذ اننـا نحتـاج الـى تحديـد مـدة زمنيـة للمرحلـة الانتقاليـة ،ونعتقـد بضـرورة تحديدهـا فـي البنـاءات الدسـتورية والقانونيـة التـي تشـهدها مرحلـة التحـول بغيـة الالتـزام بهـا وضبطهـا قانونيـا. مــن خــال مــا تقــدم يمكــن ان نلخــص الــى القــول ان العدالــة الانتقاليــة هــي مجموعــة الاجــراءات التــي يتخذهــا النظــام الجديــد مــن اجــل اصــاح او رفــع الظلــم الــذي ســببه النظــام الســابق وخــال حقبــة زمنيــة تتناســب مــع ظــروف ومعطيــات البــاد الاجتماعيــة والاقتصاديــة والسياسـية ،علـى ان يكـون هدفهـا ضمـان امـن واسـتقرار البلاد.وليـس اسـتحداث معطيـات جديـدة تزيـد مـن انقسـام المجتمـع المطلب الثاني :مفهوم الاستقرار السياسي مفهــوم الاســتقرار السياســي هــو الاخــر لايقــل غموضــا والتباســا عــن مفهــوم العدالــة الانتقاليـة ،ويثيـر حولـه اشـكاليات عـدة بيـن المفكريـن ؛بسـبب معياريـة مضامينـه واهدافـه ،التـي قـد تنطبـق فـي بلـد مـا ،ولا تنطبـق علـى بلـد اخـر. علـى الرغـم مـن ذلـك يبقـى هـذا المفهـوم مطلبـا نخبويـا وجماهيريـا ،ومسـعا لـكل الانظمـة السياسـية فـي الـدول ،بغـض النظـر عـن تقدمهـا او تخلفهـا ،ديمقراطيتهـا او ديكتاتوريتها؛مـن اجـل ذلـك لابـد مـن فحـص معنـى هذا المفهـوم من الناحيـة اللغوية ومـن الناحية الاصطلاحيـة وكما ياتي: مـن الناحيـة اللغويـة :فقـد جـاء فـي قواميـس اللغـة العربيـة ،ان الاسـتقرار جـاء مـن الفعـل ((( -عزمي بشارة ،المرجع سبق ذكره
144 (اسـتقر ،يسـتقر ،اسـتقرارا) ،ويعنـي القـرار والثبـات فـي المـكان((( ،وقـد جـاءت صيغـة الاسـتقرار فـي القـران الكريـم بلفظيـن وهمـا: لفظ القرار :بقوله تعالى ﱹﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢ ﯣﯤﱸ(((. ولفــظ الاســتقرار :بمعنــى الثبــوت و الســكون ف فــي قولــه تعالــى ،ﱹ ﯶﯷﯸﯹ ﯺ ﯻ ﯼﱸ((( وفــي كلا الســياقين فــان الاســتقرار يعنــي الثبــوت والســكون ،بيــد ان هــذا لايعنــي عــدم التغيير؛وانمـا يعتمـد ذلـك علـى التوجـه العـام والوضـع القائـم ونوعيـة التوجه ؛ان كان نحو الاحسـن ام الأســوء ،ويتضــح ذلــك بصــورة اوضــح مــن خــال التعريــج علــى التعريــف الاصطلاحــي لمفهـوم الاسـتقرار السياسـي ،علـى الرغـم مـن عـدم وجـود تعريـف محـدد ومتفـق عليـه ؛وانمـا هنـاك تعريفـات عـدة ومختلفـة تعكـس توجهـات وخلفيـات متباينـه تحكمـت فـي سـياقاته الرئيسـة. فقـد عـرف ليبسـت الاسـتقرار السياسـي علـى اسـاس فاعليـة النظـام السياسـي واكـد بانـه “ نتيجــة أو محصلــة أداء النظــام السياســي عندمــا يعمــل بكفــاءة و فعاليــة فــي مجــالات التنميــة السياســية والاقتصاديــة و الشــرعية السياســية و الفعاليــة»((( فـي حيـن ذهـب صموائيـل هنتنغتـون فـي تعريفـه للاسـتقرار السياسـي الـى محاولـة الربـط بينـه وبيـن المشـاركة السياسـية عندمـا عرفـه بانـه «إن تحقيـق الاسـتقرار السياسـي يقتـرن بإيجـاد ((( -ابن منظور ،لسان العرب( ،دار المعارف ،القاهرة ،)1980 ،ص 3589 ((( -سـورة غافـر 39:وتجـدر الاشـارة الـى ان هنـاك ايـات اخـرى عـدة تشـير الـى المعنـى ذاتـه مثـل اب ارهيـم،26: وغافـر 64: ((( -سورة البقرة 35:وفي السياق ذاته جاء قوله تعلى في النمل ،63:الاع ارف ،143الفرقان24: ((( -نفقـا عـن محمـد الصالـح بـو عافيـة ،الاسـتق ارر السياسـي قـ ارءة فـي المفهـوم والغايـات( ،دفاتـر القانـون والسياسـة، العدد 16جامعة كاصد مرباح ورقلة ،الج ازئر ،9 2016 ،ص311
145 مؤسسـات سياسـية ،تنظـم المشـاركة السياسـية ،وتمنـع انتشـار العنـف والفسـاد بتوسـيع المسـاهمة الشـعبية فـي وضـع السياسـات العامـة وفـي اختيـار الأشـخاص للمناصـب الرسـمية وتوفيـر آليـات المشـاركة للنظـام السياسـي ،والقـدرة علـى معالجـة الأزمـات والانقسـامات والتوتـرات فـي المجتمع والاسـتجابة للمطالـب الشـعبية عبـر الديمقراطيـة وعدالـة توزيـع المهـام لضمـان المسـاواة»((( وبغـض النظـر عـن هـذه التعريفـات وغيرهـا فـان المتتبـع لظاهـرة الاسـتقرار السياسـي، كمـا يذكـر ريتشـارد هيقـوت تتجـه نحـو اتجاهـات ثـاث وهـي(((: الاتجـاه الاول:التغييـر بالانظمـة السياسـية فالنظـام السياسـي الـذي لا يتغيـر يمكـن اعتبـاره نظـام مسـتقر. الاتجــاه الثانــي :غيــاب التغييــر المتكــرر فــي الحكومــة ،بمعنــى أن النظــام الــذي يشــهد تغيــرات متكــررة فــي الحكومــة يعــد نظــام غيــر مســتقر. الاتجاه الثالث:غياب العنف باشكاله ومستوياته كافة يعد نظاما مستقرا. يتضـح ممـا تقـدم ان الاسـتقرار السياسـي ارتبـط بصـورة او اخـرى بقضيتيـن اساسـيتين وهمــا( :التغييــر السياســي)( ،والعنــف السياســي )؛بيــد ان ذلــك لايعــد معيــارا واضحــا لفهــم الاســتقرار السياســي ،صحيــح ان الاستقرارالسياســي يرتبــط بالتغييــر السياســي ؛ بيــد ان ذلــك يعتمـد علـى نوعيـة التغييـر سـواء كان ايجابـا ام سـلبا ،فالتغييـر الايجابـي سـيقود الـى الاسـتقرار بينمــا التغييــر الســلبي ســيقود الــى عــدم الاســتقرار . وهـو مـا ذهـب اليـه ديفـد اسـتن بقولـه» و عندمـا تـزداد حـدة التغيـر و سـرعته بدرجـة تفـوق ((( -صاموي�ل هانتجتوــن ،الموج�ة الثالثـة :التح�ول الديمق ارط�ي ف�ي أواخ�ر الق�رن العش�رين ترجمة:عب�د الوه�اب غلـوب، ص .79 ((( -نقلا عن ،محمد الصالح بو عافية ،ص .310
146 قـدرة المجتمـع علـى التلائـم و التكيـف معهـا تنشـأ حالـة عـدم الاسـتقرار .أمـا إذا كان التغيرأقـل مـن التكيـف ،فـإن ذلـك سـيؤدي إلـى تحقيـق الاسـتقر»ووضع المعادلـة الاتيـة(((: التغيير اكبر من التكييف =عدم استقرار التغيير اقل من التكييف = استقرار امـا العنـف السياسـي فـان وجـوده بـاي شـكل مـن الاشـكال هو دليـل على عـدم الاسـتقرار ؛اذ لايمكـن ان نتحـدث عـن اسـتقرار سياسـي فـي ظـل وجـود العنـف ،وان كان هنـاك مـن يعـد بعـض انـواع العنـف هـو وسـيلة مـن وائـل تحقيـق الاسـتقرار السياسـي ،لاسـيما مـع الانظمـة السياسـية ذات الطابـع الدكتاتـوري او الانظمـة فاقـدة الشـريعية ،او الانظمـة التـي تشـهد اضطرابـات سياسـية كثيـرة ،وبذلـك تبـرر الثـورة والانقـاب العسـكري وان اسـتخدم فيهمـا العنـف بانهمـا وسـيلتان مـن وسـائل تحقيـق الاسـتقرار السياسـي. والملاحــظ ان حالــة عــدم الاســتقرار السياســي شــكلت أحــد المكونــات الأساســية للبيئــة السياسـية فـي معظـم دول التـي تشـهد مراحـل انتقاليـة ،واضحـت بمثابـة العنصـر الفاعـل والكاشـف عـن هـذه الحالـة ،كمـا تفرعـت عـن عـدم الاسـتقرار السياسـي حالـة عـدم حسـم الصـراع السياسـي علـى السـلطة ،واسـتمرار المراحـل الانتقاليـة الـى حقـب غيـر مقبولـة ،او تكـون بمثابـة اسـتمرار للوضـع الراهـن الامـر الـذي ادخـل الشـكوك بجـدوى العدالـة الانتقاليـة فـي هـذه الـدول . مـن جانـب اخـر فقـد اضحـى الاسـتقرار السياسـي دليـا علـى نجاعـة العدالـة الانتقاليـة مـن عدمهـا ؛فالـدول التـي اسـتطاعت ان تصيـغ اسـس راسـخة ومعقولـة للعدالـة الانتقاليـة اسـتطاعت ان تحقـق الاسـتقرار السياسـي فيهـا خـال المرحلـة الانتقاليـة ومـا بعدهـا علـى العكـس مـن الـدول ((( -نقـا عـن كاظـم هاشـم النعمـة ،فـي السياسـة المقارنـة :مداخـل نظريـة( ،تالـة للطباعـة والنشـر ،ط اربلـس،)1998 ، ص .62-61
147 التـي فشـلت فـي صياغـة اسسـس مقبولـة وراسـخة لمبـادى العدالـة الانتقاليـة قـد شـهدت حالـة مـن عـدم الاسـتقرار السياسـي فـي المرحلـة الانتقاليـة ومـا بعدهـا. بنـاء علـى هـذه الجدليـة الترابطيـة بيـن العدالـة الانتقالية والاسـتقرار السياسـي ،سـيتم دراسـة تجربـة العدالـة الانتقاليـة فـي العـراق والياتها. المبحث الثاني:العدالة الانتقالية في العراق قامــت الولايــات المتحــدة الامريكيــة وحلفائهــا باحتــال العــراق عــام ،((( 2003وتغييــر نظامــه السياســي ،الــذي اسســه حــزب البعــث العربــي الاشــتراكي فــي عــام ،1968وعينــت الســيد(بول بريمــر) حاكمــا مدنيــا لادارة شــؤون العــراق باســم (ســلطة الائتــاف المؤقتــه فــي العــراق) ،واتخــذ مجموعــة مــن القــرارات ،السياســية ،والاقتصاديــة ،والعســكرية ،لاعــادة بنــاء النظـام السياسـي فـي عـراق مـا بعـد 2003؛ولعـل مـن ابـرز القـرارات واخطارهـا كانـا الامـر الاداري المرقـم( )1فـي ،2003الخـاص (باجتثـاث حـزب البعـث) ((( ،والامـر الاداري المرقـم ( )2الخـاص بحـل الاجهـزة الامنيـة ((( ،اللذيـن شـكلا بدايـة تطبيـق اجـراءات العدالـة الانتقاليـة. ومـن اجـل فهـم هـذه الاجـراءات لابـد مـن البحـث فيمـا ياتـي: المطلب الأول :دوافع العدالة الانتقالية في العراق كثيـرة هـي دوافـع تطبيـق العدالـة الانتقاليـة فـي العـراق ،اذ شـهد العـراق قبـل عـام 2003 ((( -مزيـد مـن التفاصيـل عـن الاحتـال الامريكـي ينظـر :رشـيد عمـارة ،النفـوذ الامريكـي فـي الع ارقـي( ،فـي مؤتمـر مسـتقبل النظـام السياسـي الع ارقـي ،جامعـة جـه رمـوو السـليمانية ،)2013ص19 ((( -بـول بريمـر ،عـام قضيتـه فـي العـ ارق ،ترجمـة علـى الايوبـي( ،دار الكتـاب العربـي ،بيـروت ،) 2006 ،ص-62 .78 ((( -المرجع نفسه
148 وبعـده خروقـات عـدة ،وممارسـات قمعيـة ضـد مختلـف ابنـاء الشـعب العراقـي ،وبغيـة فهـم ذلـك لابـد مـن دراسـة النقـاط الاتيـة: اولا :الدوافع السياسية: لـم يعـرف العـراق منـذ نهايـة العهـد الملكـي عـام 1958اي شـكل مـن اشـكال الديمقراطيـة، اذ سـيطر العسـكر علـى النظـام السياسـي فـي العـراق ،وقـد اتسـم سـلوكه السياسـي بغيـاب مظاهـر حقـوق الانسـان السياسـية مثـل :حـق التصويـت ،والانتخـاب ،والتـداول السـلمي للسـلطة ،وحـق التعبيـر عـن الـراي (((. ولـم يعـرف النظـام السياسـي العراقـي ثقافـة المعارضـة السياسـية ،اذ شـهدت الفتـرة قبـل اســتلام الحكــم مــن حــزب البعــث عــام 1986بصــراع تياريــن رئيســيين همــا :التيــار القومــي والتيـار اليسـاري الشـوعي ،وكان فـي الاغلـب هـو سـيطرة التيـار القومـي علـى مقاليـد الحكـم، دون ان يذهـب الاتجـاه الاخـر الـى المعارضـة السـلمية ،وبقـي منافسـا مـن اجـل تقاسـم السـلطة الـى ان حسـم حـزب البعـث الامـر لصالحـه بوصفـه الحـزب القائـد ثـم الحـزب الواحـد ،ومنـع اي شـكل مـن اشـكال المعارضـة العلنيـة او السـرية ،علـى الرغـم مـن ان الدسـتور المؤقـت عـام ،1970قـد اقـر ان نظـام الحكـم فـي العـراق هـو نظـام ديمقراطـي ،وان الشـعب مصـدر السـلطة وشـرعيتها (((.كمـا اكـد علـى حريـة الاديـان وممارسـة الشـعائر الدينيـة ،فضـا عـن حريـة الـراي والنشـر والتظاهـر وتاسـيس الاحـزاب السياسـية والنقابـات والجمعيـات (((.بيـد ان الواقـع يبرهـن خـاف ذلـك ،اذ لـم تشـهد السـاحة العراقيـة اي حـزب سياسـي منافـس لحـزب البعـث الـذي سـيطر ((( -احمـد ازهـد عبـاس ،انتهـاكات الحقـوق المدنيـة والسياسـية فـي ظـل النظـام البائـد ،الجـزء الاول( ،و ازرة حقـوق الانسـان ،العـ ارق ،)2013 ،ص 11 ((( -ينظر المادة 2من الدستور الع ارقي المؤقت لعام 1970 ((( -ينظر المادتين 26 ،25من الدستور الع ارقي لعام 1970
149 مـن خـال المكتـب المهنـي علـى جميـع النقابـات والجمعيـات. مـن جانـب اخـر منـح الدسـتور العراقـي صلاحيـات واسـعة لمجلـس قيـادة الثـورة ((( ،فتـم حصـر جميـع السـلطات بيـد شـخص واحـد لاسـيما بعـد ان تسـلم الرئيـس صـدام حسـين زمـام الامـور فـي العـراق بعـد عـام ،1979وانحصـر مراكـز صنـع القـرار بيـد فئـة محـدودة تخضـع لفلسـفة الحـزب الواحـد (((.بالمقابـل فـان هـذه السـيطرة والتفـرد بالحكـم مـن حـزب واحـد وشـخص واحــد دفــع نحــو تاســيس معارضــة ســرية ، ،تميــزت مســيرتها بمرحلتيــن :الاولــى مــن بدايــة السـبعينات الـى نهايـة 1991وهـي مرحلـة تأسـيس التجمعـات والجبهـات الوطنيـة ،أمـا المرحلـة الثانيـة وهـي مرحلـة المؤتمـرات(((. ويبـدو ان لطبيعـة المجتمـع العراقـي تأثيـر بالـغ فـي الأداء العـــــــــام لحركـة المعارضـة العراقيـة التـي لـم تتمكـن مـن الالتفـاف علـى او تجـاوز الانقسـامات التـي يعانـي منهـا المجتمـع العراقـي فالانقسـامات والصراعـات الحـادة فيهـا كانـت فـي واقـع الأمـر تعكـس حالــــــة الصـراع والاحتـدام التـي يعانـي منهـا المجتمـع العراقـي(((. وتزامـن ذلـك مـع سياسـة حكوميـة مـن حـزب البعـث قائمـة علـى ابعـاد ومطـاردة الاحـزاب المنافســة لــه (الاحــزاب الكورديــة ،والاحــزاب الاســامية) ،واصــدر بخصــوص ذلــك قــرارات ((( -ينظر نص المادتين 43 ،42من الدستور ((( عبـد الجبـار احمـد ،واقـع ومسـتقبل الخيـار الديمق ارطـي والدسـتوري فـي العـ ارق :فـي التحـولات الديمق ارطيـة فـي العـ ارق :القيـود والفـرص( ،مركـز الخليـج للابحـاث ،الامـا ارت العربيـة ،)2005 ،ص.63 ((( -عزيـز قـادر الصمانجـي ،قطـار المعارضـة الع ارقيـة مـن بيـروت 1991إلـى بغـداد ،( ،2003دار الحكمـة، لنـدن ،)2009 ،ص. 44 ((( -علـي شـم ارن ،صـ ارع الاضداد:المعارضـة الع ارقيـة بعـد حـرب الخليـج ،الطبـع الأولـى( ،دار الحكمـة ،لنـدن، ،)2003ص.350
150 عـدة ،الهـدف منهـا اقصـاء الخصـوم والتفـرد بالحكـم(((. فضلا عن اتباع مجموعة من السياسات القمعية الاخرى المتمثلة في النقاط الاتية(((: -1ىاصــدار قــرارات الاعــدام باثــر رجعــي فــي حالــة الانتمــاء للاحــزاب المعارضــة او الهـروب مـن اداء الخدمـة العسـكرية مـع اتخـاذ عقوبـات لا انسـانية مثـل بتـر الاطـراف ،والوشـم علـى الجبهـة ،وقطـع الاذن وغيرهـا مـن العقوبـات -2الاختفـاء القسـري للعراقييـن فـي السـجون والمعتقـات ،وقـد سـجل فريـق تابـع للامـم المتحـدة نحـو 16650حالـة اختفـاء. ثانيا :الدوافع الاقتصادية يتصــف الاقتصــاد العراقــي بانــه اقتصــاد ريعــي ،يتميــز باعتمــاده الكبيــر علــى القطــاع النفطـي ،التـي تصـل الـى نسـبة %99مـن العمـات الاجنبيـة ،وهـذا الاعتمـاد الكبيـر علـى القطـاع النفطـي وارتباطـه بالاسـواق الخارجيـة ،جعـل منـه الاقتصـادا مفتوحـاً ومعتمـداً على الخـارج ،فاقداً ابسـط مقومـات الاعتمـاد علـى النفـس او الاسـتمرارية الذاتيـة ،وهـو مـا يشـكل نقطـة ضعفـه(((. وتجـدر الاشـارة الـى ان الدسـتور العراقـي لعـام 1970قـد اكـد علـى ان»الثـروات الطبيعيـة ووســائل الانتــاج الاساســية ملــك الشــعب ،تســتثمرها الســلطة المركزيــة فــي جمهوريــة العــراق ((( -لعـل مـن ابـرز القـر ارت التـي صـدرت قـ ارر رقـم 1244فـي 1976الخـاص بالعقوبـة الاعـدام لمـن يتـرك حـزب البعـث وينتمـي لحـزب اخـر والقـ ارر 461لعـام 1980الخـاص باعـدام مـن ينتمـي لحـزب الدعـوة ،فضـا عـن اوامـر ملاحقـة المعارضيـن مزيـد مـن التفاصيـل ينظـر احمـد ازهـر عبـاس :ص ص 45-15 ((( -مزيـد مـن التفاصيـل ينظـر غانـم جـواد ،مشـروع التغييـر فـي العـ ارق( ،مجلـة الحقوقـي ،جمعيـة الحقوقييـن الع ارقييـن ،لنـدن ،العـدد ،) 2002 ، ،10ص ص200-197 ((( -عبـد الوهـاب رشـيد ،التحـول الديمق ارطـي فـي العـ ارق0 ،مركـز د ارسـات الوحـدة العربيـة ،بيـروت ،)2006 ،ص ص2000-199
Search
Read the Text Version
- 1
- 2
- 3
- 4
- 5
- 6
- 7
- 8
- 9
- 10
- 11
- 12
- 13
- 14
- 15
- 16
- 17
- 18
- 19
- 20
- 21
- 22
- 23
- 24
- 25
- 26
- 27
- 28
- 29
- 30
- 31
- 32
- 33
- 34
- 35
- 36
- 37
- 38
- 39
- 40
- 41
- 42
- 43
- 44
- 45
- 46
- 47
- 48
- 49
- 50
- 51
- 52
- 53
- 54
- 55
- 56
- 57
- 58
- 59
- 60
- 61
- 62
- 63
- 64
- 65
- 66
- 67
- 68
- 69
- 70
- 71
- 72
- 73
- 74
- 75
- 76
- 77
- 78
- 79
- 80
- 81
- 82
- 83
- 84
- 85
- 86
- 87
- 88
- 89
- 90
- 91
- 92
- 93
- 94
- 95
- 96
- 97
- 98
- 99
- 100
- 101
- 102
- 103
- 104
- 105
- 106
- 107
- 108
- 109
- 110
- 111
- 112
- 113
- 114
- 115
- 116
- 117
- 118
- 119
- 120
- 121
- 122
- 123
- 124
- 125
- 126
- 127
- 128
- 129
- 130
- 131
- 132
- 133
- 134
- 135
- 136
- 137
- 138
- 139
- 140
- 141
- 142
- 143
- 144
- 145
- 146
- 147
- 148
- 149
- 150
- 151
- 152
- 153
- 154
- 155
- 156
- 157
- 158
- 159
- 160
- 161
- 162
- 163
- 164
- 165
- 166
- 167
- 168
- 169
- 170
- 171
- 172
- 173
- 174
- 175
- 176
- 177
- 178
- 179
- 180
- 181
- 182
- 183
- 184
- 185
- 186
- 187
- 188
- 189
- 190
- 191
- 192
- 193
- 194
- 195
- 196
- 197
- 198
- 199
- 200
- 201
- 202
- 203
- 204
- 205
- 206
- 207
- 208
- 209
- 210
- 211
- 212
- 213
- 214
- 215
- 216
- 217
- 218
- 219
- 220
- 221
- 222
- 223