Important Announcement
PubHTML5 Scheduled Server Maintenance on (GMT) Sunday, June 26th, 2:00 am - 8:00 am.
PubHTML5 site will be inoperative during the times indicated!

Home Explore مجلة شؤون عراقية – العدد الحادي عشر – تعديل قانون الانتخابات

مجلة شؤون عراقية – العدد الحادي عشر – تعديل قانون الانتخابات

Published by info, 2021-05-31 12:23:03

Description: مجلة شؤون عراقية – العدد الحادي عشر – تعديل قانون الانتخابات

Search

Read the Text Version

‫‪201‬‬ ‫معالجتهـا سـريعاً‪ .‬لكـن معالجـة إيـران وبرنامجهـا النـووي بصـورة معزولـة تمثـل قصـر نظـر‪،‬‬ ‫إذ إن سياسـات إيـران التوسـعية‪ ،‬خصوصـاً فـي العـراق‪ ،‬جـزء مـن المشـكلة‪ ،‬وتجـب معالجتهـا‬ ‫ووقفهـا‪.‬‬ ‫وخــال جلســة المصادقــة فــي البرلمــان‪ ،‬قــال بلينكــن إن دول الخليــج العربــي وإســرائيل‬ ‫سـتنخرط فـي مفاوضـات مـع إيـران بشـأن دورهـا فـي المنطقـة‪ .‬ولـم يكـن هنـاك أي ذكـر للعـراق‪،‬‬ ‫علـى الرغـم مـن أنـه مركـز طموحـات إيـران التوسـعية فـي المنطقـة‪.‬‬ ‫سوء فهم‬ ‫وثمـة سـوء فهـم شـائع بـأن إيـران لديهـا مـا اعتـادت وصفـه بــ«دور طبيعـي» لهـا فـي‬ ‫العـراق‪ ،‬سـواء كان ذلـك بسـبب العلاقـات الثقافيـة أو طموحـات إيـران للهيمنـة‪ .‬ومـع ذلـك ليـس‬ ‫هنـاك سـبب يدعـو إيـران لأن يكـون لهـا دور أمنـي أو سياسـي فـي الـدول الأخـرى ذات السـيادة‪.‬‬ ‫وبلاشـك فـإن العلاقـات الثقافيـة مهمـة‪ ،‬لكـن وجـود ميليشـيا فـي العـراق تابعـة للحـرس الثـوري‬ ‫الإيرانـي‪ ،‬تعمـل بأوامـره‪ ،‬وتعبـر الحـدود بحريـة‪ ،‬يعتبـر أمـراً يتجـاوز بكثيـر التأثيـر الثقافـي‪.‬‬ ‫والحقيقـة‪ ،‬يجـب ألا ينظـر إلـى العـراق فقـط ضمـن السـياق الإيرانـي‪.‬‬ ‫وتمتلـك الولايـات المتحـدة عـدداً مـن أدوات النفـوذ التـي يمكـن أن تسـتخدمها فـي العـراق‪ ،‬إذ‬ ‫إن الوجـود المحسـوس للأميركييـن‪ ،‬سـواء كان السـفارة أو الجنـود الأميركييـن‪ ،‬مطلـوب لإظهـار‬ ‫مــدى التـزام واشـنطن‪ ،‬وللمســاعدة علــى تأميــن اسـتقرار العـراق‪ .‬وبمعــزل عـن حلفــاء إيــران‬ ‫المتحمسـين فـي بغـداد‪ ،‬الذيـن يتمنـون طـرد الولايـات المتحـدة إلـى خـارج العـراق‪ ،‬يفضـل القـادة‬ ‫السياسـيون الوجـود الأميركـي لمعادلـة كفـة النفـوذ الإيرانـي‪ .‬وحتـى رجـل الديـن‪ ،‬مقتـدى الصـدر‪،‬‬ ‫الـذي حـارب أتباعـه ضـد الولايـات المتحـدة‪ ،‬فإنـه يفضـل بقـاء النفـوذ الأميركـي فـي العـراق‬ ‫لتجنـب السـيطرة الكاملـة الإيرانيـة علـى البلـد‪ .‬وثمـة أداة أخـرى هـي العقوبـات التـي اسـتخدمتها‬

‫‪202‬‬ ‫إدارة الرئيـس السـابق‪ ،‬دونالـد ترامـب‪ ،‬بصـورة متكـررة‪ .‬وهـذه العقوبـات تعـد مؤشـراً إلـى مـن‬ ‫ســتعمل معــه واشــنطن ومــن لــن تعمــل معــه‪ .‬وأي شــخص تصنفــه الولايــات المتحــدة كزعيــم‬ ‫ميليشـيا‪ ،‬يمكـن أن تنتهـي طموحاتـه السياسـية‪ ،‬وتمنعـه مـن دخـول الحكومـة وتسـلم السـلطة‪.‬‬ ‫ويــدرك السياســيون العراقيــون أن إدارة بايــدن لا تملــك الكثيــر مــن الوقــت أو المــوارد‬ ‫لتبديدهـا فـي بلادهـم‪ .‬وهـذا مـا يشـكل قلقـاً للذيـن يأملـون رؤيـة الولايـات المتحـدة تلعـب دوراً‬ ‫هنـاك‪ ،‬وأن تكـون لهـا علاقـات وثيقـة مـع العـراق‪ ،‬أمـا الذيـن يناصـرون إيـران‪ ،‬والذيـن يـرون‬ ‫الولايـات المتحـدة كتحـ ٍّد لخططهـم‪ ،‬فيمثـل ذلـك تطـوراً مرحبـاً بـه‪ ،‬لهـذا يجـب ألا نمنحهـم مـا‬ ‫يرغبـون بـه‪.‬‬ ‫*مينا العريبي ‪ :‬صحافية بريطانية من أصل عراقي‬ ‫للرجوع الى اصل المقال على الرابط التالي‪:‬‬ ‫‪https://foreignpolicy.com/.../iraq-biden-missing-agenda/...‬‬

‫‪203‬‬ ‫الجائحة تس ِّرع عجلة التاريخ بدلاً من إعادة تشكيله‬ ‫ليست كل أزمة نقطة تحول‪.‬‬ ‫ريتشارد هاس* فورين أفيرز‬ ‫‪ 7‬أبريل ‪2020‬‬ ‫مـا نمـر بـه هـو أزمـة كبيـرة بـكل المقاييـس‪ ،‬لـذا مـن الطبيعـي أن نفتـرض أنهـا نقطـة تحـول‬ ‫فـي التاريـخ الحديـث‪ .‬فـي الأشـهر التـي تلـت ظهـور ‪ COVID 19‬المـرض الناجـم عـن الفيـروس‬ ‫التاجـي الجديـد‪ ،‬اختلـف المحللـون حـول نـوع العالـم الـذي سـيتركه الوبـاء فـي أعقـاب انتهـاء هـذه‬ ‫الجائحـة‪ .‬لكـن معظمهـم يجادلـون بـأن العالـم الـذي ندخلـه سـيكون مختلفًـا بشـكل أساسـي عمـا كان‬ ‫موجـو ًدا مـن قبـل‪ .‬يتوقـع البعـض أن يـؤدي الوبـاء إلـى نظـام عالمـي جديـد بقيـادة الصيـن؛ يعتقـد‬ ‫البعـض الآخـر أنهـا سـتؤدي إلـى زوال زعامـة الصيـن‪ .‬يقـول البعـض إنهـا سـتنهي العولمـة؛ يأمـل‬ ‫البعـض الآخـر أن تكـون فاتحـة لعصـر جديـد مـن التعـاون العالمـي‪ .‬ولا يـزال البعـض الآخـر‬ ‫يتوقـع أنهـا سـتحفز النزعـة القوميـة‪ ،‬وتقـوض التجـارة الحـرة‪ ،‬وتـؤدي إلـى تغييـر النظـام فـي‬ ‫مختلـف البلـدان‪ ،‬أو كل مـا سـبق‪.‬‬ ‫لكـن مـن غيـر المحتمـل أن يكـون العالـم الـذي يلـي الوبـاء مختلفًـا جذريًـا عـن العالـم الـذي‬ ‫سـبقه‪ COVID 19 .‬لـن يغيـر الاتجـاه الأساسـي لتاريـخ العالـم كثيـ ًرا ولكـن يسـرعه‪ .‬لقـد كشـف‬ ‫الوبـاء والاسـتجابة لـه عـن الخصائـص الأساسـية للجغرافيـا السياسـية وعززهـا اليـوم‪ .‬ونتيجـة‬ ‫لذلـك‪ ،‬تعـد هـذه الأزمـة ‪ ‬نقطـة تحـول أقـل مـن كونهـا محطـة طريـق علـى طـول الطريـق الـذي‬ ‫كان العالـم يسـير فيـه خـال العقـود القليلـة الماضيـة ‪.‬مـن السـابق لأوانـه التنبـؤ بموعـد انتهـاء‬

‫‪204‬‬ ‫الأزمــة نفســها‪ .‬ســواء فــي غضــون ســتة أو ‪ 12‬أو ‪ 18‬شــه ًرا‪ ،‬ســيعتمد التوقيــت علــى درجــة‬ ‫اتبـاع الأشـخاص للمبـادئ التوجيهيـة للمسـافة الاجتماعيـة والنظافـة الصحيـة الموصـى بهـا؛ توافـر‬ ‫اختبـارات سـريعة ودقيقـة ومعقولـة التكلفـة وعقاقيـر مضـادة للفيروسـات ولقـاح؛ ومـدى الإغاثـة‬ ‫الاقتصاديـة المقدمـة للأفـراد والشـركات‪.‬‬ ‫ومــع ذلــك‪ ،‬فــإن العالــم الــذي ســيخرج مــن الأزمــة يمكــن تمييــزه‪ .‬تضــاؤل القيــادة‬ ‫الأمريكيـة‪ ،‬وتعثـر التعـاون العالمـي‪ ،‬وخـاف القـوى العظمـى‪ ،‬كل هـذه السـمات ميـزت البيئـة‬ ‫الدوليــة قبــل ظهــور ‪ ،COVID 19‬وأدى الوبــاء إلــى زيــادة حدتهــا بــدلا مــن إغاثتهــا‪ .‬مــن‬ ‫المرجــح أن تكــون هــذه الســمات أكثــر بــرو ًزا فــي العالــم بعــد الكورونــا‪.‬‬ ‫العالم ما بعد الأمريكي‪.‬‬ ‫كانـت إحـدى سـمات الأزمـة الحاليـة التراجـع الواضـح فـي القيـادة الأمريكيـة‪ .‬لـم تحشـد‬ ‫الولايـات المتحـدة العالـم فـي محاولـة جماعيـة لمواجهـة الفيـروس أو تداعياتـه الاقتصاديـة‪ .‬كمـا‬ ‫لــم تحشــد الولايــات المتحــدة العالــم ليحــذو حذوهــا فــي معالجــة المشــكلة فــي الداخــل‪ .‬وتعتنــي‬ ‫دول أخـرى بنفسـها بأفضـل مـا يمكنهـا أو تلجـأ إلـى الذيـن تجـاوزوا ذروة العـدوى‪ ،‬مثـل الصيـن‪،‬‬ ‫للحصـول علـى المسـاعدة ‪.‬ولكـن إذا كان العالـم الـذي سـيتبع هـذه الأزمـة عال ًمـا مـع هيمنـة أقـل‬ ‫للولايــات المتحــدة‪ ،‬مــن المســتحيل تقريبًــا تخيــل أي شــخص يكتــب اليــوم عــن “لحظــة أحاديــة‬ ‫القطـب”‪ ،‬فهـذا الاتجـاه ليـس جديـ ًدا‪ .‬لقـد كان واضحـا منـذ عقـد علـى الأقـل‪.‬‬ ‫‪  ‬إلـى حـد مـا‪ ،‬هـذا نتيجـة لمـا وصفـه فريـد زكريـا (مقـدم برنامـج علـى قنـاة ‪CNN‬‬ ‫ومؤلـف كتـاب “مـا بعـد العالـم الأميركـي” ‪ – 2002‬إضافـة مـن المترجـم) بأنـه “صعـود الباقـي”‬ ‫(والصيـن علـى وجـه الخصـوص)‪ ،‬ممـا أدى إلـى انخفـاض فـي الميـزة النسـبية للولايـات المتحـدة‬ ‫علـى الرغـم مـن اسـتمرار قوتهـا الاقتصاديـة والعسـكرية المطلقـة فـي النمـو‪ .‬ولكـن حتـى أكثـر‬

‫‪205‬‬ ‫مـن ذلـك‪ ،‬فهـو نتيجـة تعثـر الإرادة الأمريكيـة بـدلاً مـن تراجـع القـدرة الأمريكيـة‪ .‬أشـرف الرئيـس‬ ‫بـاراك أوبامـا علـى الانسـحاب مـن أفغانسـتان والشـرق الأوسـط‪ .‬اسـتخدم الرئيـس دونالـد ترامـب‬ ‫فـي الغالـب القـوة الاقتصاديـة لمواجهـة الأعـداء‪ .‬لكنـه أنهـى بشـكل أساسـي الوجـود الأمريكـي فـي‬ ‫سـوريا‪ ،‬ويسـعى إلـى القيـام بنفـس الشـيء فـي أفغانسـتان‪ ،‬وربمـا الأكثـر أهميـة‪ ،‬لـم يبـد اهتما ًمـا‬ ‫كبيـ ًرا إمـا بالتحالفـات أو فـي الحفـاظ علـى الـدور التقليـدي للولايـات المتحـدة فـي معالجـة القضايـا‬ ‫عبـر الوطنيـة الرئيسـية‪.‬‬ ‫كان احتمــال هــذا التغييـر جـز ًءا كبيــ ًرا مــن جاذبيـة رســالة ترامــب “أمريــكا أولاً”‪ ،‬التــي‬ ‫وعـدت بـأن الولايـات المتحـدة سـتكون أقـوى وأكثـر ازدهـا ًرا إذا فعلـت أقـل فـي الخـارج وركـزت‬ ‫طاقاتهــا علــى القضايــا المحليــة‪ .‬ضمنيًــا فــي هــذا الــرأي كان الافتــراض أن الكثيــر ممــا فعلتــه‬ ‫الولايــات المتحــدة فــي العالــم كان مســرفًا وغيــر ضــروري وغيــر مرتبــط بالرفاهيــة المحليــة‪.‬‬ ‫بالنسـبة للعديـد مـن الأمريكييـن‪ ،‬مـن المرجـح أن يعـزز الوبـاء هـذا الـرأي علـى الرغـم مـن حقيقـة‬ ‫أنـه يجـب بـدلاً مـن ذلـك أن يسـلط الضـوء علـى كيفيـة تأثـر الرفـاه المحلـي ببقيـة العالـم‪ .‬سـوف‬ ‫يقولـون إن علـى الولايـات المتحـدة أن تركـز علـى تصحيـح نفسـها وتكريـس المـوارد للاحتياجـات‬ ‫فـي الداخـل بـدلاً مـن الخـارج‪ ،‬للحصـول علـى الزبـدة بـدلاً مـن الأسـلحة‪ .‬هـذا خيـار زائـف‪ ،‬حيـث‬ ‫تحتـاج البـاد وبإمكانهـا تحمـل كليهمـا‪ ،‬ولكـن مـن المحتمـل المجادلـة بأنهمـا نفـس الشـيء‪.‬‬ ‫الترابـط القيمـي بيـن ال ُمثـل الأميركيـة هـي نفسـها خيـارات السياسـة الأمريكيـة‪ .‬قبـل وقـت‬ ‫طويـل مـن تدميـر ‪ COVID 19‬لـأرض‪ ،‬كان هنـاك بالفعـل انخفـاض حـاد فـي جاذبيـة النمـوذج‬ ‫الأمريكـي‪ .‬بفضـل الجمـود السياسـي المسـتمر‪ ،‬والعنـف المسـلح‪ ،‬وسـوء الإدارة التـي أدت إلـى‬ ‫الأزمـة الماليـة العالميـة لعـام ‪ ،2008‬ووبـاء الإدمـان‪ ،‬وأكثـر مـن ذلـك‪ ،‬أصبحـت أمريـكا بشـكل‬ ‫متزايـد غيـر جذابـة للكثيريـن‪ .‬إن اسـتجابة الحكومـة الفيدراليـة البطيئـة وغيـر المترابطـة وغيـر‬

‫‪206‬‬ ‫الفعالـة فـي كثيـر مـن الأحيـان للوبـاء سـتعزز الـرأي السـائد بالفعـل بـأن الولايـات المتحـدة فقـدت‬ ‫طريقهـا‪.‬‬ ‫مجتمع فوضوي‪.‬‬ ‫إن الوبـاء الـذي يبـدأ فـي بلـد واحـد وينتشـر بسـرعة كبيـرة فـي جميـع أنحـاء العالـم هـو‬ ‫تعريـف التحـدي العالمـي‪ .‬كمـا أنـه دليـل آخـر علـى أن العولمـة حقيقـة وليسـت خيـا ًرا‪ .‬لقـد عـاث‬ ‫الوبــاء خرابًــا فــي البلــدان المفتوحــة والمغلقــة‪ ،‬الغنيــة والفقيــرة‪ ،‬الشــرقية والغربيــة‪ .‬والغائــب‬ ‫الحقيقـي هـو أي علامـة علـى اسـتجابة عالميـة ذات مغـزى‪( .‬يبـدو أن قانـون نيوتـن‪ ،‬وهـو أن لـكل‬ ‫فعـل رد فعـل معاكـس و متسـاو‪ ،‬تـم تعليقـه علـى مـا يبـدو) إن عـدم وجـود صلـة وثيقـة تقريبـاً‬ ‫بمنظمــة الصحــة العالميــة‪ ،‬التــي ينبغــي أن تكــون أساســية لمواجهــة التهديــد القائــم‪ ،‬يشــير إلــى‬ ‫الحالـة السـيئة للحكـم العالمـي‪ .‬‬ ‫ولكـن فـي حيـن أن هـذا الوبـاء جعـل هـذا الواقـع واض ًحـا بشـكل خـاص‪ ،‬فـإن الاتجاهـات‬ ‫الأساســية ســبقته منــذ فتــرة طويلــة‪ .‬ظهــور تحديــات عالميــة لا يمكــن لأي دولــة‪ ،‬مهمــا كانــت‬ ‫قوتهـا‪ ،‬أن تواجههـا بمفردهـا‪ ،‬وفشـل المنظمـات العالميـة فـي مواكبـة هـذه التحديـات‪ .‬والواقـع أن‬ ‫الفجـوة بيـن المشـاكل العالميـة والقـدرة علـى مواجهتهـا تقطـع شـوطا طويـا نحـو تفسـير حجـم‬ ‫الوبـاء‪ .‬الحقيقـة المحزنـة التـي لا مفـر منهـا هـي أنـه علـى الرغـم مـن اسـتخدام عبـارة “المجتمـع‬ ‫الدولـي” كمـا لـو كانـت موجـودة بالفعـل‪ ،‬إلا أنهـا فـي الغالـب طموحـة‪ ،‬تنطبـق علـى جوانـب قليلـة‬ ‫مـن الجغرافيـا السياسـية اليـوم‪ .‬هـذا الواقـع لـن يتغيـر فـي أي وقـت قريـب‪.‬‬ ‫وكانـت الاسـتجابات الرئيسـية للوبـاء وطنية أو حتـى دون وطنية‪ ،‬وليسـت دولية‪ .‬وبمجرد أن‬ ‫تمـر الأزمـة‪ ،‬سـيتحول التركيـز إلـى الانتعـاش الوطنـي‪ .‬في هذا السـياق‪ ،‬مـن الصعب رؤيـة الكثير‬ ‫مـن الحمـاس‪ ،‬علـى سـبيل المثـال‪ ،‬للتعامـل مـع تغير المنـاخ وخاصة إذا ظـل يُنظر إليه‪ ،‬بشـكل غير‬

‫‪207‬‬ ‫صحيـح‪ ،‬كمشـكلة بعيـدة يمكـن وضعهـا على الـرف لصالح معالجـة أزمات أكثـر إلحا ًحا‪.‬‬ ‫أحـد أسـباب هـذا التشـاؤم هـو أن التعـاون بيـن أقـوى دولتيـن فـي العالـم ضـروري لمواجهـة‬ ‫معظـم التحديـات العالميـة‪ ،‬لكـن العلاقـات الأمريكيـة الصينيـة كانـت تتدهـور لسـنوات‪ .‬هـذا الوبـاء‬ ‫يفاقـم الاحتـكاك بيـن البلديـن‪ .‬فـي واشـنطن‪ ،‬يحمـل الكثيـرون الحكومـة الصينيـة المسـؤولية‪ ،‬وذلـك‬ ‫بفضـل أسـابيع مـن التسـتر والخمـول‪ ،‬بمـا فـي ذلـك الفشـل فـي إغـاق ووهـان علـى الفـور‪ ،‬المدينة‬ ‫التـي بـدأ فيهـا التفشـي‪ ،‬والسـماح لآلاف المصابيـن بالمغـادرة ونشـر الفيـروس أكثـر‪ .‬إن محاولـة‬ ‫الصيـن الآن تصويـر نفسـها علـى أنهـا تقـدم نموذ ًجـا ناج ًحـا للتعامـل مـع الوبـاء واسـتخدام هـذه‬ ‫اللحظـة كفرصـة لتوسـيع نفوذهـا فـي جميـع أنحـاء العالـم سـيضيف فقـط إلـى العـداء الأمريكـي‪.‬‬ ‫وفــي الوقــت نفســه‪ ،‬لــن يغيــر شــيئًا بشــأن الأزمــة الحاليــة وجهــة نظــر الصيــن بــأن الوجــود‬ ‫الأمريكـي فـي آسـيا هـو حالـة شـاذة تاريخيـة أو يقلـل مـن اسـتيائها مـن سياسـة الولايـات المتحـدة‬ ‫بشـأن مجموعـة مـن القضايـا‪ ،‬بمـا فـي ذلـك التجـارة وحقـوق الإنسـان وتايـوان‪.‬‬ ‫اكتســبت فكــرة “الفصــل” الاقتصــادي بيــن البلديــن جاذبيــة كبيــرة قبــل الوبــاء‪ ،‬مدفو ًعــا‬ ‫بمخـاوف فـي الولايـات المتحـدة مـن أنهـا أصبحـت تعتمـد بشـكل كبيـر علـى خصـم محتمـل للعديـد‬ ‫مـن السـلع الأساسـية وهـي عرضـة بشـكل مفـرط للتجسـس الصينـي وسـرقة الملكيـة الفكريـة‪.‬‬ ‫الدافـع للانفصـال سـينمو نتيجـة للوبـاء‪ ،‬ويعـود ذلـك جزئيـاً فقـط إلـى المخـاوف بشـأن الصيـن‪.‬‬ ‫ســيكون هنــاك تركيــز متجــدد علــى إمكانيــة انقطــاع سلاســل التوريــد مــع الرغبــة فــي تحفيــز‬ ‫التصنيـع المحلـي‪ .‬سـتتعافى التجـارة العالميـة جزئيًـا‪ ،‬لكـن الحكومـات سـتدير الجـزء الأكبـر منهـا‪.‬‬ ‫إن المقاومـة فـي معظـم أنحـاء العالـم المتقـدم لقبـول أعـداد كبيـرة مـن المهاجريـن واللاجئين‪،‬‬ ‫وهــو اتجــاه كان مرئيًــا علــى الأقــل خــال نصــف العقــد الماضــي‪ ،‬ســوف يزيــد حــدة خــال‬ ‫فتـرة الوبـاء‪ .‬سـيكون هـذا جزئيـاً بسـبب القلـق مـن خطـر اسـتيراد الأمـراض المعديـة‪ ،‬ويرجـع‬

‫‪208‬‬ ‫ذلــك جزئيــاً إلــى أن البطالــة المرتفعــة ســتجعل المجتمعــات حــذرة مــن قبــول الغربــاء‪ .‬ســتنمو‬ ‫هـذه المعارضـة حتـى مـع اسـتمرار زيـادة عـدد النازحيـن واللاجئيـن‪ ،‬بالفعـل علـى المسـتويات‬ ‫التاريخيـة‪  ،‬بشـكل ملحـوظ حيـث لـم تعـد الاقتصـادات قـادرة علـى دعـم سـكانها‪.‬‬ ‫وسـتكون النتيجـة معانـاة إنسـانية واسـعة النطـاق وأعبـاء أكبـر علـى الـدول التـي لا تسـتطيع‬ ‫تحملهـا‪ .‬كان ضعـف الدولـة مشـكلة عالميـة كبيـرة لعقـود‪ ،‬لكـن الخسـائر الاقتصاديـة للوباء سـتخلق‬ ‫دو ًل أكثــر ضعفــاً أو فاشــلة‪ .‬ومــن شــبه المؤكــد أن هــذا ســوف يتفاقــم بســبب مشــكلة الديــون‬ ‫المتزايـدة‪ ،‬فقـد كان الديـن العـام والخـاص فـي معظـم أنحـاء العالـم بالفعـل فـي مسـتويات غيـر‬ ‫مسـبوقة‪ ،‬والحاجـة إلـى الإنفـاق الحكومـي لتغطيـة تكاليـف الرعايـة الصحيـة ودعـم العاطليـن عـن‬ ‫العمـل سـيؤدي إلـى ارتفـاع الديـن بشـكل كبيـر‪ .‬سـيواجه العالـم النامـي علـى وجـه الخصـوص‬ ‫متطلبـات هائلـة لا يمكنـه تلبيتهـا‪ ،‬ويبقـى أن نـرى مـا إذا كانـت البلـدان المتقدمـة سـتكون مسـتعدة‬ ‫لتقديـم المسـاعدة بالنظـر إلـى الاحتياجـات فـي الداخـل‪ .‬هنـاك احتمـال حقيقـي لحـدوث توابـع‪ ،‬فـي‬ ‫الهنـد والبرازيـل والمكسـيك وفـي جميـع أنحـاء إفريقيـا‪ ،‬يمكـن أن تؤثـر علـى الانتعـاش العالمـي‪.‬‬ ‫سـلط انتشـار ‪ COVID 19‬إلـى أوروبـا وعبرهـا الضـوء أي ًضـا علـى فقـدان زخم المشـروع‬ ‫الأوروبـي‪ .‬وقـد اسـتجابت البلـدان فـي معظمهـا بشـكل فـردي للوبـاء وآثـاره الاقتصاديـة‪ .‬لكـن‬ ‫عمليـة الاندمـاج الأوروبـي اسـتنفدت زخمهـا قبـل هـذه الأزمـة بوقـت طويـل‪ ،‬كمـا أظهـر خـروج‬ ‫بريطانيـا مـن الاتحـاد الأوروبـي بشـكل واضـح‪ .‬السـؤال الرئيسـي فـي عالـم مـا بعـد الوبـاء هـو‬ ‫إلـى أي مـدى سيسـتمر بنـدول السـاعة فـي التأرجـح مـن بروكسـل إلـى العواصـم الوطنيـة‪ ،‬حيـث‬ ‫تتسـاءل البلـدان عمـا إذا كان التحكـم فـي حدودهـا كان يمكـن أن يبطـئ انتشـار الفيـروس‪.‬‬ ‫مــن المرجــح أن يعــزز الوبــاء الركــود الديمقراطــي الــذي كان واضحــا منــذ ‪ 15‬عامــا‪.‬‬ ‫سـتكون هنـاك دعـوات لـدور حكومـي أكبـر فـي المجتمـع‪ ،‬سـواء كان ذلـك لتقييـد حركـة السـكان‬

‫‪209‬‬ ‫أو تقديـم المسـاعدة الاقتصاديـة‪ .‬سـيتعامل الكثيـرون مـع الحريـات المدنيـة علـى أنهـا مـن ضحايـا‬ ‫الحـرب‪ ،‬وهـي رفاهيـة لا يمكـن تحملهـا فـي الأزمـات‪ .‬وفـي الوقـت نفسـه‪ ،‬سـتظل التهديـدات التـي‬ ‫تشـكلها الـدول غيـر الليبراليـة مثـل روسـيا وكوريـا الشـمالية وإيـران موجـودة بمجـرد عـدم انتشـار‬ ‫الوبـاء‪ .‬فـي الواقـع‪ ،‬ربمـا ازدادت بالفعـل والعالـم مشـغول فـي مـكان آخـر‪.‬‬ ‫عالم في حالة فوضى كبرى‪.‬‬ ‫منـذ أكثـر مـن ثـاث سـنوات‪ ،‬نشـرت كتابًـا بعنـوان “العالـم فـي فوضـى”‪ .‬وصفـت المشـهد‬ ‫العالمـي وزيـادة التنافـس بيـن القـوى العظمـى‪ ،‬والانتشـار النـووي‪ ،‬والـدول الضعيفـة‪ ،‬وزيـادة‬ ‫تدفـق اللاجئيـن‪ ،‬وتنامـي القوميـة‪ ،‬إلـى جانـب انخفـاض دور الولايـات المتحـدة فـي العالـم‪ .‬مـا‬ ‫سـيتغير نتيجـة الوبـاء ليـس حقيقـة الفوضـى ولكـن مـدى هـذه الفوضـى‪.‬‬ ‫مـن الناحيـة المثاليـة‪ ،‬سـتجلب الأزمـة التزا ًمـا متجـد ًدا ببنـاء نظـام دولـي أكثـر قـوة‪ ،‬مثلمـا‬ ‫أدت كارثـة الحـرب العالميـة الثانيـة إلـى ترتيبـات تعزز السالم والازدهـار والديمقراطيـة لما يقرب‬ ‫مـن ثلاثـة أربـاع القـرن‪ .‬وسيشـمل مثـل هـذا النظـام تعاونًـا أكبـر لرصـد تفشـي الأمـراض المعديـة‬ ‫والتعامـل مـع عواقبهـا‪ ،‬بالإضافـة إلـى مزيـد مـن الاسـتعداد للتصـدي لتغيـر المنـاخ‪ ،‬ووضـع قواعد‬ ‫للفضـاء السـيبراني‪ ،‬ومسـاعدة المهاجريـن القسـريين‪ ،‬ومعالجـة الانتشـار والإرهـاب‪.‬‬ ‫ولكـن ليـس هنـاك سـبب يدعـو للاعتقـاد بـأن الماضـي سـيكرر نفسـه بعـد هـذه الكارثـة‬ ‫العالميـة الأخيـرة‪ .‬إن العالـم اليـوم لا يفضـي ببسـاطة إلـى قبـول إعـادة تشـكيله‪ .‬يتـم توزيـع السـلطة‬ ‫فـي أيـدي الكثيريـن‪ ،‬سـواء الدولـة أو غيـر الدولـة‪ ،‬أكثـر مـن أي وقـت مضـى‪ .‬و الإجمـاع غائـب‬ ‫فـي الغالـب‪ .‬لقـد تجـاوزت التقنيـات والتحديـات الجديـدة القـدرة الجماعيـة علـى التعامـل معهـا‪ .‬لا‬ ‫يوجـد بلـد واحـد يتمتـع بمكانـة الولايـات المتحـدة كمـا كانـت فـي عـام ‪.1945‬‬ ‫مـا هـو أكثـر مـن ذلـك‪ ،‬أن الولايـات المتحـدة ليسـت مسـتعدة فـي الوقـت الحالـي لتولـي‬ ‫دور دولـي رائـد‪ ،‬نتيجـة الإرهـاق الناجـم عـن حربيـن طويلتيـن فـي أفغانسـتان والعـراق وتزايـد‬

‫‪210‬‬ ‫الاحتياجـات فـي الداخـل‪ .‬حتـى إذا فـازت سياسـة “تقليديـة” خارجيـة مثـل نائـب الرئيـس السـابق‬ ‫جوزيـف بايـدن فـي الانتخابـات الرئاسـية فـي نوفمبـر‪ ،‬فـإن مقاومـة الكونغـرس والجمهـور سـتمنع‬ ‫عـودة واسـعة النطـاق لـدور أمريكـي موسـع فـي العالـم‪ .‬ولا يوجـد بلـد آخـر‪ ،‬لا الصيـن ولا أي‬ ‫شـخص آخـر‪ ،‬لديـه الرغبـة والقـدرة علـى مـلء الفـراغ الـذي خلقتـه الولايـات المتحـدة‪.‬‬ ‫بعـد الحـرب العالميـة الثانيـة‪ ،‬حفـزت الحاجـة إلـى مواجهـة التهديـد الشـيوعي الـذي يلـوح‬ ‫فـي الأفـق الجمهـور الأمريكـي لدعـم بلادهـم فـي تولي دور رائـد في جميـع أنحاء العالـم‪ .‬قال وزير‬ ‫الخارجية الأسـبق دين أتشيسـون مقولته المشـهورة إن الحكومة كان عليها أن تجعل الحجج “أوضح‬ ‫مـن الحقيقـة” لجعـل الشـعب الأمريكـي والكونغـرس يشـتركان فـي جهود احتـواء الاتحاد السـوفيتي‪.‬‬ ‫يقتـرح بعـض المحلليـن أن المحاججـة بالتهديـد الصينـي يمكـن أن يحفـز بالمثل الدعم الشـعبي اليوم‪،‬‬ ‫ولكـن السياسـة الخارجيـة القائمـة علـى معارضـة الصيـن لا تكفـي لمواجهـة التحديـات العالمية التي‬ ‫تشـكل عالـم اليـوم‪ .‬وفـي الوقـت نفسـه‪ ،‬فـإن مناشـدة الشـعب الأمريكي لوضـع معالجة هذه المشـاكل‬ ‫العالميـة فـي صميـم السياسـة الخارجيـة للولايـات المتحـدة سـيظل أم ًرا صعبًـا‪ .‬وبنا ًء علـى ذلك‪ ،‬فإن‬ ‫السـابقة الأكثـر صلـة بواقعنـا الآن والتـي يجـب مراعاتهـا قـد لا تكون الفتـرة التالية للحـرب العالمية‬ ‫الثانيـة‪ ،‬ولكـن الفتـرة التاليـة للحـرب العالمية الأولى‪ ،‬حقبـة من انخفاض التدخـل الأمريكي وتصاعد‬ ‫الاضطرابـات الدوليـة‪ .‬البقيـة كمـا يقولون‪ ،‬هـو تاريخ‪.‬‬ ‫‪*  ‬رئيس مجلس العلاقات الخارجية في الولايات المتحدة الامريكية‬ ‫رابط المقال الأصلي ‪:‬‬ ‫‪https://www.foreignaffairs.com/articles/united-states/2020-04- 07/‬‬ ‫‪pandemic-will-accelerate-history-rather-reshape-it?utm_medium=news-‬‬ ‫‪letters&utm_source=twofa&utm_campaign=The%20Pandemic%20Will%20‬‬ ‫‪Accelerate%20History%20Rather%20Than%20Reshape%20It&utm_con-‬‬ ‫‪tent=20200410&utm_term=FA%20This%20Week%20-%20112017‬‬

‫‪211‬‬ ‫الجائحة والنظام السياسي‬ ‫مكاسب للتكنولوجيا وتآكل الليبرالية وزيادة موجات الهجرة‬ ‫فرانسيس فوكوياما فورين أفيرز‬ ‫يوليو ‪ /‬أغسطس ‪2020‬‬ ‫عـادة مـا تخ ِلّـف الأزمـات الكبـرى عواقـب وخيمـة‪ ،‬وعـادة مـا تكـون غيـر متوقعـة‪.‬‬ ‫فقـد كانـت أزمـة الكسـاد الكبيـر سـبباً فـي تحفيـز الانعزاليـة والقوميـة والفاشـية والحـرب العالميـة‬ ‫الثانيـة؛ لكنهـا أدت أيضـاً إلـى عقـد صفقـة جديـدة‪ ،‬وهـي صعـود الولايـات المتحـدة كقـوة عظمـى‬ ‫عالميـة‪ ،‬وإنهـاء الاسـتعمار فـي نهايـة المطـاف‪ .‬وقـد أسـفرت هجمـات الحـادي عشـر مـن سـبتمبر‬ ‫عـن تدخلَيـن أمريكييَّـن فاشـلَين‪ ،‬أ َّديَـا إلـى صعـود إيـران‪ ،‬وظهـور أشـكا ٍل جديـدة مـن التطـرف‬ ‫الإسـامي‪.‬‬ ‫كمـا ولَّـدت الأزمـة الماليـة عـام ‪ 2008‬طفـرة فـي الشــعبوية المناهضـة للمؤسسـات‪،‬‬ ‫والتـي حلـت محـل القيـادة فـي مختلـف أنحـاء العالـم‪ .‬وسـيتتبع المؤرخـون فـي المسـتقبل آثـاراً‬ ‫كبيـرة مماثلـة لجائحـة فيـروس كورونـا الحاليـة؛ ويكمـن التحـدي فـي فهـم أبعادهـا مسـبقاً‪.‬‬ ‫ومـن الواضـح بالفعـل لمـاذا كان أداء بعـض البلـدان أفضـل مـن غيرهـا فـي التعامـل مـع‬ ‫الأزمـة حتـى الآن‪ ،‬وهنـاك كل الأسـباب التـي تدعونـا إلـى الاعتقـاد بـأن هـذه الاتجاهـات سـوف‬ ‫تسـتمر‪ .‬حيـث إن الأمـر لا يتعلـق بنظـام الحكـم‪ .‬فقـد كان أداء بعـض الأنظمـة الديمقراطيـة جيـداً‪،‬‬ ‫والبعـض الآخـر لـم يكـن كذلـك‪ ،‬وينطبـق الأمـر نفسـه علـى الأنظمـة الاسـتبدادية‪ .‬وقـد كانـت‬ ‫العوامـل المسـؤولة عـن الاسـتجابة الناجحـة للجائحـة هـي قـدرة الدولـة والثقـة الاجتماعيـة والقيـادة‪.‬‬ ‫وكان أداء الـدول التـي تمتلـك هـذه الخصائـص الثـاث‪ :‬جهـاز دولـة مختصـاً‪ ،‬وحكومـة‬

‫‪212‬‬ ‫يثـق بهـا المواطنـون ويسـتمعون إليهـا‪ ،‬وقـادة فعاليـن‪ ،‬مثيـراً للإعجـاب‪ ،‬وهـو الأمـر الـذي أدى‬ ‫إلـى الحـد مـن الأضـرار التـي لحقـت بهـم‪ .‬أمـا البلـدان التـي تعانـي اختـالاً فـي الأداء الحكومـي‪،‬‬ ‫ومجتمعاتهــا مســتقطبة‪ ،‬أو تفتقــر إلــى القيــادة‪ ،‬فــكان أداؤهــا ســيئاً للغايــة؛ الأمــر الــذي جعــل‬ ‫مواطنيهـا واقتصاداتهـا معرضيـن للخطـر وضعفـاء‪.‬‬ ‫وكلمــا تعلمنــا أكثــر عــن فيــروس (كوفيــد‪ ،)19-‬وهــو المــرض الناجــم عــن الفيــروس‬ ‫التاجـي المسـتحدث‪ ،‬بـدا أن الأزمـة سـتكون طويلـة‪ ،‬وتقـاس بالسـنوات بـدلاً مـن الشـهور‪ .‬ويبـدو‬ ‫الفيـروس أقـل فتـكاً ممـا كنـا نخشـى؛ لكنـه معـ ٍد جـداً وغالبـاً مـا ينتقـل دون أن تظهـر أعـراض‪ .‬وإذ‬ ‫نجـد وبـاء الإيبـولا مميتـاً للغايـة‪ ،‬فإنـه علـى الرغـم مـن ذلـك تصعُـب الإصابـة بـه؛ لأن الضحايـا‬ ‫يموتـون بسـرعة قبـل أن يتمكنـوا مـن نقلـه‪ .‬أمـا (كوفيـد‪ )19-‬فهـو علـى العكـس مـن ذلـك؛ مـا‬ ‫يعنـي أن النـاس لا يميلـون إلـى التعامـل معـه بجديـة كمـا ينبغـي‪ ،‬وهكـذا انتشـر وسيسـتمر فـي‬ ‫الانتشـار علـى نطـاق واسـع فـي جميـع أنحـاء العالـم‪ ،‬مسـبباً أعـداداً هائلـة مـن الوفيـات‪.‬‬ ‫ولـن تكـون هنـاك لحظـة تسـتطيع فيهـا البلـدان إعـان انتصارهـا علـى المـرض؛ بـل‬ ‫إن الاقتصـادات سـوف تنفتـح ببـطء وبشـكل مؤقـت‪ ،‬مـع تباطـؤ التقـدم بسـبب موجـات العـدوى‬ ‫اللاحقـة‪ .‬ويبـدو أن الآمـال فـي تحقيـق انتعـاش علـى شـكل حـرف (‪ )V‬بمقاييـس الأداء الاقتصـادي‬ ‫متفائلـة إلـى حـد كبيـر‪ .‬فعلـى الأرجـح سـتكون علـى شـكل (‪ )L‬ذي ذيـل طويـل ينحنـي لأعلـى أو‬ ‫سلسـلة مـن الصعـود والهبـوط‪ .‬والاقتصـاد العالمـي لـن يعـود إلـى أي شـيء مماثـل لحالـة مـا قبـل‬ ‫جائحـة كورونـا فـي وقـ ٍت قريـب‪.‬‬ ‫وعلـى الصعيـد الاقتصـادي‪ ،‬فـإن الأزمـة التـي طـال أمدهـا سـتعاني المزيـد مـن الإخفاقات‬ ‫والدمـار فـي قطـاع الأعمـال لصناعـات مثـل مراكـز التسـوق‪ ،‬وسلاسـل البيـع بالتجزئـة‪ ،‬والسـفر‪.‬‬ ‫وقـد ظلـت مسـتويات تركـز السـوق فـي الاقتصـاد الأمريكـي ترتفـع بشـكل مضطـرد لعقـود؛ لكـن‬

‫‪213‬‬ ‫الوبـاء سـيدفع هـذا الاتجـاه إلـى أبعـد مـن ذلـك‪ .‬ولـن يتسـنى إلا للشـركات الكبيـرة ذات رؤوس‬ ‫الأمـوال الضخمـة أن تخـرج مـن العاصفـة‪ ،‬مـع مكاسـب لعمالقـة التكنولوجيـا أكثـر مـن أي مجـال‬ ‫آخـر؛ حيـث أصبحـت التفاعـات الرقميـة أكثـر أهميـة مـن أي وقـت مضـى‪.‬‬ ‫وقـد تكـون العواقـب السياسـية أكثـر أهميـة‪ .‬ويمكـن اسـتدعاء الشـعوب للقيـام بأعمـال‬ ‫بطوليـة تتسـم بالتضحيـة الجماعيـة بالـذات لفتـرة مـن الوقـت؛ ولكـن ليـس إلـى الأبـد‪ .‬إن اسـتمرار‬ ‫انتشـار وبـاء كورونـا إلـى جانـب فقـدان الوظائـف بشـكل كبيـر‪ ،‬والركـود طويـل الأمـد‪ ،‬وعـبء‬ ‫الديـون غيـر المسـبوق‪ ،‬سـوف يخلـق حتمـاً توتـرات تتحـول إلـى رد فعـل سياسـي عنيـف‪ ،‬ولكـن‬ ‫ضـد مـن؟ لـم يتضـح الأمـر بعـد‪.‬‬ ‫أخطأت الولايات المتحدة في الاستجابة على نحو خطير وشهدت مكانتها تراجعاً هائلاً‪.‬‬ ‫سيسـتمر التوزيـع العالمـي للقـوة فـي التحـول نحـو الشـرق؛ حيـث كان أداء شـرق آسـيا‬ ‫أفضـل فـي إدارة الموقـف مقارنـة بأوروبـا أو الولايـات المتحـدة‪ .‬وعلـى الرغـم مـن أن الوبـاء نشـأ‬ ‫فـي الصيـن‪ ،‬وأن بكيـن قـد تسـترت عليـه فـي البدايـة‪ ،‬وسـمحت لـه بالانتشـار؛ فـإن الصيـن سـوف‬ ‫تسـتفيد مـن الأزمـة‪ ،‬علـى الأقـل بشـكل نسـبي‪.‬‬ ‫وكمـا حـدث‪ ،‬فقـد كان أداء حكومـات أخـرى هزيـاً فـي البدايـة وحاولـت تغطيـة الأمـر‬ ‫أيضـاً بشـكل أكثـر وضوحـاً؛ بـل وربمـا كانـت العواقـب أشـد فتـكاً بالنسـبة إلـى مواطنيهـا‪ .‬وعلـى‬ ‫الأقـل تمكنـت بكيـن مـن اسـتعادة السـيطرة علـى الوضـع‪ ،‬وهـي الآن تنتقـل إلـى التحـدي التالـي‪،‬‬ ‫وهـو اسـتعادة تقـدم اقتصادهـا بسـرعة وبشـكل مسـتدام‪.‬‬ ‫وعلـى النقيـض مـن ذلـك‪ ،‬أخطـأ ِت الولايـات المتحـدة فـي مـدى اسـتجابتها للأزمـة علـى‬ ‫نحـو خطيـر‪ ،‬وشـهدت مكانتهـا تراجعـاً هائـاً‪ .‬وعلـى الرغـم مـن أنهـا تمتلـك قـدرات هائلـة علـى‬

‫‪214‬‬ ‫مسـتوى الدولـة‪ ،‬ونجحـت فـي بنـاء سـجل باهـر فـي مـا يتعلـق بالأزمـات الوبائيـة السـابقة؛ فـإن‬ ‫مجتمعهـا الحالـي الـذي يتسـم بالاسـتقطاب الشـديد‪ ،‬وزعيمهـا غيـر الكفـؤ‪ ،‬كانـا سـبباً فـي منـع‬ ‫الدولـة مـن العمـل بفعاليـة‪.‬‬ ‫وقــد أ َّجــج الرئيــس الأمريكــي الانقســام بــدلاً مــن تعزيــز الوحــدة‪ ،‬وقــام بتســييس توزيــع‬ ‫المسـاعدات‪ ،‬وألقـى بالمسـؤولية علـى حـكام الولايـات؛ لاتخـاذ قـرارات محوريـة‪ ،‬بينمـا شـجع‬ ‫الاحتجاجـات ضدهـم لحمايـة الصحـة العامـة‪ ،‬كمـا هاجـم المؤسسـات الدوليـة بـدلاً مـن تحفيزهـا‪.‬‬ ‫وبوسـع العالـم أن يشـاهد التلفـاز؛ حيـث وقـف ترامـب مذهـولاً‪ ،‬حيـن سـارعت الصيـن بتوضيـح‬ ‫المقارن ـة‪.‬‬ ‫وعلـى مـدى السـنوات القادمـة‪ ،‬قـد يـؤدي هـذا الوبـاء إلـى انحـدار نسـبي للولايـات المتحـدة‪،‬‬ ‫واسـتمرار تـآكل النظـام الدولـي الليبرالـي‪ ،‬وعـودة الفاشـية فـي جميـع أنحـاء العالـم‪ .‬كمـا يمكـن أن‬ ‫يـؤدي أيضـاً إلـى ميـاد جديـد للديمقراطيـة الليبراليـة‪ ،‬وهـو النظـام الـذي أربـك المتشـككين مـرات‬ ‫عديـدة‪ ،‬وأظهـر قـدراً غيـر مسـبوق مـن القـدرة علـى الصمـود والتجديـد‪ .‬وسـوف تظهـر عناصـر‬ ‫مـن كلا الطيفَيـن‪ ،‬فـي أماكـن مختلفـة؛ ولكـن مـن المؤسـف أن التوقعـات العامـة قاتمـة مـا لـم تتغيـر‬ ‫الاتجاهـات الحاليـة بشـكل جـذري‪.‬‬ ‫صعود الفاشية‬ ‫مـن السـهل أن نتخيـل النتائـج المتشـائمة؛ فالقوميـة والانعزاليـة وكراهيـة الأجانـب والهجمات‬ ‫علـى النظـام العالمـي الليبرالـي مـا فتئـت تتزايـد لسـنوات‪ ،‬وهـذا الاتجـاه لـن يتسـارع إلا بسـب ِب‬ ‫هــذا الوبــاء‪ .‬وقــد اســتغلت الحكومــات فــي هنغاريــا والفلبيــن الأزمــة؛ لإعطــاء نفســها ســلطات‬ ‫الطـوارئ‪ ،‬الأمـر الـذي دفعهـا إلـى مزيـد مـن الابتعـاد عـن الديمقراطيـة‪.‬‬

‫‪215‬‬ ‫كمـا اتخـذت بلـدان أخـرى كثيـرة؛ بمـا فيهـا الصيـن والسـلفادور وأوغنـدا‪ ،‬تدابيـر مماثلـة‪.‬‬ ‫وقـد ظهـرت حواجـز أمـام حركـة الأشـخاص فـي كل مـكان؛ بمـا فـي ذلـك داخـل قلـب أوروبـا‪،‬‬ ‫وبـدلاً مـن التعـاون البنّـاء مـن أجـل تحقيـق الصالـح العـام للبلـدان‪ ،‬تحولـت الـدول إلـى الداخـل‪،‬‬ ‫وتصارعـت بعضهـا مـع بعـض‪ ،‬وجعلـت مـن منافسـيها كبـش فـداء سياسـي لإخفاقاتهـا‪.‬‬ ‫إن صعـود النزعـة القوميـة سـيزيد مـن إمكانيـة نشـوب صـراع دولـي‪ .‬وقـد يـرى القـادة أن‬ ‫المعـارك مـع الأجانـب مصـدر تشـتيت سياسـي مفيـد داخليـاً‪ ،‬أو قـد يغريهـم ضعـف أو انشـغال‬ ‫خصومهـم ويسـتغلون الوبـاء لزعزعـة اسـتقرار الأهـداف المفضلـة أو خلـق حقائـق جديـدة علـى‬ ‫الأرض‪ .‬ومـع ذلـك‪ ،‬ونظـراً لاسـتمرار تـوازن القـوى الـذي تفرضـه الأسـلحة النوويـة والتحديـات‬ ‫المشـتركة التـي تواجـه جميـع اللاعبيـن الأساسـيين؛ فـإن الاضطرابـات الدوليـة أقـل احتمـالاً مـن‬ ‫الاضطرابـات الداخليـة‪.‬‬ ‫وسـتتضرر البلـدان الفقيـرة ذات المـدن المزدحمـة‪ ،‬وأنظمـة الصحـة العامـة الضعيفـة بشـدة‪.‬‬ ‫وليـس مجـرد التباعـد الاجتماعـي بـل حتـى النظافـة البسـيطة مثـل غسـل اليديـن‪ ،‬سـتكون أمـراً‬ ‫بالـغ الصعوبـة فـي البلـدان التـي لا يحصـل فيهـا العديـد مـن المواطنيـن علـى الميـاه النظيفـة بشـك ٍل‬ ‫منتظـم‪ .‬وكثيـراً مـا جعلـت الحكومـات الأمـور أسـوأ بـدلاً مـن أن تكـون أفضـل سـواء عـن طريـق‬ ‫التخطيـط‪ ،‬أو التحريـض علـى التوتـرات الطائفيـة‪ ،‬وتقويـض التماسـك الاجتماعـي‪ ،‬أو ببسـاطة‬ ‫عـدم الكفـاءة‪.‬‬ ‫فالهنـد‪ ،‬علـى سـبيل المثـال‪ ،‬قـد زادت مـن تعرضهـا إلـى الخطـر مـن خـال إعلانهـا إغلاقـاً‬ ‫مفاجئـاً علـى مسـتوى البـاد بالكامـل دون التفكيـر فـي العواقـب المترتبـة علـى عشـرات الملاييـن‬ ‫مـن العمـال المهاجريـن الذيـن يحتشـدون فـي كل مدينـة كبيـرة‪ .‬وذهـب الكثيـرون إلـى منازلهـم‬ ‫الريفيـة‪ ،‬فنشـروا المـرض فـي جميـع أنحـاء البلـد؛ وبمجـرد أن عكسـت الحكومـة موقفهـا وبـدأت‬

‫‪216‬‬ ‫فــي تقييــد الحركــة‪ ،‬وجــد عــدد كبيــر منهــم أنفســهم عالقيــن فــي المــدن دون عمــل أو مــأوى أو‬ ‫رعايـة‪.‬‬ ‫وقـد كان النـزوح الناجـم عـن تغيـر المنـاخ يمثـل بالفعـل أزمـة بطيئـة الحركـة تختمـر فـي‬ ‫الجنـوب العالمـي‪ .‬لكـن الوبـاء سـوف يضاعـف مـن آثـاره‪ ،‬ممـا يقـرب أعـداداً كبيـرة مـن السـكان‬ ‫فـي البلـدان الناميـة مـن حافـة الكفـاف‪ .‬وقـد حطمـت الأزمـة آمـال مئـات الملاييـن مـن النـاس فـي‬ ‫البلـدان الفقيـرة الذيـن اسـتفادوا مـن عقديـن مـن النمـو الاقتصـادي المسـتدام‪.‬‬ ‫سـيزداد الغضـب الشـعبي‪ ،‬وسـوف يكـون تبديـد التوقعـات المتزايـدة للمواطنيـن فـي نهايـة‬ ‫المطــاف وصفــة كلاســيكية للثــورة‪ .‬وســوف يســعى اليائســون إلــى الهجــرة‪ ،‬وسيســتغل القــادة‬ ‫الديماغوغيـون الوضـع للاسـتيلاء علـى السـلطة‪ ،‬وسـينتهز الساسـة الفاسـدون الفرصـة لسـرقة مـا‬ ‫يمكنهـم سـرقته‪ ،‬وسـوف يضيِّـق العديـد مـن الحكومـات الخنـاق أو ينهـار تمامـاً‪.‬‬ ‫فـي الوقـت نفسـه‪ ،‬فـإن موجـة جديـدة مـن محـاولات الهجـرة مـن الجنـوب العالمـي إلـى‬ ‫الشـمال سـوف تقابـل بتعاطـف أقـل ومقاومـة أكبـر هـذه المـرة؛ حيـث يمكـن اتهـام المهاجريـن الآن‬ ‫بشـكل أكثـر مصداقيـة بجلـب المـرض والفوضـى‪ .‬وأخيـراً‪ ،‬فـإن مظاهـر مـا يسـمى البجـع الأسـود‬ ‫بحكـم التعريـف لا يمكـن التنبـؤ بهـا ولكـن مـن المحتمـل بشـكل متزايـد أن ينظـر المـرء إلـى أبعـد‬ ‫مـن ذلـك‪.‬‬ ‫فقـد عـززت الأوبئـة السـابقة رؤى نهايـة العالـم‪ ،‬والطائفيـة‪ ،‬والديانـات الجديـدة التـي نشـأت‬ ‫حـول القلـق الشـديد الناجـم عـن الشـدائد طويلـة الأمـد‪ .‬والواقـع أن الفاشـية يمكـن أن يُن َظـر إليهـا‬ ‫باعتبارهـا واحـدة مـن هـذه الطوائـف‪ ،‬التـي نشـأت مـن رحـم العنـف والتشـرذم الناجميـن عـن‬ ‫الحـرب العالميـة الأولـى ومـا أعقبهـا‪.‬‬

‫‪217‬‬ ‫وكانـت نظريـات المؤامـرة تزدهـر عـادة فـي أماكـن مثـل الشـرق الأوسـط؛ حيـث كان الناس‬ ‫العاديـون محروميـن مـن القـوة ويشـعرون بأنهـم يفتقـرون إلـى السـلطة‪ .‬لكنهـا اليـوم انتشـرت علـى‬ ‫نطـاق واسـع فـي جميـع أنحـاء البلـدان الغنيـة أيضـاً‪ ،‬ويرجـع الفضـل فـي ذلـك جزئيـاً إلـى البيئـة‬ ‫الإعلاميـة الممزقـة الناجمـة عـن الإنترنـت ووسـائل التواصـل الاجتماعـي‪ ،‬ومـن المرجـح أن توفـر‬ ‫المعانـاة المسـتمرة مـادة غنيـة للديماغوجييـن الشـعبويين؛ لاسـتغلالها‪.‬‬ ‫الديمقراطية المرنة‬ ‫وكمـا لـم يسـفر الكسـاد الكبيـر عـن الفاشـية فحسـب‪ ،‬بـل أعـاد أيضـاً تنشـيط الديمقراطيـة‬ ‫الليبراليـة‪ ،‬فقـد يـؤدي هـذا الوبـاء إلـى بعـض النتائـج السياسـية الإيجابيـة أيضـاً‪ .‬وكثيـراً مـا يتطلـب‬ ‫الأمـر مثـل هـذه الصدمـة الخارجيـة الهائلـة لإخـراج الأنظمـة السياسـية المتصلبـة مـن الركـود‬ ‫وتهيئـة الظـروف للإصـاح البنيـوي الـذي طـال انتظـاره‪ .‬ومـن المرجـح أن يتكـرر هـذا النمـط‬ ‫مـرة أخـرى‪ ،‬علـى الأقـل فـي بعـض الأماكـن‪.‬‬ ‫إن الواقـع العملـي للتعامـل مـع وبـاء كورونـا يحابـي المهنيـة والخبـرة؛ حيـث تتـم تعريـة‬ ‫الديماغوجيـة وعـدم الكفـاءة بسـهولة‪ .‬وينبغـي أن يـؤدي ذلـك فـي نهايـة المطـاف إلـى إحـداث تأثيـر‬ ‫مفيـد فـي الاختيـار‪ ،‬وأن يكافـئ الساسـة والحكومـات الذيـن يبلـون بـا ًء حسـناً‪ ،‬وأن يعاقـب أولئـك‬ ‫الذيـن يخفقـون‪.‬‬ ‫فقـد حـاول الرئيـس البرازيلـي جاييـر بولسـونارو الـذي أفـرغ المؤسسـات الديمقراطيـة فـي‬ ‫بـاده مـن مضمونهـا بشـكل مطـرد فـي السـنوات الأخيـرة‪ ،‬أن يخـادع للخـروج مـن الأزمـة‪ ،‬وهـو‬ ‫الآن يتخبـط ويقـود البـاد إلـى كارثـة صحيـة‪ .‬بينمـا حـاول فلاديميـر بوتيـن فـي روسـيا التقليـل‬ ‫مـن أهميـة الوبـاء فـي البدايـة‪ ،‬ثـم زعـم أن روسـيا كانـت تحـت السـيطرة‪ ،‬وسـوف يضطـر إلـى‬ ‫تغييـر نبرتـه مـرة أخـرى مـع انتشـار (كوفيـد‪ )19-‬فـي جميـع أنحـاء البـاد‪ .‬وكانـت شـرعية بوتـن‬

‫‪218‬‬ ‫قـد بـدأت تضعـف بالفعـل قبـل الأزمـة‪ ،‬وربمـا تسـارعت بسـبب هـذه العمليـة‪.‬‬ ‫وقـد سـلط الوبـاء ضـوءاً سـاطعاً علـى المؤسسـات القائمـة فـي كل مـكان‪ ،‬كاشـفاً عـن أوجـه‬ ‫قصورهـا وضعفهـا‪ .‬وقـد تعمقـت الفجـوة بيـن الأغنيـاء والفقـراء‪ ،‬سـواء بيـن النـاس أو البلـدان‪،‬‬ ‫وبســبب الأزمــة ســوف تــزداد تلــك الفجــوة حــدة خــال الركــود الاقتصــادي الــذي طــال أمــده‪.‬‬ ‫ولكـن إلـى جانـب هـذه المشـكلات‪ ،‬كشـفت الأزمـة أيضـاً عـن قـدرة الحكومـة علـى توفيـر الحلـول‬ ‫بالاعتمـاد علـى المـوارد الجماعيـة فـي هـذه العمليـة‪.‬‬ ‫والواقــع أن الإحســاس المســتمر بــروح “بمفردنــا معًــا” مــن شــأنه أن يعــزز التضامــن‬ ‫الاجتماعـي ويدفـع إلـى تنميـة وسـائل حمايـة اجتماعيـة أكثـر سـخا ًء إلـى الأمـام‪ ،‬تمامـاً كمـا كانـت‬ ‫المعانـاة الوطنيـة المشـتركة التـي صاحبـت الحـرب العالميـة الأولـى والكسـاد سـبباً فـي تحفيـز نمـو‬ ‫دول الرفاهـة الاجتماعيـة فـي عشـرينيات وثلاثينيـات القـرن العشـرين‪.‬‬ ‫وقـد يضـع هـذا حـداً للأشـكال المتطرفـة مـن الليبراليـة الجديـدة‪ ،‬وهـي أيديولوجيـا السـوق‬ ‫الحـرة التـي ابتكرهـا خبـراء اقتصـاد مـن جامعـة شـيكاغو‪ ،‬مثـل جـاري بيكـر‪ ،‬وميلتـون فريدمـان‪،‬‬ ‫وجـورج سـتيجلر‪ ،‬خـال ثمانينيـات القـرن العشـرين‪ ،‬فقـد قدمـت مدرسـة شـيكاغو تبريـراً فكريـاً‬ ‫لسياسـات الرئيـس الأمريكـي رونالـد ريجـان‪ ،‬ورئيسـة الـوزراء البريطانيـة مارجريـت تاتشـر‪،‬‬ ‫التـي اعتبـرت الحكومـة الضخمـة المتمـددة عقبـة فـي طريـق النمـو الاقتصـادي والتقـدم البشـري‪.‬‬ ‫فـي ذلـك الوقـت‪ ،‬كانـت هنـاك أسـباب وجيهـة لتقليـص العديـد مـن أشـكال الملكيـة الحكوميـة‬ ‫والتنظيـم؛ لكـن الحجـج تصلبـت وتحولـت إلـى ديـن ليبرالـي‪ ،‬غـرس العـداء لعمـل الدولـة فـي‬ ‫جيـل مـن المثقفيـن المحافظيـن؛ خصوصـاً فـي الولايـات المتحـدة‪ .‬ونظـراً لأهميـة اتخـاذ الدولـة‬ ‫إجـراءات قويـة لإبطـاء انتشـار وبـاء كورونـا‪ ،‬سـيكون مـن الصعـب القـول‪ ،‬كمـا فعـل ريغـان فـي‬ ‫خطـاب تنصيبـه الأول‪ ،‬إن “الحكومـة ليسـت الحـل لمشـكلتنا؛ الحكومـة هـي المشـكلة”‪ ،‬كمـا لـن‬

‫‪219‬‬ ‫يتمكـن أي شـخص مـن تقديـم حجـة معقولـة مفادهـا أن القطـاع الخـاص والأعمـال الخيريـة يمكـن‬ ‫أن تحـل محـل دولـة مختصـة أثنـاء حالـة الطـوارئ الوطنيـة‪.‬‬ ‫وفـي أبريـل الماضـي‪ ،‬أعلـن جـاك دورسـي‪ ،‬الرئيـس التنفيـذي لشـركة “تويتـر”‪ ،‬أنـه سيسـهم‬ ‫بمليـار دولار فـي الإغاثـة مـن وبـاء (كوفيـد‪ ،)19-‬وهـو عمـل خيـري اسـتثنائي‪ .‬وفـي الشـهر‬ ‫نفسـه‪ ،‬خصـص الكونغـرس الأمريكـي مبلـغ ‪ 2,3‬تريليـون دولار لدعـم الشـركات والأفـراد الذيـن‬ ‫تضـرروا جـراء الوبـاء‪ .‬وقـد تظـل كراهيـة الدولـة بيـن المحتجيـن علـى الحظـر؛ لكـن اسـتطلاعات‬ ‫الــرأي تشــير إلــى أن الغالبيــة العظمــى مــن الأمريكييــن يثقــون فــي نصائــح الخبــراء الطبييــن‬ ‫الحكومييـن فـي التعامـل مـع الأزمـة‪ .‬ويمكـن أن يزيـد ذلـك مـن الدعـم المقـدم للتدخـات الحكوميـة‬ ‫الراميـة إلـى معالجـة مشـكلات اجتماعيـة أساسـية أخـرى‪.‬‬ ‫وقــد تحفــز الأزمــة فــي نهايــة المطــاف تجــدد التعــاون الدولــي‪ .‬وفــي حيــن يلعــب القــادة‬ ‫الوطنيـون لعبـة إلقـاء اللـوم‪ ،‬يعمـل العلمـاء ومسـؤولو الصحـة العامـة فـي مختلـف أنحـاء العالـم‬ ‫علـى تعميـق شـبكاتهم واتصالاتهـم‪ .‬وإذا أدى انهيـار التعـاون الدولـي إلـى كارثـة وتـم الحكـم عليـه‬ ‫بالفشـل‪ ،‬فـإن الحقبـة التاليـة يمكـن أن تشـهد التزامـاً متجـدداً بالعمـل متعـدد الأطـراف؛ مـن أجـل‬ ‫تعزيـز المصالـح المشـتركة‪.‬‬ ‫لا تتفاءلوا كثيراً‬ ‫كان الوبـاء بمثابـة اختبـار ضغـط سياسـي عالمـي‪ .‬فالبلـدان التـي لديهـا حكومـات شـرعية‬ ‫قـادرة سـوف تمـر بشـكل جيـد نسـبياً وتتبنـى إصلاحـات تجعلهـا أقـوى وأكثـر مرونـة‪ ،‬وبالتالـي‬ ‫تيسـير أدائهـا المتفـوق فـي المسـتقبل‪ .‬أمـا البلـدان التـي تعانـي ضعـف قـدرة الدولـة أو ضعـف‬ ‫الزعامـة سـوف تكـون فـي مـأزق؛ حيـث إنهـا سـوف تعانـي الركـود‪ ،‬إن لـم يكـن الفقـر وعـدم‬ ‫الاسـتقرار‪ .‬والمشـكلة أن المجموعـة الثانيـة عددهـا أكثـر بكثيـر مـن المجموعـة الأولـى‪.‬‬

‫‪220‬‬ ‫ومــن المؤســف أن اختبــار الضغــط كان صعبــاً إلــى الحــد الــذي قــد يجعــل عــدداً ضئيــاً‬ ‫للغايـة مـن المرجـح أن يجتـازه‪ .‬ولمعالجـة المراحـل الأوليـة للأزمـة بنجـاح‪ ،‬لا تحتـاج البلـدان إلـى‬ ‫حكومـات قـادرة ومـوارد كافيـة فحسـب؛ بـل أيضـاً إلـى قـدر كبيـر مـن التوافـق الاجتماعـي وقـادة‬ ‫أكفـاء يمنحـون الثقـة‪.‬‬ ‫وقـد لبَّـت كوريـا الجنوبية هـذه الحاجة‪ ،‬ففوضـت إدارة الوباء إلى بيروقراطيـة صحية مهنية‪،‬‬ ‫وأيضـاً ألمانيـا بقيـادة أنجيال ميـركل‪ .‬والشـيء الأكثـر شـيوعاً هـو أن الحكومـات قصرت بشـكل أو‬ ‫بآخـر‪ .‬وبمـا أن إدارة بقيـة الأزمـة سـوف تكـون أيضـاً أمـراً بالغ الصعوبـة‪ ،‬فمن المرجح أن تسـتمر‬ ‫هـذه الاتجاهـات الوطنيـة؛ الأمـر الـذي يجعـل التفـاؤل الأوسـع نطاقـاً أمـراً بالـغ الصعوبـة‪ .‬وهنـاك‬ ‫سـبب آخـر للتشـاؤم‪ ،‬وهـو أن السـيناريوهات الإيجابيـة تفتـرض نوعـاً مـن الخطـاب العـام العقلانـي‬ ‫والتعلـم الاجتماعـي‪ .‬ولكـن الصلـة بيـن الخبـرة التكنوقراطيـة والسياسـة العامـة أضعـف اليـوم ممـا‬ ‫كانـت عليـه فـي الماضـي‪ ،‬عندمـا كانـت النخبـة تتمتـع بقـدر أكبر من السـلطة‪.‬‬ ‫وبالتالـي‪ ،‬فـإن إضفـاء الطابـع الديمقراطـي علـى السـلطة التـي حفزتهـا الثـورة الرقميـة قـد‬ ‫أدى إلـى تسـطيح التسلسـل الهرمـي المعرفـي جنبـاً إلـى جنـب مـع التسلسـات الهرميـة الأخـرى‪،‬‬ ‫وأصبـح صنـع القـرار السياسـي مدفوعـاً الآن بالثرثـرة المسـلحة فـي كثيـر مـن الأحيـان‪ .‬وهـذا لا‬ ‫يشـكل بيئـة مثاليـة للفحـص الذاتـي والجماعـي البنّـاء‪ ،‬وقـد تظـل بعـض النواحـي السياسـية غيـر‬ ‫منطقيـة لفتـرة أطـول مـن قدرتهـا علـى الوفـاء بواجباتهـا‪.‬‬ ‫إن أكبـر متغيـر هـو الولايـات المتحـدة‪ .‬وكان مـن سـوء حـظ البـاد أن يكـون القائـد الأكثـر‬ ‫عجـزاً وإثـارة للخـاف فـي تاريخهـا الحديـث علـى رأس السـلطة عندمـا ضربـت الأزمـة‪ ،‬ولـم‬ ‫يتغيـر أسـلوب حكمـه تحـت الضغـط‪ .‬فبعـد أن أمضـى فتـرة ولايتـه فـي الحـرب مـع الدولـة التـي‬ ‫يترأسـها‪ ،‬لـم يتمكـن مـن توظيفهـا بشـكل فعـال عندمـا اقتضـى الأمـر ذلـك‪ .‬وهـو الـذي اعتبـر أن‬

‫‪221‬‬ ‫أفضـل وسـيلة لخدمـة ثرواتـه السياسـية يأتـي عبـر المواجهـة والضغينـة بـدلاً مـن الوحـدة الوطنيـة‪،‬‬ ‫واسـتغل الأزمـة لشـن المعـارك وزيـادة الانقسـامات الاجتماعيـة‪ .‬وإذا كان ضعـف الأداء الأمريكـي‬ ‫أثنـاء الوبـاء لـه عـدة أسـباب؛ فـإن أهمهـا الزعيـم الوطنـي الـذي فشـل فـي القيـادة‪.‬‬ ‫ولعـل الصلـة بيـن الخبـرة التكنوقراطيـة والسياسـة العامـة أضعـف اليـوم ممـا كانـت عليـه‬ ‫فــي الماضــي‪ ،‬عندمــا كانــت النخــب تتمتــع بقــدر أكبــر مــن الســلطة‪ .‬وإذا ُمنــح الرئيــس فتــرة‬ ‫ولايـة ثانيـة فـي نوفمبـر‪ ،‬فـإن فـرص عـودة الديمقراطيـة أو النظـام الدولـي الليبرالـي علـى نطـاق‬ ‫أوسـع سـوف تنخفـض‪ .‬ولكـن أيـاً كانـت نتيجـة الانتخابـات‪ ،‬فمـن المرجـح أن يسـتمر الاسـتقطاب‬ ‫العميـق فـي الولايـات المتحـدة‪ .‬وسـوف يكـون إجـراء الانتخابـات أثنـاء انتشـار الجائحـة أمـراً بالـغ‬ ‫الصعوبـة‪ ،‬وسـتكون هنـاك حوافـز تدفـع الخاسـرين السـاخطين إلـى تحـدي شـرعيتها‪.‬‬ ‫وحتـى إذا اسـتولى الديمقراطيـون علـى البيـت الأبيـض وكل مـن مجلسـي الكونغـرس‪ ،‬فإنهـم‬ ‫بهـذا يرثـون دولـة جاثيـة علـى ركبتيهـا‪ .‬وسـوف تواجـه المطالبـة باتخـاذ إجـراءات حاسـمة جبـالاً‬ ‫مـن الديـون والمقاومـة المتشـددة مـن المعارضـة‪ .‬وسـتكون المؤسسـات الوطنيـة والدوليـة ضعيفـة‬ ‫ومترنحـة بعـد سـنوات مـن إسـاءة التعامـل معهـا‪ ،‬كمـا يسـتغرق إعـادة بنائهـا سـنوات‪ ،‬إذا كان ذلـك‬ ‫لا يـزال ممكنـاً مـن الأسـاس‪.‬‬ ‫ومــع مــرور أكثــر مراحــل الأزمــة إلحاحــاً ومأســاوية‪ ،‬فــإن العالــم يتحــرك نحــو دوامــة‬ ‫طويلــة مــن الكســاد‪ .‬وســوف يخــرج منهــا فــي نهايــة المطــاف بانقســامات أســرع مــن غيرهــا‪.‬‬ ‫ومـن غيـر المرجـح أن تحـدث اضطرابـات عالميـة عنيفـة‪ .‬وإذا كانـت الديمقراطيـة والرأسـمالية‬ ‫والولايـات المتحـدة قـد أثبتـت قدرتهـا علـى التحـول والتكيـف مـن قبـل‪ ،‬فإنهـا سـتحتاج إلـى القيـام‬ ‫بالمسـتحيل مـرة أخـرى‪.‬‬

‫‪222‬‬ ‫*فرانسـيس فوكويامـا هـو زميـل أوليفييـه نوميلينـي فـي معهـد فريمـان سـبوجلي للدراسـات‬ ‫الدوليـة بجامعـة سـتانفورد ومؤلـف كتـاب «الهويـة‪ :‬مطلـب الكرامـة وسياسـة الاسـتياء»‪.‬‬ ‫رابط المقال الاصلي‪:‬‬ ‫‪https://www.foreignaffairs.com/articles/world/2020-06-09/pandemic-and-political-order‬‬


Like this book? You can publish your book online for free in a few minutes!
Create your own flipbook